دُعَاءُ الصَّلاة الْعَامَّة

[في سنة١٩١٩ هبت البلاد في ثورة عامة تطلب استقلالها المغصوب، وأوفدت لذلك وفدًا ليرفع هذا الصوت في مؤتمر «فرساي»، فأُوصد الباب في وجهه، واضطر إلى أن يلبث في فرنسا سنة كاملة بين تعب ناصب، وجهاد طويل؛ ثم تلقى دعوة إلى المفاوضة مع الإنكليز في عاصمة بلادهم؛ يومئذ وضع المؤلف هذا الدعاء البليغ، فأجمع الناس من كل دين على أن يتوسلوا إلى الله أن يُعزَّ به نوّاب البلاد. وعقب صلاة الجمعة من يوم ١٧ رمضان سنة ١٣٣٨ — ٤ يونيو سنة ١٩٢٠ — ارتفعت أصوات المسلمين من كل مسجد في كل بلد من بلاد القطر تهتف بهذا الدعاء الحارّ، وملء القلوب أمل، وملء الأنفاس توسل ورجاء.]

اللهمّ قاهرَ القياصر، ومُذلَّ الجبابر، وناصرَ مَن لا له ناصر؛ ركنَ الضعيف ومادَّةَ قُواه، ومُلهِمَ القويّ خَشْيَتَهُ وتَقْواه، ومَنْ لا يحكم بين عِباده سواه؛ هذه كِنانَتُك فَزِعَ١ إليك بَنُوها، وهَرَعَ إليك ساكنوها؛ هلالاً وصليبًا،٢ بعيدًا وقريبًا، شُبَّانًا وشِيبا، نجيبَةً ونجيبا؛٣ مُستَبِقِين٤ كناش سَك المكرَّمة، التي رفعْتَها لقدسك أعْتَابا، مُيَمِّمين مساجدك المعظمة، التي شرعْتَها لكرمك أبوابا؛ نسألك فيها بعيسى روح الحق، ومحمد نبيّ الصدق، وبموسى الهرب من الرق؛ كما نسألك بالشهر الأبَرِّ والصائِميه،٥ وليله الأَغرِّ والقائِميه، وبهذه الصلاةِ العامَّةِ من أقباط الوادي ومُسْلميه: أن تُعزَّنا بالعتق٦ إلاَّ من وَلائِك، ولا تُذِلَّنا بالرق لغير آلائِك، ولا تحملنا على غيرِ حكمِك واستعلائِك،٧ اللهم إنَّ الملأ٨ مِنَّا ومنهم قد تداعَوْا٩ إلى الخُطَّة الفاضلة، والكلمة الفاصلة، في قضيتنا العادلة، فآتنا اللهم حقوقَنا كاملة، واجعل وفدَنا في دارهمْ هو وفدَك، وجندَنا الأَعزل إلا من الحق جندَك؛ وقلِّده١٠ اللهمَ التوفيق والتسديد، واعْصمْهُ في ركنك الشديد. أَقمْ نوَّابنا المقامَ المحمود، وظَلِّلْهُمْ بظلِّك الممدود، وكن أنت الوكيل عنَّا توكيلاً غير محدود، سبحانك لا يُحَدُّ لك كرمٌ ولا جود، ويُرَدُّ إليك الأمر كلُّهُ وأمرُك غير مردود؛ واجعل القوم محالفينا ولا تجعلهم مخالفينا، واحمل أهل الرأي فيهم على رأيْك فينا. اللهم تاجَنا منك نطلبُه، وعَرْشَنا إليك نخْطُبُه، واستقلالَنا التامَّ بك نستوجبُه؛ فقَلِّدْنا زِمَامنَا، وولِّنَا أحكامَنا، واجعل الحق إمامنا، وتممْ لنا الفرح، بالتي ما بعدها مُقْتَرح، ولا وراءَها مُطَّرح،١١ ولا تجعلنا اللهمََّ باغين ولا عادين، واكتبْنا في الأرض من المُصْلحين، غيرِ المفسدين فيها ولا الضالين.. آمين.
١  فزع إليه: استغاثه.
٢  أي من يحملا لهلال ومن يحمل الصليب.
٣  النجيب: الكريم. والنجيبة: مؤنثة.
٤  استبقوا: أي تسابقوا إلى.
٥  أي الذين يصومون فيه، وكذلك القائميه، وهنا «أل» موصولة.
٦  العتق: التحرير من الرق.
٧  الاستعلاء: الغلبة.
٨  الملأ هنا: بمعنى أشراف الناس.
٩  اجتمعوا.
١٠  قلده السيف: وضع حمالته في عنقه.
١١  اطرح الشيء: أبعده وطرحه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤