أيام العيد الفائتة

 القاهرة في ١٧ من إبريل سنة ١٩٢٦

هي أيام كتلك التي تأتي بها دورة الفلك، فتطلع فيها الشمس في متنفس الصباح، وتغرب فيها كذلك عند مقدم الليل وحلول الدجى.

وهى أيام لا يصيب فيها الأرض إلا ما أصابها من الخضوع لسنن الوجود.

وهى أيام لا تتخلف فيها تلك القوة العظيمة التي تشدّ الأرض في مدارها حول الشمس، وتدفع حول الأرض تابعها القمر.

وهى أيام لا يفتأ فيها الندى، يتساقط على كؤوس الزهر، وتجري فيها الجداول بين الحقول النضرة، وتغرد فيها الطيور على أفنان الشجر.

وهى أيام قد تتحرك فيها الأصداف، وما فيها من لؤلؤ دفين بين طبقات اللجج، وقد تتحرك فيها الدموع على عزيز طوته الغبراء في أحشائها.

فهي أيام شأنها إذن في عالم المحسوس، كشأن غيرها من الأيام.

•••

لكن في نظام الكون عالمًا معنويًا يرى بعين غير التي ينظر بها إلى ذلك الوجود المحسوس، عالمًا لا يخضع لقوانين الأفلاك إذا هي تدور، أو إذا هي تمور، ولا لقوانين الحياة والأحياء. إذا هي تنمو أو تحور عالمًا لا يخضع إلا لقوانين القلوب، إذ تذكر وتشعر، أو تظهر وتضمر. ولقوانين النفوس إذ تميل وتنفر، وتتمنى وتقدر.

•••

وفي تلك الأيام التي يصطلح الناس على تسميتها أيام العيد، يتجلَّى منظر واضح من مظاهر تلك القوانين النفسية، قد ينتهي عند تحليل ما يتصل به من طقوس ورموز وأدعية وصلوات إلى صنوف من الذكريات، وألوان من الآمال، وضروب من الانفعالات، تلفح ريحها الأفراد والأمم، وقد تفعل فيهم فعل السحر، فتخرجهم عن طورهم المألوف، فتصبح أيام العيد كأنها غير سواها من الأيام، وكأن شمسها غير الشمس ونسيمها غير النسيم.

•••

ولقد مرت علينا سنون — طيَّب الله ذكرها من سنين — كان فيها القلب باسمًا، والبال ناعمًا، فكنَّا نشعر بقانون العيد كما يشعرون، ونلبس له الجديد كما يلبسون … ولكن … الفلك سيار، والزمن جبار، فلا هو يبقي الغصن لينًا رطيبًا، ولا هو يبقي القلب للسرور خصيبًا.

فأين أنتِ يا أيام النفوس الفتية، ويا ليالي الصبا الهنية، أين؟ أين أنت وقد كنت تجودين على القلب بخصائصك من بحبوحة السرور، وعلى الذهن بسعة الخيال، ولذائذ الأحلام والآمال. وكنت تجودين بجميل الذكريات. وكنت تجودين بملء الضحكات، وكثرة البسمات. وكنت تجودين بأحاديث الأنس والجمال.

أين أنت يا تلك الأيام، أيام العيد، التي كانت تشرق شموسك دون أن تمر أضواؤها بسحب متلبدة، وغيوم متعددة!.

وأين أنت أيها البصيص من النور الوهاج والأمل، الذي كان يحفز الهمم القوية للنشاط والعمل. أين؟!

سلامٌ على ما مضى وفات، ونظرة رجاء لما هو آت. وليبارك الله للزهرة المتفتحة في أيامها وأعوامها، وللصغير الناشئ في جديد ثيابه، وفى عطف أحبابه، وليغمر بفضله محيا الناس بالسرور، وقلوبهم بالنور. وليسبغ على نفوسهم أسباب الوئام، وليهيئ للأمة في سبيلها الرشاد والسلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤