الفصل الرابع

غزو سارقي الجثث

في التاسع من أكتوبر ١٨٦٨م، ثمة مريضٌ تم تعريفُه بالأسلوب المشترك بين الروايات الروسية وتقارير الحالات الطبية باسم ريتشارد ج؛ أُدخِل إلى مستشفى ملبورن وتم تشخيصُه للإصابة ﺑ «الروماتيزم والوهن».١ وبعبارة أخرى، فقد كان ضعيفًا، ويشعر بالألم في مفاصله وعضلاته. من المحتمَل أنه كان مصابًا بأيِّ نوع من الاعتلال تقريبًا. كانت توجَد تحت جلد صدره وبطنه نحو ثلاثين كتلةً «تتراوح في حجمها بين حبة الفول وبرتقالة صغيرة». كان هناك وَرَمان آخران؛ واحدٌ بين عظمَي كتفه والآخر على الجزء الداخلي من فخذه اليسرى فوق الركبة بنحو أربع بوصات. وخلال الأشهر الخمسة التالية، أُصيبَ الرجل بالهُزال، وبعد وفاته أُعِدَّت أنسجة من تلك الأورام لفحصها تحت المِجهر.
وصف الطبيب المقيم، توماس رامسدن أشوورث Ashworth، ما رآه كالتالي: «خلايا كبيرة وشفَّافة pellucid على نحوٍ جميل.» تمتلك سماتٍ مميزةً تركت انطباعًا عميقًا في ذهنه. وبسبب انتشار وعدوانية هذا السرطان، فقد استبدَّ به الفضولُ لفحص دم الرجل، ومن ثَم قام بسحْب عينةٍ منه. لقد اندهش لرؤية عدد من الخلايا العائمة بين كريات الدم الحمراء والبيضاء، والتي تبدو بالضبط مثل تلك الموجودة بداخل الأورام. كيف وصلت إلى هناك؟ لقد تم سحبُ عيِّنة الدم من وريدٍ في الساق السليمة، وليس من تلك المُصابة بوضوح بالسرطان.
لم تُحدَّد هُويَّة الوَرَم الخبيث، فلم يكُن الخبير الذي فحص هذا السرطان قد رأى واحدًا مثله قط. كان الأمر الأكثر أهميةً بالنسبة إلى تاريخ الطبِّ هو الملاحَظة النهائية في تقرير أشوورث: «إن حقيقةَ أن نشاهد في الدم خلايا متماثلةً مع خلايا السرطان نفسه قد تنزع إلى إلقاء بعض الضوء على طريقة نشوء الأورام المتعددة التي توجَد في الشخص نفسه.» لقد أخذ في اعتباره احتمال أن تكون الأورام قد نشأت عفويًّا في الدم، سواء قبل الوفاة أو بعدها. كان كثيرٌ من الأطباء يعتقدون أن السرطان ينتشر عن طريق إفراز «عصائر مرضية» morbid juices.٢ لكن أشوورث اقترح فرضيةً أكثر أصالةً؛ أن الخلايا السرطانية نفسَها قد وجدت طريقها إلى مجرى الدم، ومن ثَم زرع نفسها في أماكن بعيدة. «ثمة شيءٌ واحدٌ مؤكد، وهو أنها إذا كانت آتيةً من بنية سرطانية موجودة بالفعل، فلا بدَّ أنها مرَّت عبر القسم الأكبر من الدورة الدموية.» أيْ من الساق المعتلَّة إلى الساق السليمة، حيث كانت على استعدادٍ للنمو.
لم يحدث إلا في القرن التاسع عشر أن تمكَّن الأطباءُ من فهم السرطان كمرضٍ ينطوي على خلايا شاذة. لقد أشار أبقراط إلى «عِلَل متنقِّلة»٣ ترتحل عبر أجزاء الجسم، لكنه عزَا السرطان وغيره من الاضطرابات إلى وجود خلل في أخلاط humors الجسم الأربعة؛ الدم، والبلغم phlegm، والصفراء yellow bile، والسوداء black bile، والتي تتناغم كونيًّا مع الهواء والماء والنار والتراب، ومع الصفات الأساسية؛ وهي الحار، والجاف، والرطب، والبارد. كانت تلك هي المفصلات التي قسم على أساسها العالم. وإذا تم إنتاجُها بكميات مفرطة، فإن السوداء (وتُسمَّى أيضًا melan cholo) تتخثَّر مكوِّنةً أورامًا، وهي فكرة حَمَلها غالينوس٤ خلال العصور الوسطى.
خُفِّفت هذه القبضة المفاهيمية الخانقة في القرن السابع عشر عندما رأى رينيه ديكارت Descartes وجود ارتباط٥ بين الجهاز اللمفاوي، الذي كان قد اكتُشفت أخيرًا، وبين السرطان. مثَّل هذا تقدُّمًا عظيمًا؛ فاللمف lymph، على عكس السوداء، كان شيئًا موجودًا بالفعل ويمكن ملاحظته، لكنْ كان لا يزال أمام الأطباء كدح طويل. وعندما انحرفوا في الاتجاه الخاطئ، بدأ الأطباء وضع فرضيات مفادُها أن الأورام تتألف من اللمف الفاسد، وهو ما لا يمثل تقدُّمًا كبيرًا على فكرة السوداء المتخثِّرة. أمَّا الجرَّاح الباريسي٦ هنري فرانسوا لو دران le Dran، فقد اقترب أكثر من وجهة النظر الحديثة؛ إذ افترض في العام ١٧٥٧م أن السرطان يبدأ في موضع محدَّد، وأنه ليس مجرَّد توعُّك عام يُصيب الجسم، ومن ثَم ينتقل بصورةٍ ما عبر القنوات اللمفاوية والدم، وينتهي أحيانًا في الرئتين. كان تطوُّر هذه الفكرة بطيئًا، وفي وقتٍ لاحق، ظُنَّ أن النقائل metastases تنتقل عن طريق «تهيُّجات» ترتحل بطول جدران الأوعية اللمفاوية.٧ وقد قِيلَ حتى إن الجهاز العصبي٨ مكتنفٌ في العملية؛ حيث يقوم بإرسال إشارات إلى مواقع قاصية، ما يسبِّب تكوُّن نفس النوع من الأورام. وعن طريق تشبيه السرطان بالجُذام leprosy وداء الفيل elephantiasis،٩ كان بعضُ العلماء على يقينٍ من أنه ينتشر أيضًا من جسمٍ إلى جسم؛ أيْ إنه مرضٌ مُعْدٍ.
وبحلول أوائل القرن التاسع عشر، لاحظ الأطباءُ أن «عصير السرطان»١٠ المستخرَج من الأورام يتألف من أشكال كُروية بالغة الصغر. لكن مَيْز resolution مجاهرهم لم يكُن حادًّا بما يكفي١١ لإظهار أنهم كانوا يشاهدون في الحقيقة خلايا بيولوجية. وبفضل التحسينات التي أُدخلت على العدسات البصرية، تمكَّن يوهان مولر Müller، وهو فيزيولوجي ألماني، من تحقيق نقلة حاسمة؛ ففي كتابٍ صدر في العام ١٨٣٨م،١٢ حمل عنوان «عن طبيعة السرطان وخصائصه البنيوية، وعن تلك الأورام المَرَضيَّة التي قد يحدث الخلطُ بينها وبينه»، وضع ما يقترب من كونه نظريةً خلويةً للسرطان. لقد رأى بمِجهره أن الوَرَم يتكون من خلايا، لكنه ظنَّ أنها لم تكُن ناشئةً عن خلايا أخرى، بل عن سائل بدائي يُسمَّى المأرمة blastema،١٣ والذي يتدفَّق في جميع أنحاء الجسم. ومثل زملائه، لم يتمكن مولر من التخلُّص من الصورة المُغرية للأورام باعتبارها ضربًا من الخثرات clot.
وقد قام بالخطوة التالية تلميذ لمولر، وهو رودولف فيرخوف Virchow،١٤ والذي آمن بالقول المأثور: Omnis cellula e cellula؛ تنشأ جميع الخلايا عن خلايا أخرى، بما في ذلك تلك السرطانية، غير أنه تعثَّر عندما وصل إلى تفسير كيفية انتشار السرطان عبر الأوعية. فكر فيرخوف بعناية في احتمال أن العملية قد تنطوي على ضرب من «انتثار dissemination خلايا١٥ من الأورام نفسها»، لكنه كان أكثر تقبُّلًا لفكرة حدوث النقائل عن طريق «نقل العصائر». ظنَّ فيرخوف أيضًا أن جميع أنواع السرطان تنشأ من النسيج الضام connective tissue،١٦ والذي نعرف الآن أنه غير صحيح إلا بالنسبة إلى الساركومات، والتي تمثل نسبةً صغيرةً من الأورام. وقد ساعد الجرَّاح الألماني كارل تيرش Thiersch في دحض هذه الفكرة١٧ في ستينيات القرن التاسع عشر، حيث أظهر أن السرطانة تنشأ من الخلايا الظهارية. وللمُضي قُدُمًا، عرَض أدلةً مُختبَريةً على أن الوَرَم ينتشر عن طريق طرح خلاياه الخاصة، والتي ترتحل إلى أماكن أخرى. كان تيرش هو مصدر واحدة من أكثر الملاحظات التي صادفتُها إحباطًا حول السرطان: «إن السرطان مُتعذِّر البُرء incurable١٨ لأنه لا يمكن علاجُه؛ ويتمثل السبب في أننا لا نستطيع علاجه في أنه مرضٌ مُتعذِّر البُرء؛ لذلك، لو اتُّفق على تمكُّن المرء من علاجه، فلا بدَّ أنه لم يكُن هناك سرطان أصلًا.»

وفي معرض محاولتي لتتبُّع تدفُّق الأفكار التي أدَّت إلى ظهور النظرية الحديثة، أدهشني مدى صعوبة استخلاص الخبايا الدقيقة لما كان يعتقده أيُّ شخص بعينه، ما دام لم يعد متاحًا للإجابة على الأسئلة. بَدَا لي مستغرَبًا أنْ فكَّر الأطباءُ في السرطان باعتباره استعدادًا خبيثًا من جانب الجسم كله بدلًا من مرضٍ موضعي. غير أن السرطان كثيرًا ما لم يكُن يُلاحَظ إلا بعد أن يُظهر نفسه للقاصي والداني. تبدو فكرة العصائر المَرَضيَّة مستغرَبةً وغير مستنيرة، لكنها كانت تنطوي على سؤال حقيقي حول كيفية تمكُّن الخلايا السرطانية، خلال رحلاتها عبر مجرى الدم، من حشر نفسها عبر الشعيرات الدموية الصغيرة في الرئتين.

لا يزال الجواب غير واضح تمامًا حتى اليوم.١٩ وكما هي الحال دائمًا في مجال العلوم، فقد كان الناس يتلاعبون بالأفكار، بل وأكثر من واحدة في الوقت نفسه. ظهرت تيارات من الفرضيات من قِبَل مئات العلماء خلال مشاركتهم في ذلك النقاش البطيء. كان بديل التلخيص، والتنظيم، وإغفال الأسماء هو الغطس بمثل العمق الذي غاص إليه الطبيب الألماني ياكوب فولف Wolff. كانت أطروحته الهائلة الحجم، والمفصَّلة بشكل متقن «علم الأمراض السرطانية منذ الأزمنة الغابرة حتى الوقت الحاضر»، قد نُشرت في أربعة مجلدات بدايةً من العام ١٩٠٧م، وتضمُّ بين دفتَيها ٣٩١٤ صفحة.٢٠ وتشير مقدمة المجلَّد الأول، وهي الجزء الوحيد المُتاح باللغة الإنجليزية، إلى أن القارئ «قد يرغب أو لا يرغب في مقارنة٢١ هذا العمل بحجم كتاب التاريخ الطبيعي لمؤلِّفه بليني Pliny». مَن يدري ما هي الدُّرر النفيسة التي تقبع منسيةً هناك؟
وبحلول الوقت الذي رأى فيه توماس أشوورث ما بَدَا أنه خلايا سرطانية جائلة في الدم، كانت النظرية الحديثة للنقائل تترسخ في مكانها. أمَّا ما اكتُشف لاحقًا فهو أن تلك الخلايا المهاجرة لا تحطُّ رحالها في أيِّ مكان فحسب. وبعد دراسة مئات من حالات سرطان الثدي المميتة، لاحظ الجرَّاح الإنجليزي ستيفن باجيت Paget، في عام ١٨٨٩م، أن الأورام الخبيثة عادةً ما ترتحل إلى الكبد على الرغم من أنها كان يمكن أن تصل بنفس السهولة إلى الطِّحال.
لم يكُن انتشار النقائل، على ما يبدو، حدثًا عشوائيًّا تمامًا، والذي يُتفَق فيه أن تُحاصَر خلية سرطانية بفعل تضيُّق الشعيرات الدموية أو أيِّ انسدادات أخرى، ومن ثَم تبدأ في النمو. إنها تتطلب البيئة المناسبة. وقد تذكَّر كيفية تكاثر النباتات على ظهر الريح، وكما لاحظ: «عندما يوشك النبات على طرح البذور،٢٢ فإن بذوره تُحمَل في جميع الاتجاهات، لكنها لا تستطيع أن تعيش وأن تنمو إلا إذا وقعت على التربة الملائمة.» وقد أصبح هذا معروفًا باسم نظرية البذور والتربة للنقائل، ومفادُها أن الأنواع المختلفة من بذور السرطان تفضِّل أنسجةً مختلفةً من الجسم.
وعلى الرغم من نفاذ بصيرة باجيت، فقد استمرَّ الاعتقاد بأن الأمر لا يزيد غموضًا عن أن تصميم الأوعية الدموية هو الذي يحدِّد موضع انتشار السرطان. من الواضح أن الخصائص الميكانيكية تمثل عاملًا مهمًّا، فهناك سبيل وريدي مباشر من القولون إلى الكبد، والكبد هو الموقع الأكثر شيوعًا لاستقرار نقائل سرطان القولون. حتى لو لم تقُم أنسجة الكبد بتوفير ظروف خصبة على وجه الخصوص، فسرعان ما سيجري إغراقُها٢٣ بعدد هائل من الخلايا الخبيثة إلى درجة أن عددًا قليلًا منها قد تُتاح له الفرصة للنمو والازدهار. غير أن النقائل الأخرى يصعب تفسيرها؛ فكثيرًا ما تتوجَّه خلايا سرطان المثانة إلى الدماغ مباشرةً.٢٤
وكما أشارت إليه ملاحظات باجيت، فلا بدَّ أن تنطويَ تلك العمليةُ على أكثر من مجرَّد القُرب proximity والحظِّ المحض. في العام ١٩٨٠م أثبت إيان هارت Hart وأشعيا فيدلر Fidler٢٥ صحةَ ذلك بواسطة تجربة كلاسيكية أُجرِيَت على فئران المُختبَر. طعَّمَا أولًا graft شُدفًا من أعضاء مختلفة — الكُلى والمِبيَض والرئة — تحت جلد تلك الحيوانات أو داخل أليافها العضلية وانتَظرَا إلى أن تنبت الشعيرات الدموية، بحيث تربط الأنسجة الغريبة بمجرى الدم. وبمجرَّد أن ترسخَّت الطُّعوم في مكانها، حتى حقَنَا الفئران بخلايا الوَرَم الميلانيني التي وُسمت بالنظائر المشعَّة بحيث يمكن تتبُّع مساراتها عبر أنحاء الجسم. وعلى الرغم من أن الخلايا الخبيثة كانت لديها نسبة احتمال متساوية للوصول إلى أيٍّ من المواقع الثلاثة، فلم تنشأ السرطانات إلا في أنسجة الرئة والمِبيَض.
ثمة مقطع للفيديو، عثرتُ عليه مصادفةً،٢٦ جعل هذه الرحلات الغامضة تبدو أقلَّ تجريدًا بقليل. تحت عدسة المِجهَر، كانت حافة الوَرَم تشبه مستعمَرةً من الحشرات الضئيلة الحجم، وهي الخلايا السرطانية التي لا تهدأ. كنت أعرف أنني أشاهد عمليةً عشوائيةً طائشة، غير أنه كان من المستحيل ألَّا أعزوَ النوايا وحتى المشاعر إلى تلك الشياطين الصغيرة، والتي يتجرأ بعضُها بحذر على الابتعاد مسافةً قصيرةً عن موطنها. وبسبب تخوُّفها من غرابة المشهد، يتراجع معظمُها بسرعة إلى السلامة المتمثلة في العَيش مع القطيع. بيد أنه في بعض الأحيان، تشقُّ بعض الخلايا التي تتميز بشجاعةٍ خاصةٍ طريقَها زحفًا نحو الأوعية الدموية. تكون احتمالات وصولها إلى مواقع بعيدة للغاية قاتمة. وعندما تنفصل تمامًا عن ركيزتها، تُصاب الخلايا السويَّة بالذُّعر وتشرع في روتين من الانتحار المُبرمَج مسبقًا. تُسمَّى هذه العملية أنويكيس anoikis،٢٧ وهي مشتقَّة من كلمة يونانية بمعنى «متشرِّد». يبدو أن بعض الخلايا السرطانية تطوِّر القدرة على التغلُّب على هذه الوحدة القاتلة، غير أنه عندما تتمكن في نهاية المطاف من الوصول إلى أحد الأوعية الدموية، فإن معظمها يموت على الفور٢٨ في نهر الدم، حيث تتحطم عند الارتطام بجدار الوعاء الدموي، أو تنسحق حتى الموت في المضيق الذي يتعذَّر اجتيازُه، أو يجري استدعاؤها ومن ثَم قتلُها من قِبَل الخلايا المناعيَّة المتسلطة. يمثل هذا قدرًا هائلًا من المخاطر. لقد تبادر إلى ذهني فيلم «رحلة رائعة» Fantastic Voyage، والذي يواجه فيه فريقٌ صغيرٌ من الأطباء، في غواصة منكمشة، خطرًا تلوَ الآخر خلال استكشافهم لمجرى الدم البشري. وفكَّرت في الجهود المُضنية التي بذلها علماء البيولوجيا التجريبية للحفاظ على الخلايا على قيد الحياة في أطباق بتري petri dishes. تشير بعض الأبحاث إلى أن الخلايا السرطانية السابحة يمكنها أن تحيط نفسها بكتيبة من الصفيحات الدموية platelets (وهي الخلايا المخثِّرة للدم)، لحمايتها خلال الرحلة. أو إذا عَلِقَت داخل الشعيرات الدموية، فقد تتمكن بعضُ الخلايا السرطانية من التخلِّي عمَّا يكفي من السيتوبلازم٢٩ (الهيولى: cytoplasm) لكي تقلِّص حجمَها حتى تتمكن من المرور.
وأيًّا كانت الطريقة التي تنجو بها من الرحلة، فلا يزال يجب عليها أن تجد لها مكانًا ترسو فيه عند المَصَب. وهنا، مرةً أخرى، سيهلك معظمُها. وفي تجارب أخرى على الخلايا السرطانية الموسومة بالإشعاع، وجد الباحثون أنه بعد ٢٤ ساعة،٣٠ فإن ٠٫١ في المائة فقط تظلُّ على قيد الحياة، كما أن منها ٠٫٠١ في المائة ستواصل طريقها لتُكوِّن أورامًا. تبدو الاحتمالات مُطَمئنةً تقريبًا، لكنْ من بين جميع البذور التي يمكن لوَرَم أن يطرحها، فلا يحتاج الأمر سوى واحدة فقط لبدء سرطان آخر.
تمتلك الخلايا انتقائيةً شديدة الخصوصية حول المكان الذي تعيش فيه، إلى درجة أن العلم لا يزال يكافح لفهم النقائل السرطانية. كيف تقرِّر الخلايا الخبيثة وجهتها، وما الذي يُعتبر بالنسبة إليها تربةً مِضيافة؟ من المؤكَّد أن الأنسجة المماثلة لتلك الموجودة في الوَرَم الأصلي هي الأكثر مرغوبية، ومع ذلك فإن السرطان الذي يصيب أحدَ الثديَيْن٣١ نادرًا ما ينتقل إلى الثدي الآخر. كما أن السرطان الذي يصيب إحدى الكليتَين لا ينتشر غالبًا إلى تلك المقابلة. ووفقًا لبعض النظريات، فإن الخلايا السرطانية المتجوِّلة عبر أروقة الدورة الدموية تبحث عن عنوان معيَّن؛ أيْ «رمز بريدي» جزيئي٣٢ يحدِّد العضو الذي يُرجَّح أن تزدهر فيه. عادةً ما تكون الأورام السرطانية قادرةً على إعادة زرع نفسها، بدرجات متفاوتة من النجاح، في العديد من أنواع الأنسجة. وفي الصراع الدارويني داخل الوَرَم، قد تقوم السُّلالات lineages المختلفة بتطوير برامج وراثية محدَّدة، والتي تُعِدُّها من أجل البقاء٣٣ داخل الدماغ، أو — بدلًا من ذلك — لحياة جديدة في الرئتَين. قد يمهِّد الوَرَمُ الرئيسيُّ الطريقَ من خلال إفراز موادَّ كيميائيةٍ في الدم، تساعد على خلق عُش قبل نقيلي premetastatic niche٣٤ في اتجاه مجرى الدم، وهو موضع أكثر ملاءمةً لنمو الذرية. هناك حتى تكهُّنات بأن تلك الخلايا الرحَّالة يمكنها جلبُ تُربتها الخاصة معها٣٥ — أيْ خلايا سليمة من موطنها — والتي ستساعدها في عملية بناء المُستعمَرة.
وبمجرد وصول الخلايا السرطانية إلى مكانٍ واعد، تبدأ سلسلة جديدة كاملة من الأحداث، فهي تتبادل الإشارات مع المحليين٣٦ — أيْ خلايا الأنسجة التي ستشرع في غزوها — طلبًا لمساعدتها في الرسوِّ على الشاطئ. وإذا لم يحدث التعاون سريعًا، فقد تظلُّ الخلايا المتطفِّلة كامنةً لمدَّة أعوام أو حتى عقود قبل أن تفيق من غفوتها. وعندما تتمكن أخيرًا من بناء أول مُستعمَرة لها، سينتقل بعضُها إلى مواقع أخرى، حتى إنها قد تعود إلى الوَرَم الأم من أجل المشاركة مجدَّدًا في المعركة الدائرة في الوطن.٣٧ قد يساعد هذا البَذْر الذاتي في تفسير رجعة السرطانات التي يكون الجرَّاحون واثقين من أنهم استأصلوها بالكامل. إن انتشار النقائل — الذي قد يبدو كعملية فوضوية وعشوائية تطرح فيها الأورام خلاياها في مجرى الدم طوعًا أو كرهًا — قد تبيَّن أنه دقيقٌ بإتقانٍ وعلى نحوٍ مُرعب.
وبالإضافة إلى الدم، هناك مسار آخر يمكن للبذور اتباعه؛ من الوَرَم عبر الأوعية اللمفاوية، مع تعريف نفسها، كما فعلت مع نانسي، عندما تبدأ في التجمع داخل عُقدة لمفاوية lymph node. لا أتذكَّر أنني درستُ الجهاز اللمفاوي في المدرسة، هذه المنظومة البدائية من المجارير الشبيهة بالحشرات. ولكونها قاسيةَ القلب، فهي تقوم بتراخٍ بنزح نفايات مائية صافية من الشقوق الموجودة بين الخلايا، وهي النفايات التي تجري تصفيتُها على طول الطريق بواسطة العُقد اللمفاوية. ومن خلال دفعه وجذبه بفعل العضلات المنقبضة والضغوط التناضحية osmotic pressures، يشقُّ اللمف طريقه في نهاية المطاف إلى الدم المتدفق، حيث يتواصل مع الأوردة الموجودة في الرقبة والكتفين. لقد وجد التطورُ بطريقته الانتهازية استخدامًا آخر للقنوات اللمفاوية؛ وهو نقل الخلايا المناعيَّة التي يُطلَق عليها اسم الخلايا اللمفاوية lymphocytes، والتي تتجمع في العُقد اللمفاوية، وتتكاثر أعدادُها سريعًا عندما تواجهها أنسجة غريبة؛ البكتيريا، والفيروسات، والخلايا السرطانية، وهي الأعداء التي يجب عليها تدميرُها.
تكتسب الخلايا الخبيثة منفذًا إلى مجرى الدم عندما يكتسب الوَرَمُ القدرةَ على بدء عملية تولُّد الأوعية angiogenesis؛٣٨ أيْ إنماء أوعيته الدموية الخاصة. وقد تتعلم الأورامُ أيضًا تحريضَ عملية تولُّد الأوعية اللمفاوية lymphangiogenesis، ومن ثَم بناء وصلات إلى الجهاز اللمفاوي،٣٩ حتى إنها قد ترسل إشاراتٍ إلى عُقدة لمفاوية قريبة،٤٠ فتأمرها بإنشاء عدد أكبر من الأوعية اللمفاوية، وذلك لاستيعاب الغزو الوشيك. وبالتالي، يكون الجهاز اللمفاوي — وهو المكوِّن الرئيسي للدفاعات المناعيَّة للجسم — قد جرى تحييدُه. تتمثل أولى العلامات في وَرَم — أو كتلة — تنمو بداخل إحدى العُقد اللمفاوية، وهي الحاجز الذي يتمثل الغرض الأساسي منه في صدِّ مثل هذه الهجمات. يبدو أن هذا هو ما حدث مع نانسي؛ ولهذا السبب جلسنا، فيما كان يمكن اعتبارُه يومًا خريفيًّا رائعًا، في إحدى العيادات بالمركز الجامعي للسرطان في ألبوكيركي.
وعلى الرغم من جميع عمليات المسح الضوئي العالية التقنية والفحوص المخبرية، فقد جرى تأكيد الطبيعة الدقيقة للنقائل في جسدها بواسطة إجراء يشبه ممارسات القرون الوسطى في همجيته؛ وهو كَشط بطانة الرحم endometrial curettage، وهو تقشير بطانة الرحم، من دون مخدِّر في هذه الحالة، لأغراض التمحيص الباثولوجي. ولمساعدتها في تحمُّل الألم، فقد أُعطِيَت خافضًا للِّسان لتعضَّ عليه بأسنانها. بعد كل الانتظار، كان لا بدَّ من تنفيذ الإجراء بصورة متسرعة. كان قد جرى تحويلُنا إلى جرَّاح للأورام النسائية، وهو متخصِّص بين المتخصِّصين ونجم صاعد في مجال عمله، كان سيغادر في اليوم التالي لمدَّة أسبوعَين، ولتحديد موعد الجراحة في أسرع وقت ممكن، كان لا بدَّ أن تكون الفحوص المخبرية جاهزةً عند عودته. جاءت النتائج مؤكِّدةً لما كان الجميع الآن يشتبهون به؛ كانت خلايا الرحم تُشبه تلك التي عُثر عليها في العُقدة اللمفاوية للمنطقة الأربية groin اليمنى من ساقها.
وعلى مقياس الأهوال الطبية، كانت معرفة أنها مصابة بسرطان الرحم قد تمثل أخبارًا جيدةً نسبيًّا (كان هذا مقدار ما وصلت إليه حياتُها من تدهور بحلول ذلك الوقت). تكون الغالبية العظمى من الحالات من نوع السرطانة الشبيهة ببطانة الرحم endometrioid adenocarcinomas، وهي سرطان يصيب الخلايا الظهارية للأنسجة الغُديَّة. وعلى عكس سرطان المِبيض، فعادةً ما تُلاحَظ في مرحلة مبكرة، كما أن معدَّل البقاء على قيد الحياة لمدَّة خمس سنوات قد يصل إلى ٩٠ في المائة٤١ إذا لم يتجاوز الوَرَمُ الخبيثُ نطاقَ بطانة الرحم. فإذا حدث ذلك، تكون الاحتمالات أقل. عندما تمتدُّ النقائل إلى أقرب عُقدة لمفاوية (أي العُقد الخافرة sentinel nodes، كما يُطلَق عليها، لأنها تمثل خطَّ الدفاع الأول ضدَّ الخلايا الجانحة)، فإن احتمال البقاء على قيد الحياة قد ينخفض إلى ٤٥ في المائة. أمَّا إذا كان السرطان قد تقدَّم حتى بلغ العُقدة الأربية، كما فعل في حالة نانسي، فستنخفض النسبة إلى ١٥ في المائة. غير أن تلك الأرقام لا تمثل سوى القِيَم المتوسطة. بعث شبابُ نانسي أملًا في تحقيق نتائج أفضل من المعتاد؛ فقد كانت قويةً ويمكنها تحمُّل نظام علاجي — حيث «النظام» regime هو الكلمة المناسبة بالضبط — يماثل في عدوانيته السرطان على الأقل؛ جولات متعددة من المعالجة الكيميائية المقزِّزة، يليها الإشعاع الحارق. بيد أن الجراحة ستأتي أولًا متمثلةً، بطبيعة الحال، في استئصال الرحم hysterectomy، وإزالة «تشريح» الغُدد اللمفاوية المُشتبَه فيها. كذلك فإن الجراحة تكون استكشافيةً بهدف تحديد واستئصال أيِّ أنسجة أخرى قد يكون السرطان غزاها.
تقرَّر إجراءُ العملية في أوائل نوفمبر، وهو ما زالت تفصلنا عنه أسابيع. كان لدينا كل هذا الوقت لتخيُّل الخلايا وهي تواصل التكاثر، ومن ثَم تجريب توليفات جديدة من الطفرات. ذهبنا إلى مُحامٍ لإعداد وصايا الأحياء living will والتوكيلات الطبية اللازمة. وقد طار الأخ الأصغر لنانسي من الساحل الشرقي لكي يكون معنا. وفي إحدى الليالي، وقبل وقت قصير من الجراحة، كنا نجلس معًا في أحد المطاعم التايلاندية (كم غريبة هي التفاصيل التي يتذكرها المرء)، ونتظاهر بأننا مستمتعون بالعشاء. وخلال تناول الوجبة، ذكرَت نانسي أنها لاحظَت في ذلك اليوم وجود تورُّم في العُقدة الأربية لساقها اليسرى، وهي السليمة. عندما أتذكر ذلك الآن، تخطر على ذهني تلك الدراسة التي كتبها توماس أشوورث في العام ١٨٦٨م؛ كان هناك شيءٌ واحدٌ مؤكَّد. من خلال الانتقال عبر جهازها اللمفاوي، كانت الخلايا السرطانية قد وصلَت إلى الجانب الآخر من جسدها، وأنها وجدت هناك تُربةً مِضيافة.
وخلال دراستي للنقائل، فكرت في السنوات التي مرَّت قبل إصابتها بالسرطان، عندما عملتُ أنا ونانسي بكل اجتهاد على تحويل بقعة من الأعشاب الضارة الجافة تتناثر فيها النفايات — أي الفِناء الخلفي لمنزلنا — إلى حديقة جافة،٤٢ وليس حديقة صخرية (zeroscape) — مثل تلك التكوينات الغريبة من الحصى والصبار التي يراها المرء في فينيكس أو لاس فيغاس — بل شيءٌ أقرب إلى مروج المرتفعات الجافة. بدأنا بقطعة صغيرة واحدة، وعمدنا إلى تطهيرها من الأجمات ومن ثَم نثر حزمة من بذور الزهور البرية من نوع «جمال يفوق التصوُّر» Beauty Beyond Belief،٤٣ وهو مزيجٌ يُوصَى بزراعته في شمال نيو مكسيكو.
كانت هناك بذورٌ لنباتات نجميَّة كولورادو Colorado aster، وحقول الذهب، والترمس العصاري arroyo lupine، والترمس الصحراوي، والقطيفة marigold الصحراوية، وخشخاش كاليفورنيا، والألوسن alyssum، وعينَي الرضيع الزرقاء، ونَفَس الرضيع، والمُخمَل، وسوزان السوداء العينين، والأندلسية candytuft، واللخنيس catchfly، وزهرة الحوض columbine، والردبكية coneflower الأرجوانية، والردبكية الصفراء، والبقية coreopsis، والقسموس cosmos، والأقحوان daisy الأفريقي، وأقحوان شاستا، والكتَّان flax الأزرق، والكتان القرمزي، وإكليل الجبل، والناعورة gaillardia، والعايق larkspur، والترمس الحولي، والقبعة المكسيكية، وبنسطمون penstemon جبال الروكي، والخشخاش المنثور corn poppy، وقرنفل ويليام الحلو، والمنثور الأصفر wallflower. نثرناها في التراب ومن ثَم تركنا الطبيعة تأخذ مجراها.
وعندما جاءت الأمطار، كان من الواضح أن كل ما كنا سنحصل عليه هو نباتات الكتَّان الأزرق، والردبكية، والقبعة المكسيكية، والتي غمرت الحديقة ووجدت لها على مرِّ السنين مواضعَ ملائمةً في جميع أنحاء أرضنا غير المنتظمة الشكل، والتي تبلغ مساحتها رُبع فدَّان. تزاوجت نباتات الردبكية الصفراء والقبعة المكسيكية، وكلتاهما من جنس النجميات Ratibida، لتشكيل نباتات هجينة لا تزال تظهر في كل موسم. وفي صباح كل يوم سبت، كنا نعود إلى المنزل من مشتل الزهور محمَّلَين بشتلات من الزهور البرية الجديدة لتجربتها. وعلى الرغم من جميع جهودنا، كان بعضُها يموت بعد فترة قصيرة من زرعها، لكن تلك التي تنجو كانت تطرح بذورها في الخريف. كانت الرياح تأتي، ثم الأمطار، وعندها كنا نجد بنسطمون جبال الروكي وبنسطمون ورق الصنوبر الأحمر في أماكن جديدة مثيرة للدهشة، كانت تنمو وتزدهر هناك بطريقة لم تكُن تفعلها مطلقًا عندما كنا نحن مَن يختار موضع نموِّها.
كانت بعض الزهور البرية التي تستوطن السفوح التي كنا نعيش فيها تزدهر بطول ممرات السير. ومع ذلك، فقد كانت زراعتها شِبهَ مستحيلة؛ كانت هناك الغشائية الفضيَّة Hymenoxys argentea بأوراقها الفضيَّة وزهورها الصفراء، ونباتات القبس القزمة Phlox nana التي تُعرف محليًّا باسم قَبس سانتافي، والتي تُزهر زهورًا بنفسجيةً صغيرة. لم يتمكَّن أحد المشاتل المحلية من استزراع سوى عدد قليل فحسب من تلك النباتات، ومن ثَم كانت هناك قائمة انتظار كل ربيع. استغرق الأمر سنواتٍ من التجربة والخطأ حتى وجدت نباتاتُ القبس أخيرًا موضعًا ملائمًا، تظلِّله شجرة صنوبر، حيث تكرَّمت بالنمو. درسَت نانسي علم البيولوجيا في الجامعة، وكانت تشرح لي كيف تبدأ أوراقُ الزهور البرية في التغيُّر عند طرفها في الشكل واللون تدريجيًّا، حتى تتفتح براعمُها في أحد الأيام، ولم يخطُر على بالي مطلقًا أن الخلايا الخضراء نفسها التي تشكِّل الورقة كانت تتمايز إلى بتلات petals ملوَّنة، تتبدل الجينات دخولًا وخروجًا، مسترشدةً بإشارات من ضوء الشمس، ودرجة الحرارة، والرطوبة، وأيًّا كانت المحفِّزات التي تُخبر النبات بأن الوقت قد حان لكي يُزهر. من الممكن أن يحدث التمايز والنماء بسرعةٍ مذهلة.
أمَّا النباتات التي تتكيف بسهولة أكبر بكثير فهي الحشائش. بعد أول مطر صيفي شهدناه في سانتافي، فإن السجادة الخضراء المُزرقَّة التي رحَّبنا بوجودها باعتبارها غطاءً أرضيًّا من النباتات الواطنة، تحولت إلى شتلات من القضقاض kochia، وهو عضو من فصيلة رُكَب الجمل goosefoot التي نشأت في المناخ القاسي للسهوب الروسية. وعلى الرغم من كل جفافها، لا بدَّ أن نيومكسيكو تبدو لهذا النبات المهاجر كأنها جنةٌ استوائية. سرعان ما تُزهر هذه النباتات الصغيرة، متحولةً إلى حشائش طويلة قبيحة المنظر.
ثمة دخيل بغيض آخر من أوراسيا، وهو نبات لحية التيس الغربي western salsify، والذي ظننَّا في البداية أنه ليس أسوأ من مجرَّد صيغة أكبر من نباتات الهندباء الأمريكية American dandelion، لكننا تعلَّمنا الحقيقة سريعًا. في صباح أحد الأيام، كنُا نُري حدائقنا الوليدة لجارتنا فيفيان عندما رصدت واحدةً من هذه الأعشاب الضارة، والتي كان طولها يزيد على قدم واحدة، مع برعم يُشبه القرن ناتئ للخارج، والذي يوشك على التفتُّح إلى زهرة. زعقت فيفيان بصورة ميلودرامية واجتثته من جذوره، ونصحتنا بقتل كل واحد نجده منها. وكما علمنا سريعًا، فإن البتلات الصفراء الجميلة ستتحول، بين عشية وضحاها على ما يبدو، إلى سحابة من البذور الريشية البيضاء، وجميعُها قابلة للحياة بحيث يمكن لنبات لحية التيس الغربي أن ينتشر بسرعة في جميع أنحاء الحديقة، هازمًا كلَّ منافسيه تقريبًا. وهو ينتشر بشراسة شديدة إلى درجة أننا تخيلناه، في جنح الليل، وهو يبصق أبواغه المُميتة spores في انفجارٍ عاصفٍ منفرد. فكَّرنا في قُرنات النباتات pods التي ظهرت في فيلم «غزو سارقي الجثث»،٤٤ وهي تهبط من نجم بعيد للسيطرة على الأرض. وبالتالي خلعنا على العشب الضار لقب «النبات الفضائي»، وتعلَّمت التعرُّف على شتلاته وتدميرها عندما يصل ارتفاعها بالكاد إلى نصف بوصة.

حدث ذلك قبل سنوات قليلة من وفاة فيفيان بسرطان المِبيَض. لقد صار انتشار الأعشاب الضارَّة مرتبطًا في ذهني بالنقائل، غير أن ذلك ربما كان استعارةً خاطئة؛ فالسرطان، كما أدرك باجيت منذ فترة طويلة، أكثر قدرةً على التمييز من حيث الطريقة التي ينتشر بها. ولكونها مُعَدَّة بدقة للحياة في نسيج معيَّن، فإن الخلية السرطانية النقيلية تمتلك عددًا أكبر من القواسم المشتركة مع تلك الزهور البرية الرقيقة حتى تجد مجثمها المختار، وبعد ذلك تكون أشبهَ بالقُرنات.

١  T. R. Ashworth, “A Case of Cancer in Which Cells Similar to those in the Tumours Were Seen in the Blood After Death,” Australian Medical Journal 14 (1869): 146-47.
٢  L. Weiss, “Concepts of Metastasis,” Cancer and Metastasis Reviews 19 (2000): 219–34.
وهي الجزء الثالث من سلسلة أطول:
“Metastasis of Cancer: A Conceptual History from Antiquity to the 1990s,” 193–400.
وقد رجعتُ أيضًا إلى مقالتَين أخريَيْن من تأليف وايس في العدد نفسه:
“Observations on the Antiquity of Cancer and Metastasis” (193–204) and “Early Concepts of Cancer” (205–17).
وتشمل المصادر الأخرى عن تاريخ الفكرة الخلوية للسرطان:
James Stuart Olson, The History of Cancer: An Annotated Bibliography (New York: Greenwood Press, 1989); Erwin H. Ackerknecht, “Historical Notes on Cancer,” Medical History 2, no. 2 (April 1958): 114–19; Margaret M. Olszewski, “Concepts of Cancer from Antiquity to the Nineteenth Century,” University of Toronto Medical Journal 87, no. 3 (May 2010); and W. I. B. Onuigbo, “The Paradox of Virchow’s Views on Cancer Metastasis,” Bulletin of the History of Medicine 34 (1962): 444–49.
ثمة مصدرٌ آخر هو:
Jacob Wolff, The Science of Cancerous Disease from Earliest Times to the Present, first published in 1907.
وقد تُرجم عن الألمانية من قِبَل بربارة أيوب Ayoub، وأُعيدَ طبعُه في العام ١٩٨٩م من قِبَل Science History Publications، وNational Library of Medicine.
٣  Weiss, “Early Concepts of Cancer”.
٤  Ackerknecht, “Historical Notes”.
٥  Ackerknecht, “Historical Notes”.
٦  Weiss, “Concepts of Metastasis”.
٧  Weiss, “Concepts of Metastasis”.
٨  Weiss, “Concepts of Metastasis”.
٩  Ackerknecht, “Historical Notes”.
١٠  Ackerknecht, “Historical Notes”.
١١  Wolff, Science of Cancerous Disease, 101–3.
١٢  هناك ترجمة إنجليزية من قِبَل تشارلز ويست بعنوان:
Charles West, On the Nature and Structural Characteristics of Cancer, and those Morbid Growths which May Be Confounded with It (London: Sherwood, Gilbert, and Piper, 1840).
للاطِّلاع على ملخَّص له، انظر:
Johannes Müller, “On the Nature and Structural Characteristics of Cancer: General Observations on the Minute Structure of Morbid Growths,” CA: A Cancer Journal for Clinicians 23, no. 5 (December 30, 2008): 307–12.
١٣  هناك ملخَّص لأفكار مولر في المرجع التالي:
Wolff, Science of Cancerous Disease, 108; and Olszewski, “Concepts of Cancer”.
١٤  Ackerknecht, “Historical Notes”.
١٥  Onuigbo, “The Paradox of Virchow’s Views”.
١٦  Ackerknecht, “Historical Notes”.
١٧  Ackerknecht, “Historical Notes”.
١٨  مذكورة في: Weiss, “Early Concepts of Cancer”.
١٩  Robert A. Weinberg, the Biology of Cancer (New York: Garland Science, 2007), 593-94.
٢٠  Wolff, Science of Cancerous Disease, ix.
٢١  كتب المقدِّمة المؤرِّخ الطبي شاول جارشو Jarcho.
٢٢  S. Paget, “The Distribution of Secondary Growths in Cancer of the Breast,” Lancet 133, no. 3421 (1889): 571–73.
وقد نشرت في:
“Stephen Paget’s Paper Reproduced from The Lancet, 1889,” Cancer and Metastasis Reviews 8, no. 2 (1989): 98–101.
٢٣  Weinberg, Biology of Cancer, 636.
٢٤  “Metastatic Brain Tumor,” published online by the National Library of Medicine, Medline Plus website.
٢٥  “Role of Organ Selectivity in the Determination of Metastatic Patterns of the B16 Melanoma,” Cancer Research 40 (1980): 2281–87.
انظر أيضًا:
Isaiah J. Fidler, “The Pathogenesis of Cancer Metastasis: The ‘Seed and Soil’ Hypothesis Revisited,” Nature Reviews Cancer 3, no. 6 (June 2003): 453–58.
٢٦  “Overview of Metastasis,” published online by CancerQuest, Winship Cancer Institute website, Emory University.
٢٧  Lance A. Liotta and Elise Kohn, “Anoikis: Cancer and the Homeless Cell,” Nature 430, no. 7003 (August 26, 2004): 973-74.
٢٨  لتقرير رائع عن دقائق عملية بثِّ النقائل، انظر: Weinberg, Biology of Cancer, chapter 14.
وقد رجعتُ أيضًا للمقال التالي:
Ann F. Chambers, Alan C. Groom, and Ian C. MacDonald, “Metastasis: Dissemination and Growth of Cancer Cells in Metastatic Sites,” Nature Reviews Cancer 2, no. 8 (August 1, 2002): 563–72; and Christine L. Chaffer and Robert A. Weinberg, “A Perspective on Cancer Cell Metastasis,” Science 331, no. 6024 (March 25, 2011): 1559–64.
٢٩  Weinberg, Biology of Cancer, 593-94.
وقد أورد تفسيرًا أقرب احتمالًا؛ وهو أن الخلايا السرطانية يمكنها تجنبُ شَرَك الشعيرات الدموية عن طريق المرور بدلًا من ذلك عبر التحويلات الشريانية-الوريدية.
٣٠  للاطِّلاع على مراجعة للموضوع، انظر: Fidler, “Pathogenesis of Cancer Metastasis”.
٣١  Weinberg, Biology of Cancer, 636, sidebar 14.8.
٣٢  Weinberg, Biology of Cancer, 637.
٣٣  Andy J. Minn, Joan Massagué, et al., “Genes that Mediate Breast Cancer Metastasis to Lung,” Nature 436, no. 7050 (July 28, 2005): 518–24; and Paula D. Bos, J. Massagué, et al., “Genes that Mediate Breast Cancer Metastasis to the Brain,” Nature 459, no. 7249 (June 18, 2009): 1005–9.
٣٤  Rosandra N. Kaplan, Shahin Rafii, and David Lyden, “Preparing the ‘Soil’: The Premetastatic Niche,” Cancer Research 66, no. 23 (December 1, 2006): 11089–93.
٣٥  Dan G. Duda et al., “Malignant Cells Facilitate Lung Metastasis by Bringing their Own Soil,” Proceedings of the National Academy of Sciences 107, no. 50 (December 14, 2010): 21677–82.
٣٦  تم وصف العملية في المراجع العامة حول موضوع بثِّ النقائل، والمذكورة أعلاه.
٣٧  Larry Norton and Joan Massagué, “Is Cancer a Disease of Self-seeding?” Nature Medicine 12, no. 8 (August 2006): 875–78; Mi-Young Kim, Joan Massagué, et al., “Tumor Self-seeding by Circulating Cancer Cells,” Cell 139, no. 7 (December 24, 2009): 1315–26; and Elizabeth Comen, Larry Norton, and Joan Massagué, “Clinical Implications of Cancer Self-seeding,” Nature Reviews Clinical Oncology 8, no. 6 (June 2011): 369–77.
٣٨  J. Folkman et al., “Isolation of a Tumor Factor Responsible for Angiogenesis,” The Journal of Experimental Medicine 133, no. 2 (February 1, 1971): 275–88.
٣٩  Viviane Mumprecht and Michael Detmar, “Lymphangiogenesis and Cancer Metastasis,” Journal of Cellular and Molecular Medicine 13, no. 8A (August 2009): 1405–16.
٤٠  Satoshi Hirakawa et al., “VEGF-C-induced Lymphangiogenesis in Sentinel Lymph Nodes Promotes Tumor Metastasis to Distant Sites,” Blood 109, no. 3 (February 1, 2007): 1010–17.
٤١  “Endometrial (Uterine) Cancer: Survival by Stage” and “How Is Endometrial Cancer Staged?” Both are on the American Cancer Society website, last revised July 25, 2012.
٤٢  الحدائق الجافة أو البستنة الجافة Xeriscaping: هو مصطلح يشير إلى تصميم الحدائق بطريقة تقلِّل أو تلغي الحاجة إلى مياه الري. وهو مُشتقٌّ من كلمة xeros، والتي تعني باليونانية «جاف». يُروَّج لهذه النباتات في المناطق التي لا تتوافر فيها مصادر مياه وبخاصة ذات الطبيعة الصحراوية التى تجعل التربة تستهلك الكثير من المياه. (المترجم)
٤٣  تغليف وتعبئة شركة BBB Seed، بولدر، كولورادو.
٤٤     Invasion of the Body Snatchers.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤