النافذة المفتوحة

دارت السيارة في ميدان التحرير، ثم صعدت المطلع الذي يقع أمام فندق «هيلتون» وتوقَّفت، وأسرع أحد المنادين يفتح الباب … ولم يكد يرى المفتش حتى حيَّاه باحترام، فقال له المفتش: كيف حالك يا «فهيم»؟

ردَّ الرجل بأدب: الحمد لله يا حضرة المفتش … الفضل لك …

ودخل الثلاثة إلى بهو الفندق … ثم اتجهوا إلى الاستعلامات، وقال المفتش: غرفة «رام سيخ» الهندي؟

نظر موظَّف الاستقبال إلى لوحة المفاتيح وقال: غرفة رقم ٤١٢.

المفتش: المفتاح موجود؟

الموظف: لا يا سيدي … لقد أخذه «رام سيخ» منذ نحو ساعة ونصف ولم يُعِده.

وأسرع الثلاثة إلى المصعد … وأخذ «تختخ» يُحدِّث نفسه: هل يمكن أن يكون «رام سيخ» في غرفته؟ من غير المعقول أن يرتكب حادث السرقة المثير في منزل الدكتور «منير»، ثم يأتي ليقبع في غرفته بالفندق في انتظار رجال الشرطة! إن هذا غير ممكن ما لم يكن هناك سر خطير وراء كل هذه التصرُّفات.

وصل الثلاثة إلى حجرة «رام سيخ»، وطلب المفتش من الأستاذ «هارون» ومن «تختخ» الابتعاد قليلًا من الباب … ثم دقَّ الباب … وانتظر فترة، ثم دقَّه مرةً أخرى … ولم يردَّ أحد …

وانتظر المفتش لحظات أخرى، ثم مدَّ يده وأدار مقبض الباب … وببساطة جدًّا دار المقبض … وأحسَّ «تختخ» بقلبه يخفق بسرعة … فماذا في الغرفة التي انفتح بابها؟

كان المفتش قد شهر مسدَّسه بيده اليمنى، واقتحم الغرفة … ويبدو أن أحدًا لم يكن في الغرفة؛ لأن «تختخ» في موقفه البعيد لم يسمع شيئًا يدل على صراع، أو يسمع أي حديث، وأشار المفتش بيده للأستاذ «هارون» … و«تختخ» … أن يدخلا، وأسرع «تختخ» إلى الغرفة. كانت ملابس «رام سيخ» التي حضر بها الحفل ملقاةً هنا وهناك، وتحت الفراش كانت حقيبة فارغة وحذاء …

قام المفتش بتفتيش الغرفة جيدًا … وكان «تختخ» يُراقبه بإعجاب وهو يفحص كلَّ شيء بدقة … ثم قال المفتش: لا شيء على الإطلاق … ومن الواضح أن «رام سيخ» قد حضر على عجل … فغيَّر ثيابه، ثم غادر الفندق.

تختخ: ولكن لماذا ترك حقيبته؟

المفتش: حتى لا يبدو وكأنه يُغادر الفندق … لقد نزل وكأنه خارج لعمل أو لنزهة دون أن يحمل حقيبته.

تختخ: ولكن موظَّف الاستقبال قال إنه لم يخرج.

المفتش: لعلَّه لم يرَه … ولا تنسَ أن لفندق «هيلتون» بابًا على ميدان التحرير، وبابًا آخر على كورنيش النيل، وسنعرف الآن من أي باب خرج … فهو شخصية واضحة بملابسه الغريبة وشكله المميَّز.

وأمسك المفتش بسمَّاعة التليفون، وطلب الاتصال بإدارة البحث الجنائي، وتحدَّث إلى بعض معاونيه طالبًا القبض على «رام سيخ» حيثما وُجد … مع إخطار المطار والموانئ بمنعه من مغادرة البلاد.

التفت المفتش إلى «تختخ» وهما يُغادران الغرفة وسأله: هل هناك شيء معيَّن لفت نظرك؟

هزَّ «تختخ» رأسه قائلًا: لا شيء حتى الآن … ولكن بعض الأفكار تطوف برأسي.

المفتش: سأعود إلى المعادي الآن لأرى ماذا فعل رجالي بتحرياتهم … فهيا بنا …

ثم التفت المفتش إلى الأستاذ «هارون» قائلًا: هل ستعود إلى المعادي الليلة يا أستاذ «هارون»؟

ردَّ «هارون»: نعم … ولكن هناك شيئًا سأقوم به أولًا، ثم أعود لأكون بجوار صديقي الدكتور «منير» … وربما أمضيتُ الليل عنده.

وتبادل الثلاثة التحية … ثم ركب المفتش و«تختخ» السيارة واتجها إلى المعادي … وعندما غادرا المدينة المزدحمة قال المفتش ﻟ «تختخ»: سأخبرك بشيء هام جدًّا، أرجو أن تُبقيه سرًّا بيننا … ولم أشأ أن أتحدَّث فيه أمام الأستاذ «هارون» أو الضيوف لأهميته البالغة.

قال «تختخ»: لا بد أن هذا الشيء كان مدار الحديث بينك وبين الدكتور «منير» عندما طلب أن يتحدَّث إليكَ على انفراد.

ابتسم المفتش قائلًا: تمامًا … إن ذكاءك لا يخونك أبدًا.

تختخ: لقد لاحظتُ أن الدكتور «منير» كان منزعجًا جدًّا، انزعاجًا أشدَّ من انزعاج رجل ثري سُرقت منه بعض المجوهرات.

المفتش: معك حق … إن الدكتور «منير» كما تعرف ينحدر من أسرة غاية في الثراء، بالإضافة إلى أن عمله في مجال «الذرة» بالولايات المتحدة هو وزوجته التي كانت أصلًا تلميذته. وقد حقَّق لهما عملهما مع الشركات الأمريكية دخلًا ضخمًا … والمجوهرات كما قال لي ليست بذات أهمية كبيرة بالنسبة لهما.

تختخ: هذا ما توقَّعتُه بالضبط … إن انزعاجه على شيء أهم.

المفتش: فعلًا …

وصمت قليلًا، ثم مال على «تختخ» وحدَّثه هامسًا: إن في خزينة الدكتور «منير» وثائق على أكبر جانب من الأهمية، خاصة بالمفاعلات الذرية التي ستبنيها مصر بالاتفاق مع الولايات المتحدة … وهي نظرية جديدة لاستخدام «الذرة» في الأغراض السلمية لم يتوصَّل إليها أحد.

تختخ: والدكتور «منير» يخشى أن تكون هذه الوثائق قد سُرقت.

المفتش: تمامًا …

تختخ: ولكن لماذا يحتفظ الدكتور «منير» بمثل هذه الوثائق في خزينة منزله؟ … ألم يكن من الأفضل تسليمها إلى الجهات المختصة للاحتفاظ بها في أماكن لا يسهل سرقتها؟

المفتش: هذا ما حدث فعلًا … فالوثائق الأصلية موجودة بجهات أمنية … ولكن الدكتور «منير» رأى أن يحتفظ بصورة منها عنده لدراستها في منزله مع زوجته.

تختخ: من المهم في هذه الحالة معرفة ما إذا كانت هذه الوثائق قد سُرقت أم لا.

المفتش: لقد طلبتُ من رجالي أن يطلبوا خبيرًا في فتح الخزائن، وعندما نصل إلى المعادي سنجده في الأغلب قد وصل.

وساد صمت … لم يكن يقطعه سوى صوت موتور السيارة وهي تشق طريقها مسرعةً إلى المعادي، وفجأةً قال «تختخ»: إننا لم نسأل الواقفين على أبواب «الهيلتون» عمَّا إذا كانوا قد شاهدوا «رام سيخ» وهو يخرج.

المفتش: إنه من المؤكَّد قد خرج.

تختخ: هل تتوقَّع أن يكون قد خرج في ملابس الساحر؟

المفتش: بالتأكيد لا … لقد غيَّر من هيئته وخرج، وفي الغالب أزال اللحية وارتدى ملابس عادية، وخرج دون أن يلحظه أحد.

تختخ: أنت لم ترَ «رام سيخ»؟

المفتش: لا طبعًا.

تختخ: وهل سمعتَ وصفه جيدًا؟

المفتش: وصفَه لي الدكتور «منير» بسرعة.

تختخ: إن أهم ما في «رام سيخ» ليس لحيته … ولكن الحدبة الواضحة في ظهره … وهذا ما يمكن أن يلفت إليه أنظار الذين يقفون على الأبواب.

ووصلت السيارة في تلك اللحظة إلى القصر … ودخلت من بابه الواسع … وأسرع رجال المفتش إليه … وقالوا إنهم أرسلوا في طلب خبير الخزائن الذي لم يكن في منزله، بل يحضر فرحًا لأحد أقاربه في مصر الجديدة. وإن سيارةً قد ذهبت لإحضاره … وإنهم سمحوا للضيوف بالانصراف بعد أن أخذوا أقوالهم وعناوينهم … ولم يبقَ سوى أربعة من الأولاد يرفضون الانصراف.

قال المفتش ضاحكًا: إنهم أصدقائي المغامرون … لا بأس سأراهم الآن.

ودخل المفتش ومعه «تختخ» … كان الدكتور «منير» وزوجته يجلسان، وقد بدا عليهما الضيق والأسف … والشغَّالون يُزيلون آثار الحفل … وبقية المغامرين غير موجودين.

قال المفتش: أين الأولاد الأربعة؟

ردَّ أحد الرجال: لقد خرجوا إلى الحديقة.

وأسرع «تختخ» لمقابلة الأصدقاء … وعندما وصل إلى الحديقة وجد ضوءًا رفيعًا يتحرَّك بين الأشجار الكثيفة … واتجه إليه … ووجد «محب» و«نوسة» … و«عاطف» و«لوزة»، يبحثون بين الأشجار عن شيء لا يعرفه.

قال «تختخ»: مساء الخير.

والتفت إليه الأربعة باهتمام وقالوا: هل قبضتم على «رام سيخ»؟

تختخ: بالطبع لا … لقد فرَّ «رام سيخ» … بعد أن غيَّر شكله … وأعتقد أن الوصول إليه أصبح شبه مستحيل.

محب: وكان ينزل في فندق «هيلتون» فعلًا؟

تختخ: نعم.

محب: شيء غريب … فمثل هؤلاء السحرة لا ينزلون في الفنادق الضخمة الغالية … ولا يمكن أن يُحقِّق لهم دخلهم مثل هذا المستوى من الإنفاق.

تختخ: ملاحظة معقولة … إلا إذا كان «رام سيخ» ليس ساحرًا من سحرة الكباريهات … أو ليس ساحرًا على الإطلاق.

نوسة: هل هذا ممكن؟

تختخ: طبعًا … إن هذه الألعاب يمكن أن يُجيدها أي شخص … فهي ليست إلا حركات تعتمد على المهارة والذكاء.

عاطف: إن هذا يعني أشياء كثيرة!

تختخ: طبعًا … والمهم الآن … ماذا تفعلون هنا؟

لوزة: لقد استنتجنا أن «رام سيخ» نزل من نافذة غرفة الدكتور «منير» في الدور الثاني حيث توجد الخزينة … فقد وجدنا النافذة مفتوحة، وأكَّد لنا الدكتور أنها كانت مغلقة، والنافذة توجد في الناحية الخلفية من القصر حيث لا يوجد أحد.

تختخ: عظيم جدًّا.

لوزة: ووجدنا أنه كان يمكنه النزول على الأشجار المحيطة بالنافذة؛ فهي أشجار ضخمة، وعروقها قوية يمكن أن تتحمَّل ثقله.

تختخ: رائع … ثم ماذا؟

لوزة: حاولنا على ضوء الحديقة والبطارية أن نتتبَّع آثار خطواته … ونعتقد أننا في الطريق الصحيح … فقد عثرنا على آثار أقدام حديثة على العشب، وفي بعض المناطق الموحلة التي رُويت حديثًا.

وتذكَّر «تختخ» على الفور الحذاء الذي شاهده في غرفة «رام سيخ» في فندق «الهيلتون»، لقد كان متسخًا بالطين فعلًا في بعض جوانبه … وأدرك أن المغامرين يسيرون في الطريق الصحيح، وسار معهم …

ومضى المغامرون الخمسة يتتبَّعون الأثر … كانت الأقدام تختفي أحيانًا، ثم تُعاود الظهور بعد مسافة قصيرة … وقالت «لوزة» بانفعال: إنني أتوقَّع أن نجد شيئًا.

عاطف: شيء مثل ماذا؟ «رام سيخ» مثلًا؟

وقبل أن ترد «لوزة» وقع ضوء الكشَّاف على شيء يلمع في الوحل … ومال «محب» الذي كان أقرب المغامرين إليه، ثم صاح: إنها سلسلة مفاتيح!

ولم يشكَّ المغامرون في أنها سلسلة مفاتيح الدكتور «منير» التي سرقها منه «رام سيخ» في الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤