١ × ٣

قال «عاطف»: لقد اشتركتُ معك في عشرات الألغاز يا «تختخ» ولكن هذه أول مرة تصبح أنت نفسك لغزًا!

تختخ: إنني أريد مفاجأتكم …

وفجأة قفز «تختخ» واقفًا وقال: الثعبان … لقد نسيناه! إنه قد يؤذي «نوسة» أو «لوزة» أو الشغالة «رابحة» … إنها تبيت في المنزل كما تعرفون!

وأسرع الثلاثة إلى داخل القصر وقال «تختخ»: أضيئوا الأنوار كلها!

وأُضيئت الأنوار وعاد «تختخ» يقول: كونوا على حذر!

وتسلَّحوا جميعًا ببعض العِصِي، وحضر «سليمان»، فانضَم إليهم وبدءوا البحث.

واتجهوا إلى المطبخ وقال «تختخ» ﻟ «رابحة» الشغالة: هل عندك حمَامٌ حي؟

قالت: نعم … ولكن ليس هنا … إنه فوق السطوح!

تختخ: اذهبي فورًا وأحضري حمامة، واربطي أجنحتَها وأرجُلَها.

وصَعِدتْ «رابحة» مسرعة لتنفيذ تعليمات «تختخ» الذي قال: نتحرك جميعًا معًا … وإذا شاهدنا الثعبان فيكفي الإشارة إليه بالعِصِي حتى ندفعه إلى غرفة من الغرف ونغلق عليه الباب.

وأخذوا يبحثون تحت الكراسي في الصالون الواسع … ثم في المكتبة … واستخدموا بطارياتهم للبحث عن الثعبان في الأركان المظلمة.

وعادت «رابحة» بعد قليل ومعها الحمامة، فأخذها «تختخ» ووضعها في وسط الصالة، ثم طلب تخفيف الضوء، وقال: والآن سنصعد جميعًا السُّلم، ونقف في انتظاره.

وقف الأصدقاء جميعًا ينظرون إلى الصالة … ومضى الوقت دون أن يظهر الثعبان فقال «عاطف»: لعله صائم!

ولكنَّ أحدًا لم يضحك وقال «تختخ»: إن الثعابين تُحب الحمَام … وهذا الثعبان لم يأكل منذ فترة، وسيظهر حتمًا.

ومضَت الساعات واقترب الفجر … وفجأةً ظهر الثعبان من تحت أحد المقاعد الكبيرة القديمة فقالت «رابحة»: إن بطن هذا المقعد فارغة … لقد اختبأ فيها طول المدة.

ظهر رأس الثعبان أولًا … ثم انساب جسده الرشيق على السجادة، ونظر حوله، وأطلق لسانه المتشعِّب … ثم اتجه إلى الحمامة في هدوء بدون أن يُحدث أي صوت … وعندما وصل إليها فتح فمه فإذا به يتسع ويتسع حتى أصبح أضعاف حجمه، ثم ابتلع الحمامة في بساطة … وفي تلك اللحظة سمع الأصدقاء صوتَ موتور سيارةٍ تتوقف … والتفت «تختخ» إلى «سليمان» قائلًا في صوت حازم: اطلب الشرطة الآن!

سليمان: لماذا؟

تختخ: اطلبهم تليفونيًّا، وارْجُهم أن يأتوا بأسرعِ ما يمكن!

ولم يجد «سليمان» بدًّا من الإسراع إلى التليفون، وقال «تختخ»: والآن أيها الأصدقاء سيدخل الرجل الذي روَّج لأسطورة الثعبان الأعمى … لص الجوهرة!

عاطف: الرجل الثلاثة؟

تختخ: نعم … الرجل الثلاثة.

ومضت فترة ثم عاد «سليمان» يقول: لقد تحدَّثتُ مع الشاويش «أمين» في شرطة «سنهور البحرية» وهي قريبةٌ منا جدًّا، وقلت لهم إن جدي الأستاذ «عفيفي» يطلبهم لوجود لص في القصر.

قال «تختخ»: عظيم … والآن قل لي يا «سليمان» … ماذا كان يعمل «ميزار» قبل أن يلتحق بالعمل عندكم؟

سليمان: كان يعمل في سيرك!

تختخ: تمامًا كما توقَّعتُ!

ولم يكَد «تختخ» ينتهي من كلامه حتى سمعوا صوت أقدامٍ تقترب من باب القصر الذي تركَه الأصدقاء مفتوحًا، ثم ظهر «ميزار» وعلى شفتَيه ابتسامة.

أدار «ميزار» النظر في المشهد الذي حوله ثم صاح بالأصدقاء: ماذا حدث؟ ما هذا؟

تختخ: كما ترى … الثعبان الأعمى!

ميزار: الأعمى؟

تختخ: نعم … كما يقولون.

كان «ميزار» يقترب من الثعبان بدون خوف، فقال «عاطف»: خذ حذركَ إنه سيلدغك!

ورفع «ميزار» وجهه إليهم وقال: لقد شاهدتُ أضواء القصر فلفتَت نظري وجئتُ لأُودِّعكم.

قال «سليمان»: ألم تكن في الفيوم؟

ميزار: نعم … ولكن إصلاح السيارة انتهى، وقد جئتُ لتسليمها فقد وجدتُ عملًا آخر.

همس «تختخ» ﻟ «سليمان»: تحدث معه أطول فترة ممكنة!

سليمان: ولكن لماذا تتركنا؟

ميزار: لقد وجدتُ عملًا مجزيًا، وقد أُغادر «مصر» لفترة!

كان ذهن «تختخ» يعمل بسرعة، كان يريد كسب الوقت حتى يصل رجال الشرطة … فلو غادر «ميزار» القصر فلن يَرَوه مرةً أخرى … «ميزار» اللص … صاحب الثعبان.

قال «تختخ»: وهل تتركنا وحدنا مع هذا الثعبان؟ إننا خائفون جدًّا منه!

ميزار: إنه غير مؤذٍ على ما أعتقد!

تختخ: كيف؟ لقد عضَّني!

أفلتَت من فم «ميزار» الجملة التي كان ينتظرها «تختخ» لتؤكد ظنونه … قال «ميزار»: إذن أنت الذي دخلتَ الكوخ هذا الصباح!

ولم يتمالك «تختخ» نفسه من الابتسام … فقد وقع «ميزار» الذي تنبَّه إلى ما قال، ولكنه أدرك أن هذا حدث بعد فوات الأوان …

وتقدَّم «ميزار» مسرعًا من الثعبان، ودار حوله ثم أمسكه بطريقةٍ فنية، وبدأ يتراجع إلى الخلف!

قال «تختخ» محاولًا كسب الوقت: أين عم «عبود»؟

لم يرُدَّ «ميزار»، ولكنه رفع رأسه في نظرةٍ مباغتة ورمق «تختخ» بنظرةٍ حافلة بالحقد.

قال «تختخ»: لقد انكشف كل شيء يا «ميزار»، فنحن نعرف مكان عم «عبود» حيث خبَّأتَه … وعرفنا حكاية الزائر الغريب … الذي لم يكن سواك!

قال «ميزار» من بين أسنانه: فلتعرفوا ما شئتم … لقد حصلتُ على الجوهرة، ولن تَرَوني بعد الآن …

واستدار إلى الخلف، ولكن في تلك اللحظة دقَّت أقدامٌ ثقيلة أمام القصر، وظهر في الضوء ثلاثةٌ من رجال الشرطة يحملون أسلحتهم.

صاح «تختخ»: اقبضوا عليه!

واستدار «ميزار» إلى الرجال الثلاثة ورفع الثعبان في وجوههم، ولكن «تختخ» صاح: إنه غير سامٍّ … لا تخافوا!

ورفع الشاويش «أمين» مسدَّسه في وجه «ميزار» وقال: لا تحاول الهرب!

واقترب الرجال الثلاثة من «ميزار»، وقال الشاويش «أمين»: اجلس على هذا الكرسي، وأبقِ الثعبان معك.

ثم رفع وجهه إلى «سليمان» قائلًا: ما هي الحكاية؟ هل سرق الثعبان؟

قال «تختخ»: لا … لقد سرق جوهرةً ثمينة من خزينة جدي الأستاذ «عفيفي» وسأشرح لكم القصة كلها.

ذهبَت «رابحة» لإعداد الشاي، ثم ظَهرتْ «نوسة» و«لوزة» وانضمَّتا إلى الأصدقاء، وجلسوا جميعًا في الصالون الواسع وقال «تختخ»: إن القصة طويلةٌ، وسأختصرها بقَدْر ما أستطيع.

وصمت لحظات يستجمع أفكاره ثم قال: إن «ميزار» قريبٌ ﻟ «عبود» جنايني هذا القصر العجوز، وقد تربَّى هنا وهو طفل وسمع بقصة الجوهرة والثعبان الأعمى … وجاء إلى هنا سيرك و«ميزار» صغيرٌ، فانضم إليه، وفي السيرك تمرَّن على ترويض الثعابين وتعلم فن التنكُّر … ثم قرَّر أن يعود إلى القصر ويحاول سرقة الجوهرة، فأحضر ثعبانه المدرَّب معه، وطلب من عم «عبود» إلحاقه بالأُسرة كسائق سيارة للأستاذ «عفيفي»، وبدأ يطلق الثعبان حول القصر … ويُروِّج لقصة الثعبان الأعمى، حتى أخاف أكثر العاملين في القصر فرفضوا البقاء فيه ليلًا … وعندما وصلَت قصته إلى ذروتها قرَّر أن الوقت قد حان لسرقة الجوهرة، التي عرف مكانها ومكان مفاتيح الخزينة من «عبود» العجوز، ثم استطاع أن يُخفي «عبود» في الساقية المهجورة، وبالتنكُّر بدأ يظهر في شكل عم «عبود» ويحاول سرقة الجوهرة في هذا الشكل حتى يُلقي التهمة على «عبود» … وكان يظهر أحيانًا في شكل «ميزار»، وأحيانًا في شكل «عبود»، ولعل «سليمان» و«رابحة» سيذكُران أنهما لم يريا «عبود» و«ميزار» في وقتٍ واحد معًا أبدًا منذ شهر تقريبًا … أي منذ أخفى «ميزار» «عبود» في الساقية المهجورة.

كانت العيون كلها تتابع «تختخ» وهو يروي القصة المدهشة: وعندما حضرنا نحن إلى القصر قرَّر الإسراع في تنفيذ خطته، وفي الليلة التالية لحضورنا دخل القصر، وذهب إلى غرفة الأستاذ «عفيفي»، ولكن لسوء حظه كانت «لوزة» أَرِقة، فسمعَت خطواته وانطلقَت خلفه، وأسرع بالهرب بعد أن أطلق الثعبان أمام القصر حيث شاهدَتْه «لوزة»!

وسكت «تختخ» لحظات ثم مضى يقول: وخشي أن تكون «لوزة» قد عرفَت «عبود» وقد تنكشف الحقيقة. وذات يومٍ حضَرتْ رسالة من والدة «سليمان» تقول فيها إن زائرًا أجنبيًّا سيزورهم وتطلُب الترحيب به … وطبعًا علم «ميزار» بهذا الخطاب، وكانت فرصته … ادَّعى أن السيارة بها إصلاحاتٌ ولا بد أن يذهب إلى الفيوم، ومن هناك اتصل باسم الضيف وقال إنه قادم للزيارة … وهكذا دخل القصر ببساطة متنكرًا وطلب مقابلة الأستاذ «عفيفي» على انفراد، حيث استطاع تكميم الرجل المشلول، وأخذ مفاتيح الخزينة منه وفتحَها واستولى على الجوهرة، ثم نزل من النافذة، وذهب فأزال التنكُّر في شكل الضيف، ثم ذهب للقضاء على عم «عبود»، ولكنه وجدنا قريبين من الساقية فأطلق النار لإرهابنا … ولا أدري ماذا فعل ﺑ «عبود»، ولكني كنتُ متأكدًا من أنه سيعود ليُقدِّم استقالته من العمل بشكلٍ عادي جدًّا لنفي كل شبهة عنه، وقد حضر ليلًا ليأخذ ثعبانه المدرب ليلتحق بالعمل في سيرك أجنبي له إعلانات في الجرائد، ثم يغادر «مصر» حيث يستطيع بيع الجوهرة، ويعيش ثريًّا مدى الحياة.

وتابع «تختخ» الحديث فقال: نسيتُ أن أقول إنه أحضر معه الثعبان عندما حضر إلى القصر كزائرٍ أجنبي، وأطلَقه في القصر لإثارة انتباهنا حول الثعبان ليقوم هو بالسرقة في أثناء الاضطراب الذي سيُصيبنا عندنا نرى الثعبان!

قالت نوسة: ولكن كيف شكَكْتَ فيه يا «تختخ»؟

تختخ: هل تذكُرون الليلة التي رأته فيها «لوزة» أمام غرفة الأستاذ «عفيفي»؟

ردت «لوزة»: نعم!

تختخ: في اليوم التالي قابلنا الأستاذ «عفيفي» وسألتُه لماذا لم يدُق الجرس عندما سمع صوت الأقدام أمام غرفته … فقال إن الجرس كان مُعطَّلًا وسيطلب من «ميزار» إصلاحه، وقد ذهبتُ إلى حيث يُوجد الجرس فوجدتُ قطعة من الورق بين المطرقة والجرس حتى لا يدُق، وليس في المنزل من يستطيع تعطيل الجرس بهذه الطريقة إلا «ميزار» ما دام هو المسئول عن الكهرباء في المنزل.

وبدت علامات الإعجاب على كل الوجوه، ومضى «تختخ» يقول: ثم ذهابه إلى الفيوم بدون سببٍ واضح؛ فلو أن السيارة بها عطبٌ شديد يستحق الإصلاح حقًّا لما استطاعت السيارة الذهاب إلى الفيوم، ولكنه أراد أن يُثْبت بعده عن مكان الحادث عندما يأتي الضيف ويسرق الجوهرة … ثم هناك تحذيره لنا من الثعبان … وخطاب التهديد المرسل إلى «سليمان» … فليس هناك في القصر من يستطيع الكتابة غيره … وربما كتبه بيده اليسرى حتى يبعد الشبهات عنه … ثم هناك الملابس المزركشة التي رأيتُها في الكوخ، والأحذية ذات الرقبة الطويلة، إنها كلها من مستلزمات العمل في السيرك حيث تعلَّم «ميزار» التنكُّر وترويض الثعابين وبعض الكلمات الإنجليزية.

محب: إنك مدهشٌ حقًّا يا «تختخ»!

تختخ: قبل كل هذا أريد أن أقول شيئًا … لقد اختار «عبود» ليُلقي الشبهة عليه … وهذا هو الخطأ الأول … فكيف يمكن تصوُّر رجلٍ عجوز يخون صديقه في هذا العمر؟ إن الأستاذ «عفيفي» وعم «عبود» صديقان قبل أن يكونا سيدًا وعاملًا … إنها صداقة عمر.

والتفَت الشاويش «أمين» إلى «ميزار» قائلًا: هل قتلتَ «عبود»؟

وردَّ «ميزار» في ذلَّة: لا … لقد كنتُ سأنقلُه إلى مكانٍ آخر.

أمين: والجوهرة؟

ميزار: معي.

وأبرز «ميزار» الجوهرة، وتعلَّقتْ أبصار الأصدقاء بها، وقد انعكس بريق الأنوار عليها فصنعَت دائرةً واسعة من آلاف الأضواء، وبينما كان الشاويش «أمين» يقتاد «ميزار»، قال «تختخ» وهو يتمطَّى: والآن أيها الأصدقاء … دعونا ننام ثم نستأنف إجازتنا بدون ثعابين ولا ألغاز.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤