الفصل السابع عشر

اتصلت نجاة بشهيرة في التليفون، وتحدد بينهما موعد.

– نحن بيننا صداقة عمر.

– ما لزوم هذا الكلام يا نجاة؟ أنت تعرفين مكانتك عندي.

– أريد هذه الصداقة أن تصبح قرابة.

– هي الآن أكثر من قرابة.

– من غير لفٍّ أو دوران، أريد بهيرة لوجدي.

– والله يا حبيبتي أنا تحت أمرك ولكن بنات هذه الأيام لهن رأيهن الخاص، وأكذب لو قلت لك إن لي رأيًا أو إن لأبيها رأيًا.

– أنا عارفة، وعارفة أيضًا أن جمال وجدي لا يماثله جمال، وأنت عارفة غناه.

•••

وقالت شهيرة لزوجها سامي حسنين: الولد غني وحلو ولكنه دائمًا مع النسوان، وسمعت أنه يلعب القمار، وحكاية المحكمة هذه ستظل تلاحقه.

ولم يكن سامي في حاجة أن يقول لها الأمر أمرك؛ فقد كان يدرك أنها تكلمه لتفكر بصوتٍ مرتفع وليس لأنها تريد رأيه، فهو عندها بلا رأي.

لم تشأ شهيرة أن تخبر ابنتها عن هذه الخطبة؛ فهي لا تحتاج إلى رأيها هي أيضًا، وإن كانت قد أنبأت بهيرة أن الرأي رأي ابنتها، فما كان هذا منها إلا لتعطي لنفسها فرصة لتفكر.

وقالت بهيرة لأمها: لماذا لم تقولي لي شيئًا حتى الآن؟

– وماذا تريدين أن أقول؟

– ألم يخطبني أحد؟

– إذن فقد عرفتِ.

– طبعًا.

– من قال لك؟

– أنا موافقة على هذا الزواج.

– لن أخبرهم بالموافقة حتى تفكري.

– لقد فكرتُ.

– وماذا علينا أن ننتظر؟

– ولماذا ننتظر؟

– يتهيأ لي أن هناك خيرًا منه.

– الذي أريده أنا هو أحسن زوج لي.

– لا يُغرِكِ الجمال.

– لا شيء يغريني. كل ما في الأمر أنني أريده وهذا يكفي.

– ومع ذلك سأنتظر.

– شأنك.

•••

وطلب عبد البديع الشحات موعدًا مع سامي حسنين.

– توكلنا على الله.

– على الله التوكل.

– مد يدك.

– تحت أمرك.

– نقرأ الفاتحة.

– على ماذا؟

– فاتحة بهيرة بنتك على ابني حامد.

– آه، هكذا؟

– وماذا في هذا؟ لقد ناسبنا زكريا باشا حسام الدين.

– ومن غير نسب زكريا باشا أنتم ناس أفاضل يا عبد البديع بك.

– كتر خيرك، فما التردد إذن؟

– أليس لهذه البنت أم؟ وهي أليس لها رأي؟

– ومنذ متى يكون للحريم رأي يا سامي بك؟

– نعم؟

كانت الكلمة بعيدة كل البُعد عن حياة سامي، فأطرق قليلًا ثم قال: لا بد من رأي الست والبنت يا عبد البديع بك. الدين يقول هذا.

– أمرك. ولك أن تسأل عن حامد؛ محامٍ قد الدنيا، وأيضًا تاجر واعٍ يكسب من الهوا.

– ربنا يهيأ الخير إن شاء الله.

وذهبت شهيرة إلى خديجة وحكت لها عن العريسين اللذين جاءا في وقتٍ واحد تقريبًا لبهيرة، واستطاعت أن تصوغ الحكاية وكأنها تستشعرها.

وفهمت خديجة الإشارة.

قالت للبك: يحيى، أليس من الطبيعي أن تتزوج؟

– حين أجد البنت المناسبة.

– عندي.

– من؟

– مال وجمال وأصل.

– أعرفها؟

– كل المعرفة.

– فمن هي؟

– خمن.

– بهيرة.

– عجيبة. كيف عرفتها؟

– أنا لست غبيًّا.

– لا. الحكاية وراءها سر؛ هل تحبها؟

– اخطبيها لي.

•••

ودون أن تستشير شهيرة ابنتها أو زوجها أعلنت الموافقة، وأدركت بهيرة أنه لا سبيل لها أن تعارض. وإن كان وجدي قد استطاع أن يبهرها بجماله ويكلمها بضع مرات في التليفون فالأمر لم يصل إلى الحب الذي يجعلها تقف من أمها، التي يتبعها أبوها، موقفًا فيه تعنت. وكان إعلان القبول ليحيى يحمل في ذاته إعلان الرفض لوجدي وحامد معًا. وتمَّ الزواج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤