الفصل العاشر

بينما كانت بي جالسةً تُحدق إلى الألواح الحجرية لعائلة آشبي في كنيسة كلير، كان برات فارار يقف في الغرفة الخلفية في بيمليكو في حلةٍ جديدة وقد انتابتْه حالة من الذُّعر.

كيف ورَّط نفسه في هذا الأمر؟ فيمَ كان يُفكِّر؟ هو، برات فارار. كيف رأى أن بوسعه المضيَّ قُدمًا في هذا الأمر؟ كيف ارتضى من الأساس أن يُسخِّر نفسه لخطَّةٍ مثل هذه؟

كانت الحلة هي ما صدمته وجعلته يُدرك الواقع. كانت الحلة إثمًا تجسَّد في صورة ملموسة. كانت حلةً رائعة. كانت من النوع الذي طالما حلم بامتلاكه؛ حلة عادية تمامًا، لا تُخطئها العين بمجرد أن تلاحظها: التصميم الإنجليزي الخفي في أبهى صوره. لكنه وقف ينظر إلى نفسه في المرآة في حالةٍ من الهلع.

لم يكن بوسعه أن يفعل ذلك، ذلك كلُّ ما في الأمر. لم يكن بوسعه أن يفعل ذلك فحسب.

كان سيختفي، قبل أن يفوت الأوان.

كان سيعيد هذه الحلة الملعونة إلى مصمم الملابس، ويبعث برسالةٍ إلى تلك السيدة التي عاملته بلطفٍ شديد، ويختفي عن الأنظار فحسب.

قال الصوت الذي بداخله: «ماذا! وتُفوِّت أعظم مغامرةٍ في حياتك؟ أعظم مغامرة حدثت لأي رجلٍ في ذاكرة البشرية؟»

«أغامر بنفسي. ما تلك إلا مَحض أكاذيب.»

لن يُكلفوا أنفسهم عناء البحث عنه. لكن سيُريحهم تمامًا أن يتخلَّصوا من إزعاجه. كان بإمكانه أن يختفيَ من دون أن يترك أثرًا.

قال الصوت: «وتترك ثروةً وراءك؟»

«نعم، وأترك ثروةً ورائي. مَن يريد ثروة على أي حال؟»

كانوا سيَحُوزون خطابه ليُحصِّنهم ضد أي مُضايقات أخرى من جانبه، وكانوا سيدعونه يمضي إلى حال سبيله. كان سيكتب إلى تلك السيدة التي، لِلُطْفها، قبَّلتْه قبل أن تتأكد من هويته، ويقرُّ لها بذنْبه ويعتذر، وينتهي الأمر.

«وتُفوِّت فرصة امتلاك مزرعة خيول؟»

«مَن يريد مزرعة خيول؟ العالم مليء بالخيول.»

«لكن ربما تمتلك بعضًا منها؟»

«ربما أمتلكها يومًا ما. ربما.»

«هيهات.»

«اخرس.»

كان سيكتب إلى لودينج ويُخبره بأنه لن يكون طرَفًا في هذا المُخطَّط الإجرامي.

«وتُضيِّع كل تلك المعلومات؟ وكل ذلك التدريب؟»

«لم يكن ينبغي أن أبدأه.»

«لكنَّك بدأتَه. وأنهيتَه. لقد أُعدِدتَ على أكمل وجه بمعلوماتٍ تزن ثروة. لا يُمكنك أن تُضيِّعَ ذلك بالتأكيد.»

كان لزامًا ألا يكون لودينج واثقًا من نَيلِ ما أراده. كيف خطر له أن يترك نفسه أداةً في يدِ محتالٍ مثل لودينج!

«مُحتال مُسلٍّ وذكي. على أعلى مستوًى من الخداع. لا يُوجَد ما يدعو إلى الخجل، صدقني.»

كان سيذهب إلى وكالة سفريات صباح الغد ويحصل على سريرٍ في سفينة تُغادر البلاد. أي مكانٍ خارج البلاد.

«حسبتك تريد البقاء في إنجلترا؟»

كان سيضع البحرَ بينه وبين هذا الإغواء.

«هل قلتَ إغواء؟ لا تُخبرني أنك لا تزال مُترددًا!»

لم يكن ما تبقَّى معه كافيًا لرسوم السفر إلى أمريكا، لكن كان معه ما يكفي ليأخذه إلى مكانٍ بعيد تمامًا. ربما تَعرِض عليه وكالة السفر مجموعة من الأماكن. العالم رحْب ولا يزال به الكثير من المتعة. بحلول صباح يوم الثلاثاء سيكون خارج إنجلترا، وهذه المرة سيبقى خارجها.

«ولا ترى لاتشتس نهائيًّا؟»

سيجد شيئًا … «ماذا قلت؟»

«قلت: ولا ترى لاتشتس نهائيًّا؟»

حاول أن يفكِّر في إجابة.

«حيَّرْتُك، أليس كذلك؟»

لا بد أن هناك إجابة.

«المال، والخيول، والمتعة، والمغامرة تغييرٌ عاديٌّ. يمكنك أن تحظى بهم في أي مكانٍ في العالم. لكن إذا فوَّتَّ لاتشتس الآن فستضيع عليك إلى الأبد. لن يكون هناك أي مجال للعودة.»

«لكن ما علاقة لاتشتس بي؟»

«أنت منْ تسأل هذا السؤال؟ أنت بوجهك الآشبي، وبِنيتك الآشبية، ومُيولك الآشبية، ولون بشرتك الآشبي، ودماؤك الآشبية.»

«ليس لديَّ أي دليل نهائيًّا على كوني …»

«قلت، ودماؤك الآشبية. عجبًا، أيها اللقيط الصغير المسكين، لاتشتس هي موطنك، ولدَيك جرأة أزلية لتدَّعِي أنك غير مُهتم بها ولو بمثقال ذرة.»

«لم أقُل إنني لستُ مهتمًّا. بالطبع أنا مُهتم.»

«لكنك سترحل عن هذا البلد غدًا، وستترك لاتشتس وراءك؟ إلى الأبد؟ لأن هذا هو نتاج ما ستفعله يا عزيزي. ذاك هو الخيار الذي أمامك. أن تسلك طريقَ مغامرة كبرى وترى لاتشتس صباح يوم الثلاثاء. أو تختفي، وبذلك لن تراها إلى الأبد.»

«لكني لست مُحتالًا! لا يُمكنني أن أرتكب عملًا إجراميًّا.»

«صحيح؟ لقد كنتَ تُمثِّل تمثيلًا بارعًا خلال تلك الأسابيع القليلة الماضية. وكنت مُستمتعًا به أيضًا. تذكَّر كم كنتَ مُستمتعًا بتلك المهمة الخطِرة في تلك الزيارة الأولى إلى ساندال العجوز؟ وكيف استمتعتَ بكلِّ الزيارات الأخرى؟ حتى مع وجود أحد مُستشاري الملك جالسًا في الجهة المقابلة من المنضدة يفعل شيئًا أشبه بتفحُّصك بأشعةٍ سينية في عقله. وأحببت ذلك. كلُّ ما أنت فيه الآن هو مجرد خوف. اضطراب. أنت تريد أن ترى لاتشتس أكثر من أي شيءٍ أردتَه من قبل. تريد أن تعيش في لاتشتس كأحد أفراد عائلة آشبي. تريد الخيول. تريد المغامرة. تريد أن يكون لك حياة في إنجلترا. فلتذهب إلى لاتشتس يوم الثلاثاء وكل ذلك سيصير مِلكًا لك.»

«لكن …»

«لقد أتيت من النصف الآخر من العالم من أجل ذلك اللقاء مع لودينج. أكانت تلك مجرد صدفة؟ بالطبع لا. كل شيء كان مقصودًا. قدَرُك في لاتشتس. قدَرُك أنت. ما وُلدتَ من أجله. قدَرُك. في لاتشتس. أنت أحد أفراد آشبي. لقد جئت من نصف العالم الآخر قاصدًا مكانًا لم تسمع عنه قط من قبل. لا يمكنك أن تُفرِّط في قدَرِك …»

خلع برات حلَّته الجديدة ببطء، وعلَّقها بالنظام الذي تتبِعه دار الأيتام على شماعتها الجديدة الأنيقة. ثم جلس على حافة سريره ودفن وجهَهُ بين يدَيه.

كان لا يزال جالسًا هناك عندما حلَّ الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤