الفصل الثالث

حِوَارٌ مَعَ صَدِيقٍ

سَارَ هنري بِمُفْرَدِهِ فِي الظَّلَامِ. اسْتَلْقَى فَوْقَ الْحَشَائِشِ وَشَعَرَ بِالْأَسَى عَلَى حَالِهِ. كَانَ يَتَمَنَّى الْعَوْدَةَ إِلَى مَنْزِلِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالْقِيَامَ بِجَوْلَاتِهِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْحَظِيرَةِ، وَمِنَ الْحَظِيرَةِ إِلَى الْحَقْلِ، وَمِنَ الْحَقْلِ إِلَى الْحَظِيرَةِ، وَمِنَ الْحَظِيرَةِ إِلَى الْبَيْتِ. تَذَكَّرَ هنري كَمْ كَانَ يَصِيحُ فِي الْبَقَرَةِ وَرِفَاقِهَا، لَكِنَّهُ الْآنَ يُفَكِّرُ فِيهَا فِي سَعَادَةٍ. أَخْبَرَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِيَكُونَ جُنْدِيًّا، وَفَكَّرَ كَمْ هُوَ شَدِيدُ الِاخْتِلَافِ عَنِ الرِّجَالِ الْآخَرِينَ فِي فِرْقَتِهِ.

سَمِعَ هنري حَفِيفَ الْحَشَائِشِ، وَنَظَرَ حَوْلَهُ فَرَأَى الْجُنْدِيَّ ذَا الصَّوْتِ الْعَالِي، فَنَادَاهُ: «ويلسون!»

قَالَ ويلسون: «مَرْحَبًا يَا هنري، أَهَذَا أَنْتَ؟ مَا الَّذِي تَفْعَلُهُ هُنَا؟»

قَالَ هنري: «أُفَكِّرُ.»

بَدَأَ ويلسون فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي يَظُنُّ أَنَّهُمْ سَيُشَارِكُونَ فِيهَا قَرِيبًا.

قَالَ ويلسون: «سَنَنَالُ مِنْهُمُ الْآنَ! أَخِيرًا سَنَنَالُ مِنْهُمْ.»

قَالَ هنري: «نَعَمْ، يَقُولُ جيم كونكلن إِنَّنَا سَنَخُوضُ الْكَثِيرَ مِنَ الْقِتَالِ.»

قَالَ ويلسون: «أَظُنُّهُ عَلَى حَقٍّ هَذِهِ الْمَرَّةَ؛ فَأَمَامَنَا مَعْرَكَةٌ كَبِيرَةٌ، هَذَا أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ.»

قَالَ هنري: «أَظُنُّكَ سَتُبْلِي بَلَاءً حَسَنًا.»

رَدَّ ويلسون: «لَا أَعْلَمُ، أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَفْعَلُ مِثْلَمَا يَفْعَلُ الْبَاقُونَ، سَوْفَ أَبْذُلُ قُصَارَى جُهْدِي.»

سَأَلَهُ هنري: «كَيْفَ تَعْرِفُ أَنَّكَ لَنْ تَفِرَّ حِينَمَا يَحِينُ وَقْتُ الْقِتَالِ؟»

قَالَ ويلسون: «أَفِرُّ؟!» ثُمَّ ضَحِكَ، وَأَضَافَ: «أَفِرُّ؟! بِالطَّبْعِ لَنْ أَفِرَّ!»

قَالَ هنري: «حَسَنًا، ظَنَّ الْكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ أَنَّهُمْ سَيُحَقِّقُونَ انْتِصَارَاتٍ عَظِيمَةً قَبْلَ الْمَعْرَكَةِ، لَكِنْ عِنْدَمَا حَانَ الْوَقْتُ، فَرُّوا.»

قَالَ ويلسون: «هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا أَعْتَقِدُ، لَكِنِّي لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، وَمَنْ يُرَاهِنْ عَلَى فِرَارِي فَسَوْفَ يَخْسَرُ.»

قَالَ هنري: «سُحْقًا! هَلْ أَنْتَ أَشْجَعُ رَجُلٍ فِي الْعَالَمِ؟»

رَدَّ ويلسون: «لَا، لَسْتُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَقُلْ إِنَّنِي الْأَشْجَعُ. قُلْتُ إِنَّنِي سَآخُذُ نَصِيبِي مِنَ الْقِتَالِ. وَمَنْ تَكُونُ أَنْتَ لِتُخَاطِبَنِي هَكَذَا عَلَى أَيَّةِ حَالٍ؟»

حَدَّقَ ويلسون فِي وَجْهِ هنري لَحْظَةً ثُمَّ سَارَ بَعِيدًا، فَصَاحَ هنري: «لَا دَاعِيَ لِأَنْ يُغْضِبَكَ الأَمْرُ!»

شَعَرَ هنري بِالْوَحْدَةِ وَالتَّعَاسَةِ. بَدَا أَنَّهُ لَا أَحَدَ غَيْرَهُ يَشْغَلُ بَالَهُ هَلْ سَيَفِرُّ مِنْ أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ أَمْ لَا. شَعَرَ أَنَّهُ غَرِيبٌ عَنْهُمْ، فَعَادَ إِلَى خَيْمَتِهِ وَاسْتَلْقَى عَلَى أَحَدِ الْأَغْطِيَةِ بِجِوَارِ جيم الَّذِي كَانَ يَغِطُّ فِي نَوْمِهِ. فِي الظَّلَامِ، تَرَاءَى لهنري فِي خَيَالِهِ الْخَوْفُ الَّذِي سَيَجْعَلُهُ يَرْكُضُ بَعِيدًا، بَيْنَمَا يَقِفُ الْآخَرُونَ فِي أَمَاكِنِهِمْ يُقَاتِلُونَ. كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ هَذَا الْوَحْشِ، ظَلَّ يُحَدِّقُ فِي انْعِكَاسِ النَّارِ عَلَى جِدَارِ خَيْمَتِهِ حَتَّى أَرْهَقَهُ الْقَلَقُ، فَغَطَّ فِي النَّوْمِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤