دولة بني أميَّة

علمت أن السيفَ بنَّاءَ الدوَلْ
وركنُها في الآخرين والأوَل
ما زال في الممالك الأساسا
به بناها مَن بنى وساسا
يَقصِر حبلَ الملكِ أو يمدُّه
ما رسمَ الحدودَ إلا حدُّه
لم يَبنِ للفرس ولا الرومانِ
حائطَ ملكيْها سوى اليماني
وأيُّ دينٍ بسوى السيف انتشرْ؟!
كم أُيِّدت بالسيف أديان البِشرْ!
لم يُغنِ داعي الحقِّ والفلاحِ
عنها وأغنتْ صَلَّةُ السلاحِ
فلا تقولَنَّ بغتْ مَرْوانُ
ووطَّأ الملكَ لها العُدوانُ
كذاك قبلُ كانت الممالك
وبعدُ لم تختلف المسالكُ
تنال بالقوة مبتغاها
وإنما أذهبُها أبغاها

•••

في الشرق والغربِ بنَتْ أميَّهْ
سلطنة ليس لها سميَّهْ
خلاقةٌ على البسيطةِ احتوتْ
شرقَ الثرى حازت وغَرْبَه حوتْ
حيزتِ بجُند الحِيَل المجنَّدِ
وأحرزتْ بالرأي والمُهنَّدِ
احتازها من الجريء القُلَّبُ
وغلَب الليثَ عليها الثعلبُ
بنيان قطب الملكِ والرياسهْ
داهية الأمور والسياسه
ونالها من آله ملوك
تفاوتوا واختلف السلوك
فمنهمو الدرُّ ومنهمو الحصا
ومَن هو السيف ومَن هو العصا
خليفة بَرَّ وآخرٌ فَجَرْ
ذا حَجر١ الأرض وذا بعض الحجرْ
ما تلك إلا دولةُ الزمانِ
حلَّتْ محلَّ دولة الرومانِ
من الطِّراز العربيِّ الأوَّلِ
على الدخيلِ قطُّ لم تعوِّلِ
لم تعتمدْ على عقول فارس
ولا سيوف الدَّيلَمِ الفوارسِ
كالشمس في الشرق زَهتْ ضُحاها
والغرب لا يخرج عن رُحاها
تقلَّبَ الإسلام في رَخائِها
وجَرَتِ الآمال في رحائها
وزخرتْ بالعلم والبيان
وأخرجتْ فرائدَ الأعيانِ
حاز لواءَ الشعر فيها الزَّردَق٢
جرير والأخطل والفرزدق
وما رأي المنبرُ من عِطْفَى مَلك
كابن أبي سفيانَ أو عبدِ الملكْ
أو كزيادٍ خطبةً إذا انبرى
والثقفيِّ٣ حين يرقى المنبرا
ورزقتْ أربابَ سيفٍ قادهْ
أعطتهمو الممالكُ المقادهْ
فنابها المهلَّب الغضنفرُ
وغابها قتيبَة المظفَّرُ
سل ثَبَجَ البحر وعرضَ البرِّ
عن طول باع الفاتحين الغُرِّ
ابنِ نُصيْرٍ مرسِلِ البُزاةِ
والحَكَمِ الحاكم في الغزاة

•••

أما دمشقُ فمقرُّ المُلكِ
ومقعدُ التاج ونَظمُ السلكِ
بل شامةٌ والشامُ جنةُ الثرى
تَرِفُّ فردوسًا وتجري كوْثرا
مهدُ معالي مُلكِهمْ وأُسُّها
لا عجبٌ أن يرفعوها للسُّها
ظلَّتْ على أيامهم تَزيَّدُ
تعمرُها يدٌ وتكسوها يدُ
وتُزلَفُ الدنيا لها وتُجبَى
وينثني بها الزمانُ عُجْبا
حتى جلتها دَولةُ الوليد
في أزينِ الطريفِ والتليدِ
وكَملتْ محاسنُ العروسِ
وعُوِّذتْ بالجامع المحروسِ
تأنَّقتْ يدُ الوليد فيها
واستَبقَتْ أكفُّ مُترَفيها
فأصبحتْ حديقةَ الفنونِ
وهيكلًا من مَرمر مسنونِ
تفيضُ من عجائب العِمارة
وحُجَرِ الصلاة والإمارةُ
ثم هوى أقمارُها وأبعدوا
فحلفتْ بعدَهمو لا تسعَد

•••

رمتْ يدُ الدهر بني مروانا
إن لكلِّ مصرعِ أوانا
فذهبوا عن حسناتٍ تُذكَرُ
وسيئاتٍ جمَّةٍ لا تُنكَرُ
أما الأمورُ فهمو دُهاتُها
دنتْ ودانتْ لهمو جهاتُها
وهم على الأمر العظيم أصبَر
لا يقربون اليأسَ حتى يُقبروا
أقوى بيوت العرب التئاما
وخيرُها بيتهمو وِئاما
شبَّانُهم من طينةِ الأبالسِ
وشيبُهم أنكَرُ في المجالس
إذا جروا لغايةٍ لم يحفِلوا
ما المركبُ الأعلى ولا ما الأسفلُ
منهم من استحسن قتلَ الآلِ
ولم يخفْ مساوئ المآلِ
ومن رمى الكعبةَ بالحجارهْ
وذعر البيت وراع جارهْ
ومنهمو من مزَّق الكتابا
معاتبًا، يا قبحَه عتابَا!
عاقر غِلمانُهمو المُداما
ولازموا القيان والنَّدامَى
وانغمسوا في الشهوات والترفْ
وأفسدوا شبَّان أبناءِ الشرفْ
رَعوْا على اليقْظَةِ ثم ناموا
فأصبحت للأسد الأغنامُ
جنى عليهم سَرَفُ الأُبُوَّهْ
وبَغيُهم على بني النبوَّهْ
ونصبُهم للحُكم كل غاشِم
جرتْ يداه في دماءِ هاشِم
ولعنُهم خُلاصةَ الأكابرِ
أبا الزَّكيَّيْنِ، على المنابرِ
وغدرُهم بابن نصيْرٍ الوفي
مُشيِّد الدولة في البرِّ وَفِي
أمسوْا حماهم حرمُ الأمانِ
وأصبحوا طريدة الزمان
مروانُ وهو منتهى أميَّهْ
لم يفقدِ العزمَ ولا الحَميَّهْ
قاتلَ حتى خانه المجالُ
وأسلمتْ دولتَها الرجالُ
والجندُ كالدنيا مع المُوفَّقِ
أعوانُه على الشقيِّ المُخفِقِ
فلم يزلْ من بلدٍ إلى بلدْ
بالنفس ينجو والنساءِ والولدْ
حتى رمى مصرَ به المصيرُ
وهُيِّئتْ قبرًا له بوصيرُ
وآلُهُ بين مخالب الأسدْ
ينتزعُ الروحَ ويهتِكُ الجسدْ
قد وطِئوا النُّطوعَ لا النمارقا
وطأطئوا للسائف المَفارقا
دنياهمو مسدودةُ المذاهبِ
ودورُهم لواهبٍ أو ناهبِ
وحزبُهم ممتنِعُ الهُدُوِّ
حثيثةٌ فيهم يدُ العدوِّ
حتى إذا قيل خلتْ مروانُ
وذهب السلطانُ والأعوانُ
تلفَّتَ الناسُ وراعهمْ عَجَبْ
الكوكبُ الشرقيُّ في الغرب احتجب
صقرُ قريِشٍ منعوه جِلَّقا
فطار في قرطُبةٍ وحَلَّقا
أنشأ مُلْكًا أمويًّا ضخما
كمُلْك كسرى رُقَعةً وتَخْما
ودولة قصَّر عنها قيصرُ
سما بها المُمَدَّنُ الممصرُ
زهراء في قرطبةٍ تألَّقُ
بغدادُ منها اقتبستْ وجلَّقُ
١  حجر الأرض: الرجل العظيم.
٢  الزردق: الصف.
٣  الحجاج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤