فلما كانت الليلة ٤٦٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما حدَّثَ نفسه وقال لها: كلي من هذه النِّعَم، مهنَّأة بالعمر الطويل والحظ الجزيل. لم يفرغ مما حدَّثَ به نفسه، حتى أتاه رجل من ظاهر القصر عليه ثياب رثة، وفي عنقه مخلاة معلَّقة على هيئة سائل يسأل الطعام، فجاء وطرق حلقة باب القصر طرقة عظيمة هائلة كادت تزلزل القصر وتزعج السرير، فخاف الغلمان، فوثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق، وقالوا له: ويحك! ما هذه الفعلة وسوء الأدب؟ اصبر حتى يأكل الملك، ونعطيك مما يفضل. فقال للغلمان: قولوا لصاحبكم يخرج إليَّ حتى يكلِّمني، فلي إليه حاجة، وشغل مهم، وأمر ملم. فقالوا: تنحَّ أيها الضعيف، مَن أنت حتى تأمر صاحبنا بالخروج إليك؟ فقال لهم: عرِّفوه ذلك. فجاءوا إليه وعرَّفوه، فقال: هلَّا زجرتموه وجرَّدْتُم عليه السلاح، ونهرتموه. ثم طرق الباب أعظم من الطرقة الأولى، فنهض الغلمان إليه بالعصي والسلاح، وقصدوه ليحاربوه، فصاح بهم صيحة، وقال: الزموا أماكنكم، فأنا مَلَك الموت. فرعبت قلوبهم، وذهبت عقولهم، وطاشت حلومهم، وارتعدت فرائصهم، وبطلت عن الحركة جوارحهم، فقال لهم الملك: قولوا له يأخذ بدلًا مني، وعوضًا عني. فقال ملك الموت: لا آخذ بدلًا، ولا أتيتُ إلا من أجلك، لأفرِّق بينك وبين النِّعَم التي جمعتَها والأموال التي حويتها وخزنتها. فعند ذلك تنفَّسَ الصعداء وبكى وقال: لعن الله المال الذي غرَّني وأضرني ومنعني عن عبادة ربي، وكنتُ أظنُّ أنه ينفعني، فبقي اليوم حسرةً عليَّ ووبالًا لديَّ، وها أنا أخرج صفرَ اليدين منه ويبقى لأعدائي. قال: فأنطق الله المال وقال: لأي سببٍ تلعنني؟ العن نفسك، فإن الله تعالى خلقني وإياك من تراب، وجعلني في يدك لتتزوَّد مني لآخرتك، وتتصدق بي على الفقراء والمساكين والضعفاء، ولتعمر بي الربط والمساجد والجسور والقناطر، لأكون عونًا لك في الدار الآخرة؛ وأنت جمعتني وخزنتني، وفي هواك أنفقتني، ولم تشكر لحقي بل كفرتني، فالآن تركتني لأعدائك وأنت بحسرتك وندامتك؛ فأي ذنب لي حتى تسبني؟ ثم إن ملك الموت قبض روحه وهو على سريره قبل أن يأكل الطعام، فخَرَّ ميتًا ساقطًا من فوق سريره، قال الله تعالى: حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُبْلِسُونَ (الأنعام: ٤٤).

حكاية مَلِك إسرائيلي جبَّار ومَلَك الموت

ومما يُحكَى أن ملكًا جبَّارًا من ملوك بني إسرائيل كان في بعض الأيام جالسًا على سرير مملكته، فرأى رجلًا قد دخل عليه باب الدار، وله صورة منكرة، وهيئة هائلة، فاشمأزَّ من هجومه عليه، وفزع من هيئته، فوثب في وجهه وقال: مَن أنت أيها الرجل؟ ومَن أذن لك في الدخول عليَّ، وأمرك بالمجيء إلى داري؟ فقال: أمرني صاحب الدار، وأنا لا يحجبني حاجب، ولا أحتاج في دخولي على الملوك إلى إذن، ولا أرهب سياسة سلطان، ولا كثرة أعوان، أنا الذي لا يقرعني جبار، ولا لأحد من قبضتي فرار، أنا هادم اللذات، ومفرق الجماعات. فلما سمع الملك هذا الكلام خرَّ على وجهه، ودبت الرعدة في بدنه، ووقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق قال: أنت مَلَك الموت؟ قال: نعم. قال: أقسمتُ عليك بالله إلا أمهلتني يومًا واحدًا لأستغفر من ذنبي، وأطلب العذر من ربي، وأرد الأموال التي في خزائني إلى أربابها، ولا أتحمل مشقة حسابها، وويل عقابها. فقال ملك الموت: هيهات هيهات، لا سبيلَ إلى ذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤