التحقيق

(على المقهى يتجمَّع عمال البناء معهم عواد حركة الطلبات والحديث والضحكات … والدندنة … الرجال ذوو الملابس المتشابهة يدورون بينهم … منهم ذلك الذي كان يحيِّي نص نيص في المقهى … يقترب منه يتفرَّس فيه … يختبره بتحيته … يهمس لرئيسه … ولكن دندنة العود وغناء المغنِّي يطغيان مؤقتًا على همساتهم.)

المغني :
كل الجدران دي، هيلا بيلا
شِيلْتها على كتفي، بالشيلة
وبلقمة بالملح قليلة
ما دام لك ضهر … تشد الحيل
هوبة وشيل … عبِّي وشيل
ياما لسه ولسه يا بكر تشيل
اوعى تفكَّر راح تتعكَّر … خلي الليلة تفوت عِنَّابي
كركر حبة وقوم ترتاح … مشوار بكرة أكيد كعَّابي
وانت يهمك … يحرق سيرك … دانت لا بد يا شاب مسيرك
تلقى الحلوة اللي ح تلمك … وح تعمل لك … لقمة ترُمَّك
بقى معقول، تفضل على طول
تلفح ياما حمول وحمول
وتعلِّي عمارات وبيوت … وتيجي تموت … من غير ماتطول شبر ف شبر في شبر يلمَّك
حقة وهقة … وألفين لأة … دا يبقى خزوق جامد وأصيل
هوبة وشيل … لله تدبيرها … ولا ح تعيش وحتاخد غيرها واكتر من ده تزيح يا جميل
هوبة وشيل … عبِّي وشيل، ياما لسه ولسه يا سمرة تشيل!

(تتزايد حركة المخبرين ويثقل وجودهم، يُحاصرون الجرسون «نص نيص» مع نهاية الأغنية يحصرونه … ممزقين بالقبض عليه ما كان قد توحَّد بين الحاضرين … وتنغيم الحوار التالي مقصود لخلق درجة من عدم الواقعية، سواء في الأداء أو في التنفيذ.)

مخبر : هو بنفسه بتاع السوق.
مخبر : بتستخبى! إحنا كاشفينك.
حيص بيص : يا عم سيبه ده واد غلبان، مشخَّصاتي بنص لسان.
مخبر : بيتهيألك، ده تِعْبان، وابعد انت، إحنا عارفينك.

(يتدرَّج الأمر من استجواب نص نيص إلى استجواب الجميع.)

نص نيص : فيه إيه يابا عملت إيه؟
مخبر : مش مصروف لك إنك تسأل، إحنا بنسأل وانت تجاوب.
مخبر : اسمك إيه؟ م الحرافيش الغجر، وعامل لي بيه!
مخبر : طرِّي مخك … هذا وإلا ده يرُخك … (مشيرًا للكرباج.)
كنت في السوق تعمل إيه؟
مخبر : كنت ويا …؟ والَّا ويا …؟
طب وليه مش ويا … ليه؟
مخبر : وانت من ده والَّا من ده؟ … والَّا من ده؟ قلت إيه؟
مخبر : كنت فين؟ … جاي منين؟
مخبر : ليه يمينك مش شمال؟ … ليه شمالك مش يمين؟
مخبر : عيب عليك وسمعت إيه؟ … وسمعت ليه؟
مخبر : مين معاك … كنتوا كام … روحتوا فين؟
مخبر : كنتوا تلاتة والَّا اتنين؟
مخبر : شِد ودانه … فتِّش جيبه … شوف خلجاته.
حيص بيص : ليه كلات ده؟ … يا ناس ده حرام!
مخبر : دخلك إيه؟ … محموق قوي علشانه … وليه؟
رجل : بس يا عم الرحمة جميلة!
حيص بيص : ممكن أعرف تهمته إيه؟
مخبر : أيوه يا بيه … عايز تهمة … هات له وحضَّر له المطلوب!

(أحدهم يُحضِر شيئًا ما غريبًا يخرج منه تُهم في أشكال أغرب.)

مخبر :
حطَّة يا بطَّة … يا دقن القطَّة
حالي بالي … يا دقن الوالي
حادي بادي … شِد قصادي
هوبة يا لوبة … يا سهلة يا صعبة
اقرا وقول له من الناحية دي
والَّا تحبها م الناحية دي
آدي دليلنا … وإذا مش عاجبك
يبقى عليك يا عزيزي إثباته … وساعتها ذنبك على جنبك!
مخبر : اثبت عندك من بصماته … إنه كأنه بإنه لأنه … كان سايق في السوق حركاته.
حيص بيص : بقى ده كلام! طب وانتم مين؟
عين وصابتنا … إيه تهمتنا؟
مخبر : أول يوم نفتح قهوتنا … اللي من الشارع لمتنا.
رجل : حسدوا الأقرع على شعر مراته!
مخبز : إحنا اللي كاشفين حركاته.
مخبر : فتِّشوه!
مخبر : فتَّشناه.
حيص بيص : وإيه لقيتوه … دي الريح ساكنة تحت بطاطه!
مخبر : أمر طبيعي مانلقاش حاجة.
حيص بيص : يبقى الحق بانت علاماته.
ده فنان ومافيش اخواته.
مخبر : إحنا مش ممكن راح نغلط، هذا الصنف احنا كاشفينه مايشيلش الممنوع ويَّاه.
مخبر : وأكيد حيدلنا على ذنبه … أول ما حنحلق شنباته.

(يتكاثرون عليه ويوسعونه ضربًا ورفسًا في طقس كلاسيكي.)

حيص بيص : إيه يا اخوانا ده حتى حرام!
وده معقول … حتى التهمة ليها أصول!
مخبر : إنت بقى مش واثق فينا؟
مخبر : فين شهاداتك … البلدية … والصحية … والسياحية؟
مخبر : فين أسعار حق المشاريب؟
مخبر : اعمل له محضر أشغال.
حيص بيص : يا اخوانا الحلم جميل … ده واد غلبان شغال عندي رزقه ورزقي على الله.
مخبر : دانت شريكه؟!
حيص بيص : طبعًا … أنا صاحب القهوة … بس ده كله يا ناس تمثيل … تشخيص فنِّي … دانا بس اللي عملت معلم … قهوة تلم الفرقة بتاعتي … نقدِّم فن لاهل الكفر ناوي ع الخير وغرضنا شريف.
مخبر : واللي بيعمل خير يتنكَّر … ويشلفط وشه كده ليه؟
حيص بيص : حوشوا يا ناس ده تمثيل … وأصول فنية.
قهوة ديكور … حوشوا يا ناس!
مخبر : بتحرَّضهم، عايز الكَفر يقوموا علينا؟!
حيص بيص : حيلك … دانا حيص بيص … إنت حتقلب جد معانا؟
نص نيص : وانا نص نيص.
مخبر : لا يا شيخ! بقى معقول؟ … آه يا خراشي!
مخبر : إحنا حقيقي … يا حيص آسفين!
نص نيص : بعد ما خزَّقتوا لي عينيه … أصرفها منين أسفين وبكام!
مخبر : غلطة … بقى … وخلاص … مردودة.
وتعيش بس وتاكل غيرها.
مخبر : يالَّلا بعودة.
مخبر : بس الحق إنت الغلطان … تسكت ليه؟!
مخبر : ليه ما اتكلمتش؟
نص نيص : واللي نطق سيبتوه يتكلم؟
مخبر : قلنا خلاص آسفين يا معلم!
مخبر : وإن كان عاجبك … يالَّلا … يا دفعة … بينا قوام.
حيص بيص : وده معقول … هو دخول الحمَّام برده زي خروجه!
داحنا الليله سعداء جدًّا، بيكم طبعًا وبأفعالكم.

لازم نعمل ليكو هليلة … حفلة تشخيص، لكن إيه؟

حفلة جميلة حتمتعكم وحتنفعكم … قال عايزين يسيبونا يا نص … ويمشوا!
نص نيص : يمشوا … لأ وحياة ضهري المسلوخ … ودماغي المفتوح … لأ أبدًا … الشاي ع النار!
حيص بيص : مش ممكن … قال يمشوا قال … دي الحفلة حتبقى … ما حصلتش … حفلة عشان نص نيص … اتبرَّأ وعشان كفر حماقة اتجرَّأ … وحتبقى له محطة قطر.
نزِّل يا نص الطلبات … للبهوات.

وكله على حساب الصندوق … دخان وشايات … وضروري ينسون بالذات … وسمَع هُس … رش الميه وعلَّق زينة عشان اخوانا … دي ليلتنا مندورة عشانهم … (شوبش نقطة ومزيكة.)

الرجالة …

بتوع الأمن … الزراعي والقومي … والثقافي …

المخبرين الألاجة …

فخر الدولة … الجدعان … اللي ايديهم بتخر إنسانية …

ولسانهم بيشُر عسل.

واللي شرفوك بالضرب محبة … يا لبيب …

إذ إن ضرب الحبيب زي أكل الزبيب … وضرب الزبيب زي أكل الحبيب …

يالَّلا وانا وانت …

عشان الحتة الأصلي … حكاية زمان.

(يرتدُون الملابس ويجهِّزون قطع الديكور أو ما يوحي بالانتقال إلى المشهد التالي.)

الحكاية الجميلة اللي أحلى من ألف ليلة وليلة … وأجدع من شمشون ودليلة … فيها خبرة وعبرة.
فاسمع ياللي مالكش ودان … وانطق ياللي مالكش لسان … داحنا في رحاب رجال الأمن والأمان … اللي استبدلوا القلم بالخزران … عشان يعلموا الإنسانية للإنسان … هُس سمَع هُس …

داحنا الآن في قصر السلطان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤