ماذا تعلم؟

إن الذي يطالع تقرير الأنسيكلوبيديا يرى أن للجمعية فروعًا رئيسية في أكثر عواصم ممالك العالم، عدا عن الشُّعب المنتشرة في كل المحلات اليهودية.

وهي تسلم العمل السياسي في الغالب للفروع الموجودة في عواصم الحكومات التي تكون سياستها ولائية مع الحكومة العثمانية، فبينما أكثر مصارفها وشركاتها مسجلة في بلاد الإنكليز، ترى جمعية برلين اليوم تدبر الحركة السياسية بمناسبة الزعم بأن الدولة العثمانية تميل لحكومة برلين، ويؤيد ذلك الخطاب الذي ألقاه أحد الصهيونيين في جمعية الاتحاد والترقي في سلانيك؛ إذ وجه المطاعن نحو السياسة الإنكليزية فيما بين النهرين، وأثنى على السياسة الألمانية هناك، الأمر الذي أوجب كدر الاتحاديين، وترك كثيرين منهم النادي كي لا يسمعوا خطابه الذي انتقدته جريدة الروملي بعدئذٍ بشدة. وسننشر ما اتصل بنا من ذلك في أعداد الكرمل الآتية.

أما عقيب إعلان الدستور، فقد هددنا أحد وكلاء الاستعمار بقوله: «أنا فرنساوي، وجمعيتي «الإيكا» إنكليزية.» ومن هذا ومن تظاهرهم بالميل للعثمانية في هذه البلاد يُعلَم أنهم يحتالون ليستفيدوا من جميع الظروف، ويميلون مع السياسة كيفما مالت رغبةً في تحقيق أمانيهم.

ومما يؤلم أن بعض اليهود العثمانيين يجعلون أنفسهم آلة بيد المستعمرين، فيعيرونهم أسماءهم لمشترى الأراضي، ولنا على ذلك أدلة قوية لا يناسب ذكرها مراعاة للأحوال الحاضرة، ولكنها لا تلبث أن تظهر من ذاتها فيما بعد، وهذا لا يجب أن يدعو إلى الاستغراب، فبعد أن امتدت الصهيونية هذا الامتداد، ونجحت هذا النجاح، فلا بدع إذا ساعدها اليهود وعلقوا آمالهم عليها في إعادة حياتهم القومية، واسترداد مجدهم الزائل، لا سيما وفي التقاليد اليهودية أنه لا يجوز إعطاء الجزية لملك غير يهودي. وفي التوراة أن دفع اليهود لأيدي الأمم الأخرى قصاص من الله.

اليهود يسخرون بنا بقولهم: إنهم يحبون العثمانية، ويريدون أن يتفيئوا بظل الهلال، وإنهم سئموا معاشرة الأميركان والروس والفرنساويين والإنكليز وغيرهم من الشعوب؛ لأنهم حاصلون في تلك البلدان على راحة وحرية لم نبلغها نحن بعدُ. وهم يريدون الانتفاع بجهلنا، والاستفادة من خمولنا، ومن تفرق كلمتنا، وضعف وطنيتنا؛ ليستولوا على بلادنا وموارد رزقنا، ويتمموا مقررات التاريخ لهم كما قال زعيمهم الدكتور مكس نوردو. ولو كان الأمر كما يقولون لكنا نرى العثمانية تتجلى في كل مظهر من مظاهرهم، ولكن ما نراه من أفعالهم لا ينطبق على أقوالهم البتة.

ما كنا أبدًا لنعارض الاستعمار الإسرائيلي لو كان مجردًا عن الغاية السياسية التي لم يعد في وسعهم إنكارها، ولو كانوا يرضون بغير فلسطين وسوريا مهجرًا، وأن يعيشوا متفرقين بين العثمانيين، وأن يتعثمنوا حقيقةً لا تمويهًا، وأن يعاملوا العثمانيين كما يعاملون بعضهم في الأخذ والعطاء، والبيع والشراء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤