الفصل الثالث

الأدب اللبناني المكتوب باللغة الفرنسية

تختلف ملامح الاحتلال الفرنسي لكلٍّ من سوريا ولبنان عن نفس الملامح في المغرب العربي، فلا شكَّ أن تجربة الفرنسة في بلاد المغرب العربي قد تأصَّلت لدرجة أنه كان على هذه البلاد أن تستهلك عشرات السنوات من أجل أن يتمَّ تعريب أوجه الحياة في شمال المغرب.

ورغم ذلك، فإن ظهور أدباء يكتبون باللغة الفرنسية قد بدأ في لبنان قبل المغرب بسنواتٍ طويلة. فإذا كان الجيل الأول من الكُتَّاب الجزائريين العرب، الذين يكتبون بالفرنسية قد ظهر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، فإن مسرحية «عنتر» التي كتبها شكري غانم عام ١٩١٠م قد سبقت مثيلتها في المغرب العربي، وأيضًا في مصر. وقد حقَّقت هذه المسرحية نجاحًا عند عرضها في فرنسا على مسرح الأوديون في هذه السنوات. وقد تناولت المسرحية صورة من كفاح العرب ضد الاحتلال العثماني. وقد ساعد هذا النجاح الكثيرَ من اللبنانيين الشباب في تلك الآونة أن يمشوا في نفس الطريق، مثل ميشيل شيحة وهكتور كلات وشارل فورم.

ورغم ذلك، فإن التجربة لم تتَّضح إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهرت مجموعة من الشعراء الرومانسيين، وظهر روائيون من أمثال فرج الله حايك، الذي بدأ ينشر رواياته الرومانسية منذ عام ١٩٤٠م، خاصة ثلاثيَّته المعروفة تحت اسم «أبناء الأرض» أو «أبو نصيف» عام ١٩٤٨م، ثم «ابنة الله» عام ١٩٤٩م، و«سجن الوحدة» عام ١٩٥١م. ويقول كتاب Les Littératures francophones depuis 1945 إن حايك أشبه بالفنان التشكيلي حيث راح يرسم القرى اللبنانية، وسكب مشاعره الفياضة في أدبه، عن الممنوعات، وعاداتها وتقاليدها. وقد ظهر عنف الحرب الأهلية اللبنانية في رواية «يوميات آن» عام ١٩٤٧م، من تأليف أوريس شحادة، كما كتبت عنها باللغة الفرنسية أيضًا إيفلين العقاد في رواية «المستأصلة»، حيث نرى كيف تتأثر النسوة بأفكار الآباء التسلطيَّة، كما أن الكاتبة أندريه شديد كتبت روايتَين عن الحرب الأهلية اللبنانية، «منزل بلا جذورٍ» عام ١٩٨٥م، و«الطفل المتنامي» عام ١٩٨٩م.

ومن بين الأدباء اللبنانيين الذين كتبوا بالفرنسية هناك ديوان «وصف الإنسان» لفؤاد جابرييل نايف، ثم هناك الشاعرة نادية تويني صاحبة ديوان «أشعار للتاريخ» عام ١٩٧٢م، ومروان الحص، وفينوس خوري غاتا، صاحبة ديوان «أراضٍ دامية» عام ١٩٦٨م، ولها أعمال شعرية أخرى مثل «جنوب الصمت» ١٩٧٥م، و«الظلال وصرخاتها» ١٩٨٠م، ثم رواية «ضجة من أجل قمر ميت» عام ١٩٦٣م. أما الشاعر والناقد صلاح ستيتة فقد قدم: «النحلة الميتة» عام ١٩٧٢م، و«المياه الباردة المحفوظة» عام ١٩٧٣م، ثم «أشعار» عام ١٩٧٨م.

ومن بين هذه النماذج الأدبية المتميزة اخترنا نموذجَين من جيلَين مختلفين، الأول شاعر وكاتب مسرحي هو جورج شحادة، والثاني روائي معاصر لا يزال في حالة عطاء، وقد أبدى تميُّزًا منذ أعماله الأولى، وهو أمين معلوف.

جورج شحادة (١٩٥٧–١٩٨٩م)

يُعتبَر شحادة أبرز أديب لبناني يكتب بالفرنسية. وتجيء أهميته أيضًا ليس فقط في أنه كاتب مسرحي متميز، ولكن لأنه انضم إلى السرياليين المصريين. وشحادة مولود في عام ١٩٠٧م في مدينة الإسكندرية لأبوين لبنانيين يتكلمان اللغة الفرنسية. وقد عادت الأسرة إلى لبنان، وهناك درس الحقوق، ثم عُيِّن سكرتيرًا عامًّا في مدرسة الآداب العليا في بيروت، ثم كلِّف بالاهتمام بالشئون الفنية لدى البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان.

ورغم أن شحادة قد بدأ يكتب قصائده الأولى في الثلاثينيات، ورغم فرص الحياة أمامه في باريس، إلا أنه ظل مقيمًا في بيروت طيلة عمره حتى اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية؛ فلم يجد بدًّا من الانتقال إلى العاصمة الفرنسية هناك حتى وافاه الأجل.

نشر شحادة مجموعته الشعرية الأولى «شرارة» في عام ١٩٢٨م، وقد بدت فيها نبرته السريالية بكل وضوح، كما نشر في تلك الفترة روايته الوحيدة «رود وجون سين». وفي عام ١٩٣٨م استلم رسالة من الشاعر بول إيلوار الذي كان يسكن مدينة أنتيب في جنوب فرنسا، الذي كتب له رأيه عن ديوان «شرارة»، فقال: «أشعارك تحمل لي نظرة عميقة، لحنًا متناغمًا كدت أنساه. كتابك يترك فيَّ أثرًا إيجابيًّا لا يمكنك تصوُّره.»١

وهكذا صدرت ثلاثية أشعاره التي تحمل عنوان «أشعار ١» عام ١٩٣٨م، ثم «أشعار ٢» عام ١٩٤٨م، و«أشعار ٣» عام ١٩٤٩م، بعدها انقطع عن كتابة الشعر وتفرَّغ للمسرح. وكتب مسرحيات طليعية في الزمن الذي راح فيه كُتَّاب المسرح الطليعي يقدمون أحسن ما لديهم، أمثال يوجين يونسكو وأداموف وبيكيت وأرتو، الذين حاولوا تحطيم اللغة للوصول إلى شكلٍ جديد، إلا أنه خلافًا لمسارهم راح جورج شحادة يهتمُّ بالمسرح الشِّعري؛ فقدَّم أعمالًا مثل «مستر بويل» عام ١٩٥١م، و«سهرة الأمثال» عام ١٩٥٤م، و«قصة فاسكو»، و«زهرات البنفسج» عام ١٩٦٠م. وفي العام التالي نشر مسرحية «الرحلة»، ثم جاءت مسرحيته الشهيرة «مهاجر برسيبان» عام ١٩٦٥م، وفي عام ١٩٧٣م نشر ديوانه «الثوب هو الأمير». وفي تلك الفترة انشغل بإعداد كتابه عن «مختارات البيت الشعري الواحد»، وفي عام ١٩٨٥م عاد مرة أخرى إلى الشعر فنشر ديوانه «سباح الحب الواحد».

تميَّز جورج شحادة كشاعرٍ باهتمامه بالعبارة والكلمة والمعنى، وقد كان يمتلك سرد الكلمة، مثلما كتب الطاهر بن جلون، فهو يستخرج كلماته من منبعٍ نقيٍّ بعيد، ومن حديقة داخلية، بها المراعي، وتتولَّد فيها الصورة مارة بالمياه العذبة قبل أن تصبح ظلًّا. لقد خلطت كتاباته الأولى بين تأمُّل الحياة اليومية والرؤى الخيالية والسريالية، وعلى سبيل المثال ما جاء في السطور الأولى من قصيدته تلميذ السلطان:
«في الربيع، هنا حذاء أزرق يطير من قرية لأخرى، وتنهق الحمير في بيت أختي وتبدو النافورات هادئة، آه يا ملح بلادي.»٢

كما أن اهتمامه بالكلمة يتجلَّى في إحاطته إياها بالتكريم والاحترام، ليس من خلال ثباتها وجمودها، بل من خلال اعتبارها وجودًا مستقلًّا قابلًا بذاته للحياة والوجود، بخلاف الأشعار التي كانت سائدة في عصره، وبين أبناء جيله الذين أرادوا إرجاع الكلمة إلى وجودها الحسِّي. وفي مواجهةٍ رأى شحادة للكلمة وجودًا مستقلًّا، وكأنه من خلالها يعوِّض عن كلِّ الخسارات والخيبات، وبهذا المعنى يمكن ربط اللغة لديه بالمنفى.

وقد اعتبر جورج شحادة أن علاقته باللغة تنطوي على نوعٍ من التحدِّي، وفي الأخصِّ لأنها لغة غريبة عنه. لقد حاول، بسبب عدم تمكُّنه من اللغة العربية، أن يصل عبر هذا التحدِّي من اللغة الجديدة إلى نوعٍ من الزمان يعوِّض له مرةً خسارته للغة العربية، ومراتٍ أخرى خسارته لفقده للأرض التي سافر بعيدًا عنها أثناء الحرب الأهلية:

أمي كانت تضيء المصابيح لتبعد عنَّا الظلال،
كانت تعدُّ عمرنا على الأصابع عندما تدقُّ دقاتها ساعة الحائط.
أمي كانت تتكلَّم عن الوقت الذي يمرُّ وهي تبتسم،
والرجال الذين تبعوها كانوا ملائكة.
الآن، وقد مات القمر، أين أنت أيتها الأفكار الرائعة؟
الحب ذو الأسنان من الملبس،
الطفولة التي كنت تبكين على خدودي،
إنها ولادة المساء،
النضارة الأولى للأعشاش،
تحلم الصبية قليلًا،
وهي تتلفَّت حولها،
الآن بات الليل يكرر نفسه إلى ما لا نهاية،
والأشجار تختبئ في أوراقها،
والصمت يصل من بعيد،
عين ماء بكت كانت تروي،
عندما ستغادر وطن المصابيح،
ذات ليلة كطفل البرد،
رُبَّ ملاك،
سيأتيك بالمداد،
كي تدوِّن ما تراه:
المياه الحية التي تصبح ظلًّا،
الشجرة التي تضلُّ طريقها.
كطفلٍ من ذلك الزمان تضيع صرخته،
في حديقة التفاح الأبيض،
حين القمر يغطي كل شيء بحبه،
أرى مجددًا في مرآة مهجورة،
ذكرياتٍ بعكازاتٍ بيضاء،
ولا أعود أعرف من منَّا هي أو أنا،
يرثى لحاله أكثر،
لفرط شراسة السنين،
أيها القمر الخفيف يا مرآة الغياب.
(سباح الحب الواحد، ١٩٨٥م).٣

وقد لاحظ نقاد شحادة أن له تعبيراتٍ محددة يستعملها في قصائده منها «الوردة» و«الياسمين» و«النساء» و«المياه» و«العيون» و«النظرات» و«القمر» وأيضًا «الموت». فقد كان يؤمن أن الشِّعر يومض في مركز الكون: «أنا مصنوع من أجل المطلَق»، ففي قصيدة من مجموعة مقاطع نشرها في «الأشعار» تحت عنوان «وفي الأحلام يحكي طفلٌ قصة حياته» يقول:

في كنيسة القرية، وعند اقتراب الليل،
يخرج المصلُّون من مخابئهم،
ويغيِّر طفل ملاك الجدار،
ويكسب البخور غطاءه للظل،
والسحرة النائمين،
الزنابق إلى أقدامهم المعتمة،
وبعيدًا في سماء من شموع،
تسافر الأيقونات،
قبل النوم،
تتكلم أخوات أمي بصوتٍ خفيض،
جاء كلُّ شيء من الظل؛
الوجوه والأصوات،
حتى الساعة في القفص،
التي لم تعد تغني،
يومض عود ثقاب،
كي يمكن أن نرى،
خالاتي المنحنيات،
في نقطة من ذهب،
في كل نافذة تبدو السماء والمراعي،
في هذا المنزل المنسي.
هناك أيضًا الطيور القادمة بالأخبار،
وفي الأحلام طفلٌ يحكي قصة حياته،
حب،
حيث ليالي الشتاء،
والمصباح الرقيق في ثوبه الزجاجي،
والساعة التي تدقُّ وترن،
وينام الطفل وحده.
أما عن مسرح جورج شحادة فقد انزلق الفنان من الشعر إلى المسرح بطبيعة مدهشة، يبقى شاعرًا قبل كل شيءٍ. ويبقى للخضرة نفسها، والشفافية والنضارة عينهما، ولتداعي الصور والحالات، الدور الأساسي في بناء مسرحياته. ولعلَّ ما يميزه أساسًا عن كُتَّاب المسرح الطليعي الآخرين، الذين غالبًا ما يرِد اسمه إلى جانبهم (وهم مثله كُتَّاب فرانكفون من أصلٍ غير فرنسي) أعني يونسكو وبيكيت خاصة، وربما أحيانًا أدموف وأرابال. فإذا كان شحادة أبحر مثل هؤلاء في الاتجاه المعاكس للمسرح الذهني والفلسفي وإرثه الثقيل؛ فقد وصل إلى جزيرة له وحده، دون الآخرين، تمثِّل فيها الحساسية الشعرية، على مستوى اللغة طبعًا، إنما أيضًا على مستوى المناخات والأجواء؛ الأهمية الأولى. ذات يومٍ انتفض شحادة على أثر سؤال أحد الصحفيين له: أمسرح شعري هذا الذي تكتب؟ «بل مسرح يفسح لفوضى الكلمات والصور. بدأت كل مسرحياتي، ودون نموذج مسبق، تاركًا المبادرة للغة، لقد ساعدني المسرح على الخروج من القصيدة، لكن في العمق إنها المسألة نفسها.»٤
وحسبما جاء في جريدة لوموند٥ فإن المسرحيات السبع التي كتبها شحادة قد أُهملت عن غير عمدٍ. كان عليه أن ينتظر اثني عشر عامًا كي تمثَّل مسرحية «مستر بويل» على مسرح الهوشيت بباريس. في عام ١٩٥١م اقترح عليه الممثِّل والمخرج جان لوي باروو إن كانت لديه الشجاعة أن يقدم مسرحه … وقد عُرضت مسرحياته من وقتٍ لآخر.

وفي نفس الجريدة يقول شحادة: عندما أسمع عبارة «مسرح شعري» أرغب في الهرب. لا، فالمسرح يترك لكاتبه أن يرتب الكلمات والصور. انظر إلى ماتيو، إنه يرسم أمام عيني، وأحيانًا أخشى لو أصبحت فنانًا تشكيليًّا، ولكن خلف اللوحة هناك نقاط من الألوان، هناك نظام وتقارب.

«أبدأ مسرحياتي دائمًا دون أن يكون هناك هيكلٌ خاص، وأترك المبادرة للغة. لقد ساعدني المسرح على الخروج من الشعر، ولكن في الأعماق فالشعر قد فعل نفس الشيء. إنني أسمع نقاط الماء تتساقط محدثة: توك. توك. توك. راسين يُثير فيَّ الملل، وأفضِّل كورني؛ إنه يأتي بكلماتٍ غامضة وساحرة.»

يهمُّنا الإشارة إلى أن جورج شحادة لم يكن يفكِّر قطُّ في مغادرة لبنان إلا بعد اندلاع الحرب الأهلية. ويقول في جريدة لوموند — ٢٠ يناير ١٩٨٩م — إنه فوجئ يومًا بأحد رجال الميليشيا يشهر بندقيته أمامه، وراح يسأله لماذا يُطلِق عليه الناس اسم «العصفور». وقد كان شحادة معروفًا بهذا الاسم نتيجة لرقة جسمه، والذي كان نحيلًا كالعصفور. يومها ضحك شحادة بمرارة، وقرر أن يغادر البلاد. وقد نجح الصحفي اللبناني «ميرزا عكار» في أن يجعله يكتب عن تجربته في الإقامة بباريس التي مات فيها في السابع عشر من يناير ١٩٨٩م، فقال: «أحسُّ كأنني في بيتي وأنا في باريس، ولكن أوضاع الوطن تجعلني أحسُّ أنني في منفًى: كم أشتاق إلى الجبال اللبنانية.»

الجدير بالذكر أن جورج شحادة كان أول من حصل على جائزة الأدب الفرانكفوني في عام ١٩٨٦م، وهي جائزة مستحدَثة، تبلغ قيمتها ٤٠٠ ألف فرنك فرنسي، وتمنحها الأكاديمية الفرنسية كل عام، وقد حصل عليها أيضًا الروائي المصري ألبير قصيري.

أمين معلوف (١٩٤٩م)

أغلب الروائيين العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية مهمومون بواقعهم الذي عاشوا فيه، وكيف تحرك هذا الواقع بين أيديهم، ولم يستطيعوا الإمساك به، فحاولوا التعبير عنه ورصده في أدبهم. حدث هذا بشكلٍ واضح عند أدباء المغرب العربي، وفي مصر عند ألبير قصيري وأندريه شديد. أما الكاتب اللبناني أمين معلوف فقد ترك هذا الواقع بصراعاته الدامية، وانتقل إلى التاريخ العربي القديم، يصوِّر عالمًا ورديًّا حالمًا في روايات من طراز «ليون الأفريقي» و«سمرقند»، بل راح إلى ما هو أبعد من ذلك في روايته الثالثة «حدائق النور». وعليه فإن لمعلوف مذاقًا مختلفًا، فهو من الكُتَّاب الذين اهتمُّوا بكتابة الرواية التي تتحدث عن التراث العربي، كما أنه استمدَّ أحداث هذه الروايات من تراثٍ تاريخي. فأبطال رواياته مثل حسن الوزان، وعمر الخيام والقديس ماني، عاشوا بالفعل في التاريخ.

إذن، جاءت أهمية معلوف في أنه شغف بالتاريخ العربي القديم، وتوغل فيه، وقرأ الكثير منه؛ حيث راح يفتش في حناياه، ويجلو صدأ النسيان عن شخصياتٍ وأحداثٍ كاد التاريخ أن يمحوها، ثم هو ينسج حول هذه الشخصيات والأحداث رواياتٍ متخلية. وإذا كان كتاب معلوف الأول الذي نشره عام ١٩٨٣م «الحروب الصليبية كما رآها العرب» عبارة عن دراسة تحليلية موثَّقة لموضوعٍ مهمٍّ في تاريخ العرب، فإن الكاتب قد راح يصوغ هذا التاريخ في إطارٍ روائي جذاب من خلال رواياته المنشورة.

وأمين معلوف من مواليد بيروت في عام ١٩٤٩م، من عائلة ذات أصلٍ يوناني، وهو ابن لصحفي كبير؛ لذا وجد نفسه قريبًا من والده وهو طفل، وعمل في الصحافة على مدى اثني عشر عامًا، حيث تولَّى إدارة جريدة «النهار». لغته الأولى هي العربية ثم الإنجليزية التي أتقنها وهو في الثامنة، ثم سافر إلى فرنسا ليعمل رئيسًا لتحرير مجلة «جون آفريك». إذن فهو يجيد الكتابة باللغة العربية، ولكنه عندما اختار أن يكتب إبداعًا وجد أن اللغة الفرنسية هي الأفضل لعدة أسباب «تضافرت عوامل عديدة لتدفعني إلى اختيار اللغة الفرنسية: فأنا أقيم في فرنسا منذ سنواتٍ عديدة، ومن الطبيعي أن أتوجَّه إلى المجتمع الذي أعيش وسطه، كما أن حركة الكُتَّاب في العالم العربي معاقة بعوامل متعددة: توزيعية، وسياسية، واقتصادية، مما يجعل من المتعذَّر على الكاتب أن يحيا من أعماله. فأنا أعيش هنا من حقوقي كمؤلف، وأستطيع الانصراف إلى الكتابة دون أن يعوقني عائق، ولا مشكلة لديَّ مع اللغة العربية، فأنا أكتب بها وأحبُّها، وأتمنى حقًّا أن يتمكَّن الكاتب أن يعمل فيها بجدية، وأن يتمتع بوضعية كاتب فعلي.»
«هناك عامل آخر أكثر التصاقًا بالكتابة، فقد رأيت أنه من الأفضل لي، كعربي، أن أعبِّر عن موضوعاتي بلغة أجنبية، فأنا أفرض على الفرنسية بعض الكلمات والمعاني العربية، وهذا ما يمنحها «نكهة» أخرى إذا صحَّ التعبير لو كتب بالعربية؛ لبدا ذلك سطحيًّا إلى حدٍّ ما. أخيرًا أعتقد أن على الكاتب أن يكتب باللغة التي يرى أنها تعبِّر عن أفكاره، سواء كانت العربية أو الفرنسية أو البرتغالية أو الروسية. هناك اعتبار قومي أو وطني للغة تتحوَّل فيه اللغة إلى رمزٍ وشعار، وأنا لا يهمني هذا الاعتبار، ليست اللغة في النهاية أكثر من حاملٍ للأفكار ووسيلة تعبيرية.»٦
في كتابه الأول — وهو غير روائي — المعنون «الحروب الصليبية كما رآها العرب» يحاول أمين معلوف أن يقدِّم وجهة نظر إلى الغرب أُهملت الآن … ليست هذه المحاولة الأولى من نوعها. وينقسم الكتاب إلى قسمين يعرض الأول واقع الوطن العربي في زمن الحروب الصليبية، حيث احتدمت الخلافات حول الخلافة والسلطة، ثم هناك قسم يعرض أشهر بانوراما لزحف الصليبيين وانتصارهم، برغم العقبات، إلى أن استطاعوا أن يؤسسوا مملكة القدس والإمارات. ورغم أن الكتاب أقرب إلى البحث إلا أن معلوف قد صاغه بشكلٍ أقرب إلى السرد. ويقول ميخائيل خوري إن «أول ما يلفت النظر في هذا العرض الروائي الذي لا يخلو من التشويق، أن القارئ لا بدَّ أن يتأثر بما ارتكبه الصليبيون من أعمالٍ وحشية وجرائم في أنطاكية والقدس، وفي أماكن أخرى استطاعوا الدخول إليها. كذلك يتأثر القارئ، بما هنالك من انقسامٍ وتفتُّتٍ في الوطن العربي والإسلامي، ليعجب بعد ذلك بعرض عملية جمع الجهود بين الموصل ودمشق للتصدي لهذه الغزوات، ثم الجمع بين جهود دمشق والقاهرة بقيادة صلاح الدين لتوجيه الضربة القاضية إلى الصليبيين، بحيث عادت بهذه الفتوح جميع بلاد الساحل برمتها إلى المسلمين.»٧

أما القسم الثاني من الكتاب فهو يتناول تأثير الحروب الصليبية على الشرق والوطن العربي، وكذلك أثرها على الغربيين أنفسهم، ولو بشكلٍ هامشي. وقد بيَّن معلوف أن هذه الحرب كانت ذات تأثير إيجابي على الغرب، أما تأثيرها على الشرق فكان بالسلبية. ويطرح معلوف سؤالًا هو: هل تبرر هذه الأحداث اللاحقة الدعوة إلى اعتبار الماضي في خبر كان؟ وهل يحقق ذلك أية غاية إيجابية للعرب؟ أم أن الدعوة يجب أن تكون إلى حسن الإفادة، واعتماد المواجهة بشكلٍ موازٍ نحو الخطر؟

رأى أمين معلوف أن العرب قد ابتُلوا بعاهتَين، قياسًا إلى ما حقَّقه الغربيون. فقد عجز مسئولو القيادة العربية عن بناء مؤسسات ثابتة، في حين نجح الغربيون، منذ وصولهم إلى الشرق، في خلق وتكوين دولٍ حقيقية، يتم فيها انتقال السلطة بشكلٍ عام، دون حدوث أي صدامات. أما كل انتقال في الحكم لدى العرب فكان يشكِّل تهديدًا بقيام حرب أهلية.

أما النقطة الثانية فهي أن الغربيين قد أقلبوا على المدرسة العربية في جميع الميادين، سواء في بلاد الشام أو في إسبانيا أو في صقلية … وكان من غير الممكن الاستغناء عما تعلَّموه منها لتوسُّعهم وانتشارهم فيما بعد. فتراث الحضارة الإغريقية ما كان لينتقل إلى أوروبا الغربية إلا عن طريق العرب مترجِمين ومكملين، بيد أنه لا بدَّ من لفت نظر الكاتب إلى أن هذا الانتقال كان قد بدأ قبل بدء الحروب الصليبية بقرنٍ على الأقل.٨
في روايته الأولى «ليون الأفريقي» تناول الكاتب سيرة إحدى الشخصيات العربية التي عاشت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديَّين، أو بالضبط بين عامَي ١٤٨٣م و١٥٥٤م. وهو، كما يرى المؤلف، الشخصية العربية الوحيدة التي شاركت مشاركة فعَّالة في عصر النهضة الأوروبي. كما كان أول من وضع كتابًا ذا أهمية عن أفريقيا. وليون الأفريقي هو الرحَّالة، والعالِم العربي حسن الوزان. وتدور أحداث الرواية على لسانه، فيقول: «أنا حسن بن الوزان، جان ليون دي مدسيس. خُتنت على يد الحلاق، وعُمِّدت على يد «بابا»، يسمونني اليوم بالأفريقي، إلا أنني لست من أفريقيا، ولا من أوروبا. ولا من «حاضرة» العرب. يسمونني كذلك بالغرناطي، والفارسي، والزياتي، ولكني لم آتِ من أي بلاد، ولا من أية مدينة أو قبيلة. أنا ابن الطريق، وطني قافلة، وحياتي مسيرة بعيدة عن الواقع بُعدًا تامًّا.» ولا شك أن هناك تقاربًا من ناحية علاقة الوزان بالأشياء مع الكاتب أو فلنقل أغلب الأدباء العرب الذين يبدعون بالفرنسية. فحسن حائرٌ بين الأماكن والهويات، وهو رجل يحب الانتقال والترحال، يبحث لنفسه عن أرضٍ يستقرُّ عليها. إنه رجلٌ له نفس أهمية ابن بطوطة في التاريخ العربي، عشق الأماكن وعرف البشر، وتذوَّق أطعمة عديدة في بيوتٍ تمت استضافته فيها، وكانت مصر إحدى المحطات التي نزل فيها، فخصص لزيارته لها فصلًا من يومياته التي دوِّنت على يد أمين معلوف: «عندما وصلت إلى القاهرة، يا بني، كانت هذه المدينة قد أضحت، ومنذ عهود طويلة، حاضرة إمبراطورية زاهرة، وقصرًا للخليفة. أما حين تركتها فقد باتت مجرَّد عاصمة لإقليم، ولا ريب أنه لن يقيَّض لها أبدًا أن تستعيد مجدها التليد.»
«لقد شاء الله، عز وجل، أن أكون شاهدًا على ذلك السقوط، وأن أرى المآسي التي عرفتها، فقد كنت لا أزال أمخر عباب النيل، أحلم بالمغامرات، وبالثروات الجزلة حين حلَّ النذير بالبلاد، غير أني لم أكن قد تعلَّمت بعد كيف أحترم القول، وكيف أفسد المراسيل.»٩

وقد اعترف معلوف في حديثه إلى مجلة اليوم السابع — ٣ نوفمبر ١٩٨٦م — أنه قد اكتشف شخصية حسن الوزان قبل فترة قريبة، حين كان يقرأ حول الرحَّالة العربي ابن بطوطة. فراح يبحث عن مصادر لمعرفة الرجل، واكتشف أنه عاش حياة شائقة ومثيرة. و«بدلًا من الاكتفاء بالوقائع التاريخية «المحقَّقة» كان يجدر بي أن أحاول إعادة تصوُّر الفترة. نعم، إن ما وصَلنا من أخبار حسن الوزان لهو ضئيل جدًّا ومتناثر في مقدمة هذا الكتاب أو ذاك، وفي المناسبات القليلة التي يلمِّح فيها هو نفسه إلى سيرته، ولادته، وأشعاره في عمله. هذا هو ما دفعني إلى الحسم لصالح الرواية، بالإضافة إلى رغبتي الشخصية لمحاولة الكتابة الروائية. لا يمكن بالطبع اعتبار الكتاب روايةً محضًا، ومع ذلك فجانب التخيُّل فيها كبير جدًّا.»

ومن المعروف أن هذه الرواية قد تركت صدًى على الصعيدَين الفرنسي والعربي. ففي فرنسا، وفي عام نشرها، ظلَّت على قائمة مبيعات الروايات لعدة أسابيع طويلة، واستطاعت بذلك أن تتفوَّق على روايات كتبها أدباء لهم أسماؤهم الرنانة، سواء من فرنسا، أو من الرواية المترجَمة مثل رواية «الإمبراطورة» لبول أوسوليترز، المعروف أن رواياته تبيع أرقامًا خيالية، ثم جان دارسو عضو الأكاديمية الفرنسية. والطبعة الحديثة من «جان لافلوريت» لمارسيل بانيول، وطبعة حديثة أخرى من رواية «خارج أفريقيا» للكاتبة الدنماركية كارين بلكسن، علمًا بأنَّ فيلمَين كبيرَين كانا يعرضان مأخوذَين عن الروايتين الأخيرتين في نفس الفترة في أوروبا.

وقد اهتم النقاد العرب بمتابعة هذه الرواية، سواء قبل ترجمتها إلى اللغة العربية، عام ١٩٩٠م، أو بعد ذلك. فقد نشرت مجلة الهلال مقالَين؛ الأول كتبته سيزا قاسم قالت فيه إنه «من الواضح أن اختيار مثل هذه الحقبة التي تضع حضارتَين وجهًا لوجهٍ بكل دوافعها وقيمها، وعلى مختلف المستويات كان أحد أسباب نجاح الرواية. وقد أتاحت الرواية للكاتب حرية أن يجمع التاريخ والتخيُّل؛ فالأسد الأفريقي شخصية من تلك الشخصيات «الجسور»، التي تربط بين الحضارات. وكيف يمكن الربط بين الساحات الجغرافية والحضارية المختلفة إلا من خلال شخصية ترحل — وتقيم — وتنتقل من مكان إلى آخر، حاملة معها اللقاح مثل الطيور المهاجرة؟ هذا ما فطن إليه أمين معلوف، ووظَّفه في روايته التي قسَّمها إلى كتبٍ مستقلَّة، حمل كلٌّ منها اسم مدينة: كتاب غرناطة – كتاب فاس – كتاب القاهرة – كتاب روما.»
«المكان بطبيعته ساكنٌ لا يتحرَّك إلا من خلال انتقال البشر، ولا يتغيَّر إلا بفعل الزمن، والزمن في هذه الرواية زمنٌ تاريخي، وليس زمنًا «طبيعيًّا»؛ إذ إن التغيُّر الذي اجتاح المكان كان تغيُّرًا جذريًّا حوَّل وجه المنطقة والتاريخ: سقوط الأندلس، ونشوء دولة الملوك الكاثوليك بصعود فردينان وإيزابيلَّا، انشقاق الكنيسة البروتستنتية، وصعود نجم شارل الخامس كارلوس كينتوس، تفتُّت المغرب العربي وقيام العثمانيين.»١٠
أما أمين العيوطي فقد كتب في عددٍ آخر من نفس المجلة، مستندًا إلى الطبعة العربية من الرواية أن: «الخلفية الجغرافية والتاريخية لا تدخل بِنية الرواية كمجرَّد خلفية للزينة … بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتجربة الشتات والتمزُّق والغربة التي يعيشها حسن بن محمد الوزان، والتي يعيشها كثيٌر من العرب اليوم في شتاتهم المعاصر».
«ومع هذا النسيج الثري يجدل معلوف خيوط المعاصرة، فوسط هذه الفوضى الشاملة لا بدَّ أن يرفع قُطَّاع الطرق والمتآمرون والمغامرون هناك الزروالي اللص، قاطع الطريق، القاتل الذي اكتنز ثروة خلال ربع قرن من السلب والنهب، والذي يتآمر مع شيخ المجذوبين ليُلقي بأخت حسن في حي المجذوبين حين ترفض الأسرة زواجه منها.»١١

ويقول العيوطي إن واقعية الشخصية قد ارتبطت بواقعية الأسلوب، فالوزان نفسه يعكس ظروف عصره وأحواله والقيم التي كان ذلك العصر يعيش بها، فالرواية في نهاية الأمر تهدف إلى تصويرٍ موضوعي لعالمٍ محددٍ.

ومن أعماق التاريخ العربي والإسلامي اختار أمين معلوف شخصية عمر الخيام (١٠٤٨–١١٣١م) ليكتب عنه رواية لا تقل جاذبية وأهمية عن الرواية الأولى، إن لم تكن قد زادت، وهي رواية «سمرقند». ومن المعروف أن الخيام شخصية ذات جاذبية خاصَّة، تثير شهية المبدعين للكتابة عنها، فقد عاش حياة خاصَّة مثيرة، وكتب شعرًا بليغًا يعكس فلسفة الشاعر فيما يتعلَّق بعلاقته بالوجود والكون. وقد جاءت لمعلوف فكرة الكتابة عن عمر الخيام وهو يقرأ رواية «مذكرات أدريان» للكاتبة البلجيكية مرجريت يورسنار (١٩٠٣–١٩٨٧م). وخاصة العبارة التي تقول فيها الكاتبة: «هناك فقط وجه تاريخي واحد يغريني بنفس الإلحاح الذي يغريني به وجه أدريان، إنه عمر الخيام، الشاعر والفلكي.»

إذن، ففي حياة عمر الخيام ما يصنع رواية مثيرة يمكنها، من خلال كاتبٍ مثل أمين معلوف، أن تحقق كل هذا النجاح الذي حققته رواية «سمرقند»، فقد كان الخيام رجلًا شغوفًا بالرحيل عبر الأماكن والأزمنة، مثلما فعل حسن الوزان؛ فارتحل إلى بلاد الشرق المجاورة لفارس، من سمرقند إلى أصفهان وإسطنبول. وتبعًا لطبيعة الرحيل، فقد عرف الخيام — أثناء رحلاته السرمدية — الكثير من الشخصيات المهمَّة، وأيضًا من بسطاء الناس؛ فاقترب منهم … ورغم كل هذه الشخصيات العديدة، فإن أقرب الناس إليه كان هو حسن الصبَّاح، الرجل الذي وقف ضد السلطة ومعها: «جعلت القسم الأول من الرواية يتمحور حول ثلاث شخصياتٍ مثَّلت وجوهًا مختلفة في ذلك التاريخ: نظام الملك، رجل دولة من طراز رفيع، ومفكِّر سياسي. إنه رجل حكم إمبراطورية، ودوَّن نظراته في الحكم، كان مصلِحًا، وفي بعض الأحيان ذا جبروت، وقد صنعت هذه الأشياء من حسن الصباح ثائرًا من خلال مفهوم ديني.»١٢

لقد كان حسن قائدًا أسَّس أهم منظمة عسكرية عرفها التاريخ الإسلامي كما يرى ابن معلوف.

لقد دار صراعٌ بين نظام الملك وبين حسن الصباح، صراع أدَّى، عمليًّا، إلى تدمير الإمبراطورية السلجوقية، إمبراطورية ملك شاه، التي كانت تمتدُّ عبر آلاف الأميال، من الصين شرقًا، وحتى حدود البحر المتوسط غربًا.

وتدور أحداث الرواية، بقسمَيها، على لسان شخصٍ أمريكي من أصلٍ عربي، اختار لنفسه أسماء عديدة، لكنه يفضِّل أن يناديه الآخرون ﺑ «عمر» أي بنفس اسم الخيام. وهو يندمج داخل الشاعر من خلال عبوره الأثيري نحو التاريخ؛ فيتحدَّث في القسم الأول عن الخيام، وعن أسراره وصداقاته. أما في القسم الثاني فيتكلَّم عن علاقته بالمخطوط الذي به أدق أسرار الخيام.

وتنتمي شخصية الرواية إلى القرن التاسع عشر، وإن كان قد عاش بضع سنواتٍ من القرن العشرين. ويقول إنه سافر إلى باريس كي يتعرَّف على الشيخ جمال الدين الأفغاني وهو في المنفى. وإنه حدَّثه عن رغبته في البحث عن مخطوطٍ مهم يتعلق ﺑ «عمر الخيام»؛ لذا، فقد سافر إلى بلاد فارس، واشترك هناك في الأحداث السياسية التي شهدتها فارس في تلك الآونة، وهي أحداث أشبه بما يحدث الآن في إيران. ووسط مواقف ساخنة يتعرَّف على أميرة فارسية حسناء، تخبره أن لديها نسخة نادرة من مخطوطٍ حول الشاعر عمر الخيام، ويحسُّ الاثنان أن مصيرهما قد ارتبط بصاحب الرباعيات، فيتزوجان، ويسافران معًا إلى أوروبا فوق إحدى السفن الضخمة، حدث ذلك في عام ١٩١٢م. وفي إحدى الليالي المظلمة تحدِّث الأميرة شيرين زوجها عن مخاوفها الكامنة، فيحاول أن يسرِّي عنها، ويقرأ عليها بعضًا من رباعيات الخيام. ولكن البحر بدا غاضبًا فاشتدَّ ساعده على السفينة المعروفة في التاريخ باسم «تيتانيك»، وتنقلب السفينة، وتغوص في أعماق البحر حاملةً معها الكثير من الأسرار ومخطوط عمر الخيام وحياته، وتموت الزوجة في هذا الحادث، ولكن الله ينقذ عمر الذي يحاول أن يحكي كلَّ ما دار في سمرقند أيام عمر الخيام.

ويقول معلوف في تعليقٍ له حول مزج الحاضر بالماضي في هذه الرواية: «لم أحاول عمدًا أن أُقحِم الحاضر في أحداث الماضي. طبعًا لم يغِب عن بالي أن هناك تشابهًا وتلاقيًا بين الماضي والحاضر، لكنني بروايتي لأحداث الماضي حاولت أن أفهم تلك الأحداث من الداخل، وأفهم شخصياتها، أيضًا من الداخل. قد يجد البعض، وقد أجد أنا شبهًا متعدد الجوانب، بين ضحية نظام الملك، وشاه إيران الراحل. لكنَّ الشبه محدودٌ بين حسن الصباح، الثائر الإسماعيلي، وبين الذين يقودون «حركات ذات قناعٍ «ديني»» … يكفي أن حسن الصباح ثار، أولًا، على معتقدات جاهلة، أي معتقدات الشيعة الاثني عشرية، وبالتالي لا يمكن أن تكون هناك مقارنة كلية بينه وبين شخصياتٍ عاشت في بلاد فارس. المرحلة التي باتت فيها الشيعة الاثني عشرية المذهب المهيمن. هناك شَبه، لكنه محدودٌ للغاية، لكني لن أفاجأ إزاء مقارنات سيُوردها البعض، بيد أن الحقيقة هي أكثر تعقيدًا بكثيرٍ مما تبدو للوهلة الأولى، حتى لو كان بإمكان المرء أن يستفيد من دروس الماضي لا بدَّ له من رؤية الماضي كما كان، ومن تفادي إدخاله طرفًا في صراعات الحاضر.»١٣

إذا كان التاريخ الإسلامي قد بهر معلوف بصفة خاصَّة، فهو، كما يبدو من اهتماماته، مبهورٌ بتاريخ الشرق الأوسط والمنطقة بصفة عامَّة.

ولعلَّ معلوف لم يودَّ أن يأسر نفسه في مرحلة بعينها، وقد بدا ذلك واضحًا في رواياته التالية. ففي روايته «حدائق النور» يتحدَّث عن نبي، غير سماوي، يُدعى ماني، عاش في القرن الثالث الميلادي. وقد أقضَّ هذا الرجل مضاجع رجال الكنيسة في عصره بأفكاره الجريئة. فقد قامت دعوته على أساس «دين الجمال». وهذا الرجل أيضًا مدفونٌ في التاريخ، وكان على المؤلف أن يخرجه من مقبرته كي يعيد إليه الحياة في روايته. ويطلق عليه أحيانًا اسم «المسكين ماني»، إنه رجلٌ قادمٌ من بلاد بابل كي يصرخ صرخة تنطلق إلى كل أرجاء المعمورة، وقد انطلق صداه في حياته من الصين وحتى الجزائر، وظلَّ معروفًا لأكثر من ألف عام، ثم بدأت أستار النسيان تُسدَل عليه. وتقول مجلة لوبوان١٤ إن ماني قد خرج من جعبة عمر الخيام، رغم الفارق الزمني بين الاثنين. فقد تولَّد ماني من الظل، وبدا كأنه جاء من عالم الإسلام وكأنه يردُّ على الأسئلة الأكثر عمقًا التي يردِّدها البشر. لقد عاش ماني عمرًا قصيرًا، فمات وهو في السابعة والعشرين من العمر، وكان ضحية لصراعاتٍ دينية اندلعت بين رجال الدين المسيحي. ولا شكَّ أن مثل هذا الموت في تلك السنِّ المبكرةِ بذلك الأسلوب قد يثير أسئلة حول أساليب الناس في ممارسة دياناتهم في منطقة الشرق الأوسط … لقد أراد ماني أن يوحِّد كلَّ هذه الأديان، وأن يصبح البشر تحت لواءٍ ديني واحد، من بوذيين وكونفوشيين ويهود ومسيحيين، عماد هذا الدين هو البساطة. لقد رأى ماني أن الإنسان هو صورة العالم مطبوعة، وهو يمشي في درب النور والظلام، وعليه أن يختار، ولا شكَّ أن مصيره مرتبطٌ بسلوكه، فهو إمَّا إلى طريق النور، أو إلى طريق الظلام.

ويرى ماني أن الوجود الإنساني قد أصبح مميزًا بمواجهة مع القوى الكونية؛ ولذا فإن على الإنسان أن يتحلَّى بالحب، ويمارس الصلاة.

ويتتبَّع معلوف سيرة الحياة القصيرة التي عاشها ماني منذ ولادته ولقائه الأول مع المجموعة الدينية المعمدانية، ثم رسالته الكونية. وقد عاش ماني طفولته وصباه في واحة مليئة بالنخيل، وكان يسمع هاتفًا أنَّ عليه أن يرحل في المستقبل. وفي سنِّ الرابعة والعشرين أصبح له تلاميذ، من بينهم والد ماني الذي أرسله هذا الأخير في مهمَّة إلى أحد البلاد. وقد توجه ماني نفسه إلى الهند، ولم يتوقف عن بثِّ دعواه، وكان ينادي تلاميذه أن يذهبوا إلى الميدان، وقد التقى في رحلاته بالكثير من البشر والناس.

وكما هو ملاحظ، فإنَّ ماني صورةٌ مشابهةٌ لحسن الوزان وعمر الخيام؛ فهو، وإن لم يرحل من أجل الرحيل مثلما فعل الوزان؛ إلا أنه عاش تجربة الرحلة، والالتقاء بالناس. وقد كان الإمبراطور فاليرين معجبًا به كثيرًا، لكن بعد أن مات طرده ابن الإمبراطور بهرام من البلاط. ثم تمَّ القبض عليه، وظلَّ في السجن ستة وعشرين يومًا، ولم تتحمَّل روحه، التي اعتادت الانطلاق، السجن؛ فأسلم روحه صباح اليوم الثاني من مارس عام ٢٧٤م.

وقد أجرت مجلة «لوبوان» حديثًا مع الكاتب بمناسبة صدور روايته، قال فيه: إن ماني كان يرى أن أصل العالم ينقسم إلى قسمَين منفصلَين، عالم النور وعالم الظلام. وذات يومٍ حدث صدامٌ هائلٌ بين هذين العالمين فاختلط النور بالظلام بألف طريقة مختلفة. وهكذا تولَّدت الكائنات من إنسان وحيوان وطبيعة وأجسام غير مرئية. لقد تولَّد هذا العالم كله ممزوجًا من النور والظلمة معًا. وكان يطالب أن يعمل كل منَّا على سيادة النور على الظلام، وقد راح رجال الدين يتعاملون مع ماني على أنه هرطقي.

ويقول معلوف:١٥ إن ماني قد مسَّ منطقة المحرمات الدينية والسلطات، كما أن أفكاره تقوم على مبدأ الصفوة، فالصفوة تشغل مكانة مهمة في المجتمع، وتأثيرها المعنوي يُؤخذ دائمًا بعين الاعتبار؛ لذا أخذ الصراع بين ماني ورجال السلطة شكلًا حادًّا … ففي ذلك العصر كان يحكم العالم أربع إمبراطوريات: إمبراطورية أكسوم (الحبشة) والصين، وروما، وفارس … التي كانت قريبة من المنطقة العربية. وفي فارس كان شهبور هو أقوى الحكام في تلك الحقبة، وهو رجلٌ مصابٌ بهوس لدرجة أنه يمكنه أن ينافس نفسه. وكان يرى أن الإمبراطورية الرومانية تشكِّل عليه خطورة ملحوظة. وفي عهد شهبور ظهر رجلان كبيران تعارضا فيما بينهما. إنهما الساحر الأكبر كردير وماني، وكان الساحر هذا يسعى لبناء كنيسة حقيقية، ذات طابع رسمي. أما ماني فقد كان ينادي بأن تتوحَّد الأديان الثلاثة الكبرى في تلك الآونة. فقد كانت البوذية سائدة في الهند وشرق آسيا، ثم المسيحية واليهودية. وقد كاد شهبور أن يمتثل لماني، إلا أن «كردير» وقف له بالمرصاد، واضطر ماني أن يخضع للضغوط التي يواجهها.

وفي نفس الحديث عقد معلوف مقارنة بين القرن الثالث والقرن العشرين فقال: إن القرن الثالث عرف صراعات الإمبراطوريات، وصراعات اقتصادية وسياسية ومشاكل روحية ودينية. وبعد إعدام ماني بعشرة أعوام أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية في روما، وأحسَّ الناس أن حيواتهم لم تعُد كافية بالقدر المطلوب … فراحوا يبحثون عن شيءٍ آخر.

في عام ١٩٩٢م نشر الكاتب روايةً تحت عنوان «القرن الأول بعد بياتريس» وهي تنتمي إلى الخيال العلمي، وكأنه قد نفض يديه، ولو مؤقتًا، من التاريخ كي يتجه نحو المستقبل. فيحكي لنا قصة غريبة، تبدو واقعية، وكأنها تمسُّ كلًّا منَّا، وتقوم الفكرة على أنه طالما أن العلم قد استطاع معرفة نوع الجنين قبل ميلاده. فهل يمكن ذات يومٍ معرفة عادات وسمات ومستقبل هذا الطفل؟ وهل يمكن أن نتحكَّم في الأجنة القادمة حتى يصبح العالم كله بلا نساء، ويمتلئ فقط بالرجال؟ «منذ عشر سنوات انتابتني فكرة عن عالمٍ بلا نساء، فلا شك أن علم الوراثة سيتقدم بشكلٍ خيالي، كما أن الروحانية ستتخلف في كل أنحاء العالم.»

وفي الرواية يصبح من المفضَّل أن يُولَد الغلمان عن البنات. في البداية لا أحد يصدِّق الأمر حتى الراوية نفسه المشغول بالسعادة التي حلَّت عليه. إنه يحب صحفية تُدعى كلارنس وهبته بنتًا، فيمارس عليها كل مشاعر الأبوة التي كان ينشدها «وُلِدت بياتريس في الليلة الأخيرة من أغسطس، قبل موعدها بقليلٍ مثلما كانت تفعل وهي تذهب إلى المدرسة». وبعد ميلاد بياتريس تقوم مشاكل سكانية. وتُطرَح أسئلة حول علاقة مولد كلارنس بما حدث. يظهر شعبٌ جديدٌ لديه الخيار للانتحار. لقد أصبحت النساء عملة نادرة؛ لذا يتمُّ إخفاؤهن عن الأعين، ويتم بيعهن بأغلى الأثمان. وفي بلاد الجنوب تتفجَّر ثورةٌ من أجل اضطراب الأحوال السكانية، وتندلع الصراعات وينقسم العالم، ويسود الحزن. ويمرُّ قرن، إنه القرن الأول على ميلاد بياتريس، إنه قرن مظلم، ويشعر الراوية أن عليه أن ينسحب مع أسرته إلى مخبأ من الرخام كي يجد فيه الأمان.

ويقول معلوف: «لا شكَّ أنني بالغ الحساسية، كرجلٍ شرقي لهذه اللعنة القديمة التي تثقل على النساء. في بلادنا، مثلما في الكثير من بلاد العالم الثالث، فإن مولد فتاةٍ يستدعي الحداد في باكستان، وفي الصين يقومون بقتلها.»١٦

•••

كلمات قليلة تعمَّد الكاتب اللبناني أمين معلوف أن يضعها في صفحة منفردة في نهاية روايته «صخرة طانيوس» التي فازت بجائزة جونكور في الأدب لعام ١٩٩٣م … وهي أن وقائع هذا الكتاب مأخوذةٌ تقريبًا بالكامل من حادثة حقيقية، حين قُتِل البطريرك في القرن التاسع عشر على يدي أبو كشيش معلوف الذي هرب إلى قبرص مع ابن، أما بقية الشخصيات فمن وحي الخيال.

ومثل هذه العبارة تُعتبَر مدخلًا أساسيًّا إلى عالم أمين معلوف؛ فالكاتب يعود من جديدٍ إلى أحداثٍ حقيقية دارت في الماضي، ويستلهم من وثائقها روايته، ثم يضيف من خيالاته ما يتناسب مع روح روايته. حدث هذا حين رجع إلى ما كتبه الرحَّالة حسن الوزان في روايته الأولى «ليون الأفريقي»، ثم إلى جزء من سيرة الشاعر عمر الخيام في رواية «سمرقند»، وأيضًا إلى ما توفَّر لديه عن حياة النبي ماني في روايته «حدائق النور» وأخيرًا في «صخرة طانيوس».

لقد سعى معلوف دومًا أن يضفر الخيال بالواقع، وأن يجعل الأول في خدمة الثاني، بمحاولة لإحيائه بأي ثمن، فبدت هذه الضفيرة ذات شكلٍ خاص بالكاتب، مهما اختلف الزمان أو المكان الذي تدور فيه أحداث كل رواياته.

وفي روايته، سعى معلوف من ناحيته إلى اتِّباع نفس الشكل الأدبي الذي سبق أن استخدمه في رواية «سمرقند»؛ حيث أتى في البداية إلى العصر الحديث، مشيرًا أن هناك وثائقَ يمكن أن تلقي الضوء على المرحلة الزمنية التي يودُّ التوغُّل فيها. فإذا كان هناك باحث أمريكي من أصل عربي قد تمكَّن من العثور على أوراقٍ تخص الخيام، فإن المؤلِّف — كَرَاوية — في «صخرة طانيوس» يؤكد عثوره على وثائق مهمَّة تلقي الضوء أيضًا على جريمة القتل التي حدثت في الرواية عام ١٨٣٨م بإحدى الضيعات اللبنانية، والتي انتهت باختفاء شخصٍ يسمَّى «طانيوس»، أُطلِق اسمه فيما بعد على الصخرة الكبرى المجاورة لضيعته «كفر عبيدة».

يقول الكاتب في الصفحات الأولى من روايته عن هذه الصخرة: «تأمَّلت كثيرًا هذه الكتلة من الحجارة دون أن أجرؤ على الاقتراب منها، ليس بسبب الخوف من الخطر؛ فالصخرة بالنسبة لقريتنا هي لعبتنا المفضَّلة، خاصة بالنسبة للأطفال. فقد اعتدت أن أرى الصغار الذين يكبرونني يتسلَّقونها، وفيما بعد لم يكن لدينا أية لعبة سوى أن تلتصق جلودنا بالصخرة، ونحن لا نستطيع مقاومة سحرها.»

والكاتب الذي سوف يحكي لنا ما شهدته هذه الصخرة طوال ردحٍ من الزمن، عليه في البداية أن يعرِّفنا على أبطال هذه الحكاية الرئيسيين قبل أن يروي لنا وقائعها، وقبل أن يحدِّثنا بالتفصيل عن الضيعة كمكانٍ أشبه بحصنٍ في حشاياه كل هؤلاء البشر، الذين إذا ابتعدوا عنها أحسُّوا كأنهم السمك الذي خرج من الماء.

فأبطال هذه الحكاية هم: لمياء، الشيخ فرنسيس، ثم جريوس. والمرأة هي محور الأحداث هنا، ويتسمَّى الفصل الأول كله باسمها، «إغواء لمياء». إنها تحمل جمالها كأنه عقيدتها. هي زوجةٌ للقروي البسيط جريوس، وتعمل في منزل عمدة الضيعة وشيخها فرانسيس. وفي هذا البيت طلب جريوس يدها للزواج، فهي بمثابة ابنة لفرانسيس الرجل الذي يمزج بين الطيبة والقسوة، وبين متناقضاتٍ عديدةٍ مثل أغلب الذين يمتلكون مقدرات الأماكن والبشر.

والشيخ فرانسيس هو سيد الضيعة؛ ولذا فكم يتمنَّى الجميع الحصول على مضائه، وحيث يردِّد أحدهم مثلًا: «لقد رأيت الشيخ اليوم» بشيءٍ من الغمز، بينما يردِّد الآخر: «اليوم قبَّلت يد الشيخ» كأنه حصل على رضاء الزمن، فهذه اليد — كما يقول معلوف — قد تأتي بالسعادة، أو التعاسة لأبناء الضيعة، وهي من القوة بحيث إنها تمثِّل مهابةً خاصة لهؤلاء الذين ذاقوا قسوتها حتى انهالت عليهم مصائبها، يجب أن يحترمه الآخرون، وأن يطلبوا حمايته، وربما أشياء أخرى خاصة النساء.

تلك كانت ملامح عابرة عن الشخصيات الرئيسية التي ستكون ذات علاقة — فيما بعد — بالوليد طانيوس بن لمياء. أما المكان فهو ضيعة غير موجودة على الخريطة اللبنانية تُسمَّى «كفر عبيدة»، ولكنها تمزج بين سمات العديد من الضيعات في ذلك العصر. إنها واقعة هناك في الجبال، تخضع للنظام الإقطاعي، حيث يملك الشيخ الكثير رغم أن النظام الإداري في ذلك العصر سيفرض عليه حاكمًا وبطريركًا. والناس في هذا السهل المنخفض لا يتطلَّعون إلى أعلى، فهم يرون أن العمدة لا يمكن أبدًا تجاوزه؛ ولذا، فإنَّ معلوف يفرد له عددًا من الصفحات للحديث عمَّا يتمتع به من سِماتٍ متناقضة.

أما الزوج جريوس، فهو رجلٌ قليل الكلام، والابتسام، ولم تكن لمياء تطمح في أن يكون لها زوجٌ خلافه، رغم أنه يكبرها سنًّا «بين الزوج وامرأته كانت هناك مسافة زمنية، فقد كانت في ربيعها الخامس عشر، أما هو فكان في خريفه الثلاثيني. ومع ذلك فهي سعيدة، بل إنَّ الكثير من نساء القرية يحسدنها على مكانتها. فهي ذات حظوة خاصة بالنسبة للشيخ الذي يناديها أمام الناس ﺑ «بنتي». وهي حين تسمع هذا النداء تشعر بسعادة غامرة، ولكن يقال إن حدود هذه العلاقة قد اقتربت من مرحلة الخطر؛ لذا، فعندما وُلِد «الصغير» طانيوس أثيرت الأقاويل عن هوية الأب الحقيقي: هل هو فرانسيس أم جريوس؟»

لقد ظلَّ هذا الأمر الموضوع الرئيسي لأهل الضيعة «رغم أنهم يتكلمون أقلَّ، إنهم يأكلون ما يكفيهم، ويتعاملون مع الشيخة زوجة فرانسيس بنوعٍ من الازدراء، عكس نظرتهم إلى زوجها. وليست هناك إشارةٌ من سكان القرية إلى حقيقة أبوَّة مانيوس، ولكن الكاتب أشار إلى ذلك تلميحًا في البداية، ثمَّ ما لبث الأمر أن تأكد فيما بعد.»

فليست لمياء مجرد خادمة في البيت، ولكنها عندما تدخل على الشيخ تقدِّم له الفاكهة، تشاركه التقاط بعض الثمار رغم أنها أعلنت لزوجها، خفية، عن مخاوفها من الدخول إلى الشيخ لأنه يطلب منها، في بعض الأحيان، أشياء أخرى لا تلبث أن تتهرَّب من الحديث عنها، حتى لا تثير شكوك زوجها.

وقد أشار المؤلَّف أن لمياء ظلَّت بعد زواجها من جريوس مسطحة البطن طوال عامين، وأنها قد حملت بعد أن تناولت من ثمار تلك الفاكهة. ولذا وُلِد طانيوس في يوم صيفي، ولكنه ملبَّد بالغيوم. وقد احتار أبوه في اختيار اسمٍ له فكان «عباس» أولًا، ثم استقرَّ المقام على طانيوس، وهو اسم غريب بالنسبة للضيعة التي اعتادت أن تطلق أسماء أخرى لأبنائها.

وقد حاول معلوف أن يعطي العديدَ من التفسيرات للتسميات اللبنانية، فاسم عباس كان تيمنًا بعمِّ الرسول الذي سمِّي باسمه اثنا عشر خليفة حكموا المنطقة العربية ردحًا طويلًا من الزمن، أما اسم فرانسيس فقد استمِدَّ من القديس فرانسوا داسيس الزاهد المعروف.

وهناك فصل بأكمله حول الخلاف الذي دار إلى أن استقرَّ على اختيارهم اسم الوليد الجديد. ولكنَّ المثير حقًّا هو ذلك الفضول الذي استبدَّ بإحدى النساء لمعرفة الاسم الحقيقي الذي على الوليد أن ينتمي إليه، هل هو الزوج جريوس، أم الشيخ فرانسيس؟ فذات يومٍ أتت زوجة القس إلى بيت الرجل، يدور بينهما حوار مثير.

– آخر مرة، طلبت يد «بونا» بطرس وأعطيتها لك، فماذا تريد هذه المرة؟

– هذه المرة أريد يدك، يا شيخ.

ويرتبك الرجل، ولكن المرأة، التي هي أيضًا شقيقة لمياء، تطلب منه أن يعترف لها، حتى وإن كانت امرأة، إذا كان هو الأب الحقيقي للوليد، وبكل ثباتٍ وثقة يردِّد: «إذا وددت أن تعرفي … فهذا الطفل ليس من صلبي»، وهو يعلم تمامًا أنه كاذب.

ورغم أن الشيخ يكذب، فإنه يذهب إلى بيت لحم من أجل إقامة مراسم الحجِّ. أما جريوس الزوج، فإنه يتلقَّى التهاني، وعليه أن يصدق جيدًا، داخل نفسه، أن طانيوس ابنه؛ فهو إذا لم يصدِّق ذلك فسوف تتحوَّل حياته إلى جحيم.

وينتقل الكاتب من الهمِّ الخاص، إلى الهمِّ العام، فالبلاد في تلك السنوات تُعتبَر طريق مرور للجيوش المصرية إلى الشام، والعاصمة العثمانية، بينما يعمُّ إحساس بأن هناك نهضة قادمة، كأنَّ لبنان يستعدُّ لدخول العصر الحديث.

والجدير بالذكر أن معلوف هنا قد استخدم ثلاثة مستويات من الأزمنة، فهو يعود من عام ١٩٣٨م إلى ١٨٢١م حين ولد طانيوس، ثم هناك زمن المؤلف نفسه، الذي يروي من إطاره وقائع الرواية باعتبار أن أحداثها قد انتهت، ولعل هذا يذكِّرنا بنفس الكيفية التي تناول بها الكاتب الكولمبي جابريل جارثيا ماركيث روايته «وقائع موت معلن عنه» فنحن سلفًا نعرف ما ستسفر عنه الأحداث، لكن من أجل معرفة المزيد، وحكي التفاصيل مثير دائمًا للمتعة، يجب علينا أن نقرأ الرواية.

وإذا كان المؤلف قد انتقل بين هذه الأزمنة، بكل سهولة، فإنه فيما بعد يختار أن يتتبَّع طفولة طانيوس الذي ينتظر مصيرًا قدريًّا مليئًا بالمعاناة، فهو مولود ومعه «ثأره» الخاص، تحوطه تلك الصخرة الرابضة في التاريخ التي عليها أن تتسمَّى فيما بعد باسمه. وهناك أيضًا أبوان: أحدهما حقيقي والآخر يحمل اسمه … ومجموعة من الأشخاص الذين سيلعبون دورًا مؤثرًا في مصيره مثل البطريرك، وهو رجل أشد قسوةً وظلمًا من فرانسيس، وأيضًا حاكم البلاد الذي يصدر الفرمانات الواجبة الطاعة.

الجدير بالذكر أن هناك تقاربًا واضحًا بين بعض وقائع هذه الرواية، ورواية ماركيث السابق الإشارة إليها، ليس فقط في الصياغة الأدبية، ولكن أيضًا في أن أحداث كلتا الروايتين مأخوذةٌ عن وقائع حقيقية ذات علاقة بالمؤلِّف نفسه.

وقد اختار معلوف أن يجري بالسنوات، حتى بلغ سِنَّ الصِّبا، فما إن أصبح في الخامسة عشرة، حتى انقلب فرانسيس فجأة على معاونه القديم «رافوز» بعد أن رفع حصَّة الضرائب «الميري»، فلم يكن أمام الرجل سوى الهروب، وما لبث الإقطاعي أن أصدر أمره بمنع دخوله الضيعة. ويشير المؤلِّف أن السبب الحقيقي لهذا الغضب والطرد ليس أبدًا الضرائب، وإنما لأن الإقطاعي حاول أن يغرِّر بامرأته مثلما فعل مع لمياء، ولكنه تصدَّى له. وما لبث جريوس أن حصل على وظيفته، ولكن «رافوز» ما يلبث أن يعود ومعه شفاعة من نائب الحاكم المصري للعفو عنه. ثم يلتقي بطانيوس الصغير ذات يومٍ فيحدِّثه أنه ليس مطلوبًا منه أن يقبِّل يد الشيخ يوميًّا، مثلما يفعل أبوه، ولكن عليه أن يدرس ويتثقَّف، ويصبح بذلك أباه الروحي.

ويقبِل طانيوس على التعليم، ويعرف أن هناك فرقًا بين ما يتلقَّاه من معرفة، وبين ما يدور من حوله من عادات وتقاليد. ويزامله في الدراسة «رعد» الابن الشرعي للشيخ فرانسيس، وتتوطَّد العلاقة بالبطريرك، ويتردد الرجلان على بيت الحاكم العام للجبل.

وفي الضيعة هناك شخصٌ آخر يدخل في خضمِّ الأحداث يُدعَى «القس شتولتون»، والذي يروي في مذكراته أنه فوجئ بأن السنوات تقدمت فجأة بطانيوس، وأنه رغم سنوات عمره الخمس عشرة فإنَّ بعض الشعيرات البيضاء قد بزغت في رأسه: «تصوَّرت أن هناك أسطورة في هذا الركن من الجبل تتعلَّق بالشيب الذي يصيب الصغار، وبالفعل يحدث هناك شيءٌ مرعب.»

وتُشاع الأقاويل عن علاقة ما بين زوجة القس وبين «رعد»، وفي مجتمع صغير مغلق مثل هذا لا تلبث أن تتسرَّب الحكايات، الحقيقي منها والمزيف، فلا شيء يختبئ بما فيها حكاية بنوَّة طانيوس. فإنَّ قصَّة رعد تنتشر على ألسنة النساء، وتعود إلى الأذهان قصص الأب القديمة. ويغلق الصبيُّ طانيوس على نفسه أبواب المكتبة من أجل الاستزادة من المعرفة؛ ربما رفضًا لهذا العالم، وربما بحثًا عن وسيلة أفضل لفهم الحياة. ثم يحسُّ أن هناك مشاعر ما تنتاب المرء حين يرى فتاة جميلة، مثل «أسماء» التي يحبُّها ذلك الحب الطفولي الجميل، «ويحاول في البداية أن يحفظ سرَّه في داخله، إنها ابنة معلمه الكبير «رافوز» الذي يناديه دائمًا ﺑ «ابني»، وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة بعد، لكنها أيقظت فيه مشاعر رائعة مقدسة.»

لكن هذا الحب النقي في حياة طانيوس لا يلبث أن يختفي، ففي عام ١٨٣٨م، تتعرض الضيعة لهزة أرضية عنيفة تصدِّع قصر فرانسيس الضخم، والذي يعيش فيه أغلب أبطال الرواية. كما تتصدع المنازل القروية، وينتج عن ذلك سلسلة من المآسي. فبالإضافة إلى الموت، هناك القحط، ويقرر الحاكم مضاعفة الضرائب. أما البطريرك فيحسُّ أن عليه أن يمارس سلطاته لمصلحته الخاصة، إنه رجلٌ لا يهمُّه أن يكون هناك شرف، بل أن تأتي إليه العوائد بأي ثمن، وهو لا يكنُّ للمشاعر النبيلة أي تقدير، حيث يسعى لتزويج «أسماء» بابن أخيه.

ويصاب طانيوس بألمٍ عظيم، ويهرب من حبِّه إلى امرأة أخرى «لقد عرفت امرأة، لم أكن أتكلَّم لغتها، ولم تكن تعرف لغتي، لكنها كانت تنتظرني على السلَّم، وذات يومٍ طرقتُ بابها لأخبرها أن سفينة تنتظرنا من أجل الرحيل.»

ويرحل طانيوس بعد أن مات البطريرك صريعًا برصاصةٍ أصابته بين حاجبيه، كما يموت جريوس مقتولًا. وتندلع حربٌ طائفية في الضيعة، بالغة القسوة مثل حرب الأمس القريب في لبنان. وكما يقول «شتولتون» في أوراقه الخاصة: «لقد رجوت طانيوس أن يرحل، كان هذا هو واجبي نحوه، وأنا أقول له: فكِّر، فأنت لست صاحب مصلحة في هذه الحرب، ليحكم المصريون جيلك، أو العثمانيون، وليلعن الفرنسيون الإنجليز» لكنه ردَّد: لكنهم قتلوا أبي.

بعد أن يرحل طانيوس إلى قبرص، تنقطع صلتُه بالضيعة، فلا أخبار تأتيه من هناك، كما أن أخباره لا تصل إلى أهله، وخاصة أمه لمياء. إنه واحدٌ من كثيرين سافروا بسبب هذه الحرب إلى لندن وباريس وفيينا والقاهرة، ولكن قلوبهم ظلَّت معلقةً بالوطن، يرغبون في عبور البحر للعودة حتى لو تعرَّضوا للنيران. ويفكِّر في العودة من أجل الثأر. لقد وجد نفسه أمام وجهَي عملة للثأر؛ الأول مرتبط بدماء أبيه، والثاني يتعلق بالازدراء الذي يحسُّه داخل نفسه. وتنسكب الأحزان والهموم داخل قلب الشاعر الذي أصبح شعره أبيض تمامًا، رغم براءة وجهه «أنت يا طانيوس يا ذا الوجه الطفولي، والرأس المتسعة لستة آلاف عام، لقد عبرت أنهار الدم والوحل وخرجت كالشعرة من العجين. لقد مزجت جسدك بجسد امرأة، وألقيت بعذريتك فوق الأرض. اليوم أصبح مصيرك معلَّقًا وبدأت حياة أخرى؛ فانزل من فوق صخرتك، وانغمس في البحر، واجعل جسمك يلعق نقطة واحدة من الملح.»

لكن طانيوس لا يعود لينتقم على طريقة الثأر العربية، بل ليرى أمه؛ فيكون اللقاء حارًّا للغاية، وهي تصرخ باكية: «أنا في حاجةٍ إليك، فلا تبتعد مرةً أخرى.» ولكن الغريب أن طانيوس عاد ليختفي من جديد، ويكون الاختفاء هنا أقرب إلى عبثية مصائر أبطال الأساطير الذين لا يعودون قطُّ، فقد فشل طانيوس الشابُ الأشيب في الاندماج داخل هذا العالم الضيِّق، المليء بالقسوة؛ ولذا، لا يجد أمامه سوى حلٍّ واحدٍ هو الخروج من الوطن. وقد تحدَّث الكاتب عن هذا الخروج في حديثه إلى إبراهيم العريس في مجلة الوسط (العدد ٩٤) قائلًا: «لا يهمُّنا أين ذهب، وكيف ذهب. يهمُّنا قراره كردِّ فعلٍ على ما يحدث، النهاية هي خروجه من عالم الرواية، اختفاؤه. هذه هي فكرة الكاتب، حكاية الهجرة ما قبل الهجرة، فإذا كان عليَّ أن أواصل فسيكون من الضروري أن أحكي قصة أخرى لا علاقة لها بالأولى.»

تلك كانت وقائع رواية «صخرة طانيوس» لأمين معلوف، وقد حاولنا سردها قدر الإمكان. فمعلوف ليس فقط روائيًّا موهوبًا، ولكنه لا ينسى في داخله المؤرخ والصحفي. فهو لا يحدِّثنا عن قصة «ثأر» امتلأ التاريخ بالملايين من أمثالها، ولكنه يؤرخ للبنان، في تلك الآونة، وينقل صورة صادقة وحية لكل ما كان يحدث في ضيعة لبنانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد وقع معلوف في حيرة لترجمة الأسماء والألفاظ إلى الفرنسية التي يكتب بها؛ فتركها في أغلب الأحيان عربية بلا دلالات، وكأنه كتب «صخرة طانيوس» لأبناء وطنه الذين يعرفون الفرنسية، وليس فقط لقراء اللغة الفرنسية، أيضًا، وليس للقارئ العربي الذي لا يعرف الفرنسية، وتلك سمةٌ واضحة لدى الأدباء العرب الذين يكتبون عادةً باللغة الفرنسية.

قائمة الأدباء اللبنانيين الذين كتبوا باللغة الفرنسية

أبو زايد، فؤاد

وُلد عام ١٩١٥م في ساحل عَلما (مرتفعات لبنان). شاعر، وقصَّاص. نشر ديوانه الأول «أشعار الصيف» في عام ١٩٣٦م ببيروت، والذي لاقى ترحيبًا من الأكاديمية الفرنسية. ثم جاء ديوانه الثاني «أشعار جديدة» المنشور في باريس عام ١٩٤٢م، ونشر ديوانه الثالث «فكرة» عام ١٩٤٥م.

أبو سليمان، ألفريد

عاش بين عامي ١٩١٢م و١٩٣٥م، حيث مات وهو في الثالثة والعشرين من العمر بعد إصابته بمرضٍ عضالٍ لا برء منه، كان يحسُّ دومًا أن نهايته قريبة. وقد اكتست نغمة قصائده بحزنٍ عميقٍ مكسوٍّ باليأس، ونداءاتٍ مليئةٍ بالتمرُّد. لم ينشر له سوى ديوان واحد هو «رماد ساخن» الذي صدر عقب وفاته بعشر سنوات، والذي طُبِع في بيروت باللغة الفرنسية.

أحدب، جومانة

وُلدت في بيروت. نشرت أشعارها الأولى وهي في الرابعة عشرة من عمرها. تعاونت مع صحفٍ ومجلاتٍ عديدة لنشر قصائدها. عملت في جريدة «النهار» و«مجلة لبنان» اللتين تصدران بالفرنسية. ثم «أكسيون» action و«كراسات الشرق». كما عملت في بعض الصحف والمجلات في مصر، ونشرت بها قصائدها. نشرت أول ديوان لها في عام ١٩٤٩م باللغة الفرنسية في باريس.

أركاش، جان

وُلِدت في الإسكندرية، لأب لبناني وأمٍّ ريفية فرنسية. درست الأدب والموسيقى، وقامت بالعديد من الرحلات بين أوروبا والشرق. نشرت كتابها الأول «مصر في مرآتي» عام ١٩٣١م، و«الغرفة العليا» المنشور بباريس عام ١٩٣٣م، ثم «الأمير ذو الصليب» بباريس عام ١٩٣٨م.

أمون، بلانش

فرنسية من أصل لبناني، بدأت حياتها كفنانة تشكيلية، وعرضت لوحاتها في باريس وبيروت. روائية تكتب قصصًا قصيرة، ومقالاتٍ. نشرت كتابها الأول «قصة لبنان» عام ١٩٣٧م، كما كتبت في صحيفة «النهار» التي تصدر بالفرنسية.

بطرس، إيفلين

وُلِدت في بيروت، واشتركت في النشاط الاجتماعي والحركة النسائية. تكتب الرواية، نشرت روايتها الأولى «يدان» عام ١٩٢٦م، التي كتب لها المقدمة كلٌّ من جيروم وجان تورو.

ثابت، جاك

وُلِد في بيروت عام ١٨٨٥م، شاعر نشر ديوانه «ضحكات ونحيب» عام ١٩٠٧م، ورواية «الصخب الدَّامي» عام ١٩١١م، ودراسة عن سوريا عام ١٩٢٠م، ثم رواية «هيلسا» عام ١٩٢٢م، وديوان شعر يحمل عنوان «أشعار مختلفة» عام ١٩٢٥م.

جماتي، بول

مولودٌ في جبل لبنان، شاعر، نشر العديد من الدَّواوين مثل «رماح الحرب» عام ١٩٢١م، و«جناح صغير لمهووس ميت» عام ١٩٢٥م، و«شموس» عام ١٩٢٧م، و«باريس بالمغنسيوم» عام ١٩٢٨م، ثم «أشعار» عام ١٩٣٨م.

حايك، فرج الله

وُلِد عام ١٩٠٩م في بيت صباب بجبل لبنان. بدأ حياته بديوانَين هما: «دموع وابتسامات» و«جنة إبليس» ١٩٢٩م. نشر روايته الأولى «برغوت» عام ١٩٣٩م، ثم نشر دراساتٍ عن «يسوع» عام ١٩٤٦م، و«الله لبناني» عام ١٩٤٦م ببيروت. ثم أربع روايات هي «هيلينا» ببيروت عام ١٩٤١م، و«الغريبة» عام ١٩٤٧م، و«جورفيل الساحر» عام ١٩٤٧م، و«أبو سيف» ١٩٤٨م، ثم ثلاثية روائية تحمل عنوان «أبناء الأرض»، وهي تتألف من «أبو ناصيف» ١٩٤٨م، و«ابنة الله» ١٩٤٩م، «سمِّ الوحدة» ١٩٥١م.

حكيم، فيكتور

وُلِد عام ١٩٠٧م، وقد نشر العديد من القصائد والمقالات في صحفٍ مصرية ولبنانية وفرنسية. نشر ديوانه الأول «فريناز» عام ١٩٤٥م، ثم دراسةً عن الشعر اللبناني عام ١٩٤٨م.

سعير، إدمون

وُلِد عام ١٩٠٢م، شاعر، نشر منذ عام ١٩٣٨م مجموعة من القصائد في صحف ومجلات بيروت. وفي عام ١٩٤٣م صدر ديوانه الأول في بيروت.

شحادة، جورج

(انظر الفصل الثاني).

شديد، أندريه

(انظر الفصل الخاص بالأدب المصري).

شيحة، ميشيل

وُلِد في بيروت عام ١٨٩١م، مؤسِّس ومدير صحيفة «النهار» التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. في عام ١٩٣٤م نشر ديوان شعرٍ يحمل عنوان «منزل الحقول»، وساهم في إصدار العديد من المجلات منها «المجلة الفينيقية» و«فينيقيا» و«مجلة لبنان» و«كراسات الشرق» باللغة الفرنسية.

غانم، خليل

وُلِد في بيروت عام ١٨٥٧م، وسافر إلى باريس، وعمل في جريدة «لوفيجارو» ثمَّ في صحيفة «الحوادث». نشر ديوان شعرٍ يحمل عنوان «المسيح» عام ١٨٩٩م، ثم دراسةً تاريخيةً مهمَّة من جزأين عام ١٩٠١م تحت عنوان «السلاطين العثمانيون».

غريب، ميشيل

وُلِد عام ١٩١٢م في دامور بجبل لبنان، وقام بتدريس الأدب الفرنسي في كلية البطريركية ببيروت. نشر ديوانه الأول «أرومات في الظل» عام ١٩٣٦م، ثم نشر الكثير من القصائد في الصحف اللبنانية التي كانت تصدر بالفرنسية.

قرداحي، شكري

وُلد في عام ١٨٩٠م ببيروت، تولَّى وزارة العدل، ورئاسة شرفية للبلاط، كما عمل مدرِّسًا في الأكاديمية القانونية الدولية بلاهاي، وفي كلية الحقوق ببيروت، ثم حصل على دكتوراه شرفية من جامعة الجزائر. ونشر مجموعةً من الدراسات القانونية باللغة الفرنسية منها على سبيل المثال: «مفاهيم وممارسة القانون الدولي الخاص في الإعلام» عام ١٩٣٨م.

قلت، هكتور

وُلِد عام ١٨٨٨م، شاعر، عاش في مصر، ونشر أشعارًا في أهم المجلات بالقاهرة والإسكندرية، عاد إلى لبنان ١٩٢٠م، وعمل في الصحف والمجلات المحلية. وتولَّى مسئولية المكتبة القومية في بيروت، ثم عمل قنصلًا عامًّا في ساو باولو عام ١٩٤٨م. ومن أهم دواوينه «السرو والخروع» عام ١٩٣٤م، و«في الرياح القادمة» ١٩٣٧م، و«القديسة ماما» وكلها منشورة ببيروت.

كورم، شارل

وُلِد في بيروت عام ١٨٩٤م، وأصدر أوَّل مجلةٍ ثقافية لبنانية باللغة الفرنسية باسم «المجلة الفينيقية»، ثم أسس دار نشر تحمل نفس الاسم. شاعر، من أهم دواوينه «الإنسانية والجبل» ١٩٣٥م، و«طفل الجبل» (مقالات) عام ١٩٣٨م. ثمَّ «الفن الفينيقي» ١٩٣٩م، و«سر الحب» ١٩٤٨م، و«سيمفونية النور» ١٩٤٨م.

كوري، شارل

وُلِد في باريس عام ١٩١٠م من أصل لبناني. طبيب وشاعر، نشر ديوانه الأول عام ١٩٣٣م بعنوان «ساعات ضائعة»، ثم ديوانه الثاني «من شاطئ لآخر» عام ١٩٤١م، والذي أهدته الأكاديمية الفرنسية جائزة خاصة.

معلوف، أمين

(انظر الفصل الثالث).١٧
١  رحيل جورج شحادة، بيار أبي صعب، اليوم السابع، ٣٠ يناير ١٩٨٩م، ص٤٠.
٢  نفس المصدر.
٣  هذه القصيدة من ترجمة بيار أبي صعب كما نُشِرت في اليوم السابع، ٣٠ يناير ١٩٨٩م، ص٤١.
٤  رحيل جورج شحادة، بيار أبي صعب، ٣٠ يناير ١٩٨٩م، ص٤١.
٥  Le Monde 8-3-1985, p. 15.
٦  مجلة اليوم السابع، ٣ نوفمبر ١٩٨٦م، ص٣٧.
٧  الحروب الصليبية كما رآها العرب، ميخائيل الخوري، مجلة الشاهد، أكتوبر ١٩٩٠م، ص١٠٠.
٨  المرجع السابق.
٩  Leon I’Africain, A. Maalouf, Lattes, Paris, 1986.
١٠  ليون الأفريقي، د. سيزا قاسم، مجلة الهلال، سنة ١٩٩٠م، ص١٨٠.
١١  أمين معلوف، د. أمين العيوطي، الهلال، القاهرة، سبتمبر ١٩٩١م.
١٢  الشاعر والحاكم، حوار إبراهيم العريس، اليوم السابع، ٤ أبريل ١٩٨٨م، ص٣٧.
١٣  المصدر السابق.
١٤  Maalouf et son prophet, Le Point 18-3-1991, p. 48.
١٥  المصدر السابق.
١٦  L’homme qui aimait les femmes, le Nouvel observatur, 23-4-1992, p. 131.
١٧  تم رصد هذه الأسماء عن كتاب: Anthologie des auteurs libanais الصادر في بيروت عام ١٩٤٨م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤