في انتظار «واتكر»

قام «رشيد» ففتح الباب … وظهر رجل أنيق يحمل حقيبة صغيرة مبتسمًا، وقد رفع قبعته قائلًا: أسعدت صباحًا … «بوب واطسن» … من شركة «الهاي تاورز».

وأخفى «رشيد» انفعاله، وهو يتسلَّم بطاقة التعارف التي قدَّمها الرجل، وهو ينحني في أدبٍ ويمرُّ من الباب، ويُسلِّم على «أحمد» و«قيس».

جلس الرجل، ووضع ساقًا على الأخرى في ثقةٍ كاملةٍ، ثم قال: آسف أن آتي على غير موعدٍ … ولكن تليفونكم مشغول باستمرار.

رد «أحمد»: الحقيقة أن الموضوع الذي نشرته الصحف اليوم قد دفَع عشرات من الشركات للاتصال بنا … ولأننا لا نملك الخبرة الكافية فقد بدأنا في دراسة وضع هذه الشركات، وهل هي شركات قوية وجادة أم لا.

ابتسم «بوب»، وقال: إن أكثر من نصف هذه الشركات شركات وهمية لا تملك أيَّ رصيدٍ من الخبرة والتجربة ورأس المال … وبعضها لا يزيد على مكتب صغير ورقم تليفون … والحقيقة أن كثيرًا من العرب يقعون ضحية هذه الشركات الوهمية … ولكنِّي أُمثِّل شركةً من أهم شركات المقاولات في الولايات المتحدة والعالم … ويمكنكم الاطلاع على دليل الشركات لتعرفوا الحقيقة.

قال «أحمد»: إنها شركة شهيرة جدًّا … وقد رأيت إعلاناتها في كل مكان.

عاود «بوب» الابتسام، وقال في تواضع: إن شركتنا هي نموذج للشركة الجادَّة والتي تحترم ارتباطاتها! المهم أن أعرف ماذا تريدون بالضبط … وما هي خُططكم حتى نرى ما يمكن عمله؟

أحمد: إن عددًا كبيرًا من العرب يحلم بامتلاك شقة على الشاطئ في أمريكا … خاصة في «كاليفورنيا» التي تتمتع بطقس معتدل يناسبهم … لهذا فكرنا في شراء قطعة أرض على الشاطئ، وبناء مجموعة من الفيلات والعمارات وبيعها بشروط ميسَّرة.

بوب: إنَّها فكرة رائعة … وهي تناسبنا جدًّا … فقد قمنا بعديد من المشاريع المماثلة، آخرها على شاطئ «بالمادي مايوركا» في «إسبانيا».

قيس: هل نستطيع الاطلاع على صور هذه المشاريع … أو على الأقل الرسومات الهندسية؟

بوب: طبعًا … وستصلكم أرقام التكاليف … وكل التفاصيل المطلوبة.

رشيد: في هذه الحالة لا داعي للنظر في عروض بقية الشركات.

أحمد: طبعًا!

رشيد: ما هو المبلغ الذي حُوِّل لنا؟

أحمد: مليون دولار كبِداية.

لمعتا عينا «بوب» وهو يقول: إنه مبلغ لا بأس به … ولكن المشروع سيتكلف أكثر.

أحمد: طبعًا … وسنقوم بتحويل المال اللازم في الوقت المناسب.

بوب: إذَن متى نلتقي مرة أخرى؟

أحمد: كما تشاء … فنحن نريد إنجاز العمل بأسرع ما يمكن.

بوب: عظيم … ما رأيكم في العاشرة صباح الغد في مقرِّ الشركة؟ … سأترك لكم العنوان وسنكون في انتظاركم غدًا صباحًا.

أحمد: اتفقنا … والآن هل تشرب شيئًا؟ …

قام «بوب» واقفًا وقال: شكرًا … إنَّ عندي مواعيدَ أخرى. ثم ناول كلًّا منهم «كارتًا» به عنوان الشركة ورقم التليفونات، و«كارتًا» آخر يحمل اسمه وعنوانه.

وعندما خرج «بوب» ابتسم الشياطين الثلاثة … فالخطوة الأولى مرَّت بنجاح … وغدًا يدخلون عرين الأسد.

وبعد دقائق خرجوا وهم يلبسون «المايوهات» وألقَوا بأنفسهم في المياه الرائعة في حمَّام السباحة، الذي يتوسط الفيلات الثلاث … وحضر «عثمان» و«خالد» و«باسم» … وأخذوا يتحدثون ويتبادلون المعلومات، وهم يستمتعون بالسباحة، بينما كانت الفتيات «ريما» و«إلهام» و«هدى» و«زبيدة» يقضون وقتًا ممتعًا على الشاطئ …

وفي المساء … قامت مظاهرة السيارات «الرولز الثلاث» … وفي هذه المرة ذهبوا إلى نادي «الديسكو»، حيث رقصوا، وكانوا موضع اهتمام الروَّاد جميعًا …

وعند العودة قال «قيس»: أظن أننا يمكن أن نفتتح ناديًا ﻟ «الديسكو».

ضحك «أحمد» وقال: سيكون مُربحًا جدًّا …

رشيد: لقد أجدنا تمثيل دورنا.

أحمد: إنك لم تلحظ شيئًا.

رشيد: لقد لاحظنا طبعًا … كان هناك على الأقل ثلاثة أشخاص يراقبون ما نفعل.

أحمد: عظيم … وماذا تتصور؟ …

رشيد: لا شك أنَّ «واتكر» يريد أن يعرف ماذا وراءنا؟ …

أحمد: تمامًا، إن أمثال هؤلاء الرجال لا يُخدعون بسهولة … خاصة وأنهم يرون أننا صيدٌ سهلٌ أكثر مما يجب … لهذا لا بدَّ أن يكون حوارنا معهم غدًا يتسم بالتشدد.

وفي صباح اليوم التالي، ركب الثلاثة سيارة واحدة، وقد ارتدوا ملابسهم الكاملة … وحمل كلٌّ منهم حقيبةً للأوراق، ثقيلة، كان بها عشرات المستندات … ومُزوَّدة بميكروفونات سرية لتسجيل الأحاديث … وأسلحة خفيفة تنطلق عند الضغط على جزءٍ خاص في يد الحقيبة وآلة حاسبة بها جهاز استقبال.

كان المبنى الذي تشغله شركة «هاي تاورز» مبنًى ضخمًا يشبه البرج فعلًا … وقد أُحيطَ بحديقة، وموقف ضخم للسيارات، والمدخل الفخم من الزجاج والرخام الأسود … وقد وقف على بابه رجال تعلو وجوههم علامات الصرامة …

وكان في انتظارهم رجلٌ من العَلاقات العامة … ساروا خلفه إلى المصعد، الذي طار بهم إلى الدَّور الحادي عشر …

كان كلُّ شيء نظيفًا وهادئًا … يبعث على الاحترام والرهبة … وفتح لهم موظف الاستقبال باب إحدى الغرف … ووجدوا أنفسهم في صالة واسعة، واستقبلهم «بوب واطسون» بابتسامة مُرحِّبة … وفي نفس اللحظة، دخل ثلاثة رجال إلى الصالة … قام «بوب» بتعريفهم إلى الشياطين الثلاثة.

اتخذوا مقاعدهم حول مائدة اجتماع، عليها كل الوسائل لتُسهِّل العمل، من أوراقٍ، وأقلامٍ، وميكروفونات. كانت القاعة مزدانة بصور فوتوغرافية ضخمة، للمشاريع التي قامت الشركة بإنشائها في مختلف البلدان، ومنها سد ضخم أقامته الشركة في إحدى الدول الأفريقية … ومطار في دولة آسيوية … وبرامج ضخمة في طول «أوروبا» و«أمريكا» …

كان كل شيء يدعو إلى الاحترام …

وافتتح أحد الرجال الجلسة قائلًا: إن شركة «هاي تاورز» يَسرُّها أن تستقبل ثلاثة من شُبَّان الأعمال العرب … وإنها على ثقة من قيام تعاون وثيق بين الشركة وبينهم.

ثم سرد الرجل عددًا من المشاريع الهامة التي قامت بها الشركة في العالم.

وقال إنه يسعده، كممثل لقسم المشروعات الإنشائية، أن يستمع إلى تفاصيل أكثر عن المشروع.

رد «أحمد» بكلمة شكر، ثم وضع حقيبته على مائدة الاجتماعات وفتحها … وأخرج منها ملفًّا صغيرًا وضعه أمامه وفتحه، ثم قال: لقد شرحت للمستر «بوب» قبل ذلك مشروعنا، وهو قائم على بناء مجموعة من الفيلات والعمارات على شاطئ، وبيعها لمن يشاء … وعندنا بعض المشترين حاليًّا … ولكن في خلال شهور قليلة، وبعد بَدء المشروع، سيكون عندنا عدد أكبر … وأظن أن القاعدة الذهبية في العمل هي أن تتأكد من أنك قادر على بيع السلعة قبل إنتاجها.

رد الرجل: هذا صحيح.

وقبل أن يُكمِل جملته فُتح باب جانبي في الصالة، وظهر الرجل الذي جاءوا من أجله … «واتكر» … الرجل الذي أنشأ عصابة «سادة العالم».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤