الدور الوحيد في التمثيلية

قال «عاطف»: إنك سرحان يا «تختخ»، وكأنك شاعر سيكتب قصيدة.

ووضع «تختخ» يده على رأسه، وأخذ ينظر إلى «عاطف» متأمِّلًا، ثم قال: ألم تعجبك خطة «رام سيخ» المدهشة؟

عاطف: إنها في الحقيقة خطة ممتازة لا تخطر إلا على بال شيطان.

تختخ: هل تتصوَّر أن لصًّا مثل «رام سيخ» يمكن أن يضع هذه في الخطة في لحظات قليلة، وهو واقف يُؤدِّي دوره أمام المدعوِّين؟

قالت «نوسة» التي كانت تتابع الحوار باهتمام: ماذا تقصد يا «تختخ»؟

تختخ: أقصد أن «رام سيخ» لم يكن في إمكانه وضع مثل هذه الخطة المعقَّدة وتنفيذها خلال ساعة … إن هذه الخطة قد وُضعت منذ فترة طويلة، والذي وضعها يعرف كلَّ شيء عن القصر … مثلًا مكان صندوق توزيع الكهرباء في القصر … وغرفة نوم الدكتور «منير» حيث توجد الخزينة … وأشياء أخرى تدل على أن صاحب الخطة رجل يعرف القصر جيدًا.

قال «محب»: معقول جدًّا … ومعنى ذلك أن «رام سيخ» له شريك من داخل القصر يعرف كل شيء عنه.

تختخ: هذا ما أقصده … لا بد أن أحدًا ساعد «رام سيخ» في هذه السرقة … ثم هناك شيء آخر.

وقبل أن يُتم جملته دقَّ جرس التليفون الذي كانت «لوزة» قد أحضرته، ورفعت «لوزة» السمَّاعة … كان المتحدِّث هو المفتش «سامي»، وتناول «تختخ» السمَّاعة وقال المفتش: لقد ذهب أحد رجالنا إلى السفارة الهندية … والسفارة لا تعرف شيئًا عنه؛ فهو لم يتردَّد عليها حتى الآن …

ولمعرفة أنه هندي أو غير ذلك يستدعي اتصال السفارة بوزارة الداخلية الهندية، وهذا بالطبع إجراء يستغرق بعض الوقت.

قال «تختخ»: والسيارة «البويك» الخضراء؟

المفتش: لا شيء عنها حتى الآن.

فكَّر «تختخ»، ثم قال: يا سيادة المفتش … أُريد أن أُوضِّح لكَ بعض أشياء دارت برأسي، وآسف جدًّا إذا طلبتُ منك الحضور إلى المعادي الآن.

المفتش: غير معقول يا «توفيق»! … إن عندي أعمالًا كثيرةً هنا.

تختخ: إنني أُريد مقابلة الدكتور «منير».

المفتش: ولماذا لا تذهب لمقابلته؟

تختخ: لا أظن أنه سيهتم بالاستماع لي … كما أنني سأتحدَّث معه عن الوثائق الخطيرة التي كانت عنده … وهو طبعًا لا يعرف أنني أعرف أي شيء عنها.

المفتش: ولكن ما أهمية هذا الحديث بالنسبة للبحث عن «رام سيخ»؟

تختخ: إنه قد يُؤدِّي إلى القبض عليه.

المفتش: ولكننا وضعنا كل الخطط الممكنة للقبض عليه، ووزعت نشرة بأوصافه في كل مكان يمكن أن يتردد عليه … ولا أظن أنه سيُفلت من أيدينا … وإن المسألة مسألة وقت لا أكثر، وبخاصةٍ بعد أن شاهدناه هذا الصباح في ميدان التحرير.

تختخ: هل أرجوك أن تُحدِّث الدكتور «منير» ليُقابلني مع بقية الأصدقاء الآن؟

المفتش: هذا ممكن جدًّا، سأُحدِّثه تليفونيًّا الآن، وأتصل بكم بعد لحظات.

ووضع «تختخ» السمَّاعة، وقالت «لوزة»: إنك تبدو مشغولًا جدًّا يا «تختخ»، لماذا لا تتحدَّث عمَّا يشغل بالك؟ … ثم ما هي حكاية هذه الوثائق التي تحدَّثتَ مع المفتش عنها؟ … إننا لا نعرف شيئًا عن وثائق في هذه القضية.

تختخ: آسف جدًّا، لقد طلب مني المفتش ألَّا أُحدِّث أحدًا عنها، ولكني أعتقد أنه قد آن الأوان لكي تعرفوا كل شيء؛ فهذه الوثائق كانت هي المقصودة بكل ما حدث.

محب: ما أهمية هذه الوثائق يا «تختخ».

تختخ: إنها وثائق خاصة بالمفاعلات الذرية التي ستقوم مصر بإنشائها بالاتفاق مع أمريكا، وإحدى هذه الوثائق فيها معادلات نظرية جديدة وضعها الدكتور «منير».

محب: وأين كانت هذه الوثائق؟

تختخ: كانت في خزينة الدكتور «منير» مع مجوهرات زوجته.

محب: وهل سُرقت هذه الوثائق؟

تختخ: لا … لم تُسرق.

تدخَّلت «نوسة» في الحديث قائلة: إذا لم تكن الوثائق قد سُرقت، فما أهميتها بالنسبة لحادث السرقة الذي نبحثه؟

تختخ: إن عدم سرقتها هو الذي يُحيِّرني.

عاطف: إنك الذي تُحيِّرنا الآن … كيف يُحيِّرك أنها لم تُسرق؟!

ولم يردَّ «تختخ» على الفور، وعندما فتح فمه ليرد دقَّ جرس التليفون، ومرةً أخرى كان المفتش «سامي» هو الذي يتحدَّث، وتناول «تختخ» السمَّاعة فاستمع قليلًا، ثم قال: شكرًا. ووضع السمَّاعة، ووقف وقال للأصدقاء: هيا بنا.

لوزة: إلى أين؟

تختخ: إلى القصر.

لوزة: لمقابلة الدكتور «منير»؟

تختخ: لا … سنُقابل زوجة الدكتور؛ فقد خرج الدكتور في مُهمَّة في وزارة البحث العلمي.

وقفز المغامرون الخمسة إلى درَّاجاتهم، وانطلقوا مسرعين إلى غرب المعادي حيث يوجد القصر الضخم. وبعد نحو ربع ساعة أشرفوا على الحديقة الواسعة، وساروا بجوار سورها الذي غطَّته الأشجار المتسلِّقة، ثم دخلوا من الباب الواسع، وقطعوا نحو مائة متر قبل أن يصلوا إلى باب القصر.

قال «تختخ» وهم يتركون درَّاجاتهم جانبًا: سندخل إلى حجرة نوم الدكتور «منير»، وهناك سنقوم بتمثيلية صغيرة.

عاطف: أي نوع من التمثيليات، كوميديا ضاحكة، أم مأساة مبكية؟

لم يهتمَّ «تختخ» بالرد على «عاطف»، وأخذ برغم سمنته المعروفة يقفز سلالم القصر صاعدًا، وخلفه المغامرون الأربعة، وهم مندهشون لهذه الرشاقة المفاجئة التي هبطت على «تختخ».

كان أحد شغَّالي القصر في انتظارهم، فقال: إن السيدة في انتظاركم … وقادهم داخلًا من الباب الواسع إلى الصالة التي كانت مسرحًا لحوادث الأمس.

كانت السيدة زوجة الدكتور «منير» تقف بجوار إناء به مجموعة من الورد تُنسِّقه، وعندما سمعت أقدامهم التفتت إليهم، وعلى فمها ابتسامة ترحيب، ثم مدَّت يدها إلى «تختخ» وهي تقول: أهلًا بالمخبر السري اللامع … أتمنَّى أن تستطيع استرداد مجوهراتي ومجوهرات صديقاتي.

ارتبك «تختخ» قليلًا أمام هذا الثناء المفاجئ، وقال: شكرًا لك يا سيدتي، وأرجو أن أتمكَّن من تحقيق هذه الأمنية، وأظن أنكِ قابلتِ زملائي «محب»، و«نوسة»، و«عاطف»، و«لوزة».

قالت زوجة الدكتور «منير» وهي تُصافحهم واحدًا واحدًا: طبعًا؛ فقد رأيتهم أمس في الحفل، وأشارت لهم فجلسوا حولها، فقال «تختخ»: لعلَّ المفتش «سامي» قد شرح لكِ الهدف من هذه الزيارة؟

فقالت السيدة: نعم.

تختخ: إنك تعرفين الأستاذ «هارون».

السيدة: طبعًا؛ فهو صديق الدكتور «منير».

تختخ: منذ متى تعرفونه؟

فكَّرت السيدة قليلًا، ثم قالت: قبل سفرنا من أمريكا عائدين إلى القاهرة بنحو شهر، تعرَّف به زوجي في إحدى الحفلات، ثم حضر إلى بيتنا هناك، وتوثَّقت علاقتنا به، وعندما عرف أننا عائدون إلى القاهرة، قرَّر أن يأتي هو الآخر لزيارة الوطن.

تختخ: شكرًا لكِ يا سيدتي … والآن هل نستطيع أن ندخل الغرفة التي بها الخزينة؟

السيدة: ممكن طبعًا. إنها غرفة صغيرة يضع فيها زوجي كتبه، وبها فراش صغير حيث يرتاح أحيانًا أو ينام.

تختخ: هل تمَّ تنظيفها اليوم؟

السيدة: لم يصِل إليها الشغَّالون بعد؛ فهم ما زالوا مشغولين بتنظيف الدور الأرضي بعد الحفل.

تختخ: عظيم … عظيم جدًّا … هذا ما كنت أرجوه.

واستدعت السيدة إحدى الشغَّالات، وطلبت منها أن تصحب الأصدقاء إلى غرفة الدكتور، وانصرفت السيدة إلى الإشراف على الشغَّالين وهم يعملون.

صعد المغامرون الخمسة وساروا في دهليز طويل حتى وصلوا إلى غرفة في نهاية الدهليز، ففتحت لهم الشغَّالة الباب، ثم انصرفت … وأشار «تختخ» للأصدقاء بالتوقُّف، ثم قال: سنتفق الآن على ما نفعله في الداخل … فليكن كلٌّ منكم لصًّا يعمل في الظلام … إنه سيدخل إلى غرفة يعرف ما فيها، ويتجه إلى الخزينة ويفتحها، ويمد يده فيضع في جيبه مجموعةً من المجوهرات التي بها، فماذا يفعل بالضبط؟

عاطف: هل نقوم جميعًا بهذا الدور؟

تختخ: لا.

فتح الأصدقاء عيونهم دهشة، ثم قالت «نوسة»: إذن ما هي التمثيلية؟

تختخ: إن هذا اللص يسعى إلى سرقة وثائق على أكبر قدر من الأهمية … إنه سوف يسرقها، ولكن لن يأخذها معه.

محب: غير معقول يا «تختخ» هذا الذي تقوله! كيف يسرق شيئًا ثم لا يأخذه معه؟ إنك تتحدَّث بالألغاز!

تختخ: ما رأيك يا «عاطف»؟

عاطف: لا أدري ما هو الشيء الذي يسرقه الإنسان ولا يحمله معه.

تختخ: وأنت يا «نوسة»؟

نوسة: دعني أُفكِّر لحظات.

تختخ: وأنت يا «لوزة»؟

لمعت عينا «لوزة» لحظةً كالبرق الخاطف وقالت: إذا كانت أوراقًا كما تقول، ففي إمكانه أن يسرق المعلومات، أقصد أن يقرأها ثم يتركها مكانها.

تختخ: إنكِ قريبة من الحل جدًّا، فصاحت «نوسة»: يقوم بتصويرها!

تختخ: بالضبط … يُصوِّرها، ثم يتركها مكانها، وهكذا يكون قد سرقها دون أن يأخذها …

ونظر المغامرون الأربعة إلى «تختخ» في انبهار، فقال «تختخ»: حتى الآن هذا فرض … مجرَّد فرض … فكرة محتاجة إلى إثبات …

محب: وما هو الإثبات المطلوب؟

تختخ: هذه هي التمثيلية … سندخل الآن … ويتخيَّل كلُّ واحد منا أنه حصل على الوثائق … إنها في يده … ومطلوب تصويرها … الكاميرا موجودة فكيف يتم تصوير الوثائق؟

هذا ما أُريدكم أن تتصوَّروه، ولاحظوا أنه يعمل في الظلام …

ودخلوا جميعًا الغرفة، وكانت الخزينة مثبتةً في الحائط، وبجوارها سبورة سوداء كتب عليها الدكتور بعض معادلاته الرياضية … ووقف الخمسة ينظرون إلى الخريطة، وإلى السبورة السوداء … وكلٌّ منهم يُفكِّر في الطريقة المثلى لتصوير الوثائق … وقالت «نوسة»: أعتقد أنني لو كنتُ مكان اللص … وأخرجتُ الوثائق، وأردتُ تصويرها … فإن أفضل طريقة أن أُثبتها واحدةً واحدةً في السبورة السوداء.

صاح «تختخ»: عظيم جدًّا يا «نوسة»! … لقد قمتِ بالدور وحدك … وليس هناك حاجة لبقية الممثلين … والآن … أضيئوا النور ليتوافر لنا أكبر قدر من الضوء بالإضافة إلى ضوء الشمس القادم من النافذة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤