مقدمة

بدأ الباحثون في شتى المجالات العلمية اليوم يدركون طرائق ارتباط جوانب التغيُّر في استعمال اللغة بجوانب تغيير اجتماعية وثقافية أوسع نطاقًا، وبدءوا من ثَمَّ يقدِّرون أهمية استخدام التحليل اللغوي باعتباره منهجًا لدراسة التغيُّر الاجتماعي، ولكننا نفتقر حتى الآن إلى منهجٍ للتحليل اللغوي يجمع بين الكفاءة النظرية، وإمكان تطبيقه عمليًّا. وهكذا فإن هدفي الرئيسي في هذا الكتاب أن أبني مدخلًا للتحليل اللغوي يمكنه الإسهام في سدِّ هذه الفجوة، أي أنْ أبني مدخلًا ذا فائدة خاصة للبحث في التغيُّر اللغوي، ويمكن استعماله في دراسات التغيُّر الاجتماعي والثقافي.

وإنجاز ذلك يتطلب الجمع بين مناهج التحليل اللغوي التي وُضِعَت في إطار علم اللغة والدراسات اللغوية، وبين الفكر الاجتماعي والسياسي المرتبط ببناء نظرية اجتماعية للغةٍ تتميَّز بكفاءتها. والمناهج المذكورة أولًا تضمُّ في نظري العمل داخل شتى فروع علم اللغة (المفردات، علم الدلالة، النحو) والتداولية، وقبل كل شيء «تحليل الخطاب» الذي وضعه علماء اللغة، خصوصًا في الآونة الأخيرة (وسوف أناقش شتى معاني «الخطاب» و«تحليل الخطاب» بعد قليل). وأما الفكر المشار إليه ثانيًا، فيضم عندي العمل الذي قام به أنطونيو جرامشي، ولويس ألتوسير، وميشيل فوكوه، ويورجن هابرماس، وأنطوني جيدينز (انظر المراجع)، ومثل هذا «الجمع» كان ينبغي أن يتحقَّق من زمن طويل، ولكن العديد من العوامل المختلفة حالت دون تحقيقه بصورة مُرضية حتى اليوم، وكان من بينها عَزْل الدراسات اللغوية عن العلوم الاجتماعية الأخرى، وهيمنة النماذج الشكلية والمعرفية على علم اللغة، ومن بينها أيضًا نقص الاهتمام باللغة من جانب العلوم الاجتماعية الأخرى، وهو الذي كان ظاهرة تقليدية، إلى جانب الاتجاهِ إلى اعتبار اللغة كيانًا شفَّافًا، فإذا كان من الشائع استخدام بيانات لغوية معيَّنة مثل المقابلات الشخصية، فقد ساد الاتجاه إلى تصوُّر إمكان استخلاص المضمون الاجتماعي من دون الاهتمام باللغة نفسها، ولكن هذه المواقف بدأت تتغيَّر؛ فالحدود القائمة بين العلوم الاجتماعية آخِذة في الضعف، ويزداد تنوُّع النظريات والتطبيقات الناشئة داخل المباحث العلمية، ويصاحب وجوه التغيُّر المذكورة «الاتجاه إلى اللغة» في النظرية الاجتماعية، وهو ما أدَّى إلى مَنْح اللغة مكانةً رئيسية أكبر داخل الظواهر الاجتماعية.

وهكذا، فإن المحاولات السابقة للجمع بين الدراسات اللغوية والنظرية الاجتماعية لم تُحقِّق إلا نجاحًا محدودًا، فعلى سبيل المثال، قامت مجموعة من علماء اللغة في بريطانيا في السبعينيات ببناء مبحث يُسمى «علم اللغة النقدي» من خلال الجمع بين نظريات ومناهج التحليل النصي الخاص ﺑ «علم اللغة المنهجي» (هاليداي، ١٩٧٨م) وبين نظريات الأيديولوجيا، وقبل ذلك بقليل كان ميشيل بيشوه وزملاؤه في فرنسا قد بدءوا يضعون مدخلًا لتحليل الخطاب يستند خصوصًا إلى العمل الذي أنجزه عالِم اللغة زيليج هاريس، ونظرية الأيديولوجيا الماركسية في الصورة التي أعاد صَوْغها بها ألتوسير، ويعيب كلًّا من هاتَين المحاولتَين عدم التوازن بين العناصر اللغوية والعناصر الاجتماعية في «التركيب» الذي يجمع بينهما، على الرغم من وجود نقاط قوة ونقاط ضعف متكاملة، ففي الأولى نجد أن التحليل اللغوي والتعامل مع النصوص اللغوية يتميزان بالنضج، ولكنهما يكادان يفتقران إلى نظرية اجتماعية، كما أنهما يستخدمان مفهومَي «الأيديولوجيا» و«السُّلطة» دون ما يلزم من المناقشة أو الشرح؛ وأما في عمل بيشوه فإن النظرية الاجتماعية ناضجة مفصلة، والتحليل اللغوي يقتصر على معالجةٍ دلالية بالغة الضيق. أضِف إلى هذا أن المحاولتَين تقومان على نظرة استاتيكية (ساكنة، ثابتة) لعلاقات السلطة، تتميَّز بالتأكيد المبالغ فيه للطريقة التي يسهم بها التشكيل الأيديولوجي للنصوص اللغوية في إعادة إنتاج علاقات السلطة القائمة، ولا يكاد يُلتفَت إلى الصراع والتحوُّل في علاقات السلطة ودور اللغة في ذلك، ونجد تأكيدًا مماثلًا لوصف النصوص باعتبارها نواتج مكتملة، من دون التفاتٍ يُذكَر إلى عمليات إنتاج النصوص وتفسيرها، ولا إلى جوانب التوتُّر التي تميِّز هذا وذاك، ومن ثَمَّ فإن محاولات التركيب المذكورة لا تناسب البحث الدينامي في اللغة أثناء عمليات التحوُّل الاجتماعي والثقافي (ارجع إلى الفصل الأول الذي يناقش هذه المداخل بقَدْر أكبر من التفصيل، ويشير إلى المحاولات التي بُذِلَت في الآونة الأخيرة؛ لتحسينها وتطويرها).

وأما التركيب الذي سوف أحاوله في هذا الكتاب فسوف يرتكز (مثل تركيب بيشوه) على «تحليل الخطاب» ومفهوم «الخطاب». والخطاب مفهومٌ يصعب تحديده، وذلك — إلى حدٍّ كبير — بسبب وجود تعريفات كثيرة متضاربة ومتداخلة، وُضِعَت من شتَّى الزوايا النظرية والمباحث العلمية (انظر فان دييك، ١٩٨٥م، وماكدونيل، ١٩٨٦م، اللذين يُورِدان بعض التعريفات). ويُستخدم مصطلح «الخطاب» في علم اللغة أحيانًا للإشارة إلى عَيِّناتٍ مديدة من الحوار المنطوق، وهو ما يختلف عن «النصوص» المكتوبة، وبهذا المعنى فإن «تحليل النصوص» و«تحليل الخطاب» لا يشتركان في اقتصار التحليل اللغوي التقليدي على الجمل أو الوحدات النحوية الأصغر، ولكنهما يركِّزان على الخصائص التنظيمية للحوار على مستوًى أعلى (مثل تبادل الأدوار، أي التناوب، أو مثل بناء أنواع افتتاح المحادثة واختتامها)، أو على النصوص المكتوبة (مثل بناء خبر منشور في الصحيفة عن إحدى الجرائم)، ولكن الأكثر شيوعًا هو استعمال «الخطاب» في علم اللغة، للإشارة إلى عَيِّنات من اللغة المنطوقة أو المكتوبة. وبالإضافة إلى الحفاظ على تأكيد المعالم التنظيمية على المستوى الأعلى، يؤكِّد معنى «الخطاب» المذكور التفاعُلَ بين المتكلِّم والسامع، أو بين الكاتب والقارئ، ومن ثَمَّ عمليات إنتاج وتفسير الكلام والكتابة إلى جانب سياق الحال الخاص باستعمال اللغة، ويُعتبر «النص» هنا بُعدًا واحدًا من أبعاد الخطاب، بمعنى أنه «الناتج» المكتوب أو المنطوق لعملية إنتاج النصوص (فيما يتعلَّق باعتبار الخطاب «النص والتفاعل» معًا، انظر ويدوسون، ١٩٧٩م). ونقول أخيرًا: إن «الخطاب» يُستخدم للإشارة إلى شتَّى الأنماط اللغوية المستخدمة في مختلف المواقف الاجتماعية (مثل «الخطاب الصحفي»، و«الخطاب الإعلاني»، و«خطاب قاعة الدرس»، و«خطاب الاستشارات الطبية»).

ومن ناحية أخرى، يُستخدَم مصطلح «الخطاب» على نطاق واسع في النظرية والتحليل الاجتماعي، كما هو الحال مثلًا في عمل ميشيل فوكوه، للإشارة إلى شتَّى طرائق بناء مجالات المعرفة والممارسة الاجتماعية، وهكذا فإن خطاب «علم الطب» هو الخطاب السائد اليوم في ممارسة الرعاية الصحية، على الرغم من تعارُضه مع شتَّى أنماط الخطاب الكلية «البديلة» (مثل نمط العلاج الكلي والإبر الصينية)، وكذلك ضروب الخطاب «الشعبية» المنتشرة. وتتجلَّى أنواع الخطاب بهذا المعنى في طرائق مُعيَّنة لاستخدام اللغة وغيرها من النظم الرمزية، مثل الصور البصرية (انظر طومسون، ١٩٩٠م). والخطاب لا يقتصر على تصوير أو تمثيل كيان أو علاقات اجتماعية، بل إنه يُنتج أو يشكِّل هذه الكيانات والعلاقات، وأنواع الخطاب المختلفة تمثِّل كيانات أساسية (سواء كانت «المرض النفسي» أو «المواطنة» أو «ثقافة القراءة والكتابة») بطرائق مختلفة، وتحدد مواقع الأشخاص بطرائق مختلفة، باعتبارهم ذواتًا اجتماعية (كأن يُعتبروا أطباء أو مرضى)، وهذه الآثار الاجتماعية للخطاب هي التي تحظى بالتركيز عليها في تحليل الخطاب، كما يحظى بالتركيز عليه أمر مهم آخَر، وهو التغيُّر التاريخي: أيْ كيف تتضافر أنواع مختلفة من الخطاب في ظل ظروف اجتماعية مُعيَّنة لإنتاج خطاب جديد مُركَّب. ومن الأمثلة المعاصرة مثال البناء الاجتماعي لمرض الإيدز، أيْ مرض نقص المناعة المُكتسَب، إذ تجتمع فيه عدة أنواع من الخطاب (مثل ما يتعلق بالأمراض التناسلية، والحديث عن التعرُّض ﻟ «الغزو» من جانب «الأجانب»، والتلوث)، بحيث تشكل خطابًا جديدًا خاصًّا بالإيدز. وسوف يُناقش في الفصل الثاني هذا المعنى الاجتماعي النظري للخطاب.

وترتكز محاولتي للجمع بين التحليل اللغوي والنظرية الاجتماعية على الجمع بين هذا المعنى الاجتماعي النظري للخطاب وبين معنى «النص والتفاعل» في تحليل الخطاب ذي التوجُّه اللغوي، وهذا المفهوم للخطاب وتحليل الخطاب له أبعاد ثلاثة، فأية «حادثة» خِطابية (أي حالة من حالات الخطاب) يُنظَر إليها باعتبارها — في الوقت نفسه — قطعة نَصِّية، وحالة ممارسة خِطابية، وحالة ممارسة اجتماعية، فأما البُعد النَّصِّي فيتبدَّى في التحليل اللغوي للنص، وأما بُعد «الممارسة الخِطابية»، مثل «التفاعل» في صورة الخطاب باعتباره نصًّا وتفاعُلًا، فيحدد طبيعة عمليتَي إنتاج النص وتفسيره، مثل تحديد أنواع الخطاب (بما في ذلك أنواع الخطاب بالمعنى الاجتماعي النظري) التي يُستمَدُّ منها، وكيف تجتمع معًا فيه، وأما بُعد «الممارسة الاجتماعية» فيعالج القضايا المهمة في التحليل الاجتماعي مثل الظروف المؤسسية والتنظيمية للحادثة الخطابية، وكيف يشكِّل ذلك طبيعة الممارسة الخطابية والآثار التشكيلية/البنائية للخطاب المُشار إليه عاليه.

وينبغي أن أضيف أن مصطلح «النص» يُستخدَم في هذا الكتاب بالمعنى المألوف في علم اللغة لا في سواه؛ أي للإشارة إلى منتج مكتوب أو منطوق، بحيث تُطلَق صفة «النص» على تسجيل مقابلةٍ شخصية أو محادثة، على سبيل المثال. والتأكيد في هذا الكتاب مُنصَبٌّ على اللغة، ومن ثَمَّ على النصوص اللغوية، ولكنه من الصحيح توسيع فكرة الخطاب لتشمل الأشكال الرمزية الأخرى، مثل الصور البصرية والنصوص التي تجمع بين الكلمة والصورة، كما هو الحال في الإعلانات (انظر هودج وكريس، ١٩٨٨م). وسوف أستخدم تعبير «خطاب» من دون أداة تعريف أو تنكير (بالإنجليزية)، في الإشارة إلى اللغة التي ننظر إليها من الزاوية الثلاثية الأبعاد المُبيَّنة عاليه (مثل قولي: «تحديد الذوات الاجتماعية يتحقَّق خِطابيًّا»). وسوف أشير إلى «أنماط الخطاب» التي ينهَلُ منها الناس عندما يمارسون الخطاب بمعنى الأعراف، مثل الأنواع والأساليب. وسوف أبدأ في الفصل الرابع باستخدام مصطلح الخطاب مصحوبًا بأداة تعريف أو تنكير (فأقول «خطاب ما»، أو «أنواع الخطاب»، أو «خطاب البيولوجيا») فيما يشبه المعنى الاجتماعي النظري لطبقةٍ مُعيَّنة من أنماط الخطاب أو أعرافه، وسوف أشير أيضًا إلى «ممارسات الخطاب» الخاصة بمؤسَّسات أو منظَّمات أو مجتمعات مُعيَّنة (على العكس من «الممارسة الخِطابية» باعتبارها بُعدًا يقبل التمييز تحليليًّا من أبعاد الخِطاب).

وتتضمَّن الفصول ١–٣ مبررات إقامة المفهوم المتعدِّد الأبعاد للخطاب، وتحليل الخطاب الذي رسمته أعلاه بالخطوط العريضة. فالفصل الأول يمثِّل استقصاءً لمداخل تحليل الخطاب ذات التوجُّه اللغوي، أي إنها تركِّز على النصوص وتحليل النصوص، وسوف أسوق الحُجَّة على أن هذه المداخل لا تهتم الاهتمام الكافي بجوانب الخطاب المهمة اجتماعيًّا، والتي تتطلَّب الاستعانة بالنظرية الاجتماعية، ويستعرض الفصل الثاني المنظورات الاجتماعية للخطاب في أعمال ميشيل فوكوه، ذلك المُنَظِّر الاجتماعي الذي كان له تأثير رئيسي في تطوير تحليل الخطاب، باعتباره شكلًا من أشكال التحليل الاجتماعي، ويقول الفصل بعد ذلك: إن من شأن ازدياد الاهتمام بتحليل النصوص والتحليل اللغوي أن يزيد من قيمة تحليل الخطاب باعتباره من مناهج البحث الاجتماعي. ويقدِّم الفصل الثالث بعد ذلك مدخلي المتعدِّد الأبعاد، باعتباره تركيبًا يجمع بين رؤى الخطاب ذات التوجُّه الاجتماعي واللغوي معًا، سائرًا مُتَّجِهًا إلى ما سوف أطلق عليه مصطلح «النظرية الاجتماعية للخطاب». وتتضمَّن الفصول التالية في الكتاب تفصيلات هذا المدخل وتطبيقاته على شتَّى أنواع الخطاب.

ذكرتُ في بداية هذه المقدِّمة أن أشكال التغيير في استعمال اللغة تمثِّل جانبًا مهمًّا من أشكال التغيُّر الاجتماعي والثقافي على نطاقٍ أوسع، وهي مقولة يزداد إثبات صدقها كلَّ يوم، لكنَّها تحتاج إلى المزيد من الشروح والمبرِّرات، فمقولات الأهمية الاجتماعية للغة ليست جديدة؛ إذ إن النظرية الاجتماعية في العقود الأخيرة قد وطَّدت ما تتمتع به اللغة من مكانة رئيسية في الحياة الاجتماعية (انظر طومسون، ١٩٨٤م). وأقول أولًا: إننا رأينا، في إطار النظرية الماركسية، أن جرامشي (١٩٧١م) وألتوسير (١٩٧١م) يؤكِّدان أهمية الأيديولوجيا لإعادة الإنتاج الاجتماعي الحديث، كما أن غيرهما، مثل بيشوه (١٩٨٢م) يعرِّف الخطاب بأنه الشكل المادي اللغوي البارز للأيديولوجيا (ومصطلح «إعادة الإنتاج» الذي استعملته، يعني الآليات التي تستعين بها المجتمعات للحفاظ على أبنيتها الاجتماعية وعلاقاتها الاجتماعية على مَرِّ الزمن). وأقول ثانيًا: إن فوكوه (١٩٧٩م) قد أكَّد أهمية التكنولوجيات في الأشكال الحديثة للسلطة، ومن الواضح أن هذه الآليات تعتمد اعتمادًا أساسيًّا على اللغة. وأقول ثالثًا: إن هابرماس (١٩٨٤م) يركِّز على «استعمار» «عالم الحياة» من جانب «نظم» الاقتصاد والدولة، وهي التي يرى أنها تمثِّل «إزاحة» للاستعمالات «التواصلية» للغة الموجَّهة إلى إنتاج الفهم من جانب الاستعمالات «الاستراتيجية»، للغة المُوجَّهة إلى تحقيق النجاح، أي إلى جَعْل الناس يفعلون أفعالًا معيَّنة، ويتجلَّى الارتقاء بمكانة اللغة والخطاب في المجال الاجتماعي بأشكالٍ شتَّى، مثل البحث في العلاقة بين الجنسَين (سبندر، ١٩٨٠م)، أو أجهزة الإعلام (فان دييك، ١٩٨٥م، ب) الذي يركِّز على اللغة، والبحث في علم الاجتماع الذي يستمد بياناته من المحادثات (أتكنسون وهريتدج، ١٩٨٤م).

أما الذي يمكننا التساؤل عن صحته فهو: إن كانت مثل هذه النظرية ومثل هذه البحوث تعترف بالأهمية التي دائمًا ما تمتَّعَتْ بها اللغة في الحياة الاجتماعية، وإن لم تكن قد حظيت بالتقدير الكافي من قبلُ، أو إن كان يتجلَّى فيها فعلًا زيادة الأهمية الاجتماعية للغة. وعلى الرغم من احتمال صحة هذا وذاك، فأعتقد أننا شهدنا تحوُّلًا كبيرًا في العمل الاجتماعي للغة، وهو التحوُّل الذي يتجلَّى في بروز دور اللغة في جوانب التغيُّر الكبرى التي حدثَتْ على امتداد العقود القليلة الماضية، ولا يقتصر عدد كبير من هذه التحولات الاجتماعية على استعمال اللغة، بل إن وجوه التغيُّر في الممارسات اللغوية قد ساهمت إلى حدٍّ كبير في إحداث هذه التحوُّلات الاجتماعية، وربما وجَدْنا أحد المؤشرات على الأهمية المتزايدة للغة في التغيُّر الاجتماعي والثقافي في طبيعة المحاولات المبذولة للتحكُّم في مسار التغيير، إذ أصبحت تضم محاولات متزايدة لتغيير الممارسات اللغوية؛ ولأضرب الآن بعض الأمثلة:

انظر أولًا إلى ما شهدَتْه بلدان كثيرة في الآونة الأخيرة من بروز التوسُّع في فكرة التسويق، بحيث امتدَّ مفهوم السوق ليشمل مجالات جديدة في الحياة الاجتماعية؛ إذ أصبحَتْ بعض القطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والفنون مطالبة بإعادة هيكلتها، وإعادة تحديد مفاهيمها حتى تتَّسِق أنشطتها مع مبدأ إنتاج السلع وتسويقها بين المستهلكين لها (أوري، ١٩٨٧م)، وقد كانت لهذه التغييرات آثارها العميقة في أنشطة العاملين في هذه القطاعات، وعلاقاتهم الاجتماعية وهُوياتهم الاجتماعية والمهنية. ويضم جانبٌ كبير من تأثيرها جوانبَ تغييرٍ في الممارسات الخِطابية، أي جوانب تغييرٍ في اللغة؛ ففي مجال التعليم، على سبيل المثال، يجد الناس أنهم يتعرَّضون للضغوط الرامية إلى الانخراط في أنشطة جديدة تحدِّدها الممارسات الخطابية إلى حدٍّ كبير (مثل التسويق) وإلى اللجوء إلى ممارسات خطابية جديدة داخل الأنشطة القائمة (مثل التدريس)، ويتضمَّن هذا «إعادة صياغة» للأنشطة والعلاقات، مثل إعادة تسمية الطلاب بوصفهم بأنهم «مستهلكون» أو «عملاء»، ووصف المناهج العلمية بأنها «بضائع» أو «منتجات»، كما يتضمَّن إعادة هيكلة خفية للممارسات الخِطابية للتعليم — فيما يتعلَّق بأنماط الخطاب المستخدَمة فيها (من حيث الأنواع والأساليب وهلُمَّ جرًّا) — و«استعمار» التعليم من جانب أنماط خطابية من خارجه، بما في ذلك الإعلان، والإدارة، وجلسات إسداء المشورة.

ونقول أيضًا إن الصناعة تتجه الآن إلى ما يُسمَّى مرحلة الإنتاج «فيما بعد فورد» (باجولي ولاش، ١٩٨٨م؛ باجولي، ١٩٩٠م)، التي تعني أن العمال لم يعودوا يمارسون عملهم بصفتهم أفرادًا يُؤدُّون مهامَّ متكرِّرة في إطار عملية إنتاج لا تتغير، بل باعتبارهم أعضاءً في فِرَق تجمع بينهم وتربطهم علاقة تتسم بالمرونة في عملية سريعة التغيير. أضِف إلى ذلك أن الإدارة أصبحَتْ تنظر إلى العلاقات التقليدية بين العامل/الموظف والشركة، باعتبارها فاشلة في هذا السياق، ومن ثَمَّ حاولت تغيير ثقافة مكان العمل، وقد يكون ذلك مثلًا بإنشاء مؤسسات تُضفي المزيد من طابع المشاركة على علاقة العاملين بالإدارة مثل ما يُسمى «حلقات الجودة». ووصف هذه التغيرات بأنها ثقافية ليس مجرد ألفاظ تُقال؛ إذ إن التغيرات تهدف إلى إرساء قِيَم ثقافية جديدة، وإذكاء روح الجد عند العمال، بحيث يتمتعون بدوافع ذاتية، وكما يقول روز (في بحث غير منشور) بالقدرة على «الإدارة الذاتية». وتُعتبر هذه التغييرات في التنظيم وفي الثقافة، إلى حدٍّ كبير، تغييرات في الممارسات الخِطابية؛ إذ إن استعمال اللغة يكتسب أهمية أكبر باعتباره من وسائل الإنتاج والرقابة الاجتماعية في مكان العمل، وإذا شئنا المزيد من التحديد قلنا: إن المتوقع اليوم أن يشتبك العمال في تفاعل مباشر فردي وجماعي باعتبارهم متحدثين وسامعين، وتؤكد جميع توصيفات الوظائف المكتبية تقريبًا، حتى على أدنى المستويات، مهارات التواصل. ومن نتائج هذا أن الهُويات الاجتماعية للعاملين، التي كان ينظر إليها بالصورة التقليدية باعتبارها «وظيفية» وحسب، قد أصبحت تنتمي إلى مجال الحياة الشخصية، ومن المعالم البارزة لهذه التغييرات أنها تتجاوز الحدود القومية، فأساليب الإدارة الجديدة والأشكال الجديدة مثل «حلقات الجودة»، مستوردة من البلدان الناجحة اقتصاديًّا مثل اليابان، بحيث نجد أن جوانب التغيير في الممارسات الخِطابية في مكان العمل قد بدأت تكتسب طابعًا دوليًّا إلى حدٍّ ما. والنظام العالمي الجديد للخطاب يتميز إذَن بانتشار التوتر ما بين الممارسات المستوردة التي يزداد طابعها الدولي وبين التقاليد المحلية.

وتوجد أمثلة أخرى كثيرة على التغيير، مثل أنواع التغيير في العلاقات بين الأطباء والمرضى، وبين السياسيين والجمهور، وبين الرجال والنساء في أماكن العمل وفي الأسرة، وهي التي تعتمد في بنائها إلى حدٍّ ما على الممارسات الخِطابية الجديدة. أضِف إلى ذلك أن ازدياد ظهور الخطاب في التحولات الاجتماعية يوازيه — كما ذكرتُ عاليه — اهتمامٌ بالتحكُّم في الخطاب؛ أي بإحداث تغييرات في الممارسات الخِطابية في إطار استحداث التغير الاجتماعي والثقافي. إننا نشهد ما أسميته «إخضاع الخطاب للتكنولوجيا» (فيركلف، ١٩٩٠م، ب)؛ إذ نشهد التكنولوجيات الخطابية التي تعتبر نمطًا من أنماط «تكنولوجيات الحكومة» (روز وميلر، ١٩٨٩م) التي يجري تطبيقها الآن بصورة منتظمة في شتَّى المنظمات، ويتولى ذلك تكنولوجيون محترفون يجرون البحوث في الممارسات الخِطابية، ويعيدون تصميمها، ويقومون بالتدريب على استخدامها، وكان من بين الأمثلة المبكِّرة لهذا التطوُّر نشأة مَن يُوصَفون بأنهم متخصِّصون في علم النفس الاجتماعي ويتولَّون التدريب على اكتساب مهارات مُعيَّنة (انظر أرجايل، ١٩٧٨م). وقد بدأ النظر إلى التكنولوجيات الخِطابية، مثل إجراء المقابلات الشخصية أو جلسات إسداء المشورة باعتبارها تقنيات لا ترتبط بسياق مُعيَّن، أو من المهارات التي يمكن تطبيقها في شتَّى المجالات المختلفة. كما يجري على نطاق واسع إخضاع الممارسات الخطابية المؤسسية للمحاكاة؛ إذ إن الممارسات الخطابية للمحادثات، وهي التي تنتمي بصورة تقليدية إلى مجال الحياة الخاصة، أصبحت تخضع بانتظام للمحاكاة داخل بعض المنظمات (وسوف نعود لمناقشة تكنولوجيات الخطاب في الفصل السابع).

هدفي إذَن وضع مدخل لتحليل الخطاب يمكن استخدامه باعتباره منهجًا من بين مناهج أخرى للبحث في جوانب التغير الاجتماعي، مثل التي أشرتُ إليها عاليه. وتتوقَّف فائدة أي منهج من مناهج تحليل الخطاب في مثل هذه السياقات على تلبيته عددًا من الشروط كحدٍّ أدنى، وسوف أعلِّق على أربعة منها، وفي غضون ذلك أورد بعض التفاصيل الخاصة بمدخلي الذي ذكرته آنفًا. لا بد أن يكون أولًا منهجًا صالحًا للتحليل المتعدِّد الأبعاد؛ إذ إن مدخلي الثلاثي الأبعاد يتيح تقييم العلاقات بين التغير الخطابي والتغير الاجتماعي، ويتيح إقامة العلاقة بين الخصائص التفصيلية للنصوص بصورة منتظمة وبين الخصائص الاجتماعية ﻟ «الأحداث الخِطابية» باعتبارها من أمثلة الممارسة الاجتماعية.

ولا بد أن يكون ثانيًا منهجًا صالحًا للتحليل المتعدِّد الوظائف، فالممارسات الخِطابية المتغيرة تسهم في التغير في المعرفة، (بما في ذلك المعتقدات والمنطق السليم) والعلاقات الاجتماعية، والهُويات الاجتماعية، والمرء يحتاج إلى مفهوم للخطاب ومنهج للتحليل يعمل حسابًا للتفاعل بين هذه جميعًا. ولدينا نقطة انطلاق صالحة تتمثَّل في النظرية المنهجية للغة (هاليداي، ١٩٧٨م) التي ترى أن اللغة متعدِّدة الوظائف، وترى أن النصوص تقوم في آنٍ واحد بتمثيل الواقع، وتحديد العلاقات الاجتماعية، وإنشاء الهُويات. وسوف تزداد فائدة نظرية اللغة المذكورة إذ اقترنت بتأكيد الخصائص الاجتماعية البنَّاءة للخطاب في المداخل الاجتماعية النظرية إلى الخطاب، مثل مداخل فوكوه.

ولا بد أن يكون ثالثًا منهجًا للتحليل التاريخي، أي إن على تحليل الخطاب أن يركِّز على عمليات الهيكلة أو عمليات «الإفصاح والربط» في بناء النصوص، وأن يركِّز في الأجَل الطويل على «نظم الخطاب» (أي الصور الكلية للممارسات الخِطابية في مؤسسات معيَّنة، أو حتى في مجتمع برمته). وأما على مستوى النصوص، فأنا أنظر إلى هذه العمليات من زاوية «التناص» (انظر الفصل الرابع)، فالنصوص تُبنى من خلال نصوص أخرى يجري الإفصاح عنها وترابطها بطرائق مُعيَّنة، وهي طرائق تعتمد على الظروف الاجتماعية وتتغير بتغيرها. وأما على مستوى نظم الخطاب، فالعلاقات بين الممارسات الخِطابية والحدود بينها في مؤسسة ما، أو في المجتمع كله، تتغير بالتدريج بطرائق تتفق مع اتجاهات التغير الاجتماعي.

ولا بد أن يكون رابعًا منهجًا نقديًّا؛ إذ إن العلاقات بين التغير الخِطابي والاجتماعي والثقافي ليست في العادة شفافة عند الأشخاص الذين يرتبطون بها، وقِس على ذلك إخضاع الخطاب للتكنولوجيا، والوصف بأنه «نقدي» يعني ضمنًا أنه يبيِّن الروابط والأسباب الخفية، كما يعني التدخُّل كذلك، بمعنى توفير الموارد للذين يُضارون بسبب التغيير. ومن المهم في هذا الصدد أن نتجنَّب صورة التغيير الخِطابي باعتبارها عملية ذات اتجاه واحد يمتد من القمة إلى القاعدة؛ إذ إننا نجد صراعًا حول هيكلة النصوص ونظم الخطاب، وقد يقاوم الناس أو يتبنَّون جوانب التغيير القادمة من المستوى الفوقي، أو يجارونها وحسب. (انظر مناقشة ذلك في الفصل الثالث، والفصل السابع أدناه.)

وختامًا لهذه المقدمة أقدِّم عرضًا موجزًا مسبقًا لدراسة التغير الخِطابي في الفصول ٣–٧. أما الفصل الثالث فيقدِّم التركيب الذي أنجزته، والذي يجمع بين مفاهيم الخطاب ذات التوجُّه الاجتماعي والتوجُّه اللغوي. ويرتكز وصفي للتحليل على مستوى البُعد الخاص بالممارسة الخطابية على مفهوم التناص. وأما وصفي للتحليل على مستوى البُعد الخاص بالممارسة الاجتماعية فيرتكز على مفهوم الأيديولوجيا، وخصوصًا الهيمنة؛ بمعنى أنها أسلوب للسيطرة يقوم على التحالفات، وضم الجماعات الثانوية، وتوليد الرضا. والواقع أن ضروب الهيمنة داخل منظمات ومؤسسات معينة وعلى المستوى المجتمعي يجري إنتاجها، وإعادة إنتاجها، ومعارضتها وتحويلها داخل الخطاب. أضِف إلى ذلك أنه يمكن النظر إلى هيكلة الممارسات الخطابية بطرائق مُعيَّنة داخل نظم الخطاب بحيث تصبح «مُطَبَّعة» وتحظى بالقبول على نطاق واسع، باعتبارها في ذاتها شكلًا من أشكال الهيمنة (الثقافية بصفة خاصة). وهكذا فإن الجمع بين مفهومَي التناص والهيمنة هو الذي يجعل إطار الفصل الثالث مفيدًا للبحث في التغير الخطابي في علاقته بالتغير الاجتماعي والثقافي، وأما تحديد النصوص وأنماط النصوص السابقة التي تُعتبَر مصدرًا يُنهَل منه (أي «حادثة خِطابية» خاصة)، وكيف تفصح عن نفسها، فيعتمد على موقف الحادثة الخِطابية إزاء أنواع الهيمنة وضروب الصراع حول الهيمنة، أي إذا ما كانت الحادثة الخِطابية تعارض، مثلًا، ممارسات وعلاقات الهيمنة القائمة أو تسلم بوجودها وتقبلها كما هي. والمدخل للتغير الخطابي المبين في الفصل الثالث يجمع بين صورة النص والممارسة الخِطابية المأخوذة من باختين من طريق مفهوم التناص عند كريستيفا (باختين، ١٩٨١م و١٩٨٦م، وكريستيفا، ١٩٨٦م، أ)، وبين صورة السلطة المأخوذة من نظرية الهيمنة عند جرامشي (جرامشي، ١٩٧١م؛ بوسي — جلوكمان، ١٩٨٠م).

وأتناول بالتفصيل الإطار المبين في الفصل الثالث في الفصول التي تليه؛ فالفصل الرابع يتناول مفهوم التناص من حيث التمييز بين التناص «الواضح» (أي الوجود الصريح لنصوص أخرى داخل نص ما) وبين «التفاعل الخِطابي» (أي تكوين نص من مجموعة من أنماط النصوص أو الأعراف الخِطابية)، وأقدِّم فيه طريقة للتمييز بين الأنواع المختلفة من أعراف الخطاب، وتحديد العلاقات بينها، مثل «الأنواع»، و«ضروب الخطاب» و«الأساليب»، و«أنماط النشاط». ويناقش الفصل التناصَّ أيضًا من زاويةِ علاقتِه بالإسهام الاجتماعي للنصوص والتحولات التي تتعرض لها، وعلاقته ببناء الهُوية الاجتماعية في الخطاب. وأما في الفصلَين الخامس والسادس، فأنا أركِّز على تحليل النصوص، ويتصدى هذان الفصلان لبعض جوانب النص، مثل المفردات والنحو، والتماسك، وبناء النص، وقوة النص وترابط معناه (وانظر مناقشة هذه المصطلحات في الفصل الثالث). والفصلان يتناولان أيضًا فكرة تحليل الخطاب باعتبارها متعددة الوظائف، فالفصل الخامس يتناول أساسًا وظيفة الخطاب في تشكيل الهُويات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، ويركِّز الفصل السادس على تشكيل نظم المعرفة والعقيدة في الخطاب وإعادة إنتاجها وتغييرها. وأما الفصل السابع فيركِّز على بُعدٍ مُعيَّن من أبعاد الخطاب، وهو بُعد الممارسة الاجتماعية، ويؤكِّد خصوصًا بعض اتجاهات التغيير العريضة ذات التأثير في نظم الخطاب المعاصرة (مثل إضفاء الديمقراطية أو الطابع السلعي أو التكنولوجي على الخطاب) وعلاقتها بضروب التغير الاجتماعي والثقافي.

وتشمل تحليلات التغيير في الفصول ٤–٧ شتَّى المجالات والمؤسسات، إلى جانب عيِّنات تفصيلية من الخطاب. ومن القضايا المثارة في الفصل الرابع قضية الأسلوب الذي تتبعه أجهزة الإعلام في تغيير الحدِّ الفاصل بين المجالَين العام والخاص للحياة الاجتماعية، ولا يقتصر ذلك على مادة الخطاب الإعلامي، مثل تناول بعض جوانب الحياة الخاصة باعتبارها أخبارًا (جماهيرية)، بل يتجلَّى أيضًا على مستوى التناص من خلال مزج الممارسات الخِطابية للمجال الخاص بالممارسات الخِطابية في المجال العام، ومن نتائج هذا أن بعض الأجهزة الإعلامية تستخدم صورًا نمطية من الكلام الشائع. ومن القضايا الأخرى قضية الضغط الذي تتعرَّض له المرافق الخدمية حتى تعامل خدماتها باعتبارها سلعًا، والمستفيدين بها باعتبارهم مُستهلِكين، وهو ما يتضح في الممارسات الخِطابية الخاصة بتقديم المعلومات والإعلانات. وأنا أناقش في الفصل الخامس بعض صور التغيير في الهُويات الاجتماعية للعاملين المهنيين وعملائهم، وفي طبيعة التفاعل بينهم، مُركِّزًا على الأطباء والمرضى. وأنا أقول: إن ضروب التغير في الهُوية والعلاقة بين الطبيب والمريض تتحقَّق على مستوى الخطاب في الابتعاد عن المقابلات الطبية الرسمية والاقتراب من جلسات إسداء المشورة القائمة على المحادثة، وهي التي قد تتضمَّن الممارسات الخطابية لتقديم المشورة وإدراجها في نظم الطب التقليدية. ويتضمن الفصل السادس عيِّنات من كُتيِّبَين عن رعاية الحوامل، وهي تمثِّل صورًا متضادة للتعامل مع الحوامل، وأناقش بعد ذلك «هندسة» التغير الدلالي في إطار محاولة إحداث تغيُّر ثقافي، مشيرًا بصفة خاصة إلى الخُطَبِ التي ألقاها أحد الوزراء في حكومة تاتشر حول التسليع ومزج تقديم المعلومات بالإعلان، وكان يتناول في هذه الحالة قضية التعليم، ضاربًا المثل بإحدى اللوائح الجامعية.

ومن أهداف هذا الكتاب إقناع القرَّاء أن تحليل الخطاب عمل مُمتِع لمَن يقوم به، وتوفير الموارد التي يحتاجونها للقيام به. وهكذا فإن الفصل الأخير في الكتاب، الفصل الثامن، يجمع أطراف المادة التي سبق عرضها في الفصول ٣–٧ في شكل مجموعة من الخطوط الإرشادية اللازمة للقيام بتحليل الخطاب. وتتناول هذه الإرشادات جمع النصوص وكتابتها وتشفيرها، واستعمال النتائج والتحليل أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤