الفصل السادس والسبعون

في الرابعة والتسعين

بعد أسابيع يدخل برنارد شو في الرابعة والتسعين من عمره، وليست العبرة مع ذلك في بلوغه هذه السن، ولكنها في محافظته على صحة عقله وسلامة جسمه، فإن هناك كثيرين بلغوا هذه السن ولكنهم التزموا السرير واستقالوا من الحياة، أو هم يعانون الحياة أكثر مما يستمتعون بها.

ولكن برنارد شو لا يزال نشيطًا يُؤلف ويُوجه ويُعلم، وقد علم أربعة أجيال، وهو يُؤمل أن يُعلم الجيل الخامس، وهو يقول كما يقول كثير من العلماء هذه الأيام: إن الموت ليس طبيعيًّا.

وقد اتخذ برنارد شو أسلوبًا في العيش يجدر بنا جميعًا أن نعرفه وإن لم نمارسه، فهو قد انقطع عن اللحوم منذ ٦٥ سنة، وهو يأكل الخبز الأسمر، وينام مع ترك النافذة مفتوحة حتى في الشتاء، وهو شتاء إنجلترا القطبي، وهو لا يُدخن ولا يشرب الخمور، كما أنه يفكر هذه الأيام في أن يصوم يومًا كاملًا كل أسبوع.

وبرنارد شو يدرس جسمه ويحاول أن يصوغه كما لو كان كتابًا يُؤلفه، وهو كثير التفكير في التعمير، وقد ألف درامة في هذا الموضوع يقول فيها: إن أعمارنا المألوفة قصيرة، وإننا نترك الدنيا أطفالًا لما نتعلم، ولما نستمع، ولما نصل إلى الحكمة، وإننا على الأقل يجب أن نعيش ثلاث مئة سنة، نقضي المئة الأولى في التعلم، والمئة الثانية والثالثة في الاستمتاع والتفكير الناجع، كما أنه يرى أن الإنسان عندما يحقق هذه السن سوف يعمد إلى إصلاح هذه الدنيا وإحالتها إلى فردوس؛ لأن إقامته المديدة عليها ستضطره إلى ذلك حتى يهنأ بعيشه فيها ولا يسأمها.

وقد يكون في الخبز الأسمر؛ أي: الرغيف الكامل الذي لم ينخل شيء من دقيقه، بعض المميزات، كما أن التزام النباتات ينقص الأحماض التي تُؤذي الجسم، كما قد يكون في النافذة المفتوحة وفرة من الأكسجين تجددنا وقت النوم، ويُضاف إلى ذلك اللبن ومشتقاته، وقيمتها كبيرة.

ولكن هذا النظام وحده ليس كل شيء في حياة برنارد شو، فقد يتبعه آخر ثم لا يبلغ التسعين حتى يكون قد خرف لاختلال قواه العقلية، على الرغم من صحة الجسم، ولكن الميزة الأولى لبرنارد شو هي أنه لا يزال يعيش في عنفوان الحياة الذهنية، والسبب في ذلك أنه احترف الأدب والفهم والتفكير، وكلمات اللغة موفورة عنده، وهي تحمل المعاني التي يدأب الدماغ في استنباطها وتوليدها، ومن هنا حيوية ذهنه التي تسمو على حيوية جسمه.

وهذه الحياة الذهنية القوية التي يحياها هذه الأيام هي التي تجدد شبابه، وتحفزه على التفكير في المستقبل بدلًا من الحنين إلى الذكريات القديمة، كما هو شأن المسنين العاديين، وهي التي تملؤه تفاؤلًا على الرغم من الكوارث العالمية المحيطة.

فلتكن لكل شاب عبرة في حياة برنارد شو الذهنية وآماله الروحية كما في نظام معيشته المادية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤