الفصل التاسع

مزايا العربية

لا يطالَب العربي بحماية لسانه فحسب، ولكنه مطالبٌ بحماية العالم من خسارة فادحة تصيبه بما يصيب هذه الأداة العالمية من أدوات المنطق الإنساني بعد أن بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمال.

عباس محمود العقاد
«اللغة الشاعرة»
تتمتع اللغة العربية بمرونةٍ هائلة، واتتها بفضل الاشتقاق الذي لم يبلغ في لغة من اللغات مبلغه في العربية من سعةٍ وانضباط واطراد، «وتمتلك العربية، فضلًا عن ضمائم محدودة تجتمع أحرفها في لفظة «سألتمونيها»، أسلوبًا آخر للتوالد تفتقر إلى مثله المجموعة الأوروبية، ويقوم على زيادة الأحرف والحركات أو الانتقاص منها في داخل الكلمة الواحدة، فالعربية لغة عمودية، تدور ألفاظها من حول الجذر أو «الجد» وفي داخل أحشائه، فيما تكتفي اللغات الأوروبية بالتفرع الخارجي من خلال الضمائم وحسب، فتظل أفقية المنحى.»١
«هذه المرونة التامة في اللغة العربية، وهذه القدرة على الاشتقاق والمجاز والقلب والإبدال والنحت، هما اللتان مكنتا اللغة العربية من أن تكون لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، وما فيهما من معانٍ رفيعة سامية، وتعبيرات دينية واجتماعية وتشريعية، ولم يكن للعرب بها عهد في جاهليتهم، كما استطاعت بعد ذلك أن تكون أداةً لكل ما نُقل من علوم الفرس والهند واليونان وغيرهم، ففي نحو ثمانين عامًا من بدء العصر العباسي، كانت خلاصة كل هذه الثقافات مدونةً باللغة العربية، على الرغم من أن العرب لم يكونوا يعرفون شيئًا من مصطلحات الحساب والهندسة والطب، ولا شيئًا من منطق أرسطو وفلسفة أفلاطون، فإذا هم وقد أصبحوا يعبرون بالعربية عن أدق نظريات إقليدس، وطب جالينوس، وحِكَم بزرجمهر، وسياسة كسرى، وما كانت تستطيع ذلك كله لولا ما بلسانهم من حياة ومرونة ورقي، وبذا خرجت العربية من هذا المأزق سليمةً قوية واسعة، هي لغة الدين، ولغة العلم والفلسفة، ولغة الأدب، واضمحلت بجانبها كل لغات البلاد المفتوحة، فاللغة السريانية التي تُرجمتْ إليها الكتب اليونانية، أخذت تتدهور بعد أن نُقِل ما فيها إلى اللغة العربية. والفرس في ذلك العصر أصبحت لغتهم العلمية والأدبية هي اللغة العربية، إن ألفوا وشعروا أو كتبوا فبالعربية، أما اللغة الفارسية فإنما كانت تستخدم في الحديث بين عامة الناس، أو في طقوس الديانة المجوسية. وكذلك اللغات الأخرى، من يونانية في الشام، أو قبطية في مصر. وكسبت اللغة العربية من ذلك أنها أصبحت في تأليفها وأدبها وعلومها نتاج كل هذه الأمم، تعبر عن كل أفكارهم، ويكسبون هم منها ما أفرزته من ثقافة دينية وأدبية.»٢
«كانت العربية لغة العولمة في خلال العصور الوسطى، وفرس الرهان لأعظم حضارات تلك الفترة المديدة، مما ليَّن مفصلاتها وأثرى عدتها الدلالية واللفظية، وأتاح إغناءها بالتعريب والاشتقاق والنحت وتوليد المعاني والأساليب، فإذا أريد بالصعوبة (أي صعوبة العربية) الغنى، جراء امتداد المدى الثقافي لأكثر من خمسة عشر قرنًا، وفوق رقعة فسيحة من العالم القديم، فتهمة الصعوبة هذه تشكل مدحًا في باب الذم!»٣

(١) مزايا صوتية

تَستخدم العربية جهاز النطق في الإنسان على أكمل نحوٍ وأقومه، ولا تهمل منه أي شيء بوسعه أن يؤديه. «إن جهاز النطق الإنساني أداة موسيقية وافية، لم تحسن استخدامها على أوفاها أمةٌ من الأمم القديمة أو الحديثة كما استخدمتها الأمة العربية؛ لأنها انتفعت بجميع المخارج الصوتية في تقسيم حروفها، ولم تهمل بعضها، وتكرر بعضها الآخر بالتخفيف تارة والتثقيل تارة أخرى، كما فعل المتكلمون بسائر اللغات المعروفة.»٤
«العربية هي أوفر اللغات عددًا في أصوات المخارج التي لا تلتبس ولا تتكرر بمجرد الضغط عليها، فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية، وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف على حسب موقعها من أجهزة النطق، ولا تحتاج إلى تقسيمها باختلاف الضغط على المخرج الواحد، كما يحدث في الباء الخفيفة والباء الثقيلة التي يميزونها بثلاث نقط من تحتها بدلًا من النقطة الواحدة، أو كما يحدث في الفاء ذات النقطة الواحدة والفاء ذات النقط الثلاث، أو كما يحدث في الجيم المعطشة وغيرها. وعلى هذه الصورة تمتاز اللغة العربية بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والطاء، أو توجد في غيرها أحيانًا ولكنها ملتبسة مترددة لا تُضبط بعلامة واحدة.»٥
ليس هناك لبس بين مخارج الحروف في اللغة العربية، ولا إهمال لمخرج منها، ولا تكرار نطق من مخرج واحد. والفصاحة هي امتناع اللبس، وهذه هي الخاصة النطقية التي تحققت في العربية لمخارج الحروف كما تحققت للحروف، فليس في العربية حرف يلتبس بين مخرجين، وليس في النطق العربي مخرج ينطبق فيه حرفان، ليس في العربية حرف يستخدم مخرجين كحرف «بسي» في اليونانية وهو مختلط من الباء الثقيلة والسين، ولا كحرف «تشي» في تلك اللغة وهو خليط من التاء والشين. لا تزدحم أصوات الحروف في العربية على مخرجٍ واحد، كما قلنا، مع ترك مخارج الحلق مهملة، وهي تتسع من أقصى الحلق إلى أدناه لسبعة حروف هي الهمزة والهاء والألف والعين والحاء والغين والخاء، وهي مميزة في النطق والسمع بغير التباس ولا ازدواج في الأداء.»٦
«واللسان العربي المبين يتجنب اللبس في الحركات الأصلية كما يتجنب اللبس في الحروف الساكنة، فلا لبس بين الفتح والضم والكسر والسكون، وإذا وقعت الإمالة بين حركتين لم تكن وجوبًا قاطعًا تثبته الحروف، بل كان قصاراه أنه نمط من أنماط النطق يشبه العادات الخاصة عند بعض الأفراد أو بعض الجماعات في أداء الحركة وإشباعها أو قصرها، كيفما كان رسم الحرف في الكلام المكتوب، وكيفما كان جوهره المميز في الكلام المسموع.»٧

(٢) معاني الأبنية

من أهم مميزات العربية أن «الأصل الواحد فيها يتوارد عليه مئات من المعاني، بدون أن يقتضي ذلك أكثر من تغيرات في حركات أصواته الأصلية نفسها مع زيادة بعض أصوات عليها أو بدون زيادة، وأن كل ذلك يجري وفق قواعد مضبوطة دقيقة نادرة الشذوذ، ولم تصل أية لغة سامية أخرى في ذلك إلى ما وصلت إليه العربية من ثراءٍ ودقة: تقول عَلِم عَلِمنا … أَعْلَم يَعْلم نَعْلم … اعْلَمْ اعلمي … عَلَّمَ نُعَلَّم … تَعَلَّم … تَعالَمَ … عُلِمَ يُعلَم … عِلْمٌ عَلَمٌ علامةٌ عُلومٌ أَعْلامٌ علامات عالمِ عليم عَلَّامة عُلَماء عالمِون مُتَعَلِّم مُعْلَم مُعَلَّم معلوم، عالَم عالَمون … إلخ»،٨ ترى كم كلمة في الإنجليزية عليك أن تستظهرها بحقها الشخصي لكي تؤدي كل هذه الألوان المتفاوتة من المعاني؟ أليس هذا أمرًا يحسب في جانب السهولة٩ في العربية لا في جانب العسر؟

ويطَّرِد ورود بعض الأوزان في العربية للدلالة على معانٍ خاصة، من ذلك أوزان أفعال الماضي والمضارع والأمر وأوزان اسم الفاعل وصيغ المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول وأفعل التفضيل والتعجب واسم الآلة والمصدر واسم الزمان والمكان وجموع التكسير.

الوزن في العربية هو قوام التفرقة بين أقسام الكلام، ولم تبلغ لغةٌ مبلغ العربية في ضبط المشتقات بالموازين التي تسري على جميع أجزائها، وتوفق أحسن التوفيق المستطاع بين المبنى والمعنى. بعض هذه الأوزان لا يقتصر على الإشارة إلى مجمل مدلول الكلمة، بل يشير كذلك إلى بعض تفاصيل تتعلق بهذا المدلول، الأمر الذي يمنح العربية دقةً خاصة في الدلالة والإمساك بالظلال الدقيقة للمعاني، ويتسنَّى به للكاتب بالعربية أن يطمح للتعبير العلمي الأدق والتعبير الفني الأكثر إيحاءً وأسرًا، كل ذلك ببساطةٍ وسهولة واطراد، واقتصادٍ ذهني ورفقٍ بالذهن والحافظة.

فصيغة «فِعالة» تدل على حرفة أو ولاية، مثل: حياكة، نجارة، تجارة، عرافة، خلافة، إمارة، سياسة، صناعة. وصيغة «فُعال» تدل على الأدواء، مثل: سُعال، زكام، سبات، فواق، صداع، دوار؛ وعلى الأصوات، مثل: صراخ، نباح، ثغاء، خوار، رغاء. وصيغة «فعيل» تدل على الأصوات أيضًا، مثل: صهيل، هدير، هديل، هرير، زَئير، خَرير، صَليل، نَعيق، صرير، نهيق، ضجيج، نعيب. وصفة «فعيل» تدل على الأوصاف الثابتة الملازمة للنفوس كشريف ونبيل وكبير وحقير ووَضيع وصغير. ووزن «فَعْلان» يدل على صفات من أحوال، مثل: عطشان، شبعان، ريَّان، سكران، غضبان، حران، ظمآن. ووزن «فَعول» يدل على الأدوية، مثل: اللَّعوق، والسَّعوط، والنَّشوق، والقطور والذرور. ووزن «تَفعال» يكون للتكثير والمبالغة: كالتجوال، والتطواف، والتسيار، والترداد، والتهدار، والتلعاب، والتعداد، والتهداد. ووزن «فعيلة» للأطعمة: كالعصيدة، والسخينة، والبسيسة، والنقيعة. ووزن فعللة يدل على حكاية الأصوات، مثل: صرصرة، قرقرة، خشخشة، قعقعة، جلجلة، غرغرة. ووزن «أفعل» يدل على صفات بالألوان، مثل: أبيض، أحمر، أسود، أصفر، أخضر، وكذلك على العيوب، مثل: أحول، أعور، أقرع، أعرج، أخنف. وأكثر العادات في الاستكثار على «مفعال»، مثل: مضياف، مهذار، معطار. ووزن «فعلة» من الثلاثي يدل على المرة كضرب ضربة. أما «فِعْلة» فيدل على الهيئة كجلس جِلسة (جلسة الأسد مثلًا)، و«إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة»، و«مات مِيتةً تقوم مقام النصر». وصيغة «فَعَّال» في غير المبالغة من اسم الفاعل تدل على الاحتراف أو ملازمة الشيء كالبقَّال والنجَّار والحدَّاد.

وصيغ الأفعال وأوزانها في العربية عامل من عوامل ثروة اللغة وقدرتها على الدلالة على فروق وظلال تنضاف إلى المعنى الأصلي، دون زيادة في اللفظ ومع الاحتفاظ بطابع التركيز الذي تميزت به لغة القرآن: فصيغة «فَعَّل» ترد بمعنى المبالغة، كقوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ، وبمعنى النسبة، مثل: «جَهَّله» إذا نسبه إلى الجهل، و«ظَلَّمه» إذا نسبه إلى الظلم، وبالمثل خطَّأ، ألَّه، سفَّهه … إلخ، وصيغة «فاعَلَ» تدل على المبادلة، مثل: ضاربه، وبارزه، وخاصمه، وحاربه، وقاتله. وصيغة «تفعَّلَ» ترد بمعنى التكلف، مثل: تَشَجَّع، وتجلَّد، وتحلَّم، أي تكلف الشجاعة والجلد والحلم، وترد بمعنى أخذ الشيء أو تلقيه، مثل: تَأَدَّبَ، وتفقَّه، وتعلَّم، أي تلقَّى الأدب والفقه والعلم.١٠ وصيغة «استفعل» تكون بمعنى التكلف، نحو استعظم، أي تعظم، واستكبر، أي تكبر، ويكون استفعل أيضًا بمعنى الاستدعاء والطلب، نحو استطعم، استسقى، استوهب، ويكون استفعل أيضًا بمعنى فَعَلَ، نحو استقرَّ أي قرَّ، ويكون بمعنى صار، نحو استنوق الجمل، واستنسر البغاث. وصيغة «انفعل» فعل مطاوعة، نحو كسرته فانكسر، وجبرته فانجبر، وقلبته فانقلب، وسحبته فانسحب، شققته فانشق. ووزن «أَفْعَلَ» تفيد التعدية، كأقام الدنيا وأقعدها، وملكية الشيء، كألبن وأتمر، والدخول في المكان والزمان، كأشأم وأعرق وأصبح وأمسى، والاستحقاق، كأَحْصَدَ الزرع (استحق الحصاد)، وتعريض الشيء لأمر ما، كأرهنت المتاع وأبعته (عرضته للرهن والبيع)، والتمكين، كأحفرته الأرض أي مكنته من حفرها. وصيغة «افتعل» تفيد الاتخاذ، كاختتم واختدم أي اتخذ خاتمًا وخادمًا، والاجتهاد والطلب كاكتسب واكتتب، والتشارك كاخصتم فلان وفلان واختلفا، والإظهار كاعتظم أي أظهر العظمة، والمبالغة في معنى الفعل كاقتدر أي بالغ في القدرة، ومطاوعة الثلاثي، كعدلته فاعتدل وجمعته فاجتمع. وصيغة «تفاعل» تفيد التشريك بين اثنين فأكثر كتجاذبا وتخاصما، والتظاهر بالفعل كتجاهل وتمارض وتعالم وتصابى وتغابى، وحصول الشيء بالتدريج كتزايد الدخل وتواردت الأخبار، ومطاوعة فاعل، كباعدته فتباعد. ووزن «افْعَوْعَل» تفيد المبالغة والتوكيد، مثل اخشوشن الرجل في معيشته إذا بالغ في خشونة مأكله وملبسه ونحوهما، واعشوشبت الأرض إذا كثر عشبها وعمها فلم يترك بها مكانًا خاليًا، واحلَوْلَى الزمان إذا ذهبت منغصاته وبدت مسراته. وصيغة «فَعالِ» المبني على الكسر للدلالة على الأمر (اسم فعل أمر) كحَذارِ وتَراكِ١١

(٣) الاشتقاق

العربية أكثر اللغات قبولًا للاشتقاق، وهو مما يجعلها أكثر اللغات مرونةً وتمثلًا للمعاني الجديدة. يعرِّف السيوطي الاشتقاق بأنه «أخذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنى ومادةً وهيئة تركيب؛ ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادةٍ مفيدة لأجلها اختلفا حروفًا أو هيئةً.» والاشتقاق في العربية يقوم بدورٍ كبير في تنويع المعنى الأصلي وتلوينه، إذ يكسبه خواص مختلفة، بين طبع، وتطبع، ومبالغة، وتعدية، ومطاوعة، ومشاركة، ومبادلة، مما لا يتيسر التعبير عنه في اللغات الآرية مثلًا إلا بألفاظ خاصة ذات معانٍ مستقلة.١٢ هذا المنهج الاشتقاقي أتاح للعربية ذخيرةً من المعاني لا يسهل أداؤها في اللغات الأخرى، ومن شأنه أن يتيح لها أن تؤدي معاني الحضارة الحديثة على اختلافها. «إن هذه الطريقة في توليد الألفاظ بعضها مع بعض تجعل من اللغة جسمًا حيًّا، تتوالد أجزاؤه ويتصل بعضها ببعض بأواصر قويةٍ واضحة، وتغني عن عدد ضخم من المفردات المفككة المنعزلة التي كان لا بد منها لو عُدم الاشتقاق. وإن هذا الارتباط بين ألفاظ العربية الذي يقوم على ثبات عناصر مادية ظاهرة، وهي الحروف أو الأصوات الثلاثة، وثبات قدر من المعنى، سواء كان ماديًّا ظاهرًا أو مختفيًا مستترًا، خصيصة عظيمة من خصائص هذه اللغة، تُشعِر متعلمها بما بين معانيها من صلاتٍ حية، تسمح لنا بالقول بأن ارتباطها حيوي وأن طريقتها حيوية توليدية، وليست آليةً جامدة.»١٣
خذ مثالًا كلمة «العيد»: فكلمة العيد مصدر من مصادر كثيرة، يدل على صفة العودة أو على هيئتها، ومن فعل «عاد» تؤخذ «العودة» للمرة من «العود»، وتؤخذ «العادة» للفعل أو الخلق الذي يكثر الرجوع إليه، ويؤخذ «المعاد» لمكان البعث أو زمانه، وتؤخذ «العيادة» للزيارة المتكررة، وتؤخذ «العائدة» لما «يعود» على الإنسان من نتائج عمله على معنًى قريب من معنى التبعة أو الجزاء، وتستعار «العوائد» لما يُعطى أو يؤخذ مع التكرار والتوقيت؛ لأن الإعطاء والأخذ معنًى واحدٌ من جانبين، فما يأخذه هذا هو عطاء من ذاك. ويأتي المضاعف والمزيد فيوسع دلالة المادة اللفظية أو يسري منها إلى معانٍ تناسبها وقد تخالفها في بعض عوارضها. وهنا مجال واسع لمعاني الإعادة والاستعادة والتعويد والتعييد، ومجال واسع للتفرقة بين المعيد والمُستعيد وبين العود والمعاودة، والمعاد والمستعاد، ولا لبس في موضع لفظ من هذه الألفاظ لأنه وزن دليل على موضعه من التعبير.»١٤
لا يقارن الاشتقاق في العربية بالاشتقاق في غيرها من اللغات السامية من حيث السعة وتقسيم القاعدة وتحكيم المتكلم في التعبير عن أغراضه على حسب كل احتمال معقول، «فالاشتقاق العربي يعطي المتكلم من الأوزان بمقدار ما يحتاج إليه من المعاني المحتملة على جميع الوجوه، والمتكلم هو صاحب الشأن في اختيار الكلمة وليست الكلمة هي العبارة المفروضة عليه لأنها وضعت من أصلها ارتجالًا أو محاكاة لصوتٍ أو تلفيقًا للأجزاء من مختلف المواد، ولا يحتاج العقل المعبر صيغة للاشتقاق بعد استيفاء صيغ المصدر للمرة أو للهيئة أو للدلالة على الجمع أو الجنس المجموع، ولا احتمال لصيغة مطلوبة بعد صيغ المبالغة والتضعيف واسم الفاعل واسم المفعول والصفة الملازمة والصفة المرتهنة بالحدث والزمان. فالمتكلم المعبر هنا هو صاحب الشأن في تصريف المشتقات على حسب أغراضه واحتمالات تفكيره، واللغة قد وصلت على ألسنة المتكلمين بها إلى خلق القواعد التي يتبعها تكوين المفردات، قبل أن تعرض لهم الحاجة إلى استخدام جميع تلك المفردات أو إنشاء الكلمات المرتجلة مع كل مشاهدة تأتي للمتكلم بشيء جديد يحتاج إلى لفظ جديد.»١٥

(٤) الثراء الدلالي في تراكيب العربية

الجملة في العربية فعلية واسمية، وبخلاف الشائع من أن الجملة العربية فعلية أساسًا فإن الجملة الاسمية موجودة وكثيرة الاستعمال (اللهُ يَتَوفَّى الأنفُسَ/الشَّيْطَانُ يَعِدُكُم/ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه/الحزن يقلق والتجمل يردع/العبد يُقرَع بالعصا …)، «فليس تقديم الفعل على الفاعل فيها عجزًا عن التركيب الذي يتقدم فيه الفاعل على الفعل، ولكنه تقسيم الكلام على حسب مواضعه، وتصحيحٌ لموقع الفعل وموقع الفاعل من إرادة المتكلم وفهم السامع، ومتى ثبت لنا الفرق بين موقع الفعل والفاعل في الجملتين الاسمية والفعلية فالاكتفاء بالجملة الاسمية كما تقع في كلام الأوروبيين نقصٌ منتقَد وليس بالمزية التي تدل على الكمال والارتقاء، وليس في وسع من يفهم مواقع الكلم أن يجهل الفارق بين قولنا «محمد حضر» وقولنا «حضر محمد»: فإننا نقول: «محمد حضر» إذا كنا ننتظر خبرًا عن محمد أو عن حضوره على الخصوص، ولكننا نقول: «حضر محمد» لمن يسمع خبرًا من الأخبار على إطلاقه ولا يلزم أن يكون الخبر عن محمد ولا عن الحضور بل لعل السامع كان ينتظر كلامًا عن حسن وعن علي كما ينتظره عن محمد، أو لعله خبر سفرٍ وليس بخبر حضورٍ منتظر أو غير منتظر.»١٦
وصيغة المجهول في العربية أوسع منها في اللغات الأخرى، وتنفرد العربية باستعداد لإثبات الفاعل على حسب درجاته من الأثر أو درجات العلم به عند السامع: فبالإضافة إلى صيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول تزيد العربية بصيغة لا وجود لها في اللغات الأخرى، هي صيغة الفعل المطاوع، «فيقول القائل (انفتح الباب)، ويعبر بذلك عن معنًى لا تدل عليه دلالته الدقيقة كلٌّ من صيغة المبني للمعلوم وصيغة المبني للمجهول، ويظهر الفارق في الدلالة على المعاني المختلفة في استخدام الفعل في الجمل المفيدة على حسب دلالتها: فإذا قلنا: «فتح محمدٌ الباب» فهذا لمن يهمه أن يعرف من الذي فتح الباب، وإذا قلنا: «فُتح الباب» فقد يكون الخبر موجهًا أيضًا إلى سامع يهمه أن يعلم شيئًا عن الفاعل، ولكن المتكلم يخبره بأنه لا يعرفه أو يخبره بأنه يعرفه ولا يريد أن يذكره. ولكن هناك حالة غير هذه وتلك، وهي حالة إنسان ينتظر فتح الباب ولا يعنيه مَن الذي فتحه كما لا يعنيه أن يقول له المتكلم إنه يجهله أو يسكت عنه، في هذه الحالة يقول العربي: «انفتح الباب» فيؤدي المعنى المطلوب بغير خلط بينه وبين الحالات التي ينتظر السامعون فيها خبرًا عن فاعل الفتح، معلومًا كان أو مجهولًا أو مسكوتًا عنه مع علم السامع به تعمدًا لإخفائه أو لإهماله. واللغة الدقيقة التي استوفت وجوه الدلالة هي اللغة التي تلاحظ مقتضى الحال في كل عبارة من العبارات الثلاث، ولا تستخدم عبارة واحدة لموضعين ملتبسين، بل تستخدم كل عبارة لموضعها الذي لا لبس فيه.»١٧
«على أن درجة الفاعلية في الاسم تثبت في اللغة العربية باستخدام صيغ أخرى تتمم هذه الصيغة من صيغ البناء للمعلوم أو البناء للمجهول أو فعل المطاوعة، فهناك صيغة المبالغة من مادة الفعل نفسه بغير حاجة إلى مادة مستعارة من غيرها، ففي اللغة العربية صيغ للمبالغة تعطينا من مادة الفتح كلمة «فتَّاح» بمعنى الكثير الفتح والمقتدر على الفتح على السواء، ولا مقابل لهذه الصيغة في اللغات الهندية الجرمانية إلا باستخدام جملة أو عبارة مركبة من عدة كلمات. وفي اللغة العربية صيغة من صيغ المبالغة تحكي الصفة المشبهة باسم الفاعل؛ لأنها تدل على حالة ملازمة بغير اعتبار للحدث والزمان … مثال ذلك أننا نقول: «كريم»، ولا نقول: «كارم»؛ لأنَّنا نريد التعبير عن صفةٍ ملازمة وعن خلقٍ ثابت لا يتوقف على حدث في زمن محدود …»١٨
تلك مزايا تستحق التنبيه إليها «في زمان يكثر فيه من يتحدثون من العرب أنفسهم عن اللغات التي تصلح أو لا تصلح للتعبير السليم أو الفصيح في أبواب العلوم والآداب.»١٩
يقول د. عبد السلام المسدي: «لأول مرة في تاريخ البشرية — على ما نعلمه من التاريخ الموثوق به — يُكتَب للسانٍ طبيعي أن يعمر حوالي سبعة عشر قرنًا محتفظًا بمنظومته الصوتية والصرفية والنحوية، فيطوعها جميعًا ليواكب التطور الحتمي في الدلالات دون أن يتزعزع النظام الثلاثي من داخله، بينما يشهد العلم في اللسانيات التاريخية والمقارنة أن الأربعة قرون كانت فيما مضى هي الحد الأقصى الذي يبدأ بعده التغير التدريجي لمكونات المنظومة اللغوية.»٢٠

(٥) الإعراب

الإعراب مَطلَب العَقْل في اللغة.

د. عثمان أمين

العربية لغة إفصاح وإبانة، والإعراب، أي تغير نهايات الكلمة وفقًا للمعنى المقصود، من آلياتها الرئيسة لتحقيق الدقة في الدلالة والوضوح في المعنى.

رُوي أن رجلًا دخل على أمير المؤمنين عليٍّ كرم الله وجهه، فقال من غير إعراب: «قتل الناسْ عثمانْ»، فقال له أمير المؤمنين: «بيِّن الفاعل من المفعول رضَّ الله فاك». وروي أن أبا الأسود الدؤلي قالت له ابنته وهي تتأمل السماء: «ما أجملُ السماء»، فقال لها: «نجومُها»، فقالت: «ما عن هذا أسأل، وإنما أنا أتعجب» فقال: «إذن فقولي: ما أجملَ السماءَ»، وسواء أصحَّت هذه الروايات أم كانت من خيال واضعيها، فإنها تكشف عن الوظيفة الدلالية للإعراب. الإعراب ضروري للإفادة والإبانة وتماسك المعنى، والإعراب ضروري للكتابة البليغة والشعر الرفيع؛ لأنه يتيح للكاتب التقديم والتأخير وهو بمأمنٍ من اللبس والغموض، فيكون حرًّا في الارتكاز على ما يشاء من عناصر الجملة، ويقدم الأهم على المهم، ويحقق في السبك قيمًا تشكيلية وموسيقية ما كانت تتأتَّى لولا الإعراب الذي يضم حبات الجملة في سمطٍ واحدٍ ويضمن لها ألا تنفرط مهما اختلف ترتيبها وتتابعها. واللغات التي تتنازل عن الإعراب (مثل العامية، ومثل اللغات الأوروبية الحديثة بعامة) تضطر إلى تقييد الترتيب في عناصر الجملة لكي يؤدي وظيفة الإعراب. مثل هذه اللغات أسهل من لغة الإعراب بما لا يقاس، غير أنها تشتري السهولة بثمنٍ باهظ: بالغُلِّ والقيد وتصلُّب الفقرات، والثقلة الموسيقية والدلالية والبيانية.

وفي فن الشعر بخاصة تتجلى أهمية حركات الإعراب، «فإن هذه الحركات والعلامات تجري مجرى الأصوات الموسيقية وتستقر في مواضعها المقدورة على حسب الحركة والسكون في مقاييس النغم والإيقاع، ولها بعد ذلك مزية تجعلها قابلة للتقديم والتأخير في كل وزن من أوزان البحور؛ لأن علامات الإعراب تدل على معناها كيفما كان موقعها من الجملة المنظومة، فلا يصعب على الشاعر أن يتصرف بها دون أن يتغير معناها، إذ كان هذا المعنى موقوفًا على حركتها المستقلة الملازمة لها، وليس هو بالموقوف على رصِّ الكلمات كما ترص الجمادات.»٢١

قلنا: إن حركات الإعراب تدل على المعاني دلالةً تسمح بالتقديم والتأخير ووضع الكلمة في الموضع الذي يناسب مبنى البيت ولا يخل بمعناه، انظر هذا البيت للمتنبي:

أتى الزمانَ بنوه في شبيبته
فسرَّهم وأتيْناهُ على الهرَمِ

وانظر هذا البيت:

سِوى وجعِ الحسَّادِ داوِ فإنه
إذا حلَّ في قلبٍ فليس يَحُولُ

وهذا:

قمرًا نَرَى وسحابتَينِ بمَوضعٍ
منْ وجْهِهِ ويَمينِه وشمالِهِ
مثل هذه الطواعية وهذه الحرية لا تتاح للغة غير مُعرَبة، ومثل هذا النسق لا يستقيم لشاعرٍ ينظم بغير العربية؛ «لأن الترتيب الآلي يقيده بموضعٍ لا يتعداه، حيث يطلقه الإعراب «العربي» المعدود في عرف أعدائه الجهلاء قيدًا من القيود!»٢٢
لا شك أن الإعراب يمثل صعوبةً معينة، ولولا ذلك لما قال عبد الملك بن مروان: «شيَّبني ارتقاءُ المنابر وتوقُّعُ اللحن»، ولكن لا يُماري أحدٌ في أن لغة الإعراب تهيب بالقارئ أن يستجمع قواه الفكرية، وتدعوه إلى حسن التأهب لقطع أشواط الفهم. إن المران على صحة الإعراب هو في الوقت نفسه مران على يقظة الوعي وجودة الفهم، فالعربية بحكم تركيبها وبنائها تتطلب من المرء يقظةً واعية وجهدًا موصولًا وبُعدًا عن الآلية، ومتى تعوَّد المرء بذل الجهد لاستجماع الفكر قبل أن يقرأ أو يكتب أو يسمع نشأ لديه استعدادٌ للفهم يلازمه طول حياته، وكان في أحكامه أقرب إلى الروية والتدبر وأبعد عن التهور والتحيز،٢٣ وهذه فضائل مستفادة أثمن بكثيرٍ مما بذل فيها وأنفق من أجلها.

(٦) العَروض

العربية لغةٌ عَروضية: «فالتركيب الموسيقي أصلٌ من أصول هذه اللغة لا ينفصل عن تقسيم مخارجها، ولا عن تقسيم أبواب الكلمات فيها، ولا عن دلالة الحركات على معانيها ومبانيها بالإعراب أو بالاشتقاق.»٢٤ وهذا ما يسَّر النظم لأصحاب السليقة الشعرية من العرب منذ أقدم عصور الجاهلية. كان الشاعر الجاهلي ينظم الشعر في مختلف بحوره بغير علم بهذه البحور، ثم جاء الخليل بن أحمد فاستخلص الوزن الموسيقيَّ الكامن في هذا الشعر، وقعَّد له قواعده وأحصى بحوره، فإذا نحن بإزاء موازين دقيقةٍ دقةً رياضية، لا تقل عن دقة الموسيقى الخالصة ومقاماتها وإيقاعاتها وسُلَّمها، «لا حاجة بالشعر العربي إلى إيقاع الرقص الذي يصاحب إنشاد الشعر في اللغات الأخرى؛ لأن أشعار تلك اللغات تستعير الحركة المنتظمة من دقات الأقدام وحركات الأجسام في حلقات الرقص أو اللعب المنسق على حسب خطوات الإقبال والإدبار والدوران، ولا حاجة بالشعر العربي إلى ملازمة الإيقاع المستعار من الرقص واللعب؛ لأن أوزانه مستقلة بإيقاعها الذي يميز أقسامها وحدودها ويُغْنيها عن الأقسام والحدود الأخرى، ولا حاجة بالشعر العربي إلى مصاحبة الغناء لترتيب أوقاته (أزمنته) وضبط مواقع المد والسكون في كلماته؛ لأنه مرتب مضبوط في كل كلمة، بل في كل جزء من أجزاء الكلمة، ويجمع بين الحركة والسكون، وما من وزن على وضع من الأوضاع لا تضبطه حركة الشعر المسموع بغير حاجة إلى الغناء.»٢٥
وأبلغ من كل ما تقدم في الإبانة عن معدن اللغة العربية وعن هذه الخاصة الفنية فيها أن أوزانها تتفق في كل ترتيل فصيح، ولو لم يكن شعرًا مقصودًا، كما اتفقت في الآيات الكثيرة من القرآن الكريم، رغم أن القرآن ليس شعرًا وما هو بقول شاعر:
  • مما يوافق وزن البحر الطويل: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.
  • ومما يوافق وزن الكامل: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ.
  • ومما يوافق البسيط: فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ.
  • ومما يوافق الخفيف: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ، إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى.٢٦
  • ومما يوافق الرمل: إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ، وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ.
  • ومما يوافق الوافر: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ.
  • ومما يوافق المتقارب: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا، وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ.
  • والسريع: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ.
  • الرجز: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى.
  • المتدارك: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ.
  • المجتث: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ، فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
  • الهزج: لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ.
  • مخلع البسيط: يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
  • مجزوء الرمل: وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
  • مجزوء الخفيف: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ.

وتوكيدًا لفكرة أن لغتنا استمدت أوزانها من صميم تكوينها، فقد نظرنا إلى الصفحة نفسها التي كتب فيها العقاد ما يوافق البحور من الآيات (الصفحة ٢٤ من كتاب اللغة الشاعرة)، وأمكننا أن نحصي أربعة أشطر موزونة جاءت في حديثه النثري اتفاقًا خلال بضعة أسطر!

  • «وكما جاء في كلام الرسول» (الخفيف).

  • «ومما يوافق بحر الرمل» (المتقارب).

  • «مبلغ أوزان العروض العربية» (الرجز).

  • «من دقة التقسيم والتفصيلِ» (الرجز أو الكامل).٢٧

عروض النثر: للعربية عروضها وموسيقاها، حتى في النثر! النثر في العربية «موزون» بمعنًى ما، ويعرف كل ناثر عربي كبير أنه لا يكتب كيفما اتفق، ولكنه يعمد إلى ضربٍ من التحكم النغمي المقصود، وأنه كثيرًا ما يغير مواضع ألفاظه وينتقي مرادفات ويستبعد أخرى تلبيةً لدواعٍ نغمية خالصة، وكثيرًا ما تقلقه عبارات صحيحة من جهة النحو والصرف والمعجم، ولكنه يحسُّ لها نشازًا ما، فهو لا يسيغها صوتيًّا أو لا يستريح لها نغميًّا: لكأن بها «كسرًا» ما في عروض النثر! ولا يزال بها حتى يقوِّم زيغها ويُسْلِس نغمها، عساها أن تقع في سمع القارئ موقعًا حسنًا وتؤتي فيه أثرًا.

(٧) غياب فعل الكينونة

لكأن المثالية برُمَّتها حاضرةٌ في هذا الغياب.

في كتاب «الحروف» لاحظ الفارابي أن «فعل الكينونة» To be لا يظهر في اللغة العربية لأن الوجود متضمَّنٌ في الكلام ولا يحتاج إلى إثبات، لكأن الديكارتية، بل المثالية الفلسفية بأسرها متضمنة في هذا الحذف.
وقد يذهب البعض بعيدًا في تفسير تجاهل فعل الكينونة في الجملة الاسمية، ويراه قصورًا ناجمًا عن طبيعة حياة الصحراء الساكنة الساجية الرتيبة، حيث لا شيء هناك وراء الأشياء الواقعية البسيطة المحدودة، ليس ثمة فعلٌ كلي، ليس ثمة فاعلية بشرية حضارية متراكمة، ليس ثمة غير «وعي جماعي لم يتعرف على الأفعال الكبرى الفيزيقية للحضارات القديمة، لم يدرب عقله للنظر إلى ما وراء الطبيعة من خلال علاقاته الإنتاجية التي يعرف من خلالها عالمه الميتافيزيقي؛ لهذا غاب عنه أن يكون الوجود نتاجًا لفعلي الكينونة والصيرورة، واكتفى فقرًا وعيًا وثقافةً وحضارةً بالنبأ أو الخبر؛ لهذا فالسماء الممتدة مجرد مبتدأ وخبر، وليست موضوعًا أو جوهرًا وفعل صيرورة مضمرًا وصفة أو محمولًا … أخبار بني … أخبار القدماء … أخبار الحروب القديمة … ليس ثمة غير الخبر يحرك بركته الراكدة، خبر عن الحب، السطو، الإغارة، المطر، الرياح، العواصف، الغائبين … الصحراوي مُستلَبٌ من الفعل المركب العميق، الفعل الإنساني للحضارات الكبرى، الذي يستشف منه فعل الصيرورة الكامن في الوجود والكون، الفاعلية البشرية المتراكمة، تفاعلها مع الطبيعية إلى القدر الذي يتمايز في عقلها البشري، وفعلا الكينونة والصيرورة في الأشياء الكبرى التي تمس الوجود، حتى لو كان فعل الآلهة، حيث المحيط الأزلي … النطفة الأولى … ومن ثم التكون والصيرورة.»٢٨ وباختصار، ليس ثمة غير خبر، أو انتظارٌ لخبر.
أما د. حسن حنفي فيرى أن «فعل الكينونة ليس مجرد فعل، بل هو الوجود المتضمن فيه، يظهر في اللغات الأجنبية ولا يظهر في اللغة العربية لأن الوجود متضمن في الكلام ولا يحتاج إلى إثبات كما لاحظ الفارابي من قبل في كتاب الحروف.»٢٩
وأما د. عثمان أمين فيقف وقفةً طويلة عند غياب فعل الكينونة في العربية، ويستكشف فيه فلسفة بتمامها! يرى د. عثمان أمين أن لغتنا العربية في طبيعة بنيتها وتركيبها لا تحتاج الجملة الخبرية فيها إلى إثبات فعل الكينونة، فنحن نقول في العربية، على سبيل الإخبار: «فلان شجاع» دون حاجة إلى أن نقول: «فلان يكون شجاعًا»، ونقول: «كل إنسان فانٍ» دون حاجة إلى أن نقول: «كل إنسان يكون فانيًا». وإذا قلنا في العربية مثلًا: إن «الأمة العربية واحدة» ثبت هذا المعنى في نفوسنا ثبوتًا لا يحتاج بعده إلى شيء من الخارج، لا فعل الكينونة ولا أي رمز آخر من رموز اللغة أو أي أمر من أمور الحس. والفكرة المفهومة من الارتباط واضحة ماثلة دائمًا في نفس العربي، يلتفت إليها حين يواجه المعنى، فإذا أراد أن يبرزها أو أن يؤكدها مثَّلها بلفظٍ مثل قوله: «إنه هو الحق»، ومعنى هذا أن الإسناد في اللغة العربية يكفي فيه إنشاء علاقة ذهنية بين «موضوع» و«محمول» أو مسند إليه ومسند، دون حاجة إلى التصريح بهذه العلاقة نطقًا أو كتابةً، في حين أن هذا الإسناد الذهني لا يكفي في اللغات الهندوأوروبية إلا بوجود لفظٍ صريحٍ مسموع أو مقروء، يشير إلى هذه العلاقة في كل مرة، وهو فعل الكينونة في اصطلاحهم، ويسمونه في تلك اللغات «رابطة» Copula من شأنها أن تربط بين الموضوع والمحمول إثباتًا أو نفيًا، وقد التفت بعض المناطقة الغربيين في العصور الحديثة إلى تكلُّف هذه «الرابطة» اللفظية في أكثر اللغات الهندوأوروبية: فقد بيَّن جون ستيوارت مل في كتابه «نسق في المنطق» أننا لا نحتاج في الحقيقة إلى شيء سوى «الموضوع» و«المحمول»، وأن «الرابطة» إنما هي مجرد علامة على ارتباطهما من حيث هما موضوع ومحمول.٣٠
يرى د. عثمان أمين أن غياب فعل الكينونة ميزةٌ فلسفية امتازت بها لغتنا على غيرها من اللغات: فالعربية ترى من نافلة القول أن نضطر إلى إثبات فعل الكينونة في كل قضية كيما نصدِّق بها، بل أكثر من هذا، أن العربية تفترض «أولانيًّا»٣١ وابتداءً أن مجرد إخطار المعنى في الذهن، ومجرد «ثبوت الإنية» — كما يقول الفارابي وابن سينا — أو وجود الذات العارفة التي تقرر المعنى، كافٍ وحده لإثبات هذا المعنى، وبعبارة أخرى إن العربية تفترض دائمًا أن شهادة الفكر أصدق من شهادة الحس أو، بتعبير فلسفي شائع لدى فلاسفة العرب ومتكلميهم، أن العربية بطبيعة بنيتها وصياغتها تقرر أن «الماهية متقدمة على الوجود» (تقدُّم رتبةٍ وحيثيةٍ لا تقدم زمانٍ أو وضعٍ في المكان).

ويعلم كل دراس للفلسفة الديكارتية أن فعل الكينونة هذا قد أحدث خلطًا في فهم الكثيرين للكوجيتو الديكارتي، وأدى إلى ارتباكٍ ذهني كبير في الغرب في مستهل الفلسفة الحديثة. مثل هذا الخلط لا يمكن أن يقع في اللغة العربية لأنها استغنت أولانيًّا عن فعل الكينونة، ولم تسلِّم بأن له وظيفةً منطقيةً، فضلًا عن عدم التسليم بأنه «فعل» من الأفعال اللغوية.

«إن «الكينونة»، تبعًا لمنطق اللغة العربية، هي في الوجود الذهني، والوجود الذهني متضمَّن في كل قضية صادقةً كانت أو كاذبة، ومن أجل ذلك وجدت اللغة العربية من نافلة القول أن تؤكد هذا الوجود بفعل الكينونة (الذي ليس في الحقيقة فعلًا): فهذه اللغة ترى أن كل ما يعرض للذهن، كل فكر، «كائن»، وهذا يصير بديهيًّا لمجرد كونه مفكَّرًا فيه. وها هنا مزية الذهن على المادة. إن الفلسفة الديكارتية التي تبدأ بالكوجيتو، ومنه تستخلص التمييز الحاسم بين النفس والبدن، تسير سيرًا مطِّردًا في الطريق الذي رسمته فلسفة اللغة العربية، وإن شئنا قلنا: إن اللغة العربية «مثالية» قبل مثالية ديكارت بمئات السنين، والفلسفة الديكارتية تجد ولا ريب سندًا لها راسخًا في مطالب اللغة العربية التي تفترض الوجود في الأذهان تحت كل فعل من أفعال العقل، وهي بهذا تقيم صدارة الفكر على كل ما عداه.»٣٢

(٨) لغة تحتضن منهجًا

يقول د. عثمان أمين في كتابه «فلسفة اللغة العربية»: «فقد أظهرتنا بحوث الأستاذ لوي ماسينيون على أن اللغة العربية قد امتازت بخصائص قلَّ أن نجد لها مثيلًا في اللغات الأخرى؛ ففي حين أن اللغات الهندوأوروبية إنما جعلت للتعبير عن نظام العالم الخارجي، نجد اللغة العربية وكأنها هي لغة التأمل الداخلي؛ تأمل الفكر والروح. العربية «تملك ديالكتيك المعجزة» التي ترنو إلى الأبدي، وتصرف النظر عن المتغير وعن كل ما هو زائل، إن في العربية استعدادًا للرؤية الجوانية يتذوقه من نشئوا على التحدث بها، وفي العربية، بفضل تركيبها الداخلي وطراز الخلوة التي توحي به، قدرة خاصة على التجريد والنزوع إلى الكلية والشمول، ومن هنا كان للعرب الفضل في استكشاف رموز الجبر وصيغ الكيمياء والمسلسلات الحسابية. ويذكر ماسينيون أن «واحدًا من الأوروبيين المساكين» قال له مرة في معرض الزراية على العرب: «ليس لهؤلاء الناس أدب» فأجابه: «لم نقل في ثلاثمائة جملة ما يمكن أن يُقال في سطر واحد؟»، يقول ماسينيون: «إن الشعوبية المتزمِّتة، شعوبية دولة إسرائيل الجديدة، لا تؤمن بشيء قدر إيمانها بلغتها العبرية، وإن مدارسها الأولية تعلِّم العبرية وفقًا للإعراب العبري التقليدي المنقول عن اللغة العربية، ووفقًا للأبجدية القديمة. اللغة العربية لغة وعي، ولغة شهادة، وينبغي إنقاذها سليمة بأي ثمن، للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية، واللغة العربية بوجهٍ خاص هي شهادة دولية يرجع تاريخها إلى ثلاثة عشر قرنًا.»٣٣
ويقول المستشرق الفرنسي هنري لوسل في مقال له بعنوان «اللغة العربية والحضارة العربية الإسلامية تزودان الدارس لهما بنظرةٍ جديدةٍ إلى العالم»: «… يجد الطالب في العربية معاني لغوية تختلف اختلافًا كبيرًا عن معاني الفرنسية أو اللاتينية أو أي لغة أوروبية … ويستوقف نظره في الوقت نفسه سير الكتابة العربية من اليمين إلى الشمال، ولكن هذا السير يبدو مطابقًا لحركة فزيولوجية أكثر اتفاقًا مع الطبيعة. ثم إذا به يكتشف كلمات ذات أصول ملحَّنة واضحة ونسقًا صرفيًا مبتكرًا داخل الكلمة يستبعد كل إضافة خارجية من المقاطع لأوائل الكلمات أو أواخرها، ويتيح ثروة من الاشتقاق من الأصل الواحد، وتقدم العربية أيضًا نسقًا من قواعد الإعراب بسيطًا وفيه قدر كبير من المرونة، كما تقدم أساليب من تركيب الكلام تجمع بين البساطة والدقة، ونسقًا من الأفعال يتسم بالبساطة، ويحير الناظر أول الأمر ولكنه مع ذلك قد بلغ من التمام في منطقه ما بلغه النسق الفرنسي، ومع العربية ينفتح أمام نظر التلميذ عالم جديد يخالف العوالم التقليدية المأثورة. لقد ذهب التعليم الفرنسي إلى البلاد العربية، ولكنه عجز عن أن يفيد منها لنفسه نظرة جديدة عن الإنسان يعود بها إلى فرنسا. إن دراسة القرآن، ولو كانت دراسةً سطحية، تكشف للتلاميذ شيئًا فشيئًا تصورًا جديدًا للعالم.»٣٤
وللأستاذ الدكتور يحيى الرخاوي خواطر وتساؤلات طليعية جريئة بشأن العربية والمنهج العلمي الذي تضمره في داخلها، وعلينا نحن أن نستكشفه ونفيد منه، يتساءل د. الرخاوي: «هل يتغير المنهج العلمي بتغير اللغة أم أن المسألة هي مجرد تغيير ألفاظ؟» ولا يفوته أن يشير بسهمٍ إلى إجابة: «… ولعل اللغة العربية بثباتها كل هذه القرون هي التي حافظت على علاقتنا بالطبيعة، ولعلها توحي لنا مؤخرًا — إذ نحاول الإفاقة — أن للحياة هدفًا آخر، وأن الإنسان ليس إلهًا وأن المنهج القائم الغالب والمحتكر لما يسمى علمًا لا يفي بسبر غور الحقيقة كل الحقيقة، أو أغلبها، وأن لنا علاقة متصلة بالطبيعة غير الاقتحام والسيطرة والاستنزاف … إن الانطلاق من لغتنا العربية، تركيبًا له بنيته الخاصة، وليس ترجمة عاجزة عن الحركة المستقلة، لهو من العوامل الأساسية التي قد تتيح لنا الفرصة لاختبار منهج آخر أكثر قدرة على سبر غور الحقيقة والإلمام بأبعاد المعرفة، وليس هنا مجال لتفصيل أكثر، وإنما أكتفي بمجرد الإشارة إلى ما سبق أن أشرتُ إليه من أفول نجم هذا المنهج التجريبي المعتمد على الرصد السلوكي كأساس يكاد يحتكر ما يسمى موضوعية المعرفة؛ الأمر الذي يتواكب مع مناهج وطريقة تفكير تصبغ الطبيعة الحديثة والرياضة الحديثة، وتفتح الأفق إلى مناهج ومنطق أكثر قدرة وكلية وإحاطة وتداخلًا، وكلها مناهج أقرب إلى بنية اللغة العربية القادرة منها إلى التنظيم الخطِّي المنفصل بعضه عن بعض في لغات أخرى مسطحة بشكل أو بآخر. لو تبينَّا أننا نتميز عن غيرنا، ليس بالضرورة تفوقًا فقط، مجرد تميز، وأن هذا يسمح لنا بالحركة في مساحة أخرى، من منطلق آخر، وأن هذا وذاك يتيح لنا فرصة اقتحام مجاهل المعرفة بشكل آخر في مسار آخر، وأن كل هذا يعني أن لنا توجُّهًا آخر؛ لو حدث كل هذا فإنه يحتاج إلى أن نفعله من خلال بنيتنا العربية المتدينة الغائرة التي بعض صورها النطق بهذا اللسان العربي. فالعقل العربي لا يستعيد استقلاله وحريته باستعادة النطق بلسانه، وإنما تتاح له الفرصة من خلال استعمال لغته — تركيبًا غائرًا — بما يتيح تجديدها، ثم هو يستعيد أو لا يستعيد — بحسب مسئوليته وإسهامه — دوره، فريادته على طريق المعرفة/الحضارة/التطور، فإذا فعل عادت لغته إلى الحياة ثم تطورت بدورها فأعطت وتحاورت، وإذا لم يفعل فهو الخاسر نفسه ولغته وعطاء غيره في آن، ولا يبقى له إلا أن يتبع ويطيع (ويسمع الكلام)!»٣٥
١  د. مفيد أبو مراد، مجلة الحداثة، العدد ٢٧-٢٨، بيروت، ص٤٧.
٢  أ. حسين أحمد أمين: الكعكة في يد اليتيم، الأهرام، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٣.
٣  مفيد أبو مراد: «الخيار العربي أمام تحديات الحداثة — بين تدريس اللغة والتدريس باللغة، مجلة الحداثة، العدد ٤٥-٤٦، بيروت، ٢٠٠٠م، ص٢٧.
٤  عباس محمود العقاد: اللغة الشاعرة، منشورات المكتبة العصرية، بيروت — صيدا، بدون تاريخ، ص١١.
٥  اللغة الشاعرة، ص٩-١٠.
٦  المصدر السابق، ص٣٦.
٧  المصدر نفسه، ص٣٧.
٨  د. علي عبد الواحد وافي: فقه اللغة، ص٢١٧.
٩  بالإضافة إلى الليونة والمرونة، والاندماج الحيوي والعضوي، والتماسك البنائي والمنطقي.
١٠  أبو منصور الثعالبي: فقه اللغة وسر العربية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شلبي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط٣، بدون تاريخ، ص٣٦٣–٣٦٩.
١١  د. علي عبد الواحد وافي: فقه اللغة، ص٢١٧–٢٢٥، ولمزيد من الإلمام بهذا المبحث الشائق انظر كتاب الدكتور فاضل صالح السامرائي «معاني الأبنية في العربية»، جامعة الكويت، كلية الآداب، ١٩٨١.
١٢  د. عثمان أمين: فلسفة اللغة العربية، المكتبة الثقافية، الدار المصرية للتأليف والترجمة، العدد ١٤٤، نوفمبر ١٩٦٥، ص٤٦.
١٣  محمد المبارك: فقه اللغة، ص٦١.
١٤  عباس محمود العقاد: أشتاتٌ مجتمعاتٌ في اللغة والأدب، دار المعارف، القاهرة، ط٦، ١٩٨٨، ص١٠٠-١٠١.
١٥  المصدر نفسه، ص١٠٢.
١٦  المصدر نفسه، ص٦٠.
١٧  المصدر نفسه، ص٦٣-٦٤.
١٨  المصدر نفسه، ص٦٠، ٦٣، ٦٥.
١٩  المصدر نفسه، ص٦١.
٢٠  د. عبد السلام المسدي: الثقافة العربية والعولمة من خلال أنموذج اللغة، ندوة مستقبل الثقافة العربية في القرن الحادي والعشرين، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ١٩٩٨.
٢١  اللغة الشاعرة، ص١٦.
٢٢  اللغة الشاعرة، ص١٧.
٢٣  انظر في ذلك «فلسفة اللغة العربية»، د. عثمان أمين، فصل «اعتراض وردّ»، ص٧٢–٧٨.
٢٤  اللغة الشاعرة، ص٢٢.
٢٥  اللغة الشاعرة، ص٢١-٢٢.
٢٦  ذكر العقاد هذه الآية مما يوافق المديد، وهي من سهوات الكبار.
٢٧  يوافق هذا الشطر بحر الرجز حين يجيء خاليًا من أي زحاف، ويوافق الكامل حين تأتي جميع تفعيلاته مضمرة (مسكنة الثاني المتحرك)، ولا يحسم الأمر إلا أشطرٌ أخرى.
٢٨  فتحي إمبابي: تحرير اللغة — تحرير للعقل وإعادة منهجيته، قضايا فكرية، الكتاب ١٧-١٨، مايو ١٩٩٧، ص٢٨٨-٢٨٩.
٢٩  د. حسن حنفي: من اللغة إلى الفكر، المصدر نفسه، ص١٧.
٣٠  فلسفة اللغة العربية، ص٢٤–٢٧.
٣١  A priori.
٣٢  فلسفة اللغة العربية، ١٠١-١٠٢.
٣٣  لوي ماسينيون: «المؤلفات الصغرى» (بالفرنسية)، بيروت، دار المعارف، ١٩٦٣، م٢ ص٦٢٥، نقلًا عن كتاب د. عثمان أمين «فلسفة اللغة العربية»، ص٨-٩.
٣٤  هنري لوسل: مقال في جريدة «لوموند» الفرنسية، باريس، ٣ من ديسمبر سنة ١٩٦٤، نقلًا عن كتاب د. عثمان أمين «فلسفة اللغة العربية»، ص٩–١٢.
٣٥  د. يحيى الرخاوي: مخاطر الترجمة بين تسطيح الوعي واختزال المعرفة، في «قضايا فكرية»، العدد ١٧-١٨، ١٩٩٧، ص١٨٧–٢٠١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤