ثلاثة في واحد

أسرع «تختخ» يفُك وثاق الرجل المشلول … وسمعه يقول: الضيف … الضيف … أسرعوا!

جرى «تختخ» إلى غرفة الضيف، كانت مضاءة، ونافذتها مفتوحة … وفارغة … ونظر «تختخ» من النافذة، وشاهد سلمًا من الحبال موضوعًا على حافة النافذة وأدرك كل شيء.

عاد «تختخ» إلى الدهليز ونادى الأصدقاء، ثم عاد إلى غرفة الأستاذ «عفيفي» فوجده مضطجعًا على فراشه، وقد بدا على وجهه الألم والحزن، وكان الأصدقاء قد وصلوا، فقال «تختخ»: تبقى «نوسة» و«لوزة» مع الأستاذ «عفيفي» للعناية به … ويأتي معي «محب» و«عاطف» و«سليمان».

ونزل الأولاد الثلاثة السلم مسرعين، وقال «تختخ» وهو يفتح باب القصر وينطلق إلى الخارج وهم خلفه: لقد وقعَت الحادثة منذ دقائقَ قليلة … وقد نلحق بالضيف قبل أن يهرب.

سليمان: ماذا حدث بالضبط؟

تختخ: حدث أن الضيف كان يخدعُك … فهو لم يأتِ من طرف والدتك، إنه لص، دخل بدعوى أنه ضيف، ثم طلب مقابلة جدك على انفراد، ثم كمَّمه وكتَّفه وسرق الجوهرة من الخزينة، ولا بد أن مفاتيحها موجودة في الغرفة نفسها!

سليمان: إنها مع جدي، ولكن لا نعرف أين!

تختخ: ولكن كيف تُصدِّق رجلًا غريبًا يقول لك إنه قادم من طرف والدتك بدون أن تتأكَّد منه وترى الخطاب؟

سليمان: لقد كتبَت لي والدتي منذ أيام تقولُ إن صديقًا ألمانيًّا سوف يزورنا للحديث مع جدي عن المجوهرات التي عنده؛ فهو يريد أن يشتريها لقيمتها التاريخية … وقد قال لي الرجل هذا الكلام فصدَّقتُه!

محب: لعله الضيف فعلًا … وعندما شاهد المجوهرات قرَّر أن يسرقها بدلًا من أن يشتريها!

تختخ: هل تتصور رجلًا ألمانيًّا يقوم بسرقة في مصر، ثم يتمكَّن من الهرب بها خارج مصر؟ … صعب جدًّا … فمن السهل القبض عليه ما دام غريبًا عن البلد ولا يعرف طرقاتها ومسالكها!

كانوا يتحدَّثون وهم يَجْرون فقال «محب»: إذن فأنت تعتقد …

وقبل أن يُتمَّ جملته قال «تختخ»: نعم … أعتقد أنه لصٌّ من هذه المنطقة … بل من الجوار يعرف قصة المجوهرات، بل إنه الرجل الذي يُحرِّك الثعبان.

وتباطأ «تختخ» في جريه ثم قال: بل يعرف قصة الرسالة أيضًا!

وتباطأ الأصدقاء معه … ثم توقَّف «تختخ» قليلًا وقال يسأل «سليمان»: من الذي يعرف حكاية الرسالة التي وصلَتْك؟

سليمان: كلُّ من في المنزل تقريبًا … عم «عبود» و«ميزار» وناظر العزبة والفلاحون … ومديرة المنزل! لقد أخبرتُهم جميعًا ليستعدوا لاستقبال الضيف عندما يحضر!

تختخ: إنني متأكد أن اللص واحدٌ من هؤلاء؛ فقد أدرك أنكم في انتظار الضيف، فقرر أن يحُل محلَّه، ثم يقابل جدَّك وينفرد به، ويستولي على الجوهرة!

سليمان: ولكن جدِّي يعرف هؤلاء جميعًا!

تختخ: لعله متنكر.

محب: أو لعله استخدم شخصًا آخر سواه … فمن الأفضل للصِّ أن يتفق مع شخصِ آخر على تمثيل دور الضيف، وبعد أن يحصل على المجوهرات يقتسمان ثمنها معًا!

تختخ: إن اللص يعمل وحده، وبخاصة في عملية كهذه؛ فمن أين له أن يضمن أن شريكه لن يخونه، ويأخد الجوهرة ويهرب … إنني أُرجِّح أنه يعمل وحده!

سليمان: والآن إلى أين نتجه؟ إننا نسير على غير هُدًى!

تختخ: إننا سنذهب إلى الكوخ!

عاطف: وماذا سنجد هناك؟

تختخ: لا أدري … ولكن ربما وجدنا شيئًا يهدينا إلى صاحب أسطورة الثعبان الأعمى … إلى المجرم الذي سرق الجوهرة أو المجوهرات التي كانت في الخزينة!

واتجه الأصدقاء الأربعة ناحية الكوخ، وسرعان ما وصلوا هناك. كان غارقًا في الظلام … وتقدم «تختخ» فوضع أُذنه على فتحة الباب وأخذ يُنصِت باهتمام، ولكنه لم يسمع شيئًا على الإطلاق.

عاد «تختخ» إلى الأصدقاء قائلًا: ليس أمامنا الآن إلا العودة إلى القصر؛ فليس هناك أحد في الكوخ!

وعاد الأصدقاء يشُقُّون طريقهم وسط الأشجار عائدين إلى القصر، وعندما وصلوا إلى هناك صَعِدوا للاطمئنان على المريض، وكانت «نوسة» و«لوزة» تجلسان بجواره.

أشارت «لوزة» إلى «تختخ» أن يتبعها خارج الغرفة، وعندما أصبحا وحدهما قالت: «تختخ» … هناك شيءٌ سمعتُه في الحديقة كنتُ أريد أن أقوله لك، وقد سمعتُه أنا و«نوسة» في أثناء تجوُّلنا في الحديقة اليوم، ولكنَّ إصابتك بلدغة الثعبان أنستنا كل شيء، ثم تلاحقَت الأحداث بعد ذلك، فلم أجد وقتًا لإبلاغك …

وسكتَت «لوزة» لحظاتٍ تستردُّ أنفاسها ثم قالت: عند ساقيةٍ مهجورة في طرف الحديقة سمعنا صوتًا يُشْبه الأنين يصدُر منها. وقد أفزعَنا الصوت … وحاولنا معرفة حقيقته ولكننا لم نتمكَّن!

قال «تختخ» باهتمام: ما هو أقرب شيء إلى طبيعة هذا الصوت؟

لوزة: لستُ متأكدة، ولكن يبدو كصوت شخصٍ يحاول الاستغاثة ولا يستطيع!

أخذ «تختخ» ينظر إلى «لوزة» وقد دارت عجلات التفكير في رأسه بسرعةٍ خارقة … ثم قال بعد لحظات: إنها معلوماتٌ هامة جدًّا يا «لوزة»، ولو سمعتُها بالنهار لتغيَّرتْ أشياءُ كثيرة!

لوزة: ماذا تقصد؟

تختخ: لا وقت للشرح … ولكن هناك فكرة نبتَت في رأسي منذ فترة، وها أنا ذا أجد في هذه المعلومات ما يؤكِّد صحة هذه الفكرة … هيا بنا ندخل.

ودخلا إلى غرفة المريض وأشار «تختخ» إلى «محب» وإلى «سليمان» أن يتبعاه، وعندما خرجا قال «تختخ»: «سليمان»، هل هناك ساقيةٌ مهجورة في طرف حديقة القصر؟

سليمان: نعم … إنها بعيدة، ولا أحد يذهب عندها؛ فللأسف تُروى بعض الروايات على ألسنة الفلاحين أنها موطنُ الثعبان الأعمى!

تختخ: وهل نستطيع أن نصل إليها في الظلام؟

سليمان: طبعًا!

تختخ: إذن هيا بنا!

سليمان: إلى أين؟

تختخ: إلى الساقية المهجورة!

سليمان: لماذا؟

تختخ: إنني أتوقَّع أن أجد هناك ما يُفسِّر كل المُعمَّيات التي ندور حولها، إنها ستكشف عن صاحب الثعبان الأعمى … سارق الجوهرة!

وأخذ الأربعة بطارياتهم الصغيرة، وانطلقوا إلى الساقية المهجورة … عندما وصلوا كان الظلام يغمُر كل شيء، فأطلقوا ضوء كشافاتهم، وفجأةً انطلق طلقٌ ناري في الصمت المخيِّم على المكان، وطارت بطارية «تختخ» من يده، وصاح «تختخ»: انبطحوا على وجوهكم!

وألقى الأربعة بأنفسهم على الأرض، وهمس «تختخ»: إن عدونا متيقِّظ جدًّا … وهو شديد المهارة في الرماية!

وساد الصمت بعد أن أطفأ الأصدقاء بطارياتهم … ثم انطلقَت رصاصةٌ أخرى دوَّت فوق رءوسهم فقال «سليمان»: هيا نعود إلى القصر بسرعة ولا داعي لهذه المغامرة، إن الرصاصة الثالثة قد تصيب واحدًا منا!

تختخ: عودوا أنتم إلى القصر، وسأبقى أنا!

محب: لا … لن تبقى وحدك … سنبقى معك! أو نمضي معًا!

تختخ: من الأفضل إذن أن نمضي.

وأخذ الأربعة يزحفون متراجعين في الطريق إلى القصر … وبعد أن قطعوا مسافةً وهم يزحفون، وقفوا وساروا مسرعين … وبعد بضعِ دقائقَ قال «تختخ»: إن عدُوَّنا أشرس مما تصوَّرتُ … إنه ليس لصًّا فقط، ولكنه قاتل أيضًا.

محب: وماذا نفعل الآن؟

تختخ: هل تُصدِّقوني إذا قلت لكم؟ …

عاطف: نُصدِّق ماذا؟

تختخ: إنني عرفتُ اللص!

وفي الظلام انطلقَت آهات الدهشة وقال «عاطف»: لعلك رأيتَه في الظلام … أو جاء العصفور وقال لكَ كما يقولون للأطفال الصغار!

تختخ: إنك لا تكُفُّ عن الهزار … ولكن الحقيقة أنني عرفتُه!

سليمان: من هو؟

مرَّت لحظةُ صمت ثم قال «تختخ»: لننتظر قليلًا!

محب: إلى متى؟

تختخ: إلى الصباح … ولكن بشرط ألا ننام، وإلا أفلت منا إلى الأبد!

ووصلوا إلى القصر … كانت «نوسة» و«لوزة» تقفان؛ فقد سمعتا صوت الطلقَين الناريَّين … وأحسَّتا أن شيئًا غير عادي يحدُث … وخافتا أن يكون أحد الأصدقاء قد أصابه مكروه … فلما ظهر الأصدقاء الأربعة أسرعتا إليهم وقالت «نوسة»: ماذا حدث؟

فقال «تختخ»: لا شيء … ولكن انتقلنا من مرحلة الدهاء إلى مرحلة العنف!

محب: ألا نتصل برجال الشرطة؟

تختخ: لو اتصلنا بهم لأفلتَ المجرم إلى الأبد … فسوف يعرف حُضورهم ويهرب ويختفي!

محب: والحل؟

تختخ: أن ننتظر ونرى!

عاطف: ننتظر مَن؟ ونرى ماذا؟

تختخ: ننتظر المجرم … ونرى ما سيفعل … والآن اذهبوا جميعًا إلى أَسِرَّتكم، لقد نمتُ بما فيه الكفاية، وأستطيع أن أظل ساهرًا فترةً طويلة!

محب: سأبقى معك!

سليمان: وأنا أيضًا!

ابتسم «عاطف» وقال: وأنا … ولكن سأنام وأنا جالس!

وبرغم توتُّر الموقف ضحك الأصدقاء جميعًا، ثم صَعِدَت «نوسة» و«لوزة» إلى فوق، واستأذن «سليمان» لحظاتٍ وذهب للاطمئنان على جده!

وقال «محب»: لماذا لا تخبرنا باسم الشخص الذي تفكِّر فيه؟

تختخ: إنه ليس شخصًا واحدًا … إنه ثلاثةُ أشخاص …

محب: ثلاثة؟

تختخ: نعم … ثلاثة في واحد … أو واحد في ثلاثة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤