الفصل الثاني

(المنظر مكتب حسنين بيه الذي ظهر في الفصل الأول، وبه أسِرَّة وأسلحة ومهمات وثياب للفدائيين، حسنين يجلس خلف المكتب ومعه زوجته، يرتدي روب دي شامبر فوق البنطلون والقميص.)

حسنين (بسخرية) : هو بسلامته روميل ما رجعش.
الزوجة : وبعدين معاك يا حسنين، مش هتبطل تريقة.
حسنين (ينهض ويتمشى في الحجرة) : آخر زمن بصحيح، باعته يتعلم هندسة، رجعلي عسكري، قصدي قائد أبوه قائد.
الزوجة : يا ريت كان عندي خمسة زَيُّه ليوم زي ده.
حسنين : أيوه يا اختي يا ريت كان عندك خمسة زَيُّه، خمسة زملطحية.
الزوجة : هوه الراجل في الزمن ده بقى زملطحي، الله يرحمك يا جدي.
حسنين : اخوتينا بِجدِّك، آل يعني كان روميل.
الزوجة : أحسن من روميل، كان ظابط في جيش عرابي، النياشين بتاعته لسه عندي جُوَّه. الله يرحمك يا جدي، كان دايمًا يقول: الراجل بصحيح هوه اللي يشوف مصلحة بلده.
حسنين : الراجل في الزمن ده هو اللِّي يشوف مصلحة نفسه.
الزوجة : هوه كله عندك مصلحة نفسه، مصلحة نفسه.
حسنين : ما هو دا العبط بتاعك يا ولية، مصلحتي يعني مصلحة التانيين، أنا عندي ثروة نص مليون جنيه بتشتغل، بتشتغل لمين دي؟ لأمي. كام عيلة بتاكل من وراهم؟ (يضرب كفًّا بكف) وآخر المتمة هاموت واسيب كل شيء لحضرة القائد.
الزوجة : واحنا في ديك الساعة اللِّي يبقى لينا ابن قائد، وبيدافع عن المدينة.
حسنين (وهو يختلس النظر نحو الحجرة المجاورة) : أيوه صحيح الدفاع واخد حقه قوي، خشي شوفي الصواريخ اللِّي جايبنها، والَّا القنابل الذَّرِّية اللِّي معاهم، ولعب عيال، لعب عيال وآخرته وحشة.
الزوجة : ما تفرض انه لعب عيال، وانت خسران إيه؟
حسنين : ولا حاجة، يا فرحتي أنا، الحال واقف والحمد لله، هنخسر ايه بعد كده؟ وياريت الانجليز طلعوا، إنما إن شاء الله روحنا هتطلع قبل ما يطلعوا.
الزوجة : أنا والنبي دماغي ماهي فاضية للكلام ده! أنا قايمة داخلة جوه أشوف شغلي.

(تنهض الزوجة لتنصرف، يجذبها حسنين من يدها.)

حسنين : تعالي خدي رايحة فين؟ الواد موجود هنا، وأهي فرصة نجوزه بنت الريس سعد الله.
الزوجة : ممدوح ما يتجوزش بنت الريس سعد الله، ممدوح يتجوز على كيفه.
حسنين : ٥٠٠ فدان يا ولية حتة واحدة، ٥٠٠ فدان مش ٥٠٠ ماسورة.
الزوجة : إنشالله يكونوا ٥ تلاف — ممدوح يتجوز اللِّي على كيفه.
حسنين : يعني أُمَّال عاوزاه يتجوز بنت الفقري.
الزوجة : أهو أخوك.
حسنين : والنبي لما يكون آخر يوم في عمري.
الزوجة : أهو ابنك عندك كُلوا بعض (تنصرف).

(يذهب حسنين ويجلس خلف المكتب فيسمع حركة في الحجرة المجاورة.)

حسنين : دا مين ده، أنت رجعت والَّا إيه يا ممدوح؟
سميرة : دا أنا سميرة يا عمي.
حسنين : سميرة، إزيك يا بنتي.
سميرة : الله يسلمك يا عمي.
حسنين : هوه مافيش حد رجع م الفدائيين؟
سميرة : لأ مافيش حد رجع يا عمي.
حسنين : ماشوفتيش ممدوح النهارده؟
سميرة : شوفته الصبح يا عمي، من ساعة ما خرج مارجعش.
حسنين : ومالك خايفه كده ليه؟
سميرة : خايفة يا عمي ليكون …
حسنين : هيكون إيه يعني؟ غايته بيفتش ع الجيش بتاعه في الحارة اللِّي ورانا.
سميرة : والنهارده الصبح كان متحمس قوي، دا انت لو شفته في الأوضة النهارده.
حسنين : مافيش بأس م الحماس جُوَّه الأولاد، ما بيكلفش حاجة.
سميرة : دا انا خايفة موت يا عمي.
حسنين (تلمع عيناه بفكرة جديدة) : إنتِ خايفة على ممدوح يا بنتي؟
سميرة : على ممدوح وعلى كل اللِّي معاه يا عمي.
حسنين : علي انا الكلام ده يا سميرة! أنا عارف كل حاجة، إنتِ فاهماني عجوز يا بنتي، أنا برضه شايف وعارف.

(سميرة تنظر إلى أسفل.)

حسنين : الحقيقة يا بنتي، أنا خايف أكتر منك. إنما أهو كلام باطمن بيه نفسي، هيه، بس لو كان عندي غيره.
سميرة : ربنا ينجيه يا عمي.
حسنين : أنا مش مخوفني موته، أنا اللِّي مخوفني انه يقع في إيديهم، عارفه بيعملوا إيه جوه الكامبات يا بنتي؟
سميرة : لأ يا عمي.
حسنين : عندهم كلاب مخصوصة. الكلب من دُول زي الأسد. يسيبوا الكلاب عليهم ينهشوهم لحد الموت.
سميرة : يا خبر يا عمي.
حسنين : هو بس كده، وخراطيم المية، وحقن الجراثيم، والكهربا. حاجات تشيِّب يا بنتي تشيِّب.
سميرة : والعمل يا عمي؟!
حسنين : أنا غُلبت معاه يا بنتي، ما بيسمعش الكلام أبدًا، مين عارف ما يمكن يسمع كلامك.
سميرة : يعني أعمل ايه يا عمي؟
حسنين : مش هو القائد يا بنتي، ما يقعد هنا وبلاش نط لحد ربنا ما يفوتها على خير. والَّا يروح مصر ويشوف حاله.

(سميرة تعض إصبعها ولا تتكلم.)

حسنين : أنا عارف انه بيحبك قوي، وانت كمان بتحبيه، دا ياما كلمني عنك.
سميرة : صحيح يا عمي؟ قصدي أقول …
حسنين : ولا تقولي ولا تعيدي، أنا نهار المُنى يوم مافرح بيكو، واشيل عيالكو.

(يدخل نسر الفراش يحمل على كتفه بندقية.)

حسنين : دا إيه دا راخر؟ نسر، إنتَ كمان بقيت فدائي؟
نسر : همه اللِّي عينوني غفير على مخزن السلاح.
حسنين : وإيه دي اللِّي انتَ شانطها في رقبتك؟
نسر : بندقية.
حسنين : طيب وداخل هنا ليه؟ هوه انا مخزن السلاح اللِّي انتَ غفير عليه؟
نسر : لأ بس الخواجا بنايوتي بره عاوزك.
حسنين : قوللو مش هنا.
نسر : مانا قلتلو انتَ هنا.
حسنين : ناصح يا سيدي، روح انجر هاتو.
نسر : حاضر (يخرج).
حسنين : ادخلي انتِ يا قمورة.

(تنصرف ويدخل بنايوتي.)

بنايوتي : سعيدة خسنين بيه أنا جي كلمتو ثلاثة كلمة.
حسنين : ولا كلمة، فلوسك وعلى عيني وراسي، بس دا مش وقته، آدي انتَ شايف بنفسك، الحال واقف من كل ناحية.
بنايوتي : أنا خسنين بيه والله …
حسنين : يعني أعملك إيه، أقطع نفسي؟
بنايوتي : يعني أنا كمان يعمل إيه خسنين بيه؟
حسنين : تصبر شوية.
بنايوتي : شوية دي أد إيه؟
حسنين : أهو دا بقى اللِّي معرفوش، تصبر لحد ربنا ما يفرجها.
بنايوتي : وإمتى هوه راح يفرجها؟
حسنين : بكرة الحال يروق ويصلح، وفلوسك في أمان، هو احنا طرنا.
بنايوتي : أنا اللِّي عاوز يطير، عاوز يرجع مالطة تاني، أنا تعبان كتير خسنين بيه.
حسنين : خلاص فلوسك وعلى عيني وراسي، بس مش دلوقت، إنتَ مش شايف المدافع وراك؟
بنايوتي (مذعورًا) : فين مدافع دي؟
حسنين : أهي الدنيا كلها بقت مدافع، اصبر على رزقك شوية. حَد عارف بُكْرة يحصل إيه.
بنايوتي : يعني وبعدين خسنين بيه.
حسنين : يومين تلاتة، كل شيء راح يصلح.
بنايوتي : أنا راح يجي بعد يومين ثلاثة، بس دي يبقى آخر مرة خسنين بيه، آخر مرة.
حسنين : ماشي … ربك يسهل يا بنايوتي.

(يخرج بنايوتي يصطدم بإسماعيل داخلًا يترنَّح يتلو بنبرات مرتعشة.)

إسماعيل : فاوِض فخلفك أمة قد أقسمت، ألَّا تنام وفي البلاد دخيل، الله، دا في الديار دخيل فعلًا، إنتَ بتعمل إيه يا بنايوتي؟
بنايوتي : إيه دي؟ إنت مبسوط، دايمًا مبسوط، إيه دي؟
إسماعيل : دا أنا مبسوط خالص، وبُكْرة ياما هننبسط.
بنايوتي : دي إيه دي؟ (ينصرف مهرولًا).
إسماعيل (لحسنين) : بنايوتي جَي يكافح راخر والَّا إيه؟
حسنين : لأ جَي يسكر زي بعضهم.
إسماعيل : بعضهم دا مين؟

(يدخل ممدوح مهرولًا.)

ممدوح : مساء الخير يا بابا، مساء الخير يا عمي.
حسنين : أهلًا ممدوح، إنت فين يا ابني م الصبح بدور عليك؟
ممدوح : كنا عند الأربعين يا بابا.
حسنين : طيب على كل حال عندي ليك خبر مهم قوي، إحنا كوَّنا لجنة عليا للإشراف على حركة المقاومة في المدينة واللجنة انتخبتني رئيسًا لها.
ممدوح : دا كلام عظيم يا بابا وخطوة كويسة.
إسماعيل : والعليا دي فيها بنايوتي؟
حسنين (متجاهلًا كلام إسماعيل) : واللجنة دي فيها علي بيه حمزة، سيد بك إبراهيم، والريس سعد الله.
إسماعيل (ينهض واقفًا) : يا خرابي يبقى الانجليز مش طالعين.
ممدوح : أنا شخصيًّا ماعنديش مانع أتعاون مع اللجنة دي.
إسماعيل : أنا شخصيًّا مش معاكو، أنا فدائي لوحدي. دي لجنة عليا للمواسير.

(ينهض وينصرف إلى الخارج فيدخل القلش.)

القلش : يا ألف تلتميت مرحب يا سي ممدوح.
ممدوح : أهلًا بالمعلم القلش (لوالده) دا المعلم القلش راجل عظيم يا بابا.
حسنين : دا كنز يا ابني، كنز. عن إذنكو أنا رايح أحط رجليه في مية سخنة.

(ينصرف.)

ممدوح : إنت عرفت التعليمات يا معلم؟
القلش : أُمَّال … كل شيء واللِّي خلقك.
ممدوح : يعني عرفت موقع المعسكر، وهتخش منين وهتهجم منين؟
القلش : دا أنا عارف الكامب زي الأوضه دي، من غير مؤاخذة ١٢ سنة وانا شغال جُوَّه واللِّي خلقك.
ممدوح (ضاحكًا) : دا انتَ على كده دكتوراه في الانجليز.
القلش : ولا دكتوراه ولا حاجة، أنا من غير مؤاخذة كنت ميكانيكي دبابات.
ممدوح (ضاحكًا) : ميكانيكي دبابات؟!
القلش : أي كده واللِّي خلقك، خدناها شطارة وفهلوة وتفتيح عين.
ممدوح : وانتَ تعلمت ميكانيكا الدبابات فين، عندهم؟
القلش : دبابات إيه اللِّي هتعلمها، أنا كنت تاجر فواكه مُعتبَر قبل الحرب.
ممدوح : وسبت الفواكه واشتغلت في الدبابات.
القلش : اسم الله عليك.
ممدوح : دبابات إيه دي؟
القلش : دبابات شيليان م اللِّي قلبك يحبها.
ممدوح : دا انتَ حاجة عظيمة قوي يا معلم قلش.
القلش : تشكر يا أمير. الوقت احنا هنهجم م اليمين، ورجالتك من ع الشمال.
ممدوح : مظبوط كده.
القلش : اللهم صلي ع النبي، بس المواسير مش ع اليمين.
ممدوح : مواسير إيه؟
القلش : أستغفر الله العظيم، الواحد من غير مؤاخذة عقله مش فيه، الغرض أستأجز أنا، هاخد رجالتي واطلع ع المعسكر.
ممدوح : مع السلامة يا معلم، ربنا معاك.
القلش : ربنا مع الكل، سلامو عليكو.

(ينصرف القلش ويبقى ممدوح وحده مشغولًا بالكتابة. يدخل عليه البرنس.)

البرنس : سلامو عليكو يا فندي.
ممدوح : سلام ورحمة الله وبركاته، أيوه؟
البرنس : أُمَّال المعلم القلش فين؟
ممدوح : دا خرج دلوقت.
البرنس : خرج مشوار، والَّا طلعوا الجبل يعني.
ممدوح : لأ طلعوا الجبل، أي خدمة؟
البرنس : هو مين رئيس المكتب هنا؟
ممدوح : اتفضَّل يا معلم، اتفضَّل اقعد، أي خدمة أقدمها لك؟
البرنس : ما فيش فايدة، قلنا نطلع مع الرجالة وبس.
ممدوح : أهلًا وسهلًا.
البرنس : يا ألف أهلًا يافندي، بيني وبينك القلش فضل يزن على دماغي تعالى اطلع معانا، تعالى اشتغل معانا، إنما بيني وبينك بقى، أنا كنت كاشش، مش جبن وحياتك إنما يعني …
ممدوح : ممفهوم مفهوم، الواحد فعلًا، أحيانًا يشوف أن التريث أحسن.
البرنس : بيني وبينك ولا تريس ولا نيلة، ما هو الريس زي النفر، هوه فيه حد بيفضل.
ممدوح : إن شاء الله كلنا هنفضل.
البرنس : يا عم قول يا باسط، دي شغلة كلها مصايب.
ممدوح : بالعكس يا معلم، إحنا أقوى وأعظم، دي بلدنا وهمه غُرب هنا، همه معاهم سلاح واحنا معانا سلاح، همه ماعندهومش إيمان، واحنا عندنا إيمان. همه بيحاربوا؛ لأن الأوامر كده، واحنا بنحارب؛ لأن دي حاجتنا، ولازم نستردها.
البرنس : الله الله … إنتَ تنفع في السيما، والَّا تنفع أبوكاتو، وديني إنتَ خسارة في الشغلة دي!
ممدوح : أبدًا يا معلم، كلنا كبير وصغير غني وفقير لازمين للعملية دي.
البرنس : وديني كلامك حلو، وزين! دا لو رجالة الريس سعد الله سمعوا الكلام ده ليسيبوه وينضمولنا.
ممدوح : مش مهم ينضمولنا، ما دام الهدف واحد، مش مهم حاجة بعد كده.
البرنس : فعلًا مش مهم، المهم دلوقت إنتو شغلكو ازاي؟
ممدوح : دي حاجة ماتنقلش كده.
البرنس : مش قصدي ع المعاملة، أنا عارف كل حاجة، القلش مفهمني كافة شيء، أنا قصدي هتطلعوا إمتى؟ وكام طلعة في الأسبوع؟ هنهجم جنب السويس والَّا بعيد شوية؟
ممدوح : برضه دي حاجات بنقررها في وقتها، إنتَ عارف إنْ احنا مش جيش، دي حرب عصابات.
البرنس : عارف.
ممدوح : يعني احنا بنضع الخطط حسب الواقع.
البرنس : واكع إيه يا خويا. ما الجبل ملغم أشكال وألوان.
ممدوح : أيوه ملغم صحيح، إنما احنا لازم نختار.
البرنس : هنختار إيه. ما هو كل اللِّي في الجبل صنف واحد، من نهار ما نشأت الشغلة دي، وكل الوارد صنف واحد.
ممدوح : على كل حال المسائل دي، هنبقى نتكلم فيها بعدين، المهم دلوقت، إنتَ عارف الشغلة دي أخطارها إيه؟
البرنس : إلا عارفها، دا أنا عاجنها وخابزها.
ممدوح : يعني عارف طبعًا، إن — لا سمح الله — فيها موت، وفيها أسر، وفيها …
البرنس : هيكون فيها إيه يعني؟ ما هو أحسن م اللي احنا فيه.
ممدوح : أنا الحقيقة معجب بالروح دي، وبإذن الله الوطن هيعترف لكم بالجميل ده.
البرنس : اتفقنا.
ممدوح (يقدم له دفترًا) : طيب والله تكتب لنا اسمك وعنوانك هنا.
البرنس : الحمد لله، لَبعرف اقرا ولا اكتب، اكتب إنتَ.
ممدوح : طيب يا معلم، الاسم والله.
البرنس : البرنس السيد أحمد، حارة القسم بالأربعين.
ممدوح : طيب عال يا معلم، سيب معانا بقى تحقيق الشخصية.
البرنس : تحقيق الشخصية؟ عشان إيه دا كله؟
ممدوح : دا إجراء لا بد منه.
البرنس : مامعييش.
ممدوح : طيب رخصة، كرنيه، أي حاجة يعني.
البرنس : عشان إيه دا كله، هوه أنا ها أشتغل قنصل؟!
ممدوح : دا إجراء متبع عندنا، كل واحد في الكتيبة لازم يسيب رخصة أو تحقيق شخصية، لازم.
البرنس : وإيه اللِّي خلاه لازم يعني؟
ممدوح : عشان افرض حصل حاجة لا سمح الله.
البرنس : هيحصل إيه يعني، مش نموت، في ستين داهية، ابقى ارميني في أي مجرور.
ممدوح : دا إجراء لا بد منه، ما دام عاوز تشترك معانا في العمليات.
البرنس : عمليات، هيه السرقة اسمها عمليات، دكاترة احنا!
ممدوح : سرقة إيه يا معلم؟
البرنس : لأ، أستغفر الله، هنصلي، آل سرقة إيه، إنت فاهمني مباحث؟
ممدوح : مباحث إيه؟ وبتاع إيه؟ أنت بتتكلم بتقول إيه؟
البرنس : مش عارف بقول إيه؟ خش في عبي خش. آل عمليات آل، أكونش غلط وجيت المستشفى الأميري.
ممدوح : لأ انت يظهر عليك مسطول.
البرنس : أنا لسه مسطلتش، واوعى تلبَّخ معايا بقولك، هتكون إيه انت يعني؟ وكيل لحسنين بيه. وانا البرنس أحسن شبيح في البلد دي.
ممدوح : طيب أرجوك ماتزعقش، واتفضل اخرج من هنا.
البرنس : أخرج من هنا؟ لا هو أنا جَي أشحت، حلوة دي، آل إيه هات الرخصة، هاشتغل حرامي برخصة! هنسرق … وكمان عاوز رخصة.
ممدوح : إحنا هنا مش حرامية يا معلم، إحنا فدائيين.
البرنس : هأو، حلوة فدائيين دي، طب خدونا معاكو فدائيين، والَّا حرام ناكل عيش معاكو؟
ممدوح : إنت يظهر غلطت في العنوان يا معلم.
البرنس : أنا مغلطش ولا حاجة، مش ده مكتب حسنين بيه، والقلش بيشتغل هنا، والمواسير بتيجي على هنا. والهبش هنا، والخطف هنا. أنا مش مختوم على قفاي.

(يدخل حسنين بيه على الضجة.)

حسنين : إيه يا ممدوح، إيه الحكاية؟
ممدوح : مش عارف يا بابا، المعلم يظهر مبسوط شوية.
حسنين (للبرنس) : أيوه يا معلم، أي خدمة؟
البرنس : إحنا خدامينك يا حسنين بيه، لفندي بنتكلم معاه م الصبح مش فاهمني، باكلم لوندي.
حسنين : أيوه أي خدمة؟ أي خدمة يا معلم؟
البرنس : عاوزين نطلع مع الرجالة.
حسنين : طب وماله (يشير لممدوح إشارات تعني أن الرجل مجنون) أي خدمة يا معلم.
البرنس : يعني موافق!
حسنين : أُمَّال، أنا ليا بركة غيرك.
البرنس : يعني نطلع من بكرة.
حسنين : مافيش مانع.
البرنس : طب فوت حاجة.
حسنين (يبحث في جيوبه) : اتفضل، اتفضل (يناوله نقودًا).
البرنس : تشكر يا ملك (وهو يهم بالانصراف) ابقى فهِّم لفندي بتاعك أحسن دا بينُّه خام قوي (ينصرف).
حسنين : هو الواحد هيلاقيها منين ولا منين.
ممدوح : دا راجل غريب قوي يا بابا.
حسنين : دا راجل مجنون يا ابني ومعروف في كل حتة.
ممدوح : دا فاهم انِّنا بنسرق، وبنخطف، وعَمَّال يتكلم على مواسير وشبيحة.
حسنين : مجنون يا ابني مجنون … الله يساعده.

(يدخل البرنس مرة أخرى.)

البرنس : وهنطلع الساعة كام بإذن الله؟
ممدوح : الساعة عشرة.
البرنس : عشرة بريفكس يعني؟
ممدوح : أيوه بريفكس يعني.
البرنس : الله، يعني فهمت الدور أهه.
ممدوح : ما أنا فاهم بس كنت باضحك معاك.
البرنس : أيوه فتح عينك أُمَّال، دا أنا البرنس، آل.

(ينصرف البرنس ويضحك ممدوح.)

ممدوح : دا حكايته حكاية، صحيح كل واحد في سوق.
حسنين : مُلك يا ابني منظمه سيدك، مُلك! أُمَّال القلش راح فين؟
ممدوح : خرج يشترك في عملية كبيرة النهارده.
حسنين : ربنا يوفقكم يا ابني.
ممدوح : تعرف يا بابا، أنا مطمئن جدًّا اللِّي القلش مع الكتيبة.
حسنين : هوه راح لوحده؟
ممدوح : لأ خد رجالته معاه، يظهر انهم ناس فدائيين بصحيح.
حسنين : أيوه يا ابني دول دارسين الجبل حتة حتة، وقلوبهم ميتة زي الحديد.
ممدوح : يا سلام يا بابا، أنا ماكنتش فاهم إن الشعب ده فيه خامات عظيمة زي كده، واحد زي القلش ده، وانتَ معاه تحس بالثقة، وتشعر بالتفاؤل.
حسنين : قوي قوي يا ابني، وياما ناس يا ابني!
ممدوح : صحيح الشعب كنز.
حسنين : من حق يا ابني، الله يخيبه الجدع ده اللِّي كان هنا دلوقت، نساني اللِّي كنت عاوز أقوله، أيوه، أنا كنت عاوز أستشيرك في موضوع كده.
ممدوح : أيوه يا بابا.
حسنين : أنا يا ابني تعبان، ما بقاش فِيَّه حيل حتى أقوم من مطرحي، وكان نفسي أفرح بيك قبل ما يحصل حاجة.
ممدوح : مافيش حاجة هتحصل أبدًا يا بابا.
حسنين : ماحدش عارف يا ابني، الأعمار بيد الله.
ممدوح : بس أنا شايف إن ده مش وقته.
حسنين : أيوه يا ابني مش وقته. بس يعني كنا حنتكلم وبعدين يبقى على مهلنا، إنت عارف إن بنت الريس سعد الله.
ممدوح : أنا يا بابا قلت لك ميت مرة بلاش السيرة دي، ثم انا لسه فاضل عليَّ كتير عشان اتجوِّز، أنا هتجوز قبل ما اتخرج؟
حسنين : نتكلم بس يا ابني، والجواز على مهلنا.
ممدوح : أنا شخصيًّا مش عاوز أشغل نفسي بحاجة.
حسنين : يا ابني دا عندها ٥٠٠ فدان حتة واحدة.
ممدوح : بس أنا مش عاوز أتجوز يا بابا.
حسنين : وحد قلك اتجوز يا ابني، ابقى اتجوز على مهلك.
ممدوح : برضه أنا مش موافق على الكلام، لما أحب اتجوز هقولك يا بابا.
حسنين : إنتَ حر يا ابني، إنتَ حر.
ممدوح : وبالمناسبة دي يا بابا، إحنا كنا عاوزين ٢٠٠ جنيه.
حسنين : ٢٠٠ جنيه عشان إيه يا ابني؟
ممدوح : فيه كتيبة تانية هتوصل بكرة، وعاوزين مبلغ ندبر لهم أمكنة وملابس.
حسنين : وكتيبة تانية لزومها إيه، هيه يعني السويس ناقصة كتايب؟
ممدوح : مافيش حاجة هتخسر يا بابا.
حسنين : وأنا هجيب فلوس منين دلوقت، أعيان البلد ومش عاوزين يدفعوا. وأنا غرقان لشوشتي. المدينة الهباب دي كلفتني الجلد والسقط.
ممدوح : دا احنا عاوزين ميتين جنيه كل الحكاية.
حسنين : وهمه ٢٠٠ جنيه شوية في الزمن ده، الحال ما هو واقف من كل ناحية، والجنيه النهارده بقى بالبطاقة، أنا حاطط ٣٥٠ ألف جنيه في المدينة، شحتتني، دا لولا العيب كان الواحد وقف في الشارع يصرخ.
ممدوح : طيب يا بابا، على كل حال ممكن نتصرف احنا.
حسنين : ثم أنا مش فاهم إيه لازمة الفدائيين دول؟ همه رجالة السويس قليلين. ما عندك رجالة القلش، الواحد فيهم يشتغل بخمسين عيل م اللِّي انت جايبهم دول، وكل واحد فيهم مربيلي قُصَّة.
ممدوح : دول مش عيال يا بابا، دول شباب ورجالة.
حسنين (يتهادى على الكرسي) : ما تآخذنيش يا ابني، أنا باتكلم من غلبي، الروماتيزم يا ابني بيهري في جتتي، وقلبي، قلبي زي ما تكون سكينة بتدبحه من جُوَّه.
ممدوح : إنت مش بتتعالج يا بابا؟
حسنين : مفيش فايدة يا ابني، كل شيء خسر الأيام دي، حتى الدوا والدكاترة.
ممدوح : بالعكس يا بابا دا كل شيء اتقدم، خصوصًا الطب والدوا.
حسنين : إلِّلي إيده في المية، مش زي اللِّي إيده في النار، أنا داخل أستريح يا ابني (ينهض وينصرف) آخر زمن، ربنا يحسن آخرتنا ويفوتها على خير.
ممدوح (يقترب من المكتب وينقر عليه بأصابعه) : بس الواحد يجيب فلوس منين؟

(تدخل زوجة حسنين.)

حسنية : ممدوح.
ممدوح : أيوه يا طنط.
حسنية : أُمَّال زمايلك فين يا ابني؟
ممدوح : طلعوا عملية في الجبل.
الأم : هس ولا كلمة، ربنا ينجيهم يا ابني، وأنت مرحتش معاهم؟
ممدوح : أنا مستني جماعة زمايلنا جايين من مصر النهارده.
الأم : ربنا يوصلهم بالسلامة (بعد فترة صمت) أنا سامعاك وانت بتطلب فلوس من أبوك يا ممدوح، إنتو ما معكوش فلوس يا ابني؟
ممدوح : مش مهم أهي تتدبر.
حسنية : أبوك مخنوق يا ممدوح، والحال في البلد واقف.
ممدوح : بُكْرة تتعدل، كل شيء هيبقى عال يا ماما.
حسنية : بُكْرة إمتى يا ابني؟ دا الإنجليز في الجبل شيء على بعضه. هيه دي حاجة تخلص؟
ممدوح : كل شيء ليه أوان، بُكْرة يخلصوا.
حسنية : ربنا يمسحهم يا ابني (تضع يدها في صدرها) من حق يا ممدوح، أنا معايا ٤٠ جنيه أهم، خدهم يا ابني يمكن ينفعوكو.
ممدوح : يا سلام يا طنط، دول يسووا ٤٠ ألف، (يتناول المبلغ) عارفة بعد الجلاء، هنعملك تمثال في الشلوفة.
حسنية : هو أنا انفع في التماثيل يا ابني، ابقى اعمل لجدك.
ممدوح : يا سلام عليكي في التمثال، وانت لابسة الشال ده، ويبقى تمثال الأم المجهولة، أيوه تمثال الأم المجهولة … ما انتي زي أمي، بالعكس إنتي أمي فعلًا، أنا مش فاكر أمي كويس، أنا من نهار ما عرفت الدنيا وانتِ اللِّي بتربيني، زمان كنت باقولك يا ماما، ودلوقت هقولك يا ماما برضه، وقولك بصراحة: أنا عمري ما فهمت أبويا ولا هو فهمني، الحاجة اللِّي أشوفها شمال يشوفها هوه يمين، واللِّي أشوفها يمين يشوفها هوه شمال، إنتِ الوحيدة اللِّي في البيت ده اللِّي كنتِ فاهماني، ها إيه رأيك بقى في تمثال الأم المجهولة؟
حسنية : وهتعملني مجهولة ليه يا ابني! بقى دي أخرتها.
ممدوح (يضحك) : لأ يا ماما، يبقى زي تمثال الجندي المجهول.
حسنية : ربنا ينصركو واللِّي زيكو يا ابني.
ممدوح : هاتي بوسة يا ماما (ينحني ليقبلها) الله، إنتِ بتعيطي يا ماما.
حسنية (وهي تمسح دموعها) : لأ يا ابني، أنا مبعيطش ولا حاجة.
ممدوح : بقى انتِ، حفيدة القومندان إبراهيم طاهر بطل معركة التل الكبير، تعيطي، دا يومك، هناخد بتاره وتار زمايله.
الأم : أنا قلبي مقبوض يا ممدوح، فرحانة وخايفة يابني.
ممدوح : وهو حد بيموت ناقص عمر يا ماما، وهو احنا مش زي الانجليز، ما هم شبان زينا وجايين من آخر بلاد ربنا عشان يحاربونا هنا.
الأم : وهم دول ناس يا ابني … دول وحوش.
ممدوح : وعشان كده لازم نبقى وحوش زيهم، بقالنا ٧٠ سنة عاملين فراخ، ولما تيجي الفرصة نعيط؟

(الأم تمسح دموعها.)

ممدوح : طب اضحكي، والنبي تضحكي (الأم تبتسم) أيوه، لأ قوي (الأم تضحك) أيوه كده، هاتي بوسة بقى (يُقَبِّل يدها) الله، (الأم تستأنف البكاء) الله، إحنا هنعيط تاني.
الأم (وهي تنهض وتنصرف) : لأ، أنا مش بعيط دا عيني وجعاني يا ممدوح. عيني وجعاني.

(تنفجر في البكاء وتدخل، يجري ممدوح خلفها، تدخل امرأة ترتدي ملاية لف ومعها ثلاثة أطفال.)

المرأة : إنتَ يا ابني، مكتب حسنين بيه ده؟
ممدوح : أيوه يا ست، أي خدمة؟
المرأة : مش اللِّي ينقرص في بطنه القلش بيشتغل معاكو هنا.
ممدوح : أيوه يا ستي.
المرأة : والنبي يا خويا اوعوا تدولوا المكافأة.
ممدوح : المكافأة!
المرأة : أيوه يا خويا، دا حالف ياخدها ويتجوز واحدة تانية، آل اسمها زينب آل.
ممدوح : زينب، زينب دي إيه؟

(تدخل زينب تتقصع.)

زينب : أيوه يا سيدي، خدامتك.
ممدوح (لزينب) : تعرفي الست دي؟
زينب : أيوه يا هانم، فيه أي خدمة؟
المرأة : أنا يا أختي مرات القلش.
زينب : مرات القلش. هو يبقى جوزك؟
المرأة : أيوه ياختي، وحالف ياخد المكافأة ويتجوز عليَّ.
زينب : يجوز عليكي، اللِّي ينقرص من باطه.
المرأة : ست عيال، وانا السابعة ياختي، وعاوز يرمينا آل عشان يتجوز، دا مين العامية اللِّي هتجوزوا.
زينب : دا يا ستي بيحلف انه مش متجوز.
المرأة : حلفان لما ياكلو، آه يا ناري بس لو أشوف اللِّي هيتجوزها دي. المِصدِّي الملضِّي.
زينب : وهيه مين دي اللِّي ترضى تجوزه؟
المرأة : وما تتجوزوش ليه يا حبيبتي. مش راجل ملو هدومه. والنبي يا ابني ما تدوله المكافأة، حاكم ده مجنون. وشغلة المواسير دي جننته زيادة.
ممدوح (لزينب) : مكافأة إيه؟ هوه ليه مكافأة عند بابا؟
المرأة : أيوه يا خويا، ما هو متفق مع البيه، الطلعة بجنيه، وإن — البعيد — جراله حاجة عياله تاخد ميه، فلوس الأيتام عاوز ياخدها يتجوز بيها. منك لله يا قلش، هوه راح فين يا ابني؟
ممدوح : راح مشوار يا ست وجاي.
المرأة : والنبي لقعدله بره مستنياه. والنبي لفضحاه في كل حته.

(تنصرف للخارج)

زينب (تحدث نفسها) : بقى متجوز يا قلش الكلب.
ممدوح : الله، هوه انتِ زينب اللِّي؟
زينب : أنا، فشر، طيب هو انا ارضى.
ممدوح : ليه ما هو راجل ملو هدومه؟
زينب : هدومه، دي كلها قمل، والنبي أنا ما يملى عيني عشرة زيه.
ممدوح : طيب اجري اعمليلي كوباية شاي.
زينب : من عيني يا سيدي.
ممدوح : والا أقولك، بلاش دلوقت، أنا خارج رايح مشوار وجَي حالًا.
زينب : تروح وتيجي بالسلامة يا سيدي.

(يسمع صوت زوجة القلش في الخارج.)

الزوجة : والنبي إن سبته، أنا قتيلته النهارده.

(يدخل نسر إلى المسرح حاملًا بندقيته يقطع المسرح في خطوات عسكرية، تدخل الزوجة قادمة من الداخل.)

حسنية : إيه الخوتة دي؟ (تنظر بدهشة لنسر) ده مين ده؟ (لنسر) إنتَ … إنتَ بقيت فدائي إنتَ راخر؟
نسر : الله، ست هانم، إزيك يا ست، أهو تسالي يا ست هانم تسالي.
حسنية : أما منظرك يضحك بصحيح يا نسر.
نسر : حنعمل إيه يا ست هانم، أهو قلنا نعمل أي حاجة، الواحد عجز ما بقاش فيه حيل يعمل حاجة، أيام الثورة كان الواحد شباب.
زوجة القلش : وسيدي الغريب لافضحه، عشر سنين ياخواتي، وبعدين عاوز يرمينا في السكك.
حسنية : الله دا إيه دا اللِّي بره؟
نسر : دي مرات القلش.
حسنية : مرات القلش مالها؟
نسر : عاوز يجوز عليها آل.
حسنية : يتجوز!
نسر : أنا عارف، والله ماني فاهم حاجة يا ست.
الزوجة (من الخارج) : وسيدي النبي ما سيباه، بقى عاوز ياخد المكافأة!
حسنية : طيب مش تقولها تتفضل جوه يا نسر.
نسر : هتتفضل فين، دا معاها ست عيال نازلين تنطيط تقوليش قرود.
حسنية : ربنا يخلي، يا عيني ع الولايا.
نسر : بقى دي ولايا دي؟ اللِّي لسانها نازل يفرقع زي المسدس، آل يا عيني ع الولايا آل. يا عيني ع الفدائيين.

(يشير إلى نفسه.)

زوجة القلش : ورأس سيدي النبي لفضحاه في كل حتة، عاوز ياخد المكافأة!
نسر : إنتِ لسه هتفضحيه، دا الانجليز زمانهم خدو خبر.
حسنية : ما تروح يا نسر تهديها.
نسر : أنا أهدي دي، دا أنا أهدي الانجليز ولا أهديهاش.
زوجة القلش : وشرف النبي إنْ عملها لاشرب من دمه.
نسر : يا ريته يا ست يعملها يا ريته.

(يدخل إسماعيل فجأة يترنح، يرتدي فوق زيه العادي كاب على رأس جنرال إنجليزي.)

إسماعيل : دا مين دا اللِّي يا ريته ياخويا؟
نسر : الله، إسماعيل بيه، دا إيه ده اللِّي انتَ عامله في نفسك ده؟
إسماعيل : إيه عجيبة، ماشفتش جنرالات قبل كده.
نسر (يضحك) : جنرال، جنرال يا إسماعيل بيه مرة واحدة.
إسماعيل (وهو يهم بالجلوس فيلمح زوجة أخيه) : الله، أنت هنا؟
حسنية : إنتَ جاي منين دلوقت؟
إسماعيل : لفيت الدنيا، م الأربعين لكفر شارل، لكفر عبده، لعزبة بنايوتي. فاحلفت، محلفش أبدًا.
حسنية : ودا كله عشان إيه؟
إسماعيل : عشان إيه إزاي؟ لازم نرفع الروح المعنوية، الناس دي زي المية اللِّي حايشاها القناطر، عاوزه واحد بس يفتح القناطر، تبص تلاقيهم بقوا زي السيل. أنا أيام الثورة كنت مهندس قناطر أفتح العيون أبص ألاقي الناس بقت زي الشلال، فاكر يا نسر؟
نسر : فاكر والله يا إسماعيل بيه.
إسماعيل : فاكر يوم الأزهر، يا سلام على يوم الأزهر، في اليوم ده.
زوجة القلش (من الخارج) : وسيدي النبي لارْقَع بالصوت وافضحه.
إسماعيل : دا مين ده اللِّي عامل هوسة بره؟
نسر : دا شلال بره انفتح.
حسنية : دا اللِّي يدور عليك يلاقيك ماتغديتش يا إسماعيل.
إسماعيل : آه، صحيح، المشاغل بتنسِّي الواحد الحاجات دي، أنا أيام الثورة ماكنتش آكل باليومين، فاكر يا نسر؟
نسر : والله فاكر يا إسماعيل بيه.
حسنية : طيب لما أروح أحضرلك لقمة.

(تنصرف الزوجة إلى الداخل.)

نسر (يتقدم خطوة من إسماعيل) : إنما دا إيه الحاجات دي كلها؟
إسماعيل (ينظر إليه باحتقار) : أنت بتكلمني؟
نسر : أُمَّال بكلم نفسي!
إسماعيل : يبقى لازم تعظمني، يا … نفر.
نسر : نفر، دا في حرب ١٤ كنت نفر، لو فضلت لحد النهارده كنت بقيت صاجن.
إسماعيل : طيب يا باش صاجن، برضه عظمني.
نسر : وهعظمك احنا يعني في الحرب؟
إسماعيل : أُمَّال أنت ماسك البندقية دي ليه؟
نسر : أنا واقف خدمة على مخزن السلاح.
إسماعيل : ومين اللي أمرك تقف؟
نسر : ممدوح.
إسماعيل : وراح فين ممدوح؟
نسر : خرج بره.
زوجة القلش : إلهي تنشك في دراعك يا قلش يا ابن هدية.
إسماعيل : دا إيه دا اللي ابن هدية؟
نسر : جوزها، بتدعيله ربنا يسهله ويفتحها في وشه، ويرزقه بشلل في دراعه.

(تدخل زينب تتقصع تحمل صينية صغيرة عليها بعض الأطباق لإسماعيل.)

نسر : الله، أنت جايبة الأكل للقائد؟
زينب : إحنا لينا بركة غير القائد، هوه ماحدش رجع م الرجالة والَّا إيه؟
زوجة القلش : إلهي لا ترجع ولا تشرب لها مية يا قلش يابن حوا وآدم.
زينب : هيه الست لسه هنا؟
نسر : وهتروح فين، وراها حاجة.
زينب (كأنها تتحدث لنفسها) : بقى القلش متجوز وعنده ست عيال!
نسر : ومين عارف ياما في الجراب يا حاوي.
زينب : هوه مارجعش؟
نسر : وهوه هيرجع النهارده، ودا لو شافها هنا مش هيهوب الناحية دي، دا يحارب أورطة بحالها، ويشوف مراته ينخرع.
زينب : دا بس عمللي راجل.
إسماعيل : حد عارف الراجل من المرة دلوقت، ما كله زي بعضه. أيام الثورة كان الرجالة معروفة والحريم معروفة. كانوا يخرجوا لابسين يشمك أبيض زي الفل، فاكر يا نسر؟
نسر : والله فاكر يا إسماعيل بيه.
زينب (وهي تنصرف) : والنبي إن جه القلش ابقى اندهلي يا نسر. أما هيبقى منظر.
إسماعيل : هوه انتو شفتوا مناظر، دي أيام الثورة كانت مناظر على قفا مين يشيل، فاكر يا … صاجن؟
نسر : والله فاكر يا حضرة القائد.

(يدخل ممدوح فجأة.)

ممدوح (وهو ينظر نحو عمه) : ألله هوه حضرة القائد هنا؟
إسماعيل (وهو مشغول بالأكل) : أُمَّال يا ابني هاروح فين؟ مونتجمري كان قاعد في شبرد، إنما أنا زي بعضه على أد الحال.
ممدوح : أُمَّال بابا فين؟
إسماعيل : والله ماني عارف يابني يا ممدوح، يمكن جوه.
ممدوح : طيب أما اخش اشوفه كده.
إسماعيل (يهب واقفًا) : لأ استنا انا عاوزك لوحدك (لنسر) انصرف.
نسر (وهو ينصرف) : انصرفنا يا قائد.
زوجة القلش : إلهي ينتقم منك يا قلش يا ابن هدية!
ممدوح : الست دي لسه مابطلتش؟ (لعمه) إيه الحكاية يا عمي، عاوزني ليه، إياك ناوي تسيب القيادة؟
إسماعيل : لأ يا ابني، أنا عاوزك في حاجة مهمة قوي، حاجة جَد قوي.
ممدوح : اتفضل يا عمي.
إسماعيل : بس قبل ما اتفضَّل يا ابني، أحب أقولك حاجة: أنا سكران صحيح، إنما الكلام الَّلي حقوله، لازم تسمعه.
ممدوح : سامعك كويس يا عمي.
زوجة القلش (من الخارج) : إلهي تسمع الرعد في ودانك، ما تسمع الكلام يا واد.
إسماعيل : الكلام اللِّي حقوله يا ابني، كلام يزعل، ويتعب ويعكنن، إنما … إنما كلام مظبوط خالص، مظبوط وحياة شبابك.
ممدوح : أيوه يا عمي، أنا سامعك خالص.
إسماعيل : أنا عاوز أقولك يعني، تاخد بالك.
ممدوح : هوه انا عَيِّل صغير يا عمي خايف علي.
إسماعيل : لأ أنا قصدي تاخد بالك م القلش.
ممدوح : دا القلش بطل يا عمي، ومعاه رجالة زي الأسود، يا سلام دا لو فيه عشرة من القلش.

(تقتحم المكتب زوجة القلش ثائرة.)

زوجة القلش : هوه جه يابني.
إسماعيل (في ثورة) : هوه إيه اللي جه دي؟
زوجة القلش : القلش يا سيدي.
إسماعيل : وهييجي منين، هينزل م السما، مانتِ مرابطة ع الباب!
زوجة القلش : أُمَّال اعمل ايه بس يا سيدي، والنبي ما تدولوا المكافأة. آل عاوز ياخدها ويتجوز.
إسماعيل : مكافأة إيه يا ست، إحنا مابنديش مكافآت.
زوجة القلش : مابتديش مكافآت. دا متفق على مية.
إسماعيل : قصدي مش احنا اللِّي بندي، حسنين بيه هوه اللِّي عارف الشغل ده.
زوجة القلش : أُمَّال انت اسم النبي على مقامك مش حسنين بيه؟
ممدوح : لأ يا ست، دا اسماعيل بيه.
زوجة القلش : تعيش يا ابني وتفرح. أُمَّال حسنين بيه فين؟
إسماعيل : زمانه جي، استنيه ع الباب راخر.
زوجة القلش (وهي تخرج) : والنبي ماني منقولة النهاردة.
إسماعيل : ياباي، دي مش حرمة، دي قاذفة لهب، اسمع يا ابني … خد بالك والسلام.
ممدوح : لا، دا انت يظهر مبسوط قوي.
إسماعيل : والنبي مانا مبسوط يا ممدوح، دا أنا زعلان قوي. المهم خد بالك، خد بالك يابني.

(يتجه نحو الخارج، يرتفع صوت زوجة القلش.)

زوجة القلش (من الخارج) : إلهي تروح ما ترجع يا قلش يابن هدية!
ممدوح (يقف وحده وسط المسرح) : خد بالك … آخد بالي من إيه؟ (يهز رأسه) مسكين عمي، يا خسارة.

(تدخل سميرة على أطراف أصابعها.)

سميرة : ممدوح.
ممدوح : مين؟ سميرة.
سميرة : أيوه سميرة يا خاين.
ممدوح : ياه، خاين مرة واحدة.
سميرة : أيوه خاين، تعرف تقوللي كنت فين طول النهار؟
ممدوح : شوفي يا ستي، بصفتك القائد بتاعي، أحب أقدملك التقرير ده، الجماعة خرجوا م الصبح في عملية مهمة قوي، وأنا طول النهار زي (الفرخة الدايخة) من بور توفيق للأربعين، وم الأربعين للمحافظة، ومن المحافظة للمينا، ومن المينا لهنا.
سميرة : وأنا إيه يهمني م الكلام ده كله، إنتَ ما بتحبنيش وبس.
ممدوح : ما بحبكيش، طيب أعمل ايه عشان تتأكدي من حبي؟
سميرة : لو كنت بتحبني صحيح، كنت افتكرت تقعد معايا خمس دقايق، بقالك تلت تشهر بعيد عني في مصر، وبعدين حضرتك رايح تشوفلي الأربعين والمحافظة والمينا!
ممدوح : ماهو أنا مشغول دلوقت، عشان أفضالك بعدين. أفضالك بصحيح.
سميرة : وان ماكنتش حتفضالي دلوقت، أُمَّال هتفضى إمتى، لما تروح تحارب وتموت؟
ممدوح : ولا هاموت ولا حاجة، بالعكس، أنا هاعمر واخلل وابقى رزل، وهانعيش مع بعض كتير، وهازهق منك.
سميرة : ليك حق صحيح تقول الكلام ده، ما انتَ زهقان مني من دلوقت.
ممدوح : الله الله، دا انتِ عصبية قوي النهارده.
سميرة : أنا مش عصبية يا ممدوح، إنتَ اللِّي بتهرب مني.
ممدوح : أهرب منك، حلوة دي.
(يمسك بها) طب اسمعي، بعد الحرب دي مباشرة حنتجوز بعض، بس على شرط، المهر لازم يكون مِيت راس عسكري انجليزي.
سميرة : أنا خايفة لتكون راسك منهم.
ممدوح : بقى دا اسمه كلام ده، بقى بدل ما تشجعيني، وتزودي في مهرك شوية تقولي الكلام ده، هو مش انتِ سميرة بنت اسماعيل اللِّي ضيع حياته في الثورة.
سميرة (ترتمي في أحضانه) : أنا يا ممدوح خايفة.
ممدوح : خايفة من إيه بس؟
سميرة : خايفة لتموت.
ممدوح : ماقلتلك مش هموت، أحلفلك إني مش هموت، دا عُمر الشَّقي بَقي.
سميرة (وهي تحتضنه بقوة) : أنا مش عارفة وانا معاك باحس إحساس غريب جدًّا.
ممدوح : لازم بتحبي.
سميرة : باحس بالثقة وبالأمان، وأنا مع عمي باحس العكس.
ممدوح : عمك عجِّز بقى، ماتبقيش تقعدي مع عواجيز.

(يدخل إسماعيل فجأة وهما على هذا الوضع، ترتاع سميرة، وتترك ممدوح، وتهتف مشدوهة.)

سميرة : بابا.
إسماعيل : أيوه بابا، أُمَّال مين، ماما؟
سميرة : أصل ممدوح يا بابا …
إسماعيل : عارف يا بنتي عارف.
ممدوح : لا مؤخذة يا عمي، أنا هاضطر أسيبكو دلوقت عشان الجماعة اتأخروا قوي، أما أروح انا اشوف إيه الحكاية.
زوجة القلش (من الخارج) : روح إلهي لا يكسبك.
إسماعيل : يا باي، هيه القناطر لسه مفتوحة؟!

(ينصرف ممدوح، ينظر إسماعيل لسميرة.)

إسماعيل (لسميرة) : إيه؟ … إنتِ مالك دبلانة كده؟
سميرة : أبدًا يا بابا.
إسماعيل : يبقى لازم بخرف بقى.

(يرتفع صوت حسنين من الداخل.)

حسنين : يا سميرة، سميرة … (يدخل إلى المكتب) إنتِ فين يا بنتي؟ خشي شوفي طنط عاوزاكي ليه.
سميرة : حاضر يا عمي …

(تنصرف.)

حسنين (يجلس خلف المكتب وينظر إلى أخيه) : مرحب بالقائد.
إسماعيل (باشمئزاز) : أهلًا.
حسنين (مستهزئًا) : دا إيه اللي على دماغك دي.
إسماعيل : ماسورة.
حسنين (يضحك ضحكة صفراء) : مش ناقصك دلوقت غير جيش، وخريطة، خريطة من اياهم … اللِّي كنت واخدها تلف فيها أزايز … (يضحك نفس الضحكة) أنا عارف كنت طالع لمين؟ (ينظر إلى الصورة المعلقة فوق رأسه) الله يرحمه بقى، صحيح خلف.
إسماعيل : ماخلفش ليه، خلف نائب أد الدنيا، ورئيس اللجنة العليا!
حسنين : ما لها اللجنة العليا، مش عاجباك؟
إسماعيل : لأ دي عاجباني قوي. وخصوصًا كتيبة القلش.
حسنين : وماله القلش، قاعد يسكر طول النهار، عالم شغالة بتاكل عيشها بعرق جبينها، مش طول النهار سكرانة يا سي إسماعيل، لو كل الناس عملت زيك كده، الدنيا تخلص.
إسماعيل : ما تخلص يا أخي، وفيها إيه لما تخلص.
حسنين : أيوه وفيها إيه لما تخلص، وانتَ هيهمك إيه؟ ما انتَ مستريح أربعة وعشرين قيراط.
إسماعيل : أنا فعلًا مستريح، إنتَ اللِّي تعبان.
حسنين : أنا تعبان عشان أبني واعمَّر، عشان أعمل حاجة للناس الغلابة، عشان أفتح بيوت ناس، وكمان عشان أجيب ويسكي سعادتك تقربعو.
إسماعيل : أهي دي الحاجة الوحيدة اللِّي قلتها صح، هوه دا الشيء الوحيد اللي بتجيبوا وتستفيد بيه الناس، إنما حكاية أبني واعمَّر دي. اسمحلي، هيه المواسير اسمها أبني واعمر.
حسنين : شوف السكْر عميك إزاي، بتخرف، بتقول كلام مانتش قده.
إسماعيل : أنا مش سكران ولا حاجة، أنا فايق ٢٤ قيراط، مابخرفش ولا حاجة، بقى انتَ فاتح بيوت ناس؟!

(يلمح حسنين نسر واقفًا في ركن الحجرة، ويكون قد دخل أثناء النقاش.)

حسنين (لنسر) : إيه اللِّي موقفك عندك يا بجم؟
نسر : لسه فاضل ساعة ع الميعاد.
حسنين : انجر غور من قدامي.
نسر : يعني أغور من قدامك، وبُكْرة عبد الملاك افندي يخصم ساعة مني.
حسنين : امش انجر بقولك.

(يفر نسر مذعورًا.)

إسماعيل (يضحك بهستيرية) : أهو انا باسكر عشان كده، عشان ماخافش من عبد الملاك افندي، مابشتغلش عندك، باسكر عندك بس.
حسنين : أهو دا اللِّي انتَ شاطر فيه، طول النهار قاعد تسكر، وآخر المتمة واخد الخريطة تلف فيها أزايز.
إسماعيل : أُمَّال هاخدها اعمل بيها إيه؟ … أنا شخصيًّا مش عاوز أعمر، مش عاوز افتح بيوت ناس، خليك انتَ المُعمِّر، خليك انتَ الفاتح، كفاية فاتح واحد في العيلة، واحد فاتح (يشير لحسنين) وواحد سُكَري (يشير لنفسه) أهو برضه فاتح.
حسنين : بالذمة انتَ مش مكسوف من نفسك.
إسماعيل : وهانكسف ليه؟ عامل كتيبة م القلش ورجالته؟ عامل لجنة عليا؟!
حسنين : قوم بص كده في المراية، شوف منظرك والنبي.
إسماعيل : مانا باصص كويس، بس في مراية تانية، مراية مفتوحة ع المستقبل، إنتَ بتلعب ع الحبل يا حسنين، إنما انا شايف الحبْل بيتهز بيك اليومين دول، الحبل بيتهز قوي يا حسنين هينقطع.
حسنين : دا بيتهيأ لك م الخمرة، كل شيء مهزوز في عينيك.
إسماعيل (متنمرًا) : حكاية القلش دي آخرتها وحشة يا حسنين، الفدائيين لو عرفوا الحقيقة، هيخلصوا عليك، دول ما بيعرفوش هزار، لسه ماخدوش بالهم من حكاية التعمير، وفتح البيوت والكلام اللِّي انتَ بتقوله ده، دول جَد قوي يا حسنين، ده جيل جديد انتَ مش أده.

(يدخل ممدوح فجأة فينظر إلى عمه وأبيه.)

ممدوح : الله، لا مؤاخذة يا بابا، إنتو يظهر قاعدين قعدة انسجام قوي.
إسماعيل : قوي قوي!
ممدوح : أُمَّال الوليه راحت فين؟
إسماعيل : يمكن راحت تدور عليه.
حسنين : ولية إيه؟
ممدوح : دي ولية مجنونة ولسانها طويل.

(يدخل القلش مبتهجًا.)

القلش : الله ع الجو. نهارنا قشطة بالصلا ع النبي.
إسماعيل : لازم الحكاية سمينة قوي.
القلش : أما عملية يا سي ممدوح، حاجة تفرح والنبي.
ممدوح : عملتوا إيه يا معلم؟
القلش : كل شيء ألسطة واللِّي خلقك، همه هجموا كده، واحنا هجمنا كده، دخلت المعسكر هجمت زي الغول والسنجة في إيدي، إللِّي بقيت أغُزُّه بقى يقع، بقيت اغز كده، واغز كده، حاجة تقرف.
ممدوح : القتلى من عندهم كتير؟
القلش : أنا بقيت فاضي أعد، أهو اللِّي بقى يقابلني في وشي الهفه.
ممدوح (مسرورًا) : إيدَك أبوسها يا معلم.
القلش : أستغفر الله، ودي تيجي دي، دا كله فدا الوطن.
ممدوح : والجماعة ازيهم، بخير؟
القلش : الله ينكد عليهم بحق جاه النبي.
ممدوح : ليه؟
القلش : أنا سمعت انهم جم هنا، وفضحوا الدنيا.
ممدوح : أنا بقولك الجماعة بتوعنا.
القلش : الله، هوه انتَ متجوز يا سي ممدوح.
ممدوح : الفدائيين، قصدي الجماعة الفدائيين.
القلش : آه، بخير قوي، كل شيء ألسطة. دي كانت مدبحة، الدم للركب، دبحنا فيهم زي الفراخ … اعملوا لنا كنكة قهوة أُمَّال، دماغي هتطق واللِّي خلقك.
ممدوح : ميت كنكة قهوة علشانك، إنتَ تستحق وسام.
القلش : أعمل إيه، اللي بقى ييجي في سكتي بقيت ألهفه.
ممدوح : يا زينب، زينب.

(تدخل زينب تتقصع.)

زينب : أيوه يا سيدي (تنظر للقلش) إنتَ جيت يا معلم، كان فيه جماعة ضيوف مستنيينك النهارده.
القلش : مش الحمد لله مشيت … اعمللنا كنكة قهوة أُمَّال.
زينب : حاضر يا معلم.
القلش (لحسنين) : ما تديها مفتاح الأرار.
حسنين : جوه، جوه.
القلش (يجلس) : يا سلام يا رجالة، دا يوم مفترج النهارده، أنا وحياة سيدي الغريب بقى اللِّي يجي في سكتي ألهفه.
إسماعيل : ولهفت كتير يا معلم؟
القلش : أنا كنت فاضي أعد، أهو اللِّي بقى في سكتي، ألهفه … وسيدي الغريب دي مدبحة، دا الدم للركب يا جدعان.
ممدوح : قول لنا إيه اللي حصل بالظبط.
القلش : بقولك مدبحة، ييجي ألف انجليزي، واللِّي خلقك، بقوا مفرشين على الأرض زي الفسيخ (ينفض ملابسه) إخِّيه قطعولنا هدومنا، كنكة القهوة يا عالم.
ممدوح : كنكة قهوة! وانتَ يتعملك تمثال، تمثال في فايد، جوه القيادة البريطانية.
القلش : قيادة! هيه دي قيادة، دول غنم، أنا جسمي نار كله مولع، صوابع إيدي واقفة. أنا خدت واد ظابط إنجليزي بكف إيدي طرشته الدم واللِّي خلقك.
ممدوح : هات صوابعك أبوسها يا معلم.
القلش : أستغفر الله. ركبتي رخرة بتزن علي.

(يدخل أحد الفدائيين شعره غير مرتب ودمه سايل، وعيناه يتطاير منها الشرر.)

الفدائي (للقلش) : دي عَملة تعملها يا معلم، دي عَملة تعملها؟!
ممدوح : الله، إيه الحكاية؟
الفدائي : حضرته سابنا في المعركة ودخل الكامب يسرق مواسير.
ممدوح : يسرق مواسير!
الفدائي : دا اللِّي حصل يا ممدوح.
ممدوح : وحصل إيه في المعركة؟
الفدائي : كنا هنضيع كلنا. لولا معجزة كنا متنا كلنا.
ممدوح : حد مات؟
الفدائي : تلاتة يا ممدوح، خدعنا القلش.
القلش : الله، هو إيه بس اللِّي حصل؟
الفدائي : إنتَ مش سبتنا في المعركة، ودخلت تسرق مواسير.
القلش : بس ماتقولش أسرق. دي غنايم.
إسماعيل : معذور، أهو اللِّي بقى ييجي في سكته بقى يلهفه.
حسنين : يمكن يا ابني يكون حصل حاجة كده ولا كده.
الفدائي : أهو دا اللي حصل يا عمي.
القلش : حصل كل خير، عشان شوية غنايم حرب هيعملونا محضر، هوه احنا كفرنا، أُمَّال حرب إيه دي اللِّي مايموتش فيها حد.
ممدوح : إنما احنا متفقناش على كده.
القلش : وهي الحرب فيها اتفاق، الحرب خدعة.
إسماعيل : الحرب لهف.
ممدوح : إنما احنا مش رايحين نسرق يا معلم، إحنا رايحين نحارب.
القلش : وهي دي سرقة؟
ممدوح : أُمَّال دي تبقى إيه؟
القلش : دي غنايم، إنما أموالهم ومتاعهم غنايم لكم، ما هو الأهرام أهه شيخ الأزهر بنفسه، الله وهيه الحرب إيه؟
إسماعيل : الحرب لهف.
القلش : وديني اللِّي بقى يجي في وشي بقيت ألهفه.
إسماعيل : صادق صادق، وماجاش في وشك غير المواسير، هتعمل ايه.
ممدوح : بقى عشان شوية مواسير تضيع كتيبة.
القلش : وهي ضاعت، والحرب ما بيضيع فيها ألوف، هيه الحرب إيه؟
إسماعيل : الحرب لهف.

(يدخل بعض الفدائيين يصوب أحدهم مدفعه نحو القلش.)

إنتَ كان لازم تموت النهارده، واحنا اللِّي ح نموتك.
القلش : ليه هو انا انجليزي من غير مؤاخذة؟
الفدائي : إنت أخطر من الإنجليز، وإن ماكنتش هتخرج دلوقت هاموتك.
القلش : أخرج أروح فين؟
الفدائي : تخرج من هنا!
القلش : هوه انا جورج هتجرجرني من هنا.
حسنين : بس يا جماعة، خلافاتنا نسويها بالراحة.
الفدائي : دا مش خلاف يا حسنين بيه، دي جريمة.
حسنين : طيب استنى بس أُمَّال.
ممدوح : يستنى إيه يا بابا؟
حسنين : نتفاهم يابني.
ممدوح : الحاجات دي مافيهاش تفاهم يا بابا.
القلش : الله، هوه احنا كفرنا، دا النبي خد الغنايم.
ممدوح : ياللا اتفضل بره.
حسنين : إنتَ برضه مُصِر يابني.
ممدوح : أنا مش مُصِر بس دا إن ماكنش هيخرج أنا هاموته بإيدي.

(يخطف المدفع.)

حسنين : هوه إيه بس اللِّي حصل يابني عشان دا كله.
ممدوح : كل دا ولا حصلش حاجة يا بابا؟
حسنين : طيب يابني مش كده نحل المسائل، كل شيء بالراحة، أنا نائب المدينة، وأنا اللِّي اتصرَّف.
القلش : أيوه أُمَّال إيه، هي الحكاية إيه؟
إسماعيل : الحكاية لهف!
حسنين : اتفضل اخرج يا معلم.
القلش (مذهولًا) : أخرج! أخرج منين يا حسنين بيه!
حسنين : اخرج من هنا، كل واحد يروح لحاله بقى، كفاية اللِّي جرا.
إسماعيل : ورجالتك كمان يا معلم، عشان تشيلوا الغنايم سوا!
القلش : بقى دي آخرتها يا حسنين بيه!
حسنين : أيوه دي آخرة الخيانة!
القلش : خيانة! أنا خاين يا حسنين بيه، طيب طلاق تلاتة ما انا خارج.
حسنين : لا، دا انتَ هتخرج قوي، اتفضلوا اطردوه. (يدفعه بعض الفدائيين إلى الخارج، بينما يصرخ بأعلى صوته) أنا خاين يا حسنين بيه، أنا خاين، أنا خاين، أنا خاين!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤