فلما كانت الليلة ٣٢٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملعون الذي سمَّى نفسه رشيد الدين لما رجع من سفره أخبره أهل بيته أن زمرد قد فُقِدت ومعها خُرْج مال، فلما سمع ذلك الخبر شقَّ أثوابه ولطم على وجهه ونتف لحيته، وأرسل أخاه برسوم يفتش عليها في البلاد؛ فلما أبطأ عليه خبره خرج هو بنفسه ليفتش على أخيه وعلى زمرد في البلاد، فرمته المقادير إلى مدينة زمرد، ودخل تلك المدينة في أول يوم من الشهر، فلما مشى في شوارعها وجدها خالية، ورأى الدكاكين مقفولة، ونظر النساء في الطيقان، فسأل بعضهن عن الحال فقلن له: إن الملك يعمل سماطًا لجميع الناس في أول كل شهر، وتأكل منه الخلق جميعًا، وما يقدر أحد أن يجلس في بيته ولا في دكانه. ودللْنَه على الميدان، فلما دخل الميدان وجد الناس مزدحمين على الطعام، ولم يجد موضعًا خاليًا إلا الموضع الذي فيه الصحن الأرز المعهود، فجلس فيه ومدَّ يده ليأكل منه، فصاحت الملكة على بعض العسكر وقالت: هاتوا الذي قعد على الصحن الأرز. فعرفوه بالعادة وقبضوا عليه، وأوقفوه قدَّام الملكة زمرد. فقالت له: ويلك! ما اسمك؟ وما صنعتك؟ وما سبب مجيئك إلى مدينتنا؟ فقال: يا ملك الزمان اسمي رستم، ولا صنعة لي؛ لأني فقير درويش. فقالت لجماعتها: هاتوا لي تخت رمل والقلم النحاس. فأتوها بما طلبته على العادة، فأخذت القلم وخطَّت به تخت رمل، ومكثت تتأمل فيه ساعة، ثم رفعت رأسها إليه وقالت: يا كلب، كيف تكذب على الملوك؟ أنت اسمك رشيد الدين النصراني، وصنعتك أنك تنصب الحِيَل لجواري المسلمين وتأخذهن، وأنت مسلم في الظاهر ونصراني في الباطن، فانطق بالحق، وإن لم تنطق بالحق فإني أضرب عنقك. فتلجلج في كلامه، ثم قال: صدقتَ يا ملك الزمان. فأمرت به أن يُمدَّ ويُضرَب على كل رجل مائة سوط، وعلى جسده ألف سوط، وبعد ذلك يُسلَخ ويُحشَى جلده ساسًا، ثم تُحفَر له حفرة في خارج المدينة ويُحرَق، وبعد ذلك يضعون عليه الأوساخ والأقذار. ففعلوا ما أمرتهم به، ثم أذنت للناس بالأكل فأكلوا. ولما فرغ الناس من الأكل وانصرفوا إلى حال سبيلهم، طلعت الملكة زمرد إلى قصرها وقالت: الحمد لله الذي أراح قلبي من الذين آذوني. ثم إنها شكرت فاطر الأرض والسموات، وأنشدت هذه الأبيات:

تَحَكَّمُوا فَاسْتَطَالُوا فِي تَحَكُّمِهِمْ
وَبَعْدَ حِينٍ كَأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنِ
لَوْ أَنْصَفُوا أَنْصَفُوا لَكِنْ بَغَوْا فَأَتَى
عَلَيْهُمُ الدَّهْرُ بِالْآفَاتِ وَالْمِحَنِ
فَأَصْبَحُوا وَلِسَانُ الْحَالِ يُنْشِدُهُمْ
هَذَا بِذَاكَ وَلَا عَتْبٌ عَلَى الزَّمَنِ

ولما فرغت من شعرها خطر ببالها سيدها علي شار فبكت بالدموع الغزار، وبعد ذلك رجعت إلى عقلها وقالت في نفسها: لعل الله الذي مكنني من أعدائي يمنُّ عليَّ برجوع أحبَّائي. فاستغفرت الله عزَّ وجَلَّ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤