الشرائع

ثمَّ قال له مُشْتَرِع: وماذا تعتقد بشرائعنا أَيُّهَا المعلم؟

فأجاب قائلًا:

إنكم تستلذون أن تضعوا شرائع لأنفسكم،
بَيْدَ أنكم تستلذون بالأكثر أن تكسرُوها وتتعدَّوْا فرائضها؛
لذلك أنتم كالأولاد الذين يلعبون على الشاطئ، يبنون أبراجًا عظيمةً من الرمل بصبر وثبات، ثمَّ لا يلبثون أن يهدموها ضاحكين صاخبين.
فعندما تبنون أبراجكم الرملية يأتي البحر برمال جديدة إلى الشاطئ.
وعندما تهدمون أبراجكم يضحك البحر منكم في نفسه؛ لأن البحر يضحك من الأبرياء أبدًا.

•••

ولكن، ماذا أقول في من ليست الحياة بحرًا في عقيدتهم، بل ليست الشرائع التي تسنها حكمة الإنسان البالغة أبراجًا من الرمال فحسب.
أولئك الذين يحسبون أن الحياة صخرة صلدة، وأن الشريعة إزميل حادٌّ يأخذونه بأيديهم لكي ينحتوا هذه الصخرة على صورتهم ومثالهم؟
وماذا أقول في المُقعدين الذين يكرهون الراقصين؟
وفي الثور الذي يحب نِيرَه ويتهم الوعل والإبل والظبي أنها حيوانات متمردة ناشزة؟
وفي الأفعى العتيقة الأيام التي لا تستطيع أن تخلع جلدها؛ ولذلك تنبري مُتهِمة جميع الحيوانات بالعري وقلة الحياء؟
وفي ذلك الذي يسبق غيره إلى وليمة العرس، وعندما يملأ جوفه من الأطعمة ويبلغ حده من النهم والشراهة يترك الوليمة ويذهب في طريقه قائلًا: إن جميع الولائم مخالفة للناموس وجميع الذين يجتمعون إليها متعدُّو الشريعة؟

•••

ماذا أقول في أمثال هؤلاء؟ إنهم كجميع الناس يقفون في أشعة الشمس، ولكنهم يُوَلُّون الشمس ظهورهم؛
فهم لذلك لا ينظرون سوى ظلالهم، وظلالهم هي عند التحقيق شرائعهم المقدسة.
وهل الشمس في اعتقادهم سوى منشأ الظلال؟
وهل اعترافهم بالشريعة سوى أنهم ينحنون ويطأطئون رءوسهم لكي يستقصوا ظلالهم على الأرض؟
أما أنتم، الذين يمشون وهم يحدقون إلى الشمس بأجفان غير مرتعشة، فهل في الأرض من صورة تستطيع أن تستوقفكم هنيهة؟
وأنتم، المسافرين مع الريح، أية صفحة من الصفحات الدالة على مجاري الرياح تقدر أن تقودكم في مسالككم؟
وما هي الشريعة البشرية التي تفيدكم إذا كنتم لم تحطموا نِيرَكم على باب سجن من سجون الإنسان؟
وأية شرائع ترهبون إذا كنتم ترقصون، ولكنكم لا تعثرون بقيد من قيود العالم الحديدية؟
ومن هو الرجل الذي يستطيع أن يأتي بكم إلى المحاكمة إذا مزقتم أثوابكم، ولكنكم لم تضعوها في طريق أحد من الناس؟

•••

أجل يا أبناء أورفليس، إنكم تستطيعون أن تخمدوا صوت الطبل، وتحلوا أوتار القيثارة، ولكن مَن مِن أبناء الإنسان يستطيع أن يمنع قُبَّرة السماء عن الغناء؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤