النونية الكبرى

فاتحة

ربِّ هَبْ لي هُدًى وَأَطلِق لساني
وَأَنر خاطري وثبِّتْ جناني
مُلْهِمَ النَّفْسَ بالتُّقَى خَيْرَ مَسْرَى
لِمفَازاتِ نورِكَ الرَّباني
كُنْ مُعِينِي إِنْ أَعْجَزَتْنِي القوافي
ونصيري في سامياتِ المعاني
أَنْتَ قَصْدِي وغايتي ورجائي
مالِكَ المُلْكِ مُبْدِعَ الأكوانِ
يا جَلالًا عَمَّ الوجودَ بلُطْفٍ
وسلامٍ ورحْمَةٍ وحَنَانِ
واقتدارًا أحاط بالكون علمًا
نَظَمَتْ عِقْدَهُ يَدُ الإِتقانِ
وجمالًا في كلِّ شَيْءٍ تجلَّى
سبَّح الحسن فيه للرحمنِ

أسماء الله الحسنى

جَلَّ شأنُ الإِلۤه ربِّ البرايا
خَالقِ الخَلْقِ دائمِ الإِحسانِ
واحدٌ قاهرٌ سميعٌ بصيرٌ
عالِمُ الغَيْبِ صاحب السُّلْطانِ
حَکَمٌ عادلٌ لطيفٌ خبيرٌ
نافذُ الأمرِ واسعُ الغُفْرَانِ
قابضٌ باسطٌ قويٌّ عزيزٌ
مُرْسِلُ الغيثِ مُقْسِطُ الميزانِ
واجدٌ ماجدٌ حليمٌ کريمٌ
ترقبُ الخَلْقَ عينُه کلَّ آنِ
يعلمُ السرَّ في الصدورِ وأَخْفَی
وإليهِ سَيُحْشَرُ الثَّقَلانِ
ظاهرٌ باطنٌ قريبٌ مُجيبٌ
نِعْمَ مَن فازَ منه بالرضوانِ
واعدُ المُتَّقين جناتِ عَدْنٍ
ولِمن خافَ ربَّهُ جَنَّتَانِ
مُنعِمٌ وارثٌ عليٌّ عظيمٌ
باعثُ الخلقِ بين إنسٍ وجانِ
کلُّ مَن في الوجودِ للهِ عَبْدٌ
وإلی الله مَرْجِعُ الإنسانِ
إنّ يومًا تُطْوَی السمواتُ فيهِ
کلُّ حيٍّ إلا المهيمنَ فانِ
يومَ تَهْوِي الأفلاكُ من کلِّ بُرْجٍ
آفِلَاتٍ وَيُجْمَعُ النِّيرانِ
وتدكُّ الأرض انهيارًا ويُقضَی
کلُّ أمرٍ ويسجدُ الخافقانِ

البعث والحساب

صيحةٌ تجعلُ الرواسِيَ عِهْنًا
تَنْسِفُ الأرضَ بين قاصٍ ودانِ
وتُدَوِّي أخْرَى فيحيا رُفاتٌ
ضمَّهُ التُّرْبُ من قديمِ الزمانِ
نَخَرَتْهُ يَدُ البِلَى وهشيما
بعثرته الرياحُ في الوِدْيانِ
مَنْ عَلَى رَجْعِهِ كأولِ خَلْقٍ
قادرٌ غيرُ فاطِرِ الإِنسانِ؟
كان غُصْنًا غضًا فتيًا رطيبًا
لم يفكر في الرَّمْسِ والأكفانِ
هَيْمَنَتْهُ على الثَّرَى خُيَلاءٌ
زينتها وساوِسُ الشيطانِ
سوف يُدْعَى إلى قيامٍ رهيبٍ
أنكرتْهُ حماقَةُ الطُّغْيانِ
يوم تجري الأجساد للحشر حَيْرَى
بين لُجّ وقَسْطَل من دخانِ
يَوْمَ يدعو كل امريء: رب نفسي!
وينادي الحسابُ: آنَ أواني!
في ذُهولِ المأخوذِ لم تَدْرِ نفسٌ
لنعيم تُساقُ أَمْ لهوانِ
موقفٌ حاشدٌ وحَشْرٌ مَهيبٌ
قد أحاطته أَلْسُنُ النيرانِ
يقذف الرعب في القلوبِ ارتجافًا
والمساوي تَمُرُّ بالأذهانِ
يجمع الْخَلْقَ منذ أول نفسٍ
وافت الأرضَ من رياضِ الْجِنانِ
لم يُغَيَّبْ عن عَرْضِهِ أي فردٍ
ضَمَّهُ الرُّوحُ من بني الإنسانِ
هذه الساعةُ الرهيبةُ فانظرْ
يا ابن حواءَ آيةَ الرحمنِ
قد تجلت مصداقَ ذكر حكيم
جاء للنَّاسِ بالهدى والبيانِ
أرسلته لِلْعَالمينَ سلامًا
رحمةُ الله واسعِ الغُفْرَانِ

حكمة البعث

خُلِقَ الناسُ للبقاءِ وهَذِي
آيةُ البَعْثِ أصدقُ البُرهانِ
كلُّ فردٍ في الْحَشْرِ لا بُدَّ يَلْقى
جنةَ الخُلْدِ أو لَظَى النيرانِ
إن يكنْ صَدَّقَ الكتابَ فأَمْنٌ
وسلامٌ ورحمةٌ وتهاني
والذي أنكر القيامةَ كِبْرًا
وعُلوًّا هَوَى مع الشيطانِ
سوف يلقى العذابَ من كلِّ صَوْبٍ
ويُعاني عواقبَ الطغيانِ

أهوال القيامة

ظُلماتٌ تَعَثَّرَ الْخَلقُ فيها
كالفراش المبثوث في الكُثْبَانِ
أو كَسَيْلٍ من الجَرَادِ خِضَمٍّ
قذفتها الأحداثُ كالطُّوفانِ
رَجْفَةٌ دَكَّتِ الجبالَ فألقتْ
حملَها الأرض وٱختفى النَّيرانِ
صَدَقَ الوعدُ فانظروا كيف تَمَّتْ
آيةُ البَعثِ أيها الثقلانِ
باغتتكم والنفس تمرح سَكْرَى
بين غَنَّاءِ رَوْضةٍ وأغاني
ساقها الطَّيْشُ لارتكاب المعاصي
فأطاعت غِوايةَ الشيطانِ
حَبَّبَ الفِسْقَ والفجورَ إليها
ورماها في كاذباتِ الأماني
أفسح المالُ للفسادِ مجالا
بين كأس الطِّلا ودلِّ الغواني
فتنتكم أموالكم فكفرتمُ
وارتكبتمُ ما ليس في الحُسْبَانِ
خدعتكم بسحرِها أُمُّ دِفْرٍ
وسَبَتْكُم بحسنِها الفتانِ
فشُغِلْتُمْ عن الحقيقةِ جَهْلًا
وﭐنصرفتم إلى المتاعِ الفاني
وعمِيُتم عن الهُدَى وانطلقتم
في مَهَاوِي الفجورِ والعِصْيانِ
وكفرتم بأنْعُمِ الله حتى
نَبَذَتْكُم مراحمُ الغُفْرَانِ
فإلى الموقفِ الرهيب هلموا
قد بُعثْتُم إلى المصيرِ الثاني
ها هي الأرض أخرجتكم لتُجْزَى
كلُّ نفس ما قَدَّم الأصغرانِ
إن تكونوا مصدّقينَ فأَمْنٌ
وسلامٌ ورحمةٌ في حنانِ
أو تكونوا مكذبين فويل
من عذابٍ ونقمةٍ وهوانِ
كل نفس يُغْنِي لها فيه شَأْنٌ
عن سواها وأينَ يهربُ جان؟
يوم لا تملكُ النفوسُ انتصارًا
وله الأمر وحدَهُ كلَّ آنِ
كل فرد له كتابٌ شهيد
سجلت فيه صادقاتُ البيانِ
قولها الحقُّ بالذي قَدَّمَتْهُ
طَوْعَ شيطانِهَا يَدُ الإنسانِ
لم يُغَادِرْ صغيرةً ما حواها
قدرةٌ نُزِّهَتْ عن النسيانِ

الجنة

كلُّ شيء غيرُ البديعِ ظلامٌ
وَهُوَ نورُ الآفاقِ والأكوانِ
حَلَّقَتْ هيبةٌ فأشَرَقَ نورٌ
واعتلى العدلُ كفةَ الميزانِ
وتلا الذِّكْرَ خَلْفَهُمْ شهداءٌ
باركَتْهُمْ مراحم الغُفْرَانِ
تلكُم الجنةُ التي قد وُعِدْتُمْ
أُدْخُلُوها في غِبْطَةٍ وَأَمانِ
قد صَبَرْتُم مصدِّقين فَفُزْتُم
بخلودٍ في عالياتِ الْجِنانِ
فسلامٌ أهلَ اليمينِ عليكُمْ
كُلُّ مَنْ في النعيمِ يُهْدى التهاني
جَنَّة الْخُلْدِ زُيِّنَتْ فأقيموا
ومع الحقِّ لا تضيعُ الأماني
سَيِّدُ الخَلْقِ بينكم فاضَ نورًا
وجلالًا من الرِّضَى الرباني
أَشْرَفُ المرسلين قَدْرًا وجاهًا
عبقريُّ النُّهَى عظيم الجنانِ
خَصَّه الله بالشفاعةِ عَطْفًا
وحنانًا على بني الإنسانِ
صلوات الإِله تحبوك دومًا
يا نبيَّ الإسلامِ والإيمانِ

قدرة الله

بين رَهبٍ وذلةٍ وخشوعٍ
خَفَقَ القلبُ خَفْقَةَ الْحَيْرَانِ
وبدا الهَوْلُ والنواظرُ حَسْرَى
زائغاتٌ في رَجْفَةِ الوَلْهانِ
وجَثَا الناسُ كلُّهم في خضوعٍ
إذ تجَلَّتْ مهابة الرحمنِ
وَقَفَ العبْدُ في رِحابِ إلۤهٍ
نافذِ الأمرِ قاهرِ السُّلْطانِ
لم يغِبْ عنه في السمواتِ شَيْءٌ
وعليمٌ بما جَنَى الثَّقَلَانِ
ملأَ الأرضَ والسماءَ وجودًا
خالق الكون لم يَغِبْ عن مكانِ
أبديٌّ يدبِّرُ الأمرَ فردًا
سَرْمَدِيُّ الْجَلالِ والسلطان
بين حرفين كلما شاءَ يقضي
مطلق الْحُكْمِ لم يُشَاركْهُ ثان
قدرةٌ أحْصَتِ الخلائق عدَّا
منذ أَوْفَى على الثَّرَى الوالدان
رحمةٌ عَمَّ رزقها كُلَّ حَيٍّ
جَلَّ وهَّابُهَا عن النسيانِ
خِبْرة أَبْدعَتْ محاسِنَ خلْقٍ
في جلالٍ من دِقَّةِ الإتقانِ
فيضُ عِلْمٍ ما ذَرَّةٌ عنه غابتْ
في جميعِ الآفاقِ والأكوانِ
مَلِكٌ يرقُبُ الخلائقَ جمعًا
ويُدِيرُ الأفلاكَ في الدورانِ
يَبْسُطُ الرزق للذي ساءَ جودًا
وهو أَدْرَى بالخيرِ للإِنسانِ
يرسلُ الماءَ فوق جرداء مَيْتٍ
فيردُّ الحياةَ للوِديانِ
فتموج الأرض اهتزازًا وتربو
ثم تبدو في سُنْدُسٍ فتان
تُخْرِجُ الْحَبَّ والثمارَ وتزهو
في عقيقٍ ولؤلؤٍ وجُمَانِ
رَوَحَاتُ النسيمِ تحمل عبقًا
من أريجِ الزهورِ والرَّيْحَانِ
كلُّ شَيْءٍ يسبِّحُ الله حَمْدًا
كي يؤدَّى فرائض الشُّكرانِ
نِعَمٌ ساقَها المهيمِنُ للنا
س فحمدًا للمُنْعِمِ المنَّانِ
أعجزَ الْخَلْقَ عدُّها فتعالى
باسطُ الرزقِ دائمُ الإحسان
فاطرُ الأرضِ والسمواتِ فَرْدٌ
صاحبُ الطولِ في عُلُوِّ الشَّانِ
عالمُ الغيبِ والشهادةِ نُورٌ
يملأ الكونَ فَيْضُهُ الرَّباني
نافذُ الأمرِ في جميعِ البرايا
مُطْلَقُ الْحُكْمِ لم يشاركْهُ ثانِ
غافِرُ الذَّنْبِ قابلُ التَّوْبِ مَلْكٌ
جَلَّ تشبيهه عن الحدَثانِ
كاشِفُ الضُّرِّ والبلاءِ مجيبٌ
دعوةَ الوامقِ الحزينِ العاني
في دياجي الظلام يَرْحَمُ دمعًا
أمطرتْهُ قهرًا صروفُ الزمانِ
ويجير الملهوفَ مِنْ هَوْلِ كَرْبٍ
دَبَّرَتْهُ مظالمُ الإنسانِ
ويمدُّ المظلومَ منه بِنَصْرٍ
ويسوقُ الظَّلُومَ لِلنِّيرَانِ
أحْكَمُ الحاكمينَ كَنْزُ العطايا
أرحمُ الراحِمِينَ رَحْبُ الحنانِ
واهبُ العَزْمَ للضعيفِ لِيَقْوَى
ولمن خافَ مُنْعِمٌ بالأمانِ
واسعُ الْحِلْمِ لا يعجِّلُ بَطْشًا
خَيْرُ أَهْلٍ للعفوِ والغُفْرَانِ
يُمْهِلُ الظالمينَ حتى إذا ما
شاءَ ذاقوا عواقبَ الطغيانِ
لم يَدَعْ ذَرَّةً تَمُرُّ هَباءً
في طريقِ الأعْمَالِ للإنسانِ

الجحيم

كل نفسٍ سيقَتْ إلى الْخَيرِ تَلْقَى
أعْظَمَ الأجْرِ في عُلا الرِّضوانِ
والتي قادها إلى الشَّرِّ طَيْشٌ
سَوفَ تُجْزى بما جَنَتْهُ اليدانِ
جامعُ الناسِ والموازِينِ قِسْطٌ
يَوْمَ لم تُجْدِ زَفْرَةُ النَّدْمانِ
أيُّ وَيْلٍ إذا الموازينُ خَفَّتْ
وزفيرُ الْجَحيمِ في ثَوَرانِ
واستشاطت غضباءَ وهي تُدوي
في زئيرٍ يروحُ بالآذانِ
فَزَعٌ يملأُ الفؤادَ ارتجافًا
حين تبدو ذاتُ الشَّوى للعيانِ
من حميمٍ تنسابُ فيها سيولٌ
في جحيمٍ وظُلْمَةٍ من دُخانِ
وَهَوى المُجْرِمونَ بين رعودٍ
أطْلَقَتْهَا زوابعُ النيرانِ
فَهَلُمُّوا يا مَنْ ظلمتم وجُرْتُم
وكفرتم بالواحدِ الدَّيَّانِ
إن هذا تصديقُ ما قد كذَبْتُمْ
وأطعتُمْ غوايةَ الشَّيْطانِ

المؤمنون في النعيم

كلُّ حظٍّ وكلُّ فوزٍ عظيمٍ
للذي نال رُجْحَةَ الميزانِ
باتِّباعِ الهُدَى وتَرْكِ المعاصي
والتَّغَاضِي عن المَتَاعِ الفاني
خالف النَّفْسَ بينَ عزْمٍ وصَبْرٍ
ومَضاءٍ وعِفَةٍ وَأَمَانِ
وأَطاعَ الإلٰهَ طاعةَ عبدٍ
قَرَّبَتْهُ مَثُوبَةُ الشُّكْرَانِ
للذين اتقوا أُعِدَّتْ قصورٌ
عالياتٌ في خَالداتِ الْجِنانِ
والفراديسُ زُيِّنَتْ ببدورٍ
كاللآلي ما بين حورٍ حسانِ
وبدارِ النعيمِ صُفَّتْ بيوتٌ
من كريمِ الياقوتِ والمَرْجَانِ
غُرَفٌ تحت زهرِها الماءُ يجري
من نُضَارٍ ومن نعيمِ الجُمانِ
تتجلى على الأرائكِ فيها
حورُ عِينٍ مِنْ كاعباتٍ قِيانِ
وعليهنَّ طافَ وِلدانُ خُلْدٍ
بشرابِ الأعنابِ والرمانِ
في أباريقَ من لُجَيْنٍ شَذَاها
عَرفُ مِسْكٍ ونفحةُ الرَّيْحَان
وعلى الجانبين صُفَّتْ عروشٌ
سُرُرٌ حَوْلَها القطوفُ الدواني
رصَّعَتْهَا يَدُ العطاء بِدُرٍّ
فوقَ وَشْيٍ من نادرِ العقيانِ
إن فيها من النَّعِيمِ متاعًا
جعل المتقين في مهرجان
أرضها سُنْدُسٌ يُغَطِّيهِ زَهْرٌ
ينشر الطيب في رِياضِ الْجِنانِ
رِيحُها عاطرٌ يفيضُ عبيرًا
حيث مالَ النَّسِيمُ بالأغصانِ
فوق فَيْحَائهَا وتحت الدوالي
في مروجِ الكافورِ والأُقحوانِ
دفَّقَتْ أنهرٌ وفاضتْ عُيونٌ
باركت نَبْعَها يدُ الرَّحمنِ
من سُلافٍ ومن معينِ فُرات
تتهادى الأنهارُ كالخيزرانِ
ثم تجري أخرى بِدَرٍّ طَهورٍ
لم يُلَوَّثْ بفاسد الأدْرانِ
بين طيبِ الزهورِ تجري الهُوَيْنَى
أنهرُ الشُّهْدِ في فَسيحِ الجنانِ
لم يُشَبَّه نعيمُها بنعيمٍ
كان أشهى أُمنيّةَ الإنسانِ
نورها دائمٌ فلا ليلَ فيها
يانعاتُ المروجِ والأفنان
إن فيها ما تشتهي كلُّ نَفْسٍ
وجَنَاها أيان تدعون دانِ
كلُّ شيءٍ في جنةِ الخلدِ غَضٌّ
ورطيبٌ ويانعٌ كلَّ آنِ
كيف تدنو يَدُ البِلَى من جناها
والذي في الخلودِ ليس بِفَانِ
كلُّ وصفٍ مهما تسامى خَيَالا
في نعيمِ الفردوسِ غيرُ العيانِ
رَحْمَةُ الله قد أفاضتْ عليها
سابغاتٍ من أنعمِ الرضوانِ
وأُعدّتْ هذا النعيمَ جزاءً
لسعيدٍ قد فاز بالغفرانِ
يا نعيم الجنات رحِّبْ وباركْ
وتقدمْ بعاطراتِ التهاني
وابتسِمْ يا جمالُ واهتفْ سلامًا
وتألَّقْ في الحورِ والوِلدانِ
هَاهُمُ الأتقياءُ حَلُّوا كرامًا
بين فَيْضٍ من الرضى والأماني
يا عبادَ الرحمنِ ها قد بلغتم
فاشكروا مَنْ هَدَى إلى الإيمانِ
مالكَ المُلْكِ إِنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ
مَنْ له الحمدُ غيره كلَّ آنِ
كل شيءٍ يُسَبِّحُ الله حَمْدًا
أَبَدَ الدهرِ خيفةَ الرحمنِ
خالقُ الخلقِ من ضياءٍ ونارٍ
وترابٍ في رأفةٍ وحنانِ
عَرْشُهُ الأرضُ والسماءُ قريبٌ
لم يَغِبْ فيضُ نورِهِ عن مكانِ

الشمس

صانعٌ مُبْدِعٌ عليمٌ خبيرٌ
بالغٌ صنعُهُ ذُرَى الإِتقانِ
كلُّ حَيٍّ إلى علاهُ مَدِينٌ
بالغوالي من أَنْعُمِ الإحسانِ
خَلَقَ الشَّمْسَ في السماءِ سراجًا
وحياةً للعالم الحيواني
تملأُ الأرضَ كلَّ يوم ضياءً
ووهيجًا كلَفْحَةِ النِّيران
تَحْمِلُ الغَيْثَ من أُجاجٍ خِضَمٍّ
ثم تعلو بِذَرِّهِ كالدخَانِ
فَوْقَ مَتْنِ الهواءِ يعلو جليدًا
طَوْدَ ماس في صفحةٍ من جُمَانِ
شاءَ للأرضِ أنْ تموتَ وتحيا
حكمةٌ جَددتْ قُوَى العُمْرَانِ
كلما أجدبتْ سَقَاها سحابٌ
بمعينٍ من غَيْثِهِ الهتَّانِ
هكذا ثمَّ للحياةِ نظامٌ
يجعلُ الْجِسْمَ يانعَ الريعانِ
إن للشمسِ في العناصرِ سرًّا
فَهْيَ روحُ الحياةِ للأبدانِ
لو خبا نورها عن الأرض صارتْ
بَلْقَعًا قد خَلَا من السكان
قدرةٌ حَيرتْ عقولَ البرايا
غاب إدراكُهَا عن الأذهانِ
أبدعتها يد المُهَيْمِن رِفْقًا
وحنانًا على بَنِي الإنسانِ
مُلْهِمُ النفسِ والتدابيرُ تجري
محكماتٍ في عالم الأكوانِ
فاز من بالتُّقى أطاع ووفَّى
والذي ضَلَّ باء بالْخُسْرَانِ
أنزلَ النُّورَ رحمةً وسلامًا
وشفاءً في مُحْكَمِ القرآنِ
جاء بالحقِّ هاديًا وبشيرًا
ونذيرًا للشارِدِ الغفلانِ
فاض عِلمًا بالْوَحْيِ صَدْرُ نَبِيٍّ
عبقري النهى فصيح اللسانِ
خَيْرُ نفسٍ حَلَّتْ بأشرف جسم
خاتمُ المُرْسَلِينَ فَخْرُ الزَّمانِ
أحمدُ المجتبى شفيعُ البرايا
هادمُ الكفرِ شائدُ الإيمانِ
جاهَدَ المشركينَ بالسَّيْفِ حتى
دَمَّرَ الحقُّ دَوْلَةَ الأوثانِ

سبيل الإيمان

أيُّهَا الناسُ آمِنوا وأطيعوا
واذكروا الله خِيفةً كل آنِ
سَبِّحُوهُ مستغفرينَ وتوبوا
واستعيذوا به من الشيطانِ
طَهِّرُوا النفْسَ باجتنابِ المعاصي
واستزيدوا هَدْيًا من القرآنِ
واتقوا اللهَ رهبةً واشكروه
أنْ هَداكم لِنِعْمَةِ الإيمانِ
واستقيموا فَهُوَ الرقيبُ عليكم
ومُحَالٌ أنْ يختفي عنه جاني
وٱسلكوا للهُدَى أعفَّ سبيلٍ
وتفانَوْا في طاعة الرحمن
واطلبوا الرِّزْقَ طيِّبًا وحلالا
واحفظوه بالبرِّ والإحسانِ
واجعلوا العدْلَ إن حكمتمْ شِعارًا
واذكروا بَطْشَ صاحِب السُّلْطانِ
وتواصَوْا بالحقِّ واسْعَوْا كِرامًا
واستعينوا بالصبرِ والإيمانِ

ضعف ابن حواء

يا ٱبنَ حواءَ قد خُلِقْتَ ضعيفًا
وحليفًا للسَّهْوِ والنِّسْيَانِ
خَدَعَتْكَ الدنيا فأقبلتَ تلهو
طائرَ اللُّبِّ غارقًا في الأماني
قادكَ الجهلُ فارتكبتَ الخطايا
وتزودتَ بالمتاعِ الفاني
وتخبَّطتَ في دياجِي حياةٍ
كنتَ فيها فريسةَ الشيطانِ
يا ٱبن حواءَ كيف تنقادُ أَعْمَى
كيف تنسى عُقْبَى المصيرِ الثاني؟
كيف تصبو إلى الملاهي وترضَى
يا ٱبنَ حواءَ وقفةَ النَّدمانِ
قد فقدتَ النُّهى طروبًا تُغَنِّي
بين كأس الطِّلا ودَلِّ الغواني!
لم تفكر في غيرِ دنياكَ يومًا
آمِنًا من تَقَلُّبِ الأزمانِ
ينقضي العمرُ والشبابُ يُوَلِّي
بين حالِ الوسنانِ واليقظانِ
سِنَةٌ كلُّهَا الحياةُ وصَحْوٌ
في دياجِي القبورِ والأكفانِ
يوقظ النفسَ بين حربٍ وكَرْبٍ
في جحيمٍ من زَفْرَةِ الندمانِ
إيهِ يا نفسُ قد تغافلتِ حتَّى
سَكَنَ اللَّهْوُ منكِ غَدْرَ الزمانِ
لا اعتذارٌ ولا شفيعٌ يُرَجَّى
هكذا فاجرعي كؤوسَ الهوانِ
فترة الأرض في الحياة اختبارٌ
فيه يُجْزَى المطيعُ بالإحسانِ
وبدارِ البقاءِ تَخْلُدُ نفسٌ
في نعيمٍ أو في لَظَى النِّيرانِ
تُنْقَلُ النفسُ من حياةٍ لِأُخرى
إذ ينادي الْحِمامُ آن أوانِي
إنه الموتُ لم يَدَعْ أيَّ حيٍّ
فالبرايا جمعًا به سِيَّان
فإذا جاء أمرهُ لم يُؤَخَّرْ
وإذا حُمَّ فالمقدَّرُ دانِ
ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يُفقد الإنسـ
ـانُ فيها، ويسكنُ الخافقانِ
فهو بابٌ يجتازه كلُّ حيٍّ
وهو كأسٌ لا بدَّ للظمآنِ

غرور ابن حواء

يا ٱبن حواء دع غرورَكَ واعلمْ
أن من عَفَّ عاش في اطمئنانِ
خالِفِ النفسَ واجتنبْ كلَّ شرٍّ
وتباعَدْ عن حَمْأَةِ العُدوانِ
وافعلِ الخيرَ ما استطعتَ وَأَصلِحْ
وتسابقْ في الِبِّر والإحسان
واتَّقِ اللهَ إنه خَيْرُ زادٍ
للذي رامَ خالدَ البُنْيَانِ
وتواضعْ واصفح وسامحْ كريمًا
واجعلِ الْحِلْمَ زائدَ الوُجدانِ
وتوكَّلْ على المهيمنِ واصبرْ
واذكرِ الموتَ بين آنٍ وآنِ
إنَّ كيدَ الشيطانِ يفتِكُ فتكا
بِضِعافِ العقولِ والإيمانِ
فتنةٌ تملأُ العيونَ جمالًا
وانطلاقٌ في كاذباتِ الأماني
خادعٌ ماكرٌ عدُوٌ لدودٌ
شر نفس شقَّتْ عصا العصيانِ
لا تُطِعْ كَيْدَهُ وخالِفْهُ حتَّى
لا تُنَزَّلْ عليكما لعنتان!

مصير ابن حواء

يا ٱبنَ حواءَ باطلٌ كل شَيْءٍ
زَيَّنَتْهُ مظاهرُ الهذيانِ
جِسْمُكَ الغضُّ هيكلُّ من تُرابٍ
سَوْفَ يَبْلَى على يدِ الحدثانِ
يتوارى تحت الثَّرَى بَعْدَ حينٍ
حيث يغدو فريسةَ الدِّيدانِ
وهشيما عظامُهُ تتداعَى
وإلى التُّرْبِ مرجعُ الإنسانِ
كلُّ جسمٍ مَشَى على الأرض فيها
هي ترب وهو الوليدُ الفاني
أخرجَتْهُ يَشْقَى وخجلَى طوَتْهُ
فهي أُمٌّ لكن بغيرِ قِرَانِ
إنَّ هذِي دنياكَ فاحذرْ أذاها
وتجنَّبْ مَصَارعَ الأزمانِ
هي أفعَى في ثوبِ حسناءَ تَسْعَى
بجمالٍ مبرَّجٍ فَتَّانِ
تَنْشِبُ النَّابَ في الذي نالَ منها
وَاستمالته مغرياتُ الحِسانِ
والذي كان لهوهُ بالأفاعي
كيف ينجو من وَثْبَةِ الثُّعْبَانِ؟
هكذا الدهر صَفْوهُ مستحيلٌ
غَرَضٌ لِلْهمومِ والأحزانِ
ما صفا الدَّهْرُ نِصْفَ يومٍ لنفسٍ
متَّعَتْهَا الدنيا بأقصى الأماني
من هناءٍ إلى شقاءٍ وَذُلٍّ
ومن العزِّ للأَسَى والهَوَانِ
إن هذا كيدُ الليالي فحسبي
يا ٱبنَ حواءَ من صروف الزمان

مطامع ابن حواء

يا ٱبن حواءَ باطلٌ كلُّ شيءٍ
زَيَّنَتْهُ مطامعُ الهذيانِ
فالجمالُ الذي سَبَاكَ خيالٌ
والأمانِيُّ خِدْعَةُ الشيطانِ
هَذِّبِ النفسَ لا تطع ما تَمَنَّتْ
وتمسَّكْ بِشِرْعَةِ القُرْآنِ
وتفكَّرْ في صُنْعِ رَبِّكَ يبدو
لكَ نورٌ من فيضِهِ الرباني
واذكر اللهَ ما خَلَوْتَ كثيرًا
فهو أزكى ما يكتبُ المَلَكانِ
وٱخْشَهُ إنْ لهوتَ فَهُوَ رقيبٌ
وقريبٌ للقلبِ والشِّريانِ
لا تقلْ إن خلوتَ إني وحيدٌ
فمع الله أنت في كلِّ آنِ
إنَّ عَيْنَ الإِلۤه ما غاب عنها
أيُّ حَيٍّ في عالَمِ الأكوانِ
ترقبُ الْخَلْقَ في جلالٍ وحلمٍ
واقتدارٍ ورحمةٍ وحنانِ
أين منها المفرُّ؟ يا نفسُ سِيرِي
في طريقِ الهُدَى والاطمئنانِ
قدِّمِي الْخَيْرَ ما استطعتِ وتوبي
وأطيعي أوامرَ الرحمنِ

ضلال ابن حواء

يا ٱبنَ حواءَ أنت لله عَبْدٌ
وعلى العَبْدِ واجبُ الشُّكْرَانِ
كيف تَنْسَى فَضْلَ الإِلۤه وتمشِي
مطمئنًا فِي غِبْطَةٍ وأمانِ؟
لم تفكر في غَيْرِ لهوٍ يؤدِّى
يا ضعيفَ النُّهَى إلى الخسرانِ
قد دعاك الشيطان فانقدتَ تهوِى
فِي ضَلالِ الغرور والعِصْيَانِ
تُنْكِرُ الْحَقَّ والهُدَى كبرياءً
مستحقًّا لِنِقْمَةِ النُّكْرَانِ
إن مَثْوَى المستكبرينَ خلودٌ
في زفيرِ الجحيمِ والنيرانِ
أيها الأحمقُ الجهولُ تدبَّرْ
أو تُعاقَبْ بالطَّرْدِ والْحِرْمانِ

السماء والأرض

هل لِهَذَا الوُجُودِ غيرُ إلهٍ
واحدٍ في العُلا وفي السُّلطانِ؟
أمره الأمر لم يُشَبَّهْ بشيءٍ
مطلقُ الْحُكْمُ مبدعُ الأكوانِ
دَبَّرَ الأمرَ في السماءِ بِصُنْعٍ
غايةٍ في الْجَلال والإِتقانِ
رَتَّبَ النَّجْمَ والبروجَ وَأَوْحَى
للنِّظامِ العجيبِ بالدورانِ
سابحاتٍ تشقُّ جَوْفَ فضاءِ
بين مَهْوَى الثَّرَى إلى كيوانِ
خاطفاتِ الأبصارِ كالبرق تسري
في مدارِ الْجَوزاءِ والميزان
قدرةُ الله سَيَّرَتْهَا وحفظًا
زوَّدتها بنورها الرباني
من بدورٍ كواكبٍ وشموسٍ
سَبَّحَتْ في العُلَا عظيمَ الشانِ
تقطع الأفقَ في سلامٍ وأمنٍ
لاحظتها عنايةُ الرحمنِ
سَبَّحَ النَّجْمُ في السماء يؤدِّي
واجبَ الحمدِ ما بدا الملوانِ
تَمَّ أمرُ السماءِ سبحانَ ربي
إذ بناها قويةَ البنيانِ
خَلَقَ الأرضَ جذوة من شهابٍ
لارتباطِ الأفلاكِ بالأكوانِ
ودحاها من بعد ذلك دَحْيًا
وَهَبَ الأرضَ سرعةَ الدورانِ

القمر

ثم أَوْحَى للبدر أن خُذْ مدارًا
حول سيَّارِها وسِرْ في أمانِ
ومن الشمس خُذْ ضياءكَ فاعْكِسْـ
ـهُ عليها للَّسارِبِ الوجلانِ
إن للبدرِ في خُطاهُ بروجًا
تتجلى في وجهِهِ كلَّ آنِ
هو يجري وكوكب الشمس يجري
وعلى الأرض يشرف الكوكبانِ
آيةُ الشمسِ في النهارِ ضياءٌ
وحياةٌ لعالَمِ الْحَيوانِ
وإذا الليلُ أَلْبَسَ الأرضَ سِترًا
من دياجي الظلام كالطَّيْلَسَانِ
ظَهَرَ البَدْرُ في السماء فألقى
صفحةَ النور من سيولِ الجُمانِ
نورهُ يملأ القلوبَ ٱنشراحًا
ويمدُّ النباتَ بالألوانِ
إن هذا النظامَ صنعُ إلهٍ
مالكِ المُلكِ واحدٍ منَّانِ
خَلَقَ الشمسَ رحمةً وحنانًا
لبقاءِ الحياةِ في عنفوانِ
وأفاضت يَدُ العطاءِ على الأرضِ
غيوثًا من خَيْرِها الهتَّانِ
بعد تقديرِ قُوتِهَا أودعتها
ما يُنَمِّي جواهر الأبدانِ
نعمةُ الخالقِ الحكيمِ فأكْرِمْ
بحنانٍ لم يؤتَهُ الوالدانِ
سَخَّرَ الماءَ والهواءَ فراتًا
وعليلا فوق الثرى يجريانِ
جعل اللَّيْلَ والنهارَ لبَاسًا
ومعاشًا كلاهما آيتانِ
جعل الشمسَ في النهارِ عَرُوسًا
تَتَجَلَّى في إِمْرَةِ السُّلْطانِ
وأَحَلَّ البدرَ المنيرَ مليكًا
مشرفًا في الدُّجَى على الأكوانِ
إن للنيِّرَيْنِ أكبر فضلٍ
أَلْبَسَ الأرضَ حُلةَ العمرانِ
كلُّ هذا آلاءُ ربٍّ قديرٍ
سخرتها رُحْمَاهُ للإِنسانِ
ذلك الهيكلُ المفضَّلُ عقلًا
وذكاءً عن سائر الحيوانِ
كَرَّمَ اللهُ خَلْقَهُ واصطفاه
وحباه مَوَاهِبَ العِرْفانِ

سعة ملك الله

يا بَنِي الأرضِ إنَّ لِلهِ مُلْكًا
واسعَ الأفق بين قاصٍ ودانِ
تَعْلَمُ الأرضُ والسماءُ مداهُ
في سُمُوِّ الْجَلالِ والسلطانِ
قَبْضَةُ الله تجمعُ الأرضَ في يمنـ
ـاه تُطْوي مسارحُ الدورانِ
هي ذات البروجِ سبعٌ طباقٌ
كلَّ يوم بديعها في شانِ
رفعت سمكَها بغيرِ عماد
قوةُ القاهرِ العزيزِ الباني
عِزَّةٌ تَجْعَلُ القلوبَ سُجودًا
في خُشوعٍ من هَيْبَةِ الديَّانِ
حكمةٌ دَبَّرَ المهيمنُ فيها
ما خبا نورُهُ عن الإنسانِ
تتراءى غير الذي أبرمته
وتُنَافي ما قد بَدَا للعَيَانِ
شاءَها الخالقُ الحكيمُ فتمَّتْ
طِبْقَ ما في صحائفِ الأكوانِ
إنما اليُسْرُ ما أرادَ، وقِدْمًا
خُطَّ في اللَّوْحِ ما انطوى في الْجَنانِ
خِبرةٌ أتقنَ المصوِّرُ فيها
ما توارَى عن عبقريِّ البيانِ
أَبْدَعَتْ خَلْقَ كلِّ شَيْءٍ وَأَوْحَتْ
فيه سرًّا من غَيْثِهَا الربَّاني
آيَةُ الصانِعِ العليمِ أَمَدَّتْ
كلَّ حَيٍّ ما بين إنسٍ وجانِ
لم تَدَعْ كائنًا بغيرِ حنانٍ
من لَدُنْهَا أكرِمْ به مِنْ حنانِ
هيبةٌ خَرَّتِ الجبالُ لدَيْهَا
سَاجداتٍ وكَبَّرَ المشرقانِ
وتَجَلَّتْ على الوجودِ جمالًا
كلُّ شَيءٍ مُسَبِّحٌ بلسانِ
حضرةٌ تجمعُ العوالمُ طُرًّا
تحت نِبراسِ نورِها الرَّباني
كلُّ مَن في الوجود بَيْنَ يديْهَا
يطلبُ العَفْوَ والرضى كلَّ آنِ
نظرةٌ ملؤها الْحُنُوُّ وحِلْمٌ
في اقتدارٍ وهَيْبَةٌ في أمانِ
رأفةٌ عمتِ البرايا ولطفٌ
قدسَتْهُ للحمدِ سبعٌ مثانِ
سَجَدَ الكونُ للمهيمنِ شكرًا
وجلالًا وكبَّرَ الخافقانِ
يُخْرِجُ الميْتَ من سلالةِ حيٍّ
وكذا الحيَّ من رميمٍ فانِ
يبعث الخَلْقَ من دياجي قبورٍ
هَشَّمَتْها تقلُّباتُ الزمانِ
بعثرت ما بها العوادي وقِدْمًا
أورثتها البِلَى يدُ الْحِدثانِ
يأمر الشمسَ بالطوافِ مع البدر
جميعًا في دورةٍ يسبحانِ
يجعل الماء من أُجَاج معينًا
رحمةً بالنباتِ والحيوانِ
يُرْسِلُ الغيثَ هاطلا في الروابي
فتعجُّ الأنهارُ بالفيضانِ
عاصفاتُ الرياحِ بالأمرِ تجري
فتميدُ الأغصانُ بالأغصانِ
تنثني ملقحاتٍ فجلَّتْ
قدرةُ الْخَالقِ العلِيَّ الشانِ
من بطون الثرى يباركُ ماءً
يحملُ الطيباتِ لِلعُبدانِ
زَوَّدَتْهُ النُّعمَى عناصرَ شتى
وأمدتْ به جَنَى النعمانِ
من عبيرٍ ومن أريجٍ زكي
يعبق الزهرُ مُشْرِقَ الألوانِ
سَكَرٌ منعِشٌ وشهدٌ شَهِيٌّ
وسُلافٌ من طاهرات الدِّنانِ
نِعَمٌ أبدعَ المصوِّرُ فيها
ما تناءَى عن فِطْنَةِ الإِنسانِ

عالم الحيوان

ثُمَّ أَوْحى ربُّ الوجودِ إليها
ملهمات أعيت علوم البيانِ
نَسَجَ العنكبوتُ أوهنَ بيتٍ
شاده في الوجُودِ أبرعُ بانِ!
وإلى النَّحْلِ أن أَعِدِّي بيوتًا
في أعالي الرُّبَا وفي الأفنانِ
واطلبي القوتَ بين ماءٍ وزهرٍ
من ثمارٍ بديعةِ الألوانِ
واقتفى بَلْسَم الدواءِ ورُدِّ
به شفاءً شَهْدًا إلى الأبدانِ
وإلى النملِ عالمِ الفطنةِ الجدِّ
ورمزِ النشاطِ والإتقانِ
أمْهَرُ الباحثين في الأرض شعبًا
وحليفُ النظامِ والعُمْرانِ
يعملُ النملُ دائبًا وصبورًا
فوقَ إدراكِ فِطْنَةِ الحيوانِ
ملهماتٌ قد حُيِّرَ العقلُ فيها
أكسبتْ فَهْمَهُ قُوَى العِرفانِ
في بطون الثَّرَى يُعِدُّ بيوتًا
محكماتِ الساحاتِ والْجُدرانِ
حَوْلَ جُدرانِهَا بَنَى حُجُرَاتٍ
شَاهِدَاتٍ بخبرةِ الْفَنَّانِ
صالحاتٍ لحفظِ ما ادَّخَرَتْهُ
جاهداتٍ بحاثةَ الوديانِ
جامعاتِ الأقواتِ من كلِّ فَجٍّ
ما ثناها عن عزمِهَا ما تُعَاني
غُرَفٌ أَبْدَعَ المهندسُ فيها
أَحْكمَ الوَضْعِ كي تدومَ المباني
قاهراتٌ يَدَ الْبِلَى وَمُحَالٌ
أن يَكِيلَ الأذَى لها العابثانِ
إن للنملِ في الحياةِ خِلَالًا
مَيَّزَتْهُ عن عالَمِ الحيوانِ
عاملٌ ماهرٌ مُطِيعٌ صَبُورٌ
صادقُ العزمِ مخلصُ الإيمانِ
أُمَمٌ مَثَّلَتْ أَدَقَّ نِظامٍ
لحياةِ الشعوبِ في العُمْرَانِ
يَتَّقي البردَ في الشتاءِ فيبقَى
بين دِفْءٍ ومَطْعَمٍ في أَمَانِ
وإذا ما الربيعُ أَذَّنَ يَسْعَى
طالب الرِّزْقِ جاهدًا غيرَ وَانِ
إن وَحْيَ الإلهامِ أفضى إلى النمـ
ـلِ بِسِرٍّ من نَفْحَةِ الْكِتمانِ
يعرفُ الجوَّ والأعاصيرُ فيه
سَارِيَاتٌ ما بين آنٍ وآنِ
من رِيَاحٍ ومن سيولٍ ونارٍ
لاتِّقَاءِ الأذَى قُبَيْلَ الأوَانِ
عالَمُ النملِ آية الجدِّ في الأرض
فسبحان مُلْهِم الحيوان

عالم البحر

أَوْدَعَ البحرَ رحْمَةً منه رِزْقًا
بارك اللهُ مَرْتَعَ الْحِيتَانِ
سابحاتُ الأسماكِ تُكْثِرُ ذِكْرَ
الله فيه ما سَبَّحَ الجاريانِ
أُكُلٌ طَيِّبٌ طَرِيٌّ شَهِيٌّ
فيه شتى الأنواعِ والألوانِ
وَحُلِيٌّ تَأَلَّقَتْ لَامِعَاتٍ
بين أصدافِهَا كَلَمْحِ الْحِسَانِ
لُؤْلُؤٌ نَادِرٌ وَدُرٌّ يتيمٌ
وعقودٌ من فاتِنِ المُرجانِ
نِعَمٌ سَاقَهَا الْخِضَمُّ إلى النا
سِ بأمرٍ من مُبدعِ الأكوانِ

عالم الطير

أُمَمُ الطَّيْرِ أكثرُ الخلقِ حمدًا
ما سَهَتْ لحظةً عن الشُّكرانِ
ما تبدَّى نورٌ وغشّى ظلامٌ
ومع الكون كبَّرَ المشرقانِ
إذْ تهادَى النسيمُ يحملُ شَدْوًا
رجّعته الآفاقُ بالألحانِ
سَبَّحَ الطيرُ فيه رَبًّا رحيما
قد تجلى باللُّطْفِ والإحسانِ
واحدٌ منعمٌ حليمٌ كريمٌ
غامرُ الْخَلْقِ بالنَّدى والحنانِ
يرزقُ الطيرَ أينما حَلَّتِ الطَّيْرُ
بأَقْصَى القفارِ والوديانِ
عالَمُ الطيرِ في الوجود عجابٌ
فهو رمزٌ للشاكرِ اليقظانِ
ولكلٍّ في علَمِ الأرضِ نفعٌ
تلك آلاءُ قدرةِ الرحمنِ
من رسول قد جاء بُلْقَيْسَ يدعو
ربة التاج ربة الصولجانِ
أمِن الجنِّ أم من الإنس؟ لا بل
كان هذا من عالم الطيرانِ
هدهدٌ قد أحاطَ عِلمًا بما لم
يعلمِ العاهِلُ العظيمُ الشانِ
مَلكٌ يأمر الرياحَ فتجري
ونبيٌّ دانَتْ له الثَّقَلانِ
خَصَّهُ اللهُ منطقَ الطيرِ لمَّا
نال مُلْكًا غَنَّى به النَّيِّرَانِ
إنَّ يومًا تَفَقَّدَ الطيرَ فيه
فَجْرُ مُلْكٍ قد ساسه تاجانِ
تاجُ بلقيسَ تاج قامعةِ الجنِّ
وذاتِ الجلال والسلطانِ
وسليمانُ ربُّ أكبر مُلْكٍ
جَمَعَ الخلقَ بين إنسٍ وجانِ
وقف الطائرُ الضعيفُ ذليلا
في انكسارٍ ورجفَةٍ وهوانِ
يرتجي العَفْوَ والمليكُ غضوبٌ
ويَدُ البطْشِ سُخْطُها منه دانِ
لم تبرئهُ غير أنباءِ قومٍ
قد تمادَوْا في الكفُرِ والعِصْيانِ
عبَدوا الشمسَ عاكفين عليها
واستجابوا لدعوةِ الشيطانِ
حَكَمتْهُمُ بلْقيسُ في جَبَرُوتٍ
قبل أن تَهْتَدِي إلى الإيمانِ
وأتاها نورُ الْهِدَايَةِ لما
رأتِ الحقَّ ساطعَ الْبُرْهَانِ
واستقرت وعرشُهَا بين أَيْدِي
مَنْ تَغَنَّى بِمُلْكِهِ الماضيانِ
مَلِكُ المَشْرِقَيْنِ برًّا وبحرًا
أَيْنمَا حَلَّ حَلَّقَ الفَرْقَدَانِ
رِحْلَةُ الْهُدْهُدِ الأمينِ إليها
أيقظتْ أهلَهَا مِنَ الْهَذَيانِ
أَنْقَذَتْهُمْ من الهلاكِ فكانت
آيةَ النورِ في جَبِينِ الزمانِ
أُمَمُ الطَّيْرِ تذكرُ اللهَ دَوْمًا
ضارِعَاتٍ بالحمدِ والشُّكرانِ
بين أَوْكَارِهَا وبين الدوالي
وأعالي الرُّبَا وفي الأفنانِ
عاطرات التسبيحِ في الْكوْنِ تَسْرِي
سَرَيَانَ الأرواحِ في الأبدانِ
تملأ الأرضَ والسمواتِ حَمْدًا
شاكراتٍ للواحدِ الدَّيَّانِ

عالم الهوام والحشرات

جَلَّ مَنْ أَمْطَرَ الخلائقَ رزقًا
وتَعَالَى مُدَبِّرُ الأكوانِ
كلُّ حيٍّ يمشي على الأرضِ هَوْنًا
لمدينٌ بالشكرِ لِلدَّيَّانِ
في بُطُونِ الثرَى وغابِ الفَيَافِي
زاحفاتٍ مَلَأْنَ كلَّ مكانِ
أعجبَ الخلْقَ صُنْعَهُ وحياةٌ
دِقَّةٌ أعجزت قُوَى الإمكانِ
عالَمُ الذَّرِّ والبَعُوضِ شهودٌ
باقتدارِ المحِيطِ بالأكوانِ
كلُّ هذي الأحياءِ تسبح في الكو
نِ فيبدو من سَبْحِهَا عالمانِ
عالَمٌ زَائِلٌ مَدَاهُ قصيرٌ
ومُقَامٌ مداه ليس بِفَانِ!
تلك الدنيا الفناءِ دارُ اختيارٍ
خادعٌ حُسْنُهَا كَذُوبُ الأماني
ما تَقَضَّتْ حتى تلاها خلودٌ
أَبَدِيُّ الحياةِ ليس بِفَانِ!
تلك دارُ البقاءِ سِيقَتْ إليها
كلُّ نَفْسٍ في عِزَّةٍ أو هَوَانِ
كلُّ شَيْءٍ فوق البسيطةِ تُرْبٌ
منه صِيغَتْ هَيَاكِلُ الأبدانِ
ولِكلٍّ عُمْرٌ إذا تَمَّ يذوي
ثم يَبْلَى عَلَى مَمَرِّ الزمانِ
من هشيمٍ ومن رُفَاتِ عظامٍ
بَعْثَرَتْ ذَرَّهَا يَدُ الْحَدَثَانِ
طبقاتٍ تَكَدَّسَتْ فوق بعضٍ
في بُطُونِ الوهادِ والوديانِ
ودفين على بقايا دفين
في ظلام عنه اختفى النَّيِّرَانِ
وقبور ضاقت بأشلاءِ خَلْقٍ
من قديمِ الآبادِ والأزمانِ
كلُّ جِسْمٍ يَدُ الْبِلَى حَوَّلَتْهُ
من رُفَاتٍ تُرْبًا كَذَرِّ الدُّخَانِ
من على عَدِّ ذَرِّهَا ذو اقتدارٍ
غيرُ رَبِّ الصِّرَاطِ والميزانِ
باعِثِ الخَلْقِ في قيامٍ رهيبٍ
والسمواتُ وَرْدَةٌ كالدِّهانِ!
ستقومُ الأجسادُ من عالَمِ الذَّرِّ
سِرَاعًا لم تختلط ذَرَّتَانِ!
قُدْرَةٌ أَوْدَعَ المُهَيْمِنُ فيها
ما تَنَاءَى عِلْمًا عن الأذهانِ
عِلْمُهُ قد أحاط بالْكوْنِ قِدْمًا
قبل خَلْقِ الأرواحِ والجسمانِ
خَطَّ في اللَّوْحِ ما أراد ولمَّا
يَبْدُ لِلنُّورِ هيكلُ الإنسانِ
من سعيدٍ ومن شَقِيٍّ قضاءً
قدرته إرادةُ الرحمنِ
كلُّ شَيْءٍ أَحْصَاهُ عِلْمًا وَعَدًّا
في إمامٍ مُفَصَّلَ التِّبْيَانِ

عالم الوحش

في مُرُوجِ الغاباتِ تحت شعارٍ
من كَثِيفِ الظِّلالِ والأغصانِ
وَبِجَوْفِ الأحراشِ بين سُدُولٍ
من شِبَاكِ الجذوعِ والسِّيقَانِ
يَسْكُنُ الوحشُ هادئًا في كُهوفٍ
آمِنَاتٍ من وَطْأَةِ الإنسانِ
لم تَنَلْهَا يَدُ الأذَى وبِرِفْقٍ
لَاحَظَتْهَا عنايةُ الرحمنِ
بين آجامِهَا تروحُ وتغدو
ضَارِيَاتُ السِّبَاعِ في اطمئنانِ!
في عَرِينِ الأُسودِ كلُّ هِزْبَرٍ
في فَيَافِيهِ صاحبُ السلطانِ
ضَيْغَمٌ باسِلٌ رهيبٌ مهيبٌ
مَلِكٌ قَادَ دَوْلَةَ الحيوانِ
قُوَّةٌ زَانَهَا حنانًا وعِلْمًا
خُلُقُ الْفَيْصَلِ الجريءِ الجنانِ
عالَمُ الوَحْشِ من نمورٍ وَفُهْدٍ
وذئابٍ وَأَرْقَمٍ أفعوانِ
تلك أَكَّالَةُ اللحومِ افْتِرَاسًا
واقْتِنَاصًا في فَجْعَةِ النَّهْمَانِ

عالم الأنعام

يملأُ الْبِيدَ حَوْلَها رَاتعَاتٌ
من بهيمِ الآرامِ والغُزْلَانِ
آمِنَاتٍ شَرَّ انقضاضِ الضوارِي
سَارِيَاتٍ في العُشْبِ والغُدْرانِ
تأكلُ العُشْبَ وهو يَنْسِجُ لَحْمًا
ويُنَمِّي عظامَهَا بالدِّهانِ
إِنَّ أجسامَهَا مصانعُ لِلَّحْمِ
تُغَذَّي الضعيف غَذْوَ السِّمانِ
مَزَّقَتْهَا شَرَاهَةُ الوحشِ ظُلْمًا
فَأُبِيدَتْ على مرورِ الزمانِ
حَفِظَتْهَا وِقَايَةُ الله لُطْفًا
وسلامًا من ثورةِ العُدْوَانِ
لَاحَظَتْهَا عَيْنُ العنايةِ حتى
يحفظَ الأمنُ دولةَ العُمْرَانِ
في بِقَاعٍ يدومُ فيها صِرَاعٌ
يَصْبُغُ الأرضَ بالنَّجِيعِ القاني
لو تبارت فيها الضوارِي لأخلَتْ
أرضَ قيعانِهَا من السُّكَّانِ
هل يجيرُ الضعيفَ غيرُ قَوِيٍّ
أو يحسُّ الْجَبَرُوتَ غيرُ الجبانِ
يملأُ الوحشُ رهبةَ الغابِ ذُعْرًا
شَرُّ نَفْسٍ تميلُ للعدوانِ
شَرِسٌ يَسْفِكُ الدماءَ ويُرْدِي
باغتيالٍ مُسْتَضْعَفَ الحيوانِ

الأسد ملك الحيوان

خَلَقَ اللهُ رَحْمَةً بالضَّحَايَا
حارِسًا باسِلًا جريءَ الْجَنَانِ
فَيْصَلًا يَقْهَرُ الوحوش جميعًا
لا يُبَالِي بِمُرْهَفٍ أو يماني
قُوَّةٌ أكسبتْ مَلِيكَ الضَّوَارِي
أَسَدَ الغابِ هَيْبَةَ السُّلْطَانِ
ضَيْغَمًا قاهرًا وَلَيْثًا هَصَورًا
خيرَ مَلْكٍ في دولةِ الحيوانِ
خَصَّهُ اللهُ بالبسالةِ وَالنُّبْـ
ـلِ مهيبًا جِوَارُهُ في أمانِ
لا يُجَارِيه في المباراةِ خَصْمٌ
ومُحَالٌ يَفِرُّ من مَيْدَانِ
ثابتُ العزمِ في خُطَاهُ وَقُورًا
يتهادَى في خِفَّةٍ وَاتِّزَانِ
نظرةٌ مِلْؤُهَا الرزانةُ والْحِلْمُ
وقلبٌ يَحْبُوهُ فَيْضَ الحنانِ
وَزَئِيرٌ كالرَّعْدِ قد رجَّعته
جَنَبَات الآجامِ والوديانِ
يَقْذِفُ الرُّعْبَ في قلوبِ الضوارِي
لِتُوَلِّي عن ساكِنِ القِيعَانِ
جعل اللهُ سَطْوَةَ اللَّيْثِ أَمْنًا
وسلامًا في صالحِ العُمْرَانِ
حارسٌ ساهرٌ قويٌ أمينٌ
ملكُ الوحشِ حاملُ الصَّوْلَجَانِ

غفلة ابن حواء

يا ٱبنَ حواءَ كيف تُلْهِيكَ دنيا
كَ عن الحقِّ بعد هذا البيانِ
كيف تنسى أن الإِلۤه سميعٌ
وبصيرٌ يراك في كلِّ آنِ
كيف تنسى ذكر الرقيب وتمشي
في ظلامٍ من غَفْلَةِ النِّسْيَانِ
تُنْفِقُ الْعُمْرَ في الضلالةِ تلهو
مستجيبًا لدعوةِ الشيطانِ
زَيَّنَتْ جندُه إليك المعاصي
فتخبطت في دياجي الأماني
أنكرت نَفْسُكَ الضعيفةُ فضلًا
للرقيبِ المُهَيْمِنِ الرحمنِ
وَضَلَلْتَ الْهُدَى فأعماكَ طَيْشٌ
وغُرورًا جاهَرْتَ بالْعِصْيَانِ
لم تَرَ النُّورَ وهو في كلِّ شَيْءٍ
يَتَجَلَّى ولستَ بالوَسْنَانِ
أيها الغافلُ الأثيمُ تذكَّرْ
قدرةَ الخالقِ الجليلِ الشَّانِ
كيف سَوَّتْ منك البنانَ ولمَّا
تَكُ شيئًا في ذكريات الزمانِ
فأفاضت يَدُ المُصَوِّرِ حُسْنًا
أَبْدَعَتْهُ براعةُ الإِتقانِ
أَلْبَسَتْكَ الْنُّعْمَى بأحسنِ خَلْقٍ
وَحَبَتْكَ الآلاءَ بالإِحسانِ
نطفةً كنتَ في الظلامِ جَنِينًا
ثم طِفْلًا مُطَهَّرَ الأردانِ
فَغُلَامًا غَضَّ الشبابِ فِتيًّا
من ربيعِ الحياةِ في رَيْعَانِ
يَصْعَدُ العمرَ سُلَّمًا في سِرَاجٍ
من نشاطٍ وقوةٍ ومِرَانِ
ثم يخبو سِرَاجُهُ حين يُمْسِي
في مَشِيبٍ مُهَدَّمِ الأركانِ
دَبَّ شَيْخًا عَلَى العَصَا في اكتئابٍ
سابح الذِّهْنِ في دُجَى الأحزانِ
طَارَدَتْهُ الهمومُ يبكي شبابًا
كان حُلْمًا في خادعاتِ الأماني
يتمنى لو كان يرجعُ يومًا
حاسرَ القلبِ من فَوَاتِ الأوَانِ
أَنْهَكَ الضعفُ هيكلًا هَشَّمَتْهُ
روعةُ الْبَيْنِ وانتقامِ الزمانِ
شَبَحٌ أَشْمَطٌ تَقَوَّسَ ظهرًا
في انحناءٍ عَيْنَاهُ غَائِرَتَانِ
يسمعُ الأرضَ وَهْيَ تدعوه: هَيَّا
أيها الهيكلُ الرميمُ الفاني
آنَ لِلتُّرْبِ أن يَضُمَّكَ فانظرْ
كيف تُطْوَى صحيفةُ الإنسانِ
ها هو القبرُ مُسْتَقَرُّكَ حتى
صحوةِ الناسِ للمصيرِ الثاني
ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يتوارى
الجسمُ فيها عن أَعْيُنِ الْحَدَثَانِ

دعوة الإيمان

يا ٱبنَ حواءَ باطلٌ كلُّ شَيْءٍ
لم تُؤَيِّدْهُ دعوةُ الإيمانِ
أنزل الحقُّ دعوةَ الحقِّ نورًا
وشفاءً في مُحْكمَاتِ البيانِ
فَصَّلَتْهَ آياتُ ذِكْرٍ حكيمٍ
من كلامِ المُهَيْمِنِ الرحمنِ
خَيْرِ دَاعٍ إلى الْهُدَى بَيَّنَتْهُ
للبرايا شرائعُ القرآنِ
إنه من لَدُنْ حكيمٍ عليمٍ
جاء حَقًّا بمعجزاتِ البيانِ
حَضَنَتْهُ عَيْنُ العنايةِ حتى
لم تُبَدِّلْ حرفًا يَدُ الإنسانِ
أَبَدَ الدهرِ سوف يبقى كريمًا
حُجَّةَ المُهْتَدِينَ طول الزمانِ

موسى عليه السلام

بَدَّلَ العابثون تَوْرَاةَ موسى
وتَمَادَوْا في الظُّلْمِ والعدوانِ
غَضِبَ اللهُ والكليم عليهم
حيث باؤوا بالخِزْيِ والْخُسرانِ

المسيح عليه السلام

وَبِسِفْرِ المسيحِ إنجيلِ عيسى
حَرَّفَ المفترون آيَ البيانِ
غَيَّرَ الإفْكُ حُجَّةَ الحقِّ مكرًا
وَتَعَدَّى جهلًا على الأديانِ
وَيْحَ يوم الأحزابِ عهد النصارى
إذ أَحَسَّ المسيحُ بالعدوانِ
يوم قال المسيحُ: مَنْ أنصارِي؟
وَهْوَ يدعو للرُّشْدِ والإيمانِ
دَبَّرَ الآثمونَ كَيْدًا ولكن
أَحْبَطَ الله فِتْنَةَ الشيطانِ
كان صَلْبُ المسيحِ من قومِ موسى
ليس إلا ضَرْبًا من الْهَذَيَانِ
ضَلَّ كَيْدُ اليهودِ إذ سوف تمحو
آيةُ الحقِّ ظُلْمَةَ الْبُهْتَانِ
صَوَّرَ اللهُ للمسيحِ شبيهًا
حين قاموا بِعَرْضِهِ للعَيانِ
هكذا يُصْهَرُ النضارُ ليصفو
وبهذا تمت له آيتانِ
أرضُ كوني على المسيحِ حرامًا
فهو سِرٌّ من الْعُلَا الرَّبَّاني
سوف يرقى إلى السمواتِ حَيًّا
جسدًا فيه سبح الأطهرانِ
رَفَعَ اللهُ رحمةً منه عيسى
قَبَسَ النورِ في عيونِ الزمانِ
بعد رَفْعِ المسيحِ ضَلَّتْ يهودٌ
كلُّ حِزْبٍ بَدَا لهم في بيانِ
وَتَفَشَّتْ فَوْضَى أَدَارَتْ رَحَاهَا
فِتْنَةُ العابثينَ بالأديانِ
خَيَّمَتْ ظُلْمَةٌ تَحَجَّبَ فيها
من سَنَا الرُّشْدِ وَالْهُدَى كوكبانِ
ظَلَّ ديجورُها المُضَلِّلُ حِينًا
في سَعِيرٍ مُؤَجَّجِ النِّيرَانِ
خَبْطَ عَشْوَاءَ يضرِبُ الناسُ فيه
بين حالِ الوَسْنَانِ واليقظانِ
إِنَّ كَيْدَ الشيطانِ كان ضعيفًا
وهو يدعو للشرِّ والعِصيانِ
يوقع الناسَ خادِعًا وكَذوبًا
في شِبَاكٍ من مُغْرِيَاتِ الأماني
يدفعُ النفسَ لِلْفُجُورِ فَتَشْقَى
والمَلَذَّاتُ طُعْمَةُ النِّيرَانِ

محمد عليه السلام

ما انْقَضَتْ فَتْرَةُ التَّخَبُّطِ حتى
أعلن الصُّبْحُ دَعْوَةَ الإيمانِ
وَتَبَدَّى نورُ اليقينِ بِأُفْقٍ
صَدَعَتْهُ زلازِلُ الْهَذَيَانِ
وَتَجَلَّتْ شمسُ الْهِدايةِ لمَّا
أَرْسَلَتْهَا مَشِيئَةُ الرحمنِ
بَيِّنَاتٌ مِنَ الْهُدَى فَصَّلَتْهَا
مُحْكمَاتُ الآياتِ في الفُرْقانِ
سَاقَهَا الرُّوحُ للأَمين لِيَبْنِي
ما تَدَاعَى من طاهرِ البُنْيَانِ
فاض بالذِّكْرِ صدرُ أَحْمَدَ نورًا
سَيِّدِ الْخَلْقِ صَفْوَةِ الإنسانِ
خاتَمِ الأنبياءِ خيرِ بشير
حصنته الآلاءُ بالقرآنِ
كان يدعو إلى الْهُدَى في خُشُوعِ
طاهرَ النفسِ صادقَ الإيمانِ
أَنْفَقَ الْعُمْرَ في الْجِهَادِ لتعلو
دعوةُ الحقِّ غَفْلَةَ البُطلانِ
فَأَحَلَّ الدِّينَ الحنيفَ مقامًا
كان مجدَ الأجيالِ والأزمانِ

الإسلام

إِنَّ دِينَ الإسلام ذُخْرٌ سيبقى
أَبَدَ الدهرِ ثابتَ الأركانِ
أَنْزَلَتْهُ السماءُ للناسِ نورًا
قد قَضَتْهُ إرادةُ الدَّيَّانِ
يُرْشِدُ النفسَ أَيْنَ تَبْنِي ليبقى
ما أقامَتْهُ خالِدَ البُنْيَانِ

القرآن

دعوةُ الحقِّ في كتابٍ كريمٍ
أعجزَ الْخَلْقَ مَا حَوَى من بيانِ
سَيَّرَتْ آيةُ الجبالِ وَأَحْيَتْ
سَمْعَ مَنْ ماتَ من بني الإنسانِ
لَفْظَهُ مُحْكمٌ غَنِيٌّ فَصِيحٌ
عربيُّ المبنى جزيلُ المعاني
فاض مجدًا بلاغةً وتَسَامَى
في جلالٍ له انْحَنَى الثَّقَلَانِ
إنه من لَدُنْ حكيمٍ عليمٍ
معجز الرأي حجةٌ في البيانِ
لم يُبَدَّلْ من آيِهِ أَيُّ حَرْفٍ
هكذا شَاءَ فاطِرُ الإنسانِ
رَاقَبَتْهُ عَيْنُ العنايةِ حِفْظًا
وأنارتْ به فؤاد الزمانِ
هو باقٍ كما تَنَزَّلَ حتى
يُبْعَثَ الخَلقُ للمصير الثاني
لم يُغَادِرْ من الشرائِعِ شيئًا
وَهْوَ سِرُّ الرُّقِيِّ والعُمرانِ
جاء نورًا للعالَمينَ سلامًا
مُنْقِذًا من حَمَاقَةِ الطُّغْيَانِ
ناسِخًا قَبْلَهُ لتوراةِ موسى
ولِسِفْرِ المسيحِ بعد زمانِ
مُعْلِنًا لِلضِّيَاءِ دعوةَ صُبْحٍ
أَشْرَقَتْ شَمْسُهُ على الأكوانِ
كان نِبْرَاسُهُ عَلَى الأُفْقِ طه
مُرْسِلًا نُورَ دعوةِ الإيمانِ
خيرَ دَاعٍ إلى الهُدَى أَرْسَلَتْهُ
رحمةُ الواحدِ العظيمِ الْحَنانِ

الإسراء والمعراج

صَفْوَةُ الأنبياءِ بَدْرُ قُرَيْشٍ
أَحْمَدُ المُصْطَفى رفيعُ الشَّانِ
وعليه صَلَّى الإِلۤه فَأَكْرِمْ
بحبيبِ العُلَا وَحِيدِ الزمانِ
هاشميٌّ أَسْرَى به الحقُّ لَيْلًا
وبمرْآهُ كَبَّرَ المسجدانِ
بين حَقْلٍ من الملائكِ صَلَّى
في جلالٍ من نِعْمَةِ الرضوانِ
سِدْرَةُ المُنْتَهَى وقد كان منها
قَابَ قَوْسَيْنِ سارعتْ لاحتضانِ
خُطْوَةٌ نالها شفيعُ الْبَرَايَا
لم يَنَلْهَا من النَّبِيِّينَ ثَانِ
أَعْرَقُ الْخَلْقِ رُتْبَةً ومُقَامًا
خيرُ نَفْسٍ ما شَاغَلَتْهَا الأماني
جَوْهَرٌ خالِصٌ يتيمٌ نَقِيٌّ
فاض لَأْلَاؤُهُ على الأكوانِ
خُلِقَتْ رُوحُهُ الشريفةُ نورًا
قبل خَلْقِ المَرِّيخِ والميزانِ
مَنْ كَطه صَلَّتْ عليه البرايا
أَيَّدَتْهُ السماءُ بالقرآنِ
عن شديدِ الْقُوَى تَلَقَّنَ عِلْمًا
أَكْبَرَتْهُ مَدَارِكُ العِرفانِ
خَصَّهُ اللهُ بالرِّضَى واجْتَبَاهُ
وحَبَاهُ فصاحةَ التِّبْيَانِ
جاء للناسِ منقذًا من عذابٍ
كان هَوْلًا لَوْ حَلَّ بالأبدانِ

جهاد الرسول عليه السلام

ظَلَّ يَهْدِي إلى صراطٍ سَوِيٍّ
ويُعَانِي من الأذَى ما يُعاني
جاهَدَ الُمْشِركِينَ حتى هَدَاهُمْ
وأُبِيدَتْ عِبَادَةُ الأوْثَانِ
فوق أَنْقَاضِ جَهْلِهِمْ كان يبني
في ثَبَاتٍ دعائمَ الإيمانِ
بين صَحْبٍ مُصَدِّقِينَ كِرَامٍ
جاهدوا مخلِصينَ للرحمنِ
حاربوا الكُفْرَ والضلالةَ حتى
طَهَّرُوا الأرضَ من أَذَى الكُهَّانِ
وتَجَلَّى الدِّينَ الحنيفُ وَعَمَّتْ
شَمْسُهُ الأرضَ فَازْدَهَى المَشْرِقَانِ
سَبَّحَ الْكوْنُ رَبَّهُ في خُشُوعٍ
وخضوعٍ وَكَبَّرَ النَّيِّرَانِ
وَتَسَامَتْ كَنَفْحَةِ الْمِسْكِ تَسْرِي
صلواتٌ تزكو بكلِّ لِسَانِ
حاملاتٍ إلى النبيِّ سلامًا
لم يُكَرَّمْ به رسولٌ ثَانِ
كَبِّرِي يا بُدُورُ من كلِّ بُرْجٍ
وٱبعثي النورَ مُشْرِقًا بالأماني
نِعْمَةُ الله بِابْنِ حواءَ تَمَّتْ
فَتَزَوَّدْ من حِكْمةِ القرآنِ

ظلم ابن حواء

يا ٱبْنَ حواءَ أنت غِرٌّ خَصِيمٌ
وجمالُ الدنيا مَتَاعٌ فَانِ
سَاقَكَ الطَّيْشُ فانطلقْتَ جَهُولًا
لم تُفَكِّرْ في وَاجِبِ الإنسانِ
فتهالكْتَ في ٱقْتِنَاصِ المَلَاهِي
مُسْتَفِزًّا شَرَاهَةَ الحيوانِ
تَسْتَحِلَّ الْحَرَامَ غيرَ مُبَالٍ
بِعَوَادِي تَقَلُّباتِ الزَّمانِ
وَتُبِيحُ الفُجُورَ نَشْوَانَ تَهْوِى
في دَياجي الفسادِ والعِصيانِ
وكأنَّ الشيطانَ غَاوِيكَ أَلْقَى
بين عينيك خَلَّةَ النِّسْيَانِ
فاستبقْتَ الْخُطَى تَجُوبُ ظلامًا
فيه قَادَتْكَ لَذَّةُ النَّشْوَانِ
طائرَ اللُّبِّ سابحًا في خيالٍ
عن مَخَازِيكَ مُغْمَضَ الأجفانِ
أَحْمَقٌ أَرْعَنٌ شَقِيٌّ ظَلُومٌ
دُنْيَوِيُّ الْهَوَى كَذُوبُ الأماني
لم تُفَكِّرْ في غير لَهْوِكَ يومًا
بين خمرٍ وبين غِيدٍ حِسَانِ
وَلَيَالِ سَبَتْكَ فيها عيونٌ
خادعاتٌ بسحرها الفَتَّانِ
قد أَعَدَّ الشيطان فيها شِبَاكًا
مُحْكماتٍ من كَيْدِهِ الْخَوَّانِ
سلبتك النهى فقادك أعمى
في طريقٍ مُهَدَّمِ البُنْيَانِ
زَيَّنَتْهُ للغافلين المَلَاهي
وأحاطته خادعاتُ الأماني
مُغْرِيَاتُ الأهواءِ تلعبُ دَوْرًا
كَادَ فيه الشيطانُ للإنسانِ

قصر الحياة والأمل

أيها الغافلُ الْجَهُولُ تَنَبَّهْ
وَتَيَقَّظْ من غَفْلَةِ الْوَسْنَانِ
سِنَةٌ كلُّهَا حياتُكَ مهما
طال عهدُ اتِّصَالِها بالزمانِ
أيها الأحمق الظَّلُومُ تَدَبَّرْ
وَٱكْبَحِ النفسَ عن هَوَى العِصيانِ
كلُّ شَيْءٍ تَصْبُو إليه خيالٌ
وَسنِيُّ الأفراحِ فيه ثَوَانِ
أيها الجاحدُ الكنودُ تَذَكَّرْ
كيف سَوَّاكَ خالقُ الأكوانِ
دَعْ مَلَاهِيكَ ساعةً وَتَفَكَّرْ
في جَلَالِ المُهَيْمِنِ الرحمنِ
أَيْنَ منه المَفَرُّ وَهْوَ مُحِيطٌ
بالبرايا جمعاءَ في كلِّ آنِ
حاضِرٌ شَاهِدٌ سميعٌ بصيرٌ
ما نَأَى فَيْضُ نورِهِ عن مكانِ

يقظة القلب

أينما كنت فالإِلۤه قريبٌ
عَالِمٌ سِرَّ مَا ٱنْطَوَى في الْجَنَانِ
كلُّ جِسْمٍ يَنَامُ إلا شهيدًا
يَذْكُرُ اللهَ خافِقًا بِلِسَانِ
إنه القلبُ يا ٱبنَ آدمَ فَاعجَبْ
لِمَلَاكٍ قد حَلَّ في شَيْطَانِ
صِلَةُ النُّورِ بين عَبْدٍ وَرَبّ
نِعْمَةٌ سَاقَهَا عظيمُ الْحَنَانِ
لم تَغِبْ لحظةً عن الذِّكْرِ نَجْوَى
أَصْغَرَيْهِ، فؤادِهِ وَاللِّسَانِ

تسبيح الخلائق

كلُّ شَيْءٍ مَشَى على الأرضِ حَيًّا
أو نَمَا في مراتِبِ الحيوانِ
أُمَمٌ أَوْدَعَ المُهَيْمِنُ فيها
مُلْهَمَاتٍ من فَيْضِهِ الرَّبَّاني
شَاكِرَاتٍ لِأَنْعُمِ الله دَوْمًا
ذَاكِرَاتٍ آلَاءَهُ كلَّ آنِ
أَلْسُنٌ سَبَّحَتْ بِذِكْرِ إِلهٍ
خالقٍ رازقٍ عظيمِ الْحَنَانِ
تلك شَتَّى عَوَالِمِ الأرضِ إلا
عَالَمَ الظُّلْمِ عَالَمَ الإِنسانِ
نَسِيَ اللهَ وهو نَشْوَانُ يَلْهُو
بين كأْسِ الطِّلَا وَدَلِّ الغَوَاني
فَتَنَتْهُ الدنيا وَأَلْهَاهُ غَاوٍ
أَبْعَدَ الرُّشْدَ عن مَدَى العِرفانِ
زَيَّنَ الْفِسْقَ والفجورَ وَأَمْلَى
كلَّ كَيْدٍ يدعو إلى العِصيانِ
هَيَّأَ النفسَ لارتكابِ المعاصي
فاستباحتْ رَذِيلَةَ العُدْوَانِ
مَنْ أطاع الشيطانَ لَا بُدَّ يَلْقَى
في الحياتَيْنِ زَفْرَةَ النَّدْمانِ
تَتَقَضَّى دُنْيَاهُ يومًا فيومًا
بين حالِ الوَسنانِ واليقظانِ
زُخْرُفٌ خادِعٌ وَصَفْوٌ كَذُوب
وَمَتَاع مهما تَفَاخَرَ فانٍ
مُشْرِقَاتٌ أَعَارَهَا الْوَهْمُ ثَوْبًا
من جمالٍ طِلاؤه من دُخَانِ
مَرَّ طَيْفًا كلَمْحَةِ الْبَرْقِ يَسْرِي
في قُرُونٍ مرَّتْ كَمَرِّ الثواني
إنه العمرُ يا ٱبْنَ آدم مهما
طال يُقْضَى في غَفْوَةِ الوَسنانِ
يُخْتَمُ العمرُ بالردى وهو كأسٌ
لم تُغَيَّبْ عن وِرْدِهَا شَفَتَانِ
فإذا حُمَّ لا مَرَدَّ لِأَمْرٍ
قد قَضَاهُ المحيطُ بالأكوانِ
خَطَّ في اللَّوْح ما قَضَى للبرايا
من قديم الآبادِ والأزمانِ
يُثْبِتُ اللهُ ما يشاءُ ويمحو
وبِأُمِّ الكتابِ أصلُ البيانِ
هكذا كنتَ يا ٱبْنَ آدم نورًا
قد تَجَلَّى في الْجَدْيِ والسرطانِ
قُدْرَةٌ أعجزَ التَّفَكُّرُ فيها
أَلْمَعَ النابهين في العِرفانِ
قدرةُ الواحدِ المُنَزَّهِ حَقًّا
عن شَبِيهٍ وعن حُدودِ المكانِ
صاحبُ الأمرِ وَحْدَهُ في وُجُودٍ
ما به ذَرَّةٌ بِغَيْرِ لِسَانِ
تملأُ الأرض والسموات حمدًا
شاكِراتٍ لِأَنْعُمِ الرحمنِ
إِنَّ ذِكْرَ الإِلۤه يُرْسِلُ نورًا
في قلوبٍ تفيضُ بالإيمانِ
أَكْثَرَتْ ذِكْرَ رَبِّهَا فَاطْمَأَنَّتْ
وَسَيَحْظَى المُطِيعُ بالْغُفْرَانِ
يا ٱبْنَ حواءَ مَنْ رَعَاكَ جَنِينًا
مُطْمَئِنًّا في عُزْلَةٍ وأمانِ
وَتَوَلَّاكَ بالعنايةِ طِفْلًا
حافظًا وافيًا عظيمَ الحنانِ
وَأَمَدَّ الشبابَ منكَ بِعَزْمٍ
قد تَجَلَّى في نضْرَةِ الرَّيْعَانِ
وإذا ما ضَعُفْتَ أَوْلَاكَ نُعْمَى
تَتَوَالَى بالفضلِ والإِحسانِ
تلك آلاؤه وقد صِرْتَ شَيْخًا
أَوْهَنَتْ عَظْمَهُ صُرُوفُ الزمانِ
عَمَّ فَيَّاضُ رِزْقِهِ كلَّ حَيٍّ
ضمَّهُ الروحُ بين قَاصٍ وَدَانِ

عالم الله

يا ٱبْنَ حواءَ مَنْ أَمَاتَ وَأَحْيَا
وَٱقْتِدَارًا أحاط بالأكوانِ
يَبْعَثُ الأرضَ كلَّ عَامٍ فَتَحْيَا
بعد مَوْتٍ بَهِيجَةَ الأغصانِ
تُنْبِتُ الْحَبَّ والثِّمَارَ وَتَزْهُو
في بِسَاطٍ مُرَصَّعِ الألوانِ
يمزج الماءَ وهو يجري حَثِيثًا
في جُذوعِ النَّبَاتِ بالأدهانِ
كلُّ شَرْبٍ له مِذَاقٌ وَطَعْمٌ
قُدْرَةٌ أعجزتْ قُوَى التِّبْيَانِ
فَيْضُ عِلْمِ الحكيمِ رَبِّ البرايا
ما بَدَا نُورُ سِرِّهِ في جنانِ
لم يَدَعْ ذَرَّةً عَلَى الأرضِ إلا
ضَمَّهَا عِلْمُهُ بِأَجْلَى بيانِ
مَالِكُ المُلْكِ نَافِذُ الأمرِ فَرْدٌ
كلَّ يومٍ سلطانُهُ في شَانِ
خلقَ الموتَ والحياةَ لِتُجْزَى
طَيِّبَاتُ الأعمالِ بالإحسانِ
وَيَنَالُ الْقصَاصَ كلُّ أَثِيمٍ
لم يُصَدِّقْ بدعوة الإيمانِ
كلُّ شَيْءٍ خَلَا من الماءِ مَيْتٌ
فهو سِرُّ الحياةِ للأبدانِ
أَطْلَقَ الرِّيحَ زَعْزَعًا وَرُخَاءً
وَجَنُوبًا وَشَمْأَلًا تَجْرِيَانِ
مُنْعِشَاتٍ لَوَافِحًا تَتَهَادَى
حيثُ مَالَ النسيمُ بالأغصانِ
وَهَبَ الشمسَ قُوَّةً فَأَضَاءَتْ
في فجاجَاتِ عَالَمِ الدَّوَرَانِ
تُرْسِلُ النُّورَ من بعيدٍ مَدَاهَا
بِشُعَاعٍ يفيضُ في الأكوانِ
يملأُ الأرضَ بهجةً وحياةً
وَيُنَمِّي عَنَاصِرَ الأبدانِ
تلك أُمُّ الْقُوَى وما الأرضُ إلا
جَمْعُ ذَرٍّ من جُرْمِهَا النَّيِّرانِ
هي أُمٌّ والأرضُ للشمسِ بِنْتٌ
وَبِسِرِّ التَّكْوِينِ تَتَّصِلَانِ
جَذَبَتْهَا يَدُ الأُمومةِ حتى
لم تهدد بِطَارِيءِ الْحَدَثَانِ
وهي تَهْوِي كالْبَرْقِ حتى استقرتْ
في نِظَامٍ لِلْجَدْيِ وَالسَّرَطَانِ
واستوتْ في مَدَارِهَا وَهْيَ تجري
وعليها قد أَشْرَقَ النَّيِّرَانِ
أَطْفَأَ اللهُ سَطْحَهَا وَدَحَاهَا
وَحَبَاهَا الأوتادَ من صَفْوَانِ
دارتِ الأرضُ في اتِّزَانٍ وَأَمْنٍ
وجمالٍ يَحُفُّها القمرانِ
تم للشمسِ في السماءِ نظامٌ
أَبْدَعَتْ سَيْرَهُ يَدُ الإتقانِ
يَجْمَعُ الأرضَ فيه وٱلبدر يجري
يملأُ الليلَ لَأْلَأً من جُمَانِ
عَالَمُ الشمسِ أَبْدَعُ الْخَلْقِ صُنْعًا
سَخَّرَتْهُ الآلاءُ للإنسانِ
وَلَّدَ الليلَ والنهارَ، وَأَجْرَى الماءَ
غَيْثًا من هَاطِلٍ هَتَّانِ
وَأَمَدَّ النَّبْتَ البهيجَ بروحٍ
أَكْسَبَتْهُ الحياةَ في عُنْفُوَانِ
وأطارَ الرِّيَاحَ من كلِّ فَجٍّ
كي يَعُمَّ الهواءُ كلَّ مكانِ
وَأَبَادَ الْوَهِيجُ كلَّ كَرِيهٍ
من خَبِيثِ الأدرانِ والدِّيدَانِ
طَهَّرَ الأرضَ والذي دَبَّ فيها
وَأَمَدَّ الحياةَ بالريعانِ
لو توارتْ أَشِعَّةُ الشمسِ يومًا
كلُّ شَيْءٍ نَمَا على الأرضِ فَانِ
يا ٱبْنَ حواءَ كوكبُ الشمسِ عَبْدٌ
سَيَّرَتْهُ إرادةُ الرحمنِ
هو يَرْبُو عن كوكبِ الأرضِ جِرْمًا
فوق عَدِّ المليونَ في الْحُسبانِ
شَقَّ جَوْفَ السماءِ كالبرقِ يجري
في مَدَارٍ يَحُدُّهُ الأبْعَدَانِ

في قبضة الله

يا ٱبْنَ حَوَّاءَ أُمُّكَ الأرضُ أَدَّتْ
طَاعَةَ الْعَبْدِ لِلنِّدَا الرَّبَّاني
جاءت الأرضُ والسمواتُ طَوْعًا
حين نَادَى مُسَيِّرُ الأكوانِ
سابحات الأفلاكِ في كلِّ بُرْجٍ
تَذْكُرُ اللهَ خِيفَةً كلَّ آنِ
سَيَّرَتْهَا يَدُ العنايةِ لُطْفًا
وَحَبَتْها بِفَيْضهَا النُّورَاني
باسمِ رَبِّ السماءِ كالبرقِ تجري
كلُّ نَجْمٍ يدورُ في حسبانِ
قُدْرَةُ الخالقِ العليمِ تَعَالَى
كلَّ يومٍ تَدْبِيرُهُ في شَانِ
فَلَكٌ دَائِرٌ بِأَبْهَى نظامٍ
رَتَّبَتْ عِقْدَةُ يَدُ الرحمنِ
شاكراتٌ أجرامُه فَضْلَ رَبٍّ
قد حَبَاهَا باللُّطْفِ والإحسانِ
صانعٌ مُبْدِعٌ عليمٌ حكيمٌ
مُعْجِزٌ وَصْفُهُ قُوَى العِرفانِ
حاضِرٌ شَاهِدٌ سميعٌ بصيرٌ
وَمُحَالٌ إدراكُهُ بالعيانِ
لم يُكَيَّفْ ولم يُشَبَّهْ بِمِثْلٍ
أَبَدِيٌّ لَمَّا يَغِبْ عن مكانِ
كان فردًا ولم يكن ثَمَّ شَيْءٌ
تَمَّ خَلْقًا في عالم الأكوانِ
بَدَأَ الخَلْقَ والعوالم ذَرًّا
والسموات شَادَهَا من دُخَانِ
رَافِعًا سَمْكَهَا بغيرِ عِمَادٍ
جَلَّ شَأْنًا وَعِزَّةً خيرُ بَانِ
زَيَّنَتْهَا كواكبٌ لَامِعَاتٌ
من شُموسٍ ومن بُدُورٍ حِسَانِ
كالدَّرَارِي تطوفُ في كلِّ بُرْجٍ
في اتِّزَانٍ من شِرْعَةِ الدورانِ
سَارِيَاتٍ ثَوَابِتٍ مشرقاتٍ
سابحاتٍ في الْحُوتِ والسَّرَطَانِ
تلك سَبْعٌ مُحَلِّقَاتٌ طِبَاقٌ
قد تَقَضَّى في صُنْعِهَا يومانِ
وإلى الأرض وهي جرداءُ قَحْلٌ
أرسل الماءَ فالتقى البحرانِ
من أُجَاجٍ أَجْرَى فُرَاتًا معينًا
من أعالي الرُّبَى إلى الوِديانِ
أَنْزَلَتْهُ من السماءِ سُيُولٌ
ماطِراتٌ من سَلْسَلٍ هَتَّانِ
صَيَّرَ التُّرْبَ وهو ينسابُ طينًا
كي تُسَوَّى عناصرُ الحيوانِ
وبمر الهواءِ دَبَّتْ حياةٌ
حَرَّكَتْ فيه دولةَ الدِّيدَانِ
أَكْسَبَتْهَا أَشِعَّةُ الشمسِ دِفْئًا
وَنُمُوًّا ونفحةً من دهانِ

الله القادر

آيَةُ الشَّمْسِ في الوُجُودِ حياةٌ
وعلى الأرضِ آيةُ العُمْرَانِ
دَبَّ فوقَ الثَّرَى عَوَالِمُ شَتَّى
وَنَمَا النَّبْتُ وَارِفَ الأغصانِ
وَبِبَطْنِ الثرَى أُعِدَّتْ كُنُوزٌ
أَوْدَعَتْ ما بِهَا يَدُ الحَنَّانِ
من فُحُومٍ وَمعْدِنٍ وعُيُونٍ
مُفْعَمَاتٍ بالزَّيْتِ والأدهانِ
وعقاقيرَ من جواهرَ أَعْيَا
فَهْمُ إدراكِهَا قُوَى الأذهانِ
حَضَّرَتْهَا يَدُ الحكيمِ لِتَحْيَا
سَالِمَاتٍ عَوَالِمُ الحيوانِ
خِبْرَةُ الواحدِ المحيطِ جَلَالًا
بجميعِ الأفلاكِ والأكوانِ
أَوْدَعَ الأرضَ رَحْمةً منه رِزْقًا
وَحَبَاهَا الأقوَاتَ بِيضَ الأماني
كلُّ جِسْمٍ نَمَا على الأرضِ يَحْيَا
لو تَوَلَّتْهُ نُضْرَةُ الرَّيْعَانِ
وأَدِيمُ الأرضِ التي هُوَ مِنْهَا
فيه تَسْرِي عناصِرُ الأبدانِ
لم يَغِبْ عنصر عن الأرضِ مهما
عَزَّ بُعْدًا عن عَالَمِ الإمكانِ
تَمَّ للأرضِ أَمْرُها حيث بَاتَتْ
خَيْرَ مَهْدٍ لِدَوْلَةِ الإنسانِ
بَارَكَ اللهُ ما بها وعَلَيْهَا
بَاسِطُ الرِّزْقِ مُقْسِطُ الميزانِ
مَنْ كَرَبِّ العُلَا تَفَرَّدَ حُكمًا
لم يَغِبْ نور ذَاتِه عن مكانِ
بين حَرْفَيْنِ كلما شاءَ يقضي
وله النَّجْمُ والثَّرَى يَسْجُدانِ
كلُّ حَيٍّ قد ضَمَّهُ الرُّوحُ عَبْدٌ
في نِظَامِ المَلَكُوتِ للرحمنِ
صَاحِبِ الطَّوْلِ في جَلَالٍ ومُلْكٍ
أَزَلِيٍّ مُهَيْمِنٍ صَمَدَانِي
لم يُشَبَّهْ ولم يُمَاثلْهُ شيء
مَالِكُ المُلك لم يشاركه ثَانِ
مُطْلَقُ الحُكم لا مَرَدَّ لِأمْرٍ
من لَدُنْهُ جَرَى به حَرفَانِ
أَمْرُهُ الْأَمْرُ بين كَافٍ ونُونٍ
قَدَرٌ نَافِذٌ بغير تَوَانِ
إنه من لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ
وَاحِدُ الطَّوْلِ في قُوَى السُّلْطَانِ
وَاهِبُ النورِ للذين اتَّقَوْهُ
ومُحيطٌ بالجَهْرِ والكِتْمَانِ
قاهِرٌ قادِرٌ على كلِّ شَيْءٍ
وَاسِعُ العفو لم يُعَجِّلْ بِجَانِ
كلُّ هذا في اللَّوْحِ بَادِيءَ بَدْءٍ
قبل ضَمٍّ للأرواحِ لِلْجُسمانِ
سَجَّلَتْهُ يَدُ القضاءِ نَفَاذًا
لم يُؤَخَّرْ عن المَدَى والمكانِ
لم يغادِرْ نَفْسًا على الأرضِ إلا
ضَمَّ أطْوَارَها دَقِيقُ البيانِ
سُنَّةُ الخالِقِ العظيمِ تَجَلَّتْ
كلَّ يومٍ أَقْدَارُهُ في شَانِ
لو أُجاجُ البحارِ صَارَ مِدَادًا
وَأَمَدَّ البحارَ سَبْعٌ دَوَانِ
نَفِدَ الماءُ قبل أن تَتَقَضَّى
كلماتُ المحيطِ ربِّ البيانِ
فَيْضُ بِرٍّ على الخلائِقِ أَسْدَى
سَابِغَاتٍ من غَيْثِهِ الهَتَّانِ
نِعْمَةُ الله لا تًعَدُّ وَحَاشَا
أن تَنَالَ الإحصاءَ في الْحُسْبَانِ
مُنْعِمٌ يَمْنَحُ البرايا جميعًا
طَيِّباتِ الحياةِ للعُمْرانِ
رَازِقٌ مُحْسِنٌ رؤوفٌ رحيمٌ
كلُّ شَيْءٍ لَدَيْهِ طَوْع البَنَانِ
كلُّ مَنْ في الوجودِ من كائناتٍ
يَتَبَارَى في الْحَمْدِ وَالشُّكرانِ

يوم البعث والوعيد

صَيْحَةُ الْقَهْرِ تجعلُ الْوُلْدَ شِيبًا
وَتَغِيضُ الْجَنِينَ قبل الأوانِ
وَتَهُدُّ القلوبَ ذُعْرًا وَهَوْلًا
وَبَرِيقُ الأبصارِ في لَمَعَانِ
مَوْقِفٌ يُورِثُ الذُّهُولَ عَسِيرٌ
مَلَأَ الرُّعْبُ فيه كلَّ مكانِ
زائغاتٌ فيه النواظرُ حَيْرَى
وسيولُ الرُّحْضاءِ كالطُّوفانِ
ليس للظالمين فيه نصيرٌ
أو مُجِيرٌ من أَلْسُنِ النِّيرَانِ
لا فِدَاءٌ من كَرْبِه أو شفيعٌ
يَدْرَأُ الْوَيْلَ وهو رَأْيُ العِيَانِ
خَشَعَ الصوتُ غُصَّةً فهو هَمْسٌ
ومشى الخوفُ بين إِنْسٍ وَجَانِ
وانكسارًا في ذِلَّةِ العبدِ أَضْحَى
كلُّ فَرْدٍ في حَضْرَةِ السُّلْطَانِ
مَلِكٌ قَادِرٌ قَوِيٌّ عزيزٌ
نَافِذُ الأمرِ وَاهِبُ الغُفْرانِ
هَيْبَةٌ تَرْجُفُ العوالم منها
وجلالٌ أحاطَ بالأكوانِ
واقتدارٌ أَطَاعَهُ كلُّ حَيٍّ
ونفوذٌ يقضي بغيرِ تَوَانِ
حُكْمُهُ الْحُكْمُ لا يُبَدَّلُ لَفْظٌ
سَجَّلَتْهُ مهما نَأَى الشَفَتَانِ
ذَرُّهُ يملأُ الهواءَ وجودًا
وَصَدَاهُ يَجُوبُ كلَّ مكانِ
أَبَدَ الدهرِ لَفْظُهُ سوف يَحْيَا
ليزكِّي ما سَطَّرَ الكاتِبَانِ
أَيْنَ منه المَفَرُّ وهو شهيدٌ
سوف يُدْلِي بما جَنَتْهُ اليَدَانِ
حَلَّقَتْ رَهْبَةٌ وَسَادَ خُشُوعٌ
واستطارتْ بَوَاعِثُ النِّسْيَانِ
وَتَلَقَّتْ أعمالَها كلُّ نَفْسٍ
بين خوفٍ ورجفةٍ وهَوانِ
إن هذا يومُ الوعِيد وهَذِي
ساعةُ الفصلِ أيها الثقلانِ
بَاغَتَتْكُمْ مِصْدَاقَ قَوْلٍ حكيم
جاء حَقًّا في مُحْكَمَاتِ البيانِ
كلُّ مَنْ أَنْكَرَ القِيَامَةَ كِبْرًا
وَجُحُودًا هَوَى إلى النِّيرَانِ
بِئْسَ مَثْوَاهُ في الجحيمِ وَعَدْلًا
سوف يَلْقَى عواقبَ الكُفْرَانِ
وَسَيَصْلَى السَّعِيرَ في أصفادٍ
أَثْقَلَتْهَا الأغلالُ للأذقانِ
دَرَكَاتٌ سَبْعٌ طِبَاقُ عذابٍ
من جحيمٍ وَهَّاجَةِ الأركانِ
سَارِيَاتُ السُّمُومِ تنسابُ فيها
وَسُيولُ الْحَمِيمِ في غَلَيَانِ
يوم يُدْعَى: هل امتلَأْتِ؟ وتدعو
: رَبِّ زِدْنِي من طُعْمَةِ الإنسانِ!
مَنْ كَرَبِّ الْعُلَا يُدِيرُ نظامًا
يَشْمَلُ الْكَوْنَ بين قَاصٍ وَدَانِ
مَلِكٌ عَرْشُهُ السمواتُ والأرضُ
رَقِيبٌ عَلَى الْوَرَى كلَّ آنِ
حَوْلَ أرجائِهِ المَلَائِكُ صُفَّتْ
هم جُنُودُ الْمُهَيْمِنِ الرحمنِ
رُكَّعًا سُجَّدًا قِيَامًا قُعُودًا
كلُّ سِرْبٍ مُسَبِّحٌ بِلِسَانِ
ذِكْرُهُ يملأُ الوجودَ جلالًا
أَزَلِيٌّ مُطَمْئِنٌ لِلْجَنانِ
سَبَّحَ اللهَ كلُّ شَيْءٍ لِتَبْقَى
في دوامٍ فريضةُ الشُّكرانِ
جَلَّ شَأْنُ القديرِ رَبِّ البرايا
خير هَادٍ لِنِعْمَةِ الإيمانِ
وَارِث الأرضِ والسماءِ جميعًا
يوم نَادَى القضاءُ آنَ أَوَاني
قَوْلُهُ الحقُّ إذ يقول ٱخشوني
ولمن خاف نِقْمَتِي جَنَّتَانِ
يا ٱبْنَ حَوَّاءَ يا صَرِيعَ المَلَاهِي
يا مُجِيبًا لدعوةِ الشيطانِ
يا جَهُولًا حَمَّلْتَ نَفْسَكَ إثمًا
بِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَخَدْعِ الأماني
وَسَبَتْكَ الدنيا وَغَرَّكَ منها
ما تَبَدَّى من زُخْرُفٍ فَتَّانِ
قَادَكَ الْحُمْقُ للضلالةِ أَعْمَى
فَتَدَهْوَرْتَ في مهاوِي الهَوَانِ
وتَفَانَيْتَ في الملَّذَاتِ حتَّى
ساقَكَ الطَّيْشُ للطِّلا والغواني
فتهالكتَ في ارتكاب المعاصِي
خالِيَ البالِ من صُروفِ الزمانِ
تَسْهَرُ الليلَ في سرورٍ وأُنْسٍ
بين كأس وقينَةٍ وأغاني
مُشْبِعًا يا ظلومُ مَطْمَعَ نَفْس
أَشْعَلَتْ نارهَا وعُودُ الأماني
زَيَّنَ الشَّرُّ حَوْلَهَا كلَّ شَيْءٍ
فتمادَتْ في اللَّهْو والعِصيانِ
لا تَرَى النُّورَ إذ تَحَجَّبَ عَنْهَا
وهي تهوِي في ظُلْمَةِ الطُّغْيَانِ
إنها النفسُ يا ٱبْنَ آدمَ فَانظرْ
كيف باتت فريسةَ الشيطانِ
ما دعاها إلى الغواية إلا
سِرُّ إعراضِهَا عن الإيمانِ
يا ٱبْنَ حواءَ إنما العيشُ نومٌ
كلُّ شَيْءٍ يبدو لعينيك فَانِ
وَتَمَادِيكَ في غُرُورِكَ جَهْلٌ
فَتَيَقَّظْ من غَفْلَةِ الوَسْنَانِ
واخْشَ عَيْنَ الرَّقيبِ فَهْوَ شَهِيدٌ
ليس يَخْفَى عليه سِرٌّ لِجَانِي
أيْنَمَا كنتَ يا ٱبنَ آدمَ فاعلمْ
أَنَّ رَبَّ الوُجُودِ نُورُ المكانِ
لو حَوَتْكَ الجَوْزَاءُ أو أعماقٌ
من بُطُونِ الثَّرَى أو القُطْبَانِ
أو تَسَتَّرْتَ تحت لُجٍّ خِضَمٍّ
في كُهُوفِ الأصدافِ والْحِيتَانِ
يا سَلِيلَ التُّرَاب أنتَ ضعيفٌ
كُنْ مع الله تَحْظَ بالغُفْرَانِ

عظة

أَيُّها النَّاسُ إن هذا بيانٌ
فَصَّلَتْهُ شرائِعُ الإيمانِ
أرْسَّلَتْهُ للعالمينِ سلامًا
رحمةُ الواحدِ العظيمِ الحَنَانِ
في كتابٍ آياتُهُ مُحْكَمَاتٌ
من كلامِ المُهَيْمِنِ الرحمنِ
جاء هَدْيًا مُبَشِّرًا ونَذِيرًا
صادقَ الوَعْدِ وَاضِحَ التِّبْيَانِ
يجعل العُرْفَ للعبادِ شِعَارًا
وَيُوَصِّي بِالعَدْلِ والإحسانِ
وعن البَغْيِ والفواحشِ ينهَى
كي تَقَوَّى دعائمُ العُمْرَانِ
وَبِنَارِ الجحيمِ جاء نَذِيرًا
وَبَشِيرًا بخالدات الْجِنَانِ
إنه الحقُّ من عليمٍ حكيمٍ
قد أَعَزَّ الإسلامَ بالقرآنِ
كَنْزُ عِلْمٍ آياتهُ بَيِّنَاتٌ
فاض نورًا بِسَامِيَاتِ البيانِ
زَاخِرٌ بالْهُدَى كتابٌ مُنِيرٌ
عربيُّ الْمَبْنَى جزيلُ المعاني
أَنْزَلَتْهُ السماءُ للناسِ بُشْرَى
حين شاءت إرادةُ الرحمنِ
أن يَبيدَ الدِّينُ الحنيفُ ضَلَالًا
ولَّدَتْهُ عِبَادَةُ الأوْثانِ
لَقَّنَ الْوَحْيَ آيَهُ لِنَبِيٍّ
عَزَّ قَدْرًا عَنْ سائرِ الإنسانِ
خَيْرُ رُوحٍ حَلَّتْ بأَشْرَفِ جِسْمٍ
عَبْقَرِيِّ النُّهَى عظيم الْجَنَانِ
هَلَّلَ الكَوْنُ إِذْ تَلَأْلَأَ فيهِ
نُورُ طَهَ وكَبَّرَ المَشْرِقَانِ
خَاتَمُ المُرْسَلينَ خَيْرُ حَنِيفٍ
رَفَعَ الدِّينَ فَوْقَ هَامِ الزَّمانِ
أَحْمَدُ المُصْطَفَى عليهِ يُصَلِّي
كلُّ حَيٍّ في عالَمِ الأكوانِ
جاءَهُ الْوَحْيُ بالرِّسَالةِ لمَّا
حَرَّفَ المُفْسِدُون في الأَدْيانِ
وعَلَى الناسِ نِعْمَةُ الله تَمَّتْ
حين وَافَى الأمينُ بالفُرْقَانِ
إِنَّ دِينَ الإسلامِ خَيْرُ صِرَاطٍ
يُرْشِدُ النَّفْسَ للمصيرِ الثاني
أَيُّها النَّاسُ خَالِفُوا غَيَّ نَفْسٍ
شَاغَلَتْهَا وَسَاوِسُ الشَّيْطانِ
طَهِّرُوهَا مِنَ الرَّذِيلةِ حتى
تُنْقِذُوها من ثَوْرَةِ العِصْيانِ
حَارِبُوهَا بالطَّيِّباتِ عَسَاهَا
تَتَوَارَى عن مُفْزِعاتِ الأماني
حَذَّروها عَيْنَ الرَّقيب لكَيْ ما
تَذْكُر اللهَ خِيفَةً كلَّ آنِ
عَوَّدُوها على الفضيلةِ حتى
تَتَحَلَّى بالسَّابِقَاتِ الحِسَانِ
ألْبِسُوها من طاعةِ الله نورًا
فيه تَبْقَى سعيدةً في أمانِ
زَوِّدُوهَا التَّقْوَى فإنَّ جَنَاهَا
خَيْرُ زادٍ للمَنْهَلِ النَّفْسَاني
ذَكِّرُوهَا أنَّ الْحِسَابَ عَسِيرٌ
لو تَمَادَتْ في اللَّهْوِ والعِصْيانِ
وجمالُ الدُّنْيَا الذي يَسْتَبِيهَا
يَتَلَاشَى مهما بَدَا كالدُّخانِ
سنواتُ الأعمار تجري سِراعًا
كمَنَامٍ يمرُّ مَرَّ الثواني
ساخِراتٌ أَيامها من ظَلُومٍ
لم يُفَكِّرْ في يَقْظَةِ النَّدْمَانِ
ضاحِكاتٌ والمُغْرِياتُ تُنَادِي
ما صَفَا الدَّهْرُ نِصْفَ يومٍ لِهَاني
كل عُمْرِ مهما تَرَاءَى طويلًا
كان حُلْمًا في جَوْلَةِ الوَسْنانِ
صَحْوةٌ أَيْقَظَ الحقيقةَ منها
مَلَكُ المَوْتِ في حُلُولِ الأوَانِي
دَهَمَ النَّفْسَ حين حُمَّ قَضَاءٌ
وهي تَهْوِي في ظُلْمَةِ الطُّغْيَانِ
خَلَّفَ الجِسْمَ في سُكونٍ وَرَهْبٍ
وطَوَاهُ في وَحْشَةِ الأكفانِ
وإلى الرَّمْسِ حيث وَارَاهُ تُرْبٌ
فيه أَمْسَى فَرِيسَةَ الدِّيدَانِ
ناخرات يَدُ البِلَى في عِظَامٍ
حَوَّلَتْهَا ذَرًّا يَدُ الْحَدَثَانِ
حِكْمةُ الموتِ في الوجودِ انْتِقَالٌ
كلُّ جِسْمٍ يَضُمُّهُ عالَمَانِ
عالَمُ الظُّلْمَةِ القصيرُ مدَاهُ
وخلودٌ في العَالَمِ النُّورَاني
أَيُّها النَّاسُ للبقاءِ خُلِقْتُمْ
ومقام الخلودُ ليس بِفَانِ
كلُّ جِسْمٍ بَعْدَ الْبِلَى سَوْفَ يَحْيَا
يَوْمَ عَرْضِ الصِّرَاطِ والمِيزَانِ
وَتُوَفَّى ما قَدَّمَتْ كلُّ نَفْسٍ
بين خوفٍ ورِجْفَةٍ وأمَانِ
حَصْحَصَ الْحَقُّ والموازينُ قِسْطٌ
والمَخَازِي تَمَثَّلَتْ للعيانِ
وعُيُونُ الجحِيمِ من كل فَجٍّ
مُرْسِلَاتٌ لَوَامِعَ النِّيرانِ
في زَفِيرٍ كَقَاصِفِ الرَّعْدِ يَجْرِي
في دَوِيٍّ يَرُوعُ كلَّ جَنَانِ
لَهَبٌ يخطف النَّوَاظِرَ رُعْبًا
وأَزِيرٌ يَجُوبُ كلَّ مكانِ
حَوْلَ حَشْدٍ تَكَدَّسَ الْخَلْقُ فيهِ
كالفَراشِ المَبْثُوثِ في القِيعانِ
وسُيولُ الرُّحْضاءِ تَنْسَابُ مُهلًا
كَحَمِيمِ السَّعِيرِ في غَلَيَانِ
وقْدَةُ الْحَشْرِ ضَاعَفَتْ كلَّ كَرْبٍ
مَرّ بالقَلْبِ والنُّهَى واللِّسَانِ
هذه الساعةُ الَّتي قد وُعِدْتُمْ
صَدَقَ الوَعْدُ أيُّها الثَّقَلَانِ
مَوْقِفٌ لِلْحِسَابِ لَا رَيْبَ فيهِ
لم يُغَيَّبْ عن حَشْدِهِ أصْغَرَانِ
كم أفاضَ التنزيلُ عنه بَيَانًا
وَاعدَ المؤمنين خُلْدَ الْجِنَانِ
أَيُّهَا الناسُ مَنْ رَعَاكُمْ حَلِيمًا
وَحَبَاكُمْ بالعَفْو والإحْسَانِ
وأفاضَت أيديه أكْبَرَ نُعْمَى
شَمَلَتْكُمْ في رَحْمَةٍ وحَنَانِ
غيْرُ نُورِ الوجودِ رَبِّ البَرايا
خالِق الْخَلْقِ فاطِرِ الأكْوانِ
بَاعِثِ العالمين في ملكوتٍ
وحدَه فيه صاحبُ السُّلْطانِ
مِنْ رُفاتٍ تَكدَّسَتْ في قبورٍ
أوْرَثَتْهَا الْبِلَى يَدُ الْحَدَثَانِ
ناشِطاتٍ تقومُ بَعْدَ رُقُودٍ
كان يَطْوِي الأحْقَابَ في الأكْفانِ
كجرَادٍ يَفِرُّ من أجْداثٍ
يملأُ الْبِيدَ بين قاصٍ ودَانِ
ضاقتِ الأرضُ عن جموعِ سُيولٍ
سَابِحَاتٍ في لُجَّةٍ النَّدْمَانِ
كَشَفَ الموقفُ الرهيبُ غِطاءً
كان يَغْشَى مَحَاجِرَ الْوَسْنَانِ
أسْدَلَتْهُ حَمَاقَةُ الجَهْلِ كِبْرًا
وَعُتُوًّا وَشَدَّهُ الغَاوِيانِ
إنه الحُمْقُ فانظروا كيف تَهْوِي
عن رُبَا الظُّلْمِ رايةُ العِصْيانِ
أيُّها النَّاسُ قد بُعِثْتُمْ وَعْدلًا
قد تَلَاشَتْ سَفَاهَةُ النُّكْرَانِ
وعَمِيتُمْ عن الهِدايةِ حتى
نَبَذَتْكُمْ مَرَاحِمُ الغُفْرانِ
فَقَضَيْتُمْ دُنْياكُمْ في ضَلالٍ
مُسْتَجيبينَ دعوةَ الشَّيْطَانِ
قُضِيَ الأمرُ وانتهى كلُّ شَيْءٍ
وَتَجلَّى ما أَغْفَلَ النَّاظِرانِ
فَهَلُمُّوا إلى الحسابِ وَحَاشَا
أن يَرَى الظُّلْمُ نفسَهُ في مكانِ
إنْ تكونوا مُصَدِّقينَ فأمْنٌ
وَسَلامٌ وجَنَّةٌ وتهاني
أو تكونوا مُكَذِّبِينَ فأَنْتُمْ
والشياطينُ طُعْمَةُ النِّيرَانِ
أيُّها الناس ما خلقتم لِتَحْيَوْا
كَدَوَابٍّ تَفْنَى بِمَرِّ الزَّمَانِ
بل حَبَتْكُمْ مواهبٌ وعقولٌ
فَضَّلتكُمْ عن سائِرِ الْحَيَوانِ
نِعْمَةُ الله حِينَ تمَّتْ عَلَيْكُمْ
زَوَّدَتْكُمْ بالْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ
كَرَّمَ اللهُ خَلْقَكُمْ وَرَعَاكم
وهداكُمْ لِلبِّرِ وَالْإِحْسَانِ
كُلُّ نَفْسٍ تَخْشَى الإِلۤه سَتَمْشِي
يَوْم هَوْلِ الْخُرُوجِ في ٱطْمِئْنَانِ
لَقَيَتْهَا الدُّنْيَا قَرِيرَةَ عَيْنٍ
وَبِخُلْدِ الْأُخْرَى لَهَا جَنَّتَانِ
حَلَّقَ الرُّعْبُ وَالمَلِيكُ يُنَادِي:
ها وعيدِي وَالْوَيْلُ مِنْ سلطاني
يا عُصَاةَ الرَّحْمَنِ حَلَّ بَلائي
كيف ينجو من نِقْمتي مَنْ عَصَاني؟
ما جنودَ الشَّيْطَانِ إِلَّا غُوَاةٌ
أبْعَدُوكُمْ عن طاعَتِي وَحَنَانِي
لا فداءٌ ولا شفيعٌ يُرَجَّى
إِنَّهُ الفصل أيُّهَا الثَّقَلَانِ
واقتدارِي وعِزَّتِي وَجَلَالِي
سَوْفَ يُجْزَى المُسِيءُ بالْحِرمانِ
إِنَّ عَفْوِي يَنَالُه كُلُّ عَبْدٍ
كان يَخْشَى بَطْشي وَلَا يَنْسَاني
أيُّها المُحْسِنون هذا نعيمي
قد وُعِدْتُم به وذا غُفْراني
فَهَلُمُّوا إلى فراديسِ خُلْدٍ
في قُصورٍ أَعَدَّها رضْواني
وَسَلامٌ لكم بما صَدَّقْتُمْ
وَصَبَرْتُمْ على كروبِ الزَّمانِ
إِنَّ هذا وعدي وَقَدْ تَمَّ وَعْدِي
وجزاءٌ الإحسانِ بالإحسانِ!
فهنيئًا لكم نَعِمْتُمْ وَفُزْتُمْ
يا عبادي بالْحَمْدِ والشُّكْرانِ
أيُّها النَّاسُ حارِبوا النَّفْسَ زُهْدًا
يَتَجَلَّى اليقينُ مِلْءَ العَيانِ
وأَشْتَروا الخُلْدِ بامْتِهانِ مَتَاعٍ
عَرَضِيٍّ مهما تَرَفَّهَ فانِ
طَهِّرُوا القَلْبَ من بُذورِ الخَطَايا
وازْرعوا فيه زهرةَ الإيمانِ!
واجْعَلوا الذِّكْرَ زادَه فَهْوَ نُورٌ
فيه يَسْعَى إلى الرِّضَا الرباني
واعْمَلوا الطيِّباتِ ما جاءَ فَجْرٌ
بجديدٍ وما بدا النَّيرانِ
واسلكوا للهُدَى صراطًا سَوِّيا
تأمَن النَّفْسُ زَفْرَةَ النَّدْمَانِ
زَوِّدوها التُّقَى فيخبو سِراجٌ
أَشْعَلَتْهُ حَمَاقَة الهَذَيَانِ
وَامْلَئُوا القَلْبَ رحمةً ويقينا
تُبْعِدُوه عن غِلْظَةِ النَّهْمَانِ
إنما الطُّهْرِ للنفوس جمالٌ
فإذا ضاعَ ضَيَّعَتْها الأماني
واضْرِبوا الأرضَ بالخُرافاتِ وابْنُوا
للحياتين أَثْبَتَ البُنْيَانِ
وٱقْصروا في الخُطَا وَغَنُّوا وتُوبوا
تَأْمَنُوا في القيام عَضَّ البَنَانِ
وأَزِيحوا عن العُيونِ سِتَارًا
أَسْدَلَتْهُ أصابعُ الشَّيْطَانِ
أَيُّها النَّاسُ لا تطيعوا عَدُوًّا
شَنَّ حَرْبًا على بَنِي الإِنْسَانِ
لم يُطِعْ في السُّجودِ أَمْرَ إِلهٍ
مالِك المُلْكِ أَمْرُه حَرْفَانِ
كلُّ مَنْ في السماءِ والأرضِ عَبْدٌ
للبديعِ المُهَيْمِنِ الرَّحْمَنِ
أَيُّ مَقْتٍ لِمَنْ تَمَرَّدَ كِبْرًا
واسْتَفَزَّتْهُ حَمْأَةُ العِصْيانِ
أَغْضَبَ اللهَ إِذْ أَبَى أَنْ يُلَبِّي
أَمْرَ رَبِّ العُلَا عظيمِ الشَّانِ
يا عبادي ٱسجُدوا لآدمَ إِنِّي
خَالِقٌ مِنْهُ عَالَمِ الإِنْسَانِ
سَجَدَ الكُلُّ طائِعًا في خُضوعٍ
وتسامَى التَّقْدِيسُ للرَّحْمَنِ
وَتَأَبَّى عَنِ السُّجُودِ شَقِيٌّ
ضَلَّلَتْهُ حَمَاقَةُ الطُّغْيانِ
مَلأَ الشَّرُّ نَفْسَهُ كِبْرياءَ
باءَ منها بالخِزْي والخُسْرانِ
إِيهِ … إبليسُ لَعْنَةُ الله حَلَّتْ
يا رجيمًا خَسِئْتَ من شَيْطَانِ!
كيْفَ تَنْجُو مِنْ نِقْمَتي وعِقَابِي
أَيُّ عَبْدٍ يَفِرُّ مِنْ سُلْطانِي؟
قال: ربِّي ذرْني لميقاتِ يَوْمٍ
في ضُحَاهُ سَيُحْشَرُ الثَّقَلانِ
سوف يغوي أبناءَ آدمُ مَكْرِي
واختيالا يُطْغِيهُمُ شَيْطانِي..
وَأَبُثُّ الفَسَادَ فيهِمْ وَكَيْدِي
يُلْبِسُ الرُّشْدَ طَلْسَمَ النِّسْيَانِ
وَأَؤُزُّ النفوسَ أَزًّا فَتَهْوِي
في حَضِيضٍ من مُهْلِكَاتِ التفاني
سابحاتٍ في ظُلْمَةٍ من خيالٍ
غارِقاتٍ في لُجَّةِ الْهَذَيَانِ
سوف تَبْقَى كما تَمَنَّيْتَ حتى
يومِ فَصْلٍ ما بين إِنْسٍ وجانِ
يوم عَرْضِي لِمَنْ خَلَقْتُ ولمَّا
لم يُبَدَّلْ ما أخرجَتْ شَفَتَانِ
وَٱدْعُ إبليسُ ما استطعتَ وَغَرِّرْ
من أَطَاعَتْكَ نَفْسُهُ بالأماني
هَا سَعِيرِي وَزَمْهَرِيرِي يدعو
لعذابِ الحريقِ مَنْ قد عصاني
يوم أدعو: هَلِ امتلأْتِ؟ وَغَيْظًا
تَتَبَدَّى في ثَوْرَةِ الغَضْبَانِ
وَتُنَادِي غَضْبَاءَ: هل من مزيد؟
كيف تَنْسَى وَقُودُهَا نِيرَاني؟
أيُّها الظالمُ المُكَذِّبُ هَيَّا
هَا جَحِيمِي خُلْوٌ من السُّكَّانِ
ذَا سَعِيرِي مُؤَجَّجٌ وَحَمِيمِي
لِعُصَاةِ الرحمنِ ينتظرانِ
فَهَلُمُّوا إِلَيَّ يَا مَنْ كَفَرْتُمْ
ما أشدَّ العذابَ في أحضاني
آنَ إبليسُ أَنْ أُذيقَكَ هَوْلِي
في عذابٍ لما يُهَيَّأْ لِثَانِ
يا سجيني آنَ القصَاصُ وهذا
وَعْدُ رَبِّي حَقًّا لأولِ جاني
يَا عَدُوَّ الإِنسانِ قد كنتَ حربًا
أَعْلَنَتْها حماقةُ الطُّغْيَانِ
كنتَ تدعو إلى الضلالِ وتسعى
في انتشارِ الفسادِ والِعصيان
كم تَرَبَّصْتَ بابْنِ آدم حتى
نَبَذَتْهُ مراحِمُ الغُفْرَانِ
وَنَصَبْتَ الشِّبَاكَ كَيْدًا ومكرًا
كي تُضَلِّلْهُ عن هُدَى الإيمانِ
قُضِيَ الأمرُ وانتهى كلُّ شيءٍ
دَبَّرَتْهُ مكائدُ الشيطانِ
ذُقْ أشدَّ العذابِ يا شرَّ غَاوٍ
أَبْعَدَ النورَ عن بني الإنسانِ
يَا رَجِيم الدَّارَيْنِ بِئْسَ خلودٌ
صَدَقَتْ فيه آيةُ الرحمنِ
يا ٱبْنَ حواءَ ما خُلِقْتَ لِتَحْيَا
كحياةِ الأنعامِ والحيوانِ
أنتَ بالعقلِ قد بَلَغْتَ مكانًا
عَبْقَرِيًّا، أَكْرِمْ به من مكانِ
صَوَّرَ اللهُ فيكَ أَحْسَنَ خَلْقٍ
أَبْدَعَتْ صُنْعَهُ يَدُ الرحمنِ
وَأَمَدَّ الفؤادَ فيكَ بنورٍ
جعل الخارقاتِ طَوْعَ البَنَانِ
كلُّ شيءٍ مُسَخَّرٌ لك كَيْمَا
تَتَسَامَى دعائمُ العُمرانِ
يا ٱبْنَ حواءَ أنتَ أكثرُ خَلْقٍ
غَمَرَتْهُ الآلاءُ بالإِحْسَانِ
كَرَّمَتْكَ النُّعْمَى وَأَوْلَتْكَ فَضْلًا
أَيَّدَتْهُ مواهِبُ العِرفانِ
فاشكُرِ المُنْعِمَ الرحيمَ وَسَبِّحْ
في خشوعٍ بِحَمْدِهِ كلَّ آنِ
واذكُرِ الموتَ فهو أحسنُ ذكرَى
تنفعُ الناسَ يوم عَضِّ البَنَانِ
واجعلِ اللهَ وَحْدَهُ لك مَوْلَى
وَتَزَوَّدْ من حِكْمَةِ القرآنِ
تَقْضِ دُنْيَاكَ ما حَيِيتَ سَعِيدًا
وَبِخُلْدِ الأُخْرَى لك الْجَنْتَانِ
إِنَّ هذا الْفَوْزُ العظيمُ فكَبِّرْ
باسْمِ رَبٍّ هَدَاكَ للإيمانِ
حَكِّمِ العقلَ يا ٱبْنَ آدم وَٱحْذَرْ
من أضاليلِ فِتْنَةِ الشيطانِ
لا تُطِعْهُ وَتَتَّخِذْهُ وَلِيًّا
فهو يدعو لِلشِّرْكِ بالرحمنِ
يَطْبَعُ الشَّرَّ في النفوسِ ويُمْلِي
كلَّ غَيٍّ يقودُ للكُفرانِ
إِنَّ هذا الطاغوتَ شرُّ لَعِينٍ
من أَلَدِّ الأعداءِ للإِنْسَانِ
أيُّها الناسُ قَدْ أتاكم كِتَابٌ
ناطِقٌ بالْهُدَى فَصِيحُ البيانِ
بَيَّنَ الرُّشْدَ والضَّلالَ بَشِيرًا
ونَذِيرًا يَدْعُو إلى الإِيمانِ
يَبْعَثُ النُّورَ في القلوبِ فَيَهْدِي
من يَشَاءُ المحيطُ بالأكْوَان
والذي صُمَّ قَلْبُه ظلَّ أَعْمَى
لا يَرَى النُّورَ وهو مِلْءُ المَكانِ
بَيِّناتٌ قد فَصَّلَتْ كلَّ شَيْءٍ
أَمَرَتْكُمْ بالْعَدْلِ والإِحْسَانِ
ونَهَتْكُمْ عن الخبائثِ والمُنكَـ
رِ تِلْكُم دسائسُ الشيطانِ
أَيُّ فَوزٍ لِمَنْ أَطَاعَ ولَبَّى
دعوةَ الحقِّ، ثابتَ الأركانِ
طَاهِرَ النفسِ من جميع المعاصي
مُؤْمنَ القَلْبِ صادقَ الإيمانِ
يَسْمَعُ الذِّكْرَ وهو يُتْلَى فَيَجْثُو
سَاجِدًا باكِيًا من القُرْآنِ
بين وَعْدٍ مُبَشِّرٍ بِنَعِيمٍ
في فَرَادِيسَ خالداتِ الْجِنانِ
وَوَعِيدٍ مُصَوِّرٍ لعَذَابٍ
يُفْقِدُ الرُّشْدَ في لَظَى النِّيرانِ
من تَوَلَّى ولم يَخَفْ من وَعيدٍ
أيُّ مَقْتٍ يَرَى وهَوْلٍ يُعَانِي
خَدَعَتْهُ الدُّنْيا فَأَعْرَضَ يَلْهُو
فِي نعيمٍ مِنَ المَتَاعِ ٱلْفَانِي
مَنْ أَرَاد الدُّنْيا تَبَوَّأَ مِنْها
كلَّ ما يَشْتَهِي ونالَ الأمانِي
دارُ لَهْوٍ طاشتْ بعقلِ جَهُولٍ
منه مَدَّتْ لِلمُوبِقَاتِ يَدَانِ
مُلِئَتْ نَفْسُه الخبيثةُ شَرًّا
فَتَمَادَى في الكُفْرِ والعِصْيَانِ
أَنْكَرَ البَعْثَ والقِيامَةَ حتَّى
دَهَمَتْهُ لَفَائِفُ الْأَكْفَانِ
أَوْدَعَتْهُ الدُّنْيا بُطُونَ ثَرَاهَا
فَتَوَارَى عن أَعْيُنِ الْحَدَثَانِ
أَيُّها النَّاسُ آمِنُوا وَأَطِيعوا
واتَّقُوا اللهَ قَبْلَ فَوْتِ الأَوانِ
ما الحياةُ الدُّنْيَا الَّتِي فَتَنَتْكُمْ
وَسَبَتْكُمْ بالمُغْرِياتِ الْحِسَانِ
غَيْرُ يَوْمٍ أحلامُهُ سابحاتٌ
بين مَوْجِ السُّرُورِ والأحزانِ
سَنَوَاتُ الأعمارِ كالْبَرْقِ تجرِي
مُسْرِعَاتٍ كأنَّهُنَّ ثَوَانِ
فَتْرَةُ العَيْشِ في الحياةِ اختبارٌ
للنَّعِيمِ المُقِيمِ أو لِلْهَوَانِ
فاعْمَلُوا الطَّيِّبَاتِ تَأْمنْ نُفُوسٌ
يَوْمَ عَرْضِ الأعمالِ عَضَّ الْبَنَانِ
واطْلُبوا الرِّزْقَ ما حَييتُم حلَالًا
واستعينوا بالصَّبْرِ والإيمانِ
واسلُكوا للصلاحِ خَيْرَ سبيلٍ
مِنْه تَبْدُو مَفَازَةُ الرِّضْوَانِ
واضْرِبُوا الأرضَ بالْخُرَافَاتِ وامشوا
صَوْبَ نورِ اليقينِ في اطْمِئْنانِ
وازرعوا الْيَوْمَ تَحْصُدوا بَعْدَ حِينٍ
واستزيدوا من خالدِ البُنْيَانِ
واهجُروا الْخَمْرَ فَهْيَ أَكْبَرُ رِجسٍ
مُفْسِد الرُّوحِ مُتْلِفِ الأَبْدانِ
تَسْلُبُ الرُّشْدَ مِن نُهَى مُحْتَسيها
حين تَسْرِي في الحسِّ كالأفعوانِ
لَقَّبُوهَا أُمَّ الخبائثِ حقًّا
فَهْيَ أَقْوَى حبائِل الشيطانِ
وأقيموا الصلاةَ لِلهِ شُكْرًا
واذْكُروه فِي السِّرِّ والإعلانِ
سَبِّحُوا اللهَ بُكْرَةً وأصِيلًا
في سُجودٍ ما ضَوَّأَ المَشْرِقانِ
وأَعيرُوا خَلْقَ السمواتِ فَيْضًا
من صفاءِ الإِدْراكِ والإمعانِ
فَكِّرُوا خاشعينَ في مَلَكُوتٍ
أَبْدَعَتْ صُنْعَهُ يَدُ الرَّحْمَنِ
فَلَكٌ حَيَّرَ العُقُولَ نِظامًا
لم يشبه في دِقَّةِ الإِتْقَانِ
سارياتٌ فراقدٌ وشموسٌ
خاطفاتُ الأبصار قاصٍ ودَانِ
سابحاتٌ كُلٌّ يَشُقُّ مَدَارًا
في فَضَاءِ الآفاقِ والأكوانِ
مَلَكُوتٌ فيه العوالمُ تَجْرِي
آمناتٍ طواريءَ الْحَدَثَانِ
لاحَظَتْهَا عَيْنُ الرَّقِيبِ لِتَبْقَى
ما أرادتْ مشيئةُ الرَّحْمَنِ
فإذا جاءَ وَعْدُه تَتَوَارَى
آفلاتٍ ويختفي النَّيِّرانِ
إنَّه الفصلُ بين دُنيا وأُخْرَى
أَعْلَنَتْهُ على الوَرَى صَيْحَتَانِ
إِنَّ عَيْشَ الدُّنْيَا وإِنْ طَالَ يومٌ
فِيهِ تَمَّتْ صحيفةُ الإِنْسَانِ
طائرٌ ناطقٌ كتابٌ شهيدٌ
سُجِّلَتْ فيه صادقاتُ البَيَانِ
عَزَّزَتْ صِدْقَهُ شَهَادَةُ أيْدٍ
وجُلُودٍ وأعْيُنٍ ولِسَانِ
فاخْشَوْا اللهَ واتَّقُوه تَقُوموا
من دَيَاجِي أجداثِكم في أمانِ
يَوْمَ يهتزُّ مَنْكِبُ الأرضِ رُعْبًا
والسمواتُ وردةٌ كالدهانِ!
يَوْمَ لا تَمْلِكُ النفوسُ فِدَاءً
أو فِرَارًا مما تَرَى وَتُعَانِي!
وله الأمرُ وَحْدَه في جُمُوعٍ
تَسألُ العفْوَ بين إنسٍ وَجَانِ
حُكْمُه الفَصْلُ في مصيرِ عَبِيدٍ
ألِدَارِ الجحيمِ أم للجِنَانِ؟
فاز بالْخُلْدِ في فَسِيحَاتِ عَدْنٍ
من هَدَاهُ الرَّحْمَنُ للإِيمانِ
وأَضَلَّ السبيلَ مَنْ تَاهَ كِبْرًا
وعُتُوًّا وخَادَعَتْهُ الأمانِي
وإذَا تَمَّ في المشيئةِ أَمْرٌ
لم يُبَدَّلْ ما سَجَّل الْحَرْفانِ
آيةُ النُّورِ بَيَّنَتْ كلَّ شَيْءٍ
وَكَفَى الآنَ أَيُّها الثَّقَلانِ
ما سعيدُ الدَّارَيْنِ يا نَفْسُ إلا
مَنْ تَفَانَى في طاعةِ الرَّحْمَنِ
والشَّقيُّ الملعونُ دنيا وأُخْرَى
كل غِرٍّ هَوَى مع الشَّيْطَانِ
يا إلهَ الوجُودِ نُعْمَاكَ عَمَّتْ
كلَّ حَيٍّ في سَائِرِ الأكوانِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤