الفصل السادس

هجوم في أعالي البحار

رفع السيد المدير فراونينجشيلد بيده نسخةَ صحيفة «سِفير»، وحدَّق بجبين مضطرب في هذا الدليل القاطع على التاريخ.

وقال أخيرًا: «نعم، لقد كان في إنجلترا بعد رحيلنا بأسبوع، ويجب أن يكون قد جاء مباشرةً إلى هذه البقعة، وتجاوَزَنا في مكانٍ ما على الطريق؛ أثناء الليل، على الأرجح.»

كان القبطان واقفًا الآن، وقبضتاه مضمومتان.

استفسر المدير: «ماذا تَقترح أن تفعل؟»

«أود أن أعرف أولًا ما إذا كنا هنا بوصفنا ضيوفه أم سُجَناءه. لقد كُنا حمقى لقبولنا دعوته دون أن نمنح أنفسنا الوقت للتفكير والتشاور.»

«لكن، اللعنة، أيها القبطان، لقد ظهر أمامنا بشكلٍ غيرِ متوقَّع لدرجةِ أنه لم يكن هناك وقت للتخطيط، أو حتى للشك. وبدا أنه يتحدَّث بأمانة وصراحة، وكان توضيحه جاهزًا جدًّا لدرجةِ أنني منذ لحظةٍ كنت أعتقد أنه كان مجرَّد سائح بريء، له أذواق غريبة، والمال اللازم لإرضاء هذه الأذواق؛ هوس بإطلاق النار على الطرائد الكبيرة، مثل الكثير من المُنتمين للطبقة العليا، وبالطبع، هذا النوع من الرجال يتجوَّلون في جميع أنحاء العالم. وتُقابلهم في كل مكان: أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وآسيا. بالطبع وضَعنا هنا على متن سفينتِه، ويُمكنه الانطلاق بسرعة مارًّا بسفينتك، ومُستوطنتي، بعد أن يقذفنا نحن الاثنين في المخزن، بلا حول لنا ولا قوة، تمامًا مثلما حجزتُ المهندس الاسكتلندي في الباخرة «راجا» في ساوثهامبتون. يا إلهي، لا يجب أن أتعجَّب، ولكن هذا ما يدور في ذهنه: إنه يُقلِّد ما فعلتُه. لن يكون لدينا أيُّ فرصة للدفاع عن النفس مع وجود هذا العدد الكبير من الرجال على متن القارب، ولن يكون بإمكان زورقنا البخاري رؤيته إذا كان هذا القارب مزوَّدًا بمحركاتٍ توربينية. لقد انفجرت الألغام والطريق خالٍ.»

«ألا تَعتقِد أن رجالك سيطلقون عليه الرَّصاص وهو يمر بهم؟»

«بلى، إلا إذا كنتُ هناك لآمرَهم بذلك. لم أُكلِّف أحدًا بتولي الأمور. أتساءل ما الذي يفعله كل هذا الوقت بالأسفل؟ إذا كنا ضيوفه، ينبغي أن يكون هنا لتقديم واجب الضيافة.»

قال القبطان بحزن: «ربما يُعطي أوامره. نحن محاصرون يا ولدي. لن يتركنا كل هذا الوقت للتشاور معًا ما لم يكن واثقًا منا.»

«لماذا لم يأتِ الضابط من الزورق؟»

«أخبرته أن يبقى هناك إلى أن أتصل به. كما ترى، كانت لديَّ شُكوكي تجاه هذا الرجل منذ البداية. إذا حاول وضع يده علينا، سأصيح للضابط ليقطعها.»

احتجَّ المدير قائلًا: «وما فائدة ذلك؟» وتابع: «القارب ذو المحرِّك يُمكن أن يلحق بزورقنا حتى لو كان في منتصَف الطريق إلى المخيم.»

قال القبطان، عندما ظهر سترانلي، مُتأنِّقًا ومبتسمًا، على رأس الدَّرج: «آه، ها هو ذا يأتي.» وتابع: «سأحسم مسألة ما إذا كنا سجناء أم لا في غضون ثانيتين.»

قال سترانلي وهو يتَّجه نحوهما: «آمل أن تَعذُراني، لكنكما أول ضيوف يسعدني استقبالهم على متن القارب منذ أن غادرت إنجلترا، وأتمنَّى أن أبذل قصارى جهدي؛ لذلك سمحتُ لنفسي بإعطاء طلبات خاصة لوجبة الغداء، وسوف يرن الجرس، كما أخبروني، في غضون ربع ساعة تقريبًا.»

أجاب القبطان: «أنا آسف للغاية، سيد سترانلي، لكنَّني قلقٌ بعض الشيء بشأن سفينتي؛ لذلك طلبت من الضابط البقاء في زورقنا، ويجب أن أطلب منك أن تعذرني. فأنا لا أستطيع البقاء لتناول الغداء.»

قال سترانلي: «يا إلهي، أنا آسف.» وتابع: «لماذا؟ ما الضرر الذي يُمكن أن يلحق بالباخرة الخاصة بك؟»

«حسنًا، لقد رأيت جذوع الأشجار المتراكمة لا تزال قريبة جدًّا من حافة النهر، وأخشى أنها لو سقطت أيضًا، ووقعت علينا بالطول، فقد تُسبِّب بعض الأضرار في الباخرة «راجا».»

طمأنه سترانلي قائلًا: «أخبرني رجالي أنه لا يوجد أيُّ خطر من سقوط المزيد من جذوع الأشجار في النهر. ومع ذلك، فهم حَمقى لدرجةِ أنهم قد يكونون مخطئين، وأنا أُشاركُك قلقك وأتعاطف معك. بالمناسبة، هل أتلف أيٌّ من جذوع الأشجار الأخرى قاربك؟»

«لا أعرف حتى الآن. بالتأكيد اصطدم ببعضها.»

«إذن، أيها القبطان، يجب أن تدعني أدفع ثمن أي ضرر حدث؛ نعم، وأن أدفع أكثر مما ينبغي؛ لأنني، بعد كل شيء، المسئول عما حدث. بالطبع، كما ترى، عندما أتينا إلى النهر، لم يكن هناك سفن، ولم يكن هناك أي دلالة على وجود أي مُستوطَنة. ومع ذلك، هذا لا يُعفيني من عدم توقُّع حدوث ذلك. إذا اصطدمَت الأخشاب بالباخرة، فهل من المُحتمَل أن يكون الضرر خطيرًا؟»

أجاب ربَّان الباخرة «راجا»: «بالطبع، لا أستطيع أن أقول ذلك دون فحص.»

«حسنًا، أيها القبطان، نحن نَنتمي لعرقٍ مُقامر. سأمنحك هنا ١٠٠ جنيه ذهب، سواء ربحت أو خسرت. إذا كان الضرر ١٠٠٠ جنيه، حينها تكون قد خسرت. إذا لم يكن هناك ضرر على الإطلاق، ربما تكون قد ربحت ١٠٠ جنيه. هيا أيها القبطان، ما رأيك؟»

«إذا لم يحدث أيُّ ضرر يا سيد سترانلي، فأنا لا أريد منك أي أموال. وحتى في حالة إصابة الباخرة بضرر، لست متأكدًا من أحقيتي في مطالبتك بالمال. فبعد كل شيء، كانت المسألة مجرد مصادفة.»

«هل ستكون راضيًا بالتنازل عن حقك مقابل ١٠٠ جنيه، نقدًا وعدًّا؟»

«سأكون راضيًا تمامًا إذا أعفيتني من حضور مأدبة الغداء، وسمحت لي بالعودة إلى سفينتي.»

«أوه، بالتأكيد، لكنِّي أود منك أن تأخذ المال. ألا يُمكنك أن ترسل الضابط وتأمُرَه بالعودة وإبلاغك بما يحدث؟ إنه لأمرٌ مُؤسِف أن تفوتك وجبة، كما تعلم.»

«سأشعر بالأمان أكثر إذا ذهبت بنفسي.»

«نعم، أعرف بالضبط مدى القلق الذي لا بدَّ أن تشعر به، وسأفعل نفس الشيء لو كنت مكانك. حسنًا، أيها القبطان، النقطة الوحيدة بيننا هي ١٠٠ جنيه أم لا. كي أكون صريحًا، لن أعترض على دفع تعويض كامل لأصحاب الباخرة عما فعلته. ومع ذلك، أتخيَّل أن سفينةً متينة جدًّا مثل سفينتك لم يلحق بها أيُّ ضرر. فمُقدِّمتها تقع باتجاه منبع النهر، والتيار ليس قويًّا هناك كما هو هنا. أعتقد أن الأخشاب إذا ما اصطدَمت بالسفينة بأيِّ حال من الأحوال، فستنطلق بعيدًا، ولن تجرف سوى القليل من الطلاء؛ ولكن إذا كان عليك الذهاب، فسوف أصرُّ أن تأخذ المائة جنيه.»

قال المدير، وهو ينظر إليه بابتسامة: «خذ المال، أيها القبطان.» كان من الواضح أن مخاوفه قد تمَّ التغلُّب عليها مرةً أخرى، ولكن لم يكن من السهل إقناع القبطان.

قال: «حسنًا»، متطلعًا إلى إنهاء الموقف ومعرفة ما إذا كان سيدعه يذهب أم لا.

تابع سترانلي، موجهًا كلامه للمدير: «والآن، سيد فراونينجشيلد، دعنا نَحسم جميع شئوننا المالية قبل الغداء، حتى نتمتَّع بوجبتنا دون التفكير في النزعة التجارية داخلنا. لقد رأيت الضررَ الذي سبَّبتُه في غابتك، مُعتقدًا أنها كانت مُمتلكاتي طوال الوقت. بالطبع، إذا كنت تعمل من أجل نفسك وحدك، فأنا متأكد من أنني أستطيع إجراء صفقة سهلة للغاية معك، لكنك مسئول عن رعاية هذه الأراضي لصالح النقابة الأوروبية التي تحدَّثت عنها، ومن ثم، نيابةً عنها، يجب أن تكون عادلًا وليس كريمًا. بكم تُقدِّر أعمال التدمير التي قمتُ بها وفقًا للعملة المحلية؟ أعلم أنه سيُكلفُني مبلغًا كبيرًا من المال إذا ارتكبت مثل هذا التعدِّي الذي لا يُغتفَر في إنجلترا.»

«كم عدد الأشجار التي قطعتَها يا سيد سترانلي؟»

«أوه، الرب أعلم! عشرون، ثلاثون، أربعون، خمسون، ستون، أو ربما مائة. يُمكن بسهولة اكتشاف ذلك. سنرسل رجلًا بالقارب ذي المحرِّك لعدِّ جذوع الشجر المقطوعة.»

«أوه، الأمر لا يستحق. هل تَرضى بالتنازل عن ١٠٠ جنيه أخرى؟»

«بالتأكيد؛ وبهذا تكون قد خفَّفتَ عليَّ العقوبة بثَمنٍ بخس، سيد فراونينجشيلد. فقط اعذرني لحظة حتى أحصل على المال»، ومرة أخرى اختفى بالأسفل.

لكن كل هذا لم يُغيِّر مخاوف القبطان على الإطلاق.

وقال: «لقد ذهب لإعطاء الإشارة.»

«حسنًا، كما تعلم، أيها القبطان، أنا أحترمك جدًّا، لكن لا يُمكنني تصديقُ أنه من المُمكن عدم الوثوق في هذا الشاب. قد يكون أحمق، لكنه رجل نبيل. لا أعتقد أنه سيدعو ثلاثة رجال إلى وليمةٍ ثم يسجنُهم. الآن، أنا لستُ أحمق، لكنني لست رجلًا نبيلًا كذلك، ولو كان لدي عدو تحت سلطتي، لأنهيتُ الأمر في دقيقة، ومع هذا فأنا مُتأكِّد من أنه لن يفعل ذلك. ستراه يأتي بالمال، وستفوت وجبة رائعة بالذهاب إلى الباخرة «راجا».»

«أنا على استعداد لتفويت الوجبة، إذا تمكَّنتُ من الصعود على متن سفينتي. سأستدير بها وأتَّجه نحو المحيط في غضون ساعة. وأنت توقَّف هنا بقدْر ما تستطيع؛ طوال فترة بعد الظهر، إن أمكن، وامنح الباخرة «راجا» فرصةً للابتعاد عن الأنظار قبل أن يتبعها هذا الرجل.»

«لكن بإمكانه اللَّحاق بك بسهولة. ومع ذلك، ماذا يُمكنه أن يفعل إذا لحق بك؟ أنت بالتأكيد لا تتوقَّع منه أن يستولي على سفينتك؟»

«لا أعرف ما أتوقَّعه، لكنِّي أخاف منه. أعتقد أنه قادر تمامًا على ملاحقتي في البحر، والاستيلاء على الباخرة «راجا».»

«هراء، سيكون ذلك بمثابة قرصنة دنيئة. وسيؤدي هذا إلى الشنق. لن يُفيدَه إغراقك، وماذا سيفعل بالباخرة «راجا» إذا استولى عليها؟ هناك الكثير من الشهود على متن الباخرة. لن يجرؤ على الإبحار إلى أي ميناء في العالم. ومِن ثم ليس هناك أدنى خطر من ذلك. إنه ليس قرصانًا. لقد ولَّت أيام القرصنة. قد يكون أحمق، لكنه ليس بالأحمق الذي يجرِّب خدعة من هذا القبيل.»

«هل يمكنك التوقُّف هنا وإعطائي فرصةً للهروب؟»

«عن طيب خاطر.»

«حسنًا، إذا حدث وابتعدت عن الأنظار، فمن المرجَّح جدًّا أنه لن يتمكَّن من اللَّحاق بي قبل أن أكون في نهر تاجوس.»

عاد سترانلي مع بعض لفاتٍ الذهب المغلَّفة بالورق، وقسَّمها بالتساوي بين القبطان وفراونينجشيلد. لم يستطِع الأخير مقاومة إغراء طرح سؤال.

«كنت أنظر إلى هذه الصحيفة المصورة، ولاحظت أن تاريخها حديث جدًّا. لا بد أنك قمت برحلة سريعة من إنجلترا، سيد سترانلي.»

للحظةٍ كادوا أن يتمكنوا من الشاب، لكنه لم يسمح أن تُغيِّر معرفةُ ذلك الأمر تعبير وجهه الهادئ. أخذ الجريدة في يده ونظر في التاريخ.

«نعم، يفعلون هذه الأشياء بسرعةٍ في الوقت الحاضر، ولكن ربما ليس بالسرعة التي قد يتصوَّرها شخصٌ غيرُ مُعتاد على الصحافة. أعتقد أن الصحف الأسبوعية المصورة تؤرَّخ في وقتٍ ما في المستقبل، وقد قيل لي إنهم يُرسلون إصداراتهم الأجنبية سلفًا قدْر الإمكان. هذه، الآن، يُمكن أن تكون قد أتت من لندن، عبر باريس إلى لشبونة، ووصلَت إلى تلك المدينة على الأرجح قبل عدة أيام من التاريخ المذكور على الغلاف. يجب أن أسأل الطبيب من أين اشترى هذه النسخة، سواء في لشبونة أو تينيريفي.»

وألقى صحيفة «سِفير» على الطاولة بلا مبالاة كما لو أن الأمر، بعد كل شيء، لم يكن مهمًّا، وحتى فراونينجشيلد، الذي كان يُراقبه مثل محقِّق قادم من رواية، لم يُميِّز أي تردد في صوته، ولم يلمح أي نظرة انزعاج في عينيه.

قال القبطان، الذي لم يكن ناجحًا بنفس القدر في إبعاد نبرة القلق عن كلماته: «حسنًا، سيد سترانلي، أنا مُمتنٌّ جدًّا لدعوتك، على الرغم من أنني لا أستطيع الاستفادة منها؛ لذلك يجب عليَّ أن أودِّعك.»

«أوه، أنت لم تَرحل بعد، أيها القبطان»، قال سترانلي بضحكةٍ طفيفة، وقفز القبطان من مكانه إثر المفاجأة ناصبًا قامته. مشى سترانلي إلى رأس الدَّرج المتَّجه لأسفل، وقال:

«هل يُمكن أن تسرع قدْر الإمكان بالأسفل؟»

وبمجرد أن أدار ظهره لهم، أمسك القبطان بمِعصم فراونينجشيلد.

وهمس: «إنه يلعب معي مثل قطة تلعب بفأر.»

أجاب الآخر: «هراء.» «لقد تلفَت أعصابك. إنه شفَّاف مثل الزجاج.»

استدار سترانلي، يتبعه هذه المرة مُضيفٌ يحمل سلة كبيرة،

وقال: «لا أحب أن أفكِّر في أنك ستُفوِّت غداءك، أيها القبطان؛ لذا جعلتهم يُحضرون سلةً لك وللضابط في طريقك إلى الباخرة «راجا». يوجد في السلة العديد من زجاجات الشمبانيا التي أعتقد أنها ستُعجبُك، وستعجب أيَّ أحدٍ خبير في الخمر الجيد، وهناك أيضًا علبة من السيجار. إذا لم تُثِر هذه السجائر إعجابك الشديد، فسوف أصرُّ على أن تمنحني علبةً أفضل في المرة القادمة التي نلتقي فيها. لذا وداعًا أيها القبطان وحظًّا موفقًا. أتمنى أن تُبحر في أعالي البحار برخاء وأمان. آمل أن ألتقي بك مرة أخرى عندما لا تكون في عجلة من أمرك.»

وُضعت سلةٌ وسَبَت في الزورق، ولوَّح سترانلي بيده للقبطان والضابط بينما كان قاربهم ينطلق بسرعة باتجاه التيار نحو معسكر التعدين.

أخيرًا رن الجرس.

قال الشاب، عائدًا من أحد الأركان: «حسنًا، سيد فراونينجشيلد، إذا كنتَ جائعًا مثلي، فستستمتع بهذه الوجبة. هيا بنا.»

استمتع المدير بالوجبة، واستغرقا وقتًا طويلًا في تناولها، وبعد انتهائها صعدا على سطح السفينة للاستمتاع بالقهوة، والمشروبات الكحولية، والسيجار. وقع المدير تحت سحر محادثة الشاب، وبدأ في مراجعةِ تقديره الأول بأن مُضيفه كان أحمق. كان قد شرب قليلًا من الخمر المتوافر بكثرة، ولكن مع شعور الرضا الذي سبَّبه، ضحِك بهدوء لنفسه بين الحين والآخر على مخاوف القبطان التي لا أساس لها، والتي تسبَّبت في هروبه من هذه الوجبة الممتازة.

«إذا كان هذا سيجارًا من صندوقٍ مماثل للصندوق الذي أعطيته للقبطان، فيجب تهنئة الرجل العجوز.»

«نعم إنه كذلك. بالطبع، سيصل القبطان للأماكن المدنية قبل أن تفعل بوقت طويل، ومن ثمَّ يمكنه أن يوفِّر لنفسه أي نوع من السجائر التي يحبها لكنك، في هذا المكان البعيد عن العالم، لست محظوظًا جدًّا؛ لذلك يجب أن أتوسَّل إليك لقبول ست علبٍ من السجائر تخليدًا لذكرى الوقت الممتع الذي قضيته برفقتك.»

«يا إلهي سيد سترانلي، أنا ممتنٌّ جدًّا لك، ويُمكنني إخبارك على الفور أنني لن أرفض. فالمرء لا يحصل على هدية مثل هذه كلَّ عام من حياته، للأسف.»

«إذن لزيادة المعدل، سيد فراونينجشيلد، يجب أن تسمح لي بإضافة بضعة صناديق من الشمبانيا لدينا.»

«حقًّا، أنت لطيف للغاية. لا أعرف كيف أشكرك.»

«لا تَقُل ذلك، أتوسَّل إليك.»

اقترب أحد المضيفين وقدَّم إلى سترانلي مظروفًا مختومًا، فتحه بعد أن استأذن ضيفه قائلًا:

«أُعطي جميع أوامري كتابيًّا، حتى لا يكون هناك خطأ، ونادرًا ما أتلقى تقاريرَ شفهية من أي شخص.»

قال فراونينجشيلد: «فكرة جيدة.»

«نعم، فذلك يمنع النزاعات بعد ذلك.»

قرأ لنفسه الكلمات المكتوبة بقلم رصاص التي أرسلها مسئول التلغراف الذي قام بتدوين رسالة لاسلكية من على قمة التل.

«الباخرة «راجا» تَستدير، ومن الواضح أنها على وشك الرحيل.»

كتب سترانلي بقلم رصاص على ظهر الرسالة الكلمات التالية إلى ماكيلر.

أبلغ مرةً أخرى إذا كانت الباخرة «راجا» قد أبحرت بالفعل؛ ثم خذ معك أي شيء لا تُريد أن تتركه، وانزل إلى الماء. سيكون القارب ذو المحرك في انتظارك. اصعد على متن المركب من عند المقدمة، وابتعد عن الأنظار على الفور في العنبر الأمامي؛ لأن الرجل الذي ركلك إلى المخزن يجلس معي بالخلف، ولا أريده أن يتعرَّف عليك.

بإعطاء هذا للمُضيف المنتظر، استأنف سترانلي المحادثة مع ضيفه، الذي لم يُظهر أيَّ رغبة في المغادَرة. بعد فترة وجيزة جاءت الرسالة الثانية: «لقد أبحرت الباخرة «راجا». أرسل القارب ذا المحرك الآن.»

قام سترانلي بطي الورقة، وسلَّمها للمضيف.

وقال: «أعطها للقبطان»، وبعد بضع دقائق سمع صوت خرخرة القارب ذي المحرك وهو يغادر السفينة. أثار الصوت فراونينجشيلد.

وسأل: «هل تُرسل القارب بعيدًا؟ أخشى أن أضطر إلى الاعتماد عليك في توصيلي إلى المخيم لأن زورقنا البخاري لم يَعُد.»

أجاب سترانلي بسهولة: «أوه، لا تقلق.» وتابع موضحًا: «القارب لن يذهب بعيدًا؛ فقط ذهب ليُحضِر اثنين من رجالي كانا يُنقِّبان في التلال. في الواقع، هذه هي نهاية انتهاكي لممتلكات الغير؛ لأنه لا فائدة من تحديقي في أرضٍ تمَّ وعد شخص آخر بها. وبالنسبة للقارب ذي المحرك، والوصول إلى المخيم، يُمكنني أن آخذك إلى هناك بشكلٍ مريح أكثر من ذلك القارب الصغير. كما ترى، لا يوجد شيءٌ آخر ليبقيني هنا، كما قلت، ما لم أتمكَّن من التوصل إلى اتفاق مع نقابتك، ومن المحتمل جدًّا ألا يُناسبَني ذلك؛ لأن رخص ثَمن الأرض كان أحد أهدافي في المجيء إلى هنا. إذا كانت نقابتك تتوقَّع العثور على معادن ثمينة في هذه الأرض، فمن غير المحتمل أن يبيعوا لي أيًّا من أسهمهم بالسعر الذي يجب أن أحرص على دفعه؛ لذلك أعتقد أنني سأنطلق بعيدًا، ولكن سيعتمد ذهابي للشمال أو الجنوب على الظروف عندما أخرج إلى البحر.»

«ماذا، لن تُبحِر الليلة، أليس كذلك؟» قال فراونينجشيلد، معتدلًا في جلسته.

«بلى، لا فائدة من التوقُّف هنا بعد الآن. هل تعرف أي مكان على طول الساحل يكون مناسبًا كمُستعمَرة للإنجليز؟ أود أن يشبه هذا المكان قدْر الإمكان: التلال، ومجرًى كبير من المياه النقية، خالٍ من أي مُستنقَعات تُسبِّب الحمى، وتربة جيدة.»

«لا، سيد سترانلي، هذا هو الجزء الوحيد من أفريقيا الذي أعرفه.»

«من المحتمل جدًّا أن يكون قبطان الباخرة «راجا» قادرًا على إعطائي بعض التلميحات. ربما يكون قد لفَّ حول العالم قليلًا، ولا شك أنه أبقى عينيه مفتوحتين. أتمنى لو فكَّرت في سؤاله قبل مغادرته عما إذا كان يعرف هذا الساحل أم لا. إلى جانب ذلك، أود أن أعلم على وجه اليقين ما إذا كنتُ قد أتلفتُ سفينته. إنه لأمرٌ جيد أنها لم تكن بالاتجاه الآخر، وإلا فقد يحطِّم جذع شجرة الدفة، أو المروحة، أو كلتيهما.»

قال فراونينجشيلد مُتلعثمًا: «أخشى ألا تتمكَّن من رؤية القبطان مرةً أخرى. لقد كان حريصًا جدًّا على المغادرة، وأنا أظن أنه قد خرج الآن إلى مياه البحر المفتوحة.»

علَّق سترانلي بشكلٍ غيرِ مبالٍ: «آه، في هذه الحالة، سأواسي نفسي من خلال التأكيد على أن باخرته لم تتضرر.»

عاد القارب ذو المحرِّك في الوقت المحدَّد ودخل ركَّابه اليخت دون أن يراهم ضيف سيدهم. تمَّ رفعُ القارب ذي المحرِّك على متن اليخت، وقال القبطان، قادمًا من الخلف:

«أي أوامر أخرى، يا سيدي؟»

«نعم. بليموث، إذا سمحت. وأيها القبطان، توقَّف فقط في طريقك عند المخيم الذي بلغني أنه يقع على الضفة اليُسرى للنهر. وتوقَّف عند رصيف المرفأ إن وجد؛ وإن لم يكن هناك واحدٌ، فربما يكون زورق السيد فراونينجشيلد في انتظاره. هناك بعض الصناديق التي ستَنتقِل إلى الشاطئ.»

انطلقت الباخرة إلى أسفل النهر بسرعةٍ كافية. جلس فراونينجشيلد صامتًا جدًّا، لكن مضيفه اختلق الثرثرةَ بسبب صمت الطرف الآخر. كان يروي قصصًا مُسلية، وتجاربَ غريبة ذات صلة، وكل ذلك بكياسة رقيقة، وكأن ضيفه هو أكثر الرجال شرفًا، بدلًا من أن يكون مجرد مغامر ولصٍّ في مهمة للبحث عن الذهب.

توقَّف القبطان بخبرةٍ عند رصيف المرفأ. لم يكن هناك شيء يُمكِن رؤيته من الباخرة «راجا» التي رست هناك مؤخَّرًا. وعلى الرغم من حقيقة أنهم رأوا رئيسهم ينطلِق نحو الشاطئ، توقَّفت مجموعاتٌ كبيرة من الرجال عن العمل، وكانوا يقفون على بُعد ٢٠ أو ٣٠ ياردة من رصيف المرفأ، ينظرون بعيون تملؤها الدهشة إلى الباخرة البيضاء الرائعة التي خرجت من البرية. صعد فراونينجشيلد إلى الشاطئ مثل رجلٍ يحلُم، ووضَع بعضُ الخدم صناديقَ الشمبانيا والسيجار على الصخرة بجانبه. انحنى اللورد سترانلي على حاجز السفينة وودَّع المدير.

وقال: «ألا ترغب في القدوم إلى بليموث معنا؟ كل تلك المسافة مقابل مبلغ بسيط. وبزورق سريع تابع للمجلس المحلي. لن نتوقَّف بين تشيلسي وجسر لندن.»

قال فراونينجشيلد بتنهيدة عميقة: «الله يعلم كم أتمنَّى لو أستطيع ذلك.»

صاح سترانلي بمرح: «حسنًا، على الأقل تمتعنا بوقت الظهيرة، وأنا مُمتنٌّ جدًّا لصحبتك. آمل أن تجد معادن ثمينة في هذه البقعة؛ كلوندايك أو كيمبرلي ثانية من الذهب أو الماس. بطريقةٍ ما أعتقد أنك ستَنجح؛ ولذا سأترك لك أطيب تمنياتي. وداعًا، وداعًا.»

كانت السفينة البخارية تتحرَّك مسرعةً في أعالي النهر بينما كان سترانلي يُلوِّح بيده للعصابة المختارة من الأشرار الذين كانوا يُغطُّون أعلى جزء بارز من الحيد البحري.

تمتم في نفسه: «بعد كل شيء، إنهم إنجليزيون، بؤساء، ونحن بعيدون جدًّا عن الوطن!»

المدير الواقف هناك على الصخرة تذكَّر فجأة ورفع قبَّعته. انطلق هتاف من الخارجين عن القانون، ولوَّحوا عاليًا بقبعاتٍ ممزقة.

«اسحب الصافرة، أيها القبطان، واهتف «هيب-هيب-هيب-هوراي»»، ودوَّت الصافرة عبر الدلتا.

وقف المدير لفترة طويلة يراقب القارب المتراجع ويداه مشبوكتان خلفه.

قال: «يا إلهي، لا أعرف ماذا أفعل بهذا الرجل! أعتقد أن القبطان على حق، وأنه سيَستولي على الباخرة «راجا» قبل حلول الظلام، ومع ذلك لن أطلق عليه النار من مدفعي.»

بمجرد أن ابتعد اليخت «ذات الرداء الأبيض» عن أنظار المخيم، وصل الساحلَ في وقت قياسي، وعبر القناة العميقة بين النهر والبحر بشيء من الحذر، ثم اتجه مباشرةً نحو الغرب. كان لا يزال هناك ساعتان تقريبًا على غروب الشمس فوق المحيط الغربي. بعيدًا إلى الشمال، يمكن رؤية الباخرة «راجا» مقتربة جدًّا من الشاطئ أكثر مما يبدو آمنًا تمامًا؛ حيث كانت فكرة القبطان بلا شك هي الابتعاد عن الأنظار خلف أول لسان بحري قد يقابله. وكان القارب المحمَّل بحمولة ثقيلة يحرق الفحم بإسراف طائش، والرياح الخفيفة القادمة من الشاطئ تحمل إلى البحر راية سوداء من الدخان. اتجه سترانلي إلى القبطان.

وسأل: «هل يمكنك اللَّحاق به قبل غروب الشمس؟»

«أعتقد ذلك يا سيدي.»

«حسنًا، أعتقد أن أفضل خططنا هي إقناعه بأسرع ما يمكن بأنه لا يستطيع الهروب منا. لا أحب أن أراه يهدر الفحم بهذه الطريقة. فالفحم أكثر قيمةً من الخام الذي يحمله حتى نصل إلى تينيريف. بأقصى سرعة إلى الأمام، أيها القبطان.»

ارتفع طنين التوربينات جدًّا، وزاد ارتعاش اليخت بشكلٍ ملحوظ مع اختراق مقدمة السفينة الحادة للمياه بسرعة مُدمِّرة قوارب مزودة بطرابيد. وجد المضيف، وهو يضع فناجين الشاي، على طاولة من الخوص، بعض الصعوبة في الحفاظ على الصحون المهتزة من الكسر. كانت الباخرة «راجا» تسبقهم بحوالي أربع ساعات، وكانت على الأرجح قطعت مسافة ٣٠ عقدة من الطريق الطويل أمامها. بدا أنها تصعد لأعلى ولأعلى في الماء، وكان لا يزال هناك ربع ساعة على غروب الشمس فوق الأفق عندما جاء اليخت «ذات الرداء الأبيض» مخترقًا الماء من الجانب المواجه لليابسة، يحملُه الآن قوة دفعه؛ حيث تم إيقاف التوربينات من مسافة بعيدة. ومن الواضح أن كلَّ مَن كان على متن الباخرة «راجا» كان يتكئ على الحاجز يراقب السرعة المذهلة للقارب الشبيه ببجعة، بيضاء ورشيقة، بينما كانت تتباطأ سرعته تدريجيًّا. لاحظ سترانلي وجه القبطان القَلِق، وصاح قائلًا:

«أخبِر الوقَّادين لديك أن يقتصدوا في ذلك الفحم.» أجاب القبطان بعدوانية:

«لا أحد يُعطي أوامر على هذه الباخرة سواي.»

أجاب سترانلي: «صحيح تمامًا»، بنبرة أقل استبدادًا من صراخه الأول الحاد. «لهذا السبب أطلب منك إعطاء الأمر.»

أرسل القبطان، بعد لحظة من التردُّد، الأمر للطاقم بالأسفل، ثم عاد مرة أخرى إلى السفينة البيضاء، التي كانت تنطلق الآن بالسرعة ذاتها الخاصة بسفينته السوداء.

قال سترانلي بنبرة صوته العادية: «أيها القبطان، لقد شعرنا أنا وفراونينجشيلد بالأسف الشديد لأنك لم تَستطع تناول الغداء معنا، لذلك ربما ستتكرم بالصعود على متن هذا اليخت وتناول العشاء معي.»

أجاب ربَّان الباخرة «راجا» باقتضاب: «لا يُمكن للقبطان أن يترك سفينته.»

«عادة لا، لكن هذه حالة استثنائية. لديَّ رسالة لك، أيها القبطان.»

«إذن لماذا لم تُعطِها لي ظهرًا؟»

«أوه، تعالَ الآن، لا يستطيع الرجل التفكير في كل شيء عندما يشعر بسعادةٍ غامرة لاستقبال ضيف متوقَّع ومُرحَّب به للغاية. يجب أن تعترف، أيها القبطان، أنه بمجرد أن توليت عمل ساعي البريد في المحيط، لم أُضِع وقتًا للوصول إليك. ولا أعتقد أن هناك أي شيء في هذه المياه كان سيَلحق بك بهذه السرعة كما فعلت. ألن تقوم الآن بعمل استثناء، وتُشرِّفني بحضورك؟»

«لا لن أفعل. إذا كان لديك، كما تقول، رسالة من أجلي، فسأقوم بإلقاء حبل من أجلها.»

«حسنًا، في ظاهر الأمر، يبدو ذلك عادلًا. رجل في إنجلترا يُلقي لك حبلًا وأنت تلقي حبلًا لحبله. ومع ذلك، فإن هذه الرسالة، على الرغم من أنها موجَّهة إليك، لا أنوي التخلي عنها. هناك العديد من المستندات في جيبي وأود أن أعرضها عليك، وأود أن أقدِّم بعض التفسيرات التي ستُثير اهتمامك.»

«انظر هنا، سيد سترانلي، أنا قبطان على متن هذه الباخرة، وأنا في أعالي البحار. أُحذِّرك، أمام الشهود هنا، من أنَّ أي تدخل من جانبك هو قرصنة. لن أصعد على متن باخرتك، ولن أسمح لأي شخص من باخرتك بالصعود على متن باخرتي. أنا لا أتلقَّى أوامر من أحد سوى سادتي، أصحاب هذه السفينة. أنا الآن مُلزَم بأوامرهم، وأتصرَّف وفقًا لها. لن أتقبل أي تدخل.»

«مرةً أخرى أقول إنك مُحقٌّ تمامًا أيها القبطان. آراؤك رائعة، ووجهات نظرك عن الواجب البحري صحيحة. ومع ذلك، من الضروري أن نتمتَّع أنا وأنت بمحادثة هادئة معًا، وأطلب منك أن تُسدي لي معروفًا وتأتي على متن اليخت.»

«حسنًا، لن أفعل.»

«إذن، إذا لم تتغيَّر ظروف المرء لتناسبه، فعلى المرء أن يتغير ليتغلب على ظروفه. أطلب إذنك للصعود على متن سفينتك.»

«لن أُعطيَكَ الإذن. لقد أخبرتك بذلك من قبل. الآن، ابتعد من هنا، وإلا سأضع قذيفة مدفع في غرفة المحركات.»

«أوه، هل لديك مدفع على متن الباخرة؟ يا له من أمر جميل! نحن غير مُسلَّحين تمامًا، لكنِّي أود أن أقول، أيها القبطان، إنه من المرجح جدًّا ألا تتسبب قذيفة المدفع في حدوث ضرر كبير. يمكنك حتى أن تزرعَ لغمًا عائمًا أمام اليخت «ذات الرداء الأبيض»، وعلى الرغم من أنه من المُحتمَل أن يفجِّر مقدِّمته، إلا أنني أعتقد أنه بإمكاني الزحف للخلف، مثل سرطان البحر، إلى أقرب ميناء؛ حيث شقَّت سفينة وايت ستار «سوفيك» طريقها من ليزارد إلى ساوثهامبتون.»

«هلا تبتعد من هنا يا سيدي؟»

«لا، وأنت لن تُطلقَ علينا النار أيضًا، أيها القبطان. ليس من آداب البحر إطلاق قذائف المدفع على رجلٍ حتى تَنتهيَ من السيجار الذي قدَّمه لك. أكره بشدة أن أشير إلى الهدايا الخاصة بي بهذه الطريقة، ولكن ما زلت أتمنَّى أن تفهم أنني على دراية جيدة بالقانون البحري.»

«أريد أن أنسجم مع رحلتي، سيد سترانلي، دون مضايقة.»

«يا إلهي، فليبارك الرب قلبك المحب للبحار، أيها القبطان، وتَنسجم مع رحلتك. إذا كان بإمكانك الهروب منا، فلا تَدعْني أضع أي عقبة في طريقك.»

«هلا تبتعد يا سيدي؟»

«بالتأكيد لا. أنا لم أتجاوز حقوقي على الإطلاق. وهذا الجزء من المحيط يخصُّني بقدرِ ما يخص الباخرة «راجا». أنا لا أؤخرك على الإطلاق، وكل حديثك عن التدخل هو مجرد خداع. إذا استخدمت قاربي بشكلٍ قد يُعرِّض سفينتك للخطر، فقد يكون لك الحق في الاعتراض؛ لكني أَلفِت انتباهك إلى حقيقةِ أننا مُسيطرون بالكامل، ويُمكنني أن أحافظ على مسافة صغيرة جدًّا بين السفينتين. إذا ذهبت بعيدًا، فلن أتمكَّن من التحدُّث معك دون إجهاد حلقي، وهو ما أرفض فعله. الآن، أنت لن تأتي على متن سفينتي، ولن تسمح لي بالصعود على متن سفينتك.»

«هذا صحيح.»

«حسنًا، لا أعتقد ذلك. ومع هذا، فأنت تُجبرُني على القيام بما يجب عليَّ بشدة عدم فعله، لصالحك، وهو أنني مُضطرٌّ لقراءة رسالتك، والوثائق التي أشرت إليها، على مسمع من طاقمك وطاقمي.»

«يُمكنك قراءة ما يعجبك للطاقم.»

«أيها القبطان، أطلب منك إعادة النظر في هذا الرأي. أعتقد أنك ربما تكون قد أبديت مثل هذه الملاحظة بصدقٍ في أيِّ رحلة أخرى قمت بها على الإطلاق خلال حياتك البحرية الطويلة، باستثناء هذه الرحلة. فقط فكِّر للحظة. لا تتسرَّع في الرد، وتأكَّد أنني لا أعني أيَّ ضرر لك ولا لأي شخص آخرَ على متن سفينتك. بل على العكس تمامًا. ما أنوي فعله سيكون لمصلحتك إلى حدٍّ كبير، ولمصلحة كلِّ مَن معك.»

عندما أشار اللورد سترانلي إلى رحلته الحالية، وقف القبطان، الذي كان يتَّكئ على الحاجز، فجأة. كان الرجال يتهامسون بعضهم مع بعض. رأى القبطان أن سترانلي قد أخرج من جيبه عدة مظاريف، ووقف هناك في انتظارِ ردِّه. أخيرًا قال القبطان بصوتٍ أجش:

«هل ستأتي بمفردك يا سيدي؟»

«أوه، بمفردي تمامًا، بالطبع، بما أنها رغبتك، أو يُمكنك القدوم إلى هنا مع نصف دزينة أو دزينة من الرجال كحراس شخصيين لك، إذا أردت. وأحضر المدفع أيضًا، إذا كان سيجعلك ذلك تشعر بأمان أكبر.»

«أفضِّل أن تأتي على متن الباخرة هنا، يا سيدي.»

«جيد جدًّا. فلتقذف حبلًا أقوى قليلًا مما كنت ستُرسله للحصول على الرسالة، وسأكون معك في لمح البصر.»

«ولكن كيف لي أن أعرف أن الآخرين لن يتسلقوا؟»

«حسنًا، يا إلهي، سلِّح رجالك بالعتلات، واطرحهم أرضًا مرة أخرى. لا تجعلني أنتظر هنا طوال الليل. سيحلُّ الظلام قريبًا جدًّا، ولن آخذ أكثر من ١٠ دقائق من وقتك. يبدو أنك متلهف جدًّا لحدوث قتال، لكني لا أستطيع مساعدتك. فأنا رجل سلام، ولهذا السبب أرتجف عندما تتحدَّث معي عن المدفع. أقسم أنني سأُخبر السير هنري كامبل-بانرمان والرئيس روزفلت بالطريقة التي تتصرَّف بها. إنك تُمثِّل خطرًا فعليًّا في أعالي البحار، مع إنذاراتك، وطلقاتك عبر غرفة المحركات، وكل ذلك. فلتقذف حبلًا، واجعل رجالك يُراقبون بحيث يتأكدون من أن اليخت لا يقفز على متن سفينتك. لا عجب أننا غير محبوبين نحن الإنجليزيِّين بسبب توعُّدنا.»

بدا القبطان خجولًا بشدة من مخاوفه في مواجهة هذا المزاح، وإلى جانب ذلك، ضحك بعض أفراد طاقمه، الأمر الذي أحرجه أكثر وأكثر. تدلَّى حبلٌ يتلوَّى في الهواء، وسقط مباشرةً على سطح اليخت.

صاح سترانلي: «تشبَّث جيدًا بالأعلى»، وهو يشد الحبل، وتأرجح بعيدًا عن قاربه، وتسلَّق بصعوبة جانب الباخرة «راجا» الأسود الشبيه بالجرف بيديه وقدميه مثل القرد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤