الدرفيل

كانت الرياح مواتيةً … والزورق القوي يشق طريقه عبر المياه السوداء، تحت سماء تضيئها النجوم … وكان الشياطين يتحدثون عن الاحتمالات القادمة … وهم يواصلون الاتصال لاسلكيًّا بشياطين البرِّ … وكان من المؤكد أن شياطين البر موجودون في أحد الفنادق، قبل أن يستأنفوا طريقهم الطويل إلى رأس خليج «كاليفورنيا»، فالمسافة طويلة وطريق البحر أسهل بكثير.

مضت الساعات … وتبادل الشياطين النوم وقيادة الزورق … وعندما لمعت أضواء الفجر الشاحبة فوق البحر، لاحظوا وجود سفينة تسير أمامهم بمسافة … لم يشكُّوا لحظةً واحدةً أنها «کلانيا» بألوانها المميزة … وكان «أحمد» يضع نظارات مُكبِّرة على عينيه، ويتأمل بدقة السفينة الجميلة، وهي تسير بجلالٍ فوق المياه … ومعنى ذلك أن «واتكر» لم يُضيع وقته … فهو أيضًا قرَّر الهجوم على «مانسيني» … ربما يكون بعض أعوانه في طريقهم برًّا … أي نفس خطة الشياطين …

وأشرقت الشمس … وأخذ «أحمد» يراقب السفينة، وقد هدَّأت من سرعتها … وأدرك أنها ستبقى ساكنة، خارج الشاطئ، حتى الغروب … فليس من المعقول أن تهاجم «عش النسر» في وضح النهار …

وكانت هي نفس خُطته أيضًا …

أمضى الشياطين النهار في صيد السمك والاستحمام … وعندما غربت الشمس، لاحظوا أن «کلانيا» بدأت تتحرك، ومضوا خلفها … وهبط الظلام سريعًا على المحيط … وبعد ساعتين كانت «کلانيا» قرب «رأس الخليج» … حيث كان من المفترض أن يوجد «عش النسر». ومضت نصف ساعة في ترقُّب … ماذا ستفعل «کلانيا»؟

ولكن «کلانيا» لم تفعل شيئًا على الإطلاق … فقد دوَّى صوت انفجار … ثم انفجار آخر … ثم انفجار ثالث … في السفينة الجميلة، واشتعلت فيها النيران …

وصاح «رشيد»: إنها ألغام بحرية.

قيس: لقد أنقذنا «واتكر» بأن تَقدَّم قبلنا … وإلا لانفجر زورقنا بنفس الألغام.

أسرع «أحمد» بالزورق وهو يقول: علينا أن نُنقذ بَحَّارة السفينة … إن هذا هو واجبنا الأول.

اقترب الزورق سريعًا من مكان «کلانيا» التي مالت إلى جنبها، وابتلعتها المياه … كان الظلام كثيفًا … فأطلق «أحمد» قنبلة ضوء، ارتفعت إلى فوق، وأضاءت المنطقة وعلى الضوء الباهر بدا قاربان يحملان بعض الأشخاص … ويتجهان إلى «رأس الخليج» … كانت «کلانيا» قد غاصت تمامًا … وفجأة انفجر أحد القاربَين …

وهنا صاح «أحمد»: إن المياه خطرة! هناك ألغام مغناطيسية … و… وقطع جملته وصاح: الدرفيل!

قال «قيس»: ماذا تقصد؟ …

أحمد: إنَّ الألغام التي تتحدث عنها، ليست الألغام المغناطيسية التي نعرفها …

إنها متفجرات تحملها الدرافيل.

قيس: الدرافيل؟

أحمد: نعم … هل تذكر في بداية حديثنا مع رقم «صفر» أن «مانسيني» وهو يتحدث ذكَر الدرفيل والمدرب؟

قيس: نعم …

أحمد: لقد استطاعت المخابرات الأمريكية تدريب الدرافيل، على حمل أجهزة التجسس على الموانئ، والغواصات … ومن المؤكد أنَّ «مانسيني»، فعل نفس الشيء … ولكن، بدلًا من أجهزة التجسس، استطاع أن يُحمِّل هذه الدرافيل كميات من المتفجرات …

رشيد: وماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟

أحمد: معناه أننا في خطر شديد … فالدرافيل المُدرَّبة تنطلق للالتصاق بأي سفينة تقترب من «عش النسر».

قيس: هيا بنا!

وأوقفوا القارب، وارتدوا ملابس السباحة بسرعة وحملوا أسلحتهم ثم قفزوا إلى المياه … ولم يبتعدوا سوى مسافة قصيرة، عندما سمعوا دويَّ المتفجرات، وشاهدوا القارب وهو يغوص في المياه.

صاح «أحمد»: سنتجه إلى أقرب شاطئ.

وسبحوا بسرعة في اتجاه الشاطئ … وبعد نصف ساعة تقريبًا، كانوا قد صعدوا على الشاطئ الصخري ﻟ «خليج كاليفورنيا» في بقعة منعزلة … وبدءوا زحفهم نحو «عش النسر»، الذي كانت أضواؤه العالية تكشف مكانه.

كان «عش النسر» مُقامًا فوق تلٍّ صخريٍّ مرتفع، وقد أحاطت به مساكن صغيرة للحرس … وأُحيطَ بالأسلاك الشائكة … وبدت به طائرة صغيرة من طراز «سوبر جيت» … وسمعوا من بعيد صوت الكلاب المتوحشة.

همس «أحمد»: إن «مانسيني» جعل من «عش النسر» قلعةً حصينة يَصعُب اقتحامها … ومن المؤكد أن الرجال الباقين من مجموعة «واتكر» لن تتمكن من دخول القلعة.

قيس: لا تنسَ أن «واتكر» من عتاة المجرمين … ولا بدَّ أن عنده خطة واضحة لما يفعل.

أحمد: لقد تَسرَّع «واتكر» بالهجوم … فها هي سفينته الجميلة ترقد في قاع البحر … لقد فقد أغلب رجاله … وسيسقط لقمةً سائغةً في يد «مانسيني» …

همس قيس: اسمعوا!

وصمت الجميع، وسمعوا من بعيد صوتَ طلقات رَصاص … بعضها خفيف منفرد، وهو صوت المسدسات … وبعضها عميق متكرر، وهو صوت المدافع الرشاشة.

رشيد: لقد بدأت المعركة بين «واتكر» و«مانسيني».

أحمد: من المفيد أن نهجُم سريعًا، أثناء انشغال «مانسيني» برجال «واتكر»!

وأخذوا يجرون في اتجاه «عش النسر» … لكن الصخور والأشجار والمستنقعات التي تحيط بالمكان جعلت تقدُّمهم بطيئًا …

وفجأة لمعت أضواء سيارات قادمة.

قال قيس: ربما يكون هؤلاء هم الشياطين.

أحمد: إن هناك اتفاقًا على إطلاق الضوء بطريقة معينة.

ووقفوا ينظرون … وفعلًا بدأ ضوء السيارات ينطفئ ويضيء بطريقة معينة … أدرك منها «أحمد» ومن معه أن بقية الشياطين وصلوا …

كانت خطة المجموعة البريَّة، كما تم الاتفاق عليها، هي الانتظار خارج سور «عش النسر» حتى تأتي علامة من شياطين البحر أنهم في حاجة إليهم.

وهكذا نزلوا من السيارات واختاروا مخابئ مناسبة ثم انتظروا … وأطلق «أحمد» شعاع بطارية متقطعة، تعني أنهم عرفوا بوصولهم.

قيس: إن المشكلة الآن في الكلاب المتوحشة.

عثمان: ليست هناك مشكلة … معي «سبراي» خاص يمكن أن نرشه في الجو، يشبه رائحة البشر، وبذلك يمكن أن نُضلِّل به الكلاب …

واقترب من السور وأخرج أنبوبةً خفيفة، ثم طوَّحَها بأقصى ذراعه، فطارت في الهواء وانكسرت على الأرض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤