الفصل الأول

الفرق بين السعادة والسرور

ليس هناك شاب إلا وهو يزعم أنه ينشد السعادة، ولكن ليست هناك كلمة يضطرب معناها، ويختلف مدلولها أكثر من هذه الكلمة، وهناك عشرات، بل مئات، من الناس ظنوا أنهم ينشدون السعادة، ولكنهم أخطئوا الهدف فجهدوا وتعبوا دون أن يصلوا إلى غايتهم؛ ذلك لأنهم كانوا يجهدون ويتعبون لتوفير المسرات والملذات ظنًّا بأن هذه الأشياء هي السعادة، ولكنهم بعد الحصول عليها وجدوا أنهم لا يزالون كما كانوا في البداية لم يسعدوا، بل ازدادوا جوعًا وشوقًا إلى الاستكثار وعطشًا إلى الطمع.

ولذلك يجب أن نميز بين اللذة والسعادة، فإن الأولى مادية كالطعام أو الشراب، أو اقتناء شيء نفخر به أو نحو ذلك، فنحن نلتذ الطعام والشراب، ونسر بالأثاث الجميل والبذلة الجديدة ونحو ذلك، ولكن هذه الملذات أو المسرات المادية تنتهي إلى نهاية، فنعود إلى الجوع وطلب الزيادة.

ولكن السعادة فكرية؛ أي: أننا نسعد بالفكرة وليس بالمادة، ولذا تحفزنا الفكرة إلى جهاد نبقى معه وبه، وسعادتنا هنا مقيمة لا تزول، فقد نخدم مبدأ إنسانيًّا، أو ندعو إلى مذهب اجتماعي أو سياسي، أو نرى رؤية بشرية سامية نحاول أن نحققها، أو ندرس نظرية علمية نبغي من ورائها كشفًا أو فهمًا، ففي كل هذه الحالات نحس السعادة التي لا نسأمها؛ إذ لن نشبع منها كما نشبع من الملذات المادية … الملذات والمسرات مادية، ولكن السعادة فكرية.

هذا هو الأساس السليم للتفكير في السعادة، والسعادة لهذا السبب مجانية، أو تكاد تكون كذلك، وهي أيضًا لا يحملنا الكفاح من أجلها إلى الحسد أو الغيرة، كما أنها تستنبط فينا الخير للبشر، فنحن حين نسعد بكفاح من أجل مذهب، أو لأننا نرى رؤية لا يراها غيرنا، نحاول أن يسعد الناس مثلنا، وأن يكافحوا كفاحنا، أما حين ننشد الملذات والمسرات المادية فإننا لا نحب أن يشاركنا فيها أحدًا أو أن يبلغ ما بلغنا، ولذلك كثيرًا ما تبعث في نفوسنا أخس الغرائز، كما أننا في النهاية لا نجد أننا قد شبعنا، وهذا هو السبب في شقاء الكثير من الأثرياء الذين قد ينتهون إلى الانتحار.

ومن هنا أيضًا تلك السعادة التي يحسها الفنان والفيلسوف، ورجل العلم الذي يسعى لكشف حقيقة مجهولة، فإن كل هؤلاء سعداء؛ لأنهم ينشدون هدفًا فكريًّا وليس لذة مادية.

فإذا شئت السعادة أيها الشاب فاخدم فكرة سامية يرتفع بها الناس أو ينتفعون، واجعل هذه الفكرة تستغرق كل اهتمامك، وعندئذ تكفل لنفسك السعادة والهناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤