الفصل السادس

مدرسة موسكو-تارتو

واستمرَّت الحركة الأوربية من خلال الهجرة والتفاعل والترجمة، فنحن نلاحظ انتقال مفهومات معيَّنة من بلد إلى بلد، ثم تطويرها وتوسيع نطاقها على ضوء العلوم الحديثة. وأحيانًا كانت المصطلحات تُنقل كما هي دون تغيير في الألفاظ (إلا في حدود ما تقتضيه كتابتها بحروف مختلفة)، ثم تُضاف إليها معانٍ جديدة، وكان العاملان الأساسيان اللذان ساهما في تعديل هذه المصطلحات هما تطوُّر علوم اللغة (اللغويات) وظهور الكمبيوتر؛ أي ما يُترجَم في الأمم المتحدة باسم «الحاسب الآلي» (وما هو بآلي بل إلكتروني)؛ ممَّا أدَّى إلى ما يسمَّى بوضع النماذج (الذي سوف نناقشه في الصفحات التالية)، وتبسيط مناهج التحليل استنادًا إلى اللغة الثنائية binary للكمبيوتر التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا، من الناحية الفلسفية، بمدرسة التحليل اللغوي الحديثة الرامية إلى التفرقة بين الصحة والخطأ في التعبير استنادًا إلى فكرة الإثبات (أو الموجب positive) والنَّفي (أو السالب negative)، وهي الفكرة التي تَدين بتطويرها إلى الفلسفة الرياضية التي كان برتراند راسل ووايتهيد وفتجنشتاين من كبار رُوَّادها. ولذلك كان الروس من أوائل من طبَّقوا هذه الفكرة في الأشكال الأولى للكمبيوتر، وكانت آلة السيجما sigma (التي تشير إلى حرف من حروف اللغة اليونانية) المبسَّطة التي وضعوها في أواخر الأربعينيات من أوَّل نماذج استخدام اللغة الثنائية في الإشارة إلى شتَّى المعاني، حتى نمت شفراتها وتكاملت وأصبحت لغة الكمبيوتر التي نعرفها اليوم.
ولا يجب أن نخلط بين هذا الاتجاه وما يسمَّى بالسَّيبرنطيقا cybernetics؛ أي علم نظم التَّحكُّم (البشري أو الآلي)؛ فهذا العلم تعريفًا هو علم الدراسة المقارِنة لنظم التحكُّم البشرية، مثل المخ والجهاز العصبي، والنظم الإلكترونية. وقد وُضعت الكلمة أول الأمر عام ١٩٤٨م، مشتقةً من اليونانية kybernetes بمعنى موجِّه دفَّة السفينة أو قائدها، وفي عام ١٩٦١م وُضعت كلمة أخرى مشتقة منها هي cybernation لتشير إلى استخدام أنظمة الكمبيوتر المعقَّدة في العمل وفي المصانع الكبرى، كما هو الحال الآن.
واللغة الثنائية أو النموذج الثنائي معناه وضع وحدات تتضمَّن التقابل بالموجب والسالب، بحيث تصبح رموزًا متفاوتة التعقيد، وتشكِّل فيما بينها لغةً كاملة الأعضاء، قادرةً على احتواء جميع العلامات signs الممكنة في اللغة المنطوقة والتعابير المخطوطة (أي بالخط) أو التي يعبَّر عنها باللون والمساحة. وأنا أذكر هذا عرضًا (باعتباره معجزة الكمبيوتر) بسبب ارتباطه بالعلوم البحتة؛ أي العلوم النظرية الخالصة (مثل الرياضة البحتة pure mathematics) التي أصبحت أُسس العلوم الطبيعية، والتي أثَّرت في الخطوة التالية في التفكير النقدي خصوصًا فيما اتُّفق على تسميته بمدرسة موسكو-تارتو.١
ومن المجالات التي طرقتها هذه المدرسة مجال السيميولوجيا semiology؛ أي علم العلامات، أو السيميوطيقا semiotics، وهو عادةً ما يتضمَّن علم التراكيب syntactics، وعلم دلالة الألفاظ semantics، وعلم تداول الألفاظ في سياقات مختلفة، أو التداولية pragmatics. واللفظة مشتقة من اليونانية sema بمعنى علامة أو رمز، وهي وثيقة الصِّلة في اللغات الهندية الأوربية بمادة ذياء dhya (أو زياء أو ضياء) بمعنى يرى أو الرؤية أو الضياء! وقد اتخذت غنة التصريف (التنوين) في السنسكريتية فأصبحت ذيامن – ذياءن – (ضيامن) dhyaman بمعنى الفكر؛ ولذلك يجب ألَّا نتسرَّع فنربطها بالسيمياء العربية (انظر مقدمة ابن خلدون، ص١١٥) وإن كان اشتقاقهما واحدًا، مع أن المعجم الوسيط يساوي في آخر طبعة بين السيماء والسيمياء والسيما، ولا يورد إلا شاهدًا واحدًا هو «سيماهم في وجوهم»؛ أمَّا ابن خلدون فهو يشير إلى السيمياء بمعنى الرجم بالغيب: «كان شيوخنًا ينقُلونها عن شيخ المغرب في هذه المعارف من السيمياء وأسرار الحروف والنجامة … وهذه كلها مدارك للغيب غير معزو إلى أرسطو … ومن هذه القوانين الصناعية لاستخراج الغيوب … إلخ» (١١٥-١١٦).
وعلى أي حال فإن تعريب السيميولوجيا والسيميوطيقا مقبول وشائع، ولا حاجة بنا إلى العودة إلى مادة عربية قديمة لاشتقاق جديد، أو لاستعمال «السيمياء» إلا إذا أقرَّنا عليها المجمع أو أساتذة العربية. والمدرسة التي نحن بصددها توسَّعت في تطبيق المناهج العلمية المستندة إلى النظام الثنائي الذي ذكرته، وكانت أهم ملامحها هي النظرة الشاملة التي أتاحت ضمَّ تراث الشكلية الروسية إلى المذهب البنيوي، ونظرية النظم، والنظرية الثقافية، والفولكلور، وعلم الأساطير، والسيميوطيقا، وعلوم اللغة الحديثة، ونظريات الإعلام والسيبرنطيقا. وكان عملها يتميَّز بما يلي:
  • (١)
    تركيزها على الحقائق الملموسة concrete facts، وخصوصًا تحليل الأعمال الأدبية التي لم تُدرَس من قبل، والظواهر الثقافية.
  • (٢)
    مرونتها flexibility، وتطويع نفسها للواقع الأدبي pragmatism، وانفتاحها openness على كل تياراته؛ إذ لم تقتصر على مفهوم واحد لفن الشعر ونظرية الأدب.
  • (٣)
    تطوير إطارها النظري theoretical framework.
وكانت في المرحلة الأولى (حتى منتصف السبعينيات) تعتمد منهجًا في البحث methodology يقوم بصفة أساسية على النموذج model الذي قدَّمته اللغويات البنيوية structuralist linguistics (وخصوصًا على أيدي سوسير وتروبتزكوي Trubetzkoy وجاكوبسون) وتطبيق مفاهيمه الأساسية على نطاق واسع مثل ألوان التقابل بين الطاقة اللغوية langue والكلام المنطوق parole، وبين الشفرة code والرسالة message، وبين التزامن أو الآنية synchrony والتوالي الزمني أو التعاقب الزمني diachrony، وبين المميَّز marked وغير المميَّز unmarked، وهذه مفهومات قد تتضاد وقد تجتمع في الأعمال الأدبية، وسوف نناقش كلًّا من هذه المصطلحات الأدبية وترجماتها في الفقرة التالية.
وما دامت «العلامات» بالمعنى الذي سبق تحديده، هي التي تؤدِّي الدور الأساسي في الأنشطة الإنسانية التي لا تتوسَّل باللغة وإن كانت ذات وظائف مماثلة لوظيفة الأدب؛ فقد أدرجتها المدرسة في مجال الدراسة الحديثة مثل الفولكلور والأسطورة والأفلام، بل وغير ذلك من الأنشطة الثقافية، ولكنها قالت إنها نماذج ثانوية للأبنية الأدبية أو إنها، بتعبير أحد رُوادها «نظم ثانوية (لوضع) النماذج» secondary modelling systems (وسوف يلاحظ القارئ أنني تجنَّبت استخدام الفعل المستخدَم في الكتابات العلمية الحديثة ترجمةً للكلمة الوسطى في المصطلح الإنجليزي وهو «نمذج» والاسم منه؛ أي النمذجة، ابتغاء التبسيط). ووصفها بعض أصحاب المدرسة بأنها لغة language، وقالوا إنها مبنية على أُسس اللغة الطبيعية natural language؛ أي اللغة التي يتكلَّمها الإنسان ويكتبها، في مقابل اللغات الرمزية الموضوعة مثل لغة مورس Morse المستخدَمة في التلغراف ولغة الكمبيوتر.

المصطلحات الجديدة

لنتوقَّف عند هذه المصطلحات لنرى كيف ترجمناها ولماذا؟ ولنبدأ بأول كلمة في الفقرة السابقة، وهي methodology، وقد تُرجمت «بمنهج البحث»، والمعنى الأدق علم مناهج الأبحاث، وهي عبارة طويلة، وإخواننا المترجمون في الأمم المتحدة وجدوا لها حلًّا هو المصدر الصناعي فترجموها ﺑ «المنهجية»، وهو كما ترى، ليس بحل على الإطلاق؛ فالمصدر الصناعي معناه الصفة أو الحالة المرتبطة بالاسم أو المجرَّدة منه (بمعنى المشتقة منه)، كقولك «المذهبية» أي صفة اتباع مذهب ما، عند الإشارة إلى التفرقة بين الفيلسوف المذهبي systematic philosopher وغير المذهبي؛ فالمذهبي هو من له مذهب فلسفي؛ أي system، وكقولك «أدبية» الأدب؛ أي الصفات التي يتصف بها الأدب وتشكِّل جوهره الأدبي أو «حالته» الأدبية، انظر القسم الأول). ومن هنا فإن المنهجية هي صفة أو حالة اتباع منهج ما، وهذا غير المقصود. وفي مثل هذه المصطلحات نرجع إلى العُرف والاستعمال والتواتر conventions/usage/frequency على الترتيب، فنرى الكُتَّاب دائمًا ما يستخدمون methodology بمعنى method of approach؛ أي منهج التناول أو المعالجة، وعلى هذا لا نكاد نلحظ فروقًا بين الكلمتَين الإنجليزيتَين في الاستعمال، رغم اختلاف الدلالة البنائية والمعجمية.
والكلمة الثانية هي model، وهي تشترك مع mode في الأصل اللاتيني modus بمعنى مقياس أو طريقة أو أسلوب، وتختلف عنها اختلافًا كبيرًا في أنها أصبحت تعني النموذج بالمعنى الحديث، وفي شتى السياقات، وهي: (أ) صورة مصغَّرة لشيء أو تمثيل لمشروع أو لشخص أو لبناء أو لفكرة عامة أو خاصة miniature representation. (ب) من يوصف بأنه نموذج للأخلاق الفاضِلة أو للأستاذ المتفاني في عمله مثلًا paragon. (ﺟ) أسلوب style اتسمت به صناعة أو فن، مثل نموذج عام كذا من الكتابة أو السيارات أو الأبواب! (د) النموذج الذي يرسمه الفنان — مهما كان — أو يصوِّره (الموديل المصرية)، والمشكلة في هذه الكلمة أنها تستعصي على اشتقاق فعل من لفظها، إلا إذا قسناها على الرباعي في الكلمة الفارسية المعربة «هندسة» (من هنداز)؛ أي «يهندس»، فاقترحنا كلمة «ينمذج» وهي ثقيلة الوقع، بل إنها غير صالحة لجميع استعمالات الفعل التي لا تتفق في كل حالة مع معنى الاسم. وأنا أرجئ مشكلة ترجمة الفعل لأن همي هو المصطلح الأدبي البنيوي model.
الكلمتان التاليتان هما synchrony وdiachrony، فالمصطلح الأول واضح؛ ﻓ «التزامن» أو «الآنية» معناه الاتفاق في الزمن أو الوجود في زمن واحد أو في آنٍ واحد؛ أي افتراض اشتراك جميع العناصر اللغوية في زمن واحد معنًى ومبنًى ومغزًى؛ فهي قريبة من كلمة simultaneous ويسيرة الفهم، ولكن معناها هنا مهم لأنها ارتبطت بمذهب معيَّن في علم الألسنة الحديث هو اللغويات التزامنية synchronic linguistics، وهو الذي يحلِّل تركيب لغة أو لغات باعتبارها ثابتةً في الزمن؛ أي رصدها عند مرحلة معيَّنة من مراحل تاريخها.
والواقع أن معظم الدراسات اللغوية التي استوردناها من الغرب تزامنية النظرة، بمعنى أنها تفترض ثبات لغة من اللغات عند مرحلة معيَّنة لدراستها، وربما كان هذا ما أغرى الدارسين لدينا بالتركيز على العامية المصرية لأنها تحقِّق هذا المفهوم. وقد دعا سوسير إلى الاهتمام بالمستوى «التزامني» أو الآني، واتبعه جمهور دارسي اللغويات، وإن كان غيره قد دعا أيضًا إلى الجمع بين النظرتَين، «التزامنية» أو الآنية، والأخرى التي تأخذ في اعتبارها التغيُّرات التي طرأت على التراكيب والألفاظ على مر الزمن diachronic. وقد ترجمت الاسم منها «بالتوالي أو التعاقب الزمني»، وهو تعبير غير دقيق. فالاشتقاق هنا واضح لأن dia «صدر» أو بادئة prefix يونانية بمعنى من خلال أو عبر (ويُظن أنها مشتقة من الجذر disa بمعنى الانفصال، أو الجذر الموجود أيضًا في أسرة اللغات الهندية الأوربية dis بمعنى اثنَين)، وchronos كما هو معروف تعني الزمن. والمعنى في نظري أقرب ما يكون إلى «عبر الزمنية»، والأفضل أن نضيف إليها صفةً تفيد التغيُّر؛ فهذا هو الذي ترمي إليه الكلمة، ويرمي إليه سوسير Saussure.

وأظن أننا أبناء العربية أقدر من سِوانا على تطبيق هذه النظرية، ومحاولة التحليل اللغوي للأدب من الزاويتَين «التزامنية» أو «الآنية» و«عبر الزمنية»، فإذا رصدنا استعمال شاعر لمجموعة من الكلمات تغيَّرت معانيها عبر الزمن، أو إصراره على تشكيل بناء داخلي من هذه الكلمات التي تقيم علاقات مع فترة أو فترات من الماضي، أصبح البناء الداخلي «عبر الزمن» بنيانًا جديرًا بالرصد وبالمقابلة بينه وبين سائر الكلمات المجاورة لها في الزمن، أو المعاصرة. وقس على هذا استعمال أبنية للجمل لم تعد مألوفةً ومزجها بالأبنية المألوفة، وخصوصًا عندما يمزج كاتب بين التعابير العامية التي ترجمها إلى الفصحى (مثل عبد الرحمن الشرقاوي: «جاءك خابط» في الحسين ثائرًا، ص٧)، وبين تعابير الفصحى العريقة، أو بين هذا وذاك جميعًا لتحقيق أغراض فنية أو غير فنية، ولغة جمال الغيطاني لم تُدرس إلا دراسةً واحدة من هذا اللون (البشير القمري).

أمَّا الكلمتان الأخيرتان marked وunmarked فهما من أعقد ما يتصدَّى له الباحث أو المترجم؛ لأنهما مستمدَّتان من الدراسات اللغوية المحضة، والفعل to mark بهذا المعنى لم يدخل معاجم اللغة حتى عام ١٩٩٤م. أمَّا معناه الأصلي في اللغويات فهو أي وسيلة — لفظًا كانت أو تركيبًا أو علامة فصل — تؤكِّد معنًى معيَّنًا أو بناءً معيَّنًا أو صفةً من صفات الأسلوب؛ فتكرار الكلمة توكيد لفظي ينتمي إلى هذا اللون، وكذلك زيادة صفة توحي بالترادف، أو قطع الجملة واستئنافها، أو إضافة ما يوحي بالربط أو القطع بين الجمل، إلى آخر هذه «الصفات» التي تكتسي بها بعض أجزاء الحديث وتخلو منها أجزاء أخرى. وربما كان ذلك سبب تعريفي لها بأنها مميَّزة، وترجمة marked بالمميَّز، ولكن ذلك، كما هو واضح، لا يشفي الغليل. والواقع أن كلمةً أخرى مثل «الموسوم» أو «المؤكَّد» لن يحالفها التوفيق؛ فالموسوم ستوحي بالموصوم، والمؤكَّد ستقتصر على التأكيد، وهو باب واسع لا نُريد أن نفتحه الآن.
وليت أرباب علوم اللغة لا يضنون علينا بآرائهم في ترجمة هاتَين الكلمتَين العسيرتَين، خصوصًا بعد أن دخلتا مجال النقد الأدبي ولم تعودا مقصورتَين عليهم؛ ففي النقد الأدبي نستخدم الكلمة الأولى بمعنى «المبرَّز»؛ أي الذي يعمد الكاتب إلى إبرازه، وكثيرًا ما نرى في المسرح حِيَلًا تُعين المخرج على إبراز ما يراه بارزًا في النص بترجمة المكتوب إلى مرئي ومسموع (بالموسيقى مثلًا). فالصمت في مسرحيات هارولد بنتر Harold Pinter من وسائل الإبراز؛ أي إن الحديث عندما تتلوه فترة سكوت silence يصبح بارزًا، وقد يصاحب ذلك سكون في الحركة، وقد يصاحبه، على العكس من ذلك، فورة في الحركة! وما يسمَّى في التصوير الزيتي painting (أو غير الزيتي) بالتقديم إلى صدر اللوحة foregrounding (التصدير؟) (وهو تعبير انتقل إلى علم اللغة والأساليب stylistics) نوع من الإبراز، وكذلك يفعل الكاتب، وكذلك يفعل المخرج. أمَّا العكس unmarked فقد سبقت ترجمتها بالخفوت أو الخافت، استعارةً من الصوت، وربما كانت تفي بالغرض في النقد الأدبي، ولكنها لا تفي بالغرض قطعًا في علوم اللغة وعلم الأساليب. هل تُترجَم «بالغُفْل»؟
وهكذا ذكر أصحاب المدرسة، استنادًا إلى هذه الأفكار المستمدَّة من تُراث البنيوية، أن الباحث يستطيع إذا أراد أن يضع معجمًا lexicon (أي مجموعةً من المفردات والتعابير) الخاصة بكل نظام، ويقصد به هنا بطبيعة الحال مجموعةً من العلامات والمعاني المرتبطة بها، وأجرومية grammar؛ أي قواعد الربط بين هذه العلامات combinatorial. ونجد في بعض الدراسات التي صدرت في تلك الفترة توصيفًا للنظم السيميوطيقية البسيطة مثل نظام علامات المرور على الطرق road signs، وقواعد تفسير رموز الخرائط cartomancy، أو الأنواع المعيارية في الفولكلور paremiological genres، وغير ذلك (ولم تترجم الدراسة التي كتبها بيرمياكوف Permijakov بالروسية عام ١٩٧٠م في هذا الباب حتى الآن). وكان يكمن خلف هذه الجهود الإحساس بأن توصيف الأعمال الأدبية التي تتسم بمزيد من التعقيد، مثل الرواية، لن يختلف كثيرًا، على صعوبته، عن هذا المنهج، وإن كان يقتضي وضع لغة خاصة للحديث عن اللغة، أو لغة وراء اللغة metalanguage، ولكن التفاؤل الذي ساد أولًا سرعان ما تبدَّد وذاب في أواخر السبعينيات عندما تحوَّلت جهود المدرسة وانحرفت عن «النموذج اللغوي» linguistic model، وأصبح كثير من علمائها يتناولون النص text بكل ما فيه من ظواهر بدلًا من التركيز على الشفرة. وإذا كانوا قد استمروا في استعمال نفس المصطلحات فإنهم في الحقيقة لم يأتوا «باللغة وراء اللغة» المنشودة، بل اتجهوا (وهذا في رأيي اتجاه طبيعي للمدرسة) إلى الثقافة باعتبارها آليةً معقَّدة complex mechanism جديرة بالدراسة.
وأنا أستخدم تعبير آلية هنا عامدًا بسبب شيوعها في السياقات السياسية، وإن كنت أفضِّل كلمة «جهاز»، ولا يختلف معنى جهاز، أيًّا كان المقابل له بالإنجليزية عن معنى mechanism، كقولك linguistic apparatus أو critical apparatus، وكان المصدر الصناعي في اللغتَين يقتصر استعماله قبل شيوع الكلمة في السياقات السياسية على المذهب الفلسفي الذي يقول بأن جميع ظواهر الكون، وخصوصًا نشأة الحياة على الأرض، يمكن تفسيرها باعتبارها مادةً تخضع في حركتها لقوانين الطبيعة. ولذلك فالآلية تعني أيضًا the mechanical philosophy وشيوع المعنى الجديد؛ أي «الجهاز» الذي تتضافر أجزاؤه في العمل يرجع إلى النظرة الكلية holistic التي اتسم بها عمل هذه المدرسة.
ولا بد أن نشير إلى أن المعنى السياسي الجديد لا يستلزم وجود جهاز يتكوَّن من أجزاء؛ فقد تكون «الآلية» مجرَّد وسيلة أو أداةً لتنفيذ شيء ما، بل وقد تشير في السياسة إلى اتفاقية أو معاهدة أو حتى إلى شخص واحد، ولكن معنى الثقافة لدى المدرسة هو «الجهاز المعقَّد» مثل جهاز الساعة الذي يتضمَّن عجلات متحرِّكة ومتداخِلة. وقد أغرى على هذا التصوُّر وجود شفرات عديدة في كل ثقافة، وهي متحرِّكة ومتداخلة، وكثيرًا ما تدور في عكس اتجاه بعضها البعض، أو تتسم بالتناقض والتصارع، ومن ثم أضافت المدرسة إلى مجالات دراستها العوامل النفسية والاجتماعية، وما يسمَّى بالظواهر اللغوية العصبية neurolinguistics التي تؤدِّي إلى إيجاد ثقافة من الثقافات، أو الحفاظ عليها preservation، أو تحوُّل أشكالها transformation.

الأَوْجِيَّة أم الأَقَمِيَّة؟

وقبل أن نستطرد إلى موقف البنيوية التي دعت إليها هذه المدرسة من الشعر، يجدر بنا أن نناقش ترجمة مصطلح يُعتبَر نموذجًا لِمَا يمكن أن ينشأ من مشكلات عند ترجمة المصطلح الأجنبي بمعنى اللفظ لا بدلالته الاصطلاحية، ألَا وهو ما يسمَّى ﺑ «الأوجية» (مصدر صناعي من الأوج)، ترجمةً لكلمة acmeism. فالكلمة الأجنبية دخلت الروسية من اليونانية acme بمعنى قمة أو ذروة أو الحد الأقصى، وكانت علمًا على مدرسة في الشعر الروسي في أوائل هذا القرن (من أهم شعرائها الشاعرة «أنا أحمدوف»، ١٨٨٩–١٩٦٦م)، وكانت المدرسة تنادي بالوضوح والدقة، والاتجاه إلى إحكام الصنعة، واعتبار الشعر حرفةً فنية (لا بمعنى «أدركته حرفة الأدب»)، وكان مثلها الأعلى هو الحذق والمهارة، فهل يمكن أن يفهم ذلك من تعبير «الأوجية»؟ وهل نقبل الاحتجاج بأن الكلمة الأجنبية لا توحي بكل هذه التفاصيل ولا بد من شرحها كذلك في النصوص الأجنبية؟ وإذا شئنا أن نختار من بين أهم هذه الصفات صفة الوضوح مثلًا — فهل تكفي؟ وربما اخترنا ما هو أهم وهو فن الصنعة — فماذا نقول؟ مدرسة الحرفة؟ الحرفية؟ وما حدود إجادة الحرفة؟

الواضح أن هذه أسئلة تتطلَّب التفكير لأنها تتعلَّق بالقضية والمنهج، وربما خرج علينا من يفضِّل تعريبها بلفظها فيقول «الأَكَمِيَّة»، وقد يشجِّعه على ذلك إيحاء الكلمة بالأكمة أي بالتل، ومعنى الارتفاع وارد فيه، فإذا خشي إيحاء الكلمة بالمأكم والمأكمة فربما أحال الكاف قافًا، فأصبحت «الأقمية»!

على أي حال كانت هذه المدرسة تدعو إلى الاهتمام بتراث «الأوجية»، واهتمَّ بها عدد من الدارسين؛ من بينهم توبوروف، وسيغال، ويوري ليفين Jurij Levin، والأستاذة تاتيانا سيفايان، ورومان تيمنتشيك Roman Timencik، وجبريل ليفنتون Gavriil Levinton. وكذلك اهتمَّت بدراسة الحركة الرمزية، وكانت رائدة هذه الدراسات هي الأستاذة زارا مينك التي تُوفِّيت عام ١٩٩٠م.

مفهومات لغوية

ونعود إلى مصطلحات البنيوية لدى هذه المدرسة التي وجَّهت اهتمامها في مجال فن الشعر إلى بعض النصوص المحدَّدة، ورأت فيها مراتب هرميةً hierarchies أو مستويات بعضها فوق بعض، وابن خلدون يسمِّيها التدرُّج، والمحدثون يسمُّونها المراتبية، هي المستويات الصوتية phonic، والإيقاعية rhythmic، والنحوية grammatical، وقامت بدراسة كل منها على انفراد ثم بالجمع بينها، وأجازت هذا الفصل، وقد صدرت في السبعينيات ترجمات لبعض مؤلَّفات جاكوبسون في هذا المجال (انظر قائمة المراجع)، أفادتنا في التعرُّف على مفهوم هذه الدراسة وأُسس هذا التحليل. وسوف نكتفي بمقال كتبه لوتمان ضمن مجموعة من المقالات التي صدرت ترجمتها الإنجليزية عام ١٩٧٦م بعنوان «تحليل النَّص الشعري»، وهو يؤكِّد فيه ما يتردَّد في سائر مقالاته المستفيضة، ويمكن تلخيصه فيما يلي:
تعتمد الوظيفة الشعرية poetic function (أي إحداث القصيدة تأثيرها إذا كانت قصيدةً ناجحة) على وجود شبكات networks من العناصر المتعادلة equivalent أو المتشابهة similar أو المتوازية parallel؛ أي الوحدات المتماثلة في تركيبها؛ مثل الإيقاعات العروضية prosodical rhythms أو غير العروضية، أو مثل أبنية الجمل، أو الألفاظ، أو أصوات الألفاظ، أو أشكال التعابير المجازية، وما إلى ذلك، ممَّا يمكن الربط بينه في شبكة واحدة؛ أي إقامة علاقات تَعادُل تجعل منها وحدات متميِّزة. وعلى ذلك يمكن للناقد اكتشاف عدة شبكات في القصيدة أو المسرحية الشعرية، وترتيبها ترتيبًا هرميًّا، بحيث يكون بعضها فوق بعض، كيما يستدل على نوع الأفكار التي يُطل الشاعر منها على الحياة، ونحن نسمِّيها «الرؤية»؛ أي vision، أو ما يسمَّى بالنموذج الفكري paradigm أو النماذج الفكرية، وكذلك العلاقات الداخلية بين الوحدات اللغوية المختلفة (syntagms/syntagmatic)، ثم على ألوان التضاد والتقابل والتعارض التي يستمد العمل الشعري منها وجوده بصفة عامة.
وبالإضافة إلى دراسة دلالات اللغة على هذا المستوى الأفقي؛ أي داخل كل بيت من أبيات القصيدة intralinear، وعلى المستوى العمودي؛ أي فيما بين الأبيات interlinear، وفيما بين الفقرات الشعرية interstrophic، وهي الأبعاد dimensions المألوفة لأي عمل شعري، اهتمَّ لوتمان مع زملائه، بل ركَّزوا على آثار العوامل الخارجة على النص extratextual factors في بنائه؛ أي تساءلوا عن الآثار الجمالية aesthetic effects الناشئة عن علاقة النص ككل بغيره من النصوص في دورة شعرية ما cycle، مثل الرومانسية أو الرمزية وما إلى ذلك، أو في المجموعة الشعرية التي نُشر فيها، في ديوان واحد أو في دواوين كثيرة في الأعمال الكاملة، أو بالنسبة لأشعار معاصريه الذين ينتمون إلى مدرسة واحدة أو إلى عدة مدارس. وفي ذلك اعتمد لوتمان وزملاؤه على توسيع مفهوم النص بحيث يسمح بمناقشة الروابط الثقافية بينه وبين غيره، وتشابك «العلامات» الواردة فيه مع «علامات» غير شعرية في سياقات أخرى وفي مجالات أخرى غير الأدب والفن؛ ممَّا يجعل منهجهم أقرب إلى «السيميوطيقا» منه إلى البنيوية الخالصة.
وقبل أن نتناول ترجمة هذه المصطلحات يجدر بنا أن نُجمل دوائر اهتمام هذه المدرسة حتى عام ١٩٨٧م (لم أتمكَّن من الحصول على نماذج لاحقة)، وهي: إيقاع النظم verse rhythm، وقيل إن أصحاب المدرسة استطاعوا تطبيق نظريات اللغويات التوليدية generative theory على الإيقاع في كتاب صدر بالروسية عام ١٩٨٩م؛ والمعجم الشعري poetic lexicon؛ وأخيرًا علاقات التناص intertextual relations، ومعناها هنا اكتشاف نصوص دفينة subtexts داخل النصوص الظاهرة. وقد ركَّز أصحاب المدرسة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات على دراسة التراث الشعري «للأوجية» وانتهَوا إلى أنه لا يمكن فهمه دون النصوص الدفينة فيه.

المصطلحات الجديدة

ولن نتوقَّف طويلًا عند مصطلحات لوتمان فمعظمها مستقًى من البنيوية الراسخة ومألوف، وإن كان يلزم التفريق بين التعادل والتشابه والتوازي، وكلها كلمات يسيرة المأخذ ولا خلاف عليها، وإن كان التشابه والتوازي من وسائل التعادل في الواقع. فالمقصود بالتشابه درجة من التقارب قد تصل إلى التطابق، والصفة هي identical، مثل استخدام الكلمة نفسها أو مترادف لها بحيث يصعب التفريق بينهما. والمقصود بالتوازي استخدام أبنية فعلية أو اسمية متوالية، أو إيقاعات تتضمَّن كلٌّ منها حروفًا لينة مثلًا في نفس المكان من التفعيلة (الخيل والليل والبيداء … إلخ، حيث تقع الحروف الساكنة الستة الأولى على لام فياء على التوالي في التفعيلتَين الأُوليَين ثم السبب الأول من الثالثة من البسيط). والتعادل يعني عمومًا استواء الكِفتَين في القيمة الصوتية مثلًا وإن اختلفت الحروف، أو تعادل صور الانقباض والانبساط أو الكلمات الدالة عليهما، أو تعادل الأوزان نفسها من حيث استخدام الزحافات والعلل (ريان الصفحة والمنظر، ما أبهى الخلد وما أنضر) (فإذا كان أصل المتدارك هو فاعلن، فإن شوقي يستخدم علة القطع في كل تفعيلة والزحاف — الخَبْن — في الثالثة من كل شطر). وكل هذا أقرب إلى التوازي منه إلى التماثل؛ فتكرار النَّمط مع اختلاف الحروف — أي دون شبه بينها — صورة من صور التعادل، وكذلك استخدام عناصر من مصادر مشتركة تُوجِد روابط بين الأبنية والإيقاعات أو الألفاظ مثل الانتماء إلى دائرة عروضية واحدة عند الخروج من بحر إلى بحر، وإن كُنا لا نسمح في العربية رسميًّا بالخروج من بحر إلى بحر في قصيدة غنائية ولو كانا من نفس الدائرة.
ويلاحظ القارئ أنني لم أُترجِم كلمة syntagm والصفة منها، والسبب هو أنني أخشى أن يكون لوتمان قد استخدمها في غير المعنى المألوف في علم اللغة، وعلى أي حال فمعنى المصطلح هو «الارتباط اللفظي»، وقد شرحته دون إسهاب، وهو جدير بالإفاضة؛ لأن كتابًا صدر في العام الماضي ١٩٩٤م من تأليف عالم لُغويات أسترالي هو هارلاند Harland يناقش هذا الترابط أو الارتباط اللفظي في مئات الصفحات، فهو في نظره (وهو مؤلف كتاب «البنيوية الفوقية» ١٩٨٩م)، مفتاح لبعض مُعضلات علم دلالة الألفاظ.
ونظريته باختصار هي أنك إذا أضفت كلمات إلى الكلمة تضاءل معناها بدلًا من أن يزداد، وهو يبيِّن كيف أن الاسم إذا أُضيفت إليه الصفة انحصرت دلالته في دائرة أضيق، فإذا أضفت صفةً أخرى ازداد ضيق الدائرة، فإذا أضفت الفعل … إلخ، انحصرت دلالتك إلى أبعد ما يكون عن نقطة البداية؛ أي أن زيادة الألفاظ تؤدِّي إلى تقليص المعنى لا توسيعه (انظر في المعجم مصطلح: syntagmatic and paradigmatic).
ونأتي بعد ذلك إلى مصطلحات تبدأ بالصدر (البادئة) – intra ومعناها داخل، والبادئة –inter ومعناها بين، ومن ثم نستطيع بسهولة ترجمة intralinear «داخل الأبيات» (حيث إن line of verse هو بيت من الشعر وقد يكون في سطر واحد monostich أو في سطرَين distich)، وترجمة interlinear بين الأبيات (بعضها والبعض)، وكذلك intertextual فيما بين النصوص (بعضها والبعض)، وإن كان المُحدَثون قد ترجموها ﺑ «التناص» ومنهم متخصِّصون في اللغة العربية، فلا بد أن نقبلها باعتبارها مصطلحًا جديدًا، وهي كلمة لاقت القَبول وجرسها طريف. ولكن exratextual تعني خارج النص، على عكس intratextual التي تعني داخل النص. ويبقى بعد ذلك interstrophic، ومعناها فيما بين الفقرات الشعرية إذا كانت القصيدة تتكوَّن من فقرات stanzas؛ فالأصل في كلمة strophe في اليونانية هي التفات الجَوقة chorus أو حركتها عند بداية حديثها، ومن هنا استعيرت لبداية فقرة جديدة، ومنها كما هو معروف antistrophe (أي حديث الجَوقة المقابل).
المصطلح الذي أُحس أنني خرجت فيه عن المألوف هو ترجمة subtext بالنص الدفين، بدلًا من النص التحتي، ليس لأنني أكره كلمة «تحت»، ولكن لأنني أحتفظ بها لترجمة الصدر أو البادئة infra الموجودة في infrastructure البنية التحتية، وحتى في الفيزياء نجد الأشعة تحت الحمراء infrared light. وربما كان الأهم من ذلك ما أحسسته أن صفة الدفين أصدق من «التَّحتي» في إبراز المعنى المقصود؛ فالنص الدفين لا يوجد للرائي «تحت» النص «الفوقي»، ولكنه خبيء لا تبصره العين، ولا بد من إعمال الذهن لاكتشافه، مع الحدس الفني طبعًا، وقد يكون نصًّا واحدًا أو نصوصًا دفينة كثيرة، كما هو الحال في الدراما.
١  استند عمل مدرسة موسكو-تارتو (وتارتو هي عاصمة إستونيا) على نَفَر من العلماء السوفييت، وسوف أكتب أسماءهم بالصورة التي كتبها هنريك باران أستاذ الأدب الروسي بجامعة نيويورك؛ من أمثال:
فاتسلاف إيفانوف Vjaceslav Ivanov، وفلاديمير توبوروف Vladimir Toporov، وميخائيل جاسباروف Mikhail Gasparov، وإليعازار ميليتنسكي Eliazar Meletinskij. وفي جامعة تارتو في إستونيا يوري لوتمان Jurij Lotman، وزارا مينك Zara Minc، وإيجور تشيرنوف Igor Cernov وكانت في نشأتها تدين لتراث عدد من كبار المفكِّرين الروس الذين أعادت دراستهم إلى الحياة مثل ميخائيل باختين Mikhail Bakhtin، وأولجا فريدنبرج Olga Freidenberg، وبافل فلورنسكي Pavel Florenski، وغوستاف شبيت Gustav Spet، وفلاديمير بروب Vladimir Propp، وبيتر بوجاتيريف Peter. Bugatyrev.
وأثناء السبعينيات والثمانينيات هاجر بعض كبار رجالها إلى الغرب (مثل ألكسندر بياتيجورسكي Aleksandr Piatigorskij، وبوريس أوجيبنين Boris Ogibenin، وبوريس جاسباروف Boris Gasparov، وديمتري سيجال Dimitrij Segal. ومع ذلك ظلَّت الحركة قائمةً بفضل شباب الباحثين، بل لا تزال حافلةً بالنشاط العلمي والثقافي، وإن كانت العوامل السياسية (وخصوصًا انفصال إستونيا عن روسيا) قد أثَّرت على وحدتها وتماسكها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤