القسم الثاني

وكما أنهم يُخطِئون فيما لم يَرَوهُ ويعهدوه، نراهم يخطئون أيضًا فيما نشئوا عليه، وأَلِفوا رؤيته صباح مساء، ومَأْتَى هؤلاء من تعرُّضِهم لما عرفوا جملته، ولم يحيطوا بتفصيله؛ لأن المعرفة تتفاوت كثرةً وقلةً بحسَب ملابسة الأشياء ومجانبتها، فمن كان أشد علاقة بالشيء كان بالضرورة أخبَرَ به وأبصر ممن ضعفت علاقته به، أو قصرت معرفته له على مجرد الإِلْفِ والمشاهدة، ألا ترى أن قيِّم الغراس لا يجهل السيف، كما لا يجهله سائر العرب؟! ولكنا إذا اختبرناه فيه لا نُصِيبُ عنده من العلم به وبدقائق أجزائه ومختلف حالاته وصفاته ما نُصِيبُه عند الطبَّاع والصيقل، وكذلك نرى صاحب الظلف أعرف بالشاة والعنز منه بالفرس والبعير، وصاحب الخيل أبصر بها من الملَّاح أو البزَّاز، وقس على ذلك سائر الأمور في الكثير الغالب، ومن هذه الناحية تطرق الخطأ لرؤبة في قوله يصف فرسًا ويذكر قوائمه:

بأربع لا يعتنفن العفْقا١
يهوين شتَّى٢ ويقعن وَفْقَا
فجعله يضبر؛ أي يجمع يديه ثم يثبت فيقع مجموعة يداه، وهو عيب؛ لأن الجياد من الخيل لا تقع حوافرها معًا، وإنما المستحبُّ من الفرس أن يسبح بيديه، ولما قيل له: أخطأت يا أبا الجحَّاف٣ جعلته مقيدًا يضبر، قال: أي بنيَّ، لا علم لي بالخيل، ولكن أَدْنِنِي من ذَنَبِ البعير أَصِفْه كما يجب، قال الأصمعي: فأُدنِيَ منه فلم يصنع شيئًا.

«ومثله» قول أبي النجم يصف فرسًا أجراه في الحلبة:

يسبح أخراه ويطفو أوَّلُهْ

قال الأصمعي: أخطأ في هذا؛ لأنه إذا سبح أخراه كان حمار الكسَّاح أسرع منه، وإنما يُوصف الجواد بأنه تسبح أُولاه وتلحق رجلاه، كذا في الأغاني، وفي العقد أنَّ اضطراب مؤخر الفرس قبيح، والوجه ما قال أعرابيٌّ في وصف فرس أبي الأعور السلميِّ:

مرَّ كلمع البرق ناظره
يسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمس الأرض منه حافره
وقال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: «وكان أبو النجم وصَّافًا للفرس، وأُخِذَ عليه في صفته يسبح أخراه ويطفو أوله.»٤ ثم ذكر قول الأصمعي ولم يزد، ولكن علي بن حمزة البصري نقل عنه في التنبيهات قولًا عن غير الأصمعي فيه تصويبٌ لما في الرَّجَز، فلعله ذكره في كتابٍ آخر غير الطبقات، وعزا علي بن حمزة انتقاد الأصمعي إلى تعصبه على أبي النجم، ومن يَسْتَقْرِ كلامه في هذا الكتاب يَجِدْ عجبًا من تعصبه هو علي الأصمعي وردِّه ما يقول بحقٍّ وبغير حقٍّ، وكان خيرًا له أن يعتذر هنا لأبي النجم اعتذار رؤبة لنفسه.

ومما خُطِّئ فيه أبو النجم ونبه عنه ابن قتيبة في طبقات الشعراء قوله في وصف فرس:

كأنها مِيجَنةُ القَصَّار٥

ولم يُبَيِّنْ وجهه بسوى قوله: إن الميجنة لصاحب الأَدَم؛ أي الجلد، وإنها أيضًا التي يُدقُّ عليها الأَدَم من حجر وغيره، فإن كان يريد أنها لا تكون لقصَّار الثياب — كما يؤخذ من كلامه وكلام أبي هلال في الصناعتين — فليس بشيء؛ لأنها تكون لكليهما، وإن كان الخطأ في تشبيه الفرس بها، فربما، ولكن لم يظهر لنا وجهه.

ومما أخطأ فيه أبو النجم أيضًا قوله في الإبل:

وهي على عذب رويِّ المنهل
دَحْل أبي المرقال خير الأَدْحُل
من نحتِ عادٍ في الزمان الأوَّل

ففي الأغاني: «قال الأصمعي: الدحل لا تُورَده الإبل، إنما تُورَد الركايا، وقد عِيبَ بهذا، وعِيبَ بقوله في البيت الذي يليه: إنَّ هذا الدحل من نحت عاد، قال: والدُّحْلَان لا تُحفر ولا تُنحت، إنما هي خروق وشعاب في الأرض والجبال لا تصيبها الشمس فتبقى فيها المياه، وهي هُوَّةٌ في الأرض يضيق فمها، ثم تتسع فيدخلها ماء السماء.»

ومما أخطأ فيه في الإبل أيضًا قوله يصف ورودها:

جاءت تَسَامَى في الرعيل الأوَّل
والظل عن أخفافها لم يَفْضُل

فقوله: والظل لم يفضل عن أخفافها يدل على أنها وردت الماء في الهاجرة، والعرب إنما تصف الورود غلسًا والماء بارد، كقول الشاعر:

فوردت قبل الصباح الفاتق

وقول الآخر:

فوردت قبل تبيُّن الألوان

وقول لبيد:

إن مِنْ ورديَ تغليسَ النَّهَلْ

ومما خطَّئوا فيه أبا النجم قوله في وصف راعي الإبل:

صُلْب العصا جافٍ عن التغَزُّل

قالوا: ولا يوصف الراعي بالصلابة على إبله، والعرب إذا أرادت وصفه قالت: «هو ضعيف العصا.» كأنه لحسن رعايته لا يحتاج إلى شدة وغلظة، كما قال الشاعر:

ضعيف العصا بادي العروق ترى له
عليها إذا ما أمحل الناس إصبعا٦
صدى إبل أن تتبع الريح مرة
يدعها ويخفى الصوت حتى تربَّعا٧
إذا سرحت من مبرك نام خلفها
بميثاء مبطان الضحى غير أروعا٨
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت
بأخفافها مأوى تبوَّأ مضجعا

فهذا ما تُوصف به حذَّاق الرعاة، ومثله قول الراجز:

إذا الركاب عرفت أبا مَطَرْ
مشت رويدًا وأسفَّت في الشجر

لأنها ألفت منه الرفق بها وترْكها ترعى كما تشاء، وقيل: لم يرد أبو النجم بصلابة العصا شدته عليها، وإنما أراد وصفه بصلابة الظهر وقوة البدن، كما يقال: فلان صلب القناة. وقيل: بل أراد أنه صلب العصا على الحقيقية؛ لأن الراعي إذا كان جَلدًا صارمًا اختار عصاه من أصلب ما يقدر عليه، وإلا هلكت إبلُهُ وضاعت، وعبثت بها الوحوش والسابلة، وقد أطال علي بن حمزة البصري في التنبيهات في الانتصار له بما لا يخرج عما ذكرناه.

وقد آن لنا أن نَدَع أبا النجم وننتقل إلى الملك الضِّليل لنرى كيف ضل في وصف فرسه، فقال:

فللسوط أُلهُوب وللساق دِرَّة
وللزجر منه وقع أخرج مُهْذِب٩

الألهوب والدرَّة: شدة الجرى، والأخرج: الظليم، والمهذب: السريع العدْو، أراد امرؤ القيس أن يصف فرسه بالسرعة فذكر أنه يضربه بالسوط فيلهب، ويركضه بساقه فَيَدرَّ جريه، ويزجره فيقع الزجر منه موقعه من الظليم فيعدو عَدْوَه، قالوا: ولو استُعين بهذه الأشياء على أخسِّ حمار وأضعفه فعدا لم يستحق أن ينعت بالسرعة، ويقال: إن أول من عاب عليه هذا البيت امرأته — أم جندب — لما احتكم إليها هو وعلقمة بن عَبَدة الفحل في أيهما أشعر؟ فقالت: سمعتك زجرت وضربت وحركت، وفرس بن عبدة أجود من فرسك حيث يقول فيه:

فأقبل يهوي ثانيًا من عنانه
يمر كمرِّ الرائح المتحلب

فغلَّبت علقمة عليه، ولله دَرُّ ابن المعتز؛ فإنه ذكر السياط ولكنه احترس احتراسًا حسنًا، فقال:

صببنا عليها ظالمين سياطنا
فطارت بها أيدٍ سراعٌ وأرجلُ

فقوله: «ظالمين» من أحسن ما يُحترس به هنا.

ومما أُخذ على امرئ القيس قوله في وصف فرس أيضًا:

لها متنتان خظاتا كما
أكبَّ على ساعديه النَّمِرْ١٠

ومعنى الخظاة: المكتنزة، أراد لها متنان كثيرا اللحم كساعِدَي النمر البارك في الغلظ، وليس هذا مما تُمدَح به الجياد، وإنما المستحبُّ في المتن والوجه: التعريق، كما قال طفيل:

معرفة الألحى١١ تلوح متونها

وفي اللسان: «ويستحب من الفرس أن يكون معروق الخدين، قال:

قد أشهد الغارة الشعواء تحملني
جرداء معروقة اللحيين سُرحوب

ويروى: معرقة الجنبين، وإذا عرى لَحْياها من اللحم فهو من عاملات عتقها، وفرس معرَّق: إذا كان مُضَمَّرًا، يقال: عرِّق فرسك تعريقًا؛ أي أجْرِهِ حتى يعرق ويضمر ويذهب رهل لحمه.» انتهى.

وتبعه أبو ذؤيب الهذلي فقال في فرس:

قصَرَ الصبوح لها فشُرِّج لحمها
بالنَّي فهي تتوخ فيها الإصبع١٢
تأبى بدرَّتها إذا ما استكرهت
إلا الحميم فإنه يتبضَّع

أي قصر صاحبها عليها اللبن فسمنت حتى شرج لحمها بالنَّي؛ أي خُلط بالشحم، فلو غمزته بإصبعك تاخت فيه، فجعلها كثيرة اللحم رخوة، وهو عيب؛ لأن الجياد توصف بقلة لحمها وصلابته، وأما الذي قاله فالأحرى به شاة يُضحَّى بها، قالوا: وأخطأ في البيت الثاني أيضًا، فقال: «تأبى بدرَّتها»؛ أي تأبى الجري إذا أُكرهت عليه، فجعلها حَرُونًا إذا حُرِّكت قامت وأخذ الحميم؛ أي العرق، يتبضع منها؛ أي يتفجر ويسيل. قال أبو هلال في الصناعتين: «وما وصف أحد الفرس بترْك الانبعاث إذا حُركت غير أبي ذؤيب، وإنما توصف بالسرعة في جميع حالاتها إذا حُركت أو لم تُحرَّك، فتُشَبَّه بالكوكب والبرق والحريق والريح إلى آخر ما ذكره.»

وقيل: كان أبو ذؤيب لا يجيد وصف الخيل، فظن أن هذا مما توصف به.

قلنا: وفي الذي أخذوه عليه في البيت الثاني نظر؛ لأنه علق إباءها على الإكراه، والمعروف في صفة الفرس الجواد أنك إذا حركته للعدْو أعطاك ما عنده عفوًا، فإذا أكرهته بساقٍ أو بسوط لتحمله على الزيادة حَمَلَتْه عزة نفسه على ترك العدْو، فهو يقول إنها تأبى بدرَّتها عند إكراهها ولا تأبى العرق، كذا في اللسان وشرح ديوانه.

«ومنه» قول سلمة بن الخرشب:

إذا كان الحزام لقُصْرييه
أمامًا حيث يمتسك البريم١٣

قال القاضي الجرجاني في الوساطة: «يقول إن الحزام يقرب في جولانه إذا أكثر من عدوه، فيصير أمام القصريين، قال الأصمعي: أخطأ في الوصف؛ لأن خيرَ جَرْيِ الإناث الخضوع، وإنما يختار الإشراف في جري الذكور، فإذا اختضعت تقدم الحزام، كما قال بشر بن أبي خازم:

تسوَّق للحزام بمرفقيها
يسد خواء طبييها الغبار١٤

وقد ساعد متمم بن نويرة على هذا الوصف سلمة، فقال:

وكأنه فوق الحبائل جائبًا
ريم تضايقه كلاب أخضع١٥

فوصف الذكر بالخضوع، وإنما يختار له الإشراف.» انتهى.

«ومنه» قول عديِّ بن زيد في صفة فرس:

فصاف يفرِّي جُلَّه عن سراته
يبذ الجياد فارهًا متتايعا١٦

أي: صاف هذا الفرس يشق جُله عن ظهره من السمن، قالوا: وقد أخطأ في قوله «فارهًا»؛ لأنه لا يقال للفرس: فاره، وإنما يقال له: جواد وكريم وعتيق، وأما الفاره فالكَوْدَن والحمار والبغل، وفي لسان العرب: «زعم أبو حاتم أنَّ عَدِيًّا لم يكن له بصر بالخيل، وقد خُطِّئَ عديٌّ في ذلك.» ووقفت في نبذة عندي مخطوطة منقولة من الفوائد النجفية لسليمان بن عبد الله البحراني، على نُقُول من كتاب لحن العامة لأبي حاتم السجستاني، منها قوله: «ويقال: فرس رائع، ولا يقال: فاره، الفاره للحمار والكلب، وفي شعر عديٍّ «فارهًا متتايعًا»، فسألت الأصمعي عنه، فقال: لم يكن صاحبَ خيل، قلت: فيقال: بِرْذَوْنٌ فَارِهٌ، فقال: لعله، ولعله يقال في البختي.»

وممن أخطأ بوضع الغلظ موضع الدقة كعب بن زهير في قوله يصف الناقة:

ضخم مقلَّدها عبل مقيدها
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

فقد عد أبو هلال في الصناعتين قوله: «ضخم مقلدها» من خطأ الوصف؛ لأن النجائب توصف بدقة المذبح، وهو قول غيره من الأئمة أيضًا.

ومثله قول الشمَّاخ في ناقته:

فنِعْمَ المُعْتَرَى ركدت إليه
رحا حيزومها كَرَحَا الطحين١٧

الحيزوم: الصدر، والرحا الأولى: الكركرة، وهي ما يمسُّ الأرض من صدر البعير إذا برك، شبهها في العِظَم بالرحا التي يُطحن بها، قال المرزباني في الموشح: «وإنما توصف النجائب بصغر الكركرة، ولطف الخف.» وذكر ابن رشيق في العمدة أن الأصمعي خطَّأه في هذا؛ لأنه ظنه يصفها بالكبر، وهو عيب لا محالة، وإنما وصفها بالصلابة لا غير، وفي الصناعتين لأبي هلال: «وقال من احتج للشمَّاخ إنما شبهها بالرَّحَا لصلابتها، كما قال:

قلائص يطحنَّ الحصا بالكراكر»

وأخطأ أبو النجم في وصفه بالقِصَر ما يوصف بالسبوطة، فقال في البعير:

أخنس في مثل الكظام مخطمه

الأخنس: القصير الأنف، والمخطم: الأنف، يقول كأن أنفه لقصره مشدود بحبل. قال أبو هلال: إنه من خطأ الوصف؛ لأن المَشَافر إنما توصف بالسبوطة.

ومِنْ وَضْعِ الشيء في غير مَوْضِعه قول المُتَلمِّس:١٨
وقد أتناسى الهم عند احتضاره
بناجٍ عليه الصَّيْعَرية مكدم

الناجي هنا: البعير السريع، والصيعرية: سمة للإناث خاصة توسم بها الناقة في عنقها، وهو وسم لأهل اليمن، فأخطأ المتلمس في جعلها للفحول، وسمعه طرفة بن العبد، وهو صبي، ينشد هذا البيت، فقال: «اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ»؛ أي صار ناقة، فضحك الناس وسار قوله مثلًا.

وقال لبيد:

ولقد أعوص بالخصم وقد
أملأ الجفنة من شحم القلل

أعوص به؛ أي ألوي عليه أمره، والقلل: جمع قلة، وهي أعلى السنام. قال أبو هلال والمرزباني: أراد السنام ولا يُسمى السنام شحمًا.

ومن الخطأ في المعاني ما رواه المرزباني في الموشح، قال: قال الأصمعي قرأت على أبي عمرو بن العلاء شعر النابغة الذبياني، فلما بلغت قوله:

مقذوفة بدَخِيس النحض بازلُها
له صريف صريف القَعْو بالمَسَد١٩

قال لي: ما أضرَّ عليه في ناقته ما وصف! فقلت له: وكيف؟ قال: لأن صريف الفحول من النشاط، وصريف الإناث من الإعياء والضجر، كذا تكلمت العرب، فرآني بسكوتي مستزيدًا، فقال: ألم تسمع قول ربيعة بن مقروم الضبي:

كِناز البضيع جُماليَّة
إذا ما بغمن تراها كَتُوما٢٠

وكما قال الأعشى:

كتوم الرُّغاء إذا هَجَّرت
وكانت بقيَّة ذَوْد كُتُم٢١

وكما قال الأعشى أيضًا:

والمكاكيك والصحاف من الفضَّة
والضامزات تحت الرحال٢٢

انتهى. قلنا: والنصوص اللغوية التي وقفنا عليها تؤيد ما ذهب إليه ابن العلاء، وهو ما حكاه أيضًا الوزير أبو بكر البطليوسي في شرح ديوان النابغة، غير أنه ذكر قولًا آخر عن أبي زيد، بأن الصريف يكون في الإناث والفحول من النشاط ومن الإعياء، قال: والبيت لا يحتمل أن يكون إلا من النشاط، ثم نقل قولًا آخر عن القُتَبِيِّ بأن الناس يغلطون في مراد النابغة، فيقولون إنه وصفها بذلك لنشاطها، وليس هو كذلك، ولكنه أراد أنَّى تركتها بعد ما كانت فيه من الشدة يصرفْ نابُها، والصريف: إذا كان من الإناث فهو من الإعياء.

«ومنه» قول بَشامة بن الغدير يصف راحلته:

وصدر لها مهيع كالخليف
تخال بأن عليه شَلِيلا

أي لها صدر واسع كالطريق في الجبل تخال عليه مسحًا من صوف أو شعر؛ لكثرة ما عليه من الوبر، قال ابن رشيق في العمدة: إن الأصمعي خطَّأه فيه؛ لأن من صفة النجائب قلَّة الوبر.

«ومنه» قول عمر بن لَجأ من أرجوزة وصف فيها إبِلَهُ، فجعلها كالجبال في عظم الخلق، ثم قال في فحلها:

كالظَّرب الأسود من ورائها

والظَّرب: الجبل الصغير، ولا يوصف الفحل بأنه أصغر من إناثه في الخلقة، وقد عابه عليه جرير، فكان أحد الأسباب التي أهاجت الهجاء بينهما، وتفصيل الكلام في ذلك في خزانة البغدادي (١ : ٣٦١).

«ومنه» قول طرفة بن العبد في وصف نعجة:

من الزَّمِرات أسبل قادماها
وضرَّتها مركَّنة دَرُور

الزمرات: القليلات الصوف، وخصَّها بالذكر لأنها أغزر ألبانًا، والقادمان: الخِلفان اللذان في الأمام، ويقال لما وراءهما: الآخران، والمركَّنة: التي لها أركان، والدرور: الكثيرة الدَّرِّ.

يقول: هذه النعجة أسبل خلفاها القادمان، وضرتها مملوءة تدر باللبن، وهذا من الخطأ؛ لأن النعجة ليس لها إلا خلفان، وإنما يصح ذلك في الناقة؛ لأن لها أربعة أخلاف: قادمان وآخران، قال المرزباني في الموشح بعد أن أورد هذا البيت: لا يكون القادمان إلا لما له آخران، وتلك الناقة لها أربعة أخلاف، ومثله قول امرئ القيس:

إذا مُشَّت قوادمها أرنَّت
كأنَّ الحيَّ بينهم نَعِي

انتهى. قلنا: هو من أبياتٍ قالها لما نُهِبَت إبلُه، ووهبه بنو نبهان معزى بدلها، والمعنى: إذا مُسِحَت قوادمها عند الحلب صاحت كما يصيح قومٌ لنَعِيٍّ أتاهم، والخطأ على هذه الرواية كالخطأ في قول طَرَفة؛ لأن المعزى ليس لها إلا خلفان، وهي رواية تفرد بها المرزباني، والمعروف: «إذا مشَّت حوالبها»، ويُروَى: «إذا ما قام حالبها»، وما أحسن ما عزَّى امرؤ القيس به نفسه في ختام هذه الأبيات، فقال:

فتملأ بيتنا أقِطًا وسمنًا
وحسبك من غنًى شبع وَرِي

ومنه قول رؤبة:

وكُل زَجَّاء سُحام الخَمْل
تبرى له في زعلات خُطْل٢٣

الزجاء: النعامة، وسحام الخمل: سوداء الريش، وتبرى: أي تنبري وتتعرض، والزعلات: الخطل النشيطات المضطربات، يقول: هذه الإناث من النعام تنبري وتتعرض للظليم — أي ذكرها — وهي في طائفة من نوعها نشيطات مضطربات بالتلوي والتبختر، قال أبو هلال وابن عبد ربه وابن قتيبة: أخطأ في جعله للظليم عدة إناث كما يكون للحمار، وليس للظليم إلا أنثى واحدة.

«ومنه» قول ذي الرمة يصف حُمُرًا وحشية:

فأقبل الحُقْب والأكباد ناشزة
فوق الشراسيف من أحشائها تجب
حتى إذا زلجت عن كل حنجرة
إلى الغليل ولم يقصعنه نُغَب
رمى فأخطأ والأقدار غالبة
فانصعن والويل هِجِّيراه والحَرَب

معناه: أقبلت الحُقب — أي الحُمُر — وأكبادها تضطرب خوفًا من الصائد، حتى إذا وردت الماء ودخلت منه نغب إلى أجوافها لم تكسر غليلها، رماها فأخطأها وتفرقت عنه، قال أبو عمرو والأصمعي: وليس هذا من جيِّدِ الوصف؛ لأنها إذا شربت ثقلت وإن كانت لم تَرْوَ، يريدان أن الثقل يقلل نشاطها في العدْو ويمكِّن الصائد منها، فكأنه وصفها بما يفيد عكس ما أراد، وقد أصاب علي بن حمزة البصري في الرد عليهما في التنبيهات بما نصه: وهذا غلط، إنما تثقل إذا رويت، وأما إذا شربت قليلًا فإنه يقويها على العَدْوِ، ولولاه لهلكت عطشًا، وقد زاده شرحًا بقوله في غير هذه الكلمة:

فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها
وقد نشحن فلا ري ولا هيمُ٢٤

ولولا صحة ما قال لم يقُلِ العجاج:

حتى إذا ما بلَّت الأغمارا
ريًّا ولمَّا تقصع الأصرارا
أجلى نفارًا وانتحت نفارا

انتهى، ومنه قول رؤبة:

كنتم كمن أدخل في جُحْرٍ يدا
فأخطأ الأفعى ولاقى الأسودا

يريد: نجوتم من شرٍّ فوقعتم في أشد منه، قالوا: وقد أخطأ في ظنه الأفعى دون الأسود، وهي أشد مضرة ونكاية منه.

ومما خطَّئوا فيه المسيب بن علس قوله:

وكأن غاربها رباوة مَخْرِم
وتمدُّ ثني جديلها بشراع
أراد وصف هذه الناقة بطول العنق وتشبيهه بالدقل،٢٥ وهو خشبة طويلة تُشد في وسط السفينة يُمد عليها الشراع، فقال: كأن زمامها ممدود بشراع لطول عنقها، فأخذوا عليه ذكره الشراع بدل الدقل، وقال بعضهم: إنما أراد بالشراع: الدقل؛ إذ كان الشراع منوطًا به، ومثله لا يعد خطأ، ولمن يريد أن يخطئه من وجه آخر أن يقول: أراد أن يمدحها فذمَّها؛ لأن طول العنق في الإبل هجنة عند أبي عمرو والأصمعي، وكانا يعيبان على رؤبة قوله في وصف بعير:
عن دوسري بَتع ململمهْ
في جسم خدل صلهبيٍّ عَمَمُهْ٢٦

غير أن علي بن حمزة البصري خطَّأهما في هذا الزعم، فقال في التنبيهات: «قولهما: طول العنق هجنة، رد على كلام العرب المأثور وشعرهم المشهور، لا على رؤبة وحده، وهذا سبيلٌ مَنْ رَكِبَه ضُلِّل، ومن نصره جُهِّل.» ثم أورد قول من قال: «أبين الإبل عتقًا أطولها عنقًا»، وساق عشرين شاهدًا من كلام العرب تُفَنِّد ما ذهبا إليه.

«ومنه» قول أيمن بن خُرَيم٢٧ يمدح بشر بن مروان:
وإنا قد رأينا أم بِشر
كأمِّ الأُسْد مِذْكارًا وَلُودَا٢٨

قالوا: أخطأ في أن جعل أمَّ الأسد وَلُودًا؛ لأن الحيوانات الكريمة عسرة نزرة النتاج، والصواب قول كُثَيِّر:

بُغاث الطير أكثرها فراخًا
وأم الصقر مِقلات نَزُور

كذا في الموازنة والصناعتين، وهو المعروف المشهور.

ومثله ما أنشده صاحب اللسان في مادة «قلت» لبعضهم:

لنا أمٌّ بها قَلْتٌ ونزر
كأمِّ الأُسْدِ كاتمة الشَّكاة

ومنه قول العَجَّاج يصف بعيره:

كأن عينيه من الغئور
قَلْتانِ أو حوجلتا قارور
صيَّرتا بالنضح والتصبير
صلاصلَ الزيت إلى الشطور

القلت (بفتحٍ فسكون): النقرة في الجبل تمسك بالماء، والحوجلة: القارورة، والصلاصل هنا: بقايا الزيت، شبَّه عينيه حين غارتا بقارورتين بقي ما فيهما من الزيت إلى نصفيهما بسبب النضح، قالوا: وقد أخطأ؛ لأنه جعل الزُّجَاج ينضح ويرشح، وإنما تنضح الجِرَار ونحوها.

«ومنه» قول يزيد بن محمد المهلَّبي من أرجوزة:

حتى إذا السرب انبرى فاجتهدا
حطَّت عليهن البُزاة مددا
تجمع منها كل ما تبدَّدا
تصيد بحرًا وتصيد جَدَدا
من كل ما أحببتَ أن تَصَيَّدا
سمكةً أو طائرًا أو أسدا

قال المرزباني في الموشح: «قال محمد: أحال في هذا البيت لأنه ذكر البزاة، وليس السمك من صيد البزاة.»

«ومنه» قول حُمَيْد بن ثَوْرٍ:٢٩
لما تخايلت الحمول حسبتها
دومًا بأيلة ناعمًا مكموما٣٠

والتكميم لا يكون إلا في النخل، وهو أن تجعل الكبائس في أكمَّة تصونها، كما تجعل عناقيد الكرْم في الأغطية كما في المخصَّص، ولم يكن هذا العربي يجهل النخل والدوم، ولكنه لما رآهم يكمُّون النخل ورأى الدوم يشبهه ظن أنه يُكَمُّ مثله لجهله بالغرس وتعهُّد أنواع الغراس، قال التميمي في ما يجوز للشاعر في الضرورة: ومن يحتج له يرويه: «نخلًا».

وفي معناه قول النابغة الجعدي:

كأنَّ توالِيَها بالضحى
نواعم جَعْل من الأثْأَب٣١

وقد أخطأ فيه أيضًا ولكن من وجه آخر؛ لأنه شبه المطيَّ بصغار النخل، والوجه أن توصف بالكبر والعظم كما فعل حميد، قال القاضي الجرجاني في الوساطة: «والجعل: صغار النخل، وإنما المراد الكبار، وبه يصح الوصف فيما زعموا.» انتهى.

وفي طبقات الشعراء لابن قتيبة: أن الذي أُخِذَ عليه فيه جَعْلُه الجَعْل من الأثأب، قال: «ولا أراه إلا صحيحًا على التشبيه، كأنه أراد نواعم أثأب كالجعل، وقد تسمِّي العرب الشيء باسم الشيء إذا كان له مشبهًا، ولعل الأثأب أن تكون تسمَّى أفناؤه٣٢ جَعْلًا، كما تسمى أفناء النخل وقصاره جعلًا.» انتهى، ولا يخلو من نظر.

ومنه قول المرَّار بن مُنقذ يصف نخلًا:

كأن فروعها في كل ريح
جوارٍ بالذوائب ينتصينا

يريد: كأن هذه النخل إذا أمالتها الريح وتلاقى سعفها جوارٍ يتنازعن ويتبارين بأن تأخذ الواحدة بناصية الأخرى، فذهب أبو عمرو والأصمعي إلى أن المرَّار لم يكن له علم بالنخل في وصفها بتقارب النبتات؛ لأن أفضل الغرس ما بُوعد بينه، ومما وضعته العرب على ألسنة الأشياء قول النخلة للأخرى:

أَبْعِدي ظِلِّي من ظِلِّكِ
أَحْمِلْ حَمْلِي وحَمْلَكِ

وتبعهما أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات، فقال في تفسير هذا البيت: هذا من التقارب، حتى ينال سعف بعضه سعف بعض، وذلك هو الحَصَر؛ أي التضايق، ورد عليهم علي بن حمزة البصري في التنبيهات بكلام طويل خلاصته: أن الحَصَر تقارب ما بين الأصول وهو مذموم، وخطَّأهم في زعمهم أن النخيل يتناصى من الحَصَر؛ لأن سبيله أن يباعد بين غرسه، ولكن من جَيِّدِ نعته أن يمتد جريده ويكثر خوصه ويتصل بعضه ببعض حتى لا تُرى منه الشمس، ويمنع الطير من أن تشقه، وأن ما روي عن الأصمعي على لسان النخلة نقله عنه أبو حنيفة، وهو مخالف لما نقله عنه أبو حاتم، فقال: «قال الأصمعي: في مَثَلٍ للفرس والنبط: تقول النخلة لأختها: تباعدي عني، وأنا أحمل حملك وحملي.» أي فلم يذكر فيه تباعد الظل، ثم صوب قول المرَّار وقال: لا شيء أحسن من هذا الوصف للنخل، واستشهد على صحة كلامه بقول ذكوان العجلي:

نواضرَ غُلْبًا قد تدانت رءوسها
من النبت حتى ما يطير غرابها٣٣
ترى الباسقات العمَّ منها كأنها
ظعائن مضروب عليها قبابها٣٤
بعيدة بين الزرع لا ذات حشوة
قصار ولا صعل سريع ذهابها

«ومنه» قول أوس بن حجر:

كأن ريقتها بعد الكرى اعتبقت
من ماء أدكن في الحانوت نضَّاح٣٥
ومن مشعشة كالمسك تشربها
أو من أنابيب رمان وتفاح

قال أبو هلال في الصناعتين: «ظن أن الرمان والتفاح في أنابيب، وقيل إن الأنابيب الطرائق التي في الرمان، وإذا حُمل على هذا الوجه صحَّ المعنى.»

«ومنه» قول بعضهم في وصف سيف:

وأبيض أُخْلِصَ من ماء اليَلَبْ

قال ابن مُنقذ في كتاب البديع: «والسيوف لا تُعمَل من ماء اليلب؛ لأن اليلب جلود تُتخذ منها دروع منسوجة، فتوهم الشاعر أنها حديد.» ورواه القاضي الجرجاني في الوساطة: «ومحور» بدل «وأبيض»، ولعل المراد الحديدة التي تدور عليها البكرة، وقد خطَّأه فيها أيضًا، فقال: «جعل اليلب حديدًا وهي سيور.»

قلنا: هما تابعان في ذلك لابن دُرَيْد؛ لأن اليلب ليس عنده الحديد، وذهب غيره إلى أنه الحديد، وفسره به في قول عمرو بن كلثوم:

علينا البَيْض واليلب اليماني
وأسياف يقمن وينحنينا

وعلى هذا فلا خطأ، ولكنَّ ابن السِّكِّيت خطَّأ الراجز من وجه آخر، فقال بعد ذكره لبيت ابن كلثوم: سمعه بعض الأعراب فظن أن اليلب أجود الحديد، فقال: «ومحور أخلص من ماء اليلب»، وهو خطأ، إنما قاله على التوهم. انتهى.

ومنه قول زهير:

يحيل في جدول تحبو ضفادعه
حبوَ الجواري ترى في مائه نُطُقا٣٦
يخرجن من شربات ماؤها طَحِل
على الجذوع يخفن الغم والغرقا٣٧

ففي العقد، والوساطة، والموشح، وسر الفصاحة، والموازنة، والصناعتين، وطبقات الشعراء لابن قتيبة: أنه أخطأ في ظنه أن الضفادع تخرج من الماء مخافة الغم والغرق، وإنما تخرج لتبيض وتفرخ في الشطوط، وقال الأعلم في شرحه لديوان زهير: «قوله: يخفن الغم والغرقا، توهم أن خروج الضفادع مخافة الغرق فغلط، ويقال: إنما قال ذلك ليخبر بكثرة الماء وانتهائه، فأشار إلى ذلك بذكره الغرق، وإن كانت لا تخاف ذلك.» ونحوه في العمدة لابن رشيق، وخلاصة ما قال: إنه لم يُرِدْ أنها تخاف الغرق على الحقيقة، وإنما أراد المبالغة في كثرة ماء هذه الشربات، واقتدى فيه بقول أوس بن حجر:

فباكرن جونًا للعلاجيم فوقه
مجالس غرق لا يُحَلَّأ ناهلُه٣٨

ومما أخذوه على طرفة قوله في وصف ناقته:

وأتلع نهَّاض إذا صعَّدت به
كسُكَّان بوصيٍّ بدجلة مُصْعِد

أراد: لها عنق أتلع؛ أي طويل يرتفع إذا أشخصَتْه في سيرها، فهو كسكان سفينة مصعدة في دجلة، والسُّكَّان (بضم الأول وتشديد الكاف): ذَنَب السفينة الذي يُقوَّم به سيرها ويُعدَّل، ويقال له أيضًا: الخيزرانة والكوثل، وتسميه العامة بمصر الآن (الدفة)، فذهب القاضي الجرجاني في الوساطة إلى أنه أخطأ؛ لأنه أراد تشبيه عنقها بالدَّقَل: أي خشبة الشراع، فذكر بدله السكان.

قلنا: ولا ريب في خطئه إذا كان أراد ذلك، غير أن البيت يحتمل وجهين آخرين لا خطأ فيهما؛ أحدهما: أن يكون شبَّهه بالسكان نفسه؛ أي الذَّنَب لا الدقل، وهو ما يؤخذ من معاجم اللغة وشروح المعلقات التي بأيدينا، والثاني: أن يكون شبهه بالسكان مُريدًا به شيئًا آخر غير الذَّنَب، وهو المفهوم من شرح الأعلم الشَّنْتَمَرِي لديوان طَرَفة؛ فقد فسَّر السكان في هذا البيت بعود المركب، والمتبادر أنه يريد بالعود شيئًا كالدقل؛ أي «الصاري»، وهو تفسير كاد يتفرد به، ولم نقف على ما يماثله سوى في قول علي بن حمزة في التنبيهات: «شبه عنقها بسكان سفينة من سفن دجلة، وربما كان أطول من الدقل، وشر أحواله أن يكون بطول الدقل.» انتهى. فدل بقوله هذا على أنه شيء يشبه الدقل ولكنه أطول منه، وقد يكون بطوله في أقل حالاته، ولا يخفى أن الذَّنَب له طرف قائم، ولكنه لا يبلغ في حال من الأحوال مثل هذا الطول، فلا ريب في أن المراد بالسكان في هذا القول شيء غيره، ولعله العود الطويل الذي يُمد عليه الشراع ثم يناط معترضًا بالدقل، وتسميه العامة بمصر: «القَرْية»، فإنها تكون عادة أطول من «الصاري»، وهي مُحرَّفة عن «القَرِيَّة» بفتحٍ فكسرٍ وتشديد الياء، وقد فُسرت في اللغة بعود الشراع الذي في عرضه من أعلاه، غير أننا لم نرَ من نصَّ على تسمية هذا العود بالسكان أيضًا، فليُحقَّق.

«ومنه» قول عنترة:

وخلا الذباب بها فليس ببارح
غَرِدًا كفعل الشارب المترنِّم
هَزِجًا يحكُّ ذراعه بذراعه
قَدْحَ المكبِّ على الزناد الأجذم

أي إن الذباب يصوره حال حكِّه إحدى ذراعيه بالأخرى مثل قدح رجل ناقص اليد قد أقبل على قدح الزناد، وجاء في مجلة البيان للعلامة اليازجي أن صوت البعوض والذباب والنحل وأشباهها يحدث من اهتزاز أجنحتها في الهواء على حد ما يكون من أجنحة الحمام، وعلى هذا ففي قول عنترة تناقض ظاهر؛ لأنه لا يمكن أن يحك الذباب إحدى ذراعيه بالأخرى إلا وهو واقع، ومتى كان واقعًا تكون أجنحته ساكنة فلا يمكن أن يصوِّت، ولكن عنترة توهَّم أن صوته من حنجرته فلم يمتنع عنده الجمع بين هاتين الحالتين. انتهى بمعناه وأكثر لفظه.

١  اعتنف الشيء: جَهِلَه، والعفق: شدة العدو.
٢  كذا في اللسان والديوان والموشح وغيرها، ورواه الزجاجي في أماليه: «مثنى.»
٣  بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة: كُنْيَة رُؤْبَة.
٤  يستفاد من هذا أن كثرة وصف الشيء لا تعصم القائل من الخطأ فيه إذا لم يكن عليمًا به.
٥  الميجنة (بكسر الأول): مِدَقَّة القصَّار وصانع الجلد؛ أي الخشبة التي يدق بها.
٦  الإصبع هنا: كناية عن الأثر الحسن، ويروى «أجدب» بدل «أمحل»، وقد ضمنه الشهاب الخفاجي في قوله «وأورده» في كتابه السوانح:
أرى النيل في مصر له كل منة
على أهلها إذ عمم الخير أجمعا
أياديه قد فاضت وزاد له الوفا
عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا
٧  صدى إبل: أي رفيق بسياستها، عالم بها وبمصلحتها، يقال: فلان صدى مال وصدى إبل إذا كان كذلك.
٨  الميثاه (بفتح الأول): الأرض اللينة السهلة.
٩  ويروى:
وللزجر منه وقع أهوج منعب
وهو من النعب؛ أي السير السريع.
١٠  متنتا الظهر ومتناه: مكتنفا الصلب، وأراد بخظاتا: «خظاتان» فحذف النون، أو أراد «خظتا» فأشبع، والكلام فيه لا يحتمله المقام.
١١  الألحى: جمع لحي، وهو ما ينبت عليه العارض، والمراد: جانب الوجه.
١٢  ويروى: «تثوخ» بالمثلَّثة، وهما بمعنى ساخ في الشيء؛ أي دخل وخاض فيه.
١٣  القصريان: ضلعان تليان التُّرْقُوَتَيْنِ، والرواية في نسخة الوساطة: «لقصرييها» ولا يخفى أنه يذكر فرسًا ذكرًا فالوجه «لقصرييه» وإلا لا يصح الانتقاد، والبريم هنا: خيط تعقد عليه العوذة ويعلق على صدر الفرس. (راجع مادة «جلب» في اللسان، ص٢٦٤).
١٤  الخواء (بالفتح): الفرجة بين رجلي الفرس، ويقال أيضًا دخل فلان في خواء فرسه: يعني ما بين يديه ورجليه، والطبْي (بضم الأول وكسره وبسكون الثاني): حلمة الضرع.
١٥  الأخضع: المطأطئ الرأس، وهو صفة للريم، وجاء في حواشي نسخة الوساطة: «وفي نسخة ثانية: فوق الجوالب، بدل فوق الحبائل»، وليحقق هذا الشطر.
١٦  رواية «جله» هي المذكورة في مادة «فره» من اللسان، وفي كتب الأدب كالعقد وغيره، وروي «جلده» في مادة «فرا» من اللسان، وفسره بأنه صافٍ يكاد يشق جلده عما تحته من السمن، والتتايع: الإسراع.
١٧  المُعتَرَى بصيغة اسم المفعول: المقصود طلبًا لمعروفه، وركدت: سكنت وهدأت.
١٨  نسبه المرزباني في الموشح للمسيب بن علي، وذكر أن قصة طَرَفَة كانت معه، ومثله في الموازنة للآمدي، واللسان، وسر الفصاحة، ونُسب للمتلمس في الصناعتين، وطبقات الشعراء لابن قتيبة، والعقد الفريد، وما يجوز للشاعر في الضرورة للتميمي.
١٩  دخيس النحض: اللحم الكثير المكتنز، يريد أنها ناقة سمينة، وقوله: بازلها؛ أي نَابُهَا له صوت كصوت القعو بالمسد؛ أي البكرة بالحبل.
٢٠  معناه: أنها ناقة كثيرة اللحم تشبه في خلقها الجمال تراها لا تبغم إذا بغمت النوق من الإعياء.
٢١  هجَّرت: سارت في الهاجرة، والذود: النوق ما بين الثلاث إلى العشر على الأشهَر، ومثله قول الآخر:
كتوم الهواجر ما تَنْبِس
وقول الطِّرمَّاح:
قد تجاوزت بهلواعة
عبر أسفار كتوم البغام
٢٢  المكاكيك: مكوك، وهو طاس للشرب أعلاه ضيق ووسطه واسع، والضامزات: التي لا ترغو.
٢٣  الزعلات (بالزاي) عن الديوان وشرحه، وورد في بعض الكتب الرعلات (بالراء) ولعلها رواية أخرى، والرعلة: النعامة.
٢٤  أي ذهبت هذه الحمر الوحشية هاربة بعد أن شربت شربًا قليلًا لم تقطع به عطشها، فهي لا رواء، ولا عطاش.
٢٥  الدَّقَل (بفتحتين): هو ما يسمى عند الملاحين بالصاري على ما في اللسان.
٢٦  جمل دوسري: قوي ضخم ذو هامة ومناكب، وبتع الململم: أي طويل العنق مع شدة مغرزه، والخدل: العظيم الممتلئ، والصلهبي: الشديد، وعممه: أي تامه.
٢٧  بالراء مُصَغَّرًا.
٢٨  رواية قُدَامة في نقد الشعر: «وإنا قد وجدنا.»
٢٩  كذا في «ما يجوز للشاعر في الضرورة»، ونسبه في العقد الفريد لأبي الطمحان القيني.
٣٠  أيلة (بالتحتية): مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وفي بعض الروايات في البيت: «أثلة» بالمثلثة، وهو موضع قرب المدينة، وتطلق أيضًا على قرية بالجانب الغربي من بغداد.
٣١  توالي الخيل والإبل: مآخرها، وكذلك توالي كل شيء، والأثأب: ضرب من الشجر.
٣٢  كذا بالنسخة، ولعل الصواب: (أفتاء) بالمثناة الفوقية، جمع الفتي من الحيوان، وتوسع هنا فأطلقه على النبات.
٣٣  الغُلْب: جمع غلباء، وهي الحديقة المتكاثفة الملتفة.
٣٤  العم من النخل: التامة في طولها والتفافها.
٣٥  أي من خَمْرِ دَنٍّ أدكن اللون.
٣٦  النُّطُق: الطرائق التي تعلو الماء.
٣٧  الشربات: جمع شَرَبة (بفتحتين) وهي كالحُوَيض يُحفر حول النخلة والشجرة، ويُملأ ماء لتروى منه.
٣٨  العلاجيم هنا: الضفادع، واحدها علجوم، وحلأه عن الماء: طرده ومنعه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤