الفصل الأول

(في غرفة مكتب حسنين بيه عضو مجلس النواب والمقاول. ليس في الحجرة شيء من اسمها إلا مكتب قديم ضخم فوقه صورة لرجل عجوز في ملابس بلدية، وعدة مقاعد، ومائدة صغيرة، ودولاب. للحجرة بابان؛ الأيمن يؤدي إلى داخل البيت، والأيسر يؤدي إلى الخارج. يُرى حسنين بيه جالسًا خلف المكتب منهمكًا في الكتابة، وتدخل زوجته أبرز ما فيها أنها تبدو أصغر منه بكثير.)

الزوجة : الساعة بقت ٤ دلوقت، مش تقوم تستريح شوية.
حسنين (بجفاء) : وأنا إمتى استريحت؟ طول عمري وأنا في الهم ده.
الزوجة : طيب مش تقوم تاكل لقمة وبعدين ترجع تشتغل تاني.
حسنين : وهو الراجل اللي وراه مشغوليات بيجيلو نفس ياكل حاجة.
الزوجة (تجلس) : أنا عارفة شغل إيه ده اللي أنت طول النهار خاوت بيه دماغك؟
حسنين (يُلقي بالقلم) : العزبة المهببة، عزبة بنايوتي اللي كانت خرابات وعشش وعقارب، بقت مدينة ترد الروح، تشرح القلب.
الزوجة : طيب مش اتبنت وخلاص؟
حسنين : أيوه صحيح، خلاص البلاط والشبابيك والأدوات الصحية، إنما لِسَّه الخوتة، وقلبة الدماغ ما خلصتش، لحد امبارح بس المصاريف ٣٥٠ ألف جنيه.
الزوجة : وأنت إيه اللي كان شبكك في الخوتة دي؟
حسنين (بغضب) : رجعنا للكلام الفارغ، إيه اللي كان شبكك؟ إيه اللي جاب رجلك؟ إيه اللي وقَّعك؟ كلام لا يودي ولا يجيب.
الزوجة : طيب أُمَّال بتشتكي ليه؟
حسنين : بلاش يا ست، هاتي إبرة وفتلة أخيط بُقي (ينهض من مكانه) آل بتشكي ليه، لأ أغني وارقص، ٣٥٠ ألف من لحم الحي دا الواحد بيقطعولو إيْد والَّا رِجل بيصرُخ لما يقول بَس، ودي لا إيْد ولا رِجل دا شقى العمر كله.
الزوجة : طيب انت مش متِّفق مع الانجليز هتأجرهلهم.
حسنين : ما هو دا اللي شاغلني، قدمنا ٧ سنين عشان نلم حقها (بأسف) يا عالم بقى حنعيش ٧ سنين كمان ولا مش حنعيش؟!
الزوجة : ربنا يديك طولة العمر.
حسنين : وهو أنا عاوز طولة العمر لنفسي! أنا عملت كتير وقليل خدت إيه؟
الزوجة : أهو كل شيء بثوابه.
حسنين (منهمكًا) : أيوه بثوابه، مش عاوزين ثوابه يا ست، بس يا ريتنا خالصين.

(يدخل نسر فرَّاش المكتب يناول حسنين بيه خطابًا وينصرف، حسنين يفتح الخطاب ويقرأ فيه.)

الزوجة : خير انشالله.
حسنين : سي ممدوح يا ستي، بقاله شهرين ما سألش فينا، ودلوقت باعت عاوز فلوس.
الزوجة : وماله، ربنا يخليه ويصرف.
حسنين : وماله إيه؟! أنا أما كنت في سنه ماكنتش لاقي أحلق. كان القرش أعز عندي من روحي، كنت أضيع روحي ولا أضيعش القرش.
الزوجة : الزمن اتغير يا حسنين.
حسنين : قولي اتشقلب، حضرته بياخد ٤٠ جنيه في الشهر ومش مقضيه.
الزوجة : بكرة يبقى عال، ويبقى باشمهندس قد الدنيا.
حسنين : بس ينفع نفسه، أهو بقاله ٣ سنين في أولى هندسة، أنا ما لقيتش حد يوديني صنعة.

(تدخل سميرة ابنة شقيق حسنين من الباب وتسير مهرولة.)

سميرة : مساء الخير يا عمي، ما شفتش بابا؟
حسنين : وهو حد بيشوف بابا إلا كل فجرية.
سميرة (مضطربة) : دا خرج م الصبح مارجعش.
حسنين : تلاقيه مرمي في أي خمَّارة والَّا على أي رصيف، ما هو أنا بصراحة بقى، ما فيش حاجة شاغلة مخي ومِبرجلاني أد إسماعيل أبوكي … سيرتنا بقت في بق الناس زي اللبانة.
الزوجة : اهو أخوك برضه يا حسنين.
حسنين : ما هو دا اللي مجنني، يا ريته واحد غريب، إلَّا المصيبة أخويا … النهاردة اللي بيشم ريحة خمرة في أي حتة بيعرف أن أخويا إسماعيل كان فايت من هناك.
سميرة : ولا فيش طريقة يا عمي؟
حسنين : الطريقة الوحيدة أنه يسيبني، أنا نائب البلد ولِيَّا أعداء كتير، ومش ناقص بلاوي.
الزوجة : يسيبك ويروح فين يا حسنين، وهو ليه حد غيرك؟!
حسنين : يروح يقعد مع ممدوح في مصر. إللي عاوزه ياخده بس يفارقني.

(تبكي سميرة، يتقدم حسنين منها ويربت على كتفها.)

حسنين : أنتي زعلتي يا أمورة، ما تزعليش … أنا باتكلم من غُلبي.
سميرة : أبدًا يا عمي، أنا مقدرة موقفك، أنا مش زعلانة منك، أنا زعلانة على أبويا.
حسنين : أنا اللي غايظني يا بنتي ومجنني، إن كل واحد عبقري (يشير إلى نفسه) له ذلة. وأنا ذلتي أخويا.
سميرة : ما تزعلش يا عمي! دا نابليون بونابرت كانت نقطة الضعف فيه إخواته.
حسنين : أهو أنا في الهم دا اللي عايش فيه نابليون. الله يكون في عونه راخر.
الزوجة : هو يعني إسماعيل بيسكر ليه مش من غُلْبُه؟
حسنين : غُلْبُه إيه يا شيخة وبتاع إيه. دا كلام احنا بنقوله للناس الغرب.
الزوجة : بقى واحد قعد ١٥ سنة في السجن، مش عاوز حياته تتشقلب بالشكل ده!
حسنين : وكان مين قال له روح اعمل بطل.
الزوجة : أهو كان شاب، وفي البلد ثورة، دخل السجن سنة ١٩ خرج لقى كل شيء عاد لأصله، غرَّق نفسه في الخمر.
حسنين : أهو كل اللي اشتركوا في الثورة النهارده وُزرا وباشوات ومستورين، اشمعنى إسماعيل لوحده اللي طلع م المولد بلا حمص؟!
الزوجة : أهو بخته كده.
حسنين : بخته ولا مخه، طول النهار كان قاعد في مصر يخطب في الشوارع والقهاوي، آل إيه عاوز يحارب الإنجليز، الإنجليز اللي غلبوا الدنيا، سي إسماعيل أخويا عاوز يحاربهم، أهو تنو يتحنجل لما مسكوه. والحجر الداير لا بد عن لطه. والنبي تفضونا م السيرة دي (لسميرة) ابقي فكريني يا بنتي أجيبلك هدية.
سميرة : عشان إيه يا عمي؟
حسنين : المدينة خلصت، هنوقع العقد بعد ٤ أيام هجيبلك هدية عمر ما حد شافها.
سميرة : مبروك يا عمي، ربنا ما يحرمنيش منك.
الزوجة : ياما نفسي تخلص بقى من حكاية المدينة دي، عشان نفرح بسميرة وممدوح.
حسنين : إن شاء الله، كل شيء له أوان يا حُسنية.
الزوجة : ما دي احنا في أوانه يا حسنين.
حسنين : دي حاجة عاوزة ترتيب، ما تتاخدش كده جر كسوة.
الزوجة : واشمعنى أنت خدتني جر كسوة؟
حسنين : دا شيء ودا شيء، لما ممدوح يعرف يجيب قرش من بره ويصرف على بيت نبقى نجوزه.
الزوجة : ما هو اسم النبي حارسه راجل وملو هدومه.
حسنين : وهدومه دي مين اللي جابها له، هو ايَّاك؟ دا ما يعرفش متر القماش بكام، النهاردة إن حبيت أجوزه لازم يبقى راجل.
الزوجة : والنبي يا حسنين أنا ماني فاهماك.
حسنين : ما هو الحق ما بيتفهمش دلوقت، روحي يا بنتي يا سميرة سخنيلي شوية ميه أحط فيهم رجلي، الروماتيزم بينشر علي.

(تخرج سميرة، حسنين يتجه نحو زوجته وينظر إليها بغضب.)

حسنين : ميت مرة قلتلك ما تجيبيش السيرة دي قدام البنت، ما تفتحيش ودانها.
الزوجة : أفتح ودانها على إيه؟ ما هم بيحبوا بعض.
حسنين : الحب دا في السيما بس، إنما هنا ما ينفعش.
الزوجة : دا عندك أنت بس، إنما عندهم ينفع.
حسنين : آل حب آل، البوس والكلام الفارغ دا اسمه حب؟ طيب ولما يخلص الحب ياكلوا إيه؟ يركبوا إيه؟ يسكنوا فين؟
الزوجة : هوه ما فيش غير الأكل والركوب والسكن يا حسنين؟!
حسنين : أُمَّال فيه البوس بس، الحاجة الوحيدة اللي بابوسها بحق وحقيق إيدي، اليوم اللِّي يرزقني فيه ربنا بألف جنيه أبوس إيدي وش وضهر، إنما الكلام بتاع السيما ده أنا ماعرفوش.
الزوجة : دا أنت باين عليك نايم في العسل يا حسنين، البت بتحب الواد، والواد بيحب البت.
حسنين : حَبُّه بُرص، ولما يحب بنت الريس سعد الله، وِحِش؟ ما يحب فيها على كيفه.
الزوجة : وهو الحب بالعافية؟!
حسنين : وبالعافية ليه؟ ما يحبها بالذوق والتراضي.
الزوجة : وكمان بنت الريس سعد الله ما تليقش لممدوح، دي أكبر منه و… وكمان عَزبة.
حسنين : الله! إيه يعني عَزبة. عندها عيال؟ ما عندهاش، خالصة من كله، كل اللي عندها ٥٠٠ فدان حتة واحدة، ٥٠٠ فدان ما هومش ٥٠٠ سيجارة، دا أنا أحب أمي لو عندها ٥٠٠ فدان وأحب ستي كمان.
الزوجة : أيوه، يا واخد القرد على ماله.
حسنين : يعني عاجبك القرد على فقره.

(يشير إلى الداخل يقصد سميرة.)

الزوجة : ما دام بيحبه يبقى غزال.
حسنين : وحد قاله ما يحبوش؟ ما يحبه، إنما الجواز دا شيء تاني.
الزوجة : قطيعة الجواز واللي بيجوزوه، يا ريتنا ما تجوزنا.
حسنين : يا ريتنا ياختي، كنا ضربناك على إيدك!
الزوجة : الله، إحنا هنتخانق والَّا إيه؟
حسنين : واحنا كنا بطلنا خناق إمتى، ماحنا طول عمرنا في الهنا دا.
الزوجة : مش كفاية مسجونة طول النهار زي ما يكون حُكم عَلينا.
حسنين : ومين اللي سجنك يا اختي، ما تهجِّي.
الزوجة : أهج فين؟ أنت بتفضَنَّا دقيقة عشان اهج، أنا باتلم عليك؟!
حسنين : علشان طول النهار طافح الدم والكوتة، الروماتيزم هاري جسمي ومش مريح نفسي، قلبي تعب ووقف ومش مريح نفسي كل دا عشان مين؟ هوه انا هاخد حاجة معايا؟
الزوجة : إحْنا مش هننفض م السيرة دي ونقوم ناكل لقمة؟
حسنين : هوه الأكل بقالو طعم الأيام دي، دا الواحد زي ما يكون بياكل طوب.

(يدخل الخواجا بنايوتي فجأة.)

بنايوتي : أوه خسنين بيه، (يتراجع عندما يلمح الزوجة) باردون مدام باردون.

(تنهض الزوجة من مكانها.)

الزوجة (وهي تنصرف للداخل) : اتفضل يا خواجا بنايوتي، (لحسنين) أنا رايحة احضر السفرة بس اياك تنفض م المولد ده.

(تنصرف الزوجة إلى الداخل.)

بنايوتي : خسنين بيه النهارده …
حسنين (مقاطعًا) : يا خواجا حلمك علي. أنت إيه، مش يكون عندك رحمة شوية.
بنايوتي : رخمة! رخمة ازاي؟
حسنين : أنت مش شايفني غرقان لشوشتي، هيه الناس طارت يا بنايوتي! فلوسك مضمونة، أنت يعني ليك مليون جنيه.
بنايوتي : خسنين بيه خدت العزبة كله ب ٥ آلاف جنبه، أنا استلمت ألف جنيه بس، عزبة يساوي ميت ألف خسنين بيه، ميت ألف.
حسنين : ميت ألف، إيه؟ بقى مش تحمد ربنا، عزبة كلها تراب وبِرَك، مش تحمد ربنا.
بنايوتي : طيب أنا بخمد ربنا بس عاوز فلوس.
حسنين : فلوسك على عيني وراسي، يومين تلاتة كل الحكاية، يعني اصبر شوية.
بنايوتي : يصبر لإمتى خسنين بيه؟
حسنين : اصبر شوية.
بنايوتي : يعني شوية دي اسمه يوم إيه؟
حسنين : هو لازم باليوم، ما تصبر شوية يا أخي، هي الدنيا طارت؟!
بنايوتي : الدنيا مش طارت خسنين بيه، العزبة اللي طارت.
حسنين : الحق علي أنا يا بنايوتي، واحد غيري ما ياخدهاش بنكلة. إنما أهي هفة والسلام، أهي هفة والسلام يا بنايوتي!
بنايوتي : خفة إيه دي، دي اسمه خفة والا أونطة دي؟
حسنين : أونطة؟ لأ بقى اسمع يا خواجا بنايوتي، أنا ما سمحلكش تقول الكلام ده، فلوسك على عيني وراسي، اصبر علي شوية وهتاخدهم، هتاخدهم وفوقهم بوسة.
بنايوتي : أنا والله.
حسنين : احنا هنعيد تاني ونحكي، بقولك اصبر يومين تلاته وفوت علي.
بنايوتي : يعني آخر كلام خسنين بيه؟
حسنين : إن شاء الله آخر كلام.
بنايوتي : طيب سعيدة خسنين بيه.
حسنين : في ألف سعيدة يا سيدي.

(يخرج بنايوتي من المكتب.)

حسنين (يحدث نفسه) : دي خواجات إيه دي، هي الدنيا طارت؟

(تدخل خادمة جميلة في سن سميرة.)

الخادمة : المية سخنت يا سيدي.
حسنين : وبتتقصعي كده ليه يا بت (مقلدًا إياها) المية سخنت يا سيدي، ما تقولي: المية سخنت وبس.
الخادمة : مانا باقولك (بنفس اللهجة) المية سخنت يا سيدي.
حسنين (مقلدًا لهجتها) : طيب يا ستي كبيها.
الخادمة : أكبها، ليه يا سيدي؟ أنت مش هتحط رجليك فيها؟
حسنين : لأ يا ستي، أنا خارج دلوقت، حطي رجليكي أنت.
الخادمة (وهي تنصرف) : حاضر يا سيدي.
حسنين (يحدث نفسه) : جتك البله، (مقلدًا الخادمة) خلصت يا سيدي، آل يعني ماسكها الرعاش. (يُلقي بالمنشة) واد يا نسر.

(يدخل نسر الفَرَّاش، عجوز في ملابس قذرة وممزقة.)

نسر : أيوه يا فندم.
حسنين : الباشمهندس جاي دلوقت ومعاه خريطة المدينة، خليه يستناني أنا راجع على طول.
نسر : حاضر يا فندم، يعني آخد الخريطة؟
حسنين : ما تاخدش حاجة يا بجم، خليه يستناني.
نسر : حاضر يا فندم.
حسنين : أنا حاغيب عشر دقايق بس.
نسر : حاضر يا فندم.
حسنين : ابقى روح انسطل أنت ولا تنفذ جنس حاجة م اللي قلتها لك.
نسر : حاضر يا فندم.
حسنين : امش، حاضر في نافوخك، راجل بليد.
نسر (يتراجع مذعورًا وينظر لحسنين بيه وبعد فترة صمت قصيرة) : حاضر يا فندم.

(ينصرف حسنين ويبقى نسر وحيدًا ينظف في المكتب ويغني أغنية قديمة من أغنيات ثورة ١٩١٩م، إحنا التلامذة يا عم حمزة. يدخل عليه إسماعيل يترنح.)

إسماعيل : مين ده، نسر، بتغني، الله الله، إحنا التلامذة كمان، ما بقناش تلامذة يا واد، إحنا مشايخ، ويا ريت حتى، احنا نسوان، هأو، آل نسر قال، أهو أنت بقيت فرخة.
نسر : وبعدين معاك يا إسماعيل بيه، أنت مبسوط شوية وجاي تتسلى علي أنا.
إسماعيل : أُمَّال هتسلى على مين يا واد، مافيش غيرك اتسلى عليه، الباقيين بقوا وزرا وباشوات، ما فضلش غيرك، لأ مش أنت لوحدك وأنا كمان، أنا انسجنت، وأنت ضعت، أنا أجدع والا لأ يا واد.
نسر : أجدع يا سيدي، بس والنبي ترحل عني بقى.
إسماعيل (يجلس على أحد المقاعد) : أرحل فين هوه أنا إنجليزي؟ دا أنا إسماعيل خطيب الثورة، ولسه خطيبها لحد دلوقت (يقلد الخطباء) أيها الشعب. إن الإنجليز هم سوس الأرض. كويسة دي؟
نسر : والله تسيبني أنضف المكتب يا إسماعيل بيه، أحسن حسنين بيه زمانه جي.
إسماعيل : إخِّيه، أنت مش كنت زعيم عمال العنابر يا واد؟ إيه اللي جرالك، طلعت م العنابر خدام عند حسنين، لأ مش خدام، اشتغلت كلب، نسر روح، حاضر، نسر خد، حاضر، تعالى بوبي، روح بوبي (يضحك).
نسر : وبعدين معاك يا إسماعيل بيه، ما بلاش إهانات بقى.
إسماعيل : الله. البوبي بيزعل، طيب حقك علي، حقك علي، اسمع.
نسر : عاوز إيه؟
إسماعيل : ورقة.
نسر : ورقة. ورقة إيه؟
إسماعيل : ورقة، حتة ورقة، ما تعرفش الورقة، ما شفتش ورقة أبدًا.
نسر : يعني عاوز ورقة تعمل بيها إيه، تكتب؟
إسماعيل : لأ مش عايز أكتب، بطلت كتابة، نسيتها، طلقتها، عاوز ورقة ألِف فيها حاجة.
نسر : هتلف فيها الإزازة؟
إسماعيل : إشمعنى دي عرفتها؟ أيوه إزازة.
نسر : لأ مفيش هنا.
إسماعيل : ما فيش ورقة هنا، أُمَّال فيه إيه؟ مش مكتب ده، المكتب مافيش فيه ورقة، جرنال، أُمَّال الناس بتحط في المكاتب إيه، لِحِفَة، مراتب، ورقة يا بني آدم، ورقة!
نسر : خش جوه يمكن تلاقي.
إسماعيل : جوه فين، في المكتبة؟!
نسر : أهو تلاقي جوه وبس.
إسماعيل (ينهض) : إخِّيه عليك، آل مكتب آل، الناس ترتب المكتب وأنت ترش المكتب، ازرعه، ازرعه أحسن، عشان حسنين بيه يستفيد، خسارة حتة أرض زي دي تفضل فاضية كده، احرت المكتب. احرته!

(ينصرف إلى الداخل ويعود نسر إلى التنظيف والغناء.)

(يدخل الباشمهندس فيهرع نسر لاستقباله.)

نسر : يا ألف مرحب يا باشمهندس، أهلًا وسهلًا بالباشمهندس.
الباشمهندس : أُمَّال حسنين بيه فين؟
نسر : هنا، اتفضل اقعد، خمس دقايق وجي، اتفضل.

(يجلس الباشمهندس.)

نسر : قهوة بقى؟
الباشمهندس : لأ مش ضروري، متشكر قوي.
نسر : طيب فنجان شاي، حاجة سخنة والسلام.
الباشمهندس : طيب شاي زي بعضه.

(يذهب نسر لإحضار الشاي، ويفتح الباشمهندس الخريطة، ويلقي عليها نظرة، فيدخل إسماعيل من الباب الأيسر، يُلقي نظرة على الباشمهندس، ثم يتقدم منه، ويده على الخريطة.)

إسماعيل (وهو يمسك بالخريطة) : عاوز دي؟
الباشمهندس : لأ اتفضل، انت عاوزها؟
إسماعيل : أيوه لو سمحت.
الباشمهندس : اتفضل، مبروك إن شاء الله.
إسماعيل : الله يبارك فيك ويحفظك.
الباشمهندس : الحقيقة دي حاجة ما فيش كده.
إسماعيل : إنت هتقوللي، دا أنا عميت عشان واحدة زيها.
الباشمهندس : دي من بختكم … دي لقطة.
إسماعيل : هيه لقطة بس، دي كنز.
الباشمهندس : طيب مش تشوفها حضرتك.
إسماعيل : ماني شايفها وعارفها.
الباشمهندس : لأ عشان تاخد فكرة.
إسماعيل : دا رِضه، حد كان لاقي.
الباشمهندس : يا سيدي عقبال التانية والتالتة.
إسماعيل : دي كفاية قوي، دي رضه، من حق أنا إسماعيل أخو حسنين.
الباشمهندس : أهلًا وسهلًا، تشرفنا (ينهض) وأنا المهندس صلاح إبراهيم.
إسماعيل : أهلًا، اتفضل، اتفضل اقعد، عن إذنك، ورايا مشوار مهم قوي، عن إذنك.

(يخرج من الباب الأيمن، ويجلس المهندس يُصَفِّر لحنًا وينظر في ساعته قلقًا. فيدخل حسنين مسرعًا.)

حسنين : أهلًا وسهلًا، لا مؤاخذة يا باشمهندس.
الباشمهندس : العفو يا حسنين بيه، على كل حال أنا جبت الخريطة.
حسنين : طيب عال، علشان الكابتن ويليامز عاوزها يا سيدي نهار ما نكتب العقد.
الباشمهندس : بس.
حسنين : على خيرة الله، دا أنا شاكر فضلك خالص، اتفضل اقعد، اتفضل.

(يجلس الباشمهندس وحسنين.)

الباشمهندس : دا مشروع عظيم يا حسنين بيه. مشروع عملي مية في المية.
حسنين (في تواضع مزيف) : أهي شغلانة والسلام. كل الواحد ما يقول يرتاح شوية يطلعلو خازوق من تحت الأرض، أنا يعني كان مالي ومال الشغلانة دي.
الباشمهندس : ربنا يديك الصحة والعافية.
حسنين : أنا يعني كنت ناقص، غير شي قلت، دي أرضنا وبدل ما تبقى مع الخواجا أهي تبقى معانا، ودي احنا نبنيها ونعمر الحتة، وكمان نأجرها للإنجليز، وناخد فلوسهم، وأهي تبقى فايدة لمصر من جميع النواحي.
الباشمهندس : على كل حال، إنت طول عمرك سباق ورائد في الوطنية، وأياديك ظاهرة ومشكورة يا حسنين بيه.
حسنين : وياريت بس خالصين يا باشمهندس، دي الضرايب عاوزة مني خمسين ألف جنيه، عاوزة تموتنا، عاوزين يكتفونا بسلاسل، مش يسيبوا العالم يشتغل ويعمر الدنيا.
الباشمهندس : ربنا يقدرك يا حسنين بيه.
حسنين : ما هو مقدرنا والحمد لله، إنما همه اللِّي مش مَقَّدرِنَّا، خمسين ألف جنيه ليه؟ هو أنا إنجليزي، دا أنا مقدم استجواب لمجلس النواب هاعمل هزه وشرفك.
الباشمهندس : بالمناسبة دي يا حسنين بيه، أنت عملت لنا إيه في حكاية المجاري.
حسنين (يقف كالنمر) : مجاري، مجاري إيه يا باشمهندس، أنا طول النهار أسمع الكلام ده، دا عيب يا باشمهندس، المجاري أولى والَّا الضرايب؟ الأهم الأول وبعدين المهم يا باشمهندس.
الباشمهندس (مرتبكًا) : أيوه. بس. أنا. أصلي.
حسنين : إنت راجل متعلم يا باشمهندس، المصلحة العليا أولًا وبعدين المجاري والشغل ده.

(يتوقف حسنين عن الكلام ثم ينادي نسر، ثم يستأنف الحديث عندما لا يراه أحد.)

حسنين : لا مؤاخذة أنا صدعت دماغك والواحد مش عارف يفوق أبدًا، أنا حاسس زي ماكون غرقان لشوشتي، زي ماكون نايم تحت أنقاض، تحت هدد.
الباشمهندس : بكرة ترتاح يا حسنين بيه.
حسنين : ما فيش فايده، مفيش راحة غير بالموت، (يتوقف عن الكلام وينادي على نسر، ثم يستأنف الحديث عندما لا يجيبه أحد) اتفرج يا سيدي، أنا حارق دمي طول النهار، والفرَّاش ولا على باله، تلاقيه متلقح على أي قهوة.

(يستأنف النداء من جديد فيدخل نسر مكتئبًا.)

حسنين : إنت فين يا جدع انت؟ بقالي ساعة بنادي عليك.
نسر (بحزن) : كنت في البيت.
حسنين : وانتَ بتشتغل هنا ولا في البيت؟
نسر : ما هو المجرور بتاع البيت طفح غرق الدنيا.
حسنين : وانت يعني مهندس المجاري!
نسر : ما أنا كنت خارج أجيب الشاي للباشمهندس، لقيت العالم بتجري، والولية بتصوت، والبنت الصغيرة غرقانة في الطفح كانت هتموت.
حسنين : يا أخي موتة تشيلك بعيد عن وشي. انجر اجري هات الشاي، وشوفلي القلش فين.
الباشمهندس : مش ضروري الشاي يا حسنين بيه.
حسنين : مش ممكن، لازم تشرب الشاي.
الباشمهندس : والله تعفيني، أنا عندي مشوار ضروري.
حسنين (لنسر) : طيب انجر من قدامي شوف القلش فين.

(يخرج نسر. فيستأنف حسنين الحديث.)

حسنين : حاجة تجنن، أهو مطلع روحي طول النهار بالشكل ده، ومش ممكن استغني عنه، صديق الطفولة يا سيدي، أعرفه من ٤٠ سنة، كان زعيم زمان، كان عاوز يخرَّج الإنجليز من مصر، تصوَّر، مش عارف يشتغل فرَّاش كويس، كان عاوز يبقى زعيم، بس لو كل واحد عرف قدر نفسه (بضحك) آل زعيم آل.
الباشمهندس : أستأذن أنا يا حسنين بيه.
حسنين : طيب يا باشمهندس (يفتح درج المكتب) اتفضل، شيك بالمبلغ أهه، وكام يوم نبقى نتحاسب ونكتب شيك بالمبلغ الفاضل.
الباشمهندس : على مهلك يا حسنين بيه، وعلى فكرة، الخارطة خدها إسماعيل بيه.
حسنين (مشدوهًا) : إسماعيل بيه مين؟
الباشمهندس : أخو حضرتك.
حسنين : خدها ازاي.
الباشمهندس : طلبها مني اديتهاله. ده كان مبسوط قوي.
حسنين : ما هو طول عمره مبسوط قوي بالشكل ده.
الباشمهندس : ربنا يبسطه كمان وكمان يا سيدي.
حسنين : تاني، بس خدها ازاي يا باشمهندس.
الباشمهندس : أنا آسف إذا كنت …
حسنين : دي عبارة إيه دي؟ المهم تدبر لي واحدة تانية يا باشمهندس.
الباشمهندس : وليه؟ وهيه التانية …
حسنين : احتياطي … ما هو لازم الواحد يحتاط برضه، مع السلامة يا باشمهندس، إلا إسماعيل بيه خد الخريطة دي! مع السلامة … مع السلامة.

(يخرج حسنين والباشمهندس. ويدخل نسر ومن خلفه القلش. يرتدي ملابس بلدية.)

القلش : أنا عارف عاوزني ليه في السقعة دي؟ الناس كلها كمشانة في بيوتها، اشمعنى احنا انكتب علينا الشقا دا (يجلس).
نسر (بحزن) : خليك أما أروح أشوفه هو راح فين.
القلش : روح موت إنت راخر والْطعني هنا لما أرصرص.

(يشعل سيجارة ويدخن في عصبية. تدخل الخادمة.)

الخادمة : يامه، يا نداشتي، هو المعلم هنا؟
القلش : إيه! اتخضيتي يا حلوة؟ سلامتك.
الخادمة : وقاعد لوحدك ليه يا معلم؟
القلش : دماغي هتطق، اعمليلي فنجان قهوة ينوبك ثواب فِيَّه.
الخادمة : ما قدرش يا معلم.
القلش : ليه، إيديكي مقطعة؟
الخادمة : بعد الشر، إنشالله اللي يكرهني، أصل حسنين بيه خرج بره.
القلش : وأنت عاوزة حسنين بيه ليه، يولعلك الباجور؟
الخادمة : لأ، أصل مفاتيح الكرار معاه.
القلش : إنتو بتسموا البن كرار هنا، طيب اعمليلي كباية شاي في عرضك.
الخادمة : ما قلتلك مقاتيح الكرار معاه، وبعدين معاك يا قلش.
القلش : قلش، الله ع الجو، ما تبطلي النعومية دي يا بت حتسيَّبي ركبي.
الخادمة : ما هي سايبة وحدها يا معلم.
القلش : الله الله، إنت يعني كنتِ جربتِ؟ طيب وسيدي الغريب لاخد المكافأة واتجوزك.
الخادمة (تضحك) : طيب وهو أنا أرضى.
القلش : ترضي! ما يبقاش دا على راجل (ممسكًا بشاربه) إن ما تجوزتك.
الخادمة : هوه بالعافية.
القلش : دا أنا أخطفك يا بت، دا أنا أكلك واللِّي خلقك.
الخادمة : يامه، مايحكمش.
القلش : طيب الأيام بينا يا زينب يا بنت عبده، انجري من قدامي، اجري اعمليلي كوباية ميه سخنة.
الخادمة : ليه؟ هتحلق والَّا إيه؟
القلش : لأ اطفحها، الحتة كابسة على نفسي هتموتني.
الخادمة : خليها تكبس إياك تاخد أجلك، عشان تبطل قعاد طول النهار عند عيشة.
القلش : ومالها عيشة، غيرانة منها ليه؟
الخادمة : أنا غيرانة، أغير من المقشفة دي.
القلش : طيب ومالك محموقة كده.
الخادمة : أنا محموقة، ما يحكمش.
القلش : طيب وسيدي الغريب لاخد المكافأة واتجوزك.
الخادمة : تتجوزني … ما يحكمش.

(يسمع صوت رجل في الخارج، تجري زينب إلى الداخل.)

الخادمة : يا نداشتي، دا البيه باينه رجع.
القلش (يهز رأسه) : صنف يخاف ما يختشيش.
البرنس (يدخل المسرح) : أهلًا بالمعلم، أنت قاعد هنا وانا دايخ عليك في كل حتة.
القلش : خير انشالله؟
البرنس : شوفلي بريزة.
القلش : هيه سورة والَّا إيه؟ مأنت لاهف بريزة الصبح بدري.
البرنس : طيب برضه شوفلي بريزة.
القلش : وحياة سيدي الغريب ما معايا اللضا.
البرنس : اهرش جيبك يا راجل شوف بريزة.
القلش : علي الحرام ما معايا ريحتهم، أنت إيه ما بتؤمنش بالله؟!
البرنس : بقى أنت ما معكش بريزة؟!
القلش : الله، أقطعلك هدومي عشان تصدق، ما تشتغل ياخي، مانت زي الفلق أهوه.
البرنس : أنت يعني شايف الشغل ملقح في السكك.
القلش : اشتغل معانا.
البرنس : أشتغل معاكوا إيه، أنا مجنون!
القلش : ما العالم كلها بتشتغل فيها.
البرنس : وخدوا إيه من وراها، ماتوا واحد ورا واحد.
القلش : والموت ما هو احسن م اللي انت فيه.
البرنس : أهو بكرة يمكن ربنا يفرجها.
القلش : مش هيفرجها عمره.
البرنس : عنها ما فرجت، أهي أحسن من الموت.
القلش : والأعمار ما هي بيد الله يا بني آدم.
البرنس : بقى الواحد يرمي نفسه في النار، ويقول الأعمار بيد الله. دا جنان إيه ده؟!
القلش : وهيه دي نار يا خيخة.
البرنس : أُمَّال دي إيه … مهلبية؟ هوه أنا مش عارف أصل الشغلة.
القلش : علي الحرام ما انت عارف حاجة، دول شوية مواسير مرميين في الجبل يا خيخة.
البرنس : وهيه يعني المواسير مرمية كده في الجبل، مفيش حد جانبيها.
القلش : إيه يعني تلت أربع عساكر إنجليز في كل وردية.
البرنس : وهمه يعني العساكر الإنجليز واقفين يرقصوا والَّا معاهم مدافع؟
القلش : واحنا ماحنا معانا مدافع.
البرنس : وحتعمل إيه المدافع؟ عبده ما كان معاه مدافع، وحِميدة كان معاه، عبد الرافع، وشلبي وكل اللي ماتوا، عملوا إيه بالمدافع؟
القلش : أهو أجلهم كده، وكل أجل له كتاب.
البرنس : أنت حتعملي محضر، ما تشوف بريزة.
القلش : إحنا بنقرا في سورة عبس، ما قلتلك معييش.
البرنس : طب شوف شلم.
القلش : بقولك ما معييش ريحتهم.
البرنس : طيب ولو نص فرنك.
القلش (بضيق) : أستغفر الله العظيم.
البرنس : يا راجل خللي عندك دم، بقولك ماتعشتش.
القلش : حاجة تجنن صحيح (يفتش في جيوبه) اتفضل، النص فرنك أهه، إياك تحمد ربنا.
البرنس : إنت يعني ياخي فنجري قوي، ما هي فلوس جورج كلها. شوفتي مواسير يا قلش.
القلش : وماله شفتي مواسير، أهو شغل، والشغل للجدعان.

(يسمع صوت حسنين من الخارج، فيكف القلش والبرنس عن الحديث، يدخل حسنين.)

حسنين : الله، أنت هنا يا معلم؟
القلش : آدي احنا هنا.
حسنين : أُمَّال نسر فين؟
القلش : أهو خرج يدور عليك ما رجعش.
حسنين (يلتفت إلى البرنس) : أي خدمة يا معلم؟
القلش : دا البرنس، صديقي الروح بالروح يعني.
حسنين : طيب ما تتفضل تقعد يا معلم.
البرنس : تشكر يا ملك، أصل أنا ورايا مشوار من غير مؤاخذة أستأجز بقى.

(يخرج البرنس، يجلس حسنين خلف المكتب.)

حسنين : إيه الحكاية يا معلم؟ أنت مخاصمنا والَّا إيه؟ أنت فين بقالك كام يوم؟
القلش : كمشان من غير مؤاخذة.
حسنين : وكمشان ليه؟
القلش : لقينا الاعتزال أحسن.
حسنين : إحنا شغلنا ما يحبش الاعتزال، اللي عاوز يعتزل يسيبنا.
القلش : إحنا ما سبناش، إنت اللي سبت يا حسنين بيه، الرجالة بقالهم كام يوم ماخدوش حقهم. والرجالة اللي ماتوا ماصرفوش مكافآتهم.
حسنين : وأنا متأخر يا أخي، همه كام راجل ماتوا؟
القلش : أربعة.
حسنين (يفتح الدرج) : اتفضل آدي ميتين جنيه للرجالة. فيه حاجة تانية؟
القلش : وحقوق الناس اللي عايشة؟
حسنين (يفتح الدرج) : اتفضل آدي ميت جنيه، خلَّص حالك علشان تفضنا.
القلش : الله ع الجو، أهو كده الشغل.
حسنين : مبسوط يا عم؟
القلش : أنا مبسوط بوجودك واللي خلقك.

(يدخل نسر ينظر إليهما في بلاهة.)

حسنين : إنت فين يا عم بقالك ساعة؟
نسر : عاوزين حاجة؟
القلش : عاوز فنجان قهوة يا عالم، الحتة كابسة على قلبي هتموتني.
نسر : حاضر … عاوزين حاجة تانية؟
حسنين : عاوزين سلامتك.
نسر : حاضر.
حسنين (بثورة) : حاضر في نافوخك، الخريطة فين يا بجم؟
نسر : خريطة إيه؟
حسنين : خريطة المدينة.
نسر : أنا لا شفت خرايط، ولا رحت جنب المدينة.
حسنين : الخريطة اللي خدها إسماعيل.
نسر : طيب وانا مالي ومال إسماعيل؟
حسنين : ما أنت كنت واقف يا بجم، ماخدتهاش منه ليه؟
نسر : هيه إيه؟
حسنين : الخريطة.
القلش : يا عالم فنجان قهوة، الحتة كابسة على قلبي هتموتني.
نسر : وانا مالي ومال الخريطة يا حسنين بيه.
حسنين : الخريطة يا بجم اللي هنأجر بيها، أُمَّال هنأجر إزاي؟
نسر : ما يمكن إسماعيل بيه حطها جوه.
حسنين : طيب اتفضل شوفها لي!
نسر : وأنا بس هاشوفها فين، وأنا حتى ما شفتش إسماعيل بيه غير خمس دقايق.
حسنين : شفته فين؟
نسر : هنا هه، كان بيدوَّر على ورقة يلف فيها إزازة.
حسنين : ورقة يلف إزازة، يا خرابي!
القلش : يا جدعان دماغي هتطق، الحتة كابسة على قلبي هتموتني.
حسنين : ورقة يلف إزازة؟!
القلش : ما هو كل يوم بيعمل كده، وهيه دي فيها إيه؟
حسنين : إنت اتفضل قدامي، شوفلي إسماعيل فين.
نسر : وهاشوف إسماعيل بيه فين بس؟
حسنين : شوفوا وهاتهولي من تحت طقاطيق الأرض.
نسر : وهي فين طقاطيق الأرض دي؟
حسنين : إن ماعرفتش هخللي الدبان الأزرق مايعرفش جتتك فين.
القلش : يا جدعان دماغي، الحتة كابسة على قلبي هتموتني.
حسنين : اتفضل انجر قدامي، اتفضل.
نسر (وهو يخرج) : أنا عارف بس راح اشوفه فين؟
حسنين : يلف إزازة، والله عال، أنا أشقى واتعب وهو واخدها يلف إزازة.
القلش : طيب ما تشوفلك واحدة تانية إن كنت عاوز تلف حاجة.
حسنين : ألِف إيه وبتاع إيه بس يا معلم دي الخريطة بتاعة المدينة.
القلش : طيب ويعني هيه أُنزلت، ماللي خلقها خلق غيرها، ما تروق أُمَّال، المفتاح معاك؟
حسنين : ليه عاوز حاجة م المخزن؟
القلش : لأ عاوز فنجان قهوة.
حسنين : طيب وعاوز مفتاح المخزن ليه؟
القلش : بقولك مفتاح الأرار.
حسنين : أرار دا إيه؟
القلش : أنا عارف اسمه إيه، هو البُن عندكو اسمه إيه؟
حسنين : بُن إيه؟
القلش : بقولك بقالي ساعة دايخ على فنجان قهوة، الحتة كابسة على قلبي هتموتني، والبت زينب بقولها اعملي فنجان قهوة، قالت البيه معاه مفتاح الأرار.
حسنين : يعني باختصار عاوز فنجان قهوة؟
القلش : أبوس رجلك.
حسنين (ينادي على زينب) : يا زينب.

(تدخل زينب تتقصع.)

زينب : نعم يا سيدي، يامه، هو المعلم هنا؟
القلش : آدي احنا هنا، على قلبها لطالون.
حسنين : المفاتيح أهه، اعملي فنجان قهوة للمعلم.
زينب (وهي تنصرف نحو الداخل) : يا نداشتي، ما يحكمش.
حسنين : وهتطلعوا إمتى يا معلم؟
القلش : الليلة لو حبيت.
حسنين : لأ خليكوا لبُكْرة.
القلش : وجب بُكْرة بُكْرة.
حسنين : فيه حاجة سمينة قوي إن شاء الله، شوية مواسير عال العال ورا كامب الشلوفة، حاجة بتاع عشر تلاف جنيه.
القلش : ربنا يسهل وناكلهم، أنا معايا رجالة زي الورد واللي خلقك.
حسنين : يعني إن شاء الله هنشيلهم.
القلش : قول يا باسط، بس بقى يعني من غير مؤاخذة يعني.
حسنين : إيه تاني؟
القلش : الهفني خمسة.
حسنين : ألهفك خمسة!
القلش : أيوه من غير مؤاخذة، أحسن أنا بقيت فنش ع الآخر.
حسنين : ما أنا لهفك خمسة من جمعة.
القلش : وهُمَّه الخمسة يعملوا إيه في جمعة؟ دا الراجل اللي زي حالاتي يصرف خمسة كل يوم، ثم يعني من غير مؤاخذة يعني.
حسنين : إيه تاني؟
القلش : أنا طالع في مخي حاجة يعني من غير مؤاخذة يعني، وعاوزك تحققها لي.
حسنين : إيه دي كمان يا سيدي؟
القلش : المكافأة.
حسنين : المكافأة! مكافأة إيه دي رخرة!
القلش : أنا بعد الشر بعد الشر، لما أموت تدفعلي كام.
حسنين : ميت جنيه زي ما اتفقنا. الراجل بياخد خمسين، وأنت الريس تاخد مية.
القلش : كلام حلو، أنا عاوز المية دول وأنا عايش.
حسنين : والورثة؟!
القلش : أنا الوريث الوحيد اللي فاضل.
حسنين : إزاي بقى الكلام ده؟
القلش : زي ما بقولك كده، أنا لا ورايا ولا قدامي، أنا عاوز الميت جنيه وأنا حي أرزق.
حسنين : بس كده هنكسر النظام، وأنت عارف مفيش حد بياخد مكافأة إلا بعد ما يموت.
القلش : يا سيدي التانيين لهم أهل ووراهم ناس، إنما أنا حاجة تانية، آدي الله، وآدي حكمته، وعلى كلٍّ، راح أفوت معاك خمسة جنيه ونهار ما ينفد حكم الله هاتلي بيهم حتة بفتة وحتة قطنة، وابقى ارميني في ستين داهية.

(تدخل زينب فجأة ومعاها فنجان القهوة.)

زينب : القهوة يا معلم.

(يأخذ فنجان القهوة ويحتسي منه رشفة طويلة، وينظر نحو زينب طويلًا ويقول.)

القلش : حاجة حلوة قوي.
حسنين : دا بُن يمني مخصوص يا معلم.
القلش (وهو ينظر نحو زينب) : ربنا يزيد ويبارك، حاجة حلوة قوي، داخل مزاجي (ينظر لحسنين) آني لازم آخد المكافأة.
حسنين : مش وقته، خللي المسائل دي نبقى نتكلم فيها بعدين.
القلش : بعدين إمتى؟ أنا وديني لازم آخد المكافأة.
حسنين : إحنا هنتكلم في الموضوع ده تاني.
القلش : دا تاني وتالت: إلَّا تاني دي، أيوه تاني … وديني لاخد المكافأة.
زينب : يامه، ومين دي اللي ترضى.
حسنين : هيه إيه دي اللي هترضى يا بت؟!
زينب : يوه يا سيدي، دا المعلم آل عاوز قهوة تاني.
حسنين : وماله، اعمليلو قهوة تاني.
القلش : إلا تاني دي، ده تاني وتالت كمان، دا بُن يمني مخصوص.

(تخرج زينب وهي تتقصع.)

القلش (وهو ينظر لزينب) : حاجة حلوة قوي (لحسنين) بس انا عاوز المكافأة.
حسنين : خلاص بعدين نتكلم في الموضوع ده.
القلش : وجب، بس الهفني خمسة.
حسنين : إنت برضه مُصِر.
القلش : كويسة مُصِر دي، أنا صريت حاجة، دا أنا كفي مخروق واللِّي خلقك، إللِّي في إيدي مش ليه، أنا واسطة واللي خلقك.
حسنين : طيب يا معلم، ودلوقت بقى هنعمل إيه؟
القلش : هنطلع بُكْرة.
حسنين : طيب عال، بُكْرة بالليل تطلعوا عالجبل، المواسير كلها عاوزها تنزل على السويس بُكْرة بإذن الله.
القلش : إن شاء واحد أحد، أستأجز انا.
حسنين : ما تستنا القهوة.
القلش : مش فاضي، بس الهفني الخمسة.
حسنين : اتفضل يا سيدي، مع السلامة.

(حسنين يرفع سماعة التليفون ويطلب رقمًا من أربعة أرقام.)

حسنين (في التليفون) : مساء الخير يا خواجا لوانيدا، الله، أُمَّال هوه فين؟ راح للكابتن ويليامز، أنا حسنين، طيب لما ييجي بلغو، أيوه وحياتك.

(يضع سماعة التليفون فيدخل نسر الفرَّاش.)

حسنين : يعني جاي مدلدل كده عامل زي الجردل المخروق.
نسر : وانا هاعمل إيه، إذا كنت لفيت الدنيا مالقيتوش.
حسنين : رحت بور توفيق؟
نسر : لأ مرحتش.
حسنين : رحت الأربعين؟
نسر : لأ مارحتش.
حسنين : رحت شارع النمسا؟
نسر : لأ مارحتش.
حسنين : أُمَّال دنيا إيه بقى اللي لفتها، إياك رحت بيتكو؟!
نسر : لأ مارحتش.
حسنين : أُمَّال رحت فين يا بجم؟
نسر : لفيت الدنيا كلها … إنما هالقيه فين والا فين، العالم كلها زايطة بره، هوه النهارده فيه عيد؟
حسنين : عيد إيه يا بجم؟
نسر : أُمَّال العالم زايطة بره، وعمالة تصرخ زي ما يكونوا اتجننوا.
حسنين : ما حدش اتجنن غيرك انت واسماعيل أخويا، جك جنان يهدك.
نسر : باكلمك دوغري يا حسنين بيه، اخرُج بره شوف بنفسك. مافيش راجل واحد واقف على بعضه بره.
حسنين : تعرف تنجر بره انتَ وتغور من وِشِّي، داهية تغوَّرَك.

(ينصرف نسر وتدخل زينب.)

زينب : القهوة يا معلم.
حسنين : معلم في عينك، معلم دا إيه؟
زينب : المعلم القلش، الله! هو خرج؟
حسنين : أيوه خرج.
زينب : طيب والقهوة يا سيدي؟
حسنين : حطيها في جيبي، كبيها علي.
زينب : اسم الله على مقامك يا سيدي، طب ده كَب القهوة خير يا سيدي.
حسنين : انجري غوري من وِشِّي انت رخرة.
زينب : طيب والقهوة يا سيدي؟
حسنين : إنتِ هتنجري والَّا أكَسَّر وِشِّك؟
زينب : طيب ما تزعلش يا سيدي.

(تنصرف زينب ويدير حسنين قرص التليفون فيدخل القلش.)

حسنين (يضع سماعة التليفون) : خير يا معلم إيه اللي رجعك تاني؟
القلش : البلد كلها زايطة بره، والعالم هايجة في الشوارع زي الأسود.
حسنين : الكلام ده إيه، دا نسر بيقولي دلوقت مش مصدقه. إيه الحكاية؟
القلش : أنا عارف، أهو ناس عمالة تزعق، وناس بترقص، وناس بتهتف، والعالم ملمومة حوالين الراديو زي النمل.
حسنين : والناس بتقول إيه؟
القلش : حاجات تموت م الضحك، آل إيه، يسقط الانجليز، تسقط المعاهدة.
حسنين : تسقط المعاهدة!
القلش : آل آه، دا آخر جو بَرَّه!
حسنين : ماسألتش إيه الحكاية؟
القلش : وانا مالي ومال خوتة الدماغ دي.

(تدخل زينب بسرعة.)

زينب : سيدي، سيدي، دا فيه عالَم كتير في الشارع اللِّي ورانا. وعمالين يقولوا يعيش حسنين بيه.
حسنين : حسنين بيه!
زينب : أي والنبي يا سيدي (تلتفت للقلش) الله، أنت جيت يا معلم، أجيبلك القهوة؟
القلش : مفيش بأس، أنا وديني لآخد المكافأة.
حسنين (للقلش) : هو دا وقته؟
القلش : ومش وقته ليه، وهيه فيها إيه لما يهتفوا بحياتك، ما انت نائب البلد، وأجدع شنب في البلد خدام عندك.
زينب : أفتح الشباك اللِّي ورا يا سيدي عشان تسمعهم؟
حسنين : لأ ما تفتحيش حاجة، همه كتير؟
القلش : إلا كتير، دا عالم زي النمل بره، والأكاده إسماعيل بيه شايلينه جماعة منهم ونازل كلام.
حسنين : إسماعيل مين؟
القلش : أخو حضرتك.
حسنين : ماشفتش معاه خريطة؟
القلش : أنا شفت حاجة، دا حتى كان بيتكلم ماسمعتش منه حاجة.
حسنين : روحي انتِ يا زينب شوفيهم لسه كده واقفين.
زينب (وهي تنصرف) : حاضر يا سيدي.
القلش (ينظر لزينب) : وديني لاخد المكافأة.
حسنين : احنا في إيه ولا في إيه، دا كل واحد في وادي.

(يحدث نفسه.)

يا خبر اسود، المدينة اللي حطيت فيها دم قلبي، تسقط المعاهدة، وكمان إسماعيل بيخطب.
القلش : وماله، ما إسماعيل بيه طول عمره كده.
حسنين : وكان بيقول إيه سي اسماعيل؟
القلش : كان بيقول إيه يا قلش، الله م صلي على سيدنا النبي، كان بيقول إيه، آه، حاجات تموت م الضحك، آل إيه الإنجليز سوس الأرض (يضحك) أهو كلام.
حسنين : طيب اسمع، أنت قافل كويس على مخزن السلاح؟
القلش : إلا قافل، دا أنا متربس، والمواسير رخرة جوه، كافة شيء في أمان، الله، انتَ مهزوز كده ليه؟ هوه إيه اللِّي حصل؟
حسنين : مش عارف إيه اللي حصل، إنما أنا شامم ريحة مصايب في الجو (مُحدِّثًا نفسه) يا خبر اسود، تسقط المعاهدة، ٣٥٠ ألف جنيه، دي مصيبة.
القلش : واحنا مالنا ومال المصايب، هيه اللمة دي مصايب، دي عالم تخاف ما تختشيش، دا عسكري واحد يجريهم واللِّي خلقك.

(تدخل سميرة مسرعة.)

سميرة : عمي، عمي، عرفت اللِّي حصل؟
حسنين : لأ، انتِ سمعتي حاجة؟
سميرة : الحكومة لغت المعاهدة النهارده.
حسنين : سمعتي بودانك؟
سميرة : أيوه يا عمي.
حسنين (يجلس واضعًا رأسه بين راحتيه ثم يُحدِّث نفسه) : يا خبر اسود، دا النهارده كان فيه جلسة صحيح ولا خدت بالي، لغوا المعاهدة، والمدينة، أنا قلبي حيقف.
سميرة : وناوي تعمل إيه يا عمي؟
حسنين : هاعمل إيه يا بنتي، دا شغل ناس مجانين، لمَّا الحكومة عاوزة تعمل كده، ماشورتناش ليه؟ هو احنا طراطير، هو مفيش رجالة في البلد (محدثًا نفسه) ٣٥٠ ألف جنيه يا عالم، هو مفيش رجالة في البلد.
القلش : الرجالة على قفا مين يشيل، بس تؤمر.
حسنين : دي مش حكومة، دي عصابة.
القلش : إيه الحكاية ماتفهمونا، هوه فيه عصابة تانية في البلد غيرنا؟
حسنين : والله عال، هيحاربوا الانجليز، الانجليز اللِّي غلبوا هتلر، هتحاربهم الحكومة، (يحدث نفسه) وهنأجر المدينة إزاي دلوقت؟ (بصوت عال) وهيحاربوهم إزاي؟ بزعازيع قصب؟
القلش : ليه؟ السلاح موجود، بس تؤمر.
حسنين (صارخًا) : دا لعب عيال.
القلش : ما تزعلش نفسك، إحنا مالنا ومال الكلام ده، إحنا طالعين بُكْره واللِّي خلقك.
سميرة : أروح أجيب الراديو هنا يا عمي؟
القلش : مافيش بأس … هاتيه نسمع طِلِب.
حسنين : لأ، ما تجبيش حاجة، روح انتَ يا معلم شوف الجو إيه بالظبط. إن لقيت إسماعيل هات منه الخريطة.
القلش : الله، دول جايين على هنا أهه.
حسنين : مين همه اللي جايين؟
القلش : الجماعة المتظاهرين دول.
حسنين : جايين؟
القلش : أيوه هم.

(تُسمع هتافات تقترب. تسقط المعاهدة.)

حسنين : خُشِّي جُوَّه انتِ يا سميرة، خليك معايا يا معلم قلش.

(تُسمع الهتافات بوضوح.)

القلش : إلا تسقط المعاهدة دي، ما تسقط ألف مرة، وإيه يعني، مش غايته يمنعوا المرور من على طريق المعاهدة، إحنا مابنفوتش من هناك واللِّي خلقك.

(تقترب الهتافات، ثم تدخل المظاهرة وعلى رأسها إسماعيل.)

حسنين (للمتظاهرين) : متشكرين، متشكر، كَتَّر خيركم، كل واحد ينصرف إلى عمله، الظروف عاوزة الهدوء، الهدوء أرجوكم.

(هتافات يحيا النائب الوطني.)

حسنين : إن شاء الله خير، بإذن الله خير، اتفضلوا انصرفوا، متشكرين … متشكرين.

(ينصرف المتظاهرون، ويبقى إسماعيل.)

إسماعيل : يا سلام، مين كان يصدق، البلد صحيت تاني يا جدعان! يا سلام، صحيح يُحيي العظام وهي رميم.
القلش : يا سلام ع الخوتة، ما تعملولنا كنكة قهوة.
حسنين : أظن عجبك منظرك كده، وانت وسط الصياع دول.
إسماعيل : دول مش صياع يا حسنين، دول الشعب، دول الناس اللِّي عملوك نائب، إنتَ نسيتهم؟
حسنين : صحيح انَّك مجنون (ينتزع الخريطة من يده) وكمان واخد الخريطة تلف فيها أزايز.
إسماعيل : الله، هي خريطة؟
حسنين : إنتَ من بُكْره لازم تشوفلك طريقة، مالكش قعاد هنا.
القلش : الله، ما تروق أُمَّال، هوه حصل إيه بس؟
حسنين : وأنا كمان م النهارده مش بايتلك هنا، وانتَ م الصبح بدري تطلع على مصر، روح اقعد مع ممدوح، استناني يا معلم أَغيَّر هدومي واجيلك.

(ينصرف حسنين، ويبقى إسماعيل والقلش.)

القلش : الله هيه إيه العبارة بس؟
إسماعيل : الحكومة لغت المعاهدة يا معلم!
القلش : ما تلغيها، طب واحنا مالنا، أُمَّال دي عبارة بصحيح.
إسماعيل : يعني ما بقاش في شفط، ما بقاش فيه مواسير.
القلش : الله، همه لغوا المواسير رخرة.
إسماعيل : يعني بقت حرب … عارف الحرب؟
القلش : إلَّا عارف الحرب دي، دا أنا شغال مع الإنجليز مدة الحرب كلها، أنا ماحدش كسب أدي أيام الحرب.
إسماعيل : أهي دي حرب رخرة يا معلم، بس من غير مكسب.
القلش : وهيه فيه حرب من غير مكسب، دي الحرب تفرج ع العالم المقاطيع دي كلها.
إسماعيل : لأ دي مش حرب م اللِّي في بالك، دي حرب مع الانجليز يا معلم.
القلش : وهو صنف الانجليز يعرف يحارب، الانجليزي من غير مؤاخذة مش جدع في الحرب.
إسماعيل : إنتَ أجدع يا معلم.
القلش : الله يكرمك، حاكم الانجليز دي أنا خابزها وعاجنها، ماهو الانجليز دول صنفين، صنف حر، وصنف مزيف.
إسماعيل : بقى فيه إنجليزي حُر، وإنجليزي مزيف!
القلش : أُمَّال.
إسماعيل : وتعرف الإنجليزي الحر إزاي، ترنه؟!
القلش : أعرفه من قفاه من غير مؤاخذة، الانجليزي الحر تلاقي قفاه زي وشه.

(يضحك إسماعيل بهستيرية.)

القلش : أُمَّال حاكم أنا عاجن صنف الانجليز ده وخابزهم.

(يدخل ممدوح ابن حسنين بادي التعب من أثر السفر ومعه اثنان من أصدقائه، يهب إسماعيل لاستقباله بالأحضان.)

إسماعيل : أهلًا بالبطل، أهلًا ممدوح، وحشتني خالص.
ممدوح : أهلا بيك يا عمي، أقدملك صالح وعبد الرحمن، زمايلي.
إسماعيل : أهلا بالحبايب تشربوا كاسين يا ابني؟
ممدوح : متشكرين يا عمي، إحنا جايين م السفر لسه وتعبانين خالص، من حق إزي بابا؟ وإزي طنط؟ وإزي سميرة؟
إسماعيل : بتسأل عليك كل يوم يا ابني، دايمًا بتسأل عليك، بس إيه اللي جابكو دلوقت يا ابني؟
ممدوح : إحنا جايين عشان ننظم حركة الكفاح في المدينة بعد إلغاء المعاهدة.
إسماعيل (مبتهجًا) : أهو كده الشغل يا ابني، الحمد لله اللِّي عشت لحد الحكومة ما لغت المعاهدة.
ممدوح : حكومة مين يا عمي اللِّي لغت المعاهدة، اللِّي لغى المعاهدة الشعب، المظاهرات اللِّي طول الليل والنهار، وحملة الصحف المجيدة، الحكومة لغت المعاهدة تحت ضغط الشعب، كل حكوماتنا للأسف ضالعة مع الانجليز.
إسماعيل : المهم يا ابني خدوني معاكو، أنفع عسكري معاكو يا ابني؟!
ممدوح : مافيش كلام يا عمي، دا انتَ القائد بتاعنا، أُمَّال هو بابا فين؟
إسماعيل : جوه يا ابني، اتفضلوا خشوا، استريحوا جوه أحسن.

(يدخل حسنين وهو يحاول ارتداء البالطو فيفاجأ برؤية ابنه.)

حسنين : الله، ممدوح، إنت إيه اللِّي جابك دلوقت يا ابني؟
القلش : جاي عشان الكفاح.
حسنين : كفاح! كفاح إيه؟
إسماعيل (ساخرًا) : اختراع جديد اسمه الكفاح.
ممدوح : أنا موفد يا بابا من الجامعة مع زمايلي عشان تنظيم حركة الكفاح في المدينة.
حسنين : طيب. بس يا ابني انتو طلبة، ودروسكم وعلومكم!
ممدوح : ما هو ده أهم يا بابا من دروسنا وعلومنا.
حسنين : على كل حال انتو رجالة دلوقت وتعرفوا مصالحكو، بس يعني البلد ما هي مليانة عساكر، إنما احنا محتاجين دكاترة، ومهندسين، وإن كان عشان حرب الانجليز، ما هي البلد مليانة صياع ياكلوا اللحمة نية.
القلش : الرجالة على قفا مين يشيل بس تؤمر.
ممدوح : على كل حال طلبة الجامعة كانوا هُمَّه الطليعة دايمًا يا بابا، ولازم نكون في أول الصف.
حسنين : إلِّلي انتَ عاوز تعملو يا ابني اعملو، بس أنا مش موافق أبدًا على اشتراك الطلبة في الحرب. بلدنا عاوزة ناس متعلمة، والانجليز غلبوا العالم بالعلم مش بالعساكر.
إسماعيل : كلام فارغ، الانجليز دخلوا بالمدافع، يخرجوا بالمدافع، والعِلم يجي بعد كده.
القلش : الأدب فَضَّلوه ع العلم.
حسنين : خش انتَ نام يا إسماعيل.
إسماعيل : أنا ماني طول النهار نايم، وهوه دا يوم حد ينام فيه.
حسنين : على كل حال اتفضلوا باتوا، البيت بيتكم والصبح يحلها ألف حلَّال.
ممدوح : احنا متشكرين قوي يا بابا، والموقف الكريم ده، كان منتظر منك.
إسماعيل : قوي، قوي.
حسنين : إحنا كلنا يا ابني كنا منتظرين يوم زي ده، وأنا شخصيًّا أفخر طول حياتي إن مجلس النواب اللِّي لغى المعاهدة أنا كنت عضو فيه.
إسماعيل : الله، سبحان الله.
القلش : أيوة كده وحِّدُوه.
حسنين : والواحد يحمد ربنا انه ختم حياته السياسية بعمل زي ده.
القلش : يالله مسك الختام.
ممدوح : ختام إيه يا بابا، دا أنت أجمد مني.
حسنين : لا يا ابني يا ممدوح، أنا الروماتيزم هرا بدني، ووصل للقلب خلاص.
ممدوح : سلامتك يا بابا.
حسنين : البركة فيك انتَ بقى يا ممدوح، والبركة في اخوانك وزمايلك (للقلش) طيب يا معلم قلش، اتفضل انتَ بقى. وانا مش هاخرج الليلة دي.
القلش : وجب، بس يعني …
حسنين : عاوز حاجة؟
القلش : أيوه بس ماقلتلناش بُكْره نخرج الساعة كام؟
حسنين (يغمز بعينه) : طيب بُكْره بقى إن شاء الله.
القلش : ما انا عارف انه بُكْره، بس يعني الساعة كام؟
حسنين (يغمز له) : ما هو نتفاهم بُكْره.
القلش : يعني أحضر الرجالة والسلاح.
ممدوح : رجالة وسلاح ليه يا بابا؟ الله، إنتو بدأتوا عمليات المقاومة؟
حسنين : أيوه، أيوه يا ابني بدأنا، بدأنا، حضَّر الرجالة والسلاح يا معلم.
ممدوح : دا شيء عظيم والله يا بابا، ماكناش منتظرين كده أبدًا.
إسماعيل : لأ انتظروا، دا فيه حاجات من ده كتير.
ممدوح : وعملتوا فعلًا كتايب؟
القلش : كتايب إيه؟ إحنا لا بنقرا ولا نكتب، إحنا بنلقح جتتنا في النار ونطلع منها خالصين بعون الله.
حسنين : الشعب كله نار يا ابني زي ما انتَ شايف كده، نار مشعللة.
ممدوح : اسمح لي يا معلم … يا معلم …
القلش : محسوبك القلش.
ممدوح : اسمحلي يا معلم القلش أبوسك، وأرجو انك تقبلنا ضمن رجالتك.
القلش : وماله، وبدل ما نطلع طلعة نطلع طلعتين، ولقمة هنية تقضي مية.
عبد الرحمن : يا سلام، الشعب كان بيشتغل لوحده، يعني ماكانش منتظر أمر الحكومة.
القلش : هوه قاطع عيشنا وواقف في سكتنا غير الحكومة، دا لولا البوليس كنا شيلنا مواسير الجبل كله واللِّي خلقك.
إسماعيل : أيوه، لولا البوليس فعلًا، كانوا شطبوا ع الانجليز كلهم.
ممدوح : أهو البوليس بقى معانا يا معلم.
إسماعيل : على خيرة الله، يبقى هتشطبوا ع المواسير كلها.
ممدوح : مواسير إيه يا عمي؟
حسنين (متدخلًا بسرعة) : خش يا ابني يا ممدوح انت وزمايلك اغسلوا وِشِّكوا، وغيروا هُدومكو اتفضلوا، اتفضلوا جُوَّه.
ممدوح : طيب عن إذنك يا بابا، عن إذنك يا عمي.
إسماعيل : لأ أنا جي معاكو، اتفضلوا.

(يحمل بعض الحقائب، ويتقدمهم إلى الداخل، ويبقى حسنين والقلش على المسرح.)

حسنين (للقلش) : خد بالك كويس وفتح عينك، إوعى حكاية المواسير دي، والشغل بتاعنا حد ياخد بيه خبر، إحنا من دلوقت كتايب.
القلش : يعني بلاش مواسير بقى، نبطل شغل.
حسنين : والشغل ماله، بس يعني خد بالك، اوعى لسانك يقع بكلمة كده والَّا كده، إنتَ هتشتغل معاهم كتايب، فاهم؟
القلش : ألسطه كده يا حسنين بيه.
حسنين : وتِفهِّم الرجالة بتوعك كمان، ممدوح بالذات مش عاوز يفهم حاجة خالص، أنا العلاقة بيني وبينه من أيام المرحومة أمه ما ماتت، وهي علاقة رسمي خالص، كل اللِّي يعرفه إن أبوه نائب ومقاول، شغل المواسير والحاجات دي ما يعرفش عنها حاجة، والمهم يفضل على عماه كده على طول.
القلش : طيب افرض واحنا بنشتغل شافونا.
حسنين : وهيشوفونا ليه؟ ما تعمل شغلك في السر.
القلش : يعني نطلع لوحدينا.
حسنين : أبدًا، دا معاهم يبقى أحسن، أولًا البوليس مش هيقف في سكتك، وثانيًا اللِّي يموت هيبقى شهيد، واللِّي يعيش هيبقى بطل، (يمسك بكتف القلش ويضحك) هتبقى بطل يا معلم، بطل.

(يدخل ممدوح فجأة، ومعه زملاؤه وإسماعيل.)

ممدوح : إلا بطل، دا بطل الأبطال يا بابا.
إسماعيل (ساخرًا) : والاش لما تشوف الأبطال التانية.
ممدوح : يا سلام يا بابا، أنا مكنتش مقدر بالظبط عظمة الشعب ده.
القلش : إحنا طول عمرنا فداوية، وإن شاء واحد أحد هنطلع معاكو.
ممدوح : يا سلام يا معلم، دا احنا اللِّي نِتْرجَّاكو انِّكوا تاخدونا معاكو.
القلش : اتفقنا.
ممدوح : متشكرين قوي يا معلم، تعال أمَّا أبوسك، بالحضن يا معلم.

(يتعانقان.)

إسماعيل (ساخرًا) : أهي دي قبلة الموت يا جدعان.

(صالح وعبد الرحمن يضحكان.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤