كلمة الترجمة

إذا قلنا مصر الحديثة فقد قلنا الأسرة العلوية المجيدة، وفي طرفها الأول محمد علي الكبير، وفي طرفها الثاني جلالة الملك فاروق الأول حرسه الله. وليس يسع المؤرخ إلا أن يُعجَب حقًّا بما يبذله جلالة الجالس على عرش مصر من همة مقطوعة النظير لإتمام المهمة التي اضطلع بها أبوه العظيم ساكن الجنان الملك فؤاد الأول، وهي كشف ما يحيط بتاريخ مصر من غموض ولَبس؛ ليظهر جليًّا واضحًا للعالم أجمع، فيتسنى للأجيال المصرية المقبلة أن تشرب من هذا المعين الصافي، وتحمد لأسرة محمد علي ما قدمته من خدمات صادقات حوَّلت مصر من ولاية تركية متواضعة الأهمية إلى مملكة مستقلة ذات سيادة، يُحسَب حسابها ويُنزَل على رأيها. ويضيق المقام إذا أراد الباحث أن يأتي على كل ما عمله الملك الراحل في سبيل نشر تاريخ مصر. وإليك بعض ما أمر جلالته بوضعه من الكتب الفذة:
  • (١)

    فلقد أوصى الكاتب الفرنسي الكبير المسيو هانوتو بوضع كتاب عن تاريخ الأمة المصرية يقع في سبعة مجلدات ضخمة.

  • (٢)

    عهد إلى المسيو دريو بوضع تاريخ مصر والدول الأوروبية العظمى (١٨٣٩–١٨٤١)، ويقع في خمسة مجلدات.

  • (٣)

    مختصر تاريخ مصر (من عهد ما قبل التاريخ إلى العصر الحاضر)، وهو من وضع فريق من المؤلفين الممتازين، ويقع في ثلاثة مجلدات.

  • (٤)

    تاريخ الغزوات الحربية لمحمد علي وإبراهيم، وهو بقلم الجنرال فيجان القائد الفرنسي المشهور.

  • (٥)

    تاريخ الغزوات البحرية لمحمد علي وإبراهيم، تأليف الأميرال دوران فييل.

  • (٦)

    تاريخ ساكن الجنان إسماعيل، بقلم المسيو جورج دوران، وهو في ٥ مجلدات.

  • (٧)

    كتاب الفن المصري في خلال العصور المختلفة، وقد ظهر أخيرًا في مجلد واحد.

  • (٨)

    مؤلف مصور عن مصر من وضع الأستاذين بواسونلس وترامبلييه.

  • (٩)

    وأخيرًا هذا الكتاب الحاضر الذي نترجمه للقُرَّاء عن تاريخ محمد علي الكبير بقلم الأستاذ هنري دودويل مدرس التاريخ بجامعة لندن.

ولهذا الكتاب أهمية خاصة؛ فإن مؤلفه لم يدخر وسعًا في الاطلاع على كثير من المستندات الرسمية ذات القيمة التاريخية في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، كما استطاع فوق ذلك الاطلاع على بعض التقارير المحفوظة في وزارة الخارجية البريطانية، وهي التي أرسلها القناصل الإنجليز في مصر إلى دولتهم.

يُضاف إلى هذا أن الأستاذ دودويل كان قد هبط إلى مصر حيث أسعده الحظ بالتشرف بمقابلة جلالة الملك فؤاد، فتفضل جلالته بأن أَذِن له بالاطلاع على بعض الخطابات والأوامر التي كان محمد علي قد أصدرها إلى كبار موظفيه.

•••

ويسير جلالة الفاروق على غرار أبيه العظيم؛ فجلالته لا يُلقي اهتمامه إلى التاريخ فحسب، بل أصبح بحقٍّ راعيَ الحركة العلمية والثقافية في وادي النيل، بل لا يكاد أي مشروع يرمي إلى تقدم مصر يخلو من تعضيد الفاروق ومناصرته، وليس إنشاء جامعة فاروق الأول في الإسكندرية في أثناء حرب عالمية واتجاه النية إلى إنشاء جامعة أخرى في أسيوط بالشيء الهين. والآن وقد انتهت الحرب في القارة الأوروبية، فلسوف يشهد العالم العجب العجاب من آثار نشاط الفاروق — حرسه الله — في السير بوادي النيل في معارج الفلاح في كافة نواحي التقدم والعمران.

ولما كانت مصر الفاروق قد أخذت تتبوأ مكانة ممتازة ليس بين الشعوب العربية الشقيقة فحسب، بل وبين الدول الأوروبية؛ نظرًا لموقعها الجغرافي ومركزها الثقافي — وها هو صوتها يدوي في المؤتمرات الدولية — فقد رأينا واجبًا علينا أن نُخرِج للقُرَّاء هذا الكتاب النفيس عن الجد الأعلى للفاروق، مستعينين بالله تعالى، فمنه الهداية والتوفيق.

المترجمان

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤