فلما كانت الليلة ٤٧٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المسلم الأسير والصبية أقامَا بتلك القرية التي دخلَاها بقية يومهما، ولما جَنَّ عليهما الليل أخذَا في الرحيل وقَطْع السبيل، وسارَا ليلتهما تلك، وكان الشاب قد ركب جوادًا سابقًا وأردفها خلفه؛ فما زال يقطع الأرضَ حتى قرب الصباح، فمال بها عن الطريق وأنزلها وتوضَّأَ وصلَّيَا الصبح. فبينما هما كذلك إذ سمعَا قعقعةَ السلاح وصلصلةَ اللجم وكلامَ الرجال وحوافرَ الخيل، فقال لها: يا فلانة، هذا تبع النصارى قد أدركنا، فما تكون الحيلة والفرس قد كَلَّ ومَلَّ حتى لا يقدر أن يخطو باعًا. فقالت له: ويحلك! أَفَزِعْتَ وخفْتَ؟ قال: نعم. قالت: فأين ما كنتَ تحدِّثني به من قدرة ربك وغياثته مستغيثين؟ تعال نتضرَّع إليه وندعه لعله يغيثنا بغياثه ويتداركنا بلطفه سبحانه وتعالى. فقال: نِعْمَ والله ما قلتِ. فأخذَا في التضرُّع إلى الله تعالى، وجعل ينشد ويقول هذا الأبيات:

إِنِّي إِلَيْكَ مَدَى السَّاعَاتِ مُحْتَاجُ
لَوْ كَانَ فِي مَفْرِقِي الْإِكْلِيلُ وَالتَّاجُ
وَأَنْتَ حَاجَتِي الْكُبْرَى فَلَوْ ظَفِرَتْ
بِمَا أَرَدْتَ يَدِي لَمْ يَبْقَ لِي حَاجُ
وَلَيْسَ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَنْتَ مَانِعُهُ
بَلْ سَيْلُ جُودِكَ سَيَّالٌ وَثَجَّاجُ
لَكِنَّنِي أَنَا مَحْجُوبٌ بِمَعْصِيَتِي
وَنُورُ عَفْوِكَ يَا ذَا الْحِلْمِ وَهَّاجُ
يَا فَارِجَ الْهَمِّ فَرِّجْ مَا بُلِيتُ بِهِ
فَمَنْ سِوَاكَ لِهَذَا الْهَمِّ فَرَّاجُ

قال: فبينما هو يدعو والجارية تؤمِّن على دعائه، ووجيف الخيل يقرب منهما، إذ سمع الفتى كلام أخيه الشهيد المقتول وهو يقول: يا أخي، لا تَخَفْ ولا تخزن، فالوفد وفد الله وملائكته، أرسَلَهم إليكما ليشهدوا عليكما في التزويج، وإنَّ الله تعالى قد باهى بكما ملائكته وأعطاكما أجرَ السعداء والشهداء، وطوى لكما الأرض، وإنك تصبح بجبال المدينة، فإذا اجتمعت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فاقرأ عليه السلام مني وقل له: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، فلقد نصحتَ واجتهدتَ. ثم رفعت الملائكة أصواتها بالسلام عليه وعلى زوجته وقالوا: إن الله تعالى زوَّجَها منك قبل أن يخلق أباكما آدم عليه السلام بألفَيْ عام. قال: فغشيهما البشر والسرور والأمن والحبور، وزاد اليقين وثبتَتْ هداية المتقين. ولما طلع الفجر وصلَّيَا الصبح، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغلس بصلاة الصبح، وربما دخل المحراب وخلفه رجلان فيبتدئ الصلاة بسورة الأنعام وبسورة النساء، فينتبه الراقد ويتوضأ المتوضئ ويأتي البعيد، فما يتم الركعة الأولى إلا والمسجد قد امتلأ من الناس، فيصلي الركعة الثانية بسورة خفيفة يوجز فيها؛ فلما كان ذلك اليوم، صلَّى في أول ركعة بسورة خفيفة أوجَزَ فيها وفي الثانية كذلك، فلما سلَّمَ نظر إلى أصحابه وقال: أخرجوا بنا لتلقِّي العروسين. فتعجَّبَ أصحابه ولم يفهموا كلامه، فتقدَّمَ وهُمْ خلفه حتى خرج إلى باب المدينة. وكان الشاب عندما ظهر له النور ورأى أعلام المدينة، أقبل نحو الباب وزوجته خلفه، فلقيه عمر والمسلمون فسلَّموا عليه، فلما دخلوا المدينة أمَرَ عمر رضي الله عنه أن تُصنَع وليمة، فحضر المسلمون وأكلوا، ودخل الشاب بعروسه ورزَقَه الله تعالى منها الأولاد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤