الفصل الثالث والعشرون

الدُّبُّ باستر يَفْضَحُ الْأَمْرَ

كَانَ وَاضِحًا لِلْغَايَةِ أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ لَمْ يَكُنْ يُفَكِّرُ فِي الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنَّهُ كَانَ يُفَكِّرُ فِي أَرْجُلِهِ وَمَدَى سُرْعَتِهَا؛ فَقَدْ وَصَلَ إِلَى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ إِلَى أَعْلَى التَّلِّ عِنْدَمَا رَأَى الْكَائِنَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ أَوْ ذَيْلٌ أَوْ أَرْجُلٌ يَتَدَحْرَجُ نَحْوَهُ مُبَاشَرَةً. تَوَقَّفَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيَنْظُرَ بِإِمْعَانٍ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ بِأَقْصَى سُرْعَتِهِ. كَانَ الرَّكْضُ بِسُرْعَةٍ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ فِكْرَةً سَيِّئَةً لِلْغَايَةِ. بِالْفِعْلِ كَانَتْ فِكْرَةً سَيِّئَةً لِلْغَايَةِ. فَإِذَا مَا بَدَأْتَ فِي الرَّكْضِ، فَلَنْ يَكُونَ مِنَ السَّهْلِ التَّوَقُّفُ. وَمِنَ الْوَارِدِ كَثِيرًا أَنْ تَتَعَثَّرَ أَصَابِعُ قَدَمَيْكَ بِشَيْءٍ.

هَذَا مَا حَدَثَ لِلْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ. تَعَثَّرَتْ قَدَمُهُ وَانْقَلَبَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ. كَانَ مَنْظَرُهُ مُضْحِكًا لِلْغَايَةِ، حَتَّى إِنَّ الْأَوْغَادَ الَّذِينَ كَانُوا يُشَاهِدُونَهُ فَعَلُوا كُلَّ مَا بِاسْتِطَاعَتِهِمْ لِيَمْنَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الصِّيَاحِ. أَمَّا الثَّعْلَبُ ريدي وَالْجَدَّةُ ثعلبة اللَّذَانِ كَانَا يُشَاهِدَانِ مِنْ مِنْطَقَةٍ آمِنَةٍ فَضَحِكَا بِالْفِعْلِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، لَمْ يَكُونَا عَلَى وِفَاقٍ مَعَ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ مُنْذُ أَنْ جَاءَ لِلْعَيْشِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَلِأَنَّ الْكَائِنَ الْغَرِيبَ بَثَّ فِيهِمَا الرُّعْبَ عِنْدَمَا شَاهَدَاهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، فَقَدْ فَرِحَا بِرُؤْيَةِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ يَتَجَرَّعُ مِنْ نَفْسِ الْكَأْسِ.

إِلَّا أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ لِتُوقِفَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْعَثْرَةِ. لَا، لَمْ تُوقِفْهُ! فَقَدْ تَدَحْرَجَ ثُمَّ هَبَّ عَلَى قَدَمَيْهِ وَاسْتَمَرَّ فِي الرَّكْضِ مَرَّةً أُخْرَى، عَلَى نَحْوٍ أَسْرَعَ مِنْ ذِي قَبْلُ. يُوجَدُ عَدَدٌ قَلِيلٌ مِنَ الْكَائِنَاتِ التي تَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ مَا يَجْرِي خَلْفَهَا دُونَ الِالْتِفَاتِ بِرُءُوسِهَا، كَمَا هُيَ حَالُ الْأَرْنَبِ بيتر، لَكِنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ؛ فَعِنْدَ مُحَاوَلَتِهِ النَّظَرَ خَلْفَهُ، لَمْ يَرَ الِاتِّجَاهَ الَّذِي يَسْلُكُهُ، وَأَوَّلُ مَا انْتَبَهَ إِلَيْهِ هُوَ اصْطِدَامُهُ وَهُوَ يَجْرِي بِالدُّبِّ باستر.

لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ جَاءَ الدُّبُّ باستر، لَكِنْ هَا هُوَ ذَا مَوْجُودٌ بِالْفِعْلِ. عِنْدَمَا اصْطَدَمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ بِهِ أَطْلَقَ زَمْجَرَةً عَمِيقَةً مِنَ الْغَيْظِ وَاسْتَدَارَ فَجْأَةً وَهُوَ يَرْفَعُ إِحْدَى يَدَيْهِ لِتَنْغَرِسَ مَخَالِبُهُ الْكَبِيرَةُ فِي أَيِّ كَائِنٍ يَسْعَى إِلَى مُضَايَقَتِهِ. خَافَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ وَأَصْدَرَ عُوَاءً وَرَكَضَ عَلَى نَحْوٍ أَسْرَعَ؛ بِحَيْثُ إِنَّهُ عِنْدَمَا رَأَى الدُّبُّ باستر مَنِ الَّذِي اصْطَدَمَ بِهِ، كَانَ الْقَيُّوطُ بَعِيدًا عَنْ مُتَنَاوَلِهِ وَمَا زَالَ يَرْكُضُ.

ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ رَأَى الدُّبُّ باستر لِأَوَّلِ مَرَّةٍ الْكَائِنَ الْغَرِيبَ، الَّذِي أَخَافَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، يَتَدَحْرَجُ مِنْ عَلَى التَّلِّ. تَسَاءَلَ الْعَمُّ بيلي الْأَبُوسُومُ وَالظَّرِبَانُ جيمي وَطَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي وَالْأَرْنَبُ بيتر وَزَوْجَتُهُ، الْمُخْتَبِئُونَ فِي أَمَاكِنَ آمِنَةٍ، عَمَّا إِذَا كَانَ باستر سَيَجْرِي أَيْضًا. إِذَا رَكَضَ فَسَيَكُونُ هَذَا أَمْرًا لَا يُصَدَّقُ. لَكِنَّهُ لَمْ يَرْكُضْ. نَظَرَ فِي الْبِدَايَةِ إِلَى الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الَّذِي يَتَدَحْرَجُ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ، ثُمَّ إِلَى الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ الَّذِي يَرْكُضُ بِأَقْصَى قُوَّتِهِ، وَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ الصَّغِيرَتَانِ الْمَاكِرَتَانِ. ثُمَّ بَدَأَ يَضْحَكُ.

صَاحَ باستر بَيْنَمَا تَدَحْرَجَ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ وَمَرَّ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ مَخَالِبِهِ وَتَوَقَّفَ عِنْدَ اصْطِدَامِهِ بِشَجَرَةٍ صَغِيرَةٍ عِنْدَ سَفْحِ التَّلِّ: «هَا هَا هَا! هُو هُو هُو! هَا هَا هُو! أَرَى أَنَّكَ عُدْتَ إِلَى خُدَعِكَ الْقَدِيمَةِ أَيُّهَا الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ.»

سَمِعَهُ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ وَتَوَقَّفَ فَجْأَةً وَالْتَفَتَ لِيَرَى مَاذَا يَعْنِي هَذَا. انْبَسَطَ الْكَائِنُ الْغَرِيبُ بِبُطْءٍ شَدِيدٍ وَانْقَلَبَ. وَظَهَرَ حِينَهَا رَأْسٌ وَذَيْلٌ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ. لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا الشَّيْهَمَ الْبَدِينَ بريكلي بوركي نَفْسَهُ! لَمْ يُوجَدْ أَدْنَى شَكٍّ فِي ذَلِكَ، رَغْمَ أَنَّهُ مَا زَالَ يَبْدُو غَرِيبًا جِدًّا؛ حَيْثُ كَانَ مُغَطًّى بِأَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْمَيِّتَةِ الْمُلْتَصِقَةِ بِآلَافِ الْأَشْوَاكِ الصَّغِيرَةِ الْمُخَبَّأَةِ فِي فَرْوِهِ. ضَحِكَ بريكلي بوركي.

قَالَ لَهُ: «لَمْ يَكُنْ يُفْتَرَضُ بِكَ أَنْ تَفْضَحَ أَمْرِي أَيُّهَا الدُّبُّ باستر لِمُجَرَّدِ أَنَّكَ رَأَيْتَنِي أَتَدَحْرَجُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ فِي الْغَابَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي جِئْنَا مِنْهَا نَحْنُ الِاثْنَانِ.»

رَدَّ الدُّبُّ باستر وَهُوَ لَا يَزَالَ يَضْحَكُ: «أَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُنَاسِبُ لِأَفْعَلَ هَذَا؛ فَرُبَّمَا تُخِيفُ أَحَدَهُمْ هُنَا حَتَّى الْمَوْتِ حَيْثُ لَا يَعْرِفُونَكَ.»

ثُمَّ خَرَجَ الْجَمِيعُ مِنْ مَخَابِئِهِمْ وَهُمْ يَضْحَكُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، حَيْثُ أَخْبَرُوا الدُّبَّ باستر بِالْخُدْعَةِ الَّتِي دَبَّرُوهَا لِلْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ، وَكَيْفَ أَنَّ كُلَّ هَذَا جَاءَ نَتِيجَةَ الذُّعْرِ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ الْأَرْنَبُ بيتر عِنْدَمَا مَرَّ مُصَادَفَةً حِينَمَا كَانَ بريكلي بوركي يَتَدَحْرَجُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ لِلَّهْوِ فَقَطْ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ فَقَدْ تَسَلَّلَ مُبْتَعِدًا وَهُوَ يَكَزُّ عَلَى أَسْنَانِهِ غَضَبًا؛ فَهُوَ كَكَثِيرينَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَبَّلُ الدُّعَابَةَ عِنْدَمَا يَكُونُ ضَحِيَّتَهَا.

لِذَا وَطَّدَ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ بريكلي بوركي نَفْسَهُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَاسْتَقَرَّ بَيْنَ السُّكَّانِ الصِّغَارِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِيهَا، تَمَامًا كَمَا جَاءَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ كَغَرِيبٍ إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَاسْتَقَرَّ فِيهَا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤