الفصل الحادي والأربعون

مَدُّ القضاء الكنسي والقضاء العلماني وجَزْرُهما

بما أن السلطة المدنية كانت قبضة سنيورات لا يُحصيهم عَدٌّ فإنه سَهُل على القضاء الكنسي أن يتسع انتشارًا كل يوم أكثر من قبل، ولكن كما أن القضاء الكنسي أضعف قضاء السنيورات وساعد على تقوية القضاء الملكي، ضَيَّق القضاء الملكي نطاق القضاء الكنسي مقدارًا فمقدارًا، فتقهقر هذا أمام الأول، ولم يَرَ الپرلمان، الذي اكتسب في منهاج محاكماته كل ما كان صالحًا نافعًا في منهاج محاكم الإكليروس، غير سوء استعماله من فوره، ويتقوَّى القضاء الملكي يومًا بعد يوم فيصبح أكثر اقتدارًا، دائمًا، على تقويم سوء الاستعمال هذا، والحق أن سوء الاستعمال هذا كان لا يُحتَمل، وإني، من غير تعداد له، أُحيل على بومانوار١ وبوتيليه ومراسيم ملوكنا، ولا أتكلم منه عن غير ما يَمَسُّ الثروة العامة مباشرة أكثر من سواه، ونعلم سوء الاستعمال هذا من الأحكام التي أصلحته، والجهل الكثيف هو الذي أدى إليه، فأتى نوع من النور وعاد ذلك لا يكون، ويمكن أن يُرى من سكوت الإكليروس انطلاقه أمام الإصلاح، وهذا ما يُحمد عليه نظرًا إلى طبيعة الروح البشرية، وذلك أن الرجل الذي يموت من غير أن يعطي الكنيسة قسمًا من أمواله، وهذا ما كان يُسمى موتًا من غير إيصاء للكنيسة بشيء، كان يُحرَم العشاء الرَّبَّاني والدفن، فكان الواحد إذا مات من غير وصية وجب على أقربائه أن يَظفَروا من الأُسقف بأن يُعَيِّن معهم مُحَكَّمين لتقدير ما كان الميت يعطيه لو وضع وصية وما كان يمكن النوم معًا في الليلة الأولى من الزفاف، ولا في الليلتين التاليتين، من غير اشتراء السماح بذلك، وهذه الليالي الثلاث هي ما كان يجب اختياره، وذلك لأنه ما كان ليدفع كثير مال من أجل الليالي الأخرى، وقد قَوَّم الپرلمان جميع هذا، وتجد في «معجم٢ الحقوق الفرنسية» لِرَاغو حُكمه الذي أصدره ضد أُسقف أميان.٣

وأعود إلى بَدء فَصْلي فأقول إنه إذا ما رُئي في قرن، أو في حكومة، مختلف أركان الدولة يحاولون زيادة سلطانهم ونَيْل بعض المنافع من بعضهم على حساب بعض كان من مخادعة النفس في الغالب عَدُّ محاولاتهم دليلًا ثابتًا على فسادهم، ومن شقاء حال الإنسان ندرة ذوي الاعتدال من عظماء الرجال، وبما أنه أسهل على الإنسان في كل زمان أن يتَّبع قوته من أن يَقِفها، في طبقة أسمى الناس على ما يحتمل، فإن العثور على رجال فضلاء إلى الغاية أسهل من العثور على رجال حكماء إلى الغاية.

والنفس تذوق كثير لذة في السيطرة على النفوس الأخرى، ومن يحبون الخير يبلغون من التحابِّ ما لا يوجد معه شخص يكون على شيء من الشقاء حتى يرتاب من نِيَّاته الصالحة، وفي الحقيقة أن أفعالنا مرتبطة في كثير من الأمور فيكون فعل الخير أسهل ألف مرة من حُسن فعله.

هوامش

(١) انظر إلى بوتيليه، «الحاصل الريفي»، باب ٩، «وأي الأشخاص لا يستطيعون أن يقدموا ادعاء إلى المحكمة العلمانية»، وإلى بومانوار، فصل ١١، صفحة ٥٦، وإلى أنظمة ﻓﻠﻴﭗ أوغوست حول هذا الموضوع، ويعمل نظام ﻓﻠﻴﭗ أوغوست بين الإكليروس والملك والبارونات.
(٢) في كلمة «منفذي الوصية».
(٣) في ١٩ من مارس سنة ١٤٠٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤