الفصل السابع عشر

في صباح يوم الأربعاء أخذته بي برفقتها لزيارة مُستأجري المزارع الثلاث: فرنش لاند، وآب إيكرز، وويجسيل. قالت بي: «سيكون جيتس هو الأخير؛ لإعلامه فحسب.» كان جيتس الأخير في الأهمية أيضًا؛ إذ كانت ويجسيل أصغرَ المزارع الثلاث. كانت في الأصل المزرعة الرئيسة للاتشتس وتقع خلف منزل القس مباشرة، على المنحدَر الواقع في شمال القرية. كانت المزرعة أصغر من أن تُعيل نفسها، لكن جيتس كان يدير متجرًا للجزارة في القرية (يعمل مرتَين أسبوعيًّا) ولم يكن يعتمد على ما يكسبه من ويجسيل.

سألت بي بينما كانا يستعدَّان ليستقلَّا السيارة: «هل تجيد القيادة يا برات؟»

«نعم، لكني أُفضِّل أن تتولَّي القيادة. فأنت تعرفين» — كان قد قال تقريبًا كلمة «الطريق» ثم تداركها — «السيارة أفضل منِّي.»

«لُطف منكَ أن تُسميَها سيارة. أتوقَّع أنك مُعتاد القيادةَ جهة اليسار.»

«أجل.»

«آسفة أننا اضطُرِرنا إلى ركوب الخنفساء. لا تتعطَّل السيارة منَّا كثيرًا. لقد أخرج جامسون كلَّ ما بداخِلها على أرضية المرأب، ويُجري فحصًا لها في غضبٍ مكظوم.»

«أحبُّ الخنفساء. جئتُ بها من المحطة بالأمس.»

«جئتُ بها بالفعل. يبدو وكأنَّ وقتًا طويلًا قد مرَّ منذ ذلك الحين. هل يبدو هكذا لك؟»

«أجل.» بل بدا وكأن سنواتٍ قد مرت.

سألت بينما كانا يَسيران مُسرعَين عبر الشارع بالسيارة على صوت الخنفساء الذي يُشبه صوت «ماكينة الخياطة»: «هل علمتَ أنَّنا أفلتْنا من صحيفة «كلاريون»؟»

«لا.»

قالت بي، التي كانت تتناول الفطور في الساعة الثامنة: «ألستَ ممَّن يُطالِعون الصحف على الفطور؟»

«لم أعِش قطُّ في مكانٍ تتوفَّر لنا فيه الصحف لنقرأها على الفطور. كنا نُشغِّل الراديو فحسب.»

«أوه يا إلهي، نعم. نسيت أن جيلك ليس مضطرًّا إلى القراءة.»

«كيف أفلتنا؟»

«أنقذَنا ثلاثة أشخاصٍ لم نسمع عنهم قط، ولا يُحتمَل مطلقًا أن نلتقِيَ بهم. الزوجة الرابعة لطبيب أسنان بمانشستر، وزوج سيدة تؤدي دورَ الصبيِّ الرئيسي في عرض البانتومايم، وصاحب صندوق للتخزين من الجلد الأسود.» ضغطت على بوق السيارة ثم انعطفت ببطءٍ إلى اليمين خارج الشارع. «صاحِبُ صندوق التخزين تركه في تشارينج كروس وبداخله ذراعا شخصٍ ما ورجلاه. أو بالطبع ربما تكون لصاحب الصندوق. أتوقَّع أن تشغل هذه القضية صحيفة «كلاريون» في الفترة القادمة. أما زوج السيدة التي تؤدي دور الصبي الرئيسي فيرفع دعوى بتُهمة الخيانة الزوجية، ولم يكلِّف أيٌّ من أطراف القضية الثلاثة المَعنية نفسَه عناء ضبط النفس، وهو شيء رائع لصحيفة «كلاريون». فمنذ أن حُذفت التفاصيل الزائدة من تقارير قضايا الطلاق تُعاني صحيفة «كلاريون» إحباطًا، وقضية خيانةٍ زوجية هي بمثابة هديةٍ من السماء لهم. لا سيما عندما تكون القضية خاصة بتاتي ثاكر.» تأمَّلت بسعادة أجواءَ الصباح. ثم أردفت: «أحبُّ حقًّا أجواءَ الصباح بعد نزول المطر.»

«ألا يزال هناك طرَف مُتبقٍّ؟»

«أي طرف؟»

«الزوجة الرابعة لطبيب أسنان مانشستر.»

«أوه. أجل. لقد استُخرجت جثة تلك البائسة المسكينة من قبر باهظ الثمن ومُتقن الصنع ووُجِدَ أنها مُحمَّلة بالزرنيخ. ووُجِد أن زوجَها مُتغيِّب.»

«وفي رأيكِ أن صحيفة «كلاريون» ستكون منشغلةً بالدرجة التي يستحيل معها أن تشغل نفسها بأمرنا؟»

«أنا واثقة من ذلك. فليس لدَيهم مساحة كتلك المُخصَّصة لما يريدون فِعله مع قضية تاتي. لقد أفردت لها صفحة كاملة في إصدار هذا الصباح. إذا شغلوا أنفسهم بخبر عائلة آشبي كانوا سيطبعون التقرير في فقرةٍ صغيرة أسفل إحدى الصفحات، وكان سيقرؤها خمسة ملايين شخص ولن يستطيعوا أن يُخبروك بعد دقيقتَين بفحوى الخبر. أظن أننا في مأمنٍ تمامًا. أما صحيفة «ويست أوفر تايمز» فستنشر الخبر في واحدة من فقراتها الرصينة المُعتادة صباح هذا اليوم، وسينتهي الأمر.»

ها هي مشكلةٌ أخرى أُزيحت من طريقه. في تلك الأثناء لا بدَّ أن يُعمِلَ ذكاءه أثناء زياراته إلى فرنش لاند وآب أكيرز. فكان من المُفترَض أنه يعرف هؤلاء الناس.

كان القائم على أعمال الزراعة في فرنش لاند رجلًا عجوزًا طويلًا مُتورِّدَ البشرة وأخته الطويلة المُمتقعة الوجه. قال عنها لودينج: «كان الجميع يرتعد خوفًا من الآنسة هاسيل. كان لها وجه كوجه ساحرة، ولسانٌ سليط كالسَّوط. لم تكن تتحدث؛ يكفي أن تعلِّق تعليقًا واحدًا فتجد نفسك مُهانًا.»

قال السيد هاسيل العجوز، مُقبلًا نحو بوابة الحديقة ومتطلعًا إلى الشخص الذي كان برفقة بي: «مرحى، إن هذا لشرفٌ لي. سيد باتريك، سررت بلقائك. أنا في مُنتهى السعادة لرؤيتك.» ثم أخذ يدَ برات في قبضته العجوز المُجعَّدة وأطبق عليها بقبضة يدِه الأخرى. لم يكن هناك أدنى شكٍّ في أنه سعيد برؤية باتريك آشبي مرةً أخرى.

كان من الصعب تبيُّن إن كانت الآنسة هاسيل سعيدةً أم لا. نظرت إلى برات وهي تُصافحه ثم قالت: «هذه سعادة لم تكن على البال.» أُعجب برات باستخدامها الجاف للعبارة التقليدية وملاءمتها الخبيثة للموقف.

قالت، وهي تُنظم الكئوس في صالة الاستقبال الصغيرة المزدحمة: «لا يبدو أن البلاد الأجنبية قد غيرتك كثيرًا.»

قال برات: «تغيرتُ بشكلٍ ما.»

«أتغيرتَ حقًّا؟» لم تكن تنوي إرضاء غروره بالسؤال عن الشكل الذي تغيَّر به.

«لم أعُد أخاف منكِ.»

ضحِك السيد هاسيل العجوز.

«سبقتَني يا ولدي. لا تزال تزرع بداخلي الخوف من الرب. إذا تأخرتُ نصف ساعة عن العودة إلى المنزل من السوق أتسلَّلُ خانعًا إلى الحارة وكأني سارقُ غنَم.»

لم تُعلِّق الآنسة هاسيل بشيء، لكن برات رأى اهتمامًا جديدًا يلمع في عينَيها؛ وكأنها كانت سعيدةً به. وذهبت وأحضرت من المطبخ بعضَ البسكويت الذي كان واضحًا أنها لم تكن تنوي أن تُحضِره قبل ذلك.

شربوا صنفًا من النبيذ يُسمَّى وايت بورت، وتجاذبوا أطراف الحديث عن سلالة دجاج رود آيلاند الأحمر.

في مزرعة آب إيكرز لم يكن هناك سوى السيدة دوكيت ذات الجسد المُمتلئ، وكانت منشغلةً بصُنع الزبد في معمل الألبان في الخلف.

نادت: «ادخل، أيًّا مَن تكون!» فاتجهوا من الباب الأمامي المفتوح نحو الممر البارد المُغطَّى بالقرميد، ودخلوا معمل الألبان البارد.

قالت، وهي تلتفت إليهما: «لا يُمكنني إيقاف هذا. الزبد … يا إلهي، لم أكن أعرف! ظننتُ أنه أحد العابرين فحسب. فالأطفال جميعهم في المدرسة وكاري بالخارج في الحظيرة و… يا إلهي! لم يخطر ببالي!»

أخذت بي مكانها تلقائيًّا عند الممخضة بينما كانت تصافح برات.

قالت السيدة دوكيت الطيبة ذات الجسم المُمتلئ: «حسنًا، حسنًا، أنت آشبي الوسيم الجذاب. أصبحت أكثر شبهًا بالسيد سايمون عما كنت من قبل.»

ظن برات أن بي رفعت بصرَها لأعلى باهتمامٍ عندما قالت ذلك.

«إنه يوم سعيد لنا جميعًا يا آنسة آشبي، أليس كذلك؟ أكاد لا أصدق. قلت لجوي إنني لا أُصدِّق، هكذا قلت. هذا من الأشياء التي تحدُث في الروايات. وفي الأفلام والمسرحيات. لكن ليس من الأشياء التي قد تحدُث لقوم هادئين مِثلنا في مكانٍ هادئ مثل كلير، قلت ذلك. ولكن ها أنت هنا وقد تحقَّق ذلك حقًّا. عزيزي السيد باتريك، سرَّني لقاؤك مرةً أخرى، وأن أراك على خيرِ ما يرام وبأفضل صحة.»

سأل برات مشيرًا إلى الممخضة: «هل لي أن أُجرِّب هذا؟ لم يسبق لي قطُّ أن تعاملتُ مع أيٍّ من تلك الأشياء.»

قالت السيدة دوكيت والدهشة بادية عليها: «لكنك بالطبع تعاملتَ معها! اعتدتَ المجيء خصيصى صباح أيام السبت لتُجرِّبها.»

توقَّف قلب برات لحظة. قال: «حقًّا؟ لقد نسيت.»

كان لودينج قد نصحه بأن يقول دائمًا بصراحة تامة إنه لا يتذكر. فليس لأحد أن يُنكر أنك لا تتذكَّر، لكنهم سينقضُّون عليك بكل تأكيد إذا حاولتَ ادِّعاء أي شيء.

سمِع بي تقول بينما كانت تُفسح له الطريق إلى الممخضة: «ظننتكِ تصنعينه بالكهرباء الآن.»

قالت السيدة دوكيت: «نفعل كل شيءٍ آخر بالكهرباء بالطبع. لكني لا أُصدِّق أنها تُنتج زبدًا جيدًا. ليس له ذلك المذاق البيتي المُميَّز شأنه شأن الذي تشترينَه من سوق إنترناشونال في ويست أوفر. أحيانًا عندما أكون في عجالة من أمري أدير الكهرباء، لكن دائمًا ما أشعر بالندم بعدَها. إنها آلة ميكانيكية بغيضة. ليس فيها أي براعة.»

شربوا شايًا أسودَ ساخنًا وتناولوا كعك السكوني الخفيف الناعم وتناقشوا في تعليم الأطفال.

قالت بي عندما انصرفا مُستقلَّين السيارة: «إن السيدة دوكيت امرأة محبوبة. أظنُّ أنها لا تزال تعتقد في قرارة نفسها أن الكهرباء هي أحد اختراعات الشيطان.»

لكن برات كان مُستغرِقًا في التفكير. لا بدَّ أن يمنع نفسه عن التطوُّع بالتعليق. لم يكن لمسألة الممخضة أي أهمية، لكن ربما كان من السهل للغاية أن تكون أمرًا بالغَ الأهمية. لا بد أن يكون أقل إقدامًا.

قالت بي، في طريقهما للعودة إلى كلير وإلى مزرعة ويجسيل: «بالنسبة إلى يوم الجمعة يا برات.»

قال برات وقد استفاق من استغراقه في التفكير: «ماذا سيحدُث يوم الجمعة؟»

التفتت بي وابتسمت له. وقالت «عيد ميلادك.»

بالطبع. لقد صار الآن صاحبَ عيد الميلاد.

سألته: «هل نسيتَ أنك ستبلغ عامك الحادي والعشرين يوم الجمعة؟»

«لقد نسيتُ تقريبًا.» ولمح نظرتها الجانبية إليه. وبعد وقفةٍ قصيرة قالت: «أظنك قد بلغتَ سنَّ الرشد منذ وقتٍ طويل.» قالت ذلك دون أن تبتسِم، ولم يكن ما قالتْه على سبيل السؤال.

أكملت حديثها قائلة: «بالنسبة إلى يوم الجمعة، أظنُّ أنه نظرًا لتأجيلنا الاحتفالات من أجل العم تشارلز، لن نُقيم حفلًا يوم الجمعة. السيد ساندال سيأتي بالأوراق التي يريد منك توقيعها؛ لهذا سندعوه إلى الغداء، ونجعله مجرد حفلٍ عائلي هادئ.»

أوراق ليُوقِّعها. أجل، كان يعرف أن هناك أوراقًا سيُوقِّعها عاجلًا أو آجلًا. حتى إنه قد تعلَّم أن ينقش الحروف الكبيرة من اسمه بالطريقة التي كان يكتُبها بها باتريك، وذلك بفضل كتاب تدريباتٍ قديم كان لودينج قد اكتشفه وسرقَهُ من منزل القس. وفي النهاية، فإن توقيع ورقة لن يجعلَه أكثرَ حقارةً مما كان عليه في تلك اللحظة. بل سيضعه فحسب في موضعٍ أكثر أمانًا في نظر القانون، مما يجعل الأمر لا رجعةَ فيه.

«أهكذا كنتَ تودُّ أن يكون؟»

«أي شيء؟ آه، حفل عيد الميلاد. أجل، بالطبع. لا أريد حفلًا. لا أريد احتفالًا إذا كان ذلك ضروريًّا. ألا يُمكننا أن نعتبِرَ بلوغ سن الرشد أمرًا عاديًّا؟»

«لا أظنُّ أن أهل المنطقة سيسعدون كثيرًا إذا فعلنا ذلك. فهم جميعًا يتطلَّعون إلى أي حفلٍ بشكلٍ أو بآخر. أرى أن علينا أن نُقيم لهم حفلًا. حتى بطاقات الدعوة جاهزة. فقط عدَّلت التاريخ ليُصبح بعد أسبوعين من وصول تشارلز. فمن المنتظر أن يصل في غضون ثلاثة وعشرين يومًا تقريبًا. لهذا ينبغي عليك أن «تتحمَّل» الأمر، كما اعتادت المُربية القديمة أن تقول.»

أجل، كان عليه أن يتحمَّل الأمر. على أي حال، كان بإمكانه أن يستريحَ الآن ويسترخيَ قليلًا. فلم يكن من المُفترض أنه يعرف عائلة جيتس.

كانا في طريق عودتهما إلى القرية الآن؛ فكانت الأسْيِجَةُ البيضاء للإسطبلات الجنوبية على يسارهما. كان صباحًا نديًّا ومشرقًا، لكن كان له بريق مقلق لا يبعث على الراحة. كانت السماء لامعة، والضوء يُحيط به لونٌ فضي.

عندما اجتازا المدخل المؤدِّي إلى منزل القس قالت بي: «جاء أليك لودينج لقضاء عطلة نهاية الأسبوع من وقتٍ ليس بعيدًا.»

«حقًّا؟ فيمَ يعمل الآن؟»

«لا يزال يؤدي أدوارًا مُبتذلة في روايات مسرحية كوميدية ومسرحيات هزلية صغيرة مريعة. جميعها على نفس النمط: أربع شخصيات، خمسة أبواب، وسرير واحد. لم أره، لكن نانسي قالت إنه قد تحسَّن.»

«بأي شكلٍ تحسَّن؟»

«صار أكثر اهتمامًا بالآخرين. أكثر عطفًا. بل إنه بذل مجهودًا أكبرَ حتى يتآلف مع جورج. ظنَّت نانسي أن السنَّ قد بدأ يُحدِث أثره. كان سعيدًا تمامًا بالجلوس ساعاتٍ بصحبة كتابٍ في مكتب جورج عندما كان جورج بالخارج. وعند حضور جورج كانا يتسامران بسعادةٍ بالغة. وسُرَّت نانسي لذلك. كانت دائمًا مُغرمة بأليك، لكنها اعتادت أن تشعر بالقلق من زياراته. كان الريف يُصيبه بالملَل وكان جورج يُصيبه بمللٍ أكبر، ولم يُكلِّف نفسه أبدًا عناء إخفاء ذلك الشعور. لهذا كان التغيير مُستحسنًا.»

عند منتصف الطريق عبْر القرية انعطفا إلى الحارة المؤدِّية إلى ويجسيل.

سألت بي: «لا تتذكَّر إيمي فيدلر، أليس كذلك؟ لقد نشأت في مزرعة ويجسيل، وتزوَّجت من جيتس عندما امتلك مزرعةً على الجهة الأخرى من بيورز. وعندما تُوفي والدُها، استعان جيتس بوكيل لإدارة مزرعته واستحوذ على ويجسيل. وبالطبع على متجر الجزارة. لهذا فهم ميسورو الحال. لم يستطِعِ الصبيُّ أن يتحمَّل والده، وحصل لنفسه على وظيفةٍ في مكانٍ ما بميدلاندز في مجال الهندسة. لكن الفتاة تعيش بالمنزل، وهي قُرة عين أبيها. التحقت الفتاة بمدرسة داخلية غالية، حيث تُعرف باسم مارجوت حسب علمي. أما اسمها فهو بيجي.»

انطلقا إلى مدخل المزرعة ثم توقَّفا على الأحجار المستديرة الصغيرة القديمة للفناء. اندفع نحوهما كلبان في عنفوان جامح، ينبَحان معلنَين قدومهما.

قالت بي التي كانت كلابها مُدرَّبة جيدًا مثل خيولها: «أتمنَّى حقًّا لو أن جيتس يُدرِّب كلبَيه.»

جاء صوت النباح العالي بالسيدة جيتس إلى الباب الأمامي. كانت امرأةً صغيرة الحجم شاحبة الوجه وهادئةً للغاية، تُوحي ملامحها بأنها كانت ولا بد آيةً في الجمال ذات يوم.

نادت بلا جدوى: «جلين! جوي! اهدآ!» ثم تقدَّمت إلى الأمام لتُرحِّب بهما. لكن قبل أن تصِل إليهما كان جيتس قد اقترب كثيرًا من المنزل، وببضع خطواتٍ واسعة كان قد سبقها. غرقت سعادتها بقدومهما، التي كانت أصدق، وسط صخب ترحيبه المُبالَغ فيه، فوقفت تبتسِم إلى برات بلطفٍ بينما كان زوجُها يصدح عاليًا مُعبِّرًا عن سعادتهما لرؤية باتريك آشبي على عتبة بابهما مرةً أخرى.

كان جيتس رجلًا ضخمًا فظًّا، لكن برات افترض أنه ذات يومٍ كان يتمتع بحيوية وثقة الشباب اللتَين تجتذِبان الفتيات الجميلات الرقيقات من أمثال إيمي فيدلر.

قال لبرات: «أخبَروني بأنك كنتَ تجني ثروةً من الخيول هناك.»

أجاب برات: «كنتُ أتكسَّب عيشي منها.»

بدأ يقودهما عبر الطريق إلى الجهة الخلفية من المنزل: «تعالَيَا لتُشاهدا ما يحتوي عليه الإسطبل الخاص بي.»

اعترضت زوجته قائلة: «لكن يا هاري، لا بد أن يدخُلا ويجلِسا قليلًا.»

«سيجلسان بعد قليل. سيُفضِّلان كثيرًا رؤيةَ خيلٍ أصيل على تفاهاتك تلك. تعالَ يا باتريك. تعالَي يا آنسة آشبي.» ثم صاح عاليًا وهم يسيرون عبر الفناء. «ألفريد! أحضر للآنسة آشبي ذلك الحصان الجديد حتى تراه.»

وجدت السيدة جيتس نفسها وهي تسير خلفهم أنها تسير جنبًا إلى جنب مع برات. قالت بهدوء: «أنا سعيدة للغاية بما حدث. سعيدة للغاية بعودتك. أتذكَّرك عندما كنت صغيرًا؛ عندما كنتُ أعيش هنا أيام والدي. لم أُغرَم قطُّ بصبيٍّ صغير، باستثناء ابني، مثلما كنتُ مغرمة بك.»

«الآن يا سيد باتريك، ألقِ نظرةً على هذا الخيل هنا، ألقِ نظرةً على هذا! أخبرني إذا كان لا يُمتِّع عينيك.»

مرَّر جيتس إحدى ذراعَيه الكبيرتَين على باب الإسطبل حيث كان ألفريد يقود خيلًا بُنيًّا إلى الخارج بدا على نحوٍ غريب في غير محلِّه في فناء المزرعة الصغير، بل وفي منطقةٍ حيث كان كل مُزارعٍ صغير يحتفظ بدابة تحملِه عبر البلدة في الشتاء. وكان الخيلُ البنيُّ استثنائيًّا بلا شك.

«ها هو! ما رأيك في ذلك، ها؟ ما رأيك في ذلك؟»

قالت بي بعد أن ألقت نظرة: «لكن ذلك بالتأكيد هو الحصان الذي فاز به ديك بوب بسباق القفز في «باث شو» العام الماضي.»

قال جيتس بلا مبالاة: «هو بعينه. ولم يفُز في سباق القفز فحسب. بل فاز بكأس أفضل حصان في العرض. لقد كلفَني مبلغًا وقدرُه، لكن بوسعي تحمُّل ثمنِه ولا شيء يغلو على ابنتي. أوه نسيت! لقد اشتريتُه من أجل بيجي. فلن يقوى ذلك الحصان على حملي.» ثم أطلق ضحكةً صاخبة مفاجئة، أو على الأقل ظنَّ برات أنها كانت ضحكة. «لكنَّ ابنتي الآن خفيفةٌ خِفَّةَ الريشة في السَّرج. لست بحاجة لأن أخبرك بذلك يا آنسة آشبي؛ لقد رأيتِها. لا أحدَ في البلدة يستحق حصانًا أصيلًا كهذا أكثرَ من ابنتي بيجي، ولا أستخسر المال فيه.»

قالت بي بحماسة في صوتها أدهشت برات: «لقد حصلت على حصانٍ أصيل بالتأكيد.» نظر إليها وتساءل لمَ تبدو بهذه السعادة. فقد كان هذا الحصان البُني، في النهاية، خصمًا محتملًا لتيمبر، ولجميع خيول لاتشتس.

«لست في حاجة لأن أخبركما بأنني حصلتُ على شهادة من الطبيب البيطري معه. أنا لا أشتري سمكًا في الماء.»

«هل ستشارك بيجي في العرض هذا العام؟»

«بالطبع ستشارك، بالطبع ستشارك. لِمَ اشتريتُه إذن إن لم تشارك في العرض؟»

بدا وجه بي سعيدًا تمامًا. قالت: «كم هو لطيف!» وبدت البهجةُ في صوتها.

قالت بيجي جيتس عند ظهورها إلى جانب برات: «هل أعجبكِ يا آنسة آشبي؟»

كانت بيجي رائعة الجمال. جمعت ملامحها بين ألوان الوردي والأبيض والذهبي. فكَّر برات أنه لو أمكن أن يدمج الآنسة بارسلو وإلينور معًا فمِن المُرجَّح أن تُصبح النتيجة هي بيجي جيتس. تقبَّلت تقديمها إلى برات بهدوء، لكنها نجحَتْ في أن تُعطيَ انطباعًا بأن من دواعي سرورها الشخصي عودةَ باتريك مرة أُخرى. استقرَّت يدُها الصغيرة في يده بضغطة رقيقة اتسمت بالحميمية أكثرَ مما اتسمت بالود. فصافحها برات بحرارةٍ وقاوم رغبةً في مسح راحة يدِه في فخذه.

تقبَّلت تهاني بي على اقتنائها ذلك الحصان، مما أفسح المجال لفاصلٍ زمنيٍّ لطيف آخر لمزيدٍ من التأمُّل فيه، ثم باستعراضٍ لمهارتها الاجتماعية كان جديرًا بالإعجاب، نقلت العائلة بأكملها من الفناء إلى صالون المنزل. كان يُطلَق عليه الصالون، وكان أثاثه موحيًا بذلك، لكن بي التي تذكَّرت أنه كان من قبلُ صالة استقبال السيدة فيدلر، ارتأت أنَّ الألوان المائية وورق الحائط المنقوش بنباتات اللوستارية كان بديلًا رديئًا عن الأباريق اللامعة والمنقوشات المؤطَّرة التي كانت موجودة في زمن السيدة فيدلر.

شربوا نبيذ الماديرا الرائع المذاق وتحدثوا عن عرض بيورز آجريكالتشرال.

وعادا بالسيارة إلى المنزل ولم تزل بي تبدو وكأنَّ أحدًا قد ترك لها ثروة. لمحت نظرة برات المتأمِّلة إليها ثم قالت: «ماذا؟»

قال: «تبدين كقطةٍ أُعطيت قطعةً من القشدة.»

رمقته بنظرةٍ جانبية مُتندِّرة. ثم قالت: «قشدة وسمكة وكبدة» لكنها لم تُخبره بتفسير ذلك.

قالت: «عندما تنقضي ضجة يوم الجمعة يا برات، لا بدَّ أن تذهب إلى المدينة وتشتريَ لنفسك مجموعةً كاملة من الملابس. سيستغرق والترز أسابيعَ ليحيك ملابس السهرة الخاصة بك، وستحتاج إليها لحضور الاحتفال عندما يصِل العم تشارلز إلى المنزل.»

سأل وقد انتابَهُ التردُّد والحيرة لأول مرة: «ماذا سأشتري؟»

«سأترك الأمر لوالترز لو كنت مكانك.»

قال برات: «ملابس لشابٍّ إنجليزيٍّ وسيم.»

رمقتْهُ بي بنظرةٍ جانبية مرة أخرى، متفاجئة من النبرة الجديدة في صوته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤