المفتش يتدخَّل

صمت الحاضرون جميعًا … فقد كان شكل الدكتور «منير» يوحي بالخطورة … ولكنه كان متمالكًا أعصابه، وقال: أرجو من الضيوف الأعزاء ألَّا ينزعجوا؛ فسوف أدفع قيمة الأشياء التي سُرقت … أمَّا ما سُرق مني أنا فسلسلة مفاتيح.

ثم انسحب صاعدًا السلَّم إلى الدور الثاني … وتبعته زوجته … وقال «تختخ»: من كان رقم ١٣؟

وتقدَّم أحد الضيوف … وكم كانت المفاجأة أنه والد «عاطف»! واحمرَّ وجه «لوزة» و«عاطف» وهما يُشاهدان والدهما يتقدَّم من المنصة، وقال له «تختخ» باحترام: ماذا سرقت؟ ثم أسرع يُغيِّر الكلمات قائلًا: آسف يا عمي … أقصد ماذا أخذت؟

قال والد «عاطف» بحرج: لقد اخترتُ أن آخذ ساعة صديقي الأستاذ «عثمان» الذي كان يقف بجواري.

ومدَّ يده بالساعة إلى الأستاذ «عثمان» الذي أخذها في صمت … وبعد لحظات كان الدكتور «منير» ينزل السلَّم … كان يبدو أقلَّ انزعاجًا … وعندما وصل إلى حيث يقف الضيوف قال: كنتُ أتمنَّى ألَّا أُعطِّلكم، وألَّا أُبلغ الشرطة، ولكن ذلك أصبح ضرورةً الآن.

ثم اتجه إلى التليفون … واجتمع الضيوف في شكل حلقات يتحدَّثون … واجتمع المغامرون الخمسة معًا … وأخذوا يُناقشون ما حدث … قال «محب»: لقد سرق اللص عِقدَين من الماس … فهل سرق شيئًا من خزينة الدكتور «منير»؟

قال «تختخ»: هذا ما يجب أن نعرفه … فيبدو أنها كانت الهدف من كل هذه الخطة العجيبة.

نوسة: واضح جدًّا أن «رام سيخ» هو اللص.

عاطف: إنه لص من طراز ظريف … فقد قام بسرقته في وجود أكثر من أربعين شخصًا غير الشغَّالين، بل أكثر من هذا، في وجود المغامرين الخمسة، وكأنه يُخرج لنا لسانه.

وانضمَّ إليهم في تلك اللحظة «وحيد»، فأوسعوا له مكانًا بجوارهم وهو يُدير كرسيه المتحرِّك بمهارة … كان وجهه متورِّدًا من شدة الانفعال، وقال: إنني سعيد بأن أنضمَّ إليكم في هذه المغامرة إذا لم يكن عندكم مانع.

قالت «نوسة» مُرَحِّبة: بالعكس … يُسعدنا جدًّا.

تحرَّك «وحيد» وهو يقول: إن إحدى السيدتَين اللتَين سُرق عقداهما … هي والدتي … هل تودُّون الحديث إليها؟

قال «تختخ» باهتمام: طبعًا … هل نذهب إليها؟

وحيد: سأرجوها أن تحضر إلى هنا … فلن تستطيعوا الحديث إليها في وسط هذا الضجيج الذي يُحدثه المدعوُّون.

وأسرع «وحيد» على كرسيه المتحرِّك، وأخذ الأصدقاء يرمقونه حتى وقف أمام إحدى السيدتَين الواقفتَين بجوار المنصة، ثم تحدَّث إلى إحداهما، وأشار إلى الأصدقاء؛ فأحنت السيدة رأسها، وتقدَّمت معه إلى حيث يقف المغامرون الخمسة.

استقبلها الأصدقاء بعبارات الأسف على ما حدث، فقالت السيدة: شيء عجيب جدًّا هذا الذي حدث! … لقد شعرتُ بيدَين تعبثان بالعِقد، وبالطبع كان في إمكاني منعهما من أخذ العقد … ولكني لم أُرِد إفساد بهجة الحفل … بالإضافة إلى أنني كنتُ أظن أنها مجرَّد تسلية.

قال «تختخ» متسائلًا: أين كنتِ تقفين؟

قالت السيدة: بجوار السلَّم المؤدِّي إلى الدور الثاني.

قال «تختخ»: هذا ما توقَّعتُه، وأظن أن السيدة الأخرى كانت تقف بجوارك؟

السيدة: فعلًا … لقد قالت لي هذا، ولكن كيف عرفت؟

تختخ: لقد كان اللص يقصد أصلًا خزينة الدكتور «منير» في الدور الثاني، ولكننا لا نعرف حتى الآن ماذا سرق منها.

تحدَّثت «لوزة» لأول مرة قائلة: أرجو أن يحضر المفتش «سامي» … ويسمح لنا بالبحث عن اللص.

عاد «تختخ» يسأل السيدة: هل يمكن أن تتذكَّري … ماذا كان ملمس اليد التي سرقت العِقد منك؟

قالت السيدة: لا أفهم ماذا تقصد بالضبط.

تختخ: أقصد عندما امتدَّت اليدان إلى عنقك لأخذ العِقد، ماذا كان إحساسك بهذه الأصابع؟ … هل هي أصابع شاب … أو سيدة، أو رجل قوي؟

السيدة: الحقيقة أنه كان ملمسًا غريبًا.

تختخ: مثل ملمس القماش أو الجلد.

نظرت إليه السيدة في دهشة شديدة، وقالت: كيف عرفت؟! إنك شخص موهوب.

قال «وحيد»: إنه «توفيق» … يا أمي، وهو مشهور بقدرته على الاستنتاج.

السيدة: لقد عرف أين كنت أقف … ثم عرف أن الأصابع التي لمست رقبتي كانت لهما فعلًا ملمس القماش أو الجلد.

قال «عاطف» ضاحكًا: لا بد أنه اللص.

ارتبكت السيدة وقالت: لا أقصد … لا أقصد.

وحيد: إنه ولد في غاية الذكاء يا أمي.

تختخ: المسألة في غاية البساطة … إن اللص كان يلبس قُفَّازًا … ولعلَّكم تذكرون أن «رام سيخ» كان يلبس قُفَّازًا … ثانيًا: إنه كان يُريد السطو أساسًا على خزينة الدكتور «منير» … لهذا فقد سرق منه المفاتيح … وفي طريق صعوده إلى الدور الثاني بجوار السلَّم سرق العِقدَين.

لوزة: ولكن لماذا يسرق العِقدَين ما دام قصده الأساسي هو سرقة خزينة الدكتور «منير»؟

تختخ: حتى يزيد ارتباكنا … ويجعل اهتمامنا منصبًّا أولًا على العقدَين … فيكسب مزيدًا من الوقت.

في هذه اللحظة دخل الشاويش «علي» مسرعًا … وراقبه المغامرون الخمسة وهو يتجه إلى حيث كانت مجموعةٌ من الضيوف واقفة، ويسأل عن الدكتور «منير»، وتقدَّم الدكتور سريعًا منه، وقدَّم له نفسه … وبكلمات موجزة شرح له ما حدث …

وأخذ الشاويش والدكتور «منير» الحديث … ثم لاحظ الأصدقاء دخول شخص غريب ليس من الضيوف … كان يبتسم ودخل مندفعًا متجهًا إلى حيث كان الدكتور «منير» يقف، وسلَّم عليه بحرارة … ثم أخذ يتحدَّث مع الدكتور «منير» … وبدأ حماسه يخف تدريجيًّا … ثم بدا عليه الارتباك … وترك «تختخ» المغامرين الخمسة واتجه إلى حيث كان يقف الدكتور «منير» والشاويش والرجل الذي دخل.

وما كاد الشاويش يرى «تختخ» … حتى تلوَّن وجهه بشتَّى الألوان، وترك الحديث مع الدكتور وقال: أنت هنا؟

تختخ: وهل هناك مانع؟

الشاويش: والسرقة التي حدثت هنا!

تختخ: ما لها؟

الشاويش: أنت … إنك …

تختخ: لا تُضيِّع وقتك يا حضرة الشاويش، إن الوقت يمضي، والدقائق لها قيمتها.

وفتح الشاويش فمه ليتكلَّم، ولكنه لم ينطق بحرف واحد؛ فقد ظهر المفتش «سامي» ومعه بعض رجاله … وعندما شاهد المفتش المجموعة التي يقف فيها الشاويش اتجه فورًا إلى حيث كانوا يقفون، ورفع الشاويش يده بالتحية العسكرية … وضم عقبَيه في قوة … واتجهت أنظار جميع الموجودين إلى المفتش … وقدَّم الدكتور «منير» نفسه إلى المفتش «سامي»، ثم أشار إلى صديقه قائلًا: وهذا الأستاذ «هارون» صديقي …

وتبادل المفتش معه التحية … ثم التفت إلى «تختخ» وحيَّاه بحرارة … وبدأ المفتش ورجاله إجراءاتهم … فتوزَّع الرجال بين المدعوِّين يسألونهم ويأخذون العناوين … على حين وقف المفتش مع الدكتور «منير» يستمع إلى ما حدث.

وبين لحظة وأخرى كان المفتش يتبادل النظرات مع «تختخ»، وعندما انتهى الدكتور «منير» من حديثه قال المفتش يسأله: هل الخزينة مفتوحة؟

الدكتور «منير»: لا … إنها مغلقة.

المفتش: إذن فأنت لا تعرف هل سرقوا منها شيئًا أو لا؟

الدكتور «منير»: حتى الآن لا أعرف …

المفتش: وما الذي فيها؟

تردَّد الدكتور «منير» لحظات، ثم قال: مجوهرات زوجتي.

المفتش: كمية كبيرة؟

الدكتور: نعم … ولكن هناك شيئًا آخر أود أن أُحدِّثك عنه على انفراد.

واتجه الدكتور والمفتش إلى ناحيةٍ خالية من الصالة، وأخذ «تختخ» يُلاحظهما، كان الدكتور يتحدَّث ويُشير بيدَيه … وكان المفتش يُنصت بانتباه، وملامح وجهه تدل على أهمية الحديث الذي يسمعه.

وبعد نحو عشر دقائق عاد المفتش والدكتور «منير» ينضمَّان إلى المجموعة، وقال المفتش موجِّهًا حديثه إلى الأستاذ «هارون» قائلًا: أنتَ الذي رشَّحت الساحر «رام سيخ» … ليُقدِّم ألعابه في الحفل؟

هارون: نعم.

المفتش: وكيف تعرَّفتَ عليه؟

هارون: إنه ينزل في الفندق الذي أنزل به … في الغرفة المجاورة لي … وعندما حدَّثني صديقي الدكتور «منير» عن الحفل الذي ينوي إقامته … اقترحتُ عليه أن نُقدِّم حفلًا مبتكرًا؛ فوافق … وحدَّثت «رام سيخ» أن يحضر الحفل ويُقدِّم بعض ألعابه المدهشة؛ فوافق هو الآخر.

المفتش: وأين تنزل؟

هارون: أنزل في فندق «هيلتون».

المفتش: سنذهب إلى هناك فورًا.

ثم استدعى المفتش بعض رجاله، وتحدَّث معهم قليلًا، وأعطاهم تعليماته، ثم اصطحب معه الأستاذ «هارون» واتجها إلى خارج القصر، فلحق بهما «تختخ» قائلًا للمفتش: هل يمكن أن آتي معكما؟

المفتش: لا مانع … فإنني أُريد أن أتحدَّث معكَ قليلًا.

تختخ: سأتحدَّث مع أصدقائي لحظات ثم أعود إليكما.

وأسرع «تختخ» إلى حيث كان يقف بقية المغامرين ومعهم «وحيد».

وتحدَّث إليهم قائلًا: أُريد أن أعرف كيف غادر «رام سيخ» القصر … هل عن طريق الأبواب أم بطريقة أخرى؟ … سأذهب الآن مع المفتش … وسنلتقي غدًا صباحًا في حديقة منزل «عاطف» … افتحوا عيونكم وآذانكم.

وأسرع «تختخ» يلحق بالمفتش، فركبا سيارته ومعهما الأستاذ «هارون»، وبعد لحظات كانت السيارة تشق طريقها وسط شوارع المعادي الهادئة … كان «هارون» يجلس بجوار السائق، و«تختخ» والمفتش يركبان في الخلف، وأخذ «تختخ» يروي للمفتش ما حدث … واستنتاجاته … وحديثه مع السيدة التي سُرق عِقدها …

وغادرت السيارة المعادي مسرعة … ثم أخذت طريق الكورنيش … ومضت في طريقها إلى فندق «هيلتون» حيث ينزل «رام سيخ» والأستاذ «هارون».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤