الفصل الثاني عشر

الشيطانة الخالدة

على متن الطائرة التي أقلعَت في الصباح الباكر من ألبوكيركي إلى بوسطن، كان قائد الطائرة يرتدي ربطة عنق وردية، كما كان يُطلُّ من جيب زيِّه الرسمي منديلٌ وردي. كانت المُضيفات بدورهنَّ يرتدين قمصانًا ومآزرَ وردية. كان ذلك هو الشهر الوطني للتوعية بسرطان الثدي، وعندما كانت الطائرة تحلِّق في السماء أعلن أحد الحاضرين بحماس أن شركة الطيران تبيع عصير الليمون الوردي والشراب الوردي، هذا على متن طائرة تغادر في الساعة السادسة صباحًا، وأن العائدات ستوجَّه إلى «الشفاء» من سرطان الثدي.

منذ ما لا يزيد عن مائة سنة، كان السرطان كلمةً لا تُنطق إلا همسًا خشية إفاقة المرض من سُباته. قد يموت المرء بسبب «قصور القلب» أو «الدَّنَف» cachexia، وهي طريقة للقول، بمصطلحات علمية، إن أحد الأحبَّة قد تُوفِّي بعد أن «أكله» السرطان. وعلى الرغم من أن الخوف لم يختَفِ، فلم يعد «السرطان» كلمةً لا يمكن الإفصاحُ عنها. يتسم الابتهاج الذي جرى به تقبُّلُ الموضوع والتعبير عنه علانيةً بكونه شِبهَ مروِّع. طرحَت إحدى الشركات الصانعة لمستحضرات التجميل إعلانًا عن «قبلات للعلاج»:١ «بشرائك لأحمر الشفاه هذا، ستقدِّم تبرعًا صغيرًا للمساهمة في المعركة. غضِّن شفتيك وامنح سرطان الثدي قُبلة الوداع.»
خلال تصفُّحي للمجلة التي تُصدرها شركة الطيران، فكرتُ في حملة جمع التبرعات التلفازية «قِف في وجه السرطان»،٢ التي شاهدتُها قبل بضعة أسابيع، والتي ضمَّت العديد من المشاهير وهم يغنون، ويضحكون، وأحيانًا يتجهَّمون وهم يتعهدون «بالقضاء» على السرطان من جميع الأنواع، وليس مجرَّد التحكم فيه، أو تقليص حجمه، أو علاج وقوعه بشكل أكثر فاعلية. «يومًا ما، لن يموت أيُّ طفل بالسرطان.» كما وعدَت ممثِّلة مبتهجة في سنِّ المراهقة. لن يموت طفل واحد به. «يجب علينا أن نصدَّ هجومه، وأن نمحوَه من الوجود.» كما قال المُغني ستيفي وندر Wonder، وهو مُنحنٍ على البيانو. لقد تُوفِّيت زوجته الأولى بالسرطان، وكذلك فقد ضرب المرض كثيرًا من النجوم الآخرين من كثب. «لا يهتمُّ السرطان بما إن كنتَ قد فزت بالميدالية الذهبية الأولمبية، ولا يكترث السرطان بما إن كنتَ جميلًا أو ذكيًّا أو أنك بدأت دراستك الجامعية من فورك …» اعتلى المشاهير ومُعجَبوهم خشبة المسرح، واحدًا تِلوَ الآخر، وهم يرتدون قمصانًا مكتوبًا عليها «ناجٍ من السرطان.» «لا يهتمُّ السرطان بما إن كانت الحياة كلها مفتوحةً أمامك … لا يهتمُّ السرطان بأن لديك أطفالًا صغارًا يحتاجون إلى أمِّهم … لا يهتمُّ السرطان بأنه قتل للتوِّ والدك … إنه لا يكترث فحسب.» كان شريط الرسائل يمرُّ عبر الجزء السفلي من شاشة التلفاز: «إن السرطان لا يميِّز.» لكنه في الواقع يعمد إلى التمييز ضدَّ كبار السن، والبدناء، والفقراء. من الناحية الديموغرافية، فإن الأشخاص الذين يتمتعون بالشباب والجمال الذين ظهروا في البرنامج كانوا حالاتٍ استثنائية. لكن مَن ذا الذي يمكنه أن يقاوم قلوبهم الطيبة وتشجيعهم؟ «سيردُّ النجوم على مكالماتكم.» ثم رن جرس الهاتف، وانهالت التبرعات. وفي نهاية البرنامج، اصطفَّ على خشبة المسرح موكبٌ من العلماء في حين تصاعدَت الأصوات الحماسية لجوقة يُنشد أفرادُها: «عليك أن تقاوم، وتقاوم، وتقاوم السرطان …» وفي المُجمل، جُمع أكثر من ثمانين مليون دولار في تلك الليلة. إن «قِف في وجه السرطان» Stand Up to Cancer هي منظمة محترمة تشتهر بتحويل الأغلبية العظمى من الأموال التي تجمعها للأغراض البحثية، لكني تساءلتُ عمَّا إذا كان المشاهدون، فضلًا عن المؤدِّين، قد تركوا بآمال كاذبة. إن التبرعات، كما قِيل، ستذهب إلى «فِرَق الأحلام» من العلماء الذين تتضافر جهودُهم للوصول إلى علاج بدلًا من التنافس على أموال التبرعات والمِنَح، كأنَّ الجشع والغرور هما فقط ما يعترض سبيل التوصُّل إلى فهم أكثر الظواهر الطبية تعقيدًا. عُقدت المقارنات بين يوناس سولك Salk ومنظمة «مارش أوف دايمز» March of Dimes، لكن شلل الأطفال كان مشكلةً أبسط بكثير؛ فهو مرضٌ له مسبِّب وحيد يمكن عزلُه ومن ثَم التطعيمُ ضدَّه.
لن يتطلب فهمُ السرطان ما هو أقلُّ من فهمٍ أعمقَ لآليَّات عمل الخلية البشرية. استشهد أحد المؤدِّين بالكفاح لمناهضة الرقِّ وانتصارات حركة الحقوق المدنية: «ماذا لو لم يقُم أحد لمناصرة الحرية في خطوط الأنفاق السرية تحت الأرض٣ … إذا لم يقف أحد في مواجهة الظلم عند الجسر في سِلما؟»٤ صار السرطان شيئًا يمكن التظاهرُ ضدَّه أو مقاومتُه من خلال تنظيم إضراب أو اعتصام. لم يبدُ هؤلاء كأشخاص ميَّالين إلى الانخراط في أعمال العصيان المدني الشاملة من قَبيل تلك التي قامت بها حركة ACT UP، أو ائتلاف الإيدز لإطلاق العنان للقوة التي يكمن نفوذها في عدوانيتها. قبل عقدَين من الزمن، تظاهرت حركة ACT UP ضدَّ المَعاهد الوطنية للصحة وأغلقت مكاتب إدارة الغذاء والدواء يومًا كاملًا، في معرض مطالبتها بتخصيص مزيد من الأموال للأبحاث وتوفير العلاجات بأسعار معقولة. وبطريقة أو بأخرى، زاد الاهتمام الموجَّه للمشكلة. يمكن الآن معالجةُ الإيدز كمرض مُزمن، ولكن حتى فيروس العوز المناعي البشري HIV ليس في مثل تعقيد السرطان.
وخلال هبوطها في بوسطن، زوَّدتني الطائرة بنظرة عامة على ما يتنافس مع إم دي أندرسون كأقوى مركز للسرطان في العالم. على إحدى ضفتَي النهر يوجَد معهد دانا-فاربر للسرطان، وأبرشية بيث إسرائيل، ومستشفى ماساتشوستس العام. وعلى الجانب الآخر، يوجَد معهد وايتهيد، ومعهد برود، وحرم جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وباستخدام أطباق بتري المُختبَرية، والمخطَّطات الكروماتوغرافية بالغاز، وأجهزة تحديد المتواليات الجينية، والمجاهر الإلكترونية، يُنتج الباحثون العاملون في هذه الأميال المربَّعة القليلة كميةً هائلةً من المعارف المتعلقة بالاتصالات المعقَّدة التي تدور بداخل الخلية البشرية، وكيف يمكن سبرُ أغوارها. وعلى الرغم من جميع الرعب الذي يسبِّبه، يمثِّل السرطان مُعضلةً فكريةً ساحرة؛ فهو يمثِّل نافذةً لفهم الحياة ذاتها، لكن النتائج الجديدة لا تشقُّ طريقها إلا ببطء شديد إلى العيادات والمستشفيات، حيث يعالَج المرضَى بسُبُل المعالجة الكيميائية والإشعاع، وهي تقنيات لا تقلُّ وحشيةً بكثير عمَّا وصفه سولجينيتسين Solzhenitsyn في روايته «عنبر السرطان». كانت فِرَق الأحلام تحاول تجسير تلك الفجوة.
كان هذا جزءًا من جهدٍ أوسعَ يُسمَّى البحوث الترجمية translational research، والتي كانت موضوع ورشة العمل التي انعقدَت في ذلك المساء في باركر هاوس،٥ وهو أروع فنادق بوسطن القديمة. وفي غرفة مزدانة بالثريات والجدران المكسوَّة بالخشب، جلستُ وسط مجموعة من العلماء الشبَّان الذين يدرسون الثقافات المختلفة للبحوث الطبية؛ بيولوجيين يدرسون الشلالات الكيميائية بداخل الخلية، وأطباء يعكفون على تطوير واختبار أدوية جديدة، وأطباء الأورام والمرضَى الذين يعالجونهم، وهم جميعًا يرَون السرطان بطرق مختلفة. وفي حين تكون فترات الصباح حافلةً بالمحاضرات، يزور الطلاب خلال فترة ما بعد الظهر عيادات ومُختبَرات الباثولوجيا السرطانية في المستشفى، وكذلك مراقبة أعضاء لجنة الأخلاقيات الطبية وهم يراجعون قواعد إجراء التجارب السريرية الجديدة، وهي حلبة كثيرًا ما تتعارض فيها أولويَّات العلم والطب.
كانت إيمي هارمون Harmon، وهي مراسلة لصحيفة نيويورك تايمز، قد نشرت أخيرًا قصة اثنين من أبناء الخالات٦ المصابين بالوَرَم الميلانيني المنتشر المتقدم، وهو واحد من أشدِّ أنواع السرطان فتكًا. أُدرِج الشابَّان — في أوائل العشرينيات من العمر — في تجربة تنطوي على علاج مستهدف يُعرف باسم فيمورافينيب vemurafenib، وهو عقار واعد لتقليص حجم الأورام الموجَّهة بفعل طفرة في جين يُدعى «براف» BRAF.٧ كانت المرحلة الأولى الصغيرة، وكذلك المرحلة الثانية الأكبر حجمًا من التجربة، قد أظهرتا نتائج واعدة، وبالتالي فقد حان الوقت للمرحلة الثالثة، التي تضمَّنت ٦٧٥ شخصًا في اثنتي عشرة دولة، وهي الخطوة الأخيرة قبل الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء.
وهنا نشأت المُعضلة؛ كان ابنا الخالة محظوظَين لقبولهما في التجربة، فنحو النصف فقط من حالات الوَرَم الميلانيني ينطوي على هذه الطفرة بعينها، لكن واحدًا منهما، هو توماس ماكلوكلين McLaughlin، قد أُدرِج بشكل عشوائي في المجموعة التجريبية، التي يحصل المشاركون فيها على العلاج الجديد «الحبوب الفائقة»، كما كان يسميها، في حين أن الآخر، وهو براندون ريان Ryan، كان ضمن المجموعة الشاهدة control group، التي ستُعالَج بالداكاربازين dacarbazine، وهو العلاج الكيميائي المعياري غير الفعَّال على نحوٍ مُحبِط. استاء كلٌّ من الرجلين من تعسُّف القرار؛ فقد أراد ماكلوكلين، الذي كان بالفعل في المرحلة الرابعة من مرحل تطور الوَرَم الميلانيني، أن يتبادل دوره مع ريان، الذي ربما منحه وَرَمُه الأقلُّ تقدمًا فرصةً أفضل إلى حدٍّ ما، لكنْ لم يُوافَق على طلبه، لأنه يقوِّض موضوعية التجربة.
كانت هذه قصةً موجعةً للقلب، والتي انحنَت فيها مصلحة القِلَّة لصالح مصلحة الأغلبية. ومن بدون مقارنات صارمة مثل هذه، فلن تكون هناك أدوية جديدة لأيِّ إنسان. ومع ذلك، فقد كان من الصعب عدم التفكير في الأشخاص المتضمَّنين في المجموعة الشاهدة باعتبارهم كباش فداء. يستخدم خبراء الأخلاقيات الطبية مصطلح «التوازن السريري» clinical equipoise لوصف تجربة لا يوجَد فيها سبب بديهي لاعتبار علاجٍ ما متفوقًا على آخر.

عندها فقط، كما يجادل كثيرون، سيكون من الصحيح اتخاذُ قرار عشوائي لتحديد أي مريض سيُعطى أيَّ دواء. وبحلول الوقت الذي انتهت فيه المرحلة الثانية، بدَا أن فيمورافينيب سيزيح داكاربازين عن موقعه بوصفه دواءً مفضَّلًا، في حين أن نِصف المرضَى كانوا يحصلون على ما ثبت بالفعل كونُه علاجًا رديئًا.

وفي النهاية، أثبتت المرحلة الثالثة كونها حاسمةً٨ إلى درجة أنها أُوقِفَت مبكرًا حتى يمكن أن تستفيد كلتا المجموعتين. أظهرت التقارير الأوَّليَّة أن فيمورافينيب يزيد معدَّلات البقاء على قيد الحياة دون تفاقُم المرض، بحيث يظلُّ السرطان معلقًا لمدة ٥٫٣ أشهر، مقارنةً بمدَّة ١٫٦ أشهر للداكاربازين. كان ذلك كافيًا بالنسبة إلى إدارة الغذاء والدواء، التي لم يمضِ وقت طويل حتى وافقَت على الدواء الجديد، الذي يجري تسويقُه من قِبَل شركة جينينتيك Genentech. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن المرضَى عادةً ما يعيشون لمدَّة أربعة أشهر أطول٩ ممَّن يُعالَجون بالداكاربازين.١٠
غيرَ أنه لم تكُن هناك نهاية سعيدة؛ فريان، وهو ابن الخالة المتضمَّن في المجموعة الشاهدة، كان من بين العديد من الذين لقوا حتفهم خلال السنة الأولى من التجربة، وهم ستة وستون في مجموعة الداكاربازين، واثنان وأربعون ممَّن عُولِجوا بالفيمورافينيب. وبحلول الوقت الذي مرَّت فيه سنة أخرى، كان نِصف الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة قد تُوفُّوا بالفعل.١١ كانت أورام ماكلوكلين قد انتشرت في جميع أنحاء جسده، من فخذَيه إلى دماغه، لكنه كان لا يزال على قيد الحياة ويتناول الحبوب الفائقة. أخبرني الرجل أنه سيعود إلى ممارسة مهنته كعامل لحام يعمل تحت الشمس. فكرتُ في مقطع من رواية «عنبر السرطان»: «كان طوال الوقت في سباق محموم١٢ مع الوَرَم القادم، لكنه كان يتسابق في الظلام، لأنه لم يكُن يستطيع رؤية العدو، لكن العدُو كان يراه بكل وضوح، وعند أفضل لحظة من حياته انقضَّ عليه بأنيابه. لم يكُن هذا مرضًا، بل ثعبانًا، وحتى اسمها كان أفعوانيًّا؛ الوَرَم الأرومي الميلانيني.» كان هذا هو الاسم القديم للسرطان الذي أصاب ماكلوكلين.
بالنسبة إلى الوَرَم الميلانيني المنتشر في مراحله المتقدمة، ليس هناك ما يشبه الشفاء. وبغض النظر عن نوع العلاج، فإن الخلايا الشاذة تكتشف، من خلال طفرة تصادفية،١٣ طريقة تواصل بها توسعها. يُظهر عقار فيمورافينيب بدوره تأثيرًا جانبيًّا تناقضيًّا،١٤ وهو تشجيع نمو سرطانات الجلد الأخرى، مثل سرطان الخلايا الحرشفية squamous cell carcinoma، والوَرَم الشائكي المتقرِّن keratoacanthoma. يقوم الباحثون بالتجريب على توليفات١٥ من العلاجات المستهدفة التي تهدف إلى التغلب على هذه العقبات، على أمل ألَّا تتمكن الخلايا السرطانية من تطوير حيلة أخرى.
من بين أهداف البحوث الترجمية هو إخراج العلماء من المُختبَر حتى يتمكنوا من رؤية ما يمرُّ به المرضَى بصورة مباشرة. في فندق باركر هاوس، وصف توم كوران Curran، وهو أستاذ الباثولوجيا في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، التأثير الصارخ١٦ للانتقال من عزلة مُختبَر إحدى شركات الأدوية إلى مستشفى سانت جود لبحوث طبِّ الأطفال في ممفيس، حيث يعمل منذ العام ١٩٩٥م. كان كوران قد اكتشف جينًا أطلق عليه اسم ريلين reelin،١٧ والذي يساعد على توجيه هجرة العصبونات خلال النماء المبكر للدماغ، بما في ذلك المخيخ cerebellum. والمخيخ هو مركز التحكم في العضلات والتوازن، وقد لوحظ أن الفئران المولودة بعيوب في ذلك الجين تُظهر مِشيةً ترنُّحية. وكذلك فإن الطفرات في الجينات النمائية تكون مسئولةً لاحقًا عن العديد من السرطانات التي تصيب الأطفال، كما كان كوران مهتمًّا بصفة خاصة بالوَرَم الأرومي النُّخاعي medulloblastoma، وهو سرطان عدواني يصيب المخيخ. ومقارنةً بالأنواع الأخرى من السرطان، فهو يُعَدُّ نادرًا للغاية، فمعدَّل انتشاره بين البالغين هو ٨ حالات لكل عشرة ملايين نسمة،١٨ لكن هناك ٥ حالات بين كل ١٠٠ ألف من الأطفال١٩ والمراهقين، مما يجعله الوَرَم الدماغي الأكثر شيوعًا في الأطفال.٢٠ يبلغ متوسط سنِّ التشخيص خمس سنوات،٢١ حيث ما قد يبدأ كاعتلال ليس أكثر إثارةً للقلق من أعراض شبيهة بالإنفلونزا قد يتحول إلى صداع، وتقيؤ، ودُوار، وفقدان التوازن، وما وُصف بأنه «نمط أخرق ومترنِّح للمشي».٢٢
وبالنسبة إلى كوران، كان الوَرَم الأرومي النُّخاعي في المقام الأول فكرة مجردة حتى التقى الأطفال الذين يُعالَجون بالفعل من هذا المرض. كان يعلم أن مآل المرض prognosis كان جيدًا نسبيًّا بالنسبة إلى معظم المرضَى؛ إذ يبلغ معدَّل البقيا لخمس سنوات نحو ٨٠ في المائة.٢٣ وعلى أيِّ حال، فبالنسبة إلى بعض المرضَى يكون هذا السرطان راجعًا ومُميتًا. وحتى عندما تكون العلاجات ناجحة، فقد تكون تأثيراتها الجانبية مدمِّرة. عادةً ما تُتبع الجراحة ببثِّ الأشعَّة في أدمغة الأطفال السريعة التأثر. تحدَّث كوران إلى الجمهور قائلا: «لقد التقيتُ أحد الأطفال، وكان في سنِّ المراهقة،٢٤ والذي ظلَّ خاليًا من المرض أكثر من خمس سنوات. كان في نحو السادسة عشرة من عمره، وكان أشقر الشعر أزرق العينين. كان يمازح الطبيب، لكنه بدأ يدرك أن بقية صفِّه يستمرون في التقدم في حين أنه لا يُحرز أيَّ تقدم. بدأ يدرك أن بقية حياته ستكون صراعًا رهيبًا بالنسبة إليه وإلى عائلته. إن العمل في المُختبَر لا يمنحك هذا النوع من المنظور. لم أستطع محوَ تلك الصور من مخيِّلتي.»
بدأ كوران البحث عن علاج أفضل، عن دواء يمكنه ضربُ السرطان في القلب بدون تلك الآثار المُنهِكة. توجَّه أولًا إلى رئيس مُختبَر الباثولوجيا في مستشفى سانت جود، وطلب وصولًا إلى بنك الأنسجة، وهو مستودع الأورام التي استُؤصِلَت من الأطفال على مرِّ السنين. لم يكُن هناك سوى خمسة أورام دماغية من أيِّ نوع، وبالتالي فقد كان عليه تجميع عيِّناته الخاصة. مرَّت خمس سنوات قبل أن يتوافر لديه ما يكفي منها لبدء تجاربه. وبحلول ذلك الوقت، ظهرت بحوث من مُختبَرات أخرى٢٥ تشير إلى أن بعض الأورام الأروميَّة النُّخاعي، التي تبلغ نسبتها نحو عشرين في المائة من جميع الحالات، تنتُج عن عيب جيني ينطوي على جين القنفذ سونيك. كان كوران يعرف قصة الحملان الصقلوبية،٢٦ التي نشأت عيوبها الخِلقية عن أكل الزنابق التي تحتوي على مادة طبيعية — السايكلوبامين — تقمع مسار جين القنفذ. وعلى العكس من ذلك، فإن بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الخلايا القاعدية والوَرَم الأرومي النُّخاعي، يبدو أنها تنتُج عن فرط نشاط جين القنفذ سونيك. يمكن لعقار السايكلوبامين، من الناحية النظرية، تصحيحُ تلك المشكلة ومن ثَم تقليصُ حجم الأورام.
وبالنظر إلى كون السايكلوبامين مادةً سامة، ومكلفة، ويصعُب التعاملُ معها، أراد كوران إيجاد بديل. كان يجلس في مقهًى بعد اجتماع حول علم الوراثيات والنماء الدماغي٢٧ في تاوس، نيو مكسيكو، ناقش المشكلة مع حُجَّة بارز في إشارات جين القنفذ، والذي أخبر كوران ببعض المركَّبات الجديدة التي يجري تطويرُها من قِبَل شركة للتكنولوجيا الحيوية في ماساتشوستس لغرض محدَّد هو عرقلة مسار جين القنفذ عن طريق تعطيل بروتين يُسمَّى المملَّس smoothened. واصل كوران أبحاثه ليثبت٢٨ أن هذه المادة تقلِّص حجم الأورام الأروميَّة النُّخاعية في الفئران، لكنها تثبِّط نموَّ العظام في القوارض الأصغر سنًّا٢٩ أيضًا. أمَّا إذا كان الشيء نفسه يحدث في الأطفال فكان سؤالًا مفتوحًا، ولكنْ بالنسبة إلى المُصابين بالنمط الراجع recurrent من المرض، الذين يواجهون الموت المبكر، فإن الفوائد قد تستحقُّ المخاطرة. أُدرِج اثنا عشر منهم في تجربة سريرية، وبحلول الوقت الذي انعقدت فيه ورشة العمل في بوسطن، كانت هناك علامات على مأمونية الدواء الجديد،٣٠ واسمه فيسموديجيب vismodegib، وأنه يكبت الأورام. كانت المرحلة الثانية من التجارب قد بدأت للتو، لكن الأمر سيحتاج إلى سنوات قبل أن يصير العلاج جاهزًا لدراسته من قِبَل إدارة الغذاء والدواء (تمَّت الموافقة عليه أخيرًا لعلاج سرطان الخلايا القاعدية،٣١ وجارٍ أيضًا اختبارُه لعلاج بضعة أنواع أخرى من السرطان).
فيسموديجيب لعلاج الوَرَم الأرومي النُّخاعي، وفيمورافينيب لعلاج الوَرَم الميلانيني. كانت الأسماء، التي تُظهر تشابهًا غريبًا، تبدو كأنما لفظتها آلة لخلط الأجزاء المكوِّنة للعبة السكرابل.٣٢ بيدَ أنها ليست خاليةً من المعنى؛ فاللاحقة -degib تشير إلى مثبِّط إشارات جين القنفذ، ويأتي الحرفان vi من «الرؤية» vision، فالدواء «مستقبلي التوجُّه»، كما أخبرني المتحدث باسم شركة جينينتيك، أمَّا الحروف smo فمُشتقَّة من البروتين المملَّس. أمَّا بالنسبة إلى عقار فيمورافينيب، فإن الحروف vemu تشير إلى الطفرة BRAF V600E في حين تعني rafenib مثبِّط الجين raf. لكن البادئات prefixes، وأحيانًا الحروف المزيدة infixes (أي المقاطع الموجودة في وسط الكلمة)، كثيرًا ما تكون تلفيقاتٍ اعتباطية. تقترح شركات الأدوية الأسماء ومن ثَم تقديمها لهيئة تُعرف باسم مجلس الولايات المتحدة للأسماء المعتمَدة،٣٣،٣٤ وهي الجهة المنوطة باتخاذ القرار النهائي. وقد أخبرني أحد الباحثين بأن الشركات تختار أسماء جنيسة generic names صعبة النطق، مثل فيمورافينيب، حتى يعتمد الأطباء أسماءها التجارية الأكثر جاذبية بسهولة أكبر، مثل زيلبوراف Zelboraf في هذه الحالة، كما يُباع فيسموديجيب تحت اسم إريفيدج Erivedge. ومن جانبه، وصف خوسيه باسيلغا Baselga، وهو عالِم في مستشفى ماساتشوستس العام، أحدث النتائج المتعلقة٣٥ بعقار تراستوزوماب trastuzumab، والمعروف باسم هيرسيبتين Herceptin، وهو دواء يبحث عن المستقبلة HER2 ويثبِّطها، ومن ثَم إيقاف الإشارات التي تعزِّز النمو السرطاني (تدلُّ اللاحقة -mab على أنه ضد وحيد النسيلة،٣٦ وهو جُزيء مصمَّم لكي يحطَّ على هدف محدَّد). بيدَ أن ما يُطلَق عليه الآن اسم «الهيرسيبتين الفائق» أو إيمتانسين التراستوزوماب٣٧ (T-DM1 اختصارًا)، يتجاوز ذلك التأثير بخطوة، إذ يحمل معه ذيفانًا خلويًّا cytotoxin، ومن ثَم يقوم بحقنه مباشرةً في الخلية الخبيثة، أيْ معالجة كيميائية يجري توصيلُها بالتحديد إلى حيث تريد، جُزيئًا تِلوَ الآخر. يتسم الذيفان في حدِّ ذاته بكونه سامًّا للجسم على نحوٍ خطير، ولكن عند تصويبه بمثل هذه الدقة، فهو يَعِدُ بالعمل كصاروخ باحث عن الحرارة ضدَّ الخلايا السرطانية الإيجابية للمستقبلة HER2.
يبدو الآن هذا شيئًا يشبه الدواء المعجزة، الذي يوفر معالجةً كيميائيةً قويةً دون كثير من الآثار الجانبية. وقد قال باسيلغا إن الهيرسيبتين وحده قد زاد بشكل كبير من معدَّل البقاء على قيد الحياة لدى مريضات المرحلة المبكرة من سرطان الثدي الإيجابيات للمستقبلة HER2؛ من ثلاثين في المائة قبل عشر سنوات إلى ٨٧٫٥ في المائة اليوم. وتوقَّع أن الهيرسيبتين الفائق، عند تناوله بالترافق مع دواء آخر يستهدف المستقبلة HER2، والذي يُعرف باسم بيرتوزوماب pertuzumab،٣٨ يمكنه الوصول بهذه النسبة إلى أكثر من ٩٢ في المائة.
وبالنسبة إلى السرطان النقيلي، تصل المعدَّلات إلى أقلَّ من ذلك بكثير، لكن هنا أيضًا يوجَد أناس يأملون في حدوث معجزة. بعد سنتين ونِصف السنة من اجتماع بوسطن، صار البيرتوزوماب يُعرف باسم بريجيتا Perjeta،٣٩ وهو منتَج آخر من شركة جينينتيك، وعند أخذه بالترافق مع الهيرسيبتين والمعالجة الكيميائية القديمة الطراز، ازدادت فترة البقاء على قيد الحياة الخالية من التفاقم، وهو الوقت الذي يسبق عودة الأورام أو وفاة المريض بنحو ستة أشهر. أمَّا بالنسبة إلى الهيرسيبتين الفائق فقد تواصل الانتظار. استُخدمت بعض النتائج الإيجابية المُستقاة من إحدى التجارب السريرية للضغط من أجل الحصول على موافقة سريعة من إدارة الغذاء والدواء، كما استشاط بعض المرضَى غضبًا٤٠ عندما أصرت الوكالة على انتظار٤١ المرحلة الثالثة. وفي اجتماع حاشد خارج قاعة مجلس مدينة بوسطن،٤٢ خاطبَت امرأة جرى تشخيصُها للإصابة بالمرحلة الرابعة من سرطان الثدي الإيجابي للمستقبلة HER2 قبل خمس سنوات، مجموعةً صغيرةً من الأشخاص — كثير منهم يرتدون قمصانًا وردية اللون — وطالبَت بإجراء تحقيق. وقالت: «ينبغي إشراك الأشخاص المُصابين بالمرض في هذه المناقشة، التي يجب ألَّا تقتصر على أشخاص يجلسون في برج عاجي يتخذون القرارات.» ربما كانت توقعاتهم أكثر من اللازم، فعندما نُشرت نتائج المرحلة الثالثة، كان أفضل ما يمكن أن يُقال بخصوص سرطان الثدي النقيلي إن الهيرسيبتين الفائق «يقلِّل من خطر تفاقُم السرطان٤٣ أو الوفاة بنسبة ٣٥ في المائة». بيدَ أن الدواء لم يحصل على الموافقة في نهاية المطاف. ولكن بالنسبة إلى السرطانات الأكثر عدوانية، فإن أحدث التطورات لا تزال تُقاس بالشهور التي تُضاف إلى ما تبقَّى من حياة مبتورة.
وأثناء انتظار الوليمة التي تلَت حديث باسيلغا، تحدثتُ إلى باحثة من إحدى جامعات الجنوب عن حقيقة أننا كنا خلال الشهر الوطني للتوعية بسرطان الثدي وعن كل الاهتمام الذي استحوذ عليه والأموال التي تُجمَع. أخبرتني بأنه بوسعها أن تتفهم بسهولة سبب أنه من بين جميع الأورام الخبيثة، فإن سرطان الثدي يعزف على هذا الوتر العاطفي العميق، ليس فقط لأنه واحد من أكثر السرطانات شيوعًا، بل لأن سرطان الثدي يمثِّل اعتداءً على الأنوثة والنشاط الجنسي للنساء، والأعمق من ذلك كله، على الأمومة. لكنها بدَت أيضًا غيورةً قليلًا، فمن النتائج غير المقصودة للحماس المتمثل في ارتداء الشريط الوردي، نجد تحويل الأنظار عن السرطانات الأكثر ندرة. كان تخصُّصها البحثي هو سرطان البنكرياس، الذي يُظهر نسبةً متدنيةً على نحوٍ مُحبِط من البقاء على قيد الحياة، وكثيرًا ما لا ينطوي على أيِّ أعراض. «قد تُراجع الطبيب لشعورك بعُسر هضم وتُفاجأ بمعرفة أن لديك ثلاثة أشهر فقط لتعيشها.» ومن بين الأمثلة الأخرى على السرطانات المهمَلة، نجد سرطانة الرحم الحليمية المَصلية UPSC، تلك التي أصابت نانسي.
لقد ظهرت ثقافة كاملة حول سرطان الثدي، أمَّا الكاتبة باربرا إهرينرايتش Ehrenreich، وهي إحدى ضحايا المرض، فقد اعتبرت تلك الثقافة ضربًا من الطوائف الدينية، وترى أنه يستهين بالحالة نفسها، كأن سرطان الثدي هو درب آخر من دروب الحياة، أو شيء يمكنك التعايشُ معه مثل سنِّ الإياس (انقطاع الطمث) أو الطلاق. وكما كتبت، فليس بإمكانك ارتداءُ ملابس وردية اللون فقط، بل يمكنك ارتداءُ الإكسسوارات أيضًا، مثل المجوهرات الوردية المصنوعة من حجر الراين rhinestone. يُقال لك إن المعالجة الكيميائية تُنعِّم وتشدُّ الجلد،٤٤ وتساعدك على خسارة الوزن، وإن الصلع هو شيء يتعين الاحتفال به، وإن محصولك الجديد من الشَّعر «سيكون أكثف، وأكثر نعومة، وأسهل في العناية به، وربما يضفي لونًا جديدًا مُدهشًا».
أمَّا بالنسبة إلى هذا الثدي المفقود، فبعد عملية الاستبناء الجراحي reconstruction، لماذا لا نجعل الآخر مشابهًا للأول؟ من بين أكثر من ٥٠ ألف مريضة يخضعن لاستئصال الثدي mastectomy ويُخترن إجراء عملية الاستبناء في كل عام، فإن ١٧ في المائة يمضين قُدمًا، غالبًا بناءً على طلب من الجراحين المعالجين لهن، لإجراء جراحة إضافية تجعل الثدي المتبقي «متوافقًا» مع الهيكل الجديد الأكثر انتصابًا وربما الأكبر حجمًا، والموجود على الجانب الآخر.
في البداية، بدَت انتقادات إهرينرايتش قاسيةً بالنسبة إليَّ، فبالإضافة إلى توفير السلوى وجمع الأموال للبحوث، يتمثل الأمل في جعل عدد أكبر من النساء يتوجَّهن إلى العيادات لإجراء تصوير الثدي بالأشعَّة السينية سنويًّا، لكن عدد الأرواح التي ينقذها ذلك الإجراء٤٥ لم يعد واضحًا. يجري تشخيصُ مزيد من السرطانات اللابدة in situ — وهي الأورام الصغيرة والبطيئة النمو، والتي تنتمي إلى «المرحلة الصفرية» التي يرجَّح أن تتغلب عليها النساء من دون علاج. لكن أعنف أنواع السرطان قد تظهر فجأةً — ربما في غضون أيام بعد إجراء المرأة لفحص الثدي السنوي بالأشعَّة السينية — ويمكنها أن تتوسع دون هوادة إلى درجة أنها كثيرًا ما تستعصي على الاكتشاف قبل أن تخرج عن السيطرة. وخلصت دراسة وبائية حديثة أُجريت على ٦٠٠ ألف امرأة٤٦ إلى أنه «ليس من الواضح ما إذا كان ذلك الفحص يفيد أكثر مما يضر». فمقابل كل حياة يتمكن من إطالتها، سيُعالَج عشر نساء دون داعٍ، ولكن ليست هناك طريقة للتحديد المسبق لهُويَّة أولئك النسوة. يواجه الرجال المُعضِلة نفسها فيما يتعلق بأكثر أنواع السرطان شيوعًا لديهم، وهو سرطان البروستاتة. يمكن أن توفر اختبارات الدم للمستضدِّ النوعي للبروستاتة (PSA) إنذارًا مبكرًا، لكنها تؤدِّي بدورها إلى عدد مُقلق٤٧ من الخزعات biopsies والعمليات الجراحية التي لا لزوم لها. وكما هي الحال مع سرطانات الثدي اللابدة، يمكن لسرطان البروستاتة أيضًا أن يظلَّ كامنًا من دون أن يسبِّب أذًى طوال عقود. عند تشريح ما بعد الوفاة، وُجد أن نحو سبعين في المائة من الرجال في العقد الثامن من عمرهم،٤٨ والذين تُوفُّوا لأسباب أخرى، مصابون بسرطان البروستاتة الذي ربما لم يكونوا على علم بوجوده. إن الرجل الذي تجعله الجراحة عاجزًا جنسيًّا ومصابًا بسلس البول قد يتساءل عمَّا إذا كان من الأفضل له لو قاوم الضغوط التي مُورِسَت عليه لإجراء الاختبار. وكما هي الحال مع سرطان الثدي، فإن الدعاية الصاخبة — الحسنة النية في كثير من الأحيان، ولكنها موجَّهة أيضًا بدافع الربح — قد تعرَّضَت للانتقاد بسبب الإفراط في إبراز قيمة التشخيص المبكر. أصبحت الاستادات الرياضية أماكن رائجة لتجنيد المؤيدين؛ فقد صار أطباء المسالك البولية يقدِّمون تذاكر مجانية٤٩ في مقابل زيارة عياداتهم، كما يعلنون عن خدماتهم على لوحات الإعلانات الموجودة في حلبة اللعب. وقد وضع طبيب من فلوريدا إعلاناتٍ على عبوات مزيل الرائحة الموجودة بداخل المباول في الحمامات العامة: «هل تريد زيادة تدفُّق البول في المبولة؟» من شأن جراحة البروستاتة أن تزيد تدفُّق البول، لكن ذلك قد يكون أكثر مما تريد. وبعد الاجتماع الذي انعقد في فندق باركر هاوس، عدتُ إلى فندقي، وهو أحد فروع سلسلة هوارد جونسون، الذي كان ملاصقًا تقريبًا لملعب فينواي بارك. كانت الجدران والسجاد تنضح برائحة النيكوتين الممتص من أجيال من مشجِّعي فريق ريد سوكس. تساءلتُ عن عدد أولئك منهم الذين توجَّهوا من الملعب بما يحتويه من الدخان ما بعد الثانوي٥٠ إلى طبيب المسالك البولية لإجراء اختبار البروستاتة. كنتُ قد اخترتُ ذلك المكان لأنه قريب من مركز دانا-فاربر، حيث كان لديَّ موعد لمقابلة فرانشيسكا ميكور Michor، التي اختِيرَت أخيرًا كواحدة من بين «الأفضل والألمع»٥١ من قِبَل مجلة إسكواير Esquire، كما وُصفت بأنها «إسحاق نيوتن البيولوجيا». حصلت ميكور على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في علم البيولوجيا التطوري، وكان عنوان أطروحتها «الديناميات التطورية للسرطان». وبعد كل الحديث عن العلوم الترجمية، كان ما أتوقع معرفة مزيد عنه الآن هو أكثر الأبحاث نظرية، التي تحظى بأهمية بالغة لفهم ظاهرة السرطان، لكنها تبعد كثيرًا عن التطبيق العيادي.
إن التباين العشوائي والانتقاء الطبيعي هما القوتان الدافعتان للسرطان وكذلك للحياة، كما كانت ميكور تدرس تلك العملية بواسطة نماذج رياضية. نحن نفكر في بازلاء مندل وعصافير داروين، لكن العلم الكَمِّي للوراثيات السكانية population genetics هو الذي جعل أفكارنا الحالية عن التطور — أيْ نظرية الاصطناع التطوري الحديث٥٢ — ترسِّخ أقدامها. كان الاعتقاد بأن التطور قد حدث بالفعل — الأمر الذي سرعان ما اتضحت معالمه — هو موضوع قائم بذاته، لكن هل يمكن لتراكم طفرات متفرقة صغيرة أن يؤدِّي حقًّا إلى ظهور أنواع جديدة، وإلى التغيرات التدريجية السلسة ظاهريًّا للتطور؟ أظهر علماء الوراثيات السكانية باستخدام معادلاتهم أن هذا الأمر ممكن الحدوث، وبحلول ثلاثينيات العقد العشرين كانت نظرية الاصطناع الحديث قد ترسَّخت جذورُها. ومن خلال تطبيق المنهج الإحصائي على السرطان، اكتشف الباحثون في عقد الخمسينيات بعض القرائن المبكرة٥٣ على أن الأورام، مثل المخلوقات الأرضية، تتطور أيضًا عن طريق تراكم الطفرات.
وبينما كانت تجلس في مكتبها، وصفت ميكور كيف يدرك علماء البيولوجيا التطورية والرياضيات بعض الخصائص المميزة للسرطان. تُمكِّننا الثورة الجارية في السَّلْسَلَة الجينية genetic sequencing من قراءة القائمة الطويلة من التغيرات التي تحدث في الخلايا السرطانية، بل حتى تحميلها على شبكة الإنترنت. لقد اندهش العلماء من الحجم الهائل للأرقام، الذي قد يصل إلى الآلاف. وعلى أيِّ حال، فمن المرجَّح ألا يكون معظم هذه أكثر من طفرات «متطفلة» hitchhiker أو «راكبة» passenger.٥٤ إن الخلية السرطانية هي خلية تتطافر بعنف خارج عن السيطرة، لكن العديد من الطفرات لا تُسهم بشيء في تطور الوَرَم، لكنها تُنقَل ببساطة إلى الجيل التالي. ويتمثل التحدي هنا في غربلتها جميعًا ومن ثَم تحديد الطفرات الموجَّهة. كان مُختبَر ميكور يعمل على نموذج لتطور السرطان، والذي تأمل في أن يساعد في تحقيق ذلك، كما كانت تدرس الأورام في مراحل مختلفة من تطورها وتحاول معرفة ترتيب وقوع الطفرات.٥٥ هل تتعرض الجينات الوَرَمية للطفرات قبل كابتات الأورام، أم أن العكس هو الصحيح؟ ربما يسبق الخطوتين تلف جين ضروري لإصلاح الدنا DNA، أو ربما أنه لا يوجَد مسار وحيد يمكن للخلايا السرطانية أن تتبعه، بل العديد من المسارات المختلفة. قد تؤدِّي معرفة تاريخ الأورام إلى التوصل إلى علاجات أكثر فاعلية؛ فإذا كانت طفرةً معيَّنةً تميل إلى الظهور في وقت مبكر، فستكون هي الطفرة المستهدفة. وعلى الرغم من كل بريقها وجاذبيتها المجردة، فقد كانت أبحاث ميكور في معظمها تتعلق بروح البحوث الترجمية، حيث لا يبعد مصير المرضَى عن تفكيرها كثيرًا.
وفي ورقة بحثية أخرى نُشرت أخيرًا، تدبَّرَت ميكور وبعض زملائها كيف يمكن لأطباء الأورام الاستفادة من البيولوجيا التطورية لفهم الكيفية التي تتغلب بها الخلايا السرطانية بمثل هذه السرعة على العقبات٥٦ التي تُلقَى في طريقها. ووفقًا لمفهوم يُعرف باسم التوازن المنقَّط punctuated equilibrium، الذي روَّج له عنها اختصاصيَّا علم الأحافير، نايلز إلدريدج Eldredge وستيفن جاي غولد Gould، فإن الحياة لا تتطور دائمًا بخطًى ثابتة. فبعد فترات طويلة من الهدوء، قد تكون هناك هبَّات من الابتكار الوراثي؛ هل هذا هو ما يوجِّه السرطان عندما — بعد أن يظلَّ كامنًا لفترة من الوقت، يقوم فجأةً ببثِّ النقائل إلى منطقة جديدة أو يطور القدرة على مقاومة أحدث أدوية المعالجة الكيميائية؟
وكذلك تُستخدم الأفكار المستمَدَّة من الرياضيات وعلم البيولوجيا التطورية لإظهار كيف يمكن فهمُ السرطان عن طريق نظرية الألعاب game theory، التي وُضِعَت أصلًا لإيجاد استراتيجيات مُثلى للحروب. ومن بين الدروس التي تظهر أمامنا، نجد أنه سواء في ساحة المعركة وفي المحيط الحيوي، فمن المفيد أحيانًا أن يتعاون الخصوم.٥٧ وقد أشار روبرت أكسلرود Axelrod، وهو باحث في العلوم السياسية، إلى الكيفية التي يمكن بها تطبيقُ ذلك٥٨ على الخلايا السرطانية المتنافسة. يبدو أن تطور الأورام يمثل وضعًا يحصل فيه الفائز على كل شيء. مع انقسام الخلايا وتعرُّضها للطفرات، تحظى إحدى السلالات lineage باليد العليا، وتكتسب العلامات المميزة للسرطان، في حين تتساقط السلالات الأخرى على طول الطريق. يبدو ذلك كأنه خُطة قتالية غير فعَّالة على الإطلاق، ولذلك فقد اقترح أكسلرود بديلًا: قد تُطور بعض الخلايا السرطانية قدرةً على التعاون. تصوَّر خليتين تقبعان جنبًا إلى جنب. ومن خلال طفرة عفوية، يمكن للخلية الأولى أن تُنتج مادةً قويةً تحفِّز نموها الخاص. أمَّا الخلية الأخرى فتفتقر إلى تلك المقدرة، ولكنْ بسبب قربها، فهي تتعرض بدورها لتلك المادة، وبالتالي فهي تستمر بدورها في الازدهار. وفي أثناء قيامها بذلك، فقد تتعلم كيفية تصنيع منتَج مختلف تفتقر إليه الخلية الأولى. ستستمر كلتاهما الآن في الازدهار، على الأقلِّ فترة من الوقت. وفي نهاية المطاف، قد تستولي على القمة سلالةٌ ما، لكن الوَرَم يستطيع في الوقت نفسه أن يتوسع بمعدَّل لم يكُن بالإمكان تحقيقُه بخلاف ذلك.
وبعد فترة قصيرة من رحلتي إلى بوسطن، كنت أجلس لحضور عرض تقديمي وصفت فيه حركة «قِف في مواجهة السرطان» رؤيتها للبحوث الترجمية، إضافةً إلى تقديم بعض فِرَق الأحلام التابعة لها. كانت قاعة المحاضرات مملوءة، كما مُنع المتأخرون من الدخول. وجدت مكانًا للوقوف في الخلف وشاهدت شريط فيديو أُنتِج بشكل بارع، والذي صرَّحَت فيه امرأة شابة تُجري أبحاثًا على السرطان في جامعة ولاية نورث كارولينا بالشعار التالي: «لا يزداد السرطان ذكاءً،٥٩ لكننا نفعل ذلك.» لأول وهلة، بدَا ذلك خطأ بالنسبة إليَّ. فبداخل الجسم، فإن الخلايا السرطانية — المتنافسة، وربما المتعاونة — تقوم باستمرار باكتساب مواهب جديدة، فهي تطور القدرة لتحريض تولُّد الأوعية الدموية، ومقاومة الموت الخلوي المبرمَج، ومكافحة الجهاز المناعي، وكل شيء آخر يلقي به الجسم عليها.

وبمجرد أن يبدأ العلاج، فهي تتعلم مراوغة أذكى العقاقير التي أمكن للبشر اختراعُها. ولا عجب أن كان التحسُّن في معدَّلات البقاء على قيد الحياة بمثل هذا البطء. ولكن هناك حدٌّ لتعلُّم السرطان؛ ففي نهاية المطاف، سيموت إما السرطان وإما المريض نفسه، وفي كلتا الحالتَين سيتوقف المسار التطوري. وبالتالي، فإن السرطان التالي يجب أن يبدأ من نقطة الصفر.

ولكن ماذا إذا تمكَّن السرطان من التحرُّر من قيوده؟ فكرتُ في عدد صدر أخيرًا من مجلة هاربرز Harper’s Magazine. كان الغلاف يُبرز عبارة «السرطان المُعدي»، مع رسم لوحش خيال — يتألف من أجزاء من طائر، وحصان، وزاحف، وإنسان — يرقص بجنون في حين يُفصِح وجهه ذو الأسنان الناتئة عن نظرة قاتلة. كانت هذه لوحةً للفنان السريالي ماكس إرنست Ernst، التي ترافق مقال لديفيد كوامين Quammen، وهو واحد من أفضل كتَّاب الطبيعة اليوم، والذي ركز على مرض اكتُشف في منتصف تسعينيات القرن العشرين في جزيرة تسمانيا، والذي يُطلَق عليه اسم مرض الوَرَم الوجهي الشيطاني. سرعان ما اتضح أن الأورام — التي يمثِّل كلٌّ منها «كتلة قبيحة، مستديرة ومنتفخة،٦٠ مثل دُمَّل ضخم» — كانت تنتقل من أحد حيوانات الشيطان التسماني Tasmanian devil إلى الآخر. لم يكُن ذلك ناتجًا عن عدوى فيروسية. عندما يعضُّ أحد تلك المخلوقات الشرسة وجهَ آخر، يجري نقلُ الخلايا السرطانية. كان هذا سرطانًا تطور بحيث يمكنه الانتقالُ إلى مضيف آخر. ومن خلال طرق السَّلْسَلَة الجينومية، تتبَّع العلماء منذ ذلك الحين مَنشأ السرطان٦١ إلى أنثى واحدة — هي «الشيطانة الخالدة»٦٢ — التي يمكن العثورُ على الدنا الطافر الخاص بها في جميع الأورام.
ثمة سرطان مُعدٍ آخر في المملكة الحيوانية، وهو الوَرَم التناسلي الساري في الكلاب.٦٣ ومرةً أخرى، لا ينتشر هذا الوَرَم عن طريق العدوى بل عن طريق التبادل المباشر للخلايا السرطانية. وفي حيوانات الهمستر hamsters،٦٤ يمكن أن تنتقل ساركومة مختلفة عن طريق الحقن من حيوان إلى الآخر حتى يتعلم الوَرَم المتطور تنفيذ عملية الانتقال من تلقاء نفسه، كما يمكنه أيضًا أن ينتقل بين حيوانات الهمستر عن طريق البعوض.
وقد وصف كوامين ثلاث حالات وقعت في البشر — وجميعهم من المهنيين الطبيين — انزرعت فيها خلايا سرطانية من أحد المُختبَرات أو المستشفيات في أحد الجروح. وفي إحدى الحالات، أُصيبَت امرأة شابَّة، وخزت نفسها بمِحقَنة syringe في يدها، بسرطان القولون. وتُوفِّي طالب بكلية الطبِّ بسرطان نقيلي بدأ عندما وخز نفسه بعد سحب السائل من مريضة بسرطان الثدي. انتهت تلك النقائل في جسد المتلقي، ولكن ليس من المستحيل أن ينشأ السرطان في البرية، والذي تعثَّر في أحد المسارات التطورية مما سمح له في نهاية المطاف بالقفز من شخصٍ إلى آخر. وبالنسبة إلى سرطان من هذا القبيل، يمثِّل التعلُّم رحلةً ليست لها نهاية، فسيستمر في التطور في أثناء انتشاره في جميع أرجاء الأرض. وخطوةً بخطوة، فإنه يصبح أكثر ذكاءً.
١  Anne Landman, “How Breast Cancer Became Big Business,” PR Watch website, June 14, 2008.
٢  “The Show,” Stand Up to Cancer website. (There has since been a 2012 broadcast).
٣     Underground Railroad: نظام سري من طرق الهرب التي استخدمها العبيد للوصول إلى الولايات الشمالية (قبل الحرب الأهلية الأمريكية). (المترجم)
٤  مسيرات سِلما إلى مونتغمري: أدَّت المسيرات السلمية من سِلما إلى مونتغمري، فيما يُعرف أيضًا باسم «الأحد الدامي»، إلى إقرار قانون حقوق التصويت لعام ١٩٦٥م، وهو إنجاز تاريخي لحركة الحقوق المدنية الأمريكية خلال ستينيات القرن العشرين. (المترجم)
٥  “Translational Cancer Research for Basic Scientists Workshop,” American Association for Cancer Research, October 17–22, 2010, Boston, MA.
٦  Amy Harmon, “New Drugs Stir Debate on Rules of Clinical Trials,” New York Times, September 18, 2010. For more about the trial see Amy Harmon, “Target Cancer,” a series of six articles, New York Times, February 22, 2010, to January 20, 2011.
٧  نتيجةً لذلك، يُنتج الجين نسخةً مشوهةً من البروتين، والتي تمثِّل جزءًا من سبيل للنموِّ الخلوي. عادةً لا يجري تفعيلُ البروتين «براف» إلا عندما يتفاعل مع بروتين آخر اسمه «راس» (RAS)، لكن الطفرة تحرِّره من هذا التقييد. انظر: “Vemurafenib,” New Treatments, Melanoma Foundation website.
للاطِّلاع على وصف لعلاقة السرطان بتجارب الفيمورافينيب، انظر:
Paul B. Chapman et al., “Improved Survival with Vemurafenib in Melanoma with BRAF V600E Mutation,” New England Journal of Medicine 364, no. 26 (June 30, 2011): 2507–16. For a later study see Jeffrey A. Sosman et al., “Survival in BRAF V600-Mutant Advanced Melanoma Treated with Vemurafenib,” New England Journal of Medicine 366, no. 8 (2012): 707–14.
٨  Andrew Pollack, “Two New Drugs Show Promise in Slowing Advanced Melanoma,” New York Times, June 6, 2011.
٩  بلغ متوسط فترة البقيا الإجمالية ١٣٫٢ شهرًا مقابل ٩٫٦ أشهر للداكاربازين. انظر:
Paul B. Chapman et al., “Updated Overall Survival (OS) Results for BRIM-3,” 2012 ASCO Annual Meeting, Journal of Clinical Oncology 30 no. 18, suppl. (June 20, 2012): abstract 8502.
١٠  “Clinical Trial Result Information,” protocol number NO25026, January 4, 2011, Roche trials database website.
١١  Chapman, “Updated Overall Survival (OS) Results”.
١٢  Alexander Solzhenitsyn, Cancer Ward, trans. Nicholas Bethell and David Burg (New York: Farrar, Straus and Giroux, 1969), 250.
١٣  Ramin Nazarian et al., “Melanomas Acquire Resistance to B-RAF(V600E) Inhibition by RTK or N-RAS Upregulation,” Nature 468, no. 7326 (November 24, 2010): 973–77.
١٤  Fei Su et al., “RAS Mutations in Cutaneous Squamous-cell Carcinomas in Patients Treated with BRAF Inhibitors,” New England Journal of Medicine 366, no. 3 (January 19, 2012): 207–15.
١٥  في العام ٢٠١٢م، ذكرَت مجلة New England Journal of Medicine الطبية نتائجَ مشجِّعةً من تجربة تضمَّنت الدابرافينيب dabrafenib، وهو مثبِّط آخر للبروتين «براف». كان قد أُعطِي بالترافق مع التراميتينيب trametinib، الذي يثبِّط MEK، وهو إنزيم آخر في السبيل الخلوي نفسه. انظر:
Keith T. Flaherty et al., “Combined BRAF and MEK Inhibition in Melanoma with BRAF V600 Mutations,” New England Journal of Medicine (published online September 29, 2012).
١٦  Tom Curran, “Oncology as a Team Sport,” Translational Cancer Research Workshop, October 17, 2010.
١٧  G. D’Arcangelo, T. Curran, et al., “A Protein Related to Extracellular Matrix Proteins Deleted in the Mouse Mutant Reeler,” Nature 374, no. 6524 (April 20, 1995): 719–23; and G. G. Miao, T. Curran, et al., “Isolation of an Allele of Reeler by Insertional Mutagenesis,” Proceedings of the National Academy of Sciences 91, no. 23 (November 8, 1994): 11050–54.
١٨  Betsy A. Kohler et al., “Annual Report to the Nation on the Status of Cancer, 1975–2007, Featuring Tumors of the Brain and Other Nervous System,” Journal of the National Cancer Institute 103, no. 9 (May 4, 2011), 1–23, table 5.
١٩  Kohler et al., “Annual Report,” 12, table 6.
٢٠  Charles M. Rudin et al., “Treatment of Medulloblastoma with Hedgehog Pathway Inhibitor GDC-0449,” New England Journal of Medicine 361, no. 12 (September 17, 2009): 1173–78.
٢١  Rudin, “Treatment of Medulloblastoma”.
٢٢  “Medulloblastoma,” American Brain Tumor Association website (2006), 6.
٢٣  “Medulloblastoma,” 17.
٢٤  Curran, “Oncology as a Team Sport”.
٢٥  للاطِّلاع على لمحة عامة، انظر:
Ken Garber, “Hedgehog Drugs Begin to Show Results,” Journal of the National Cancer Institute 100, no. 10 (May 21, 2008): 692–97.
٢٦  ذُكرت هذه القصة في الفصل السادس من هذا الكتاب.
٢٧  Genetic Basis of Brain Development and Dysfunction, March 18–23, 200, Sagebrush Inn and Conference Center, Taos, New Mexico. The authority on hedgehog signaling was Andrew McMahon at Harvard University.
٢٨  Justyna T. Romer, T. Curran, et al., “Suppression of the Shh Pathway Using a Small Molecule Inhibitor,” Cancer Cell 6, no. 3 (September 2004): 229–40.
٢٩  Garber, “Hedgehog Drugs Begin to Show Results”.
٣٠  “Experimental Targeted Therapy Shows Early Promise Against Medulloblastomas,” St. Jude Children’s Research Hospital website, June 5, 2010.
٣١  “FDA Approval for Vismodegib,” National Cancer Institute website.
٣٢     Scrabble: لعبة مشهورة يكوِّن اللاعبون فيها كلماتٍ من الحروف حيث يكون لكل حرف قيمة تجري إضافتُها وتُستخدَم لإحراز اللعبة. (المترجم)
٣٣  للتعرُّف على طريقة لتفسير الأسماء الجنيسة للأدوية، انظر:
“USAN Stem List,” American Medical Association website.
٣٤     United States Adopted Names Council.
٣٥  José Baselga, keynote (untitled), Translational Cancer Research Workshop, Boston, October 17, 2010.
٣٦     monoclonal antibody.
٣٧  Ion Niculescu-Duvaz, “Trastuzumab Emtansine, an Antibody-drug Conjugate for the Treatment of HER2+ Metastatic Breast Cancer,” Current Opinion in Molecular Therapeutics 12, no. 3 (June 2010): 350–60.
٣٨  Cormac Sheridan, “Pertuzumab to Bolster Roche/Genentech’s Breast Cancer Franchise?” Nature Biotechnology 29, no. 10 (October 13, 2011): 856–58.
٣٩  “FDA Approval for Pertuzumab,” National Cancer Institute website, June 11, 2012.
٤٠  Robert Weisman, “Limits on Test Drugs Add to Patients’ Ordeals,” Boston Globe, January 5, 2011.
٤١  Martin de Sa’Pinto and Katie Reid, “FDA Puts Brakes on Roche, ImmunoGen Cancer Drug,” Reuters, August 27, 2010.
٤٢  حدث ذلك بتاريخ ٦ ديسمبر ٢٠١١م.
٤٣  Media release, June 3, 2012, Roche website. Also see Lisa Hutchinson, “From ASCO—Breast Cancer: EMILIA Trial Offers Hope,” Nature Reviews Clinical Oncology 9, no. 8 (August 1, 2012): 430.
وُوفِق عليه من قِبَل إدارة الدواء والغذاء بتاريخ ٢٢ فبراير ٢٠١٣م، ويجري تسويقُه تحت اسم كادسيلا Kadcyla.
٤٤  Barbara Ehrenreich, “Welcome to Cancerland,” Harper’s Magazine, November 2001. Gayle A. Sulik, Pink Ribbon Blues: How Breast Cancer Culture Undermines Women’s Health (New York: Oxford University Press, 2011).
٤٥  لمزيد من المعلومات حول الجدل المتعلق بعلاج سرطان الثدي، انظر:
Robert A. Aronowitz, Unnatural History: Breast Cancer and American Society (Cambridge: Cambridge University Press, 2007); and David Plotkin, “Good News and Bad News About Breast Cancer,” The Atlantic, June 1998.
٤٦  P. C. Gøtzsche and M. Nielsen, “Screening for Breast Cancer with Mammography,” The Cochrane Library 4 (2009). A summary was published on the Cochrane website April 13, 2011.
٤٧  Timothy J. Wilt et al., “Radical Prostatectomy Versus Observation for Localized Prostate Cancer,” New England Journal of Medicine 367, no. 3 (2012): 203–13. Also see G. Sandblom et al., “Randomised Prostate Cancer Screening Trial: 20 Year Follow-up,” BMJ: British Medical Journal 342 (March 31, 2011): d1539.
٤٨  للاطِّلاع على لمحة عامة عن دراسات تشريح الجثث، انظر:
Richard M. Martin, “Commentary: Prostate Cancer Is Omnipresent, but Should We Screen for It?” International Journal of Epidemiology 36, no. 2 (April 1, 2007): 278–81.
٤٩  مصدر الأمثلة هو:
Gary Schwitzer, “Cheerleading, Shibboleths and Uncertainty,” a presentation on April 23, 2012, Science Writing in the Age of Denial, University of Wisconsin, Madison, WI.
جرى توفيرُ مثال المباول إلى شفايتزر من قِبَل إيفان أورانسكي، وهو المحرِّر التنفيذي لموقع Reuters Health.
٥٠     Third-hand smoke: يشير مصطلح «الدخان ما بعد الثانوي» إلى الدخان المتبقِّي من السيجارة بعد إطفائها وانقشاع دخان التبغ الثانوي من الهواء. (المترجم)
٥١  Tom Junod, “Franziska Michor Is the Isaac Newton of Biology,” Esquire, November 20, 2007.
٥٢     modern evolutionary synthesis.
٥٣  انظر، على سبيل المثال:
J. C. Fisher, “Multiple-Mutation Theory of Carcinogenesis,” Nature 181 (March 1, 1958): 651-52; P. Armitage and R. Doll, “The Age Distribution of Cancer and a Multi-stage Theory of Carcinogenesis,” British Journal of Cancer 8 (1954): 1–12; and C. O. Nordling, “A New Theory on the Cancer-inducing Mechanism,” British Journal of Cancer 7, no. 1 (March 1953): 68–72.
٥٤  Ondrej Podlaha, Franziska Michor, et al., “Evolution of the Cancer Genome,” Trends in Genetics 28, no. 4 (April 1, 2012): 155–63.
٥٥  Camille Stephan-Otto Attolini, Franziska Michor, et al., “A Mathematical Framework to Determine the Temporal Sequence of Somatic Genetic Events in Cancer,” Proceedings of the National Academy of Sciences 107, no. 41 (October 12, 2010): 17604–9.
٥٦  Podlaha, Michor, et al., “Evolution of the Cancer Genome”.
٥٧  إن الورقة البحثية الكلاسيكية هي:
R. Axelrod and W. D. Hamilton, “The Evolution of Cooperation,” Science 211, no. 4489 (March 27, 1981): 1390–96.
٥٨  Robert Axelrod, David E. Axelrod, and Kenneth J. Pienta, “Evolution of Cooperation Among Tumor Cells,” Proceedings of the National Academy of Sciences 103, no. 36 (September 5, 2006): 13474–79.
٥٩  The Stand Up to Cancer presentation was at the 2011 Annual Meeting of the American Association for Cancer Research, Orlando, FL, April 2–6. The scientist quoted is Angelique Whitehurst.
٦٠  David Quammen, “Contagious Cancer: The Evolution of a Killer,” Harper’s Magazine, April 2008.
٦١  Elizabeth P. Murchison et al., “Genome Sequencing and Analysis of the Tasmanian Devil and Its Transmissible Cancer,” Cell 148, no. 4 (February 17, 2012): 780–91.
٦٢  Ewen Callaway, “Field Narrows in Hunt for Devil Tumour Genes,” Nature, News and Comment, published online February 16, 2012.
٦٣     canine transmissible venereal tumor.
٦٤  W. G. Banfield et al., “Mosquito Transmission of a Reticulum Cell Sarcoma of Hamsters,” Science 148, no. 3674 (May 28, 1965): 1239–40.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤