المليونير المختفي

اختار «المفتش» مائدةً حولها عددٌ من الكراسي على حافة حمام السباحة وجلس الجميع … وقال المفتش «سامي»: أرجو ألَّا أشغلَكم عن مذاكرتكم بهذا اللغز!

ردَّت «نوسة»: لقد نجحنا بتفوق في النصف الأول من العام الدراسي، ونحن نذاكر في مواعيد محددة.

المفتش: عظيم، فإن المهم هو النجاح أولًا.

قالت «لوزة» (مندفعةً): والألغاز أيضًا مهمة.

وضحك الجميع، وقال المفتش «سامي»: المليونير «محسن صديق‎»‏ شخصية هامة جدًّا برغم أن الناس لا يعرفونه.

وبدَتْ علامات الدهشة على وجوه الأصدقاء، فمضى المفتش يقول: لقد عاش أغلب عمره في الخارج وهو رجل يحب العزلة، ولا يطيق الدعاية أو الظهور، وعندما عاد إلى مصر منذ ثلاث سنوات كان يقضي وقتًا قليلًا في مصر ثم يعاود السفر. وفي أثناء تواجده لم يكن أحدٌ يراه، وكان يكتفي بسكرتيره المخلص الأستاذ «حسام قدري» في مقابلة الناس أو إنهاء الأعمال.

قال تختخ: هل هو الرجل الذي كنت تتحدث معه عند حضورنا؟

المفتش: نعم الأستاذ «حسام قدري»، وهو رجل على قدر كبير من الذكاء والمعرفة والإخلاص للمليونير «محسن صديق».

وصمتَ المفتش قليلًا ثم قال: وصباح أمس وفي التاسعة تمامًا حضر السكرتير الأستاذ «حسام قدري» إلى الفيلا كما اعتاد كلَّ يوم، واتجه إلى غرفة نوم المليونير لإيقاظه من النوم ولكن لم يجده، وبحث عنه في مختلف أنحاء الفيلا ولكن دون جدوى، ووجد سيارة المليونير من طراز «رولز رويس» مكانَها، ومعناها أنه لم يخرج وسأل البواب، فقال إنه لم يرَه لأنه عادة يخرج مبكرًا جدًّا، ويعود في وقت متأخر …

وتنهَّد المفتش ثم قال: وانتظر الأستاذ «حسام» حتى منتصف النهار، ولم يظهر المليونير، فسارع إلى إبلاغ الشرطة … وكالعادة نحن ننتظر ٢٤ ساعة ثم نبدأ البحث، وهكذا حضرت اليوم للفحص والمعاينة.

تختخ: وما هي نتيجة الفحص؟

المفتش: لا شيء تقريبًا، كان فراش المليونير غيرَ مرتب، مما يُثبت أنه قضى ليلته في فراشه أو على الأقل دخل الفراش قبل أن يختفيَ.

تختخ: هل اختفى في ملابسه الكاملة أم في ملابس النوم؟ ‏

المفتش: هذا السؤال ذكي «يا توفيق» … لقد وجدنا بيجامتَه معلقة في مكانها، ومعنى ذلك أنه اختفى في ملابسه الكاملة.

تختخ: إن هذا يستبعد عملية الخطف.

المفتش: لا يستبعدها تمامًا … فمن الممكن تحت التهديد أن يقوم المخطوف بتغيير ثيابه.

وساد الصمتُ قليلًا … ثم قال ‎«تختخ»: هل وجدتم آثارَ عنف؟

المفتش: مطلقًا.

تختخ: أو سرقة؟

المفتش: هذا هو المهم، لقد سُرِقَت بعض الأوراق الهامة، بينها جواز سفر المليونير.

تختخ: لماذا لا يكون المليونير قد سافر ما دام جواز السفر ليس موجودًا؟ ‏

المفتش: وهذا استنتاج رائع أيضًا، وقد طلبتُ منذ ساعة أن يتمَّ البحث بواسطة كمبيوتر مطار القاهرة عن سفر المليونير.

تختخ: وقد يسافر عن طريق مطار آخر مثل مطار الإسكندرية الدولي، أو مطار الأقصر الدولي أو مطار أسوان الدولي.

المفتش: هذا كلُّه محلُّ الاعتبار.

عاطف: أو من المواني … ميناء الإسكندرية أو بورسعيد أو السويس.

المفتش: هذا أيضًا نفحصه، وإن كنت أستبعدُ ذلك لسبب بسيط، وهو لماذا لم يُخطر السكرتيرَ بسفره إذا كان قد سافر؟

تختخ: لعلَّه كان على عجلة من أمره.

المفتش: كان يمكن أن يترك رسالة مثلًا، ومع ذلك فإن استعراض الوقائع يؤكد أنه لم يسافر؛ فقد كان السكرتير معه حتى الحادية عشرة ليلًا، ثم عاد إليه في السابعة صباحًا … فإذا كان سيسافر فلماذا لم يُخطره ليلًا؟

وهناك ما هو أهم من ذلك كلِّه وهو ارتباطه بمواعيد عمل هامة صباح أمس وهذا الصباح؛ ولو كان في نيته السفر لَأخطرَ السكرتير لإلغاء هذه المواعيد، فهو رجل أعمال ورجل الأعمال يعرف أهمية المواعيد.

تختخ: هل تقصد أنه اختُطف؟

المفتش: هذا أقرب الاحتمالات، وإن كنَّا لم نجد آثار عنف، كما أن البواب لم يشاهد أو يسمع ما يُريب ليلًا.

تختخ: ما هو أكثر ما يلفت نظرك في هذه القضية؟

صمت المفتش قليلًا ثم قال: إن المليونير المختفي أو المخطوف ليست له أية صورة … جواز السفر اختفى، وبعض الصور التي كانت في الفيلا له اختفت.

تختخ: يمكن الرجوع إلى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية للحصول على صورة من جواز السفر.

المفتش: إنه يحمل جواز سفر أمريكيًّا.

تختخ: ولكنه خرج بجوار سفر مصري عندما غادر البلاد لأول مرة.

المفتش: إنني لم أُهمل هذه النقطة، ولكن الصعوبة أنه خرج من البلاد منذ ثلاثين عامًا؛ فحتى لو حصلنا على صِوَره القديمة، فهناك فارقٌ ثلاثون عامًا وهي كافية أن تكون الملامح قد تغيَّرت.

ساد صمتٌ ثقيل … وأخذ «تختخ» ينظر إلى مياه الحمام في استغراق شديد … كان حمام السباحة يُشبه ثلاثَ دوائر متداخلة: إحداها على اليمين والثانية على اليسار والثالثة داخل الفيلا …

وقطَع الصمتَ وصولُ رجال المفتش الذين كانوا يرفعون البصمات، وقالوا إنهم عائدون إلى المعمل الجنائي لفحص الأدلة والبصمات.

ونظر المفتش إلى ساعته ثم قام واققًا واستدعى السكرتير الذي حضر على الفور، وأخذ المغامرون يفحصونه … كان رجلًا طويل القامة في نحو الخمسين من عمره، شديد الأناقة والرقة … نافذ النظرات، يلبس نظارة سوداء تُشبه نظارة المفتش «سامي».

سأله المفتش: هل ستبقى في الفيلا …

السكرتير: لا يا سيدي … إن عندي بعض الأعمال الهامة، ثم إنني أسكن في منطقة المهندسين وأحضر لأداء الأعمال التي كان يطلبها الأستاذ «محسن صديق»، ثم أعود إلى منزلي، وإن كنت أحيانًا أقضي الليل هنا.

المفتش: هل تسافر قريبًا؟ ‏

السكرتير: ربما بعد أسبوع أو عشرة أيام حتى تظهر نتائجُ جهودكم في البحث عن الأستاذ «محسن».

المفتش: قد نبقى بعض الوقت فهل ستبقى أيضًا؟

نظر السكرتير إلى ساعته ثم قال: إنني مرتبط بموعدٍ هامٍّ بعد ساعة في وسط المدينة وأنا مضطرٌّ للانصراف …

المفتش: لا بأس.

واتجه السكرتير إلى سيارته الفاخرة من طراز مرسيدس وانطلق خارجًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤