يوسف الصديق

بعد الانتهاء من سرد سلسلة قصص الأب الأول إبراهيم، ينتقل محرر سِفْر التكوين إلى سرد سلسلة قصص نسل إبراهيم، وهم إسحاق ويعقوب وأولاد يعقوب الاثنا عشر الذين تحدرت منهم القبائل العبرانية. وقد أغفل القرآن الكريم ذكر أيٍّ من هذه القصص، وإسحاق ويعقوب لا يظهران إلا في إشاراتٍ مقتضبةٍ إلى كونهما شخصيتَين بارزتَين في التاريخ النبوي. أما أولاد يعقوب فلا يُشار إليهم إلا جملةً تحت اسم الأسباط، ومن دون ذكر أسمائهم.

القصة الوحيدة التي لقيت عناية القرآن الكريم من بين قصص الآباء بعد إبراهيم، هي قصة يوسف، الابن الحادي عشر ليعقوب، وما جرى له مع إخوته في كنعان، ثم ما جرى له في مصر. والقصة القرآنية تسير في توازٍ مع القصة التوراتية وتماثلها في أدقِّ الجزئيات.

ونظرًا لطول القصة التوراتية وإسهابها في التفاصيل، فإني سوف ألجأ في المقارنة الآتية إلى تقديم مُلخصاتٍ لمراحلها الرئيسة، ثم مقارنتها بما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف.

(١) حلم يوسف

سِفْر التكوين: كان يوسف ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعى الغنم مع إخوته. وقد أحبَّه أبوه أكثر من جميع بنيه؛ لأنه ابن شيخوخته، فأبغضه إخوته ولم يستطيعوا أن يكلِّموه بسلامٍ، وحلم يوسف حلمًا أخبر به أباه وإخوته، فقال: إني حلمت حلمًا، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لي. فازداد إخوته له بُغضًا، أما أبوه فقد انتهره وقال: هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك؟ (التكوين ٣٧: ١–١١).

سورة يوسف: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٢ يوسف: ٤–٥).

(٢) مؤامرة الإخوة

سِفْر التكوين: ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. فقال يعقوب ليوسف: أليس إخوتك يرعون عند شكيم؟ تعال فأُرسلك إليهم. فقال ها أنا ذا … فلما أبصروه من بعيدٍ قال بعضهم لبعض: هو ذا صاحب الأحلام قادم. فالآن هلمَّ لنقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش رديء أكله. فسمع أخوهم رأوبين مقالتهم وأراد إنقاذه من بين أيديهم فقال لهم: لا تُسفكوا دمًا، اطرحوه في هذه البئر التي في البرية ولا تمدُّوا إليه يدًا. فكان لما جاء يوسف أنهم خلعوا عنه قميصه وطرحوه في البئر، وكانت جافةً ليس فيها ماءٌ، ثم أخذوا القميص وذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص بالدم، وعادوا إلى أبيهم به وقالوا: حقِّق، أقميص ابنك هذا أم لا؟ فتحقَّقه وقال: قميص ابني. وحشٌ رديءٌ أكل يوسف. ثم مزَّق ثيابه ولبس ثياب الحِداد، وناح على ابنه أيامًا كثيرة. أما يوسف فقد التقطته من البئر قافلة تجارٍ وباعوه في مصر. (التكوين ٣٧: ١٢–٣٦).

سورة يوسف: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ١* وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ٢* وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً٣ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (١٢ يوسف: ٧–٢٠).

(٣) فوطيفار يشتري يوسف

سِفْر التكوين: فأُنزِل إلى مصر واشتراه فوطيفار٤ رئيس شرطة الفرعون. وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا، ووجد نعمة في عيني سيده الذي أوكله بجميع شئون بيته، ولم يكن فوطيفار يعرف من هذه الشئون بوجود يوسف سوى الخبز الذي يأكله. فبارك الرب بيت فوطيفار وحقله. وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر (التكوين ٣٩: ١–٦).

سورة يوسف: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢ يوسف: ٢١–٢٢).

(٤) الإغواء

سِفْر التكوين: وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: اضطجع معي. فقال لها: هو ذا سيدي قد دفع إليَّ كلَّ ما له، ولم يمسك عنِّي شيئًا غيركِ لأنكِ امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟ ثم تركها ومضى، ولكنها عادت إلى إغوائه مراتٍ عديدة وهو يتهرَّب منها. إلى أن جاء يوم دخل فيه يوسف إلى المنزل ولم يكن هناك غيرهما، فأمسكت بثوبه قائلةً: اضطجع معي. فترك ثوبه في يدها وخرج هاربًا من البيت. فنادَت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: انظروا، لقد دخل إليَّ هذا الرجل العبراني ليضطجع معي فصرختُ بصوتٍ عظيمٍ، فترك ثوبه بجانبي وهرب. ثم وضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيدها إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام، فحمي غضب فوطيفار على يوسف ووضعه في السجن الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه، ولكن الرب كان مع يوسف فاستلطفه رئيس السجن وأوكل إليه أمر بقية السجناء (التكوين ٣٩: ١–٢٣).

سورة يوسف: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ٥ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (١٢ يوسف: ٢٣–٢٩). ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ٦ (١٢ يوسف: ٣٥).

في المكان الفاصل بين الآية ٢٩ والآية ٣٥ هناك قصة دعوة امرأة العزيز لصديقاتها اللواتي لُمْنَها على ولعها بيوسف، مما كانت الشائعات تتحدث عنه، وكيف دعتهنَّ إلى منزلها ليروا بأعينهنَّ جمال يوسف فيعذرْنَها. فلتُرَاجع في مكانها من السورة. وهذه القصة مؤخرةٌ عن موضعها في السياق، على عادة الأسلوب القرآني أحيانًا في تقديم المؤخر وتأخير المقدم. وموضعها التسلسلي يأتي بعد عدة محاولاتٍ قامت بها امرأة العزيز مما هو مذكور في الرواية التوراتية، قفزت فوقها الرواية القرآنية ثم ألمحت إليها في هذه القصة.

(٥) يوسف في السجن

سِفْر التكوين: وحدث بعد هذه الأمور أن فرعون غضب على رئيس السُّقاة ورئيس الخبَّازين في قصره، وأمر بحبسهما في سجن يوسف، فأوكله بهما رئيس الشرط، وحلم كلاهما في ليلةٍ واحدةٍ حلمًا قصَّاه على يوسف في الصباح. قال رئيس السقاة: رأيت كرمة فيها ثلاثة قضبان فأفرخت وطلع زهرها ثم نضجت عناقيدها، فأخذتُ العنب وعصرته في كأس فرعون وقدَّمته له. فقال له يوسف: الثلاثة القضبان هي ثلاثة أيامٍ في ثلاثة أيام تخرج من السجن وتُرَدُّ إلى مقامك، فتسكب الخمرة للملك في كأسه كما كنت تفعل. فهلَّا صنعت لي إحسانًا وذكرتني لفرعون فيُخرجني من السجن. ثم قصَّ عليه رئيس الخبازين حلمه قال: رأيت ثلاث سلالٍ على رأسي، وفي السلة العليا خُبز تأكل منه الطيور. فقال له يوسف: الثلاث السلال هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام يقطع فرعون رأسك ويعلقك على خشبةٍ وتأكل الطيور من لحمك. وحدث في اليوم الثالث ما تنبَّأ به يوسف، ولكن رئيس السقاة نسيَه ولم يذكره لفرعون مدة سنتين (التكوين ٤٠: ١–٢٢).

سورة يوسف: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي … يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا٧ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ٨ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (١٢ يوسف: ٣٦–٤٢).

(٦) حلم فرعون

سِفْر التكوين: وحدث بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأى حلمًا، وإذا هو واقفٌ عند النهر، ومن النهر تخرج سبع بقراتٍ حسنة المنظر وسمينة اللحم، ومن ورائها سبعُ بقراتٍ أخرى قبيحة المنظر ورقيقة اللحم؛ فأكلت البقرات القبيحة المنظر والرقيقة اللحم البقرات السبع الحسنة المنظر والسمينة. ثم رأى حلمًا ثانيًا، وإذا سبعُ سنابل طالعة في ساقٍ واحدةٍ سمينة وحسنة، ووراءها سبع سنابل رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية؛ فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السمينة الممتلئة.

دعا فرعون سحرة مصر وجميع حكمائها وسألهم تفسير حلمه، فلم يستطع ذلك منهم أحد، وهنا تذكَّر رئيس السُّقاة يوسف ومقدرته على تفسير الأحلام، فذكره أمام فرعون وقصَّ عليه ما جرى له ولرئيس الخبَّازين في السجن. فأرسل فرعون ودعا يوسف واستفتاه في حلميه. فقال يوسف: هو حلمٌ واحدٌ، وقد أخبر الله فرعون بما هو صانعٌ. البقرات السبع الحسنة هي سبع سنين، والسنابل السبع الحسنة هي سبع سنين أيضًا، هو ذا سبع سنين قادمة يكون فيها شبعٌ في كل أرض مصر، ثم تقوم بعدها سبع سنين جوعًا، فيُنْسَى كل الشبع السابق، ويُتلف الجوع الأرض. (التكوين ٤١: ١–٣١).

سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ٩* قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ١٠ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ١١* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (١٢ يوسف: ٤٣–٤٩).

(٧) يوسف وزيرًا

سِفْر التكوين: فحسُنَ الكلام في عينَي فرعون فقال له: ليس حكيم وبصير مثلك، انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر، ولا يوجد أعظم منك إلا الكرسي الذي فيه أكون، وخلع فرعون خاتمَه وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص١٢ ووضع طوق ذهبٍ في عنقه، وأركبه مركبته الثانية، ونادَوا أمامه وركعوا. وقال فرعون ليوسف: أنا فرعون، فمن دونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في أرض مصر.

وأثمرت الأرض في سني الشبع، فجمع يوسف كل طعام السبع السنين التي كانت في أرض مصر، وخزَّن قمحًا كرمل الأرض، وابتدأت سبعُ سني الجوع تأتي، ففتح مخازنه وباع للمصريين، وكان جوع في جميع البلدان المجاورة، فجاء منها الناس ليشتروا قمحًا من مصر (سِفْر التكوين ٤١: ٣٧–٥٧).

سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢ يوسف: ٥٤–٥٦)

(٨) قدوم إخوة يوسف

سِفْر التكوين: فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في مصر، قال لبنيه: انزلوا إلى هناك واشتروا لنا لنحيا ولا نموت. فنزل عشرة من إخوة يوسف إلى مصر وتركوا مع أبيهم أصغر إخوتهم المدعو بنيامين، فأتوا ودخلوا على يوسف وسجدوا له، فعرفهم يوسف أما هم فلم يعرفوه. فتنكَّر لهم وتكلَّم معهم بجفاءٍ قائلًا: من أين جئتم؟ قالوا له: من أرض كنعان لنشتري طعامًا. قال: بل أنتم جواسيس. فقالوا: بل عبيدك جاءوا ليشتروا طعامًا. نحن جميعًا بنو رجلٍ واحدٍ في أرض كنعان، وهو ذا الصغير عند أبينا اليوم، ولنا آخر مفقود. فقال لهم يوسف: إن كنتم أُمناء فليُحْبَس أخٌ واحد منكم، وانطلقوا أنتم وخذوا قمحًا لمجاعة بيوتكم، وأحضروا أخاكم الصغير إليَّ فيتحقَّق كلامكم. وكان يتحدث إليهم عن طريق مُترجمٍ فتحاوروا وهم لا يدرون أنه يفهم كلامهم. فقال بعضهم لبعض: حقًّا أننا مذنبون إلى أخينا يوسف الذي استرحمنا ولم نسمع له؛ لذا جاءت علينا هذه الضِّيقة، فقال لهم رأوبين: ألم أكلمكم قائلًا لا تأثموا بالولد وأنتم لم تسمعوا؟ هو ذا دمه يُطلب. فتحوَّل عنهم يوسف وبكى ثم رجع إليهم، وأخذ منهم شمعون وقيَّده أمام عيونهم، وأمر أن تُملأ أوعيتهم قمحًا بعد أن تُردَّ فضة كل واحدٍ منهم إلى كيسه قبل إغلاقه. فحملوا قمحهم على حميرهم ومضوا من هناك. (التكوين ٤٢: ١–٢٦).

سورة يوسف: وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ١٣* فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ١٤ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٢ يوسف: ٥٨–٦٢).

(٩) العودة إلى كنعان واكتشاف الفضة المُعادة

سِفْر التكوين: فلما فتح أحدهم كيسه ليُعطي عليقًا لحماره وهم في الخان على الطريق، رأى فضته في فم كيسه فقال لإخوته: رُدَّت فضتي وها هي في كيسي. فطارت قلوبهم وارتعدوا قائلين: ما هذا الذي صنعه الله بنا؟ فجاءوا إلى يعقوب أبيهم في أرض كنعان وأخبروه بكل ما أصابهم. فقال لهم يعقوب: أَعْدَمْتُمُونِي الأولاد. يوسف مفقود وشمعون مفقود، وبنيامين تأخذونه؟ لا ينزل ابني معكم. (٤٢: ٢٧–٣٨).

وحدث لما نفد القمح الذي جاءوا به، أن أباهم قال لهم أن يرجعوا ويشتروا قمحًا أيضًا، فقال له يهوذا: إن كنت تُرسل أخانا معنا ننزل ونشتري قمحًا، وإذا كنت لا ترسله لا ننزل؛ لأن الرجل قال لنا لا ترَوْن وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم، أرسل الغلام معي وأنا أضمنه، وإن لم أجئ به إليك أصبح مُذنبًا إليك كل الأيام. فقال لهم يعقوب: إن كان هكذا فافعلوا، ولكن خذوا الفضة المردودة وفضة أخرى في أياديكم وانطلقوا (التكوين ٤٣: ١–١٣).

سورة يوسف: فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ١٥ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي١٦ هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا١٧ وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ١٨ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ١٩* قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ٢٠ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ٢١ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ٢٢ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢ يوسف: ٦٣–٦٧).

(١٠) القدوم الثاني على يوسف

سِفْر التكوين: فأخذ الإخوة الهدية وضِعْف الفضة في أيديهم، وقاموا ونزلوا إلى مصر، ووقفوا أمام يوسف، فاستدعى يوسف حاجبه وأسرَّ إليه أن يأخذهم إلى بيته ويُهيئ لهم طعامًا؛ لأنه سوف يتناول معهم طعام الغداء، ففعل الرجل كما قال يوسف، وأدخل الإخوة إلى البيت، فتخوفوا وقال بعضهم لبعض: هذا بسبب الفضة التي رجعت في أكياسنا، ولكن الحاجب طمأنهم وأعطاهم ماءً ليغسلوا أرجلهم؛ لأنهم سيأكلون مع يوسف عند الظهيرة. فلما جاء يوسف إلى البيت أحضروا له الهدية وسجدوا إلى الأرض؛ فسأل عن سلامتهم وقال: أحيٌّ أبوكم الشيخ الذي قُلتم عنه، وسالم هو؟ فقالوا: عبدك أبانا حيٌّ وسالم. فرفع عينيه ونظر إلى بنيامين وقال: أهذا هو أخوكم الصغير الذي قُلتم عنه؟ ثم خنقته العَبَرَات، فتولى عنهم ودخل المخدع فبكى، ثم غسل وجهه وخرج وتجلَّد وقال: قدِّموا الطعام.

ولما انتهوا قال يوسف لحاجِبِه أن يملأ أكياس الرجال بالقمح، ويضع فضة كل واحدٍ منهم في فم كيسه، وأعطاه طاس الفضة خاصته الذي يشرب به، وأمره أن يضعه في فم كيس بنيامين الصغير مع ثمن قمحه. فلما أضاء الصبح انصرف الإخوة. فقال يوسف لحاجبه: قُم اسعَ وراءهم وفتِّش أكياسهم بحثًا عن الطاس. فلما أدركهم قال: لماذا جازيتم الخير بالشر؟ إن طاس سيدي مفقودٌ. فقالوا له: حاشى لعبيدك أن يفعلوا مثل هذا الأمر، إن الذي يوجد معه الطاس من عبيدك يموت، ونحن أيضًا نكون عبيدًا لسيدي. ففتَّش أكياسهم مبتدئًا بالكبير حتى انتهى إلى الصغير، فوجد الطاس في كيس بنيامين، وساقهم عائدًا بهم إلى المدينة. فقال لهم يوسف: الرجل الذي وُجِدَ الطاس في يده يكون عبدًا، وأما أنتم فاصعدوا بسلامٍ إلى أبيكم. فتقدَّم إليه يهوذا وقال: لقد سأَلَنَا سيدي هل لكم أبٌ أو أخٌ، فقلنا: لنا أب شيخ وله ابن شيخوخةٍ مات أخوه وبقيَ هو وحده لأمه، وأبوه يُحبه؛ والآن متى جئنا إلى أبينا والغلام ليس معنا، ونفسه مرتبطةٌ به، يكون متى رأى أن الغلام مفقود يموت، وقد ضمن عبدك الغلام لأبي قائلًا: إن لم أجئ به إليك أُصبح مُذنبًا إليك كل الأيام؛ فالآن ليمكث عبدك عوضًا عن الغلام عبدًا لسيدي، ويصعد الغلام مع إخوته. فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه، وأطلق صوته بالبكاء وقال: أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر، والآن لا تتأسَّفوا على ذلك، فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، وليصنع لكم نجاةً عظيمةً. والآن أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له أن يأتي إليَّ هو وبنوه وبنو بنيه؛ لأنه يكون جوع في الأرض أيضًا خمس سنين. ثم وقع على عنق بنيامين وبكى، وبكى بنيامين على عنقه، وقبَّل إخوته، وبكى عليهم.

فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان إلى يعقوب أبيهم وأخبروه قائلين: يوسف حيٌّ بعدُ، وهو متسلطٌ على كل أرض مصر. فجمد قلبه لأنه لم يُصدِّقهم، ثم كلَّموه بكل ما قاله يوسف لهم. وأبصر يعقوب العجلات التي أرسلها يوسف لتحمله، فعاشت روحه فقال: كفى أن ابني حيٌّ. أذهب وأراه قبل أن أموت. وقام يعقوب من بئر السبع، وحمل بنو إسرائيل أباهم وأولادهم في العجلات التي أرسلها فرعون لحمله، وأخذوا مواشيهم وكل مقتنياتهم وجاءوا إلى مصر (التكوين ٤٣: ١٥–٣٤ و٤٤: ١–٣٤ و٤٥: ١–٢٨ و٤٦: ١–٧).

سورة يوسف: تُتابع الرواية القرآنية خيوط الحبكة القصصية ذاتها، ولكن مع إضافة عنصرَين غير موجودَين في الرواية التوراتية، وهما رحلةٌ إضافيةٌ يقوم بها الإخوة بين مصر وكنعان ومعهم قميص يوسف، وكَشْف يوسف عن هُويَّته لأخيه بنيامين قبل أن يكشفها للآخرين:

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ٢٣ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ٢٤ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ٢٥ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ٢٦* قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ٢٧* فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ٢٨ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ٢٩ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ * قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا٣٠ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي٣١ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ٣٢ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا٣٣ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ٣٤ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ٣٥ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ٣٦ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ٣٧* قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ٣٨ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ٣٩ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ٤٠ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٢ يوسف: ٦٩–١٠٠).

١  أي: إنه تعالى طمأنه إلى نجاته، وأخبره أنه سيأتي وقت ينبئهم فيه بما فعلوا به وهم لا يعرفونه. وهذا ما حصل في نهاية القصة.
٢  من الواضح هنا أن يعقوب لم يُصدق القصة، وشكَّ في حقيقة ما جرى.
٣  أي: أمسكوا به أسيرًا واعتبروه بضاعة للبيع.
٤  وتدعوه الرواية القرآنية بالعزيز، وهو لقب وليس باسم.
٥  قال معظم المفسرين إن تعبير «هَيْتَ لك» غير عربي، وهو أقرب إلى قولنا: هلم وتعالَ، وقرأها ابن عباس: «هئت لك» أي هُيِّئتُ لك.
٦  هنالك سببان محتملان وراء قرار العزيز حبس يوسف؛ الأول: أنه لم يكن متأكدًا تمامًا من براءته، والثاني: أنه كان متأكدًا من ذلك، ولكنه لم يكن راغبًا في فضح زوجته.
٧  أي: يسقي سيده فرعون.
٨  أي: يوسف.
٩  أي: إذا كنتم تعتقدون بصدق وصحة الأحلام.
١٠  أي: بعد مدة.
١١  أي: مما تخزنون.
١٢  البوص: نبات من فصيلة الكتان تُصنع منه الأقمشة الفاخرة.
١٣  خير المنزلين: أي خير من يُكرم الضيوف.
١٤  بضاعتهم: أي فضتهم التي جاءوا ليشتروا بها.
١٥  أي: مُنِعنا من شراء القمح مرةً أخرى إذا لم نأتِ معنا بأخينا الصغير.
١٦  أي: ماذا نبغي من كرم عزيز مصر أكثر من ذلك. ونلاحظ هنا أن إعادة الفضة في الرواية القرآنية كانت دلالة على حسن نية يوسف، لا على أمرٍ يدبره، كما هو الحال في الرواية التوراتية.
١٧  أي: هذه نقودنا أُعيدت لنا لكي نَمير أهلنا، أي نجلب لهم الميرة (وهي المئونة).
١٨  أي: ونأتي معنا بحمل بعير من القمح.
١٩  أي: إنه كيلٌ يسير على العزيز إعطاؤه نظرًا لكرمه.
٢٠  أي: حتى تعطوني عهدًا مؤكَّدًا وتحلفوا بالله على أن تردُّوه.
٢١  أي: إلا إذا غُلِبْتم من قِبل كثرةٍ لا قدرة لكم عليهم.
٢٢  ربما لشرٍّ كان يتوقَّعه يعقوب.
٢٣  أي: ضمَّ إليه أخاه الأصغر، وأسرَّ إليه بهُويَّته.
٢٤  الطاس الذي يشرب فيه.
٢٥  صواع الملك أي سقايته أو طاسه.
٢٦  أي: أنا له كفيلٌ وضامن.
٢٧  أي: جزاء السارق وفق شريعة الإخوة أن يُدفع السارق إلى المسروق منه.
٢٨  أي: ما كان ليأخذه وفق شريعة مصر بل وفق شريعتهم.
٢٩  إشارة إلى حادثة لا نعرفها.
٣٠  أي: لما يئسوا اعتكفوا يتشاورون.
٣١  أي: حتى يأذن لي أبي بالرجوع وهو راضٍ عني، أو يُمكِّنني الله من أَخْذ أخي.
٣٢  والقول هنا ليعقوب بعد أن عاد الإخوة وقصُّوا عليه ما جرى.
٣٣  حرضًا: أي سقيمًا وضعيفًا.
٣٤  أي: وجئنا بنقودٍ قليلة، وقيلَ أيضًا بنقودٍ رديئة.
٣٥  أي: لا لوم ولا عتب عليكم اليوم.
٣٦  أي: فارقت العير مصر.
٣٧  أي: تسفهوني وتنسبوني إلى الخرف.
٣٨  أي: هذا تأويل حلمي القديم عندما رأيت الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا لي ساجدين.
٣٩  أي: من البادية.
٤٠  أي: أفسد الشيطان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤