الفصل الثالث عشر

احذر العدو

في يوم شتوي صافٍ، قُدت سيارتي عبر الطريق المتعرج الذي يصل إلى قمة جبل سانديا، الذي يلوح في الأفق على ارتفاع ١٠٫٦٧٨ أقدام فوق مدينة ألبوكيركي، للتمتُّع بعض الوقت في ظلال الغابة الفولاذية Steel Forest، وهي منصَّة كثيفة من هوائيات البثِّ والموجات المكروية الوامضة التي تعمل كمحور لقطاع الاتصالات بولاية نيو مكسيكو وولايات الجنوب الغربي. إن الموجات المكروية (الميكروويف microwaves) هي شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي الضعيف الذي يقبع في النصف السفلي من الطيف، أعلى بقليل من موجات البثِّ الإذاعي وأدنى من الموجات الحرارية وألوان الضوء. وبسبب الحجم الصغير للموجات — إذ يتراوح عرضُها بين نِصف بوصة وقدم — فهي تتركز بسهولة في صورة حُزَم بواسطة الهوائيات الطبقية، وتُستخدَم لنقل البرامج التلفازية، والمكالمات الهاتفية البعيدة المدى، وغيرها من المعلومات، من برج إلى برج، وصولًا إلى الأقمار الصناعية التي تدور في السماء.
تنقل الهواتفُ الخلوية وأجهزةُ الإنترنت اللاسلكية الموجاتِ المكرويةَ وتلتقطها أيضًا، كما أن مدينة سانتا قد أصبحَت في الآونة الأخيرة نقطة التقاء للأشخاص الذين يؤمنون بأن هذه الانبعاثات تسبِّب أورام الدماغ وأمراضًا أخرى، وقد أدلَوا بشهاداتهم في العديد من جلسات الاستماع في محاولة لحظر الاتصالات اللاسلكية في المكتبة العامة وقاعة مجلس المدينة. وهم يعارضون كل تصريح جديد لبناء برج للهواتف الخلوية، حتى الصغيرة منها، التي تُركَّب في أبراج الكنائس، والتي لا يمكن لأحد أن يراها، غيرَ أنهم يعلمون بوجودها بسبب انبعاثاتها، أو هكذا كانوا يعتقدون. قاضَى أحد سكان سانتا الساكنة المجاورة له بدعوى تسميمه عن بُعد باستخدام هاتف الآيفون iPhone الخاص بها، كما أن فيزيائيًّا يعيش في لوس ألاموس يظهر أحيانًا في العلن وهو يرتدي قلنسوةً تشبه المزردة chain mail لحمايته. ولعلمه بأنني كنت متشككًا في أن الجرعات الضئيلة من الموجات المكروية التي يتلقاها الجمهور يُحتمَل أن تكون ضارة، فقد عرض عليَّ تحدِّيًا: «توجَّه إلى الجبل، واقضِ ساعةً أو ساعتين بين الهوائيات، وانظر فيما إذا كان الأسبرين سيشفيك من الصداع١ الذي يرجح أن يصيبك، وانظر إذا كان بوسعك النوم في تلك الليلة من دون دواء.»
بعد أن وصلت إلى القمة، تجولت في الأنحاء وافتتنتُ بالمناظر الطبيعية التي لا نهاية لها، وشاهدتُ المعروضات في متجر لبيع الهدايا وحفل زفاف صغيرًا في الهواء الطلق. وجلست لفترات طويلة من الزمن، حيث كنتُ أقرأ كتابًا عن الهستيريا الجماعية٢ والمخاوف الصحية. بدَا لي أن المخاوف المتعلقة بالهواتف الخلوية تُعَدُّ مثالًا ممتازًا على ذلك، إذ تمثِّل حالةً من الميمات memes القابلة للانتقال، وهي جوهر صلب لا يمكن اختراقُه من العلوم الشعبية، والذي ينتقل من عقل إلى عقل مع قليل من التدبُّر. وطوال الوقت، كنتُ أحمل في يدي مقياسًا للموجات المكروية كنت قد اشتريتُه للتأكد من أنني أتعرَّض لجرعة لا تقلُّ عن مِلِّي واط milliwatt واحد لكل سنتيمتر مربَّع، وهو الحدُّ الأدنى الذي وضعَته لجنة الاتصالات الاتحادية٣ لما تعتبره التعرُّض الآمن خلال فترة زمنية مقدارُها ٣٠ دقيقة (تشرق الشمس علينا بنحو ١٠٠ مِلِّي واط لكل سنتيمتر مربَّع).٤ أمَّا دُعاة مكافحة الاتصالات اللاسلكية فيتعبرون أن معيار لجنة الاتصالات الاتحادية مرتفع للغاية، وأنه أكبر بعِدَّة أضعاف مما يستطيع الدماغ أن يتحمله. وبعد ساعتين، قُدت سيارتي عائدًا إلى المنزل واستيقظتُ في صباح اليوم التالي وأنا أشعر بصحة جيدة. وبطبيعة الحال، فقد تمرُّ عقودٌ من الزمن قبل أن أعرف بما إذا كان ذلك التعرُّض قد زرع وَرَمًا في دماغي. وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك قد جرى عبر وسائل غير معروفة للعلم فقط عندما تصل إلى قمة الطيف — أيْ أقصى تردُّدات الأشعَّة فوق البنفسجية، تليها الأشعَّة السينية وأشعَّة غامَا — فقد ثبت أن الأشعَّة تكون مُسرطِنة. وكلما ارتفع التردُّد، زادت الطاقة، تناقص حجم الموجات وصارت أشدَّ قَطْعًا. ولكونها تُقاس بأجزاء المليار والترليون من المتر، فهذه هي الأشعَّة التي يمكنها أن تنحشر عبر الخلايا، وتنتزع الإلكترونات من الذرات ومن ثَم تتلف الدنا. أمَّا الأشعَّة الكليلة، مثل الموجات المكروية، فلا يمكنها أن تسبِّب الضرر إلا عن طريق هزهزة وتسخين الأنسجة، وهي الطريقة التي تغلي بها أفران الميكروويف الماء وتطهو اللحوم. غيرَ أن الهاتف الخلوي وانبعاثات الإنترنت اللاسلكية أضعف بكثير من أن تقوم حتى بذلك. وإذا كانت مسبِّبةً للسرطان، فلا بدَّ أن ذلك يحدث بطرق أكثر دهاء. يمكن للحقول الكهرومغناطيسية، والتي تشمل الموجات المكروية، أن تؤثر في حركة الجُسيمات المشحونة. وفي الكائنات الحية، تتدفق داخل الخلايا وخارجها تياراتٌ من الأيونات المشحونة — الكالسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكلوريد — وبالتالي، فربما أن تمويج rippling هذه التيارات وفقًا لإيقاع خاص يستثير سلوكًا خبيثًا على نحوٍ ما، وبالتالي يعرقل مسارًا خلويًّا حيويًّا عن طريق تضخيمه أو إخماده. من الممكن تصوُّر أن تقوم التذبذبات بكبت الجهاز المناعي أو أن تكون لها تأثيرات فوق جينية، ومن ثَم تفعيل المَثْيَلَة methylation أو ثمة تفاعل كيميائي آخر، والذي يمكنه التأثير في نواتج الجينات دون إحداث طفرات مباشرة في الدنا.
لكن كل ذلك لا يعدو كونه تخمينًا، فليست هناك نهاية للأبحاث المُختبَرية التي تحاول استقصاء الكيفية التي يُحتمَل أن تؤثر بها الموجات على الانقسام الفتيلي، وتعبير الدنا، والوظائف الخلوية الأخرى، أو تغيير كفاءة الحاجز الدموي الدماغي، أو تعزيز المُسرطِنات المعروفة. تتسم النتائج بكونها متناقضةً وغير حاسمة.٥ وقد أظهرت إحدى الدراسات أن استقلاب الغلوكوز، وهو العملية الطبيعية التي يجري فيها تحويلُ السكر إلى طاقة بالخلايا، يكون أعلى في أجزاء معيَّنة من الدماغ عندما يكون المرء على مقربة من هوائيات الهواتف الخلوية. وأيًّا كانت الأهمية السريرية لذلك فهي غير معروفة، كما أن نتائج تلك الدراسة سرعان ما تناقضَت معها نتيجة بحث آخر وجد أن نشاط الغلوكوز قد جرى تثبيطُه. وفي عدد قليل من الدراسات — وهي القِيَم المتطرفة نفسها — أشارت النتائج إلى أن التعرُّض المُزمن للموجات المكروية قد يزيد من خطر الإصابة بالأورام في حيوانات المُختبَر. غيرَ أن التجارب التي لم تجد لها أيَّ تأثير تفوق بكثير تلك التي وجدَت تأثيرًا.
وفي مراجعة أجرَتها منظمة الصحة العالمية٦ على ما يقرب من ٢٥ ألف ورقة بحثية، لم يُعثر على أيِّ أدلة مُقنِعة على أن الموجات المكروية تسبِّب السرطان. وينعكس هذا على البيانات الوبائية؛ فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، وعلى الرغم من أن استخدام الهواتف المحمولة قد ازداد بشكل مطَّرد، فقد ظلَّ معدَّل الوقوع السنوي المعدَّل وفقًا للعمر للإصابة بأورام الدماغ الخبيثة منخفضًا للغاية٧ — ٦٫١ حالات لكل ١٠٠ ألف شخص، أو نسبة ٠٫٠٠٦ في المائة — كما تناقصَت هذه المعدَّلات خلال العقد الماضي بنسبة قليلة ولكنها مستمرة.٨ لم يمنع هذا علماء الوبائيات من استقصاء ما إذا كانت الهواتف الخلوية لا يزال لها تأثير ضئيل. جمعت الدراسة الأكثر طموحًا من بينها،٩ وهي دراسة الهاتف البيني Interphone، معلوماتٍ من خمسة آلاف مريض بأورام الدماغ في ثلاث عشرة دولة، ومن ثَم مقارنتها بمجموعة شاهدة. لم يُعثر على أيِّ علاقة١٠ بين مقدار الوقت المُستغرَق في الحديث عبر الهاتف الخلوي ووقوع الأورام الدبقية، والأورام السحائية، وأورام العصب السمعي؛ وهي الأورام التي تحدث في تلك المناطق من الرأس التي يرجَّح أن تكون أكثر تعرُّضًا لمخاطر الهواتف الخلوية. كانت هناك في الواقع علاقة سلبية بعض الشيء؛ فقد تبيَّن أن المستخدمين المنتظمين يتعرَّضون لمخاطر الإصابة بأورام الدماغ أقلَّ من الأشخاص الذين لم يستخدموا الهواتف الخلوية بالمرة. ومن منطلق رفض احتمال وجود تأثير وقائي، فسَّر مؤلفو التقرير النهائي النتيجة كضربة حظٍّ ناجمة عن بيانات غير جديرة بالاعتماد، أو تحيُّز في أخذ العينات، أو خطأ عشوائي، وكلها تعكس وجود عيب في المنهجية. وقد أشارت النتيجة المخالفة للتوقعات البديهية إلى أنه إذا كان هناك بعض التأثير، فهو من الضآلة بحيث يغرق في الضوضاء الإحصائية.
كانت دراسة الهاتف البيني دراسةً استعادية، والتي تعتمد على الذاكرة، مثل البحث الذي دفع العلماء إلى الاعتقاد لفترة من الزمن بأن تناوُل الفواكه والخضراوات يمكنه أن يقلِّل من وقوع السرطان بدرجة كبيرة. وعلى أيِّ حال، فقد كان هناك سبب آخر، والذي حال دون قبول النتائج باعتبارها حاسمة. لم تجد الدراسة أيَّ علامة على وجود علاقة بين الجرعة والاستجابة، حيث يزداد خطر الإصابة بالسرطان بشكل مطَّرد وفقًا لعدد الساعات التي يقضيها المرء على الهاتف. ولكن بالنسبة إلى العشرة في المائة من الأشخاص الذين ذكروا أعلى معدَّلات للاستخدام، بدَا أن خطر الإصابة بالأورام الدبقية قد ارتفع فجأةً من صفر إلى ٤٠ في المائة. يبلغ احتمال تشخيص المرء بهذا السرطان،١١ وهو الأكثر شيوعًا من جميع الأورام الدماغية، نحو ٠٫٠٠٥٧ في المائة. ومن شأن زيادة قدرُها ٤٠ في المائة أن تصل به إلى ٠٫٠٠٨ في المائة. كان هناك ارتفاع مماثل، لكنه أقل، في وقوع الأورام الأخرى. وقد فُسِّرت هذه الزيادات بدورها من قِبَل المؤلِّفين باعتبارها نتيجةً لخطأ منهجي. ذكر بعض المشاركين قضاء أوقات طويلة بشكل غريب في التحدث عبر الهواتف الخلوية، والتي بلغت اثنتي عشرة ساعةً يوميًّا، وأن ذلك ربما أدَّى إلى تحريف النتائج.
ربما أن الأشخاص المصابين بسرطان الدماغ، في معرض تلهُّفهم للحصول على تفسير، قد بالغوا في تقدير شدة إدمانهم على استخدام الهواتف الخلوية. ربما تعطَّلَت ذاكرتهم أو اختلَّ منطقهم بفعل الوَرَم. وعلى أيِّ حال، فقد درس بحث أجراه لاحقًا المعهد الوطني للسرطان١٢ الأورام الدبقية، فلم يجد أيَّ إشارة تدلُّ على أن معدَّلات الإصابة بها قد تزايدت مع تحوُّل الهواتف الخلوية إلى جزء موجود في كل نواحي الحياة. أُصيبَ العديدُ من علماء الوبائيات بالدهشة عندما قرَّرَت الوكالة الدولية لبحوث السرطان أنه كان لا يزال هناك ما يكفي من عدم اليقين لإضافة الموجات المكروية١٣ إلى القائمة الطويلة من المُسرطِنات، والتي لم تقترب حتى من كونها تستحقُّ المتابعة.
قد نحصل على مزيد من الإجابات من دراسة استطلاعية تتسم تقريبًا بمثل طموح المشروع EPIC حول التغذية والسرطان، وهي الدراسة «كوزموس»١٤   COSMOS (اختصار الدراسة الأترابية حول العلاقة بين استخدام الهواتف المحمولة والصحة)، والتي تنطوي على مراقبة ٢٥٠ ألف متطوع من مستخدمي الهواتف الخلوية لمدَّة ٢٠ إلى ٣٠ سنة، وهو وقتٌ كافٍ بالتأكيد لاكتشاف الآثار المتأخرة. غيرَ أنه حتى عندما يجري الانتهاءُ منها بعد عقود من الزمن، فلن يعتبر الجميع أن هذه المسألة قد حُلَّت. لا يستطيع أحد حتى الآن أن يقول صراحةً إن خطوط الطاقة الكهربائية لا تزيد قليلًا من خطر ابيضاض الدم في مرحلة الطفولة، وهي فرضية جرى التشكيكُ فيها على نطاق واسع١٥ منذ أكثر من ثلاثة عقود. تتسم انبعاثات خطوط الكهرباء بكونها أضعفَ بعِدَّة مرات من تلك التي تبثُّها الموجات المكروية، غير أن أطوالها الموجية wavelength هائلة. وفي حين الموجات المكروية التي يشعر الناس بالقلق بشأنها تُقاس بالبوصة، كما تُقاس موجات البثِّ الإذاعي بالأقدام، والتي تصل إلى مئات الأقدام في محطات تضمين السعة AM ذات التردُّدات الدنيا، نجد أن خطوط الطاقة ذات التردُّد البالغ ٦٠ هيرتز تزيد في العرض على ٣ آلاف ميل. ومن خلال التفافها حول الأحياء السكنية، فبوسعها إحداثُ تيارات ضعيفة في أيٍّ كان ما تعبره، بما في ذلك الخلايا البشرية. ولم تُكتشَف أيُّ وسيلة للكيفية التي يمكن أن يسبِّب بها ذلك حدوث السرطان. وعلى مرِّ السنين، لم تفرز معظم الدراسات الوبائية أيَّ دليل على وجود خطر، ولكن هناك دائمًا عددًا قليلًا من الحالات الشاذة التي تُشير إلى خلاف ذلك.
وفي بعض الأحيان، يبدو الأمر كأننا ندور في حلقة مفرغة، يتملكنا هاجس العثور على أسباب حيث قد لا يكون هناك أيٌّ منها. وقد قدَّر روبرت فينبرغ Weinberg ذات مرة١٦ أنه في كل ثانية، تنقسم ٤ ملايين خلية في جسمنا، ومن ثَم تنسخ الدنا خاصتها. ومع كل انقسام، هناك عيوب. وهذه هي طبيعة العيش في كون تُهيمن عليه الإنتروبيا؛ أيْ ميل النظام الطبيعي لأن يفسح المجال أمام الفوضى. وإذا عشنا لفترة كافية، كما أشار إليه فينبرغ، فلا بدَّ أن نُصاب جميعًا بالسرطان في نهاية المطاف.١٧ بيدَ أن هذا لا يعني أننا لا نستطيع، حتى ولو بشكل متواضع فحسب، تقليل احتمالات إصابتنا بالسرطان قبل أن يودي بحياتنا شيء آخر.
بيدَ أن الأخطاء الجينية تُعَدُّ أمرًا لا مفرَّ منه، بل ضروري من أجل أن نتطور. يحدث التطور عن طريق التنوع والانتقاء العشوائيَّين، أمَّا الطفرات فهي بمثابة الطحين للمطحنة. وعلى طول الطريق، طورت الخلايا القدرة على تحديد الدنا التالف وإصلاحه، ولكن إذا كانت الآليَّة لا تنطوي على أيِّ أخطاء فسيتوقف التطور. من المرجَّح أن تتمثل المقايضة هنا في مقدار العتبة threshold المؤدِّية إلى السرطان.
أمَّا روبرت أوستن Austin، وهو اختصاصيُّ الفيزياء الحيوية بجامعة برينستون، فيذهب إلى أبعد من ذلك للمجادلة بأن السرطان موجود «عن قصد»،١٨ أيْ إنه استجابة طبيعية تواجه بها الكائنات الحية الكَرْب stress. عندما تُحرم البكتيريا من المغذِّيات، فإنها تبدأ في التكاثر والتطافر بجنون، كأنها تحاول أن تطور مهاراتٍ جديدةً للبقاء على قيد الحياة. وإذا كان مصدر الكَرْب مضادًّا حيويًّا، فقد يكون التكيُّف الناجح هو صنع ترياق لذلك السُّم أو تسريع الوتيرة التي يمكن للبكتيريا بواسطتها الفرار. وكما أشار إليه أوستن، فإن خلايا الكائن الحي ربما كانت تفعل الشيء نفسه؛١٩ فعندما تتقطع بها السُّبُل تحاول شقَّ طريقها٢٠ بواسطة الطفرات من أجل الابتعاد عن المتاعب، حتى لو كان ذلك يُعرِّض بقية الجسم للخطر. قد لا تتمثل أفضل استجابة في ردِّ الصاع صاعَين للمعالجة الكيميائية والإشعاعية، ومن ثَم زيادة الكَرْب، بل الحفاظ بصورةٍ ما على الخلايا المندفعة — أي الوَرَم — في حالة هامدة يمكن التعايشُ معها.
يُذكَر أن أوستن هو واحد من عشرات العلماء الذين تلقَّوا تمويلًا من المعهد الوطني للسرطان كجزء من محاولة لكسر جمود برنامج «الحرب على السرطان» عن طريق استيراد أفكار من خارج القنوات المعتادة. أمَّا فرانشيسكا ميكور Michor، وهي عالمة البيولوجيا التطورية التي التقيتُها في بوسطن، فهي تمثِّل بدورها جزءًا من هذا المسعى. وفي المُختبَرات الأخرى، يحاول الفيزيائيون والمهندسون إثبات أفكارهم عن طريق دراسة القُوى الميكانيكية٢١ المكتنفة عندما تنمو الخلايا السرطانية وتنقسم، ومن ثَم تنتقل عن طريق الدم. وبدلًا من التحدث بلغة الكيمياء الحيوية، فهم يستخدمون مصطلحاتٍ مثل «المرانة» elasticity، و«السرعة الترجمية والزاوية»، و«إجهاد القص»، كأنهم يصفون قواربَ تغادر المرسى للإبحار في مجرى النهر. ويعكف علماء الرياضيات على دراسة الخلايا على مستوًى مختلف من التجريد٢٢ — باعتبارها أجهزة اتصالات — باستخدام الأفكار نفسها المُستمَدَّة من نظرية المعلومات التي يمكن تطبيقُها عند تحليل إشارات الراديو أو خطوط النقل الهاتفي. ربما أنه يمكن التفكيرُ في الخلايا باعتبارها مولِّداتٍ للذبذبات oscillators٢٣ مثل الشوكة الرنانة. يمكن التعرُّفُ على تلك الخبيثة من خلال توافقياتها harmonics المتنافرة، أي الحلقة الخاصة بها. وإذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هناك طريقة لإعادة توليفها. ويحاول كيميائي بجامعة رايس استخدام موجات الذبذبات الراديوية في قتل الخلايا السرطانية.٢٤ يجري أولًا حقنُ الخلايا بجُسيمات نانوية من الذهب أو الكربون، وبعد ذلك تدفعها موجات الراديو إلى الاهتزاز، ومن ثَم تنتُج حرارة كافية لتدمير الخلية من الداخل. تُنفَّذ تلك المشاريع بالتعاون مع أطباء الأورام، كما تنطوي على كثير من التحليلات المُختبَرية. وهناك أيضًا محاولات للعودة قليلًا إلى الوراء ومن ثَم وضع نظريات جديدة كلية حول السرطان. يمثِّل بيولوجيا الخلية cell biology علمًا مُفعَمًا بالتفاصيل، والذي ينطوي على إطار شامل كبير — هو النظرية الحديثة للتطور — لكنك لن تتفوق سوى بالتنقيب والتمحيص الدقيق لتلك الطبقات الكثيفة من المعرفة بآلاف التروس البيوكيميائية وبالطرق التي لا تُعَدُّ ولا تحصى التي يمكنها بها تكوينُ الشبكات أو أن تتكدَّس معًا. هناك نماذج للكيفية التي ترسل بها العصبونات إشاراتها، أو لكيفية ترجمة الدنا إلى بروتينات؛ لكنك كلما أمعنت النظر أكثر، ستبدو لك هذه الآليَّات أشدَّ تعقيدًا، فهي ثمرة سلسلة طويلة من الحوادث التطورية، وهو تاريخ ربما دارت أحداثه بطريقة مختلفة.
تكافئ الفيزياء النظرية أولئك الذين يقومون بالتبسيط، أي التغاضي عن التفاصيل والاستثناءات ومن ثَم شرح كل شيء باستخدام عدد قليل من الأفكار الكبرى؛ أي التجميع بدلًا من التفصيل. وفي آخر مرة رأيت فيها عالم الفيزياء النظرية والكوزمولوجيا بول ديفيز Davies، كان يتأمل فكرة البيولوجيا خارج الأرضية. وبعد ذلك بفترة، كان هو وعالم البيولوجيا الفلكية تشارلز لاينويفر Lineweaver يقلبان فكرة أن الجينوم البشري يحمل بداخل لفَّاته «عُدَّة أدوات جينية قديمة»،٢٥ وهي مهامُّ روتينية اندثرَت منذ فترة طويلة، والتي استخدمَتها الخلايا البدائية لتكوين مستعمرات، أي السلائف المبكرة للحياة المتعددة الخلايا. وكما تحدَّث ديفيز بجرأة: «إذا سافرت عبر آلة الزمن، وعدت مليار سنة إلى الوراء، فسترى العديد من كُتَل الخلايا الشبيهة بالأورام السرطانية المعاصرة.» ومع تضافر قُواها لكي تصبح وَرَمًا خبيثًا، تعيد الخلايا السرطانية تشغيل هذا البرنامج الحاسوبي التاريخي، ومن ثَم «تزحف على وقع الطبول القديمة، ملخِّصةً نمطًا للحياة يبلغ من العمر مليار سنة». وعندما تعاود الظهور في الأجيال اللاحقة تلك الصفات السابقة الهاجعة في الجينوم منذ وقت طويل — مثل أسنان الدجاج، وحوافر الخيل الثلاثية الأصابع، والذيول الآثارية في البشر — يُطلِق علماء البيولوجيا على تلك العملية اسم التأسُّل، أو الارتداد الوراثي atavism. والسرطان، كما يخمِّن ديفيز، هو ظاهرة ارتدادية. ولكونه يفكر في اتجاه آخر، أشار إلى أن التحول من خلية سليمة إلى واحدة سرطانية قد يكون ذا علاقة بفيزياء الكم. كان من المستغرب أن نرى ديفيز يتبادل الأفكار حول السرطان، والأكثر غرابةً كان دانيال هيليس Hillis، وهو عالم بالحاسوب واختصاصيٌّ في الروبوتيات، والذي يترأس فريقًا في جامعة جنوب كاليفورنيا، يُجري عمليات محاكاة حاسوبية تفصيلية٢٦ للسرطان، في صورة أورام افتراضية، يمكن استخدامُها للتنبؤ بأيِّ الأدوية يمكنه أن يعمل على نحوٍ أفضل. سمعتُ لأول مرة من هيليس عندما كان طالبًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث ساعد بناء حاسوب مجمَّع،٢٧ يمارس لعبة تيك تاك تو. وقد واصل مسيرته وافتتح شركةً تُدعى الآلات المفكِّرة Thinking Machines. وبما كان إنجازه الأشهر هو تصميمه لساعة عملاقة٢٨ جارٍ تجميعُها داخل جبل في غرب تكساس، والتي يُفترض أن تظلَّ تعمل لمدَّة ١٠ آلاف سنة، ومن ثَم تتواصل دقاتها لآلاف السنين حتى لو انقرض الجنس البشري. وفي جلسة نظَّمَها المعهد القومي للسرطان، أبلغ هيليس جمهوره المؤلَّف من أطباء الأورام٢٩ بأن الطريقة التي يقومون بها بمحاربة السرطان خاطئة تمامًا، أيْ إننا بحاجة إلى التفكير في السرطان كعملية، وليس كشيء. فالجسم لا يُصاب بالسرطان، بل إنه «يتسرطَن» cancering. وينبغي ألَّا يركز العلاج على مهاجمة نوع معيَّن من الأورام في عضو معيَّن، بل على النظر إلى المريض باعتباره نظامًا معقَّدًا. وفي نقطةٍ ما من تلك الشبكة المؤلَّفة من أجزاء متشابكة — الجهاز المناعي، والجهاز الصماوي، والجهاز العصبي، والجهاز الدوري — يضطرب توازن أمرٍ ما، وبالنسبة إلى كل مريض قد تكون هناك طريقة مختلفة لتصحيح ذلك الخلل. ربما بدَا ذلك لبعض المستمعين كرطانة شمولية مُفرطة، غيرَ أن هيليس يواصل استقصاء تلك الفكرة عن طريق بناء واحدة أخرى من آلاته الطموحة.٣٠ وبدلًا من الجينوم، انصبَّ تركيزه على البروتيوم proteome؛٣١ وهو جميع البروتينات الموجودة في الخلية في أيِّ لحظة بعينها. إن قراءة الجينوم تزوِّدك بتعليمات لصنع كلٍّ من الأجزاء العاملة في الخلية، أمَّا قراءة البروتيوم فتبيِّن أي الأجزاء يجري تصنيعُها في الواقع وبأيِّ كمية، أيْ إنه يمثِّل لمحةً عن حالة النظام.
ظلَّ العلماء يعملون لسنوات على رسم خريطة البروتيوم،٣٢ وهي مهمَّة هائلة تنطوي على استخدام تقنيات مُختبَرية مثل الاستشراب السائل liquid chromatography وقياس الطيف الكُتلي mass spectrometry. وبالتعاون مع ديفيد أغوس Agus، وهو طبيب أورام، أنشأ هيليس شركةً تسعى إلى أتمتة تلك الخطوات المتعددة باستخدام خطِّ تجميع روبوتي. وعند تلقيمه بقطرة من الدم، يقوم الجهاز باستخلاص وفرز البروتينات وترتيبها بصورة تبدو مثل النجوم في السماء. يظهر كل نوع من البروتينات كبقعة مضيئة، ويبيِّن مدى سطوعه المقدار المتوافر منه. افترضْ أن لديك مريضَين اثنين أصابهما نوع السرطان نفسه، يستجيب أحدهما لدواءٍ ما ولا يستجيب الآخر. وباستخدام جهاز مثل ذلك الذي يصنعه هيليس، يمكنك أخذُ لقطات لبروتيوم كلٍّ منهما، ومن ثَم وضعُ الواحدة منها فوق الأخرى والبحثُ عن شيء مختلف. حتى لو كنتَ لا تعرف ما يعنيه هذا النمط، فبوسعك استخدامُه كعلامة لتحديد أي المريضَين سيستفيد على الأرجح من الدواء. لقد تذكَّرتُ هنرييتا ليفيت Leavitt، عالمة الفلك التي تُوفِّيت بسرطان المعدة ولكن ليس قبل أن تكتشف المتغيرات القيفاوية Cepheid variables، وهي النجوم النابضة التي يستخدمها علماء الكوزمولوجيا لقياس الكون.

بدأت ليفيت بصورتين لنفس الرقعة من السماء، على هيئة لوحتين فوتوغرافيتين من الزجاج جرى التقاطُ إحداهما بعد بضعة أسابيع من الأخرى. كانت إحدى الصورتين سالبة، حيث توهَّجَت النجوم باللون الأسود. وضعَت اللوحة فوق الأخرى، ومن ثَم حملَت الشطيرة الزجاجية ونظرَت إليها في الضوء. بدَت النجوم التي صارت أكثر سطوعًا على شكل بُقَع بيضاء أضخم مع مراكز سوداء أصغر حجمًا. وفي لوحة جرى التقاطُها بعد عِدَّة أسابيع، تقلَّصَت البقعة البيضاء إلى حجمها السابق. لم يكُن أحد يعرف حتى ذلك الوقت العوامل الفيزيائية التي تجعل النجوم تومض، لكنها تمكَّنَت من ربط هذا النمط ببُعدها عن الأرض. في بعض الأحيان، يمكن لأعيننا أن تلمح ارتباطاتٍ لا تفهمها أدمغتنا.

مع تشيُّخ السكان، فإن خطى السرطان تسبق مسيرتنا، غيرَ أنه عندما نخضع لهذه الضغوط، فإننا نصبح مثل تلك البكتيريا التي تتكاثر على نحوٍ مجنون، والتي تحدَّث عنها أوستن؛ إذ تُنتج أجسامنا توليفاتٍ من الميمات بدلًا من الجينات. تمثِّل هذه أفكارًا جديدة. قد نكون بسبيلنا إلى أن نصير أشدَّ ذكاءً من السرطان. ثمة جهود بحثية، مثل أطلس جينوم السرطان، والتي لا تنفكُّ تعلن عن اكتشافات جديدة،٣٣ والتي تركز بدقة على التفاصيل الجينية للأورام السرطانية وتفرزها إلى أنواع فرعية، والتي يُحتمَل أن يستجيب كلٌّ منها لنوع مختلف من العلاج. ومع تضاعُف المعلومات، فإن العلاجات المخصَّصة ستزداد تخصيصًا. أمَّا الأدوية المستهدفة فستصير أكثر دقةً بصورة متزايدة. عندما يجد الوَرَم طريقةً للالتفاف، ستكون أدويةٌ أخرى جاهزةً لمطاردة طفرة جديدة. وباتباع استراتيجية مختلفة، ستعمل فئة جديدة من الأدوية على إعادة تفعيل الموت الخلوي المبرمَج. ستتعلم معزِّزات الجهاز المناعي أن تميز بوضوح بين ما هو وَرَم وما هو لحم سليم. من شأن توليفة من هذه العلاجات المتقدمة أن توقف زحف السرطان — حتى السرطان النقيلي المتقدم — أو السيطرة عليه إلى أجل غير مُسمًّى كمرض مُزمن. أو ربما في غضون عشر سنوات سنقرأ عن كيف أن هذه المقاربات أيضًا قد تخلَّفَت عن الركب في سباق التسلُّح الخلوي، ومن ثَم سنُضطرُّ إلى النظر إلى السرطان بطريقة مختلفة تمامًا.
بعد نحو سنة من زيارتي له في مُختبَره في جامعة برينستون، دُعي أوستن إلى محلِّ عمل ديفيز في جامعة ولاية أريزونا لإلقاء محاضرة بعنوان «عشر أفكار مجنونة حول السرطان».٣٤ وفي نهاية المطاف أتى بخَمسٍ منها فقط، ومن بينها واحدة ترسَّخَت في ذهني بصفة خاصة، والتي كانت متعلقةً بالمتقدرات mitochondria. تذكَّرتُ دهشتي عندما علمتُ منذ سنوات أن المتقدرات، هذه الأشياء الصغيرة الموجودة بداخل خلايانا، ربما كانت بكتيريا فيما مضى،٣٥ أيْ مخلوقات منفردة صارت مُحاصَرةً بطريقة أو بأخرى. تمتلك المتقدرات الدنا الخاص بها، ويمكنها أن تتكاثر بصورة مستقلة بداخل الهيولى (السيتوبلازم). ومن خلال قدرتها على حرق الغلوكوز وقوة دورة كريبس Krebs cycle — الدينامو الكيميائي الذي يزوِّد الخلية بالطاقة — زوَّدَت هذه المُعايشات symbionts مضيفيها بميزة تطورية. وكذلك فقد اشتبه الباحثون منذ فترة طويلة في أنها تؤدِّي دورًا في السرطان.٣٦ توجَد الطفرات التي تصيب دنا المتقدرات في العديد من الأورام المختلفة. قد يكون هذا مجرَّد أضرار جانبية للفوضى التي تعتري خليةً تترنح نحو الخباثة. لكن هناك أسبابًا تدعو إلى الاعتقاد بأن المتقدرات مكتنفة في العملية بصورة أكثر مباشَرة. فمن ناحية، فهي تساعد في استهلال الموت الخلوي المبرمَج،٣٧ وهو روتين الانتحار الخلوي. وفي محاضرته عن الأفكار المجنونة، تكهَّن أوستن بأن السرطان قد يبدأ عندما تتمرد المتقدرات المُعايشة. وبسبب البلى والتمزُّق الناجمَين عن توليد الطاقة، فإنها تتعرَّض للتلف وتقذف بكميات من الجذور الحرة free radicals التي تلتهم أجزاءً أخرى من الخلية، بما في ذلك الجينوم. وبالتالي، تزداد الخلية مرضًا ويصبح الملاذ الوحيد أمامها هو تدمير نفسها. غيرَ أن المتقدرات ترفض التعاون، فهي لا تريد أن تموت. يلي ذلك حدوث مزيد من الطفرات، ومن ثَم تصير الخلية خبيثة.
ذكَّرتني الصورة التي رسمها أوستن بقصة «رياح في الباب»؛ وهي رواية رمزية من تأليف مادلين لينغل L’Engle،٣٨ والتي تتنافس فيها قُوى الخير والشر للسيطرة على الكون، وهي تتمة لرواية «تجعد في وجه الزمن»، التي اكتشفتُها عندما كنتُ صبيًّا في مكتبة مدرستي الإعدادية. كانت رواية لينغل الخيالية هي أول عهدي بفكرة التسراكت tesseract؛ وهو مكعَّب رُباعي الأبعاد. حيَّرَت الفكرة عقلي الذي ينتمي إلى الصفِّ الثامن. بيدَ أن رواية «رياح في الباب» كانت أكثر غرابة. وفي هذه المرة، كان تشارلز والاس Wallace، وهو بطل الرواية الشابُّ المبكِّر النضوج، يعاني من مرض تنكُّسي. أُصيبَت متقدراته mitochondria بجروح بالغة، وقد اكتشفَت والدته السبب، فهي اختصاصية بالميكروبيولوجيا. هناك مُعايشات بداخل المُعايشات، وهي مخلوقات خيالية تُدعى الفرندولات farandolae، والتي بدأت تتمرد، وهي تعمل بتحريض من الإيختروي Echthroi، وهم عملاء الإنتروبيا الخارقون. وخلال الانقضاض عبر الكون، فهي تدمِّر النظام من خلال ما تسميه تشينغ Xing، أيْ إلغاء أسماء الأشياء، والتهام المعلومات. أمَّا تشارلز والاس وأخته فيصدَّان أولئك الشياطين، وبعد رحلة داخل أحد المتقدرات، يجري إنقاذُ الصبي. غيرَ أنه في العالم الحقيقي، يوجَد الإيختروي معنا على الدوام، الذي ينزع التسميات، ويلغي تمايز الخلايا، ويحرِّرها لصُنع السرطان.

وفي أوائل الربيع، بعد سنة من برنامج الإبدال من أجل الحياة، وبعد عام من آخر جلسات العلاج الإشعاعي الذي تلقَّته نانسي، سافرنا إلى باتاغونيا للاحتفال. كان هناك كوخ على بحيرة في الجبال، والتي احتلَّت طوال سنوات مرتَّبة متقدمة على قائمتنا للأماكن التي نودُّ زيارتها. لم نكُن لنفوِّت هذه الفرصة. وفي كل مساء، كان يقدِّم للضيوف عشاءً فاخرًا مع مشروبات جيدة من تشيلي. كانت غرفتنا، لحسن الحظ، هي أفضل واحدة في المنزل، مع إطلالة على كلٍّ من البحيرة والشلال. غيرَ أن الفخامة لم تكُن هي المكافأة الرئيسية؛ ففي كل صباح، كنا نغادر مع مجموعة للسير لمسافات طويلة في رحلات إلى الأنهار الجليدية والجبال والبحيرات والأنهار. بدَت لي نانسي شديدة النحافة والوهن، غيرَ أنها تمكَّنَت من بلوغ النهاية القصوى لكلٍّ من رحلاتنا.

وذات ليلة، تمشينا بعد العشاء خروجًا من الكوخ، وكانت النجوم أشدَّ سطوعًا مما رأيناه في أيِّ وقت مضى. كان الأمر رائعًا وغريبًا في الوقت نفسه. كانت كوكبات النجوم غير مألوفة، وكان هناك زوج من المجرَّات القزمة يحدِّق فينا كعينين كبيرتين. استغرق الأمر دقيقةً لكي ندرك أنهما كانتا السحابتَين الماجلانيتَين Magellanic Clouds، والتي استخدمهما ماجلان في الإبحار عبر نصف الكرة الجنوبي، حيث يكون نجم الشمال North Star غير مرئي. وبداخل هذه السُّدُم المُزدانة بالنجوم، اكتشفَت ليفيت المتغيرات القيفاوية. ولو كانت عاشت قرننا، كما يخبرنا خبراء الإحصاء، لكانت احتمالات إصابتها بسرطان المعدة أقلَّ مما تعرضَت له بكثير. لكنه من المرجَّح أنه كان سيودي بحياتها أيضًا؛ بسبب أعراضه القليلة في البداية، فهو نوع آخر من تلك السرطانات التي كثيرًا ما لا تُلاحَظ حتى تبدأ في بثِّ نقائلها. ولا يمكن للمعالجة الكيميائية أو الإشعاعية سوى تعليق تقدُّمها حيث كان. وعلى الرغم من كل فهمنا للعلوم الخلوية، فلا يزال هناك الكثير من التقدم الذي يجب إحرازُه في هذا الشأن، لكنْ تظهر مفاجآت سارَّة في بعض الأحيان. لم تكُن حظوظ نانسي جيدةً أيضًا، غيرَ أنها سرعان ما استعادت حيويتها. عندما عُدنا إلى سانتا، اشترَت دراجةً جديدةً وقادَتها عبر جولة في سانتا بسنتشوري، والتي قطعَت خلالها ٥٠ مِيلًا.
وبعد كل بضعة أشهر، كانت تتوجَّه إلى مركز السرطان لإجراء فحوصات وظائف الدم. كانوا يتابعون مستوى CA-125 في دمها، وهو البروتين الذي يُستخدم كواسمة بيولوجية biomarker٣٩ تدلُّ على وجود سرطان بطانة الرحم وعِدَّة أنواع أخرى من السرطان. بيدَ أن وجود الكثير من البروتين CA-125 لا يعني بالضرورة عودة السرطان، كما أنه يمكن أن يُصاب المرء بالسرطان من دون ارتفاع مستويات البروتين CA-125. وبالتالي فهو أداة تنقصها الدقة،٤٠ غيرَ أن نانسي ظلَّت طبيعيةً على أيِّ حال. وكانوا يُجرون لها أيضًا مسحًا بالتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) بواقع مرتين في السنة، وفي كل مرة كانت خاليةً من المرض.

في السنة الخامسة بعد إصابتها بالسرطان، اشترَت نانسي حصانًا — وهو أمر أرادت أن تفعله منذ كانت طفلة — ثم حصان آخر، وفي السنة السادسة بعد السرطان، كما كانت تسميها، وقعَت في حبِّ فدَّانَين ونِصف الفدَّان من الأرض على الجانب القاصي من البلدة. كانت الأرض تضمُّ عددًا من الحظائر والإسطبلات، ويحدُّها مِيل مربَّع من الأراضي المفتوحة. كانت مُصرَّةً على ألَّا تُضيع يومًا واحدًا من مستقبل كانت قد فقدَته تقريبًا. لم تكُن تلك الأرض باهظة الثمن، كما كانت قد ورثت القليل من المال بعد وفاة والدتها بسرطان الثدي. ولذلك حصلنا على قرض عقاري آخر واشترينا الأرض، وكانت تمتطي جوادَيها هناك كلما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. كنا نُطلِق عليها اسم المزرعة.

لم أكُن من هُواة ركوب الخيل، لكنني صرتُ مهووسًا بمكافحة الأعشاب الضارَّة، والتي كانت هناك جحافل من أكثر أصنافها خُبثًا. في الحدائق الموجودة في منزلي، كنتُ أصادف عشب الكوخيا kochia في بعض الأحيان، أمَّا هنا فهو موجود في كل مكان. والأسوأ من بينها كان قريبًا لذلك العشب، وهو غازٍ آخر من السهوب الروسية،٤١ يُسمَّى الملحية الزنمية Salsola tragus، أو العُشبة المتقلبة tumbleweed. ولكونه اعتُمد على نحوٍ شاذٍّ كرمز للغرب القديم، فقد وصل إلى ولاية ساوث داكوتا لأول مرة في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر، ربما من أوكرانيا. تخيلتُه قادمًا كبذرة التصقَت بجورب أحد المهاجرين، ثم بدأت تنتشر في كل مكان. يعتقد بعض المزارعين أنه كان جزءًا من مؤامرة، ومن ثَم أُطلِق عليه اسم آخر، هو الشوك الروسي Russian thistle. وفي حقل نيفادا للاختبار، بعد أن حُظر إجراء التفجيرات النووية فوق الأرض، كانت الملحية هي أول أنماط الحياة التي عاودَت الظهور.
جرَّبتُ كل شيء للقضاء عليه باستثناء الإشعاع المؤيِّن. وفي بواكير الربيع، بدأت تلك النباتات تظهر كنجوم صغيرة ذات لون أخضر مُزرق. تعلَّمتُ أن أتعرَّف عليها على الفور، ومن ثَم استئصالها جراحيًّا بمجرفة. وعندما أصبحَت تلك المهمَّة بالغة الصعوبة، أحرقتُها باستخدام شعلة الأعشاب، ومع ذلك فقد استمرَّت في الظهور وواصلَت النمو، مكوِّنةً سيقانًا قبيحةً ذات خطوط أرجوانية وتشبه السحالي. تنمو السيقان لتصبح أجمةً متشابكةً تعجُّ بآلاف البذور الشائكة، والتي قد تحتوي نبتةٌ واحدةٌ من العُشبة المتقلبة على رُبع مليون منها. اشتريتُ كتابًا عن علم الأعشاب واخترتُ أفضل المُبيدات الكيماوية؛ وهو مُبيد الأعشاب المعروف باسم حمض ٣٫٥٫٦− ثلاثي كلورو ٢− بيريدينيل أوكسي أسيتيك،٤٢ أو تريكلوبير triclopyr.٤٣ وقد قِيل إنه يتحلَّل بسرعة في التربة، وبالتالي فإن تأثيره منخفض على البيئة، وإنه انتقائي، بحيث يقتل أنواعًا مختلفةً من الأعشاب الضارَّة ولكنْ ليست الأعشاب المحلية التي نريد تعزيزها. ما عليك إلا رشُّه على النبات، وسينتقل المُبيد عن طريق اللِّحاء phloem، ويتركز في الخلايا المتكاثرة بسرعة في البارض (النسيج الإنشائي meristem). وهناك، يُعتقَد أنه يحاكي هرمونات النمو النباتية المعروفة باسم الأوكسينات auxins. وتؤدِّي هذه الخطوة المعرقلة إلى جعل السيقان الجديدة تنمو بصورة متقزِّمة ومجعَّدة، ومن ثَم يموت النبات سريعًا. يبدو النبات كأنه يتلوَّى من الألم المبرِّح. يبدو الأمر بمعالجة كيميائية في الاتجاه المعاكس، وهو ما يُحرِّض شيئًا مثل السرطان. كنتُ حريصًا خلال قيامي بالرَّش، في حال كانت التحذيرات المطبوعة ببُنط صغير مخطئةً في قولها إن التريكلوبير لا يسبِّب الطفرات في البشر أو ليس معروفًا كمادة مُسرطِنة. وهو يتحلَّل بسرعة إلى درجة أنه من غير المُعتقَد أن يؤذيَ الحياة البرية أو يلوث المياه الجوفية.
وعلى الرغم من كل هذا الجهد، واصل الشوك الروسي بزوغه بالعشرات. وعندما لم تكُن نانسي تعمل أو ترعى جوادَيها، وعندما لم أكُن أكتب، كنَّا نمشِّط كل قَدَم مُربَّعة من الأرض ونقتلع تلك الأعشاب الضارَّة من جذورها. وفي نهاية كل أسبوع، كنَّا نملأ أكياس القمامة البلاستيكية الكبيرة بالمئات منها، والتي كنتُ أحملها في سيارتي إلى مكبِّ النفايات. كنا نأمُل في اقتلاع كل واحدة منها قبل أن تتمكن من إنتاج البذور، لكسر تلك الحلقة الموجودة منذ فترة طويلة. وفي الربيع، كان بالإمكان رؤيةُ الهياكل العظمية للقتلى من أعشاب الشوك الروسي من بعيد، لكننا كنا نأمُل في الوصول إلى حالة من التوازن، أيْ إلى شيء يمكننا التحكمُ فيه. وقد تنفَّسنا الصُّعَداء عندما جاء فصل الشتاء وتوقَّف كل شيء عن النمو، وعندما أتى الربيع قمنا بمسح الأرض بقلق شديد. كانت تبدو نظيفةً في البداية، ثم بدأت النجوم الضئيلة الشريرة تظهر شيئًا فشيئًا، ومن ثَم استُؤنفت المعركة. بدأتُ ألاحظ أن الشتلات كانت تختبئ مني تحت شجيرات العرعر junipers، كما كانت تجثم بصورة غير مرئية تقريبًا بجانب أعمدة السياج والصخور. وعندما اكتشفتُ وجودها، ولم يكُن ارتفاعها يزيد على شبر واحد أو شبرَين، كان بعضها قد شرع بالفعل في إنتاج البذور، وبالتالي فقد بدأت في التكاثر خلسةً قبل أن أتمكَّن من إيقافها. بدَا أنها كانت تتكيف على وجودي، وتتطور أمام ناظريَّ.
هناك تجربة فكرية قديمة في الفيزياء، والتي تنطوي على عفريت ماكسويل Maxwell’s demon،٤٤ وهو مخلوق خيالي صغير يحاول التغلُّب على مسيرة الكون الحتمية نحو الفوضى عن طريق التقاط الجزيئات الهائمة، ومن ثَم إعادتها إلى موضعها الصحيح بحماس، فيما يشبه استبدال كل حبة رمل تسقط من قلعة متداعية من الرمال، وكذلك كان اقتلاع جميع الأعشاب من أحد المروج، أو إصلاح كل الطفرات في دنا واحدة من الخلايا. بمشقَّة، يمكن تثبيطُ الإنتروبيا، فالحياة نفسها تتكون من سُفن النظام التي تسبح ضدَّ المدِّ الإنتروبي entropic tide. وباستخدام أدواتنا وذكائنا، يمكننا تحقيقُ انتصارات صغيرة، ومن ثَم تأجيلُ الموت فترةً من الوقت. غيرَ أن المدَّ هو الذي سيسود في نهاية المطاف. ومهما بلغَت محاولاته، فسينهزم عفريت ماكسويل في نهاية المطاف. وفي نهاية المطاف، فإن العدُو — الإيختروي Echthroi — ينتصر دائمًا.
١  وصفتُ رحلتي إلى سانديا كريست والموقف في سانتافي في:
“On Top of Microwave Mountain,” Slate, April 21, 2010.
٢  Elaine Showalter, Hystories: Hysterical Epidemics and Modern Media (New York: Columbia University Press, 1997).
٣  Federal Communications Commission, “Evaluating Compliance with FCC Guidelines for Human Exposure to Radiofrequency Electromagnetic Fields,” OET Bulletin 65 (August 1997): 67.
انظر الجزء «ب» من الجدول ١ (الحد الأقصى للتعرُّض المهني هو ٥ ملِّي واط / سم٢ لمدَّة ٦ دقائق):
“Limits for Maximum Permissible Exposure (MPE),” for 1,500–100,000 Mhz.
لمزيد من المعلومات، انظر:
FCC “Questions and Answers About Biological Effects and Potential Hazards of Radiofrequency Electromagnetic Fields,” OET Bulletin 56, 4th ed. (August 1999).
يجري قياسُ التعرُّض للهاتف الخلوي أيضًا بالواط لكل كيلوغرام، وهو معدَّل امتصاص الجسم لطاقة التردُّد الراديوي.
٤  باحتساب الطاقة الواردة من ضوء الشمس لمدَّة ١٢ ساعة.
Math & Science Resources, National Aeronautics and Space Administration website.
٥  للاطِّلاع على ملخَّص عن علاقة التقنيات اللاسلكية بالصحة، انظر:
Rfcom, a website maintained by the McLaughlin Centre for Population Health Risk Assessment at the University of Ottawa.
٦  “Electromagnetic Fields, Summary of Health Effects,” WHO website.
هناك مصدر آخر، وهو:
“Cell Phones and Cancer Risk” on the National Cancer Institute website.
٧  انظر الجدول ١٫٤ من:
SEER statistics, N. Howlader et al., eds., “SEER Cancer Statistics Review,” 1975–2009 (Vintage 2009 Populations), National Cancer Institute, Bethesda, MD, based on November 2011 SEER data submission, posted to the SEER website, 2012.
٨  N. Howlader et al., eds., “SEER Cancer Statistics Review,” table 1.7.
٩  “The Interphone Study,” International Agency for Research on Cancer, World Health Organization, IARC website.
١٠  “IARC Report to the Union for International Cancer Control (UICC) on the Interphone Study,” October 3, 2011, IARC website.
١١  كان التوصُّل إلى هذا الرقم عمليةً شاقة؛ فالإحصاءات المتوافرة على الإنترنت من الدراسة SEER لا تقسِّم أورام الدماغ وفق النوع، بيدَ أن الوكالة أجرَت هذه الحسابات بناءً على طلبي (رسالة بالبريد الإلكتروني إلى المؤلِّف من ريك بورشيلت Borchelt، من العلاقات الإعلامية بالمعهد الوطني للسرطان، ١٢ يوليو ٢٠١٢م). لتقدير أقلَّ إلى حدٍّ ما، انظر:
table 1 of Judith A. Schwartzbaum et al., “Epidemiology and Molecular Pathology of Glioma,” Nature Clinical Practice Neurology 2, no. 9 (2006): 494–503.
وبإضافة معدَّلات وقوع الأنواع المختلفة من الوَرَم الدبقي، تصل النسبة إلى ٠٫٠٠٤٩ ويقدِّر المقال أيضًا أن ٧٧ في المائة من أورام الدماغ الأوَّليَّة الخبيثة هي أورام دبقية. ومن خلال ضرب معدَّل الوقوع الذي أوردَته الدراسة SEER لجميع الاورام الدبقية، وهو ٠٫٠٠٦١، في نسبة ٠٫٧٧ سنحصل على قيمة مختلفة قليلًا، هي ٠٫٠٠٤٧.
١٢  M. P. Little et al., “Mobile Phone Use and Glioma Risk: Comparison of Epidemiological Study Results with Incidence Trends in the United States,” BMJ: British Medical Journal 344 (March 8, 2012): e1147.
١٣  “IARC Classifies Radiofrequency Electromagnetic Fields as Possibly Carcinogenic to Humans,” May 31, 2011, IARC website. The IARC classifications are described on the agency’s website, last updated March 27, 2012.
١٤  Joachim Schüz et al., “An International Prospective Cohort Study of Mobile Phone Users and Health (Cosmos): Design Considerations and Enrollment,” Cancer Epidemiology 35, no. 1 (February 2011): 37–43.
١٥  الدراسة الأصلية حول خطوط الطاقة والسرطان هي:
Nancy Wertheimer and Ed Leeper, “Electrical Wiring Configurations and Childhood Cancer,” American Journal of Epidemiology 109, no. 3 (March 1, 1979): 273–84.
١٦  طوال العمر، يقوم جسم الإنسان بصنع نحو ١٠١٦ خلية. وإذا قسمنا تلك القيمة على عدد الثواني في عمر شخص يبلغ ٨٠ عامًا، أو ٢٫٥ × ١٠٩، سنحصل على ٤ × ١٠٦. روبرت فينبرغ، رسالة بالبريد الإلكتروني إلى المؤلِّف بتاريخ ٨ نوفمبر ٢٠١٠م. وفي كتابة «بيولوجية السرطان»، صفحة ٤٣، قدَّر القيمة الأُسِّية للخلايا بنحو ١٠ ملايين.
١٧  مقابلة مع روبرت فينبرغ:
Interview with Robert Weinberg, August 18, 2010, Whitehead Institute, Boston, MA.
١٨  مقابلة مع روبرت أوستن في ٢١ أكتوبر ٢٠١٠م، جامعة برينستون. وقد توسَّع في شرح هذه الفكرة في ورشة العمل الأولى التي نظمها برنامج العلوم الفيزيائية في علم الأورام التابع للمعهد الوطني للسرطان:
“Integrating and Leveraging the Physical Sciences to Open a New Frontier in Oncology,” February 26–28, 2008, Arlington, VA.
١٩  Guillaume Lambert, Robert H. Austin, et al., “An Analogy Between the Evolution of Drug Resistance in Bacterial Communities and Malignant Tissues,” Nature Reviews Cancer 11, no. 5 (April 21, 2011): 375–82.
٢٠  يُطلَق على البرنامج اسم «العلوم الفيزيائية في علم الأورام». انظر:
Franziska Michor et al., “What Does Physics Have to Do with Cancer?” Nature Reviews Cancer 11, no. 9 (August 18, 2011): 657–70; and Paul Davies, “Rethinking Cancer,” Physics World (June 2010): 28–33.
٢١  Denis Wirtz, Konstantinos Konstantopoulos, and Peter C. Searson, “The Physics of Cancer: The Role of Physical Interactions and Mechanical Forces in Metastasis,” Nature Reviews Cancer 11, no. 7 (June 24, 2011): 512–22.
٢٢  كان ذلك موضوع ورشة العمل:
Third Physical Sciences in Oncology Workshop, “The Coding, Decoding, Transfer, and Translation of Information in Cancer,” October 29–31, 2008, Arlington, VA.
٢٣  Donald Coffey, First Physical Sciences in Oncology Workshop, “Integrating and Leveraging the Physical Sciences”.
٢٤  Mustafa Raoof and Steven A. Curley, “Non-Invasive Radiofrequency-Induced Targeted Hyperthermia for the Treatment of Hepatocellular Carcinoma,” International Journal of Hepatology 2011 (2011): 1–6.
٢٥  Paul Davies, “Cancer: The Beat of an Ancient Drum?” The Guardian, April 25, 2011. For a fuller description of the hypothesis, see P. C. W. Davies and C. H. Lineweaver, “Cancer Tumors as Metazoa 1.0: Tapping Genes of Ancient Ancestors,” Physical Biology 8, no. 1 (February 1, 2011): 015001.
٢٦  جرى وصفُ البرنامج، مثل الآخرين، على الموقع:
National Cancer Institute’s Physical Sciences in Oncology website.
٢٧  A. K. Dewdney, “A Tinkertoy Computer that Plays Tic-tac-toe,” Scientific American 261, no. 4 (October 1989): 120–23.
٢٨  موصوفة على الموقع:
Long Now Foundation website.
٢٩  Coffey, “Integrating and Leveraging the Physical Sciences”.
٣٠  موصوفة على الموقع:
Applied Proteomics website.
٣١  Interviews with Daniel Hillis, November 26, 2010, and David Agus, November 29, 2010, Los Angeles.
٣٢  انظر، على سبيل المثال:
Bonnie S. Watson et al., “Mapping the Proteome of Barrel Medic (Medicago Truncatula),” Plant Physiology 131, no. 3 (March 2003): 1104–23.
٣٣  انظر، على سبيل المثال:
“Comprehensive Molecular Portraits of Human Breast Tumours,” published online in Nature (September 23, 2012).
٣٤  Seminar at Arizona State University, September 8, 2011. A summary and video are on ASU’s Center for the Convergence of Physical Science and Cancer Biology website.
٣٥  L. Margulis, “Archaeal-eubacterial Mergers in the Origin of Eukarya: Phylogenetic Classification of Life,” Proceedings of the National Academy of Sciences 93, no. 3 (February 6, 1996): 1071–76.
٣٦  Jennifer S. Carew and Peng Huang, “Mitochondrial Defects in Cancer,” Molecular Cancer 1, no. 1 (December 9, 2002): 9; and G. Kroemer, “Mitochondria in Cancer,” Oncogene 25, no. 34 (August 7, 2006): 4630–32.
٣٧  Douglas R. Reed and John C. Green, “Mitochondria and Apoptosis,” Science 281, no. 5381 (August 28, 1998): 1309–12.
٣٨  A Wrinkle in Time (New York: Farrar, Straus and Giroux, 1962) and A Wind in the Door (New York: Farrar, Straus and Giroux, 1973).
٣٩  R. C. Bast Jr. et al., “Reactivity of a Monoclonal Antibody with Human Ovarian Carcinoma,” Journal of Clinical Investigation 68, no. 5 (November 1981): 1331–37.
٤٠  Charlie Schmidt, “CA-125: A Biomarker Put to the Test,” Journal of the National Cancer Institute 103, no. 17 (September 7, 2011): 1290–91.
٤١  James A. Young, “Tumbleweed,” Scientific American 264, no. 3 (March 1991): 82–86.
٤٢     3, 5, 6-trichloro-2-pyridinyloxyacetic acid.
٤٣  “Dow AgroSciences Garlon Family of Herbicides,” Dow AgroSciences website.
٤٤  لم أُورِد سوى وصف بالغ العمومية للتجربة الفكرية التي وضَعَها في القرن التاسع عشر جيمس كلارك ماكسويل، والتي تنطوي على فرز جزيئات الغاز الساخنة والباردة في غرفة مغلقة. وللاطِّلاع على مجموعة من المقالات حول عفريت ماكسويل والنقاش الذي أثاره، انظر:
Harvey S. Leff and Andrew F. Rex, Maxwell’s Demon: Entropy, Information, Computing (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1990).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤