الفصل السادس

الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية

استطاع الكاتبان المغربيان أحمد سفريوي وإدريس شرايبي أن يفتتحا الإبداع المغربي المعاصر في عام ١٩٥٤م بروايتين شهيرتين هما «علبة العجائب» la boite au merveille و«الماضي البسيط» le passé simple المكتوبتين باللغة الفرنسية. وكما جاء في كتاب la litterature francophonie depus 1954. فإن هذا التاريخ يُعتبَر بمثابة مولد للأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية. وقد صنع هذا الأدب جيلًا موازيًا للجيل الجزائري الذي ظهر في عام ١٩٥٢م، مثل محمد ديب ومولود فرعون وغيرهما. وليس من المنصف أن نقارن بين عطاء نفس الجيل في البلدين، وذلك لاختلاف العديد من الظروف التي عاش فيها الكاتب في كلٍّ من البلدين. فلا شك أن الحضور الثقافي الفرنسي في الجزائر كان أشدَّ وأقوى. وقبل هذا العام، على سبيل المثال، لم يكن يوجد في المغرب أدبٌ فرنسي مثلما حدث في الجزائر، كما أن اللغة العربية لم تكن تائهة في المغرب مثلما حدث في الجزائر. وعليه فإن أديبَين مثل شرايبي وسفريوي كانا يجيدان اللغة العربية الفصحى مثلما يجيدان اللغة الفرنسية. وسوف نرى أن الكثير من هؤلاء الأدباء الذين كتبوا بالفرنسية قد درسوا علوم القرآن في طفولتهم، وحفظوا سوره الكريمة، في نفس الوقت الذي لم يبتعد فيه البربر عن الثقافة العربية.

وقد عرفت المغرب أدباءها الذين يكتبون بالفرنسية، كما عرفت الذين يكتبون بالعربية، ولا شكَّ أن الحركة الأدبية المغربية قد أفرزت عددًا أقل من الأسماء البارزة من مثيلتها في الجزائر، ليس فقط من حيث العدد بل أيضًا من حيث الأهمية. ومن أبرز هذه الأسماء التي ظهرت في نهاية الخمسينيات محمد خير الدين، وعبد الكبير الخطيبي، ومصطفى نيسابوري، وأيضًا عبد اللطيف لعبي.

والغريب أن أول مجلة أدبية ظهرت في المغرب كانت، كما جاء في الكتاب المذكور، تحمل اسم «أنفاس» وقد صدرت عام ١٩٦٦م، وفي العدد الأول من المجلة بدت الشكوك حول الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية، وتساءلت المجلة: «هل يجب أن نصرح أن هذا الأدب لا يخصُّنا أكثر من أنه جزء بسيط منا؟ ليست لدينا إجابة حول حاجتنا لأدبٍ يحمل ثِقَل واقعنا الحالي، في مواجهة ثورة متوحشة تلطمنا.»

وقد اهتمت المجلة دومًا بالدفاع عن الأدب المكتوب بالفرنسية باعتباره عربيًّا. ولا شك أن غير هذا قد دفع بالأدباء المغاربة إلى الإحساس بأنهم غرباء في وطنهم؛ فترك أكثرهم بلاده ورحل إدريس شرايبي إلى بقاع الأرض كلها على سبيل المثال، قبل أن يستقرَّ في فرنسا، وفعل مثله عبد اللطيف لعبي ثم الطاهر بن جلون … وزادت أهمية التعامل مع هذا الأدب. فإذا انتقد المجتمع المغربي تصوَّره البعض يهاجمه، وأن كاتبه مدفوع من الاستعمار لتشويه صورة العرب. وقد حدث ذلك بشكلٍ واضحٍ مع إدريس شرايبي عندما نشر روايته الأولى «الماضي البسيط» Le passé simple في عام ١٩٥٤م، حيث أثارت الرواية فضيحة في الأوساط المغربية، وراحت الصحف تكيل له السباب والشتائم، وطُولب بإعدام الكاتب. فلم يكن أحدٌ من الشعب المغربي يتصوَّر أنه في اللحظة التي يشحذ فيها الجميع الهِمم من أجل النضال للاستقلال، فإن كاتبًا ينشر رواية مليئة بالعنف حول تمرُّد شابٍّ ضد أبيه. هذا الأب، كما تصوِّره الرواية، إقطاعي و«سيد» زمانه، وهو جلاد الأسرة. ورغم الأب الطاغية، فإن التقاليد لا تحبِّذ قطُّ أن يتمرد ابن ضد أبيه، فلا شك أن هذا يسقط كافة القوانين الاجتماعية. وفي فصلٍ من الفصول يتحدث الابن عن أبيه وهو يمسك السكين ويفكر في أن يقتله. يبتسم الابن وهو يمسك السكين التي استعملها في فتح كتبه، كما استعملت في ذبح الدواجن في عيد الفطر، وحزِّ رقبة الخروف في عيد الأضحى.
وقد دفعت الظروف بشرايبي أن ينكر أية صلة له بالرواية، ثم سافر إلى بلادٍ عديدة لسنواتٍ طويلة، منها إيطاليا وألمانيا والنمسا ويوغسلافيا وبريطانيا. وتقول موسوعة أدباء المغرب باللغة الفرنسية إن شرايبي قد عاش في إسرائيل عامين (أو بالأحرى شهرين) باسم مستعار.١ وقد نشر شرايبي رواياته كلها فيما بعد باللغة الفرنسية، منها رواية «التيوس» les boucs عام ١٩٥٥م، و«الحمار» l’ane ١٩٥٦م، ثم «الحشد» la foule ١٩٦١م، و«الحضارة أمي» la civilisation, ma mére ١٩٧٢م، وفي هذه الروايات كان شرايبي يتحدث بأسلوبٍ انتقادي واضح للمجتمع المغربي؛ فهو يرى أن العالم يتغير بينما بلاده لا تزال شابة صغيرة.

أما الجيل التالي الذي جاء بعد شرايبي وسفريوي، فهناك محمد عزيز الحبابي الذي عُرِف كفيلسوفٍ وأستاذٍ جامعي، وهو يكتب باللغة العربية، كما كتب أيضًا بالفرنسية، ثم هناك فيلسوف آخر يُدعى عمانويل منير.

ويُعتبَر عبد اللطيف لعبي واحدًا من الأدباء المرموقين في جيل الستينيات، حيث أصدر مجلة «أنفاس» باللغتين العربية والفرنسية، ولكن نشاطه الغالب هو قرض الشعر باللغة الفرنسية. أما مصطفى نيسابوري فهو شاعر آخر جمع قصائده المكتوبة بالفرنسية في ديوانَين الأول في عام ١٩٦٨م تحت عنوان «ذاكرة عالية جدًّا»، ثم «ألف ليلة وليلتَين» عام ١٩٧٥م. وبينما ازدهرت الرواية المكتوبة بالفرنسية في الجزائر، فإن الشعر المكتوب بالفرنسية قد ازدهر في المغرب، على أيدي محمد خير الدين وزغلول مرسي.

لذا، فليس من الغريب أن يبدأ الطاهر بن جلون، عند ظهوره في أوائل السبعينيات، إبداعَه كشاعر، وقد التصق بالشعر فترة قبل أن يتجه كلية إلى الرواية. ونتيجة لأهمية بن جلون كأديبٍ يكتب باللغة الفرنسية، ويعتبر الآن واجهة هذا النوع من الأدب المغربي، فإننا سوف نخصص الجزء الغالب من حديثنا عن إبداعه … خاصةً أن هذا الإبداع قد تُوِّج في عام ١٩٨٧م، حين فازت روايته «ليلة القدر» بجائزة جونكور، وهو بذلك أول عربي يحصل على مثل هذه الجائزة المهمة.

والطاهر مولود في مدينة فاس في عام ١٩٤٤م، وقد كان الوليد الوحيد في أسرة لم تنجب سوى البنات. وسوف نرى أن هذه التجربة قد أرَّقت الكاتب كثيرًا، وعبَّر عنها في روايتَيه «ابن الرمل» و«ليلة القدر». وقد هاجرت الأسرة بينما الطاهر في العاشرة من عمره إلى مدينة طنجة، وظلَّت هناك ثماني سنوات. وعندما بلغ الثامنة عشرة سافر إلى مدينة الرباط لدراسة الفلسفة في الجامعة، ثم توجَّه إلى مدينة تطوان عقب تخرجه في عام ١٩٦٨م من أجل العمل كمدرسٍ للفلسفة، وانتقل بعد ذلك إلى الدار البيضاء. نشر أولى قصائده في عام ١٩٦٥م، ثم قرر أن يدرس علم النفس في باريس، والتي اختارها للإقامة منذ عام ١٩٧١م؛ حيث وجد وظيفة مناسبة في جريدة لوموند التي لا يزال يعمل بها حتى الآن.

نشر الطاهر بن جلون ديوانَه الأول «رجال تحت كفن الصمت» hommes sous linceul de silence عام ١٩٧١م في الدار البيضاء، أما بقية أعماله فنُشرَت جميعها في باريس، وهي على النحو التالي: «ندوب الشمس» ci catrice du soleil — ديوان شعر — عام ١٩٧٢م، و«حرودة» Harrouda رواية، عام ١٩٧٣م، ثم «أحاديث الجمل» le discours du chameau شعر، عام ١٩٧٤م، وديوانه «بذور الجلد … أصيلة … ذكريات الطفولة» Grains de peau … Asilah وهو كتاب نشر فيه محمد بن عيسى — وزير الثقافة المغربي — مجموعة من الصور. وفي عام ١٩٧٦م نشر بن جلون كتابه «ماتت أشجار اللوز متأثرة بجراحها» وهو عبارة عن مقالات قصيرة وقصائد شعر … وفي نفس العام نشر مختارات من الشعر المغربي الحديث باللغة الفرنسية تحت عنوان «ذاكرة المستقبل». وفي روايته الثانية «انزواء العزلة» la réclusion solitaire، وفي عام ١٩٧٧م نشر مجموعة مقالات في علم النفس حول رسالة الدكتوراه التي كان يعدها تحت عنوان «منتهى العزلة» la plus haute de solitude ثم جاءت روايته «موحا المجنون … موحا العاقل» عام ١٩٧٨م، وفي عام ١٩٨٠م عاد مرة أخرى إلى الشعر ليقدم ديوانه «خبايا الذاكرة» A l’insu de souvenir، وفي نفس العام ترجم إلى الفرنسية رواية «الخبز الحافي» le pain nu لصديقه محمد شكري، وكتب لها مقدمةً بالغة التميز … ثم نشر روايته «صلاة الغائب» عام ١٩٨١م، وقام في عام ١٩٨٢م بنشر مجموعة من النصوص تحت عنوان «منفى الحجارة» l’exil de pierres وفي عام ١٩٨٥م نشر روايته «ابن الرمل»، وجاءت روايته «ليلة القدر» عام ١٩٨٧م لتحصل على جائزة جونكور. وفي عام ١٩٨٩م نشر روايته «يوم الصمت في طنجة»، ثم نشر روايته «غضُّ البصر» عام ١٩٩١م، و«تصاعد الرماد»، و«الملاك الأعمى» ١٩٩٣م، و«الرجل المحطم» ١٩٤٤م.

ورغم أن الكاتب يعيش في باريس وينشر باللغة الفرنسية، إلا أن كل أعماله تدور أحداثها في المغرب … بين مدنها وفوق أديمها، وأبطال هذه الروايات هم مغاربة وعرب في المقام الأول، ولعل هذا هو سرُّ مذاق الكاتب. وكما جاء في جريدة الوطن الكويتية أنه «كلما كنا قريبين من مسقط رءوسنا امتلكنا أكثر الفرصة في أن نخاطب العالم كله، وفي أن نكون مفهومين من الجميع. وإذا كتب أحدنا رواية عن الإنسان عمومًا فإنه لا يؤثر في أي قارئ بشكلٍ خاصٍّ.»

«إذن، هويتي واضحة، هي عربية ومغربية، وبالتالي فإن كتبي تشهد على هذا الانتماء.»٢

ويقول بن جلون في نفس الحديث إنه «لا مشكلة هوية لديَّ، أقول إن لغتي هي الأدب، ولا أشك في عروبة ما أكتب. ومن البدهي أن يكون هذا الأدب الذي أكتبه عربيًّا في الجوهر والروح، وليس في الكتابة.»

«لم نعُد كُتَّابًا هامشيين؛ فثمة جمهور كبير يتابعنا الآن، وهو الذي يمنحنا الشرعية والاعتبار، وليست الأوساط الأدبية الفرنسية.»

ولو نظرنا إلى إبداع بن جلون، فسنراه مرتبطًا في المقام الأول بالمكان العربي، قضاياه، ومشاكله، ومعاناته. وقد بدا هذا بشكلٍ واضحٍ في كتابه «ماتت أشجار اللوز متأثرة بجراحها»، فهو، على سبيل المثال، يدافع عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين، ويقول في خطابٍ له وجَّهه إلى ابنه: «لقد توقَّف اليوم داخل تجعيداتي منذ أن مرَّت آلاتهم الدامية فوق منزلنا، كم هي مرعبة تلك السيارة الضخمة التي تنتهش الشيء القليل الذي بقي لنا: قطعة من الأرض، سقف وثلاث أشجار. إنها آلة تصنع الضوضاء، تلمع الشمس وتنفجر في الضحك المتواصل عندما تخرج من الزهور البرية الصغيرة الهشَّة التي تسعى إلى النمو. رأيت أسنانه المصفرة من دماء الأرض التي تحطمت فوق حفنة رمال، رياح خفيفة تحزُّ جذور الشجرة. تهبط الشمس وتجمعها. أعتقد أنها تسكن سحابة صغيرة جامدة لا تتركنا منذ أن كنا بلا سقف، بلا مأوًى. أخوك الصغير يجري كي يقفز، كُتب المدرسة يعلوها التراب، لقد خفنا، وحاولت الآلة أن تلتهمها.»

«مجروحون من أرضنا، خجولون في أشجارنا، كنا هناك ثلاثتنا، يصيبنا موت مفاجئ، وجزء منا أعتقد أنه قد مات. لقد انتزعوها بالطبيعة في الفجر، ظللنا هادئين، فتحوا جراحنا واحتسينا موتنا، كان له طعم المر. قالت أمك إن لها — جراحنا — عطر الياسمين. فتحت السماء على نداء العصفور اليتيم، ولاحظنا جسد الضوء مغطًّى بالدماء الجديدة، ترنَّحت السماء في هذا اليوم لأن الظلم العاري قد سطَّر خطوطه فوق أرضنا وأجسادنا.»٣
وبهذه اللغة الشاعرية الراقصة يكتب الطاهر مقالاته السياسية. في مقالٍ له، أو لعله نداء باطني، إلى الشاعر الفلسطيني محمود درويش بعنوان «أرض يتيمة» يقول: «محمود درويش، هو هذا الصوت الذي يشدو بالحب، صوت مشدوهٌ بالشعور المضفرة من البساتين التي تركها عند الفجر. في سن السابعة، عاش في دير السد، الأرض محتلة. فوق أرضي «بوطنية لا حدود لها»، غير محددة المصير. والكرباج الذي يسقط من الضحك عندما يحوم الطائر بين السحب وزبد البحر. عاش محمود في حيفا حتى عام ١٩٧٠م، وفي كل يوم يقدم شعرًا وحجرًا، يصنع من كل جملةٍ حقلًا من الوحدة المليئة بالصور وفروع أشجار الزيتون. إنه منفًى خارجي، في موسكو والقاهرة ثم بيروت حيث أثار ضجة عابرة.»٤

وفي مقالٍ آخر بعنوان «العربية … العربية» حول زيارته للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ومدى شعوره بالرهبة والخشوع الذي أحسَّ به كتب: «ليست الصحراء قصيدة، ولكنها أيضًا أفكار مسبقة، وصورة ملونة، مرسومة بالنيون أعلى العمارة التي لا تنتهي في أركان الشوارع التي لا سقف لها. إنها ذكرى شاحبة، تنتقل فوق جبين السحب التي تبدو في وجه السماء حيث تكمن النجوم.»

وتؤلم الوحدة الكاتب دومًا، ويقول: «أنا صغير في وحدتي، لكنني أضحك، لم أقصَّ لحيتي هذا الصباح، وليس هذا أمرًا جسيمًا؛ فلا أحد ينظر إليَّ، إنهم يقرءون في الدهاليز، يقرءون في المترو، لا يضيِّعون أوقاتهم، بينما أقف في الممرات أسمع الشباب يغنون؛ فأضحك وأفرح. سوف أتكلم مع أي شخص، لا، سوف يعاملني كشحاذ. من هو الشحاذ، من هو الشحاذ في هذه البلاد؟ لم أره قطُّ. أناس ينزلون متكاتفي الأيدي، وآخرون يصعدون. أشعر أنهم متشابهون. سوف أتكلم مع هذا الثنائي، سأجلس أمامهما ما دام المكان شاغرًا، وسوف أخبرهما بشيءٍ لطيفٍ أشبه بمواء القط أو عواء الذئب.»٥

وما يكتبه الشاعر هنا في صورة مقالات ليس سوى نوع من التعبير الشعري المنثور عن أشياء يحسُّها. ولذلك فإن هذه الانطباعات قد بدت مجسَّمة كثيرًا في هذا الكتاب عن القصائد. لكن موضوع الوحدة الذي يعاني منه الكاتب يطارده في قصائده وانطباعاته … فهو يكتب عن «طبوغرافية» الوحدة، وهناك مجموعة قصائد قصيرة متناثرة جمعها تحت عنوان «أصيلة … فصل الزبدة» وهي قصائد لا تزيد كلٌّ منها بأية حال على خمسة أو ستة أبيات، قليلة الكلمات مثل:

أدير رأسي للمدينة،
وأهازيج البحر،
وأستعبد صوتي،
كأنه المرج.
الأطلال تحتفظ بندوبها،
ويسكب الزبد ملحًا فوق الهلب،
ملح كثير يثير مشاعر الأطفال.

وفي آخر مجموعة من هذه القصائد هناك قصيدة رائعة يقدمها قائلًا: «أنا في الحكمة والحقيقة، أمتلك مفاتيح المدينة، سيد البحار والصيادين. أنا اليوم مقبرة في الأرض الرطبة، أجمل المقابر التي أصابها الجنون؛ حيث ينام فيها المجانين ومرضى الحب … المرضى الحقيقيون.»

أما القصيدة فيقول فيها:

أنا مجنون بعائشة،
الأكثر حسنًا من القمر،
النقية كجنوني.
ليس من الصدى،
أن أبكي وأصيح وأسكت.
أرقص في اللَّهب،
وأتكلم مع الموتى،
بينما يرتجف المفتاح،
كتاب مفتوح للأطفال الخائفين،
أنا مقبرة الفقراء.

أما كتابه «ندوب الشمس» فهو يضم كذلك مجموعة من القصائد الطويلة استوحاها من جوِّ المغرب، وأطلق عليها اسم «مراكش»، كما يضم قصصًا قصيرةً بلا عنوان، ثم ثلاث قصص أقرب إلى الانطباعات منها إلى فنِّ القص، حيث مزج الشعر بالسرد لدرجة يمكن تصورها قصائد قصصية قصيرة. مثل «الجمال» و«الشجرة»، وهي كلها تعبِّر عن الحياة في شمال أفريقيا: «من وقتٍ لآخر تمدُّ الشجرة نبضاتها، وتتمدَّدُ جذورها. سرعان ما يستفيد منها الأطفال كي يخرجوا، ويلفُّوا في الغابة العارية وهم سعداء. تدور الشمس بين أصابعهم، ويفتحون أذرع السماء، ويهرب الصباح بين أشواكها كي يشهد على إبحار المهاجرين.»

وفي الفصل الأخير من هذا الكتاب يقدم بن جلون انطباعه حول الكتابة قائلًا: «أكتب لأنه ليس لي وجه، أكتب لأعبِّر عن التناقضات، التناقض الذي يقرِّبني من كل هؤلاء الذين ليسوا أنا، من كل الذين يصنعون الجنون الذي يسيطر عليَّ ويخونني. لا أكتب «من أجل» أو «في» أو «مع» أي منهم. ألقي نفسي في موكب، وأهرول إلى عزلتي؛ حيث الكلمة لاهثة، ويصبح الفراغ أكثر اتساعًا.»٦

ويضمُّ ديوان «أحاديث الجمل» مجموعة من القصائد المغربية المجنونة التي تعكس شعور الكاتب بفراغ الوحدة والحنين إلى الألفة. وبين بعض فقرات وقصائد الديوان، يقدم الطاهر بن جلون — كالعادة — مقتطفات نثرية اختارها هنا من كتاب «هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه، وقد أهدى إحدى هذه القصائد إلى الشاعر محمود الهمشري التي يقول فيها:

لا تبكوا الموتى،
لقد تعلَّمتُ من الرمال،
وتعلَّمتُ من الشجر،
وتعلَّمتُ من الشمس،
أن الموتى ليسوا في حاجة إلى دموعنا.
ويبدو بن جلون مهمومًا دائمًا بقضية فلسطين، في ديوانه عن «خبايا الذاكرة» يكتب أشعاره عن قضية فلسطين، وعن الحرب الأهلية في لبنان، ويبدو مدى تغلغل مشاكل بلاده العربية في وجدانه، وهو في مهجره الذي اختاره. فهو يفكر فيها وهو يركب المترو، وأيضًا حين يجوب شوارع المدينة التي يعيش فيها. وقد عبَّر عن هذه الأحاسيس في ديوانه «منتهى العزلة» قائلًا: «إذا حدث وتركت باريس إلى المغرب، أو إلى أي مكان، فإنني أفتقد هذا النفور، مثلما أفتقد وجوه ومشاعر هؤلاء الأصدقاء الذين ارتبطت بهم في هذه المدينة. لقد تربَّيت أول الأمر في فاس، ثم في «طنجة» وسط حضارة عربية داخل منزل، فرنسية عربية في المدرسة. لذا لم يبدُ لي الطرف الآخر من البحر المتوسط غريبًا تمامًا. فباريس مثل المغرب، بها أسواق كبيرة، وألوان وروائح، يحدث أن تنتابني الرغبة فيها. في سوق باريس ليس لك الحق أن تلمس أو تتذوق، بل عليك أن تختار بعينيك، وتدفع بعد النظرات بالعيون. ربما لهذا السبب ففي باريس وحدها ثلاثمائة وخمسون قاعة عرض سينمائي. لذا فإن مخرجي أفلام ما قبل الحرب — مثل كارنيه ورينوار ورينيه كلير — دائمًا ما يظلون في الذاكرة حتى الآن … الآن هناك سينمائيون جيِّدون، لكنهم ليسوا فنانين كبارًا.»٧

ويقول في نفس الكتاب إن الأديب في العالم الثالث في حاجة أن يتعرف إلى كُتَّاب آخرين، وأنه قد تعرَّف على جان جينيه الذي علَّمه حياء الأدباء. أما صديقه الناشر ماسبيرو فقد ساعده على نشر كتبه في داره الخاصة التي طبعت أغلب دواوينه الشعرية.

هذا هو العالَم الشعري للطاهر بن جلون … ولكن ماذا عن رواياته؟

لا شك أن هناك أشياء عديدة من ذاكرة الكاتب قد تجسَّدت في هذه الروايات، مثلما تجسَّدت في أشعاره. والذاكرة خِصبة بالأماكن والأشخاص الذين يعيشون عليها. وفي أغلب روايات بن جلون هناك جزء من سيرته الذاتية، هذه السيرة متناثرة في هذه الروايات بشكلٍ يمكن الإمساك بها بسهولة، وأيضًا يمكن أن تفلت منك بسهولة. فالكاتب يصوغ هذه السِّيرة ببراعته الفنية التي لا تجعله يقع في شراك السيرة الذاتية التي قد تنحِّي بالكاتب عن القص الروائي … وقد تؤثر كثيرًا في فنية العمل. وفي رواياته يبدو المكان، والأسرة، عماد كل أعماله الفنية. ولا شك أن الطرفَين قد تفاعلا معًا فصنعا مزيجًا خاصًّا لكل منهما الآخر … فلا يمكن أن تذكر الأب والأم دون أن تذكر البيت الذي عاشا فيه مع أبنائهما، ولا المدينة التي انتقلا إليها. والمدينة هنا، كما عاش بن جلون هي فاس، أو طنجة. إنهما دائمًا نفس المدينتين، كأن العالم لم يتحرك خارج حدودهما … ورغم العالم الرحب الواسع الذي ذهب إليه بن جلون فيما بعد، فإنه آثر أن يحبس نفسه في هذه المدينة، كما أن الكاتب يذكر مدنًا أخرى مغربية مثل الدار البيضاء التي يراها في رواية «حرودة» مدينة المستقبل. أما طنجة فإنه يداعبها في نفس الرواية، ويطلق عليها اسم «الخيانة» وهذه المدن بالنسبة للكاتب هي مدن الطفولة، وفي هذه المدن تتباين أشكال الناس خاصة النساء؛ فهناك المرأة الفاضلة الطيبة، وهي غالبًا أمه، كما أن هناك بنات الهوى.

ويمكن أن نجد كل هذا العالم والسمات في روايته الأولى «حرودة»، والذي تكرر بعد ذلك في كل رواياته، فهو يهدي الرواية إلى أمه، تلك المرأة التي عليها أن تتعامل مع الأب كأنه البطريرك، أو «الإله» — مثلما حدث في رواية شرايبي الأولى — والمرأة هي التي تصنع تمثال هذا الرجل الذي هو أبوه.»

وفي رواية «حرودة» لا ينسى بن جلون أنه شاعر، فيتغنَّى لها ويصفها شعرًا قائلًا:

حرودة
طير،
نهد،
امرأة،
عروس بحر،
مجسدة في الكتاب.٨
وحرودة امرأة هوى تختلف كثيرًا عن أمه، كما سبقت الإشارة، وجسدها يتعرى بسهولة أمام الكلمات المكتوبة. وهو ليس جسدًا عاريًا … بل هو جسد مقدس يناسب هذه المهنة. وهي في منظور الكاتب نموذج للمرأة كما جاء في قصيدته. وحرودة تعيش في فاس، وهي مكان متسع لامرأة مثلها. وفي شهر رمضان تبدو المرأة مختلفة تمامًا، حيث يحلُّ الورع على المدينة. وهناك مزجٌ بين المدينة التي يعيش فيها الكاتب وبين المرأتين اللتين هما أمه وحرودة؛ فهو معجب بكلا النقيضين. وإذا كانت فاس مدينة حرودة، فإن طنجة مدينة واسعة بها الأطلال والمؤسسات وهي مدينة البلَّور، والجبل الذي يحوطها حاملًا ذكرى من أيام الحرب. كما أن «طنجة» تُخفي وجهها، وتبدو شاحبة وهي تكذب عليك.٩

وقد بدت نفس ملامح الأشخاص والأشياء في روايته الرابعة «صلاة الغائب» التي يروي فيها أيضًا جزءًا آخر من سيرته الذاتية. ومع ذلك فإن كل شيء يبدو أشبه بالخيال، عدا تلك الأسئلة التي تتعلق بالهوية والجذور والكتابة، فهي أشبه بيومياتٍ خاصة لشخصٍ يبحث عن هوية، ويريد أن يعطي لجذوره معنًى، فكل شخص يقدِّمه الكاتب يكافح في مجاله. و«يمنى» المرأة التي سوف تقود الآخرين، وهي تعبر الغرب، ليست صورة حقيقية من امرأة كانت تحمل نفس الاسم، عملت في الهوى وعاشت في مدينة فاس. إنها بالطبع صورة متكررة من حرودة، ولعلها نفس المرأة. أما سندباد فهو رجل فقدَ الذاكرة بعد أن صُدِم في علاقة عاطفية، وكأنه يتخلَّى بالمجتمع من حوله عن هوية ارتبط بها كي يعيش في عالمٍ جديدٍ. إنه يعيش في المقابر قريبًا من شخص أكثر منه فقرًا، والفقر هنا هو فقر الروح. إنه يحمل اسم كلبه «يوبي». وهناك الطفل الذي عليه أن يذهب مع الثلاثة إلى مقبرة الشيخ «أبو العينين»، لقد وُلِد في المقبرة تحت شجرة زيتون، ليس له اسم، وهو — كما يصوِّره الكاتب — إنسان بكر يبدو واضح الوجه.

تتحرَّك هذه المجموعة بقيادة «يمنى» من الشمال نحو الجنوب، في داخل البلاد، يرَون مغرب الأمس واليوم، ينتقلون بين المدن والقرى، من أماكن حقيقية إلى أخرى يتخيَّلونها. إنهم يتمتعون حين ينسون أن الزمن يدور من حولهم، ويروح واحد منهم يتذكر زمن المقاومة ضد الاستعمار، التي كان يقودها الشيخ أبو العينين.

ويقول الكاتب حول ظروف تأليفه هذه الرواية: «كتبت هذا الكتاب إبان اضطراب في مشاعري، عشته يومًا مع الضياع، وطاردت أبطالي، وسافرت بنفسي معهم، وعندما حانت لحظة فراقهم طاردوني في أحلامي ونومي وحياتي؛ لقد تسلَّطوا عليَّ. كانت تلزمني بضعة أشهر كي أخلِّص نفسي منهم، فهي ليست سيرة ذاتية إلا من خلال خيال بالغ النقاء، وهذا هو السبب الذي جعلني أكفُّ عن النوم.»١٠

وإذا كانت هذه الروايات قد بدا فيها المكان بطلًا من خلال المدينة والأشخاص الذين يعيشون فيها؛ فإن الأسرة هي البطل الأساسي في روايتَيه، أو فلنقل ثنائيتَيه؛ «ابن الرمل» و«ليلة القدر»، فنحن هنا أمام بن جلون بشكلٍ آخر. ذلك الصبي الذي وجد نفسه في أسرة أنجبت عددًا كبيرًا من الإناث ولم تنجب سواه … فاستحق كل الرعاية والاهتمام باعتباره الذكر الوحيد في المنزل. وقد قام الكاتب بتغيير هويته ليتخيل أحمد الطفل الذي جاء في أسرة لم تنجب سوى البنات. وأحمد هذا ليس سوى بنت، لكن رب الأسرة أقسم على امرأته ذات يومٍ أن تلد ولدًا، حتى لو كان بنتًا … فسوف يكون ولدًا … لذا فعندما ولدت الأم أنثى، كان على الأب أن يعلن على الملأ أنه رُزِق «أخيرًا بمولود ذكر، بعد أن أعطاه الله سبع بنات.»

والثنائية الروائية تدور أحداثها على لسان هذه الأنثى-الذكر، أو الأنثى التي عليها أن تتصرف كأنها ولد. فهي عندما كبرت صارت رجلًا يحمل في جسده صدر امرأة. والأب هنا مثل الأب في كل الروايات التي كتبها بن جلون، فهو بين «سيد» و«رب» المنزل، ويحس أن رجولته مفقودة ما دامت امرأته لم تنجب له صبيًّا واحدًا. يصرخ: «بطنك يا امرأة، تعجز عن حمل صبي.» صرخ الحاج: «لذلك قررت أن تكون الولادة الثامنة عيدًا، احتفالًا عظيمًا يستمر سبعة أيام وسبع ليالٍ. ستصبحين أمًّا حقيقية، ستصبحين أميرة لأنك ستكونين قد أنجبت صبيًّا … الطفل الذي ستضعينه سيكون ذكرًا، سيكون رجلًا، سيُدعى أحمد حتى ولو كان أنثى! لقد أعددتُ العدة لكل شيء، وهيأتُ لكل شيء. سنأتي بالقابلة العجوز، لالا راضية، فهي لن تعيش بعد ذلك أكثر من عام أو عامين، وسأعطيها بالتالي ما يلزمها من نقود، كي تحتفظ بالسر …»

ويقول الكاتب في فقرةٍ أخرى من نفس الفصل من الرواية المعنون «باب يوم الخميس»: «عليكِ أن تبكي من الفرحة، انظري، انظري، إنه طفل، لا حاجة لإخفاء وجهك، يجب أن تكوني فخورة. لقد أعطيتني طفلًا بعد خمسة عشر عامًا، غلامًا، إنه طفلي الأول. انظري كم هو جميل! المسي أنامله، وشعره، إنه رجل. ثم استدار ناحية القابلة، وطلب منها أن تسهر على الطفل، وألا تترك أحدًا يقترب منه. وخرج من الغرفة تعلوه ابتسامة عريضة، يحمل كل رجولة الدنيا فوق كتفيه، أحسَّ وهو في الخمسين من عمره أنه شاب، لقد نسي، أو لعلَّه تناسى، كلَّ ما دبَّره. لقد رأى فتاة، ولكنه تصوَّر بكل ثقة أنها غلام.»١١
وعندما كبر أحمد بدأ يدرك الحقيقة، وراحت الكوابيس تنهشه. إنه فتاة لم يكن أمامها سوى أن تسجِّل معاناتها يومًا بعد يوم. فراحت تراسل صديقًا مجهولًا اكتشف سرَّها، وحرص على مقاسمتها أحزانها وهمومها. وربما من موقع المحب العاشق «تنتقم الوجوه من حدِّيتي بالعبوس الدائم لذلك أبعدها برفق، وأضعها جانبًا، أكدِّسها فوق بعضها البعض. تنسحق، تتألم، بعضها يتمكن من الصراخ. صراخ اليوم، نعاء، اصطكاك الأسنان. وجوه بدون ملامح، ليست لرجلٍ ولا لامرأة، لكنها أشكال لجمالٍ مطلق … الأيدي تخونني أيضًا خاصة حين أحاول تزويجها مع الوجوه. المهم هو تحاشي الفرق. احتفالية الفرق تأخذني، إنني مهدد بخسارة كل شيء، وليست لديَّ الرغبة في أن أجد نفسي في الخارج مع الآخرين.»١٢
وتبدأ أحداث الجزء الثاني من الثلاثية — ليلة القدر — حين يموت الأب. ويكون هذا الحادث بمثابة انطلاقة الشرارة لكل مشاعر الأنثى المتفجرة في الفتاة، التي عليها أن تنتبذ اسمها الرجولي، وتعطي لنفسها اسم زهرة، وتقرِّر أن تنطلق في المدن والبلاد. وبن جلون يُطلِق على بطلته اسم «زهرة الزهور» التي تحسُّ كم ينهد صدرها في جسدها، وترغب في أن تعيش حياتها. لكن هل يمكنها أن تهرب من المصير الذي سجَّله لها أبوها؟ عليها أن تترك النساء المخنوقات، وتذهب إلى حيث يقودها جمالها. ورغم أنها فتاة ثائرة متمردة القلب، حيوان غريب شارد، إلا أنها تشعر بأنها قريبة دائمًا من الله، وتحمل معها المصحف الشريف: «انظر كم أنا طفلة ذات هوية مزدوجة وملقَّحة. أنا طفلة مقنَّعة، حسب رغبة أبي الذي أحسَّ بالخزي والعار لأنه لم يرزق بولد. وكما تعرفون، فأنا هذا الولد الذي كان يحلم به، أما الباقي فإن البعض منكم يعرفه، وسمع الآخرون أطراف كلام من هنا أو هناك، هؤلاء الذين يغامرون بقص حياة ابن الرمل، والذين يعانون بعض المضايقات، بعضها حقيقي والبعض الآخر فشل في أن يفقدهم روحهم. لنحكي لكم قصصًا. إنها ليست قصتي بالفعل، رغم أنني حبست نفسي فيها، فقد جاءتني الأخبار، ولست مندهشة وغير متضايقة. كنت أعرف أنني سوف أترك خلفي الحكايات المثيرة للدهشة، ولكن لأن حياتي ليست خزانة؛ فقد بدأت في ترتيب الأحداث، وأكشف لكم السرَّ الذي ظل محفورًا خلف الجدران السوداء لبيتٍ له سبعة أبواب.»١٣
وحول ثنائية الحدث في الروايتين تكلم بن جلون في مجلة اليوم السابع: «أما موضوع طبيعة رواية «ليلة القدر» فهي ليست تتمَّة لرواية «ابن الرمل» وإنما هي نظرة مكمِّلة لها … قد تكون تتمة للرواية الأولى بمعنى أنني أخذت نفس الشخصية، ولكني لم أعالجها كما تركتها في ختام رواية «ابن الرمل»، بل وضعتها هنا وسط الأحداث وأعطيتها إمكانية قصِّ وقائع حياتها ومعايشتها. ستعيش الشخصية حالاتٍ صعبة ومؤرقة، لكنها ستخترق هذه الصعوبات لفرض هويتها وحتى يُعترَف بوجودها. والذي سيعترف بها في أول الأمر هو إنسان ضرير، لماذا؟ لأن شخصيته «ليلة القدر» المحورية هي شخصية حُجبَت لفترة طويلة، وعاشت في الخفاء؛ فليس في إمكانها إذن أن تظهر دفعة واحدة تحت الكشافات، وأمام أنظار ستتصفح مفاصلها لتخلع عنها الحجاب الذي كان يغلِّف هويتها. فمن المنطقي ألا تهدي كيانها الجسدي إلا إلى إنسان لا يبصر، هذه هي النقطة الأولى. ثم ثانيًا، فالعلاقة التي ستتوطَّد عراها بين الأعمى وهو القنصل وشخصية الراوية هي علاقة روحية وفكرية وشعرية.»١٤
والطاهر بن جلون يتعامل مع روايته وكأنها «حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. فنحن لو نقَّبنا فيها سنعثر بكل سهولة على العناصر التي طبعت الليالي العربية: الجنس في المقام الأول، ثم الغرابة ووصف العلم وكأنه جزء من الحقيقة. ثم تحوُّل الشخصيات والأقنعة والأسرار التي يحلُّ بعضها صراحة وبعضها تلميحًا … ثم هناك الأمكنة: الروض والعطار، والحمام، والبيوت الحافلة بالغوامض وزوايا الأسوار، والشخصيات التي تخرج من المألوف، سواء أكانت شخصيات الحلم أم شخصيات الواقع: الجلاسة بمظهرها الذي تطنب الرواية في وصفه، والعم وزوجته، وشيخ الروض المعطار، ثم هناك الجن (في الحمام) والأشباح. وهناك الوقوف خارج الأزمنة: فالليل يختلط بالنهار، ويضيع الزمن من حيث أن مرور الوقت لا يعكس أيَّ تأثير على الأحداث، كم أمضت زهرة في الروض المعطار؟ كم أمضت في بيت الجلاسة والقنصل؟ كم أمضت في السجن؟ لسنا ندري. والطاهر بن جلون يستعير هنا من الحكايات الشعبية العربية هذا الوقوف المُلحَّ خارج الزمن. وهناك ذلك المزج المر بين الجنس والعاطفة وبعض الأمور الأساسية الأخرى. ولعل هذا العنصر يتخذ قوَّته الاستثنائية من كون الرواية تُحكى لنا بصوت البطلة نفسها. وهناك أخيرًا عنصر الإيهام؛ فتمامًا كما أن بن جلون يختتم «ابن الرمل» على حيرة القراء أمام أحمد، كذلك نراه يستمرئ اللعبة هنا فيوقعها في الإبهار إزاء العديد من الأمور، مثلًا: إزاء علاقة الجلاسة بالقنصل.»١٥

يعود المكان واضحًا من جديدٍ في رواية «يوم من الصمت في طنجة» المنشورة عام ١٩٨٩م، والتي يتحدث فيها عن رجل عجوز مريض قابع في حجرة. وذات ليلة باردة، وبينما هو في وحدته، والجدران تسرِّب الصقيع؛ تنتاب الرجل رغبة أن يخابر أصدقاءه، ولكنه يكتشف أن كل الأصدقاء قد ماتوا، فتنتابه الرغبة في المرأة، ويكتشف أن الخادمة ليست سوى امرأة دميمة. تنتابه الرغبة في أن يقصَّ الأنسجة والأقمشة مثلما كان يفعل في شبابه في محلِّه، ولكنه عندما يحاول أن يفعل هذا يكتشف أن أصابعه ترتعد، ورغم هذا فهو يصرُّ أن يفعل ذلك، حتى لو ألقى بكل الأدوية من النافذة.

ورجل مثل هذا ليس له حاضر، لا بد أن يعيش في الماضي، وأن يسترجع في ذاكرته كلَّ ما حدث وما لم يحدث في السنوات الخوالي. وعليه أن يعيد تجسيد الوجوه والأصوات مرة أخرى، وأن يرى، من جديد، كيف كان الجيران القدامى، كأنه بهذا يصنع حياة داخلية من الصعب الإمساك بها إلا في الذاكرة في يوم مليء بالصمت. لا يجيء أحدٌ كي يتحدث إليه، وعليه الآن أن يقبل فكرة أنه رجل عجوز، بل وأن يموت وقد اتسع صدره لنهايته الهادئة.

وهذا الرجل أقرب — في صفاته — إلى صورة الأب في كل روايات بن جلون، لكنه هنا يعيش في وحدته ويومه الأخير. فهو أيضًا عاش بين فاس وطنجة … وفتح حانوتًا للحياكة في المدينة. وفي طنجة كان هناك الكثير من الجيران الطيبين، وكانت زوجته تعاني من أنها قصيرة القامة، والرجل العجوز رغم أنه يستسلم للحظة موته، إلا أن هذا لا يحدث بسهولة. فلا شك أن كلَّ هذا الماضي الذي يقبع في ذاكرته يجعله يقاوم كي يعيش لحظاتٍ أخرى. ويقول بن جلون ردًّا على أوجه المقارنة بين أبيه وبين هذا العجوز: «لقد فكَّرت دومًا في أبي الذي عاش دائمًا في طنجة وأنا أكتب هذا النص. بالنسبة لي فأنا لم أكن أتصل به إلا بصعوبة، وهذا الكتاب ليس سوى وسيلة لتحديد مشاكله، وليس من أجل حلِّها.»١٦

وفي روايته المنشورة عام ١٩٩١م تحت عنوان «غض البصر» ينتقل بن جلون إلى إحدى المدن البربرية في جنوب المغرب ويجعل الرواية، مثلما حدث في ثنائيته، تدور على لسان راوية تواجه عمَّتها القوية الشكيمة. وتحلم بأبيها الذي رحل إلى فرنسا من أجل العمل، والذي يمثِّل بالنسبة لها شيئًا مهمًّا. تتصور الفتاة أن أسلافها القدامى قد تركوا لها كنزًا في مكان بجبال طنجة، وأنها الوحيدة التي تعرف اسم المكان الذي به الكنز. وذات يومٍ يعود الأب من سفره، بعد أن يموت أخوها القزم كي ينتزع كلَّ أبناء أسرته من جذورهم، ويذهب بهم إلى باريس؛ حيث سيقيم الجميع في حي «جوت دور» — نقطة الذهب — الذي يُعتبَر تجمعًا للعرب المهاجرين من شمال أفريقيا.

وما إن تصل الراوية إلى باريس حتى تكتشف عالمًا آخر لم تكن تتصور قطُّ أنه موجود؛ فهي ترى السيارات الفخمة لأول مرة، وتطالع الكتب، وتصطدم بالعنصرية الأنانية والحب، وتحسُّ كأنها وُلدَت من جديد، ولكن هل تنخلع من جذورها القديمة؟

والفتاة في هذه الرواية تتسم أن لها عينين جميلتين وواسعتين وجبهة عالية مليئة بالغموض. وفي الكتب التي تبدأ في قراءتها، وهي القروية البريئة، تبدأ في التعلُّم أن هناك أشياء جميلة جمال الخيال الذي كانت تتمتع به وهي في القرية؛ ولذا فإنها تصنع لنفسها ما يسمَّى بالبُعد الثالث، أنه يمزج بين حلمها وخيالاتها وبين ما تراه من واقعٍ.

ولا شك أن بن جلون في هذه الرواية «يؤكد توهانه بين منفيين وثقافتين، يحاول أن يبحث عن مكانه بين حياتين وحضارتين.»١٧
ومثلما فعل في «ليلة القدر» فإن الكاتب يمزج بين الواقع المعاش والأسطورة المتمثلة في المخيِّلة. ويقول فردريك فيتو إن بن جلون قد استفاد من تجربة زلزال أغادير الذي حدث في أوائل الستينيات؛ فقد مات الكثيرون، لكن من بقوا على قيد الحياة قد فقدوا الذاكرة، وظهر هناك ما يمكن تسميته ببائعي الذاكرة، ومع ذلك فإن البطلة هنا قد عاشت كوابيس بدت كأنها تتبدَّد. فقد بذلت الراوية هنا الكثير من أجل أن تتعلم القراءة، وأن تصنع مصيرها. وهي التي لم يكن عليها سوى الامتثال وهي طفلة صغيرة في المدرسة، أصبحت لها الآن شخصيتها الواضحة.١٨

هذا هو عالم أشهر كاتب الآن من المغاربة الذين يبدعون باللغة الفرنسية، وقد اخترنا أن نلقي عليه أضواء عريضة لأنه بالفعل النموذج الأكثر وضوحًا في هذا الأدب، الأكثر إخلاصًا لبيئته العربية. وصحيح أن هناك أسماء أخرى مثل التي ذكرناها في بداية حديثنا … لكنها ليست بنفس الخصوبة والجودة … ويبقى بن جلون الاسم الأكثر معاناة في الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية.

إدريس شرايبي

ولد إدريس شرايبي في مدينة الجديدة في ١٥ يوليو ١٩٢٦م، ويقول قاموس الأدباء المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية إن تاريخ الميلاد غير معروف بالضبط، وأنه قد أخذ بالتقريب،١٩ كان له خمسة أشقاء، وقد جاء ذلك من أن أباه كان يتيمًا من الأب والأم فمال إلى إنجاب الأطفال، أما أمه فكانت امرأة من طبقة الذوات كما يقول الكاتب. وقد درس إدريس في مدرسة القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الفرنسية، وكتب الشعر وهو في العاشرة من العمر، وحصل على جائزة أدبية كشاعرٍ. وفي سبتمبر ١٩٤٥م ترك المغرب كي يدرس علوم الكيمياء في باريس، وحصل على شهادة في الهندسية الكيماوية عام ١٩٥٠م، ثم وجَّه دراسته بعد ذلك إلى طب الأعصاب، ولكنه لم يستكمل دراسته العليا في هذا المضمار؛ فراح ينتقل مسافرًا بين إيطاليا وسويسرا وبلجيكا وألمانيا والنمسا ويوغسلافيا وإنجلترا وإسبانيا ودول أخرى مارس فيها العديدَ من المهن كالصحافة والهندسة والتصوير، وكبائعٍ متجوِّلٍ وحارس ليل، ومدرس للغة العربية. ويقال إنه عاش عامين في إسرائيل، حسبما جاء في القاموس السابق الذكر باسمٍ مستعار، ثم مارس الكتابة، وعمل منتجًا في الإذاعة الفرنسية. وقد ظلَّت برامجه تُبثُّ لفترة طويلة. وقدم برامج للتعريف بالدين الإسلامي للقارئ الغربي مع الكاتب أندريه روسو. وفي عام ١٩٦٦م اهتم بالمسرح الزنجي، ومسرح الشرق الأوسط، وتزوَّج من امرأة فرنسية أنجبت له خمسة أطفال. وعمل في عام ١٩٧٠م مدرسًا للغة العربية في مقاطعة كويبك الكندية.
نشر إدريس شرايبي روايتَه الأولى «الماضي البسيط» عام ١٩٥٤م، والتي أثارت ضجة كبرى في تلك الفترة؛ حيث كان الكتاب جريئًا، وحاول أن يمسَّ من هيبة الأسرة، وخاصة الأب، هذا الأب الذي يسميه الراوية بالسيد. إنه يمثِّل نموذجًا حيًّا للطاغية. وهذه هي المرة الأولى في بلد يقدِّس الأسرة والآباء يرى فيها القراء كيف يتمرد الابن على أبيه، هذا الإقطاعي الكبير. لقد كانت هذه الحالة الجديدة من التمرُّد بمثابة تحطيمٍ لأشياء كثيرة مقدسة، خاصة أن إدريس شرايبي قد كتب الرواية كأنها أقرب إلى السيرة الذاتية، مما أكسبها واقعية وصدقًا صدم الناس. وقد تعرَّض شرايبي للكثير من الضغوط النفسية بسبب الرفض الشديد لما جاء في هذه الرواية. ورغم أنه أنكر نسبها إليه، إلا أنه راح يكتب، وجاءت كتبه الأخرى ومنها «التيوس» les boucs عام ١٩٥٥م (رواية)، ومجموعة قصص تحمل عنوان «من كل الأفق» de tous les horizons عام ١٩٥٦م، ثم «الزحام» la foule عام ١٩٦١م (رواية) و«متابعات مفتوحة» succession ouverte (رواية) عام ١٩٦٢م، ثم «سيأتي صديق لرؤيتك» un ami viendra vous voir (رواية) ١٩٦٧م، ومجموعة مقالات تحمل عنوان «الحضارة أمي» la civilisation, ma mére و«الذاكرة الموشومة» عام ١٩٧٠م la memoire totouée ورواية تحمل عنوان «الموت في كندا» la mort au canda و«مهمة في البلاد» une enquiète au jays 1981 و«أم الربيع» la mère du printemps عام ١٩٨٢م، و«مولد في الفجر» naissance a l’aube عام ١٩٨٦م، و«المفتش علي» inspecteur Ali عام ١٩٩١م.

وإدريس شرايبي يقيم في باريس بصفة دائمة منذ عام ١٩٦٥م، ومثل كل أقرانه، لم يشأ أن يخرج عن جلده؛ فهو يكتب عن البيئة العربية التي عاش فيها، ولكن في أعماله الأخيرة امتزجت بشخصياتٍ عربية وأخرى فرنسية. فعلى سبيل المثال فإن روايته «الذاكرة الموشومة» تدور أحداثها في قرية بشمال أفريقيا في ليلة الاستقلال، فهناك شاب يُدعى «بول ريفير»، إنه ابن الاستعمار، يرفض فكرة أن ينفصل عن الأرض التي وُلِد فيها، وكي يهرب من هذا الواقع المرير الذي عليه أن يواجهه، فإنه يفكر في إنشاء تمثال تذكاري على هيئة ساعة.

وفي أحد البارات بمدينة طنجة يلتقي بامرأة بريطانية تُدعى بيتي، وهي امرأة نفعية، تحاول أن تتعرَّف عليه وتغويه فيقع في هواها. وتتلاحق الأحداث بسرعة، ويصبح على «بول» أن يرحل، ولكن هناك شيئًا يمزقه. تمر عدة سنوات، رحلت زوجته مريم إلى المدينة على أمل أن تحصل على عمل، وذهب معها زيجو صديقه الحميم. والرواية مزدحمة بالشخصيات، فهناك ولدا العم عثمان، وونيس الذين يعملون في إصلاح السيارات. أما زيجو فيصبح حارسًا على مقبرة للسيارات، بينما ونيس الشغوف بالميكانيكا يروح يبحث عن شبح «بيتي» في كل سيارة تمرُّ أمامه، ويحسُّ كأنه يتشمَّم عطرها. ويفاجأ ذات يومٍ أن زيجو قد اشترى له سيارة قديمة أشبه بالتي كانت تقودها بيتي. ويذهب ونيس ذات ليلة إلى أحد البارات، ويكتشف أن المرأة التي تغني كل ليلة، وتصنع المتعة للزبائن ليست سوى «بيتي».

ترى «بيتي» حبيبها القديم في صورة ونيس فتحتفي به، ويعرف أنها كانت تحب أباه بول ريفيير الذي يشبهه كثيرًا. وينتبه ونيس إلى خطيئته التي سيرتكبها فيشترك في سباق السيارات، ويحسُّ أن السيارة وهي تنطلق لتكسب السباق كأنها تخلِّصه من آلامه الجسدية.

وفي روايته «مولد في الفجر» يبدو الكاتب مهمومًا بمسألة اتصال الشرق بالغرب. والسياسة التي يرى أنها في حالتي صعود وهبوط … وبطل الرواية سيدي قاسم رجل يبحث عن جذوره وعن أجداده؛ لذا فهو يتوجَّه إلى الجبل كي يبحث عن بقايا وآثار هؤلاء الأجداد. فهناك قبل اثني عشر قرنًا، وفي عام ٧١٢م، حضر الأجداد لفتح الأندلس من خلال جيوش طارق بن زياد: «كانت قوات الإسلام جميلة، وجديدة، كان الدين مفتوحًا، واستقبل في أحضانه كلَّ المقهورين، وساوى بينهم، وحوَّلهم إلى منتصرين كبار، هذه هي العشيرة الكبرى.»٢٠

والعرب في رواية شرايبي قومٌ مليئون بالحيوية والنشاط، استطاعوا أن يجتازوا الزمن فوق دوابهم. ويتحدث الكاتب عن شخصية قادرة على صنع المعجزات. ونحاول أن نعثر على عصر جديد أفضل مما يحدث الآن. وهناك أيضًا شخصية عزاوايت الذي جاء من أعماق التاريخ كي يولد من جديد، ويحمل كلَّ شيء على يديه. وتقول الناقدة آن براجانس: «يجب أن نقول إن شرايبي يقدم هنا أحد أجمل مَشاهده الطفولية التي يمكن قراءتها، فعند لحظة الموت نعرف أن أباه هناك.»

«لا فرق بين الموت والحياة؛ فلا أحد يمكنه أن يميِّز بينهما، ولا أحد يفصلهما سوى هذه المسافة، وهي الحياة نفسها.»٢١

أما روايته «المفتش علي» فتدور على لسان الراوية إبراهيم عرورق الذي أصبح مشهورًا على المستوى العالمي بكتابة الروايات البوليسية التي بطلها شخص يُدعى المفتش علي. والكتب التي تحكي عن هذا المفتش تحقق كسبًا عالميًّا، كما أنها تحصل على جوائز أدبية. لقد قضى إبراهيم سنواتٍ عديدة في فرنسا، وها هو يعود إلى بلاده المغرب مع زوجته فيونا، وهي امرأة اسكتلندية جميلة أشبه بعرائس البحر. الآن على فيونا أن تنتظر قدوم ابنها الثالث، كما أنها تنتظر قدوم والديها من أدنبرة، ولا شك أن مثل هذه الزيارة ستكون ساحة خصبة للصراع والمواجهة بين مجتمعَين مختلفين تمامًا. فالزوجان — والدا فيونا — يقومان بجولة في المدينة، ويعلق أحدهما قائلًا: «إننا في بلادٍ لا تمشي فيها الأشياء، فالناس هنا في بطالة.»

أما الكاتب على لسان الزوج المؤلف فهو يرى أن أوروبا ليست سوى قصص مرسومة، أو سلاسل من الحكايات الساذجة. ورغم أن شهرته جاءت من كتاباته التي يؤلفها لهم، وأن الناس يسمونه «ملك أكشاك بيع الكتب»؛ إلا أنه لم يلتحم تمامًا مع هذه الحضارة.

قائمة بأهمِّ أدباء المغرب الذين يكتبون بالفرنسية

بارودي، عبد الله

سياسي وشاعر وجامعي، عاش في المنفى في فرنسا لسنواتٍ عديدة، من أعماله النثرية «المغرب تبحث عن ثورة» عام ١٩٧٢م، ومن أشعاره دواوين «المغرب أو ذاكرة المنفى» عام ١٩٧٩م، و«أشعار فوق الأرواح الميتة» عام ١٩٨٢م.

بلزميني علوي، محمد (١٩٥١م)

وُلِد في الدار البيضاء، ثم درس الأدب في جامعة باريس ١٩٧٧م، صدر له «أشعار Poemes» و«اتساع الموت المعطر» ١٩٨٥م.

بلهاشي، أحمد (١٩٢٧م)

ولد في الدار البيضاء، درس الأدب في جامعة باريس، ثم درس في كمبردج، ثم عمل بعد الاستقلال ملحقًا في مجلس الوزراء للسلطان محمد الخامس. قام بتدريس الإنجليزية في بريطانيا وفرنسا. عمل مديرًا للمركز السينمائي بالرباط. له مسرحيتان «الآذان ذات الوشاح» عام ١٩٥٦م، و«حصن الرمل» عام ١٩٦٢م.

بلهاشي، عبد القادر (١٩٢٧م)

وُلِد في الدار البيضاء، ودرس في جامعة كمبردج. عمل مديرًا المركز الثقافي المغربي بين عامي ١٩٥٨م و١٩٥٩م. قام بتدريس اللغة الفرنسية في بريطانيا، وعمل سكرتيرًا لسفارة المغرب في واشنطن. نشر مسرحيته الأولى «المتبرجة» ١٩٥٢م، ورواية «ثريا» أو «الرواية التي لم تنتهِ» عام ١٩٦٠م.

بن جلون، الطاهر (١٩٤٤م)

(انظر الفصل السادس).

بن حمزة، عبد الرحمن (١٩٥٢م)

وُلِد في مراكش، يعمل مدرسًا للغة الفرنسية وناقدًا. شاعر، من أعماله «المسافر» عام ١٩٧٥م، و«أضواء هشَّة وصحراء شاسعة» ١٩٧٧م، ثم كتاب نثري بعنوان «من يومٍ لآخر» عام ١٩٨٠م.

خطيبي، عبد الكبير (١٩٣٨م)

وُلِد في الجديدة، درس علم الاجتماع في السوربون، ثم حصل على الدكتوراه عام ١٩٦٥م. يعمل مدرسًا في كلية الآداب بالرباط. روائي وشاعر وباحث وناقد، من رواياته «الذاكرة الموشومة» عام ١٩٧١م، و«كتاب الدم» ١٩٧٩م. ومن مسرحياته «النبي المحجب» عام ١٩٧٩م، ومن أهم دراساته «فن النسخ العربي» عام ١٩٧٦م.

خير الدين، محمد (١٩٤١م)

وُلِد في تفروت من أبوين نجارين، اكتشف الشاعر «رامبو» وأحبَّه. ويكتب بالعربية والفرنسية، صادق شعراء فرنسيين، وتزوج بفرنسية. أسَّس مجلة «أنفاس» عام ١٩٦٦م مع عبد اللطيف لعبي، ثم مجلة «المياه الحية»، ثم رحل إلى فرنسا عام ١٩٦٧م. شاعر من أهم دواوينه «غثيان آشور» ١٩٦٤م، و«شمس العناكب» عام ١٩٦٩م، و«هذه مراكش» ١٩٧٥م، و«بعث الزهور البرية» عام ١٩٨١م. ومن رواياته «أجسام سلبية» ١٩٦٨م، و«الخارج من الأرض» ١٩٧٣م، و«حياة وحلم وشعب» عام ١٩٧٨م.

سفريوي، أحمد (١٩١٥م)

وَلد في فارس في أسرة بربرية، درس في مدرسة قرآنية، ثم مدرسة فرنسية، ومارس العديد من المهن. ثم بدأ في نشر أعماله عام ١٩٤٣م في الصحف، ثم عمل في وزارة الثقافة. يقيم في المغرب. روائي، من أهم أعماله: «كنيسة عنبر» ١٩٦٤م، و«علبة العجائب» ١٩٥٤م، و«مراكش» عام ١٩٥٦م، و«الحلم بمراكش» ١٩٧٠م، و«منزل العبودية» ١٩٧٣م.

سليم، جاي (١٩٥١م)

وُلد مع أخيه فريد لأب مغربي وأم رومانية، رحلت الأسرة إلى باريس عام ١٩٧٣م. شارك في العمل في مجلات نقدية أدبية. روائي، وناقد. من رواياته «الأسبوع ١٠ ومدام سيمون في سن المائة» عام ١٩٧٩م، ثم «مجنون القراءة» أو «الأربعين رواية» عام ١٩٨١م، ثم «ستكون طاغية يا بني» عام ١٩٨٢م.

شرايبي، إدريس (١٩٢٦م)

(انظر الفصل السادس).

لحبابي، محمد عزيز (١٩٢٧–١٩٩٣م)

وُلِد في فاس، ودرس في باريس، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة. عمل مدرس فلسفة في كلية الآداب بالرباط، ثم عميدًا للكلية عام ١٩٦١م. أسس اتحاد الكُتَّاب في المغرب، وسافر إلى بلادٍ عديدة. صار عضوًا في مجمع اللغة العربية. يقيم في مراكش. كاتب مقال، وشاعر. من أعماله الشعرية «أغنيات الأمل» ١٩٥٢م، «بؤس وضياء»، «أغنيات الأمل الجديد» ١٩٥٨م، و«صوتي يبحث عن طريق» عام ١٩٦٨م.

لعبي، عبد اللطيف (١٩٤٢م)

وُلِد في فاس، ودرس في الرباط، ثم قام بتدريس الفرنسية، إلى أن تم القبض عليه عام ١٩٧٢م. كتب أولى قصائده عام ١٩٦٢م. تزوج من فرنسية عام ١٩٦٤م، التقى مع ٣ شعراء مغاربة: خير الدين، نيسابوري، وقرروا إنشاء مجلة «أنفاس» عام ١٩٦٦م. في عام ١٩٧٢م تم القبض عليه مرتين بتهمة قيامه بأعمالٍ ضدَّ أمن الدولة، وحُكِم عليه بالسجن عشر سنوات، وتم الإفراج عنه عام ١٩٧٥م، فسافر إلى باريس، ثم عاد للإقامة في المغرب، وخرج منها مرةً أخرى عام ١٩٨٢م. شاعر، من أهم دواوينه «شجرة الحديد المزهرة» عام ١٩٧٤م، و«تحت الكتمان»، وهي أشعار مكتوبة في السجن، ومنشورة عام ١٩٨١م. أما دراساته فهناك «الشعر الفلسطيني في المعركة» عام ١٩٧٥م.

المالح، إدمون (١٩١٧م)

(انظر الفصل الثامن).

هاشمي، بن سالم (١٩٤٧م)

عمل مدرسًا في كلية الآداب بالرباط، شاعر وناثر، من أشعاره «إذا لم نستعرض التغييرات الكبرى» عام ١٩٨٠م، وكتاب عن الإنسان تحت عنوان «من الشكل الأيديولوجي للإسلام» عام ١٩٨٠م، والذي كتب له المقدمة مكسيم رودنسون.

نيسابوري، مصطفى (١٩٤٣م)

وُلِد في الدار البيضاء. التقى بمحمد خير الدين واشترك معه في تأسيس مجلة «أنفاس»، شاعر، من دواوينه «ذكريات عالية جدًّا» ١٩٦٨م، و«الليلة الثانية بعد الألف» عام ١٩٧٥م.

١  Dictionaire des auteurs maghrebiens, Jean Dejeux, Karthala, Paris, 1984, p. 231.
٢  لسنا هامشيين، عقل العويط، جريدة الوطن (الكويت) ٢٥/ ٤/ ١٩٨٩م.
٣  Les amandiers, sont mort de leurs blessures, T. Ben Jelloun, Maspero, Paris, 1976.
٤  المصدر السابق.
٥  المصدر السابق.
٦  Cicatrice du soleil, T. Ben Jelloun, Paris, Maspero, 1982.
٧  A l’insu du souvenir, T. Ben Jeloun, Maspero, Paris, 1980.
٨  Harrouda, T. Ben Jelloun, Denöel, Paris, 1974, p. 7.
٩  المرجع السابق.
١٠  نشرة Le seuil سبتمبر ١٩٨١م، ص٢.
١١  باب يوم الخميس، مجلة الأديب المعاصر، ترجمة محمود قاسم، حزيران ١٩٨٨م، ص٤٦.
١٢  ابن شرعي لواقعٍ معقد، كمال طوبية، مجلة «جديد» العدد ١١، ١٩٨٦م، ص٢١.
١٣  La nuit sacrée, T. Ben Jelloun, seuil, 1987, Paris.
١٤  الشاعر يشاغب، حوار خميس خياطي، اليوم السابع، ٢٣ نوفمبر ١٩٨٧م، ص٣٨.
١٥  رحلة العمر، إبراهيم العريس، اليوم السابع، ٣٠/ ١١/ ١٩٨٧م، ص٤٢.
١٦  Un livre a Tanger, Gilles Pudlouski, le point, 8-1-1990, p. 12.
١٧  L’eternelle étrangere, Michele Gazier, Telerama, 2-1-1991, p. 12.
١٨  La chasse au Tresor, F. Vitaux, le nouvel observateur, 10-1-1991, p. 93.
١٩  Dictionnaire des auteurs maghrébiens, Jean Dejeux Karthala, Paris, 1984.
٢٠  Naissance a l’aube, Driss charaibi, le seuil, Paris, 1986.
٢١  Driss Charaibis, le monde, 14-5-1986, p. 18.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤