الفصل العاشر

السيميوطيقا

سبق أن أشرت في سياق نشأة البنيوية إلى مصطلح السيميولوجيا ومصطلح السيميوطيقا، وترجمتُ كلًّا منها بعلم العلامات signs ودافعت عن تعريب اللفظ الأجنبي وعن ترجمته السابقة، مفضِّلًا أيًّا منهما على «السيمياء» العربية القديمة، والتي توحي لفظًا ومعنًى بعلاقة قديمة بالكلمة اليونانية التي اشتقت منها الكلمة الأوربية الحديثة. ولعل القارئ قد لاحظ أنني لجأت عند التعريب إلى استخدام المصطلحَين؛ أي السيميولوجيا والسيميوطيقا بمعنًى واحد، والواقع أن بعض الباحثين قد حاولوا أن يفرضوا فروقًا بينهما مثل محاولة قصر السيميولوجيا على العلم النظري، وجعل السيميوطيقا تنصرف إلى تطبيقات هذا العلم.
ولكن هذه المحاولات لا تستند إلى الاستعمال الجاري؛ فالسيميولوجيا أكثر شيوعًا بالمعنيين في الكتابات الفرنسية، والسيميوطيقا أكثر شيوعًا، بل هي السائدة الآن (وحدها تقريبًا) في كل ما يكتب بالإنجليزية. وربما كان تفضيل كُتاب الفرنسية للسيميولوجيا راجعًا إلى استخدام سوسير لها، وربما كان تفضيل كتاب الإنجليزية للسيميوطيقا راجعًا إلى استخدام جون لوك لها (١٦٣٢–١٧٠٤م) أول الأمر عن طريق استعارتها مباشرةً من اليونانية semeiotike؛ فنحن — دارسي الأدب الإنجليزي — نألف قوله في دراسته الشهيرة عن «طبيعة الفهم» إنها تعني مذهب العلامات doctrine of signs، الذي يعرِّفه بأنه: «النشاط الذي يختص بالبحث في طبيعة العلامات التي يستخدمها الذهن للوصول إلى فهم الأشياء أو في توصيل معارفه إلى الآخرين.»١
ولم يكن لوك — بطبيعة الحال — أول من تطرَّق إلى الموضوع؛ فالموضوع قديم قِدم أفلاطون وأرسطو،٢ كما استمرَّ الفلاسفة يبحثونه دون منحه هذا الاسم في العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر،٣ ولكن الطابع العلمي الجديد والمحدد الذي اكتسبه هذا المبحث، باعتباره مجالًا من مجالات النقد الأدبي، يرجع إلى أوائل القرن العشرين، ويمثِّل التقاء ثلاثة من هذه المجالات؛ أولها هو البراجماطية pragmatism التي اتسم بها عمل الفيلسوف الأمريكي بيرس Peirce، وثانيها هو الظاهراتية التي ارتبطت باسم هوسيرل، وثالثها — كما سبق أن شرحنا — هو البنيوية التي استندت إلى مباحث سوسير في علم اللغة.

وقد كنت أُحب أن أناقش هذا الاتجاه النقدي جنبًا إلى جنب مع هذه المجالات، ولكنني آثرت إبقاء مُصطلحاتها لفصل متأخِّر؛ أولًا لأنها مبنية على ما سبق، رغم تزامنها مع بعض أفكار تلك المذاهب، وثانيًا لأنها مبحث ما فتئ يتطوَّر ويتشكَّل ويكتسب كل يوم مصطلحات جديدة؛ إمَّا مستعارةً من المباحث القديمة أو مشتقةً خصوصًا له.

وأول مصطلح نواجهه عند بيرس (١٨٣٩–١٩١٤م) هو عملية الرمز أو التمثيل semiosis، وهي عملية process، بمعنى أنها حركة تشترك فيها ثلاثة عناصر متحركة؛ أي غير ثابتة أو نهائية أو قاطعة؛ إذ إن بيرس عندما يعرِّف العلامة بأنها «تمثيل» representation لشيء ما، بحيث يكون قادرًا على توصيل بعض جوانبه أو طاقته إلى شخص ما٤؛ فإنه يقول في الحقيقة إن لدينا ثلاثة مكوِّنات components مترابطة نتفق على صلتها بعضها ببعض؛ أي اتصالها أو تعادلها correlation، وهي العلامة sign، والشيء object الذي تمثِّله تلك العلامة، والعامل المفسِّر لها interpretant، ومعنى الحاجة إلى هذا العامل المفسِّر أن العلاقة بين العلامة والشيء الذي تشير إليه علاقة ناقصة؛ أي إن العلامة لا ترمز إلى الشيء كله؛ أي إلى جميع جوانبه وطاقاته، بل ترمز إلى جزء من ذلك فحسب، كبيرًا كان أم صغيرًا. ومعنى ذلك في الواقع أن العلاقة تقبل الاختلاف والتعديل طبقًا للعامل المفسِّر؛ ولذلك قلنا إنها متحرِّكة dynamic.
ويقول بيرس إننا نستطيع تحديد ثلاث طرائق أساسية للتمثيل أو للإشارة أو الرمز، ومن ثم نستطيع التفرقة بين ثلاثة أنواع من العلامات؛ النوع الأول هو العلامة التي تشبه ما ترمز له أو ما تمثِّله، مثل النموذج المعماري أو الخريطة وما إلى ذلك، وهو يطلِق على هذا اللون الأيقونة icon؛ أي الصورة المصغَّرة miniature ومصطلح الأيقونة المعرَّب مقبول من زمن طويل في العربية، ولا داعي لإيجاد ترجمة له. والنوع الثاني هو العلامة التي ترتبط فعليًّا بما ترمز له، مثل دوارة الريح weathercock أو عقرب الساعة clock hand، وهو يطلِق على هذا النوع اسم المؤشِّر index. وأمَّا الثالث فهي العلامة التي جرى العرف على ربطها بما ترمز له، مثل الألفاظ وعلامات المرور، وهو يطلِق على هذا الضرب اسم الرمز symbol.

ويقيم بيرس نظريته التي ترهص إلى حد ما ببعض مبادئ التفكيكية على الأسس التالية؛ إن العلاقة بين العلامة والعامل المفسِّر تعتمد على العلاقة بين العلامة وما ترمز له؛ فالعامل المفسِّر يرتبط بالشيء المشار إليه ارتباطًا يعادل — حسبما يقول بيرس — ارتباطه بالعلامة، ومن ثم يمكن اعتباره علامةً أخرى أوجدتها العلامة الأصلية في ذهن الشخص الذي رآها أو سمعها وحاول فهمها.

ومعنى ذلك بإيجاز أن عملية التفسير هي في الواقع عملية إحلال علامة محل علامة، أيًّا كان نوعها؛ فالذي يسمع لفظ «الدَّوحة» قد يحتاج إلى أيقونة (صورة شجرة) أو إلى مؤشر (إشارته بيده إلى شجرة حقيقية) أو إلى رمز (مثل مرادف للكلمة أو وصف لغوي لها). وهكذا فإن تفسير الدَّوحة معناه استبدال علامة (من أيٍّ من هذه الأنواع) بالعلامة الأصلية؛ حتى لا ينصرف الذهن إلى اسم البلد المعروف. ولقد ذكرت تعبير «الحاجة» إلى علامة أخرى عامدًا؛ فاللغة عند بيرس، باعتبارها كِيانًا للفكر أو المعرفة knowledge، تمثِّل نسيجًا من العلامات المتشابكة المتداخلة القادرة على توليد علامات أخرى من داخلها دون حدود أو قيود، بل وإلى الأبد؛ أي إن مبدأ الحركة dynamism الذي ذكرناه أولًا يمثِّل السِّمة الغالبة على نظرة بيرس، وهو الذي قلنا إنه يُرهص بالتفكيكية التي تنزع إلى تحرير العلامات من ارتباطاتها التقليدية أو العُرفية.
والواضح أن بيرس كان يعالج علم العلامات بصفة عامة، دون التركيز على اللغة أو على الوعي على نحو ما فعل هوسيرل من بعده (١٨٥٩–١٩٣٨م)، وهو أحد مؤسِّسي علم الظاهراتية الحديث، وقد سبق أن أشرنا إلى ترجمة phenomenology بالظاهراتية أو علم الظاهرات، وهي الترجمة التي شاعت استنادًا إلى اشتقاق الكلمة الأجنبية، والتي أدَّت إلى صعوبة فهمها بسبب احتمال الخلط بين نسبتها إلى الظاهر أو إلى الظاهرة؛ فالظاهريون لدينا في العربية هم من يأخذون بظاهر اللفظ، أمَّا النسبة إلى الظاهرة فتعني شيئًا آخر، كما سبق أن قلنا، وهو دراسة الخبرة الحسية من زاويتها الضيقة؛ أي من زاوية وعي الفرد بها، وقد ينصرف معناها إلى وصف وتصنيف ظواهر أي فرع من فروع المعرفة دون محاولة التفسير.
وآن لنا أن نُلقي مزيدًا من الضوء على هذا المعنى وتطوُّره؛ فالظاهرات المقصودة هنا تختص أساسًا بالوعي consciousness، وكان كانط (١٧٢٤–١٨٠٤م) أول من حدَّدها ورصدها بعد تجريدها من مراميها ودوافعها، ثم طوَّر هيجيل (١٧٧٠–١٨٣١م) هذا المفهوم الذي أصبح يعني لديه أي بحث تاريخي في تطوُّر الوعي بالذات Self-conciousness الذي سبقت الإشارة إليه، ومعنى ذلك دراسة تطوُّره من مرحلة الخبرات الحسية الأولية البسيطة rudimentary إلى مرحلة العمليات الفكرية والعقلانية المتكامِلة والحرة ذات القدرة على إنتاج المعرفة؛ أي إن علم الظاهريات كان منذ نشأته مختصًّا بظواهر النشاط النفسي والذهني، وغير مختص بالمقاصد والمرامي التي تكمن خلف هذه الظواهر.
ومن هنا تأتي أهمية هوسيرل (١٨٥٩–١٩٣٨م) الذي رفض هذا الاتجاه (وسنرى أهمية ذلك بالنسبة لعلم العلامات)، وأكَّد أهمية المقصد أو المرمى intentionality أو العمد أو التعمُّد (وما أثقل اشتقاق مصدر صناعي من أيها — خصوصًا الكلمة الأخيرة — فإذا قلنا «العمدية» فربما ظنها القارئ نسبةً إلى العمدة، وإذا قلنا «التعمُّدية»، فربما اختلط معناها بالتعميد!) أي إن هوسيرل كان متأثِّرًا بأستاذه برنتانو Brentano (١٨٣٨–١٩١٧م)، فأرسى قواعد البحث في ظواهر الوعي أو محتوياته contents of consciousness لا على أساس انفصالها عن النوايا والمقاصد، بل على أساس انتمائها إليها؛ فالظواهر الذهنية والنفسية تُفصح عن مرامٍ ونوايا، مثلما ترتبط هذه بتلك، وكان يرى أن ذلك المنهج في البحث كفيل بقهر الثنائية dualism التقليدية بين الجسد والذِّهن، وإرساء أُسس للتكامل في فهم سلوك الإنسان وفكره جميعًا.
وهذا مدخل مهم لعلم العلامات في أوربا؛ فمحتويات الوعي والفكر يمكن تنظيمها في صِيغ منطقية تكتسي ثوب اللغة، ومن ثم كان هوسيرل يرى أن العلامات اللفظية من وسائل التفكير المنطقي القادر على تجسيد الحقيقة، ونحن نقول «الوعي والفكر» معًا لأن هوسيرل عاد إلى تبني وجهة نظر كانط في الفصل بين معطيات الحدس أو المعرفة الحدسية intuitions (Anschauung) وبين هذه المفاهيم المستندة إلى الاستدلال العقلاني concepts أو Begriffe؛ ولذلك فإنه يختلف عن برنتانو الذي لم يكن يضع حدودًا فاصلة بينهما، ومن ثم انتهى إلى أن العلامة اللفظية يمكن أن تنهض بهذه المهمة إذا كان من الممكن أن تحتفظ بكِيانها دون أدنى تغيير في جميع الظروف والأحوال؛ أي إذا أصبحت علامة ذات ثبات constancy. ولا شك أنه كان متأثِّرًا في ذلك بمنهجه الرياضي؛ فهو عالِم رياضيات في المقام الأول، وكان همه منصبًّا على وسائل التفكير الرياضي التجريدي.
وفي غِمار سعي هوسيرل إلى وضع سيميوطيقا عالمية؛ أي نظام عالمي لعلم العلامات لا يختلف باختلاف اللغة، قام بتقسيم جميع العلامات إلى فئتين؛ الأولى هي فئة التعبير (Ausdruck) expression المطابِق لذاته self-identical، والثانية هي فئة الإشارة (Anzeichen) indication ذات الدلالة المتأرجحة؛ أي التي تمثِّل حالةً متغيِّرة. ويحاول هوسيرل إيضاح سبب عدم تأثُّر التعابير (الفئة الأولى) بالسياق؛ أي بالاستخدام في موقف أو حالات متفاوتة عن طريق تحليل البنية الداخلية للكلمة لعزل العامل الذي يجعلها تُقاوم التغيير. فالكلمة كانت تمثِّل له النموذج الأول على ما يقصده بالتعبير، وهو يقول:
«في حالة الاسم يجب أن نميِّز بين ما يفصح عنه what it shows forth (مثل حالة نفسية mental state) وبين ما يعنيه means، ثم علينا أن نميِّز بين ما يعنيه (أي مفاده sense أو فحوى content التسمية المقدَّمة لنا) وبين ما يحيلنا إليه هذا الاسم؛ أي الشيء المسمَّى به.»
وكل من «الإفصاح» و«التسمية» يتوقَّف على الواقع العملي (سواء كان ذلك الواقع نفسيًّا أو ماديًّا)، ومن ثم لا يمكن أن يظل ثابتًا عند تكراره، أمَّا الذي يظل ثابتًا ويتمتَّع بالاستقلال عن السياق الظاهراتي (أي الخاص بالوعي والفِكر كما سبق أن شرَحنا)، فهو «المعنى» (Bedeutung) meaning أو «فحوى التسمية المقدَّمة لنا».
وينتهي هوسيرل من ذلك إلى القول بأن ثمة معنًى معجميًّا متأصِّلًا inherent في الكلمة يسبق تمثيلها؛ أي إنه كِيان خارجي عنها، وهذا المعنى السابق prior هو الذي يمنح التعبير هُويته الخاصة identity، ويفرِّق بينه وبين الإشارة (الفئة الثانية).
وقد شغل موضوع طبيعة العلامات اللغوية رائدًا آخر من رُواد الدراسات اللغوية الحديثة، وهو عالم اللغويات السويسري فرديناند دي سوسير، الذي سبقت الإشارة إليه، والذي أُثر عنه قوله: «من الممكن إنشاء علم لدراسة حياة العلامات مع المجتمع.» وقوله:
«وسوف أُطلق على هذا العلم اسم السيميولوجيا (المشتقة من اليونانية semeion بمعنى علامة). وسوف تختص السيميولوجيا بتبيان ما يُعتبر من العلامات، ورصد القوانين التي تحكمها. ولمَّا كان هذا العلم لم يرَ النور بعد، فليس بمقدور أحد أن يقول ما سيكون من أمره، ولكن من حقِّه أن يوجد، وله مكانه المحفوظ له مقدَّمًا.»

ومن ثم خلص إلى أن الإطار العام لهذا العلم سوف يتضمَّن دراسة اللغة، بحيث تصبح دراسة اللغة هي الفرع المختص «بأهم … نظام للعلامات قادر على التعبير عن الأفكار.»

ولمَّا كانت الكلمات هي النموذج الأول للعلامات المتعارف عليها، فقد قصر سوسير تركيزه على الطاقة اللغوية langue، التي يعرِّفها شتاينر بأنها نظام الأعراف اللغوية، ويُشير إليها في حدود هذا التعريف (انظر المعجم تحت مادة: langue and parole) وهي التي تعين من يستخدم اللغة على فهم الكلام المنطوق (parole)، وهو يعتبر تلك الطاقة مجموعةً شكلية محضة من العلاقات التي تؤدِّي (في حالة عدم وجود دوافع أخرى) إلى الربط التعسُّفي أو التوقيفي arbitrary؛ أي الذي لا يستند إلى أي تعليل في الربط بين العنصرَين اللذَين يشكِّلان العلامة اللغوية، وهما عنصر الدال signifier (اللفظ) والمدلول signified (المعنى)؛ فالأول حسي لأنه يُرى (على الورق) أو يُسمع (منطوقًا). والثاني ذهني. ومن ثم فإن دراسة الدوال (الألفاظ) تؤدِّي إلى وضع مجموعة من التعارضات (وهي النظام الصوتي للغة phonological) ذات الجوهر المسموع؛ أي التيار الصوتي المتواصل الحديث، وإلى تفصيل وإيضاح الوحدات الصوتية الدنيا phonemes القادرة على التفريق بين الكلمات ذات المعاني المختلفة في لغة من اللغات، وحصرها في قائمة محدودة limited inventory. وقد سبقت الإشارة إلى تطبيقات ذلك وأمثلتها لا تنتهي (ظريف، طريف؛ في الفرق بين الظاء والطاء وما إلى ذلك).
أمَّا دراسة المدلولات فهي تتصل كما يقول بيتر شتاينر:

«بشبكة الدلالات التي تقسِّم الواقع الخارج عن اللغة إلى وحدات لغوية لها معنى (أي كلمات)، بحيث يستقي كل مدلول قيمته الدلالية من تعارضه فحسب مع المدلولات الأخرى التي تتعايش معه داخل الشبكة، ومن ثم تؤدِّي إلى إيجاد إطار موازٍ من التعارضات المتميزة.»

وقد ترجمتُ هذه العبارات عن شتاينر حتى أبيِّن أهمية التعبير الميسَّر الذي نُنادي به ولا يستخدمه شتاينر وغيره من الأساتذة الذين «يشرحون» أو يعلِّقون على سوسير. فالذي يعنيه شتاينر بهذه العبارات هو أن العلامات اللغوية تُشير إلى مجموعات متقابلة من المعاني التي يسهل إدراكها من خلال إقامة نظم فيما بينها على أساس التضاد أو التناقض. وقد سبق لنا شرح ذلك عند الحديث عن البنيوية.

وهذه النظم هي التي يعنيها سوسير حين يتكلَّم عن أبنية اللغة؛ فهو ينتقل من العلامة المفردة إلى سلسلة العلامات sequence of signs؛ أي تتابعها، قائلًا إن قيمة كل حلقة في السلسلة أو جزء منها segment تتوقَّف على تجاورها juxtaposition مع الحلقة السابقة والحلقة اللاحقة، وعلى وجود أو عدم وجود شتَّى عناصر الأعراف اللغوية الممكنة، والتي قد تشبهها من زاوية معيَّنة، ومن ثم فهي قادرة على أن تحل محلها.
أمَّا العنصر الأول وهو عنصر التجاور أو التماس أو التلامس contiguity فيما بين حلقات السلسلة، فهو الذي يهب اللغة بُعدها «الأفقي» horizontal، وسوسير يطلق عليه جانب الترابط اللغوي أو التركيب syntagmatic. أمَّا العنصر الثاني، وهو احتمال إحلال كلمة محل أخرى في السلسلة، فهو البُعد «الرأسي»، وقد أطلق عليه سوسير في أول الأمر جانب التداعي associative، ثم عاد وعدَّل من هذا المصطلح فجعله الجانب الإحلالي paradigmatic، وقد سبق لنا أن أوضحنا كيف طوَّر رومان جاكوبسون هذه المفاهيم بإقامة مبدأ التعادل equivalence الذي يربط هذه الجوانب بعضها إلى البعض الآخر، في تطبيقاته النقدية على الشِّعر.

ويُقيم سوسير حُججًا مقنِعة على صحة تطبيق هذه «المهام» السيميوطيقية على المستويات الثلاثة للغة، وهي المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية (بناء الجملة). ففي المثل السابق (ظريف وطريف) نجد أن الفتحة على الظاء تقابل الكسر للراء، وتقابل الطاء التي حلَّت محلها في الكلمة التالية. وقس على ذلك تصريف كل كلمة منهما؛ فنحن نقول «الظُّرفاء» ولا نقول الطُّرفاء، ونقول «الطَّارف والتليد»، ولا نقول «الظارف»، على حين نقول «المُستَطرَف والمُستَظرَف» (كما في عنوان كتاب الأبشيهي المعروف). وهكذا فإن هذه الاحتمالات تؤكِّد الاختلاف والتماثل، وتجمع بين الجوانب والمستويات التي ألمح إليها سوسير.

هذا هو الأساس النظري لعلم العلامات على نحو ما أرساه بيرس وهوسيرل وسوسير، وقد سبق أن تعرَّضنا للتطبيقات البنيوية لبعض عناصر هذا الأساس، ولا توجد هنا مصطلحات جديرة بالتوقُّف عندها، ومن ثم فسوف ننتقل مباشرةً إلى استفادة رومان جاكوبسون من المبادئ التي وضعها هوسيرل وخصوصًا ما كان يعنيه بعنصر التعبير — حسبما وصفناه آنفًا في هذا الباب — مؤكِّدًا أن وجود المعنى ضروري في كل تعبير شعري، وأن الشعار الذي رفعه أرشيبولد ماكليش (وهو أن القصيدة ينبغي ألَّا تعني شيئًا بل أن تكون وحسب) شعار مضلل، ومن ثم توسَّل بالمدخل الظاهراتي إلى التعبير في معالجته لعلم العلامات.

وهنا يقدِّم لنا جاكوبسون معيارًا محدَّدًا للتمييز بين العلامات الشعرية وأنواع العلامات الأخرى. فإذا كان هوسيرل قد حدَّد للاسم ثلاث وظائف هي الإفصاح والتسمية والمعنى، فإن جاكوبسون يضع ثلاثة نظم لغوية تستهدف تحقيق غايات معينة في إطار كل وظيفة. أمَّا النظام الأول فهو يسمِّيه الاتجاه العاطفي أو الشعوري emotive، وأمَّا الثاني فهو يسمِّيه الاتجاه العملي practical، والثالث هو الشعري poetic. والكلام في إطار كل نظام يوجِّه انتباه المتلقِّي إلى ثلاثة عناصر مختلفة فيه؛ أولها هو الحالة النفسية للمتكلِّم، والثاني هو الواقع الذي يشير إليه الكلام، والثالث هو العلامة نفسها؛ أي التعبير. وقد عمل جاكوبسون مع اثنَين من زملائه على تعديل وتطوير هذا النموذج (وهما ك. بوهلر وج. موكاروفسكي)، بحيث ظهر النموذج على النحو التالي في الدراسة التي وضعها جاكوبسون بعنوان «اللغويات ونظرية الشعر»، والواردة في كتاب سيبيك بالألمانية وعنوانه «نظرية النص» Theorie der Texte عام ١٩٦٠م:
السياق (الوظيفة الإحالية)
context (referential function)
الرسالة (الوظيفة الشعرية)
message (poetic function)
المتحدث (الوظيفة العاطفية) المتلقِّي (الوظيفة النُّزوعية)
addresser (emotive function) addressee (conative function)
الاتصال (وظيفة الصلات الكلامية)
contact (phatic function)
الشفرة (الوظيفة الميتالغوية)
code (metalingual function)
أمَّا كيف تُبنى الرسالة الشعرية حتى يركِّز المتلقِّي نظره عليها فقط؛ فنحن نُحيل القارئ إلى العبارة التي اقتطفناها من أحد كتبه في أول هذا المقال للتدليل على أسلوب الكتابة المجرَّدة، وهي في الحق عبارة ذائعة ما فتئت تصافح أبصارنا في العشرات من كتب النقد الحديثة، ألَا وهي: «إن الوظيفة الشعرية هي إسقاط مبدأ التعادل من محور الاختيار إلى محور التضام.» وقد آن الأوان لربطها، خارج ما تشير إليه من الاستعارة والكناية، بما ذهب إليه سوسير من المزاوجة بين العوامل في كل كلام منطوق؛ أي مذهب الثنائية الذي سبق شرحه. فالاختيار عملية تستند إلى اختيار نموذج من بين شتى النماذج اللغوية الممكنة في إطار الشفرة النظرية للغة، بحيث يكون من الممكن استبدال نموذج منها بآخر معادل له، وأمَّا التضام فهو الوصل concatenation من خلال الترابط أو التركيب syntagmatic؛ أي السلسلة الزمنية temporal chain للعناصر المتباينة التي اختيرت بالفعل، وهي الوحدات الصوتية الدنيا phonemes والوحدات الصرفية الدنيا morphemes المتشابكة في بيت ما من الشعر.

انظر قول أبي العلاء «علِّلاني فإن بيض الأماني، فنيت والظلام ليس بفاني»، ترَ كيف يجعل تفعيلة الخفيف الأولى ذات قافية داخلية تؤكِّد تصريع البيت الاستهلالي، وكيف يزاوج بين حرف النون وقرينه الميم وبين المد بالياء والألف على امتداد البيت، وكيف يقابل بين البياض والظلام مقابلةً ذات إحالة قد تدق على القارئ المتعجِّل، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ (يوسف: ٨٤)؛ فالأماني البيضاء ليست استعارةً سهلة ميسَّرة، والظلام ليس ليلًا حالكًا فحسب، وما ذلك لمجرَّد براعة الاستهلال، بل هو عمل شاعر عظيم.

وانظر براعة الاستهلال المألوفة لدى حافظ مثلًا: «إيه يا ليل هل شهدت المصابا، كيف ينصب في النفوس انصبابًا؟» وانظر كيف تتوالى الألف والياء والهاء في ولولة صوتية مكتومة، حتى نصل إلى «الشهادة»، وكان بوسع الشاعر أن «يختار» حسبما يقول جاكوبسون، فعلًا آخر هو «رأيت»، ولكن التناقض الكامن في أن يشهد الليل الذي لا يرى أو لا يُرى فيه مهم في السؤال الإنكاري، إلى جانب الإيحاء بالتناقض بين المثيلات في المصطلح العربي (انظر قول شوقي من الوافر: «وذقت بكاسها شهدًا وصابًا»)، وانظر كيف يستغل حافظ الجناس في إخراج أنغام الياء والنون وحروف العلة في كل سكون في تفعيلات الخفيف حتى النهاية! فالتضامُّ هنا هو الذي «يضمن» إبراز ما يسمِّيه جاكوبسون بالوظيفة الشعرية.

هذا النظام الصوتي يتميَّز إذن بعلامات متكرِّرة repeated، مثل وقوع السُّكون على الياء أو على النون أو على حرف العِلَّة، ويخرج في إطارٍ يتسم بالتوازي parallelism، وهو توازٍ متعدِّد الجانب، وغير مقصور على الصوت أو المعنى؛ فهذا البناء الداخلي للعلامات يتخطَّى التعارُضات البسيطة التي اعتمدت عليها البنيوية في مراحلها الأولى، ويُحيل الترابط إلى إطار يولِّد علاماته بنفسه، ويشرك القارئ في توليد هذه العلامات.
وينطبق ما قلناه عن النظم العلامية في البيت الواحد على نزوع الشاعر في اللغة بصفة عامة إلى الجمع بين طريقة عمل الاستعارة metaphor، وطريقة عمل الكناية metonymy. فالاختيار يماثل الاستعارة، حسبما يقول جاكوبسون، في أنه يمثِّل مَيل الشاعر إلى انتقاء لفظ بدلًا من لفظ آخر استنادًا إلى «وجه الشبه» المعجمي بينهما؛ أي إن اختيار لفظ بدلًا من لفظ معناه إمكانية اختيار اللفظ الذي لم يختَره الشاعر.
والتضام يشبه الكناية في أنه يجمع بين العناصر المتجاورة في الزمان أو في المكان، والمثال على الأول قول شوقي «أرى شجرًا في السماء احتجب، وشقَّ العَنان بمرأًى عجب)، فالذي روى عنه «أرى سببًا في السماء» (شكيب أرسلان) كان في الحقيقة يشير إلى العلامة أو الدلالة السيميوطيقية لإحلال كلمة محل كلمة؛ فنحن نعرف طِبقًا للعرف الأدبي écriture الذي سبقت الإشارة إليه في إطار الحديث عن رولان بارت أن السماء وأشجار السماء والسموات، وأسباب السموات، جزء من التراث اللغوي الراسخ لدينا فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ (الحج: ١٥)، ولَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (غافر: ٣٦–٣٧)، ومن ثم يكون التناقض الظاهري هنا له معناه الاستعاري؛ فالشاعر يرى ما احتجب، ومن ثم يقف على حدود الاستعارة التي نشعر بها من خلال إحاطتنا بالعرف الأدبي، وما كان يمكن أن يُحدثه من تناص.

ومن الأمثلة على الثاني جمع المتنبي بين ثلاث كنايات واضحة في عجز بيته الشهير «ولكن الفتى العربي فيها، غريب الوجه واليد واللسان)، فالتضام هنا يضيف معاني جديدةً إلى كناية اليد عن الإنفاق؛ أي عن النقود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ (المائدة: ٦٤)، بحيث يتسع معناها من خلال التضام ليفيد القدرة أو الطاقة: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ (آل عمران: ٧٣) بِيَدِكَ الْخَيْرُ (آل عمران: ٢٦) بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ (يس: ٨٣). وهذا معناه أن العلامة تتسع إمكانيات دلالاتها من خلال التضام حتى ولو لم تكن كناية.

ونأتي بعد ذلك إلى بعض أصول التفرقة بين العلامات على أساس علاقاتها بالمعنى، وهو يبدأ برفض ما دعاه سوسير بالعلاقات التوقيفية المطلقة بين الدال والمدلول، قائلًا إن التماثل بين أصوات الكلمات يتحكَّم بدرجة ما في دلالاتها؛ فتشابه كلمتَين في الصوت مثل الحد والجد لا يهدف منه الشاعر إلى مجرَّد الجناس في العَجُز الشهير «في حدِّه الحد بين الجد واللعب»، ولكنه يقيم علاقةً دلالية أعمق من مجرَّد الزخرفة اللفظية، وقِس على ذلك «الجَد في الجِد والحرمان في الكسل»؛ حيث يكون فتح الجيم الأولى وكسر الثانية بمثابة استغلال للقيود التي تفرضها أصوات الكلمات على معانيها، وقس على ذلك الكلمات العربية التي تعتمد على الإبدال في تنوُّع معانيها مثل الصلب والصلد والجلد، وإن كان جُرجي زيدان يضعها في باب النحت. فالصِّل python أو الأصَلة، وهو نوع من الأفاعي الضخمة يرتبط بوحدة الصوت الدنيا في هذه الكلمات وبالكلمة القريبة من اسمه وهي سلَّ وتسلَّل وانسل، وقارن بذلك الصلدم وهو الأسد، إلى آخر القائمة التي لا تكاد تنتهي من الكلمات المتماثلة صوتًا وتعتمد على الإبدال في تغيُّر دلالتها قليلًا، وإن احتفظت بالجوهر الدلالي مثل ثار وفار ودار ودال وزال، ومثل ما لاحظه العقاد في كتابه «اللغة الشاعرة» في اشتراك الكلمات التي تشترك في بدايتها بالنون والفاء في معنى المُضي والانقضاء، مثل نفس ونفذ ونفر ونفع، وما إلى ذلك.
وليس معنى رفض العلاقات التوقيفية المطلقة نفي الصلة التوقيفية أصلًا بين الدال والمدلول، ولكن معناه وضع قيود على هذه العلاقات في حدود الأعراف اللغوية، باعتبار العلامات وسائل عرفية لا ينبغي افتراض عدم وعي أي إنسان بها (إلا إذا كان لم ينشأ في كنف اللغة ولم يتشرَّبها صغيرًا). ويستند جاكوبسون في ذلك إلى آراء بيرس، ويركِّز هنا على مفهومه للأيقونة icon، منتفعًا في ذلك أيضًا بآراء هوسيرل عن الدافع أو الغرض الذي يحكم استخدام العلامة. فالأيقونة هي أبسط تمثيل للشيء؛ «لأنها تشبهه وحسب» كما يقول بيرس، ولكن أوجه الشبه تتفاوت؛ فالأيقونة قد تشبه الشيء الذي تمثِّله ظاهريًّا، وهي هنا تصبح حسبما يقول صورة image. ولكنها قد تشبهه إذا كانت تتضمَّن في ذاتها نفس العلاقات المدركة التي يتسم بها الشيء المعني، مثل نسبة الأجزاء إلى الكل، أو التجانس البنائي، وهلم جرًّا، وهي ما يطلِق عليه بيرس تعبير «الرسم» diagram سواء كان ذلك رسمًا تمثيليًّا أو توضيحيًّا، وهذا هو ما حيَّر جاكوبسون فيما يبدو؛ لأن المناهج التقليدية لتفسير التمثيل اللغوي — أي لتعبير اللغة عن الأشياء — كانت دائمًا تتجاهل الدافع على التصوير أو الرسم، وتركِّز على الكلمات التي تحاكي أصواتها أصواتًا غير لغوية، وهي ما تسمَّى المحاكاة الصوتية؛ أي onomatopoeia. ولمَّا كانت الكلمات التي توحي بذلك قليلة (حفيف – خرير – قعقعة، وما إلى ذلك) وليست أساسيةً في اللغة، بل في معظم لغات العالم، فقد حوَّل جاكوبسون اهتمامه إلى محاولة اكتشاف طاقة اللغة على الرسم diagrammatic capacity، والتصوير iconicity، وهو ما يتبدَّى في أبنية العلامات اللغوية الصوتية والصرفية والتركيبية التي تحاكي أبنية المدلولات أو تتسق معها، فقول مندوب كسرى لعمر بن الخطاب عندما رآه نائمًا دون حُراس ودون حاشية «حكمت فعدلت فأمنت فنمت» (على ما جاء في الأثر)، يفصح عن بناء منطقي ينم على الدافع وراء هذه السلسلة من الأفعال، ويغيِّر من معنى الفاء؛ إذ هي حرف عطف بسيط أولًا، ثم هي فاء سببية، ثم هي تجمع بين العطف والسببية ثالثًا، ممَّا يختلف عن صياغة حافظ المنظومة التي تكسر بناء العلامات الداخلي:
وقال قولة حق أصبحت مثلًا
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم
فنمت نوم قرير العين هانيها
وإن كان يمكننا أن نزعم أن حافظًا هنا يقيم عالمًا universe دلاليًّا semantic مختلفًا عن طريق تعديل العلامات بإبطاء الإيقاع الشعري، وبسَطَ وجهة نظره بسطًا مطمئنًا (في البسيط!).
وبعد أن ثار دريدا ثورته، التي عرضنا لها، على هذه المفاهيم جميعًا وهدمها هدمًا، اضطُر جميع الذين أصروا على مواصلة استخدام تعبير العلامة في كتابتهم النقدية إلى تعديلها تعديلًا جذريًّا في مرحلة التفكيكية، ويمكننا أن نُجمل هذه التعديلات تحت ثلاثة عناوين أو أبواب رئيسية هي؛ الإمبريالية اللغوية linguistic imperialism، والحتمية الدلالية semantic determinism، والفردية اللفظية monologism.
  • (١)
    الإمبريالية اللغوية: ومعناها تخفيض مستوى الأبنية الشعرية (وغيرها من الأبنية) إلى مستوى البيانات اللغوية linguistic data؛ أي الظواهر اللغوية التي يمكن للقارئ أن يلمحها في القصيدة؛ فالبيانات هنا تعني المعطيات données أو المعلومات information كما سبق أن ذكرنا، وهي المعلومات التي توفِّرها لنا إحاطتنا باللغة مبنًى ومعنًى.
ويعلِّق ريفاتير Riffaterre على ذلك قائلًا إن البنيوية قد تكون على صواب في اعتبار الشعر لونًا من الاستغلال (بالمعنى الحميد للاستغلال) للطاقات اللغوية. ولكن الأنماط (أي الأشكال المتكرِّرة) التي يكشفها التحليل اللُّغوي في النَّص ليست جميعًا وبالضرورة ذات تأثير جمالي، بل قد يصعب إدراك الكثير منها.
ويقول ريفاتير: «إن الحقائق الأسلوبية يجب أن تتسم بطابع خاص، وإلا تعذَّر التفريق بينها وبين الحقائق اللغوية.» أو بتعبير آخر إن الشفرة اللغوية وحدها لا تكفي لقراءة القصيدة باعتبارها قصيدة، بل يجب استكمالها supplemented بشفرات إضافية من قبيل الأعراف الأدبية الخارجة عن نطاق المباحث اللغوية.

وهكذا يقول جوناثان كالر (الذي سبقت الإشارة إليه) إن الاستجابة الملائمة للشعر الغنائي مثلًا تتطلَّب مجموعةً معيَّنة من التوقُّعات العرفية التي تتخطَّى اللغة، وهي:

  • (أ)
    المسافة التي تفصل بين النص ومؤلفه، وكذلك بين القصيدة والموقف الذي تُقرأ أو تُلقى فيه، وهو ما يسمَّى بالابتعاد أو الانفصال النصي؛ أي textual detachment والذي يرجع إلى ما يسمَّى ﺑ deixis (وهي كلمة لم تدخل المعاجم بعد، وهي مستعارة من العلوم اللغوية والصفة منها deictic)، وكالر يشرحها في غضون كتابه قائلًا إنها تتضمَّن الإيحاء بهُوية المتحدِّث، وهُوية المستمع أو المخاطب، والمكان الذي يوجد كل منهما فيه، وهذا أكثر شيوعًا في الشعر المسرحي منه في الشعر الغنائي، وإن كان الانفصال النصي مهمًّا في كل الأنواع الأدبية (انظر المعجم).
  • (ب)
    التماسك الدلالي coherence بمعنى الوحدة الداخلية؛ أي الاتساق المنطقي حتى بين الأجزاء المتباينة، بحيث تصبح القصيدة كُلًّا موحَّدًا، وهذا يختلف عن التماسك اللغوي cohesion بمعنى الائتلاف النابع من الترابط اللغوي.
  • (جـ)
    المغزى significance بمعنى الأهمية النفسية، كأن تتضمَّن القصيدة لحظة إشراق حدسية epiphany، وقد تكون شعوريةً أو فكرية.
  • (د)
    المقاومة والاستعادة resistance and recuperation؛ أي ألَّا يَحُول سطح القصيدة (بمعنى معناها الظاهر) دون إمكان تحليلها والنفاذ إلى أعماقها؛ فالمقاومة يعني بها كالر الإعتام opacity الذي يجب ألَّا يمنع من إمكانيات الشفافية possibilities of transparency.

ولكننا في الواقع لسنا مضطرين إلى اللجوء إلى الأعراف الأدبية أو الاكتفاء بها في التحليل السيميوطيقي للشعر أو للأدب بصفة عامة، وخير نموذج على ذلك فن الدراما الذي يجدِّد من أعرافه عامًّا بعد عام مع ثبات بعض جوانبه السيميوطيقية، ومنها على سبيل المثال وجود الفجوات أو الثغرات في تصارع الأفكار والمشاعر داخل المشهد الواحد.

ويستخدم نُقاد السيميوطيقا المسرحية تعبير دريدا الذي سبق ذكره، وهو aporia بمعنى مناطق القلق أو عدم اليقين (وهو المعنى الأصلي) في الإشارة إلى هذه الفجوات. وقد يلجأ المخرج إلى الحركة ليسد الفجوة، أو يستعيض عن الحركة بانفعال جسدي أو نفسي دون حركة، وقد يؤكِّدها إذا كان مفهومه للنَّص يتطلَّب ذلك. ومنها أيضًا التحوُّل من التمثيل إلى السرد في غضون المسرحية؛ فأسلوب السرد المسرحي داخل الفعل الدرامي يوصف بأنه diegetic وليس narration، وهو السرد الروائي؛ لأنه يربط ما يحدث على المسرح بما يحدث خارجه. وقد يقع السرد المسرحي باعتباره فعلًا diegetic act داخل الحدث المسرحي فيقيم روابط زمنية temporal بين الحدث الآني immediate action؛ أي الذي يحدث الآن على خشبة المسرح (وكان رشاد رشدي يترجم الاسم منها بحضورية الحدث (immediacy of action) بما حدث في الماضي. ومنها كذلك كل ما يتصل بالأداء المسرحي مثل ما يلي:
(أ) العناصر الصوتية شبه اللغوية paralinguistic، مثل نبرات الصوت وتنغيمه وارتفاعه وانخفاضه ومصاحبته بشهيق أو زفير. (ب) عناصر الحركة المسرحية؛ أي حركة جسد الممثِّل على خشبة المسرح وحركات يدَيه مثلًا ومعانيها، ويشار إليه باصطلاح kinesics (أي علم الحركة). (ﺟ) الاتجاه للحركة أو ما لا يمكن فصله عن الحركة سواء عند قراءة النص أو عند تصوُّر إخراجه، ويوصف بأنه proairetic؛ أي (الطابع الحركي). (د) دلالات المكان؛ أي التفاصيل الخاصة للبقعة المحدَّدة التي يدور فيها الحدث، والتي تؤثِّر في معنى الحوار أو الكلام المسرحي، ويُشار إليها بتعبير proxemics.

فهذه جميعًا من العلامات التي لجأ إليها النقاد الذين تأثَّروا بالتفكيكية لدراسة النص دون اعتباره ظاهرةً لغوية كاملة في ذاتها، ولو أننا يجب أن نشير من جديد إلى ما سبقت الإشارة إليه، في غضون الحديث عن مدرسة موسكو-تارتو، من إطلاق عدد من العلماء السوفييت تعبير «النظام الثانوي لوضع النماذج» على الفن اللغوي؛ أي تحويل «النظام الأولي» للغة؛ أي اللغة في استخداماتها العادية، إلى نظام خاص للدلالة من خلال علامات لغوية وغير لغوية، مثل الأعراف الأدبية وظواهر الأداء الحقيقية أو المتخيَّلة، التي تعتبر شفرةً فنية يختص بها كل نوع أدبي ويتميَّز بها عن سواه؛ وهم إيفانوف، ولوتمان وأوسبينسكي.

ولذلك فلم تكن مشكلة الهيمنة اللغوية (أو ما سبقت تسميته بالإمبريالية اللغوية) ذات بال حقًّا؛ لأن الشفرة الفنية المشار إليها، والتي تعتبر جوهريةً لتحويل النظام الأولي إلى ثانوي (انظر القسم الأول الذي يناقش فيما يناقش معنى الأولي والثانوي) تتضمَّن نظمًا ثانوية أخرى في أعماقها وترتبط بها ارتباطًا شديدًا، مثل نظم الفنون الأخرى والعلوم والدين وما إليها، في إطار كبير واسع هو النظام الثقافي لفترة زمنية محدَّدة.

وهكذا يتضح أن المعايير الأدبية بمعنى norms (وهي كلمة تتضمَّن الأعراف وكل ما يقبله المجتمع) هي ثمرة لتفاعل العلاقات التي تنتمي للعديد من الشفرات الخاصة بشتى النظم وتصعب دراستها بمعزل عنها. ومن هذه الزاوية تصبح دراسة العلامات الأدبية؛ أي السيميوطيقا، فرعًا من العلامات الثقافية، وهو ما يدعو إليه ريتشارد وولين Richard Wolin في كتابه الأخير بعنوان:
The Terms of Cultural Criticism: The Frankfurt School, Existentialism, Post Structuralism (Columbia Univ. Press) New York, 1992.

وتصبح فيه السيميوطيقا هي «المعلومات المتراكمة، والمحفوظة والتي تتناقلها شتى جماعات المجتمع البشري، وهي معلومات غير وراثية، وإن كنا نجمعها ونتوارثها».

  • (٢)
    الحتمية الدلالية semantic determinism: ومعناها أن النمط الذي تتخذه أو يكتسبه التعبير الشعري؛ أي الشكل المتكرِّر الذي تبرز فيه أبنية الألفاظ (الدوال) والجمل، يحدِّد النطاق الواسع للمعاني؛ أي الدلالات. وهنا أيضًا لا بد أن نعود إلى مدرسة براغ لنرى كيف تصدَّى لهذه الفكرة أحد أقطاب المدرسة، وهو فيلكس فوديشكا، والذي ركَّز جهوده على إيضاح انكسار rupture الخط الزمني الذي يربط بين العلامات الأدبية ومجموعة الأعراف الأدبية التي نقرأ أو نشاهد هذه العلامات من خلالها.

وقد سبق لي أن ذكرت أن فوديشكا لم ينل حظه من الشهرة، على عمق ما استحدثه من نظريات في مجال التلقي، والواقع أن تاريخ التلقي أو التذوُّق الأدبي يدل بوضوح على إعادة وضع بعض الأعمال الأدبية على خريطة الإبداع المتميِّز، بعد تجاهلها فترةً طويلة، بسبب استحداث شفرات فنية لم تكن قائمةً عندما كتبت، والنتيجة أن النظرة النقدية لها تختلف من زمن إلى زمن، بل إن مفهومها نفسه ودلالاتها نفسها تصبح عرضةً للاختلاف؛ ممَّا ينقض مبدأ الحتمية الدلالية المشار إليه.

وإلى جانب عنصر التفاوت الزمني فإن التنظيم الداخلي — وهذا مصطلح مستقًى من العلوم الاجتماعية — لبعض الأعمال الأدبية يجعلها تستعصي على أي تفسير كلي «محتوم»؛ فهي تنتمي إلى ما يسمِّيه أومبرتوإيكو، صاحب نظريات الاتصال والتواصل بالأعمال ذات «الأبنية المفتوحة» open works؛ أي التي تشكِّل أبنيتها السيميوطيقية علامات مبهمةً أو غير محدَّدة indeterminate. وقد يكون مصدر الإبهام إمَّا أن علاماتها تنتمي إلى شفرات لا تتميَّز بالاتساق فيما بينها incompatible codes مثل دلالة العربة الحنطور في سياقَين زمنيَّين أو مكانَين مختلفَين، ودلالات ركوبها والنزول منها في أزمنة وأمكنة مختلفة، والتعامل مع السائق في كل حالة، والأوضاع الاجتماعية للركاب وما إلى ذلك، خصوصًا عند الترجمة من لغة إلى لغة. وإمَّا أن علاماتها تنتمي إلى سياق لم تتحدَّد شفراته بعدُ أو لم توضَّع أصلًا. ومن أمثلتها النصوص الأدبية لدى قبائل الهنود الحمر في أمريكا، أو بعض لغات أفريقيا السوداء التي تُرجمت إلى الفرنسية وحيَّرت القراء. ويقول أحد شُراح رولان بارت إن ذلك هو ما دفعه إلى قول عبارته الشهيرة بخصوص نص الكتابة؛ أي الذي يشارك القارئ في كتابته scriptible، والتي تُترجم أحيانًا ﺑ writerly (شتاينر) وأحيانًا ﺑ written (فاولر وكالر)؛ إذ قال إن مثل ذلك النص يمثِّل تفاعل الدلالات تفاعلًا حرًّا ودون حدود، فهو يتضمَّن «كوكبةً من الدوال لا بناءً من المدلولات»؛ لأن «الشفرات التي يحشدها تمتد إلى آخر مرمى البصر»، ولأنها شفرات «لا يمكن تحديد معناها (فالمعنى فيها لا يمكن إخضاعه لمبدأ التحديد أو البت والقطع إلا عن طريق القرعة أو رمي النرد)».
ويجدر بنا أن نُشير إلى جانب آخر من جوانب النقد الموجَّه للحتمية الدلالية، وهو ما أبدته جوليا كريستيفا من اعتراضٍ على البنيوية بسبب تجاهلها للذات المتكلِّمة؛ أي للمتحدِّث باعتباره كِيانًا نفسيًّا بيولوجيًّا. فهي تعتقد أن اللغة الشعرية ليست نشاطًا يخضع لنظام صارم، ولكنه أولًا وقبل كل شيء إبداع يتعدَّى على النظام system-transgressing وفقًا لطاقة المتحدِّث على الفرح والمتعة jouissance. ولمَّا كانت كريستيفا من أعلام النقد الأدبي النسائي فيجمل بنا أن نورد قولها برمته؛ فالنص الأدبي في رأيها:
«لا يعمد إلى المطابقة الدقيقة أو السلسة بين مجموعة من الدَّوال، كل منها بمعزل عن الآخر discrete، وبين دلالة كل منها، استنادًا إلى منطق التناظر الشكلي isomorphism، ولكن النص الأدبي قد يمثِّل تفجُّر irruption النوازع السيميوطيقية للذات (مثل الدوافع الغريزية والجنسية) في إطار نُظم رمزية موجودة سلفًا. وفي ذلك تكمن طاقته على التحرير؛ فالنص الأدبي قادر على إذابة dissolve الشبكات grids اللغوية المعتادة وإنشاء شبكات جديدة من الإمكانيات الدلالية.»
وجوليا كريستيفا هي التي أشاعت، كما هو معروف، مصطلح التناص intertextuality الذي يتضمَّن نفس المبدأ الذي تستند إليه هنا في ربط العلامات القائمة في أي نظام لغوي أدبي بما تسمِّيه النظم الرمزية «الموجودة سلفًا»، وسوف نناقش ذلك في النقطة التالية.
  • (٣)
    الفردية اللفظية monologism: ويعني استحالة دراسة العلامة إلا في علاقتها بالنظام المجرَّد أو بالنَّمط المفترض للقدرة اللغوية (langue)، بغض النظر عن وظيفتها في التوصيل أو التواصل. وقد أُثيرت هذه القضية في أواخر العشرينيات أول الأمر عندما تعرَّض الباحثون لمذهب ميخائيل باختين، الذي سبقت الإشارة إليه، وكان أهم من ناقشها ب. ن. ميدفيدييف وف. ن. فولوشينوف اللذان عرضا أولًا لمعنى التوصيل لدى باختين، ثم أوحيا باحتمال استقلال معاني الكلمات في ذاتها حتى أثناء عملية التوصيل.
وكان باختين يرى مع من ناصره أن اللغة لا يمكن وجودها خارج عملية التواصل أي الحوار، وعندما كُتب لهذه القضية أن تعود إلى مركز الضوء في أواخر الستينيات، كانت أفكار سوسير عن اللغة وتصوُّر وجود القدرة اللغوية المجرَّدة قد شاعت. وهنا رأى أنصار باختين أن هذه القدرة المجرَّدة يمكن أن تمثِّل جهازًا خاصًّا (ما سبق أن أسميته بالآلية mechanism) لدى كل فرد، بحيث تساعده على تحويل معنى العلامة إلى ما يتفق مع ذهنه ونفسه عند تلقِّيها ممن يحادثه ويحاوره interlocutor؛ أي إن فهم المتحدِّث الآخر ليس معناه الإدراك السلبي لعلامات يتطابق بعضها مع البعض، بل هو في الحقيقة نشاط إيجابي ﻟ «تحويل ملكية» العلامة؛ أي لضمِّها إلى جهاز التلقي الخاص بالمستمع appropriation، أو بتعبير أبسط لترجمة الكلمة المسموعة أو المقروءة إلى اللغة التي نعرفها.
وعلى هذا يصبح استخدام أي لغة لونًا من الحوار، بمعنى الاستجابة إلى كلمة ما بكلمة أخرى، وكذلك نرى أن بناء كل تركيب لغوي، لا بد أن يمثِّل هذه العملية الحوارية. ومعنى هذا إذن أن الكلمة ليست كِيانًا ساكنًا له معنًى محدَّد ثابت، بل هي مركز حركة locus of action: تتقاطع لديه اتجاهات شتى للمعنى، بل اتجاهات قد تتعارض بل وتتصارع.
ويرى أنصار باختين أن مجال الرواية هو المجال الأدبي الأول الذي يتجلَّى فيه هذا المبدأ الحواري، لكن جوليا كريستيفا حقَّقت نجاحًا كبيرًا في تطبيق هذه النظرة على الشعر ولغة الشعر، وكان معنى «التناص» — المصطلح الذي ذكرنا أنها أشاعته — مقصورًا في أول الأمر على تعدُّد الأصوات polyphony في الشعر بأبسط معنًى اشتقاقي له، وهو الازدواج في النظم بين الإيقاع المجرَّد rhythm (سواء كان يتمثَّل في النبر accent أو في توالي الحركات والسكنات)، وبين أصوات الحروف نفسها، ومن تطوُّر معناه ليدل على تشابك المعاني الداخلية للكلمات مع معانيها أو نظائرها أو «أقربائها» في نصوص أخرى خارج القصيدة، ثم اتسع معناه أخيرًا في دراسة السيميوطيقا ليدل على التشابك بين النصوص على أي مستوًى؛ صوتيًّا كان أو دلاليًّا أو تركيبيًّا.

وقد طبَّق ريفاتير ذلك المبدأ في تحليله للشعر الفرنسي في القرنَين التاسع عشر والعشرين، قائلًا إن: «الكلمة أو العبارة تصبح شعريةً إذا كانت تُحيلنا إلى أسرة كلمات أخرى موجودة سلفًا. وإذا كانت عبارةً فهي تحيلنا إلى النَّمط الذي يتسم به تركيبها في تلك الأسرة.»

ويقول ريفاتير إن النصوص الشعرية تعتمد اعتمادًا كبيرًا على ما يسمِّيه بالتعابير الباطنة hypograms — مثل القوالب اللغوية الثابتة (الكليشيهات clichés) والمقتطفات quotations أو الأمثال أو الحكم السائرة sayings — أي التعابير الشائعة loci communes في الفترة التي صَدَر فيها النص، ولا يكتمل معنى النص الشعري إلا إذا أحاله القارئ إلى الخلفية اللغوية التي ولدته verbal background. وينتهي من ذلك إلى القول بأن التفسير الناجح لقصيدة من القصائد لا يتأتَّى إلا إذا اكتشف الناقد أنماط التعابير الباطنة الملائمة لها؛ فهذه تمثِّل المفتاح المباشر من الزاوية السيميوطيقية لضم شتى العناصر المتباينة في النص في إطار كلي موحَّد.
ولا تقتصر نظرية السيميوطيقا على الأدب وحده بطبيعة الحال، فلقد سبق لنا أن أشرنا إلى جهود البنيوية في الستينيات في تحليل الشفرات السيميوطيقية التي تحكم شتى الظواهر في العلوم الإنسانية، مثل النثر السردي (جينيت وتودوروف)، والفكر الأسطوري (ليفي-شتراوس) واللاوعي (لاكان) والموضة (بارت) والأفلام (لوتمان)، كما امتدَّت شِعاب البنيوية إلى شتى العلوم السلوكية، وقد بدأت منذ أوائل التسعينيات محاولة لتحديد مجال البحث الجديدة؛ مثل علم دلالات الحركة kinesics (ومعناه، كما سبق أن ألمحنا عند الحديث عن المسرح، هو الإيماءات والحركات الجسدية باعتبارها قنوات conduits للمعلومات)، وعلم دلالات المكان proxemics (ومعناه، كما سبق، هو التنظيم المكاني للبيئة البشرية). وأخيرًا التواصل بين الحيوانات zoosemiotics، وهو مصطلح ولده سيبيك خصوصًا، للاستفادة منه في دلالة بعض العلامات التي نستخدمها في فنون الأداء، وبخاصة الرقص والمسرح.
١  Essay Concerning Human Understanding. 1689 “The business whereof is to consider the nature of signs the mind makes use for the understanding of things, or conveying its knowledge to others,” p. 32.
٢  ربما كانت أقدم مناقشة لوظيفة العلامة اللغوية ومعناها هي التي أوردها أفلاطون في حواريته كراتيلوس Cratylus، حيث يبرز الصلة أو الرابطة بين صوت اللفظ ومعناه، باعتباره نتيجة عوامل الطبيعة في مقابل عوامل العرف؛ أي physei في مقابل thesei، وهو التقابل أو الفصل dichotomy الذي جرت على غراره المناقشات التالية للموضوع. وقد وردت مناقشات مماثلة في دراسات أرسطو عن التفسير والبلاغة، وكذلك في كتابات القديس أوغسطينوس.
٣  أهم المحدثين هم لايبنتز Leibniz، ولامبرت Lambert وكوندياك Condillac وبولزانو Bolzano.
٤  “A sign or representation is something which stands to somebody for something in some respect or capacity.”

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤