الفرق والأحزاب الصهيونية

قالت الأنسيكلوبيديا: يوجد تباين في الآراء بين صفوف الصهيونيين لا يمكن اجتنابه؛ لأن الحركة قومية، وقد نمت عدة فرق وأحزاب في الجامعة الصهيونية، وجعلت نفسها معروفة في المؤتمرات.

والمناقشات داخل المؤتمرات وخارجها تكون في أحيان عنيفة؛ لأنها ناشئة عن اختلافات راديكالية أو أصلية ترافق بطبيعتها كل حركة عمومية. وهذه أسماء بعض فرق الجمعية الصهيونية:
  • فرقة الحكومة: وهم أتباع هرتسل الخصوصيين الذين لازموه وناصروه في عمله مدة السبع سنوات.

    بروغرام هذه الفرقة هو الذي صرح به رئيس المؤتمر في جلساته العديدة، وهي تسعى إلى استحصال وطن مؤمن تأمينًا شرعيًّا لليهود في فلسطين وفي البلاد المجاورة لها، وتتمسك بقرار مؤتمر باسل بدون زيادة ولا نقصان هذه الفرقة الإدارية السياسية، ومع ذلك فهي لا تعارض في تقوية مركز اليهود في فلسطين بتحسين أحوالهم في الأمور الزراعية والصناعية.

  • فرقة الوسط: أما الفرقة الثانية فهي فرقة الوسط أو المزراحية، وهي عبارة عن عصبة اليهود المتدينين في الصهيونية.

    وقد تألف المزراحيون في مدة المؤتمر الخامس، وهم عبارة عن فرع حزب أديكال، ورئيسهم الرابي إسحاق يعقوب ديناس من ليدا في روسيا؛ حيث عقدوا اجتماعهم الأول في ٢٣ فبروار سنة ١٩٠٣، وكان عدد أعضاء هذه الفرقة في ذلك الزمن ١١ ألفًا، ولكنه تزايد كثيرًا فيما بعد. وفي سنة ١٩٠٣، أسس المزراحيون ١٥٢ جمعية صهيونية منهم، ليس فقط في روسيا، بل في ألمانيا وإنكلترا وغاليسيا وفلسطين، وانعقد مؤتمر مزراحي عمومي في برسبورغ في ٢١–٢٤ أوغسطس لسنة ١٩٠٤.

    وعقدت جمعياتهم الإنكليزية مؤتمرًا خصوصيًّا في لندرا في ١٩ يولي سنة ١٩٠٤، وامتدت فروع هذه الفرقة إلى أميركا أيضًا، حيث عقدت اجتماعين؛ أحدهما: في نيويورك في ٥–٧ ينوار سنة ١٩٠٥، والآخر في فيلادلفيا في ١٧ من شهر يوني. وللفرع الأميركي جريدة اسمها «جورنال السبت».

    والمزراحيون هم حزب الوسط الصهيوني، وقد كانوا مظاهرين لثيودور هرتسل، وبقوا بعد موته أمناء على مبادئه، وزادوا عليها صورة خصوصية «المحافظة على التقاليد اليهودية الأرثوذكسية»، ويصوتون في المؤتمرات مع حزب الحكومة. وبحسب بروغرامهم، فهم «هيئة صهيونية أرثوذكسية أمينة للتوراة والتقاليد في كل ما يتعلق بالحياة اليهودية والميل لأرض الأباء، وتسعى على أساس مؤتمر باسل لإتمام غرض اليهود على الشروط الموافقة والضامنة له».

  • البوال زيون أو الحزب الديمقراطي: وهو الحزب الذي يُشكِّل حزب اليسار، ويوجد بين صفوفه عدد من مشاهير السوسيالست، وإن يكن عدد هذه الفرقه قليلًا فقد برهنوا عن اقتدار في المؤتمر الثاني، وتغلبوا على مقاومة البروفسور مندلستون لهم ومحاولته إخراجهم. قوامهم في النمسا وسويسرا، ويوجد فرقة منهم تسمي نفسها علنًا «فرقة العملة السوسيالستية الصهيونية في لندرا وباريس». ظهروا في أميركا سنة ١٩٠٣، وعقدوا اجتماعهم الأول في ٢٩ أبريل سنة ١٩٠٤، فمثلت فيه ١٢ جمعية، ولهم جريدة اسمها «النيوشتمي» أو النغمة الجديدة. هم مرتبطون في الولايات الأميركية مع الاتحادية الأميركية.
    يُظَن في بعض الدوائر أن هذه الفرقة تخدم غرضها الاشتراكي أكثر من عملها الصهيوني، ويدعي أعضاؤها أنهم مرغمون على مقاومة استعمار فلسطين. يظهر في ذلك من الصعوبة وقد كانت البند Bund في روسيا معارضة للصهيونية بدعوة أن الصهيونية أبت مساعدة يهود رومانيا سنة ١٨٩٧.

    ولكن منذ ذلك العهد أخذ أعضاء البند يتقربون من الصهيونية، وصاروا يهود مليين يشتغلون من أجل الإدارة الملية.

  • الزيون زيونست: يوجد فرقة بهذا الاسم ضمن الجمعية العمومية. وقد نشأت على أثر المناقشات التي دارت في المؤتمر السادس.
    زعيم هذه الفرقة أوسيسكين من ياكاترينوسلاف. كان أوسيسكين في مدة انعقاد المؤتمر السادس يرأس مؤتمر فلسطين الذي سبق ذكره، وقد صرح بكونه ليس فقط معارضًا لمشروع شرقي أفريقيا، بل للشكل الارتباطي الذي اتخذه التصويت في المؤتمر، في الكراس «بروغرامنا» Unser Programm الذي صدر في فيينا سنة ١٩٠٥، وضع أوسيسكين مبادئ الفرقة الجديدة، مدعيًا أن أعمال هرتسل السياسية فشلت، وأن المسألة تحتاج إلى العمل السريع في فلسطين بدون انتظار منحة أو امتياز.
    وأن الأراضي يجب مشتراها بالحال بجانب من مال المصرف الملي، ويجب أن تدير جمعيةٌ العملَ السياسي الذي يجب أن يُرافق الاستعمار، وتألفت جمعية للاستعمار دعيت باسم غيلا Geulla، وطُلبت مساعدة جمعية الإيكا التي تستعمر الآن في فلسطين، «ومن وكلائها الخواجات: شتاركمت، وكلفريسكي، وروزنك، ومن مستخدميها الوطنيين: سليم أفندي منصور من حيفا، وإبراهيم أفندي عبادي من طبريا»، ومساعدة جمعيات الاستعمار الأخرى. وتأسست جمعية فلسطينية صهيونية في لندرا في أيار سنة ١٩٠٥، وانتخب لها الحاخام غاستر رئيسًا. غايتها العمل على منهاج جمعيات الاستعمار كالإيكا وغيرها.

    منذ عقد المؤتمر السادس والمسيو أوسيسكين يشتغل بلم شعث مريديه وجمع كلمتهم، وانعقد اجتماع أولي في فريبرغ، عقبه انعقاد المؤتمر السابع، فبلغت فيه أصوات فرقة الزيونست ٣٦٠ صوتًا، وهي الأغلبية في المؤتمر.

  • فرقة التريتورياليين: قوام هذه الفرقة أكثرهم من الذين رغبوا إلى المؤتمر قبول ما عرضته الحكومة الإنكليزية — استعمار شرقي أفريقيا — ولكنهم ما لبثوا أن قرروا مبدأهم على استحصال مقاطعة في أي بلاد كانت يحصلون فيها على استقلال إداري. وكان إسرائيل زنكويل رئيس هذه الفرقة وزعيمها، وعلى رغم احتجاجه بوجوب خضوع الأقلية للأكثرية، كان يشعر بأن حاجة الشعب اليهودي التائه التي تسبب مهاجرتهم الدائمة تستدعي حلًّا أسرع مما تستطيع القيام به الصهيونية السياسية.

    قالت الأنسيكلوبيديا: اعتقد زنكويل أن الأكثرية في المؤتمر السادس كانت في جانب التريتورياليين، ولكن الحقيقة أن الأكثرية لم تنحز إليهم، وإنما صوتت من أجل إرسال قومسيون يرول شرقي أفريقيا فقط.

    وقالت أيضًا: إن القسم العظيم من الصهيونيين رأوا في خطة هذه الفرقة الجديدة انشقاقًا عن الأكثرية، وأنها فرقة صهيونية بلا صهيون.

  • فرق أخرى: ظهرت فرق أخرى أقل اشتهارًا من الفرق التي تقدم ذكرها؛ منها فرقة الصهيونيين السياسيين، الذين عقدوا اجتماعًا خصوصيًّا في وارسو سنة ١٩٠٥ رأسه البروفسور مندلستام.

    هذه الفرقة معارضة للتريتورياليين، ولكنها من بعض الوجوه فلسطينية، وترغب في أن تعمل بالاتفاق مع فرق أخرى في جعل المهاجرة إلى بلاد غير فلسطين على شروط حكم إداري.

    ولكنهم من الجهة الثانية يرغبون بقاء العمل في فلسطين، ومن أجلها، ويوافقون على عدم استعمال الأموال الصهيونية في غير بلاد فلسطين.

    يدَّعون أنه كان لهم ٤٥ عضوًا في المؤتمر الخامس. وفي المؤتمر السابع ألفوا فرقة خصوصية.

ويوجد فرقة أخرى أصغر من هذه أيضًا تسمى «الصهيونية السياسية الحقيقية»، يرأسها نوسيغ وتريتش، وهؤلاء معارضون لفرقة الزيون زيونست وللتريتورياليين. هم يعتقدون أن أهمية الحكم الإداري في لم شعث اليهود مبالغ فيها، ويريدون أن تهتم الصهيونية في إحراز استعمار مشروع في فلسطين والبلاد المجاورة، وتقدم اقتصادي منظم في الشرق الأدنى، ومشترى الأراضي في فلسطين وحواليها، والاستقصاء عن الموارد الزراعية والتجارية فيها، واتخاذ ما يمكن نواله من التدابير السياسية.

ويوجد فرقة أخرى صغيرة تدعى الصهيونية المعنوية، وهي تعتبر أن اليهودية بافتقار إلى أسمى مما يحتاجه اليهود، إلى مركز روحي ملي في فلسطين، وبعد تجديد قلوب اليهود وجذب أرواحهم إلى المركز، فحينئذٍ يمكن جمعهم هم في المركز. كثيرون يحترمون فكرة أحاد. ها. أم، زعيم هذه الفرقة، ويعتبرونها رأْيًا فلسفيًّا، ولكنهم في الفعل يعضدون الصهيونية.

اختتمت الأنسيكلوبيديا بقولها: إن هذه الفرق كان لها تأثير على مجرى الصهيونية العمومي.

غير أن ما كان يتصدى لمبادئ مؤتمر باسل الرئيسية منها لم يلاقِ سوى الرفض.

وظهر استعداد عظيم للقيام بالعمل في فلسطين على قواعد فعلية بدون انتظار نتيجة العمل السياسية الإدارية النهائية.

هنا انتهى ملخصًا ما نقلته الأنسيكلوبيديا عن الصهيونية، وسنبدأ في العدد القادم بنشر مطالعاتنا بالإيجاز المقتضي على هذه الحقائق التي لا يُستهان بها.

تبين من تقرير الأنسيكلوبيديا اليهودية الذي تقدم أن الصهيونية حركة عظيمة تشغل أفكار وقلوب اليهود في أقطار العالم كله، وأن القائمين بتدبيرها هم من أقدر رجال العالم، وقد عرفوا كيف يوفقون بين الأميال الدينية والقومية، وهي مؤسسة على قواعد صحيحة تكفل انضمام اليهود إليها، فهي تحافظ على التقاليد الدينية، وترمي إلى إيجاد وطن خاص بالشعب اليهودي، وتسعى بجمع المال لذلك، وبإنماء الشعائر القومية، وبتعليم الناشئة، وبمشترى الأراضي، وبولوج أبواب التجارة والاقتصاد، ونوال الامتيازات الكبرى والصغرى، طبقًا لبروغرامها.

ومن البديهي أن الأنسيكلوبيديا بذل واضعوها كل ما في الإمكان لعدم تنبيه العثمانيين لهذه الحركة، ومع كل هذا فقد ظهر لنا فيها ما لو أضفناه إلى ما يبدو من أعمال الجمعيات، ومقاطعة اليهود للعثمانيين وغير ذلك، لكفى بأن يجعلنا نكون على تمام الحذر.

ولقد ذكرنا قول هرتسل في أحد المؤتمرات بأن شرقي أفريقيا ليست فلسطين ولا يمكن أن تكون، وكذلك برد الصدر الأعظم حقي باشا على إسماعيل حقي بك مبعوث كوملجنه؛ إذ قال: إن السير كاسل كان في مصر، ولم يسع بتمليك اليهود فيها، متخذًا قوله هذا دليلًا على كون السير أرنست كاسل بعيدًا عن فكرة اليهود السياسية، كأن اليهود لا يفرقون بين مصر وفلسطين أرض الميعاد.

ثم إن الجمعية التي اهتمت لها حكومة بريطانيا، وجرت المفاوضات بينها وبين حكومات روسيا وإيطاليا والولايات المتحدة لا يمكن أن يقال عنها: خيالية، واعتماد الصدر الأعظم والبعض من رجال السياسة على اهتمام الدول المسيحية بالمحلات المقدسة في القدس غير متين الوضع؛ لأن الإنسان يجب أن يعتمد قبل كل شيء على نفسه في صيانة أملاكه وحقوقه، فضلًا عن كون الدول المسيحية ما دامت المحلات المقدسة مصونة سيان عندها كانت البلاد بيد الحكومة العثمانية أو بيد اليهود.

ثم إن هرتسل فطن لهذا الأمر واحتاط له، وخابر الحكومات وقداسة البابا على ما نعتقد بشأنه، وقرر في أحد المؤتمرات حفظ امتيازات محلات المسيحيين المقدسة في فلسطين.

قالت الأنسيكلوبيديا: قلة المال كانت السبب في عدم نجاح هرتسل باقتطاع فلسطين في عهد عبد الحميد؛ فالآن المال أصبح موجودًا بكثرة، والشعب اليهودي صار على تمام الاستعداد، فهل تحول الحكومة العثمانية وشعبها دون تحقيق أمانيهم؟ أم نتركهم يعملون غير مبالين، ومعللين أنفسنا بأن حركتهم وهمية، حتى إذا نالوا أمانيهم قمنا نصيح ونحتج شأننا في كل الأمور؟

وقالت أيضًا: إن نوال حكومات البلقان حريتها كان السبب في نشاط آمال اليهود، فهل نترك اليهود يحققون آمالهم لنُنشِّط آمال الأقوام الآخرين؟

أنا أرتجف من استعمال لفظتي: وهم، وخيال؛ لأن الذين يستطيعون الاستيلاء على نصف أموال العالم بمزاحمة الشعوب النشيطة وهم في حالة الضعف والتشتيت، ويكون لهم تأثير عظيم على سياسة ممالك العالم بأسرها، أيعجزون عن تحقيق أمنيتهم في سوريا وفلسطين إزاء حكومة كحكومتنا أحوالها المالية على ما هي عليه من الضعف، وشعبها مما لحق به من الظلم والاستبداد فقد نشاطه، وضعفت وطنيته، والدول الأجنبية تطمع فيها في كل أمر؟ أيعجزون عن ذلك لا سيما بعد أن يكونوا جمعوا كلمتهم، ولموا شعثهم؟

قلنا: لنا جولة في الأنتيسيمتزم «ضد اليهود»؛ فالأنتيسيمتزم هي نتجية السيمتزم، ولولا ظهور اليهودية في الشعب اليهودي لما ظهر ضدها في أوروبا بين الشعوب المتمدنة التي لا تفرق بين أبناء الإنسانية الذين لا يحيدون عن قواعدها، فمن يكفل لنا أن السيمتزم أو اليهودية التي ظهرت في قلب العالم المتمدن واليهود بحالة الضعف، لا تظهر بأجلى معانيها في الشرق مهد التعصبات المذهبية وهم في طور القوة؟ إنها — ورَبِّي — تظهر في كل حركة من حركات اليهود المستعمرين.

كرهت شعوب الأرض بقاء اليهود في بلدانهم يزاحمونهم على الرزق، فرغبوا في عزلهم ليرتاحوا منهم؛ ولذلك ولأسباب أخرى فحكومات أوروبا تساعدهم على تحقيق آمالهم عندنا.

ويؤيد ذلك أن جونستون، الكاتب السياسي الشهير، ذكر سلخ فلسطين مرتين في مقالاته في مجلة القرن التاسع عشر هذه السنة، فإذا كانت أوروبا تروم الخلاص من السيمتزم، أمن العدل أن لا تبالي حكومتنا بها، وهي ستظهر عما قريب بمنتهى القوة في بلادنا، لا سيما وأن اليهود يطمعون عندنا بما لا يطمعون به في أوروبا.

تبين لنا أن لهم غير الصهيونية جمعيات مختلفة، ولكنها كلها ترمي إلى استعمار سوريا وفلسطين واستيطانها، غير أن الفرق بين هذه الجمعيات أن الصهيونية تجاهر بغايتها السياسية. أما الجمعيات الأخرى فهي تروم أن تقوم بالعمل بصورة تدريجية واقتصادية، وتستر الغرض السياسي حتى يتسنى لها إظهاره.

ولذلك حاول هرتسل إقناع السلطان السابق عبد الحميد بأن عمله ليس فيه شيء من الخدعة؛ لأنه يظهر كل ما يضمر.

رأينا أن ترتيب الجمعية الصهيونية أشبه بترتيب الحكومات الديمقراطية، فالمؤتمرات هي بمثابة البرلمانات، والجمعية العاملة الصغرى هي بمقام الهيئة الإجرائية، والجمعية العاملة الكبرى عبارة عن مجلس شورى، ولهم إدارة مالية ومصارف تجارية زراعية، وإدارة معارف وتهذيب، وجمعيات جمناستيكية على الأصول الرومانية لتقوية العضل، وللتدريب على الحركات الجندية، وإدارة بريد وراية، وما شاكل ذلك من الأمور التي يجب أن لا يتغاضى عنها القابضون على زمام الدولة؛ لئلا يبقوا لهم أثرًا مكروهًا في تاريخ هذه الأمة التي اشترى أسلافها البلاد بدماء ثمينة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤