«تختخ» … مفتش سري

قال «رام سيخ» موجِّهًا حديثه إلى صاحب الساعة: إنكَ يا سيدي تحدَّيت قدرتي، وقلتَ إنكَ تعرف ماذا يحدث للساعة … وها أنت ذا ترى نتيجة ما حدث.

لم يستطِع الرجل أن ينطق بحرف واحد … وهنا أخرج «رام سيخ» الساعة من جيبه قائلًا: ولكن يا سيدي حتى تمضي سهرتنا سعيدةً وسليمة … إليكَ ساعتك.

وصفَّق الحاضرون طويلًا ﻟ «رام سيخ» الذي انحنى بوقارٍ شديد، ثم صفَّق بيدَيه قائلا: والآن سيداتي … سادتي … إليكم لعبةً ثانية … ستدور بدايتها في الظلام، وأرجو من يُرشِّح نفسه لها أن يُواجه قدرة «رام سيخ» العظيمة … القدرة الخارقة التي ورثها عن أجداده في الهند … والتي اعترف بها العالم كله …

إنني أُريد أن يتقدَّم منكم من يرى في نفسه الكفاءة والمقدرة على القيام بدور البوليس السري؛ فسوف تقع جريمة الآن في هذا المكان.

ساد الصمت ثواني قليلة، ثم قال أحد الأولاد المدعوِّين: إنني أُرشِّح «توفيق» للقيام بهذا الدور.

وصفَّق المدعوُّون جميعًا، وارتفعت أصوات الأولاد تصيح: «تختخ» … «تختخ» … «تختخ» … «تختخ» …

وأخذوا يدقُّون الأرض بأقدامهم … ويُصفِّقون تصفيقًا منغومًا … وأحسَّ «تختخ» بحرجٍ شديد، وأخذ يتلفَّت حوله يبحث عن مهرب … ولكن أيدي الأولاد أخذت تدفعه إلى الأمام … وصفَّق المدعوُّون أيضًا … ولم يجد «تختخ» بُدًّا من أن يصعد إلى المنصة بجوار «رام سيخ» … وهو محرج؛ فلم يكن يتصوَّر أنه سيكون محط الأنظار بهذه الصورة.

قال «رام سيخ»: والآن … أنت يا ولدي الذي عَرَّضتَ نفسك لهذا الموقف …

وحاول «تختخ» أن يُجيب، ولكن «رام سيخ» مضى يقول: وإذا لم تستطِع يا بني أن تكشف عن الفاعل … فإن هؤلاء الذين صفَّقوا لكَ سوف يُنكرونك … وستكون مضحكةً للجميع.

أخذ بقية المغامرين ينظرون إلى «تختخ» مُشجِّعين … وارتفع صوت «لوزة» في حماس وسط الصمت قائلة: إننا نقبل التحدي يا «رام سيخ».

قال «رام سيخ»: والآن … إليكم شروط اللعبة. لقد أعددتُ أوراقًا بعددكم جميعًا … وكل ورقة عليها رقم … وسيقوم كلٌّ من الموجودين بسحب ورقةٍ من الأوراق … ومن تكن ورقته رقم ١٣ فهو اللص الذي سيقوم بالسرقة … طبعًا سيُخفي من يحمل الرقم حقيقته … وبعدها سيداتي وسادتي … سوف نُطفئ النور تمامًا … ثم يقوم اللص بسرقة ما يشاء ممن حوله … وعلى الضحية ألَّا يُحدث أي صوت إلا بعد أن يعد من واحدٍ إلى مائة … وبعدها يصيح … وسوف أقوم بإضاءة النور مرةً أخرى … ثم يبدأ رجل الشرطة عمله … وهو هذا الولد، وأشار إلى «تختخ».

ثم مضى «رام سيخ» يقول: ومن حقِّه أن يستجوب كلَّ واحد منكم، وأن يعرف أين كان ساعةَ السرقة … فإذا لم يستطِع الوصول إلى اللص في مدى نصف ساعة … فسنُعلن إخفاقه، وسأقوم أنا بمعرفة اللص في مدى خمس دقائق فقط!

وأشار إلى الموسيقى؛ فارتفع نغم متقطِّع مثير … وأخذ المدعوُّون يتزاحمون على الصندوق الورقي، وكلٌّ منهم يأخذ ورقة … وارتفعت أصوات الضحكات … على حين وقف «تختخ» مع بقية المغامرين يتحدَّثون.

قالت «لوزة»: لا تخشَ الإخفاق يا «تختخ» فسنقوم بمساعدتك.

ابتسم «تختخ» قائلًا: إن المسألة كلها ليست إلا تسليةً بسيطة … ومن الممكن طبعًا أن أتمكَّن من معرفة اللص.

نوسة: إنني أرى أن سمعة المغامرين الخمسة في الميزان، ولو أخفق «تختخ» لأصبحنا جميعًا موضع سخرية المعادي … ولا تنسَوا الشاويش.

محب: لقد قبلنا تحدي «رام سيخ»، وسوف نعثر على اللص.

عاطف: أو اللصة؛ فهناك عدد كبير من المدعوَّات.

تختخ: اذهبوا أولًا لأخذ أرقامكم.

عاطف: أخشى أن أسحب أنا الرقم ١٣ فأكون اللص … إنني طبعًا سوف أعترف لك.

ابتسم «تختخ» مرةً أخرى قائلًا: سنرى … المهم الآن أنني أُريدكم أن تقوموا بعملية مراقبة دقيقة.

محب: للص؟

تختخ: لا … ﻟ «رام سيخ». إنني أخشى أن تكون اللعبة قائمةً على الاتفاق بين «رام سيخ» واللص؛ أي إنه سيُبقي الورقة رقم ١٣ بين أصابعه بطريقته السحرية، ثم يُعطيها لشخص مُعيَّن.

نوسة: هذا ممكن جدًّا … هيا بنا.

أصبح «تختخ» وحده … وأخذ يُدير بصره في المكان … الصالة الواسعة ذات السقف المرتفع … والغرف المفتوحة هنا وهناك … والخدم وهم يقومون بعملهم بين المدعوِّين … والتقت عيناه بعينَي والدته التي ابتسمت له، ورفعت إصبعَيها بالرقم ٧ متمنيةً النصر … وابتسم «تختخ» لها … ثم شاهد «وحيد» على كرسيه المتحرِّك يأخذ ورقته هو الآخر، والتفت «وحيد» إلى «تختخ»، وأشار له من بعيد … ولم يفهم «تختخ» إشارته … هل كان يقصد أنه الرقم ١٣؟

ومن بعيد كان الدكتور «منير» يتنقَّل بين المدعوِّين ضاحكًا … وفجأةً قفز إلى ذهن «تختخ» مغامرة مشابهة مرَّ بها … لم يكن مدعوًّا فيها … ولكن المفتش «سامي» أخذه معه … كانت حفلةً مثل هذه … سُرِق فيها مبلغ كبير من النقود … كان «لغز الفارس المقنع»، ولا يدري لماذا أحسَّ أن هذه الليلة أيضًا قد تشهد مغامرةً مماثلة!

وعاد المغامرون الأربعة … لم يكن أحدهم قد حصل على رقم ١٣ … وقال «محب»: إنني راقبت «رام سيخ»، ولا أظن أنه يُخفي شيئًا بين أصابعه.

قال «تختخ»: إنكَ لن تستطيع أن تكتشف هذا مطلقًا … إن هؤلاء اللاعبين الذين يُسمُّون أنفسهم السحرة يتمتَّعون بمهارةٍ عاليةٍ في استخدام أصابعهم … على كل حالٍ يا «محب»، عليك أنت و«عاطف»، و«نوسة» و«لوزة» مراقبة «رام سيخ» طول الوقت.

عاطف: المشكلة هي الظلام … فهو أسمر، وملابسه سوداء، ومن الصعب متابعته في الظلام.

مضت نحو ربع ساعة، وكان المدعوُّون — وعددهم نحو أربعين مدعوًّا — قد أخذ كلٌّ منهم ورقته، وأشار «رام سيخ» للموسيقى فسكتت، ثم صاح بصوته العميق: والآن سيداتي وسادتي تذكروا … سنُطفئ الأنوار وسيتجوَّل اللص بينكم … فإذا شعر واحد منكم أن اللص قد سرق منه شيئًا فعليه أن يعُد من واحد إلى مائة، ثم يُطلق صيحة … وبعدها سوف أُضيء الأنوار، ويقوم البوليس السري بالبحث عن اللص.

ثم صمت لحظات، وسلَّط ضوء عينَيه على «تختخ» وقال: هل أنت مستعد؟

قال «تختخ» ببساطة: نعم.

رفع «رام سيخ» يدَيه إلى فوق وقال: ستدق الموسيقى بسرعة، وعندما تنتهي من عزفها سأُطفئ الأنوار، وتبدأ لعبتنا المسلية.

وبدأت الموسيقى عزفها السريع … وانسحب «رام سيخ»، وبعد دقائق من العزف توقَّفت الموسيقى فجأة، وانطفأت الأنوار …

ساد ظلام كثيف غير متوقَّع … وارتفعت بعض الأصوات والضحكات … ومضت فترة … أخذت «لوزة» خلالها تتصوَّر أن اللص قد سرق منها شيئًا؛ فأخذت تعد واحد، اثنين … ثلاثة … أربعة … خمسة … ستة … سبعة … ثمانية … حتى اكتمل العد مائة … ثم ارتفع صوت صرخة … وصرخة ثانية بعد قليل … وصرخة ثالثة بعدها …

وانتظر الجميع إضاءة الأنوار، ولكنها ظلَّت مطفأة … وبدت حركة غير عادية تسود القاعة، وقالت إحدى السيدات بصوت مرتفع: لقد سُرق عِقدي … وصاحت ثانية … وأنا أيضًا … وقال أحد الرجال: وساعتي!

ثم ارتفعت صيحة تقول: لماذا لم تُضَأ الأنوار؟

أحسَّ «تختخ» فجأةً أن الأمور لا تسير سيرها الطبيعي، فصاح في الظلام: «محب»، «عاطف»، «نوسة»! أسرعوا ناحية الأبواب المفتوحة.

وارتفع صوت الدكتور «منير» يقول في اضطراب: ماذا حدث للنور؟ أسرعوا بإضاءة الأنوار!

وأسرع الشغَّالون إلى لوحة الأنوار … كانت الفيشات منزوعة وغير موجودة … وبدأت أعواد الثقاب والولَّاعات تُضَاء في القاعة … وعاد الدكتور «منير» يقول في عصبية: أين أنت يا «رام سيخ»؟

ومضت أصوات كثيرة تسأل عن «رام سيخ» الذي كان قد أعلن أنه سيُضيء الأنوار بنفسه بعد أن يتجاوز التعداد مائة … وساد الصالةَ الواسعة نوع من الضيق والعصبية … ومضى الشغَّالون يبحثون عن الفيشات المنزوعة على ضوء أعواد الثقاب، ولكن فيشات الكهرباء كانت قد اختفت.

أُحضرت بعض الشموع … وعلى ضوئها بدأت أحاديث متوتِّرة تسود المدعوِّين، وقالت إحدى السيدات إن عِقدها الذي سُرق يساوي ألف جنيه … وقالت ثانية إن عِقدها يُساوي أكثر … وقال رجل إن ساعته تُساوي أكثر من مائة جنيه …

ومضى «تختخ» يبحث عن زملائه المغامرين … وجد «محب» يقف بجوار أحد الأبواب … وسأله عن أي شخص مرَّ به، فقال «محب»: لم يمرَّ أحد.

ووجد «عاطف» بجوار باب آخر … ومرةً أخرى تلقَّى «تختخ» نفس الإجابة … إن أحدًا لم يمرَّ … وكذلك أجابت «نوسة».

وفجأةً أُضيئت الأنوار … ومرَّت لحظة قبل أن تعتاد العيون على الضوء، وقال أحد الشغَّالين: لقد وجدتُ فيش الكهرباء ملقاةً خلف باب الحديقة قريبًا من لوحة توزيع الكهرباء الخاصة بالقصر.

كانت أنظار المدعوِّين جميعًا معلَّقةً بالمنصة في انتظار ظهور «رام سيخ»، ولكن الدقائق مضت ببطء دون أن يظهر الساحر الهندي … وشيئًا فشيئًا تسلَّل إلى الحاضرين إحساس بأنهم خُدعوا … وأنهم كانوا ضحية لصٍّ عريق، استطاع عن طريق إحدى ألعاب التسلية أن يسرق عقدَين ثمينَين وساعة.

وفجأةً قفز «تختخ» إلى المنصة وقال: أرجو ممَّن سُرق منهم شيء أن يأتوا هنا.

ومضت لحظات … ثم تقدَّمت سيدة يبدو عليها الاضطراب، وهي تتحسَّس رقبتها … ثم ظهرت سيدة أخرى … وتقدَّم الرجل الذي سُرقت ساعته وانضمَّ إليهما.

قال «تختخ»: هل هناك أحد آخر؟

وظهر دكتور «منير» … كان وجهه شاحبًا ومتوتِّرًا … وكان يتحسَّس جيبه باستمرار … ونزل «تختخ» متوجِّهًا إليه … كان قد أدرك أن «رام سيخ» قد هرب … وأن السرقة ليست مقصورةً على العقدَين والساعة … فلا بد أن هذه الخطة الرهيبة وتفاصيلها المثيرة، تستهدف غرضًا أكبر من مجرَّد عقدَين وساعة.

وقال «تختخ»: ماذا سُرق منك يا دكتور؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤