الفصل السادس والثلاثون

الحب دين العالم

من أغرب الظواهر الاجتماعية في تاريخ البشر أن الأديان جميعها دعت إلى الخير والبر والإخاء والحب، ولكن البشر لم يعرفوا مع ذلك من الحقد والغضب ومن القتال والانتقام، مثلما عرفوا من الفوارق الدينية، فإن تاريخ أوروبا حافل بالحروب الدينية التي فتكت بالرجال والنساء والأطفال ودمرت البيوت وحطمت الدول، وكذلك الحال في الشرق حتى ليقف القارئ لتاريخ هذه الحروب والخلافات المذهبية الدموية متسائلًا: كيف انقلبت دعوة الحب التي تدعوها جميع الأديان إلى دعوة الحقد التي تصطبغ بالدماء؟

ليس شك في أنها انقلبت هذا الانقلاب المشئوم؛ لأن الأديان قد أُسيء فهمها حتى صار المؤمن بأحدها يعتقد أن له حق الامتياز على غيره من الذين لم يؤمنوا إيمانه، ولم ينطقوا بدعائه ولم يسجدوا بصلاته.

ولكن مع هذا الفهم السيئ الذي يتفشى بين كثير من الناس نجد أفرادًا لهم عقول كالمصابيح، قد استضاءت وأضاءت.

قال الفيلسوف الأندلسي محيي الدين بن عربي:

قد كنت اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فقد صار قلبي قابلًا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان، وكعبة طائف،
وألواح توراة، ومصحف قرآن
أدين بدين الحب، أنى توجهت
ركائبه، فالحب ديني وإيماني

ولو أن جميع الأمم فهمت ما فهمه ابن عربي من الدين، ومارست الحب في معاملة كل فرد للآخر، وعملت بما يقتضيه هذا الحب من العدالة والمساواة والشرف، لما انتهى الدين إلى أداة أو وسيلة للكراهية والحقد والقتال.

ولذلك فإن هذه الأبيات التي نطق بها ابن عربي جديرة بأن يعيها كل شاب في قلبه، وأن يجعلها هدفًا لتربيته القومية والبشرية، وفي العالم الآن نحو ٢٦٠٠ مليون إنسان: منهم ألف مليون بوذي، و٧٠٠ مليون مسيحي و٤٠٠ مليون مسلم و٣٥٠ مليون هندوكي، وهم لن يستطيعوا أن يعيشوا في سلام وحب إلا إذا استرشدوا بأولئك المفكرين الذين تجلى لهم الحق؛ مثل: ابن عربي وغيره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤