افتتاحية

بقلم  خليل ثابت

ما كان أشدَّ عناية المغفور له العلامة المحقق «أحمد تيمور باشا» بدراساته وبحوثه في كل علم، وفي كل فن من فنون الأدب والفلسفة والاجتماع، وما قاساه على نفسه — رحمه الله — حين قضى حياته يخدم العلم والمتعلمين، ويصيب من تحقيق رغباته نصيبًا كبيرًا، ويظفر بقسط عظيم في إتحاف أبناء العربية بتلك المواكب الزاخرة الفخمة من التأليف والتعليقات والتحقيقات، وسواها من الآثار الخالدة التي تزيح الستار عنها واحدة بعد أخرى لجنة نشر المؤلفات التيمورية المسنود إليَّ رياستها كلما اجتمعت لها الفرصة وتهيأت لها الأسباب، وهي كلها تنم عن كفايته وبحوثه فيما تناوله مما أصبحت تزخر به مكتبته العلمية من مخطوطات وغير مخطوطات، استخرجها من جواهر الحقائق وعيون المعلومات، وأفنى فيها عمره ليتمتع بها الناطقون بالضاد، ويفوز هو من ذلك بأن يعليَ الشرق العربي قدره، ويرفع في الخافقين ذكره، وهو في الحقيقة وواقع الأمر لم يكن يبغي من صنيعه هذا جزاء ولا شكورًا، بل كان يرضى بالغبطة وراحة الضمير، حين كان يجلو غامضًا، أو يذيع تحقيقًا من تحقيقاته المتعددة الممتعة التي فاضت وعمت، وبلغت ما لم تبلغه سواها من آثار الباحثين والعلماء والمؤلفين؛ لأنها كلها قد استقامت له في جلوة الفكر الراجح، والمعرفة النيِّرة، والروية الصافية، والمزاج السليم.

ومن تحصيل الحاصل أن نقول إن مؤلفات هذا الفقيد العظيم التي تزدان بها المكتبات العربية قد لقيت ما تستحقه من الذيوع والإقبال، وهو عين ما تنشده اللجنة من السعي إلى تعميم الانتفاع بها في سبيل خدمة العلم ونشر الثقافة العامة.

ومن أجل ذلك نقول إنه لن يكون غريبًا أن يجد كتاب «أوهام شعراء العرب في المعاني» الذي تُقدمه اللجنة اليوم بين يدي القارئ ما وجدته المصنفات السابقة من مؤلفات فقيدنا العلامة «أحمد تيمور باشا»، لا لأنه من الذخائر العلمية النفيسة والمراجع الوافية الدقيقة، بل لأنه بحث خطير الشأن يَرُدُّ به بعض ما انتاب أعضاء المملكة اللسانية من أغلاط لفظية وغير لفظية إلى أصولها وصوابها، تحقيقًا للغرض السامي الذي جند نفسه له، وهو خدمة العلم وتحقيق وجوه الإصلاح، كما بدت له في ثنايا دراساته، أو عثر عليها في خلال تحقيقاته؛ إحياءً لما اندثر من كنوز الأدب، وتقديرًا منه لآثار العرب.

سائلين الله أن يجد فيه طلاب العلم تيسيرًا لدراستهم، وتعميمًا لفائدتهم ونفعهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤