الفصل الثاني

غَرِيبٌ مِنَ الشَّمَالِ

كَانَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ بَنَاتُ الرِّيَاحِ الْغَرْبِيَّةِ الْعَجُوزِ مُتَحَمِّسَةً؛ نَعَمْ، كَانَتْ مُتَحَمِّسَةً بِالْفِعْلِ. قَابَلَتْ فِي طَرِيقِهَا السِّنْجَابَ جاك السَّعِيدَ وَالْأَرْنَبَ بيتر، وَكَانَتْ فِي جَعْبَتَيْهِمَا أَنْبَاءٌ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي وَجَدَاهَا فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. انْطَلَقَتِ النَّسَمَاتُ مُسْرِعَةً هُنَا وَهُنَاكَ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَأَخْبَرَتْ كُلَّ مَنْ قَابَلَتْهُ. وَصَلَتْ أَخِيرًا إِلَى الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ وَأَخْبَرَتِ الْجَدَّ ضفدع عَنِ الْأَمْرِ كُلِّهِ بِحَمَاسٍ.

هَنْدَمَ الْجَدُّ ضفدع مِعْطَفَهُ الْأَبْيَضَ وَالْأَصْفَرَ وَبَدَا عَلَيْهِ التَّعَقُّلُ الشَّدِيدُ، وَالْجَدُّ ضفدع عَجُوزٌ جِدًّا كَمَا تَعْلَمُونَ.

قَالَ الْجَدُّ ضفدع: «أُوهْ، أَنَا أَعْلَمُ مَا هِيَ.»

صَاحَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ: «مَاذَا؟ يَقُولُ جاك السَّعِيدُ إِنَّهُ مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنَ الْأَرْضِ، حَيْثُ لَا تُوجَدُ نَبَاتَاتٌ غَرِيبَةٌ هُنَاكَ.»

فَتَحَ الْجَدُّ ضفدع فَمَهُ الْكَبِيرَ وَأَمْسَكَ بِذُبَابَةٍ خَضْرَاءَ بَلْهَاءَ قَذَفَتْهَا إِحْدَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ تِجَاهَهُ.

قَالَ الْجَدُّ ضفدع: «هَاهْ، لَيْسَ كُلُّ مَا يَنْمُو نَبَاتًا. الْآنَ أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَمَتْ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ نَبَاتًا.»

بَدَتِ الْحَيْرَةُ عَلَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ. وَسَأَلَتْ إِحْدَاهَا: «مَا الَّذِي يَنْمُو وَلَيْسَ نَبَاتًا؟»

فَتَسَاءَلَ الْجَدُّ ضفدع: «مَاذَا عَنِ الْمَخَالِبِ الَّتِي نَمَتْ فِي أَصَابِعِ الْأَرْنَبِ بيتر، وَالشَّعْرِ الَّذِي نَمَا بِذَيْلِ جاك السَّعِيدِ؟»

بَدَتِ الْحَمَاقَةُ عَلَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ، وَصَاحَتْ: «بِالطَّبْعِ، نَحْنُ لَمْ نُفَكِّرْ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّنَا وَاثِقُونَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي تَخِزُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ لَيْسَتْ مَخَالِبَ، وَبِالتَّأْكِيدِ لَيْسَتْ شَعْرًا.»

قَالَ الْجَدُّ ضفدع: «لَا تَكُنَّ وَاثِقَاتٍ هَكَذَا. اذْهَبْنَ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَانْظُرْنَ إِلَى أَعْلَى فِي قِمَمِ الْأَشْجَارِ بَدَلًا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ ارْجِعْنَ إِلَيَّ وَأَخْبِرْنَنِي بِمَا تَجِدْنَ.»

تَسَابَقَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَبَدَأَتْ تَبْحَثُ بَيْنَ قِمَمِ الْأَشْجَارِ، فَوَجَدَتْ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ حَوْرًا كِبِيرًا غَرِيبًا؛ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَيِّ فَرْدٍ مِنْ سُكَّانِ الْمُرُوجِ الصِّغَارِ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ أَسْنَانٌ طَوِيلَةٌ وَحَادَّةٌ كَانَ يُزِيلُ بِهَا لِحَاءَ الشَّجَرَةِ. كَانَ شَعْرُ فَرْوِهِ طَوِيلًا وَتَخْرُجُ مِنْهُ أَلْفُ شَوْكَةٍ صَغِيرَةٍ تَبْدُو تَمَامًا مِثْلَ الْأَشْيَاءِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي أَخْبَرَهُنَّ جاك السَّعِيدُ وَالْأَرْنَبُ بيتر بِهَا.

قَالَتِ النَّسَمَاتُ الرَّقِيقَةُ الْمَرِحَةُ بِأَدَبٍ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ.»

رَدَّ الْغَرِيبُ عِنْدَ قِمَّةِ الشَّجَرَةِ بِصَوْتٍ أَجَشَّ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ.»

قَالَتْ إِحْدَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ بِأَدَبٍ: «هَلْ لَنَا أَنْ نَسْأَلَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟»

قَالَ الْغَرِيبُ: «أَتَيْتُ مِنَ الْغَابَةِ الشَّمَالِيَّةِ.» ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي عَمَلِهِ، الَّذِي بَدَا أَنَّهُ إِزَالَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ لِحَاءِ الشَّجَرَةِ وَأَكْلُهُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤