حديث غرامي بين سعدون الفحل وزوجته الدون وهم على حصير النوم يتسامرون

سعدون : يا مرَة اهمدي … دنيا كلها حتحفظ اسمي «سعدون الفحل أبو راسين» … والناس حتعرف قيمتي!
الزوجة : ولا حد عارف قيمتك زيِّي.
سعدون : افهميني … أنا خلاص سمنت على القفص، صعب تحشريني دلوقتي فيه وتقولي لي بيض!
الزوجة : هو اللي دخل في مخك الزناخة دي … هو من حقِّه يحلم يبقى حاكم وسلطان … لكن أمثالنا مالهمش إلا الأرض … سيبك من أفكاره.
سعدون : أنا ليَّ أفكاري المستقلة … أنا مش إمَّعة.
الزوجة (متباكية) : يا حسرة على بختك يا أم العيال! … العاقل مايدخلش الزريبة والتيران بتتناطح يا سعدون … أولادك وغيطك عايزينك.
سعدون : آن الأوان أبقى حاكم يا ولية.
الزوجة : ح تجري ورا مشكاح … وريما ما لها إلا النواح (تبكي).
سعدون : أنا ح ادخل التاريخ من باب الحرس المزنهر … عايزة تعلقي المحرات في رقبتي طول النهار. وتعلقيني في ساقيتك طول الليل؟! … بصِّي … أهُم واقفين جاهزين … أول ما أبدأ مغامراتي … حيحكوا حكاياتي … وتلاقي اسمى زي الجوهرة على صدر باب التاريخ.
الزوجة : والتاريخ ده بقى اصطبل والَّا زريبة؟
سعدون : يا جاهلة … التاريخ كله كتب … ياما قرالي … وسمَّعني حكايات … اللي تقتل من الرعب … واللي تموت من الحزن … واللي تفطَّس من الضحك.
الزوجة : حياخدك يقتلك في التاريخ … يا سبعي!
سعدون : يا هبلة … لو كنتي معانا لما دخلت خلوته … ياه! … مش ح تصدقي طبعًا … كان معاه كل الصناديد في نص الليل.
الزوجة : بسم الله الرحمن الرحيم … عفاريت؟
سعدون : ماتفسريش … دول الأبطال وأرواحهم بتجتمع عنده كل ليلة يتشاوروا في أحوال الدنيا.
الزوجة : أوعى يكون حد منهم لمسك!
سعدون : يلمسوني أنا؟ … وهمه بيكلموا أمثالي؟ … أنا ماشفتش غير دمدمة … كانوا بيتكلموا سرياني، وبيدبروا إزاي نغلب الساحر سقردول … وحواليهم خرايط وكتب وجزاير وطوابي … وخطط حربية … ودخان … أنا اترعبت.
الزوجة : يا خرابي! … مصيبة ليطلعولنا … هنا!
سعدون : يا شيخة تفِّي من بقك … دول ملوك.
الزوجة : والنبي دول عفاريت.
سعدون : ماتفسريش في وشِّي … سامعة! (أصوات أقدام.)
الزوجة : يا لهوي! … رجلين معزة … كله منك!
سعدون : إنتي اللي فسَّرتي … ليلتك سودة!

(يُسمع دق شديد على الباب … يختفي سعدون تحت اللحاف بينما هي ترتجف.)

الزوجة : دستور يا أسيادي … قوم شوف مين.
سعدون (يشخر) : أنا نايم.
صوت : سعدووون …
الزوجة : بينادوا عليك … اخرج لهم … مايدخلوش هنا.
سعدون : قولي لهم أنا نايم.
الزوجة : أنا عريانة يا سعدون.
سعدون : وانا حافي.

(تذهب بعد تردُّد إلى الباب تفتحه وتجري لتختبئ … يدخل شحاتة في ملابسه الغريبة.)

الزوجة : عفريت يا سعدون … الحق!
سعدون : وانا مين حيلحقني! … أنا ميت.
شحاتة : إيه جرى يا اولاد؟ … إنتم خايفين؟
سعدون : الرحمة يا شمهورش!
شحاتة : سعدووون …
سعدون : نعمييين.
شحاتة : ألا تعرفني؟
سعدون : اللي ما يعرفك يجهلك يا ملك الجان.
شحاتة : لا تترك الشك يُفسد عقلك يا سعدون … اجعل إيمانك يملأ قلبك … انهض … وكن رجلًا يليق بصحبة الفوارس … لقد آنَ الأوان … لندق أبواب التاريخ.
سعدون : سيدي شحاتة البشبوري؟!
شحاتة : سيف بن ذي يزن.
الزوجة : يا مصيبتي! … يقطعك يا سي شحاتة بيه! عامل في روحك كده ليه؟!
شحاتة : نسيت يا سعدون؟ صار شحاتة ماضيًا.
سعدون : وحياتك افتكرتك عفريت!
الزوجة : ما هو منهم.
سعدون : اخرسي يا مرَة … وادخلي جوه … (يقلِّد سيِّده) عندما يتكلم الفرسان تسكت النسوان.
الزوجة : يكون في علمك لا سفر ولا خروج … شي الله يا تاريخ … لا التاريخ بيطعم جعان ولا يكسي عريان (تخرج).
سعدون : امشي يا مرَة يا جاهلة … واعذرني لأني ماشفتش فرسان قبل كده … لكن دلوقتي حاسس إننا حنهد الدنيا ونبنيها تاني … والَّا مانبنيهاش مش مهم … لأني حاسس أن كل اللي ف نافوخك حيتحقق.
شحاتة : هكذا كتب في التاريخ … سنحرر «شامة» ليكون العدل شريعة والخير مشاع.
سعدون : بس أنا خايف!
شحاتة : من أي شيء؟ … إنت معي.
سعدون : وانا إيه؟ … حتة فلاح ماقتلش فار في حياته … ده كله خيال.
شحاتة : لن يظل خيالًا … وستكون لك طابية حقيقية في مملكة حقيقية … آمن وسيكون الحلم حقيقة.
سعدون : وهل يكون لي شعب حقيقي … أحكم وأتحكم فيه؟
شحاتة : طبعًا … شعب من الصنَّاع والفلاحين … والنساء … والعسكر.
سعدون : واللصوص … والدكاكين؟ والصعايدة؟ والعثمانلية؟
شحاتة : لا … لن يكون هناك عثمانلية بعد اليوم … سنطردهم أو نقتلهم.
سعدون : الله أكبر! زي ما يكون كل شيء حصل! أكيد … إنت بتضحك على دقني!
شحاتة : سعدون … أنا سيف بن ذي يزن التبعي اليمني … سيد الفرسان … لا، أنا لا أكذب، وهذه هي الحقيقة المؤكدة التي تقودنا إلى النصر.
سعدون : مدد … يا سي اليزل!
شحاتة : هل قبلت؟
سعدون : قبلت الطابية.
شحاتة : ومستعد للرحيل؟
سعدون : بالروح بالدم …
شحاتة : إذن هيَّا!
سعدون : هيَّا بنا هيَّا … نطوي الفلا طيَّا (تدخل الزوجة).
الزوجة : على جثتي وجثث عيالي!
سعدون : يا مرَة ماتحرجنيش قدام سي اليزل!
الزوجة (تتركه لتأخذ بخناق الفارس وتهزُّه) : سي اليزل؟ خيبة أمل! سايق الهبل! عملنالك إيه يا راجل انتَ عشان تجنن اللي مالناش غيره … حرام عليك حُرمت عليك عيشتك!
شحاتة (في هدوء وهي تطوِّحه) : مسكينة وجاهلة، ويجب أن نغفر للفقراء … الفقر قاسي يا سعدون … جفَّفَ قلبها فأصبحت عمياء لا تبصر الحقيقة.
الزوجة : أنا عميا يا عديم النظر!
شحاتة : كل هذا من فِعل الساحر الكهين يا سيدتي … ولكن اطمئني فسنحرركِ أنتِ أيضًا.
الزوجة (باكية) : سيبنا في حالنا … اعمل معروف … لا ترملني ولا تيتم عيالي!
سعدون : خلاص … أرجع وانا حاكم طابية وحيبقى ولادك وزرا وانتِ سلطانة.
الزوجة : يا سعدون عيالك محتاجين لك فلاح!
سعدون : العالم محتاج لي أكثر (ينفلت ويخرج وراء فارسه فتصرخ في يأس).
الزوجة : ملعون أبو العالم … أولادك أحق بيك … الأرض عايزاك وعايزة محراتك. يا سعدون اللي ماعندوش مروَّة يسوق محرات إزاي يحكم مدينة … عقَّلوهم يا ناس … لو كان عندكم ذرة عقل … ماكنتوش تتفرجوا على خيبة أكبر منها خيبتكم. وماكنتوش تضحكوا على مصيبة أهون من مصيبتكم … فوقوا يا ناس … تخاريف الراجل ده حتهد الدنيا على دماغه وعلى دماغكم … زي ما هدَّت بيتي على دماغي.

(ضحكات الأراجوز.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤