ماذا في الخزينة؟

كانت مفاجأة … وأمسك «تختخ» بالسلسلة قائلًا: سنعرف الآن ما إذا كانت … ثم سكت … كان يُريد أن يقول الوثائق … ولكنه تذكَّر أهمية الموضوع وخطورة انتشاره، فقرَّر أن يُخفي الحقيقة حتى يرى ماذا يحدث بعد ذلك.

قال «عاطف»: يجب أن نُسرع ونُعطي السلسلة للمفتش.

تختخ: سأعود أنا، و«لوزة»، و«نوسة»، وعليكما بمواصلة البحث؛ فقد تعثران على شيء آخر ممَّا سرقه اللص. وأرجو أن تُحاولا معرفة المكان الذي خرج منه بالتحديد من الحديقة.

وأسرع «تختخ» و«نوسة» و«لوزة» عائدين إلى القصر … وواصل «محب» و«عاطف» السير في الحديقة على ضوء الكشَّاف.

وصل «تختخ» وصديقتاه في الوقت المناسب … كان خبير الخزائن قد وصل وصعد إلى فوق ومعه المفتش والدكتور «منير»، وبعض رجال المفتش … وبقي بعضهم الآخر يتناقشون.

أسرع «تختخ» بالصعود إلى الدور الثاني، وطلب من «نوسة» و«لوزة» البقاء والاستماع إلى الأحاديث التي تدور بين رجال الشرطة والشغَّالين … فقد تُفيد المغامرين الخمسة.

ووجد المفتش يقف وهو يتحدَّث مع الدكتور وزوجته … على حين كان خبير الخزائن قد أخرج أدواته، وأخذ يفحص الخزانة.

اقترب «تختخ» من المفتش بهدوء، وأشار له بأنه يُريد أن يُحدِّثه على انفراد، واستأذن المفتش ووقف مع «تختخ» في جانب الغرفة، وأخرج «تختخ» السلسلة من جيبه، ومدَّ يده بها للمفتش قائلًا: وجدناها في الحديقة.

قال المفتش مندهشًا: إنها سلسلة …

تختخ: في الغالب سلسلة مفاتيح الدكتور.

ونظر المفتش إلى «تختخ» بإعجاب، وربت على كتفه … فقال «تختخ»: إن «محب» و«عاطف» ما زالا يقومان بالبحث في الحديقة علهما يعثران على شيء آخر.

استدار المفتش عائدًا إلى ناحية الخزينة … وسار «تختخ» خلفه، وقال المفتش لخبير الخزائن: لا داعي لأن تُتعب نفسك.

ورفع سلسلة المفاتيح بين أصابعه أمام الدكتور «منير» قائلًا: أظن أنها … قال الدكتور مندهشًا وهو يمد يده مسرعًا: فعلًا إنها سلسلة مفاتيحي!

وأسرع الدكتور يخطف المفاتيح، واتجه فورًا إلى الخزينة، ثم وضع المفتاح في قفل الخزينة، وسرعان ما سمع الموجودون «تكةً خفيفة» … وانفتح الباب، وسادت لحظة صمت ثقيلة جميع الموجودين … وبدا وجه الدكتور «منير» وقد علاه الاحمرار، على حين مدَّت زوجته رقبتها تنظر، ومدَّ الدكتور «منير» يده في الخزينة، وأمسك بمجموعة من الأوراق داخل ملف وصاح: إنها موجودة!

والتفت الدكتور «منير» إلى المفتش بوجه سعيد … وابتسمت زوجته وقالت: والمجوهرات؟

ردَّ الدكتور وهو يفتح الملف ويقلب الأوراق: ليس مهمًّا ما أُخِذ بعد ذلك … إن الأوراق موجودة وكاملة.

وابتسم المفتش، والتفت إلى «تختخ» وقال: لقد انزاح عن كتفي حمل ثقيل … إنه لص مجوهرات … وسوف يقع في أيدينا.

عاود الدكتور «منير» البحث في الخزينة، ثم قال: لقد سرق المجوهرات فعلًا.

المفتش: لا بأس … الآن ارتحت قليلًا … وأرجو أن نتمكَّن من القبض عليه قبل مغادرته البلاد … ولا أظن أنه يستطيع.

قال المفتش: هل تسمح يا دكتور بأن آخذ هذه الوثائق معي … سوف تبقى عندنا حتى تحتاجها.

مدَّ الدكتور يده بالملف قائلًا: لا مانع مطلقًا.

وأخذ المفتش الملف … وغادر الجميع الغرفة … وعندما وصلوا إلى الصالة السفلى للقصر، قال المفتش موجِّهًا حديثه للجميع: أُحب أن أشكر بالنيابة عنكم المغامرين الخمسة الذين عثروا على المفاتيح.

ونظر الدكتور «منير» إلى «تختخ»، ثم قال: إنك «توفيق» … إن والدك صديقي … لقد كان الأولاد على حق عندما اختاروك للقيام بدور المخبر السري.

قال «تختخ» مشيرًا إلى «نوسة» و«لوزة»: إن أصدقائي هم أصحاب الفضل … فهم الذين بحثوا في الحديقة، وما زال «محب» و«عاطف» يقومان بالبحث.

كان وجه «لوزة» شديد الاحمرار وهي تسمع هذا الثناء على المغامرين … على حين وقفت «نوسة» هادئةً تبتسم.

وفي تلك اللحظة دخل «محب» و«عاطف» وقد تلوَّثت ثيابهما ووجهاهما وأيديهما … وكان «عاطف» يحمل في يده عِقدًا من الماس يلمع تحت الأضواء، وصاحت زوجة الدكتور «منير»: إنه عِقدي!

وأسرعت تأخذ العِقد من «عاطف» وهي تقول: إنكم أولاد مدهشون.

قال «عاطف» وهو يحك وجهه: لقد وجدناه بجوار السور حيث تسلَّق اللص الأشجار المحيطة بالسور وقفز إلى الخارج، ومن الواضح أنه سقط منه.

عادت زوجة الدكتور «منير» تقول: إنه أثمن قطعة عندي … فقد ورثته عن والدتي، وله قيمة أثرية كبيرة.

كان الشاويش «فرقع» يشهد هذا المنظر، وهو يكاد يُفرقع فعلًا من الضيق والسخط، وكان يسأل نفسه: لماذا لم أُفكِّر في الحديقة؟ … لو فكَّرتُ لوجدتُ المفاتيح والعِقد، ولكنتُ الآن موضع إعجاب الجميع … ولكن هؤلاء الأولاد الملاعين يُفكِّرون في كل شيء. إنهم … إنهم …

وقطع عليه حبل أفكاره المفتش وهو يقول: والآن أصبحَت مُهمَّتنا البحث عن «رام سيخ»، ونرجو أن نتمكَّن من القبض عليه سريعًا.

وفي تلك اللحظة دقَّ جرس التليفون … وتقدَّم أحد الشغَّالين في القصر ورفع السمَّاعة، ثم قال للدكتور «منير»: شخص يطلبك يا دكتور.

وتقدَّم الدكتور من التليفون، وأخذ يتحدَّث لحظات، ثم وضع السمَّاعة، ثم التفت إلى المفتش قائلًا: إنه صديقي الأستاذ «هارون» كان يسأل عمَّا حدث، وقد طمأنته بأن كل شيء على ما يرام … تقريبًا.

وتوجَّه المفتش ورجاله إلى الباب وخلفه «تختخ» وبقية المغامرين … وعند الباب الخارجي للحديقة قال المفتش: سأوصلكم إلى منازلكم … فقد أشرفت الساعة على منتصف الليل.

وفي السيارة أخذ المغامرون والمفتش يتبادلون الأحاديث حول السرقة، وكيف دبَّرها «رام سيخ» بمهارة فائقة، وقال «تختخ»: قد يكون من المفيد أن نعرف كيف تعرَّف الأستاذ «هارون» على «رام سيخ» … فقد يعرف الأستاذ «هارون» معلومات عن هذا الهندي تنفع في القبض عليه.

قال المفتش: إن «هارون» … ينزل في فندق «هيلتون» مع «رام سيخ»، ولعله تعرَّف به هناك.

تختخ: على كل حال لن نخسر شيئًا.

المفتش: إذا لم نقبض على «رام سيخ» الليلة فسوف أستدعي «هارون» غدًا صباحًا.

لوزة: وهل تتوقَّع أن تقبض على «رام سيخ» الليلة؟

المفتش: أُرجِّح ذلك … فقد وضعنا كمائن في كل مكان يمكن أن يتردَّد عليه.

تختخ: إذا استدعيتَ الأستاذ «هارون» فأرجو أن تسمح لي بحضور هذه المقابلة.

المفتش: لا مانع … أين تكون غدًا؟

تختخ: في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد.

دارت السيارة بمنازل المغامرين الخمسة حيث نزل «محب» و«نوسة»، ثم «عاطف» و«لوزة» … ثم «تختخ» الذي كان في طريقه إلى غرفة العمليات عندما قابل والده …

وقال الوالد: لماذا تأخَّرت؟

قال «تختخ»: لقد تطوَّرت الأمور …

الوالد: ماذا حدث بالضبط؟

تختخ: لقد عثرنا على مفاتيح الدكتور «منير»، وعِقد من الماس من مجوهرات زوجة الدكتور «منير».

الوالد: إذن فقد سرق اللص مجوهرات زوجة الدكتور؟

تختخ: نعم.

الوالد: ومن الذي عثر على المفاتيح والعِقد؟

تختخ: المغامرون الخمسة …

ابتسم الوالد قائلًا: إنكم تنسبون لأنفسكم كثيرًا من الأعمال المدهشة؟

تختخ: ولكن هذا ما حدث فعلًا …

الوالد: وهل علم الدكتور «منير» … بذلك؟

تختخ: نعم … وكان سعيدًا جدًّا بأنه صديقك، وأن ابن صديقه الذي هو أنا مخبر بارع.

طافت بوجه الوالد ابتسامة فخر … سرعان ما تلاشت، وقال: إنه صديقي منذ أن كنا في المدرسة الابتدائية … وقد كان دائمًا نابغةً في العلوم … وكان دائمًا أول دفعته في جميع مراحل التعليم … ثم ذهب إلى أمريكا لاستكمال دراسته … وقد برز في علوم «الذرة» … حتى أصبح واحدًا من أهم العلماء في هذا المجال … وعرضت عليه أمريكا الجنسية الأمريكية، ولكنه فضَّل العودة إلى مصر للمساهمة في إنشاء المفاعلات الذرية … وبخاصةٍ أن له نظريةً هامةً في الانشطار الذري.

تختخ: وهل كان الأستاذ «هارون» زميلك أيضًا؟

الوالد: لا … إنني لم أرَ الأستاذ «هارون» إلا هذه الأيام عندما عاد إلى مصر مع الدكتور «منير»، وأظن أنه خريج جامعة عين شمس، وأنا والدكتور «منير» من خريجي جامعة القاهرة …

ثم تردَّد الوالد لحظات، وقال: لقد كانت في خزينة الدكتور «منير» أوراق هامة، هل عندك فكرة عنها؟

قال «تختخ»: نعم …

الوالد: هل سُرقت هذه الأوراق؟

تختخ: لا …

الوالد: الحمد لله … إنها أوراق في غاية الأهمية …

وابتسم «تختخ»؛ فقد عرف أن والده كان لا يعرف أنه يعرف … وتبادل الأب والابن تحية المساء، وصعد كلٌّ منهما إلى غرفته … ذهب «تختخ» إلى غرفة العمليات، ثم أخرج دفتر مذكراته الصغير … وأخذ يُدوِّن فيه كلَّ المعلومات التي تُهمُّه عن الساحر الهندي «رام سيخ» … والخطة الممتازة التي وضعها للاستيلاء على المجوهرات، ولكن شيئًا وسط هذه المعلومات دفعه إلى التفكير العميق … شيئًا صغيرًا قد لا يلفت انتباه أحد … ولكن بالنسبة ﻟ «تختخ» كان شيئًا هامًّا …

وعندما استلقى على فراشه لينام ظلَّ ذلك الشيء يُطارده … هناك شيء ما مفقود في سلسلة الحلقات التي تمَّت في هذه الليلة المثيرة … وأخذ يسترجع شريط اليوم بأكمله، والأحداث التي مرَّت … و«رام سيخ» بالحدبة الواضحة في ظهره، ولحيته الطويلة، وعينَيه النافذتَين … ويدَيه اللتَين غُطيتا بالقفاز …

ما هو الشيء الذي يُقلق «تختخ»؟ ما هو الجزء الناقص في الصورة المكوَّنة من عشرات التفاصيل؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤