الفصل التاسع

أبحاث أخرى حوْل الأسفار نفسها، هل عزرا هو آخِر مَن صاغها؟

أبحاث أخرى حوْل الأسفار نفسها، هل عزرا هو آخِر مَن صاغها؟ وهل التعليقات الهامِشيَّة الموجودة في المخطوطات العِبرية قراءات مُختلفة؟

***

يتبيَّن بوضوحٍ من النصوص نفسها التي اقتبَسْناها تأييدًا لوجهة نظرِنا في الفصل السابق، أنَّ البحث الذي قُمنا به في هذا الفصل عن مُؤلِّفها الحقيقي يُعينُنا إلى أبعدِ حدٍّ في فَهم هذه الأسفار؛ إذ إنَّ هذه النصوص تبدو للجميع، بدون هذا البحث، غامِضة للغاية. ومع ذلك تُوجَد في هذه الأسفار موضوعات أخرى تستحقُّ المُلاحظة، ويؤدي شيوع الخُرافة إلى الحيلولة دُون تنبُّهِ العامَّة إليها. والمسألة الأساسِيَّة هي أنَّ عزرا (الذي أعُدُّه المُؤلِّفَ الحقيقي، طالَما لم يُبرهِنْ لي أحدٌ على مؤلِّفٍ آخَر بِبُرهانٍ أكثر يقينًا) لم يكن آخِر مَن صاغَ الرواياتِ المُتضمَّنة في هذه الأسفار، وأنَّهُ لم يفعل أكثر من أنَّهُ جمَعَ رواياتٍ موجودة عند كُتَّابٍ مُتعدِّدين، وفي بعض الأحيان كان يقتصِر على نَسْخها، ونقلِها على هذا النحو إلى الخلَف دون فحْصِها أو ترتيبها. ولا أستطيع أن أُخمِّن الأسباب التي منعتْهُ من إتمام عمله هذا بحيث يُولِيهِ كُلَّ عِنايَتِهِ (إلَّا إذا كان مَوتًا مُبكرًا). ولكن، على الرغم من فقدان مُؤلفات المؤرِّخين القُدماء، فإنَّ العدد القليل جدًّا من الشَّذَرات المُتبقِّية لدَينا يُثبِت هذه الحقيقة بوضوحٍ تام، فقِصَّةُ حزقيا ابتداءً من الآية ١٧، الإصحاح ١٨ من سِفر الملوك الثاني، نُسخةٌ من رواية أشعيا كما نُقِلَت في أخبار ملوك يهوذا. ففي كتاب أشعيا المُتضمَّن في أخبار ملوك يهوذا (انظر: أخبار الأيام الثاني، الإصحاح ٣٢، الآية قبل الأخيرة)،١ نقرأ هذه القصة بأكملها بالألفاظ نفسها المُستخدَمة في سفر الملوك، فيما عدا بعض الاستثناءات النادرة للغاية،٢ وهذه الاستثناءات لا يُمكن أن نَستنتِج منها سوى وجود قراءاتٍ مُختلفة لرواية أشعيا تجمع بعضها مع البعض، إلَّا إذا كُنَّا نُفضِّل أن نحلُم بوجود أسرار في هذا الموضوع. ومن ناحية أخرى، نجِد أن الإصحاح الأخير من سِفر الملوك هذا مُتضمَّن في الإصحاح الأخير من إرميا، الآيات ٣٩، ٤٠،٣ وكذلك نجِد الإصحاح ٧ من سِفر صموئيل الثاني مُكرَّرًا في سِفر الأخبار الأول (الإصحاح ١٧)،٤ ومع ذلك، فإن الألفاظ تختلِف في فقراتٍ مُتعدِّدة بطريقةٍ تدعو للدهشة٥ إلى حدٍّ يتعيَّن معه الاعتراف بأنَّ هذَين الإصحاحَين مأخُوذان من صِيغتَين مُختلفتَين لقصَّة ناثان.٦ وأخيرًا نجِد أنَّ شجرة نسَب ملوك أدوميا كما وردَتْ في «التكوين» الإصحاح ٣٦٧ ابتداءً من الآية ٣١ موجودة في الألفاظ نفسها في سِفر الأخبار الأول (الإصحاح الأول)٨ وإن كان من المؤكد أنَّ مُؤلِّف هذا السِّفر الأخير أخَذَ روايَتَه من مُؤرِّخين آخَرين، لا من الأسفار الاثنَي عشر التي نَسبناها إلى عزرا. فلا شكَّ إذن أنَّنا لو كُنَّا لا نزال نملك كتابات المُؤرِّخين لتحقَّقْنا من ذلك الأمر بسهولة، ولكن لمَّا كانت هذه الكتابات مَفقودة فلا يبقى أمامنا إلَّا أن نفحَصَ الرِّوايات نفسَها من حيث ترتيبها وتَسلسُلِها وطريقة تكرارها مع بعض التغييرات، ثُمَّ اختلافها في حسابِ السِّنين، وهذا ما يَسمَحُ لنا بالحُكم على بقِيَّة الأمور.
فلنفْحَص إذن هذه الروايات، أو على الأقلِّ الرئيسة منها، ولنبدأ بهذه القِصَّة التي تدور حول يهوذا وثامار،٩ والتي يبدؤها الراوي في التكوين (الإصحاح ٣٨)، وهكذا: «وكان في ذلك الوقت أنَّ يَهوذا انفرَدَ عن إخوته.» وواضحٌ أنَّ الوقت المذكور هنا يتعلَّقُ بوقتٍ آخر تحدَّث عنه قبل ذلك، وليس هو على وجهِ التَّحديد الوقت الذي تحدَّث عنه سِفر التكوين قبل ذلك مُباشرةً، فالواقع أنه منذ نزول يوسف مصر لأول مرة، حتى ذهاب البطريق يعقوب مع جميع أفراد عائلته إلى هذا البلد نفسه، لا نستطيع أن نَعُدَّ أكثر من اثنتَين وعشرين سنة؛ فقد كان عُمر يوسف سبعةَ عشر عامًا عندما باعَهُ إخوته، وكان عمرُه ثلاثين عامًا عندما أخرَجَه فرعون من السِّجن، فإذا أضَفْنا إلى هذه السِّنين الثلاث عشرةَ سبْعَ سِنين من الرَّخاء وسنَتَين من المجاعة يكون المجموع اثنتَين وعِشرين سنة. ومع ذلك لا يمكن أن يتصوَّر أحد حدوث كلِّ هذه الأشياء في مِثل هذا الوقت القصير؛ أعني أن يُصبِح يهوذا أبًا لثلاثة أطفال على التَّوالي من المرأة الوحيدة التي تزوَّجَها، وأن يتزوَّج أكبرَ هؤلاء الثلاثة ثامار عند بلوغِهِ سِنَّ الزَّواج، وأن تتزوَّج ثامار من جديدٍ بعد مَوت الابن الثاني، وبعد موته هو الآخر، أي بعد هاتَين الزِّيجتَين وهاتين المَيْتَتين، يُعاشِر يهوذا زوجة أبنائه ثامار دون أن يعرِف من تكون، ثُمَّ يُولَدُ له طفلان توءمان يُصبِح أحدهما أبًا في هذا الوقت القصير ذاته. ولَمَّا كان مِن المُستحيل وقوع هذه الحوادث كلها في الوقت القصير الذي يُشير إليه «التكوين» وجَبَ إرجاعها إلى وقتٍ آخَرَ سبق أن تحدَّث عنه سِفرٌ آخر. ومِن ثَمَّ فلا بُدَّ أنَّ عزرا نقَلَ هذه القِصَّة بسهولةٍ وأدخلها في النَّصِّ دون فحص. ولا يقتَصِر الحال على هذا الإصحاح فقط، بل إنَّ هذا ينطبِقُ على كلِّ قصَّةِ يوسف ويعقوب، التي ينبغي الاعترافُ بأنها استُخلِصَت ونُقِلت من عددٍ من المؤرخين بدليل وجود اختلافاتٍ بين أجزائها المُتعدِّدة؛ ففي الإصحاح ٤٧ يُروى في «التكوين» أنَّ يعقوب عندما أتى به يُوسف ليُحَيِّيَ فرعون لأول مرَّة كان عُمره يومئذٍ مائةً وثلاثين عامًا.١٠ فإذا طرَحْنا اثنين وعشرين عامًا قضاها حُزنًا على فقدانه يوسف، وسبعة عشر عامًا عمر يوسف وقتَ بيعه، وسبعةَ أعوامٍ خدَم فيها يعقوب راحيل،١١ نجِد أنَّهُ كان مُتقدِّمًا جدًّا في السن، أي كان عمره أربعةً وثمانين عامًا، عندما تزوَّج ليئة.١٢ وفي مُقابل ذلك، كان عُمر دينة١٣ تقريبًا سبعة أعوام١٤ عندما اغتصبها شكيم وكان عُمر شمعون١٥ اثني عشر عامًا وعمر لاوي١٦ أحد عشر عامًا تقريبًا عندما خرَّبوا هذه المدينة التي يتحدَّث عنها «التكوين» عن آخرها، وقتلوا كلَّ سُكَّانها بالسيف. ولَسْنا في حاجةٍ هُنا إلى أن نبحث كلَّ مُحتويات الأسفار الخمسة، والخلْط في الأزمنة والتَّكرار المُستمر للقصص نفسها مع بعض التغييرات الخطيرة أحيانًا، لكي نُسلِّم بسهولة بأنَّنا أمام مجموعة من النصوص المُكدَّسة بحيث يُمكن بعد ذلك فحصُها وترتيبها بطريقة أيْسَر. ولا ينطبِقُ هذا فقط على الأسفار الخمسة، بل يَنطبق أيضًا على سائر الرِّوايات المُتضمَّنة في الأسفار السبعة الأخرى حتى هدْم المدينة، وهي الروايات التي جُمِعت بالطريقة نفسها. ومَن مِنَّا لا يرى أنَّنا في الإصحاح ٢ من سِفر القُضاة ابتداءً من الآية ٦ نجد أنفُسنا إزاء مُؤرِّخ جديد١٧ (وهو الذي كتب أيضًا تاريخ يشوع القديم) نُقِلت كلماتُه بحذافيرها فحسب؟ والواقع أنه بعد أن رَوى المؤرخ الأول في الإصحاح الأخير من «يشوع» مَوت يشوع ودَفْنه، وعَدَ في سِفر القضاة الأول أن يَروي الحوادث التي وقعَتْ بعد هذا الموت.١٨ فلو أراد أن يُواصِل الخطَّ الرئيس في قصَّته، فكيف كان يُمكنه أن يربِط ما قاله قبل ذلك مُباشرةً، بالرواية التي بدأها عن يشوع نفسه؟١٩ وكذلك اقتُبِست الإصحاحات ١٧، ١٨ … إلخ في سفر صموئيل من راوٍ آخَر غير الذي أُخِذت عنه روايته في الإصحاحات السابقة، وهذا الراوي الآخر يُقدِّم لتردُّد داود لأول مرَّة على بلاط شاءول تفسيرًا مُختلفًا كلَّ الاختلاف عن تفسير الإصحاح ١٦، فهو لا يعتقِد أنَّ شاءول قد استدعى داود اتِّباعًا لنصيحة وُزرائه (كما ذكر في الإصحاح ١٧) بل يعتقِد أنَّ أبا داود أرسَلَه صُدفةً إلى المعسكر عند إخوته، ثُم عرَفَه شاءول بانتصاره على الفلسطيني جلياث، وبعد ذلك بَقِيَ في بلاط هذا الملك. وأعتقِد أنَّ هذا الشيء نفسَهُ قد حدَثَ في الإصحاح ٢٦ من هذا السفر نفسه؛ إذ يَروي المُؤرِّخ — فيما يبدو — القصَّة نفسها الموجودة في الإصحاح ٢٤، مُستمدًّا إيَّاها من روايةٍ أخرى،٢٠ ومع هذا فلنترُك هذا الموضوع، لننتقِل إلى حساب السنين، يذكُر الإصحاح ٦ من سفر الملوك الأول٢١ أنَّ سُليمان بنى المعبد بعد الخروج من مصر بأربعمائة وثمانين عامًا، مع أنَّنا طبقًا للروايات نفسها نجِدُ عددًا من السِّنين أكبر بكثير.
والواقع أن:
  • (١)

    موسى حكم الشعب في الصحراء ٤٠ عامًا.

  • (٢)

    يروي يُوسف وبعض المؤرِّخين أن حُكم يشوع الذي عاش مائة وعشرة أعوام لم يزِدْ عن ٢٦ عامًا.

  • (٣)
    أخضع كوشان رشعتائيم٢٢ الشعب ٨ أعوام.
  • (٤)
    كان عتنئيل بن قاناز٢٣ قاضيًا٢٤ ٤٠ عامًا.
  • (٥)
    حكم عجلون٢٥ ملك مؤاب الشعب ١٨ عامًا.
  • (٦)
    كان أهود وشمجر٢٦ قضاة ٣٠ عامًا.
  • (٧)
    أخضع يابين٢٧ ملك كنعان الشعب من جديد ٢٠ عامًا.
  • (٨)

    عاش الشعب بعد ذلك في سلام ٤٠ عامًا.

  • (٩)
    خضع بذلك للمدينيِّين٢٨ ٧ أعوام.
  • (١٠)
    ثم عاش حرًّا تحت إمرة جدعون٢٩ ٤٠ عامًا.
  • (١١)
    وتحت حكم أبيملك٣٠ ٣ أعوام.
  • (١٢)
    وكان تولع بن فوأة٣١ قاضيًا ٢٣ عامًا.
  • (١٣)
    ياعير٣٢ ٢٢ عامًا.
  • (١٤)
    خضع الشعب من جديد للفلسطينيين وبني عمون٣٣ ١٨ عامًا.
  • (١٥)
    كان يفتاح٣٤ قاضيًا ٦ أعوام.
  • (١٦)
    أبيصان٣٥ من بيت لحم ٧ أعوام.
  • (١٧)
    أيلون الزابولوني٣٦ ١٠ أعوام.
  • (١٨)
    عبدون الفرعتوني٣٧ ٨ أعوام.
  • (١٩)

    خضع الشعب من جديد للفلسطينيين ٤٠ عامًا.

  • (٢٠)
    كان شمشون٣٨ قاضيًا٣٩ ٢٠ عامًا.
  • (٢١)
    عالي٤٠ ٤٠ عامًا.
  • (٢٢)

    خضع الشعب من جديد للفلسطينيين قبل أن يُحرِّره صموئيل ٢٠ عامًا.

  • (٢٣)

    حكم داود ٤٠ عامًا.

  • (٢٤)

    وسليمان قبل بناء المعبد ٤ أعوام.

  • (٢٥)

    فيكون مجموع الأعوام التي انقضت ٥٨٠ عامًا.

كما يجِب إضافة السنوات التي ازدهرت فيها الدولة العبرية بعد موت يشوع حتى هزمَها كوشان رشعتائيم، وأعتقد أنها سنوات كثيرة. والواقع أنَّني لا يُمكنني الاعتقاد بأنه بعد مَوت يشوع مباشرةً مات كلُّ من رأى هذه الخوارق في لحظةٍ واحدة أو بأنَّ خلفاءهم تركوا الشرائع فجأةً ومرة واحدة، وسقطوا من أعلى قِمم الفضيلة إلى أشد درجات العجز وأشنع أنواع الإهمال، كما لا يُمكنني الاعتقاد بأنَّ كوشان رشعتائيم لم يكن عليه إلَّا أن يظهر لكي يُخضِعهم. إنَّ كلَّ مرحلة من مراحل هذا الانحلال تتطلَّب جيلًا بشريًّا تقريبًا، بحيث يُلخِّص الكتاب المقدس ولا شكَّ في الإصحاح ٢، الآيات ٧، ٩٤١ من سفر القضاة تاريخ أعوام عديدة لا يروي لنا عنها شيئًا. كما يجِب إضافة الأعوام التي كان صموئيل فيها قاضيًا والتي لم يُعطِ الكتاب عددها، وكذلك يجِب إضافة الأعوام التي حكم فيها شاءول والتي لم أذكُرها في الحساب السابق لأنَّنا لا نستطيع أن نعرف مِن قصته عدد السنين التي حكم فيها معرفة كافية؛ إذ يُقال لنا في الإصحاح ١٣، الآية ١ من سفر صموئيل الأول أنه حكم عامَين، ولكن هذا النص منقوص، ونستطيع أن نستنتِج من القصة نفسها عددًا أكبر من السنين. ولا شكَّ أنَّ من له معرفة أولية بالعبرية يستطيع أن يستوثِق من أنَّ هذا النصَّ منقوص، فهو يبدأ هكذا: «وكان شاءول ابن سنةٍ في مُلكه، وملك سنتين على إسرائيل.» وإني لأتساءل الآن: مَن هنا لا يرى أنَّ هذا النص قد حذف عمر شاءول عندما استولى على السلطة الملكية؟ إنَّ قصة شاءول نفسها لتدفعُنا إلى التسليم بعددٍ أكبر من السنين. وأعتقد أنه ليس هناك من يشكُّ في ذلك، ففي الإصحاح ٢٧، الآية ٧ من السفر نفسه٤٢ نجد أنَّ داود مكث سنةً وأربعة أشهُر عند الفلسطينيين هربًا من شاءول. وطبقًا لهذا الحساب كان من الضروري أن تقَع باقي الحوادث في مدة ثمانية أشهر، وهذا ما لا يُصدِّقه أحد فيما أعتقد. ويُصحِّح يوسف (المؤرخ) هذا النص في آخر الكتاب الثالث من التاريخ القديم، فيجعله: «وحكم شاءول أيام صموئيل ثمانية عشر عامًا وبعد موته سنتَين أُخريين.» وعلى أية حال، فإنَّ كل هذه القصة الواردة في الإصحاح ١٣ لا تتَّفِق بتاتًا مع ما يسبقها؛ إذ يروى لنا عند نهاية الإصحاح ٧ أن العبرانيِّين هزَموا الفلسطينيين هزيمةً بلغت من الشدَّة حدًّا لم يعودوا منه يجرءون على عبور حدود إسرائيل طوال حياة صموئيل. وفي الإصحاح ١٣ غزا الفلسطينيُّون العبرانيين (أيام صموئيل) وجلبوا لهم من البؤس الشديد والفقر المُدقِع ما جعلهم يظلُّون دون أسلحةٍ ودون أية وسيلة تصنعها.٤٣ وإنها لمُحاولة مُضنية حقًّا أن يُوفِّق الإنسان بين جميع هذه القصص الموجودة في سفر صموئيل الأول بحيث تبدو وكأنَّ مُؤرخًا واحدًا هو الذي كتبَها ورتَّبها. ولكني أعود الآن إلى موضوعي الأول، فأقول: إنه يجِب إذن أن نُضيف إلى الحساب المذكور من قبل سنوات حكم شاءول. وأخيرًا، فإني لم أُضِف سنوات وقوع العبرانيين في الفوضى، لأنَّ الكتاب نفسه لم يُحدِّدها بوضوح، أعني أنَّني لا أعلم كم من الوقت استغرقَتِ الحوادث التي وقعتْ منذ الإصحاح ١٧ حتى آخر سفر القضاة.٤٤ من هذا كله نستنتج بوضوحٍ تامٍّ أننا لا نستطيع أن نُقيم حسابًا زمنيًّا مضبوطًا للسنوات مُعتمدين في ذلك على الروايات نفسها، وأن دراستها لا تؤدي بنا إلى التسليم بصحة واحدةٍ منها، بل إلى وضع افتراضات مُختلفة، فيجِب إذن أن نُسلِّم بأنَّ هذه الروايات مجموعة من القصص مُستمَدَّة من مُؤلِّفين عديدين، ثُم جُمعت قبل ترتيبها وفحصِها، كذلك يبدو أنَّ هناك تَعارُضًا لا يقلُّ عن ذلك، فيما يتعلَّق بحساب السنين، بين أسفار أخبار ملوك يهوذا وأسفار أخبار ملوك إسرائيل؛ ففي أخبار ملوك إسرائيل يُذكَر أن يورام بن أحآب بدأ حُكمه في السنة الثانية من حكم يورام بن يوشافاط (انظر الملوك الثاني، ١: ١٧)٤٥ على حين يذكر في أخبار ملوك يهوذا أن يورام بن يوشافاط بدأ حكمه في السنة الخامسة من حكم يورام بن أحآب (انظر: ٨، ١٦ من السفر نفسه)،٤٦ وإذا أردنا مقارنة روايات سفر أخبار الأيام مع روايات سفر الملوك وجدنا كثيرًا من حالات التعارُض المُماثلة، التي لا تحتاج هنا إلى ذكرها، أو ذكر شروح المؤلفين الذين حاوَلوا التوفيق بين هذه الروايات، كالأحبار الذين يهذون كلية، أو من قرأت من الشُّرَّاح الذين يحلمون ويختلقون شروحًا وينتهون إلى إفساد اللغة نفسها، فعندما يُذكَر مثلًا في سفر أخبار الأيام الثاني: «كان عُمُر أحزيا اثنتَين وأربعين سنة عندما حكم.» يتصور بعض الشُّرَّاح أن هذه السنين تبدأ من حكم «عمري» لا من ميلاد أحزيا،٤٧ ولو استطاع أحد أن يُثبت أنَّ هذا هو قصد مؤلف سِفر أخبار الأيام لما تردَّدتُ في القول إنه لا يعرف كيف يتحدَّث، وبالطريقة نفسها يختلِقون شروحًا كثيرة تضطرُّني إلى القول — لو كانت هذه الشروح صحيحة — بأنَّ قُدماء العبرانيِّين قد جهِلوا تمامًا لُغتهم، ولم تكن لديهم أية فكرة عن ترتيب الرواية، كما تضطرُّني إلى أن أعترِف بأنه لم يكن هناك أي منهجٍ أو قاعدة لتفسير الكتاب، بل كان بإمكانهم اختلاق أيِّ شيء حسب هواهم.
فإذا ظنَّ أحد مع ذلك أني أتحدَّث هنا بطريقةٍ عامة جدًّا، دون أساس كافٍ، فإني أرجو أن يُكلِّف نفسه العناء ويدلَّنا على ترتيب يقيني لهذه الروايات، يستطيع المؤرخون اتِّباعَه في كتابتهم للأخبار دون الوقوع في خطأ جسيم. وعلى المرء في أثناء مُحاولته تفسير الروايات والتوفيق بينها، أن يُراعي العبارات والأساليب وطُرُق الوصل في الكلام، ويشرحها بحيث نستطيع، طبقًا لهذا الشرح، أن نُقلِّدها في كتابتنا.٤٨ ولسوف أنحني مُقدَّمًا في خشوعٍ لمن يستطيع القيام بهذه المهمة، وإنِّي لعلى استعدادٍ لأن أُشبِّهه بأبولو نفسه.٤٩ على أن أعترف بأني لم أستطِع أن أجِد من يقوم بهذه المُحاولة بالرغم من طول بحثي عنه، كما أُضيف أيضًا أني لا أكتُب هنا شيئًا إلَّا بعد تأمُّلٍ طويل. ومع أني مُشبَّع منذ طفولتي٥٠ بالآراء الشائعة عن الكتاب المُقدَّس، فقد كان من المُستحيل عليَّ ألا أنتهي إلى ما انتهيتُ إليه.٥١ وعلى أية حال، فليس هناك ما يدعونا إلى أن نُعطِّل القارئ هنا مدة طويلة وأن نعرض عليه، في صورة تحدٍّ، أن يقوم بمُحاولة ميئوسٍ منها. وكلُّ ما في الأمر أنه كان عليَّ أن أُبيِّن ما ستكون عليه هذه المُحاولة حتى أعبر عن فكري تعبيرًا أكثر وضوحًا. والآن أنتقل إلى الملاحظات الأخرى التي أُبديها عن مصير هذه الأسفار.
وبعد أن بيَّنَّا مصدر هذه الأسفار، يجب أن نذكُر أنَّ الخلَف لم يحفظ هذه الأسفار بعنايةٍ بحيث لا تتسرَّب إليها أية أخطاء، فقد لحظ قدماء النُّسَّاخ كثيرًا من القراءات٥٢ المشكوك فيها، بالإضافة إلى بعض النصوص المَبتورة، دون أن يكونوا مع ذلك قد تنبَّهوا إليها كلها. أمَّا مسألة ما إذا كان لهذه الأخطاء من الأهمية ما يستحقُّ وقفةً طويلة من القارئ، فأنا أعتقد في الواقع أنها قليلة الأهمية، على الأقلِّ بالنسبة إلى مَن يقرءون الكتُب المقدَّسة بعقليةٍ مُتحرِّرة. وأستطيع أن أؤكد عن يقينٍ أني لم أجِد أيَّ خطأ أو أي اختلافٍ في القراءات، وخاصَّةً في النصوص الخاصَّة بالتعاليم الخلقية، بحيث يجعلها غامضةً أو مشكوكًا فيها. ومع ذلك لا يُسلِّم مُعظم المُفسرين بوقوع أي تحريفٍ في النص، حتى في الأجزاء الأخرى، ويُقرِّرون أن الله، بعناية فريدة، قد حفِظ التوراة كلها من أي ضياع. أمَّا اختلاف القراءات فهو في نظرِهم علامةٌ على أسرارٍ في غاية العُمق، ويتناقَشون بشأن النجوم الثماني والعشرين الموجودة وسط إحدى الفقرات بل تبدو لهم أشكال الحروف ذاتها وكأنَّها تحتوي على أسرارٍ كبيرة. ولستُ أدري إن كان ذلك ناجمًا عن اختلاف العقل وعن نوعٍ من تقوى العجائز المُخرِّفين، أم أنهم قالوا ذلك بدافِع الغرور والخُبث حتى نعتقِد أنهم وحدَهم الأُمناء على أسرار الله؟ ولكنِّي أعلَم فقط أني لم أجد مُطلقًا أيَّ شيءٍ عليه سَيماء السرِّ في كُتُبهم، ولم أجِد فيها إلَّا أعمالًا صبيانية. ولقد قرأتُ أيضًا بعض القباليِّين وعرفتُ تُرَّهاتهم،٥٣ ولم تنقطع أبدًا دهشتي من خبَلِهم. وإني لأعتقِد أنه ما مِن أحدٍ سيشكُّ في وقوع بعض الأخطاء في الأسفار — كما قُلنا من قبل — إذا كان لدَيه أقلُّ قدرٍ من الحكم السليم، وقرأ النصَّ الخاصَّ بشاءول (الذي ذكرْناه من قبلُ من سِفر صموئيل الأول، ١٣: ١)٥٤ وكذلك الآية ٢، الإصحاح ٦ من صموئيل الثاني: «ونهض داود وانطلَقَ بجميع الشعب الذين معه من بعليم يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله.» إذ لا يمكن أن يغيب عن ذهن أحدٍ أنَّ المكان الذي ذهب إليه ليُحضِر التابوت، وهو كارياتياريم،٥٥ لم يُذكَر. كما لا نستطيع أن نُنكِر أنَّ الآية ٣٧ من الإصحاح ١٣ في سفر صموئيل الثاني قد غُيِّرت وبُتِرت، يقول النص: «وأما أبشالوم فهرَبَ والتجأ إلى تلماي بن عمهود ملك جشور وناح داود على ابنه كل الأيام، وهرب أبشالوم وذهب إلى جشور ولبث هناك ثلاث سنين.» وأنا أعلم أنِّي ذكرتُ من قبل نصوصًا أخرى مُشابهة لا تحضُرني الآن.
أما فيما يتعلَّق بالتعليقات الهامشية التي نجدها هنا وهناك في الكتب العبرية، فلا يُمكن أن يتردَّد المرء في الاعتقاد بأنها قراءات مَشكوك فيها، إذا عرفت أنَّ مُعظمها يرجِع إلى التشابُه الكبير بين الحروف العبرية خاصَّةً بين «الكاف والباء»، وبين «الياء والواو»، وبين «الدال والراء» … إلخ. فمثلًا نجد «وقتما تسمع» وفي الهامش بعد تغيير حروف «عندما تسمع» وفي الإصحاح الثاني في سفر القضاة الآية ٢٢، يقول النص: «وعندما أتى آباؤهم وإخوتهم لدينا بكثرة.» (أي دائمًا) … في حين نجد في الهامش بعد تغيير حرف «ليعارضوا» بدل «بكثرة» وكذلك يرجع عدد كبير من القراءات المشكوك فيها إلى استعمال الحروف التي نُسمِّيها حروف الوقف، والتي لا تُنطَق في أغلب الأحيان، ويخلِط المرء بينها إذا تجاورَت. فمثلًا في سِفر الأحبار نجد (٢٥: ٣٠)٥٦ نصًّا يقول: «فقد ثبت البيت الذي في المدينة التي لا سور لها.» وفي الهامش «ذات السور … إلخ.»
ومع أنَّ هذه الملاحظات واضحة بنفسها، فإني أرى أنَّ من الأفضل الردَّ على حُجج بعض الفريسيين الذين يَميلون إلى البرهنة على أنَّ هذه التعليقات الهامشية قد أضافها إما مُؤلفو الكُتب المقدسة أنفسهم، أو أنها كُتبت بتوجيهٍ منهم، ليُعبروا عن أسرارٍ غامضة. وأول هذه الحجج، وهي حُجةٌ لا أهتمُّ بها كثيرًا، مُستقاة من العادة المُتَّبَعة في قراءة التوراة. يقولون: لو كانت هذه التعليقات قد وُضعت في الهامش بسبب اختلاف القراءات التي لم يستطِع الخلَف أن يختار بينها فلِمَ جرَتِ العادة على الاحتفاظ دائمًا بالمعنى الهامشي؟ ولِمَ ذُكر في الهامش هذا المعنى الذي أريد الاحتفاظ به؟ لقد كان الواجب، على العكس من ذلك، كتابة النصِّ نفسه كما يُراد له أن يُقرأ، بدلًا من أن يُذكَر في الهامش المعنى والقراءة المُحقَّقان أكثر من غيرهما. والحجَّة الثانية التي تبدو على شيءٍ من الجديَّة، مُستقاة من طبيعة الأشياء نفسها. يقولون: هناك أخطاء في النَّسخ تقَع في المخطوطات صُدفة لا عمدًا. ولمَّا كانت الأخطاء عفوية وجَب أن تختلِف فيما بينها. على أنَّنا نجِد في الأسفار الخمسة أنَّ الكلمة العبرية التي تعني عذراء قد كُتبت دائمًا دون حرف الهاء إلَّا في نصٍّ واحد، ممَّا يُخالف قواعد اللغة، على حين كُتبت في الهامش كتابةً صحيحة طبقًا للقاعدة العامَّة، فهل يُمكن أن يكون هنا الخطأ قد صدر عن الناسخ؟ أي قدَرٍ هذا الذي أجبَر قلَم الكاتب على التسرُّع بالطريقة نفسها في كل مرة يُقابل فيها هذه الكلمة؟ لقد كان من المُمكن بعد ذلك بسهولة إضافة الحرف الناقِص دون حرَج وتصحيح هذا الخطأ مُراعاة للقواعد. وبما أنَّ هذه القراءات لم تحدُث صدفة، وبما أنه لم يتمَّ تصحيح هذه الأخطاء الظاهرة، فلا بدَّ من الاعتراف بأنَّ هذه الكلمات كتبَها المؤلفون الأُوَل عمدًا كما هي موجودة في المخطوطات، ليدلُّوا بها على شيء، على أنَّنا نستطيع أن نردَّ بسهولةٍ على ذلك. تعتمد الحجَّة الأولى على العادة المُتَّبعة بين الفريسيين، ولن أتوقَّف عندها، فأنا لا أدري إلى أي مدًى ذهبَت الخرافة، وربما نشأت هذه العادة من أنهم كانوا يعتقدون أن الصِّياغتَين صحيحتان أو مقبولتان، وبالتالي أرادوا أن تكون الأولى مكتوبة والثانية مقروءة حتى لا تضيع هذه ولا تلك. والواقع أنهم كانوا يخشون البتَّ في أمرٍ خطير كهذا، ويخافون من أخذ النصِّ الباطل على أنه الصحيح، ومن هنا فإنهم لم يشاءوا تفضيلَ أحد النصَّين على الآخر، وهو ما كان يتعيَّن عليهم القيام به لو أنهم اشترطوا أن تكون الكتابة والقراءة بالطريقة نفسها، لا سيما أنَّ النُّسَخ المُستعمَلة في الشعائر كانت خالية من التعليقات الهامشية، أو ربما أتتْ هذه العادة من أنهم أرادوا أن تُقرأ بعض الكلمات المكتوبة، مع كونها صحيحة من حيث النسخ، عن طريق كتابتها، بطريقة مُختلفة أي طبقًا للصياغة المكتوبة في الهامش. وهكذا نشأت العادة الشائعة التي تقضي بقراءة التوراة طبقًا للتعليقات الهامشية. أما الدوافع التي جعلت النُّسَّاخ يكتبون في الهامش بعض الكلمات التي يُقصد منها صراحة أن تُقرأ فإني أبيِّنُها كما يلي: ليست كل التعليقات الهامشية قراءاتٍ مشكوكًا فيها، بل إن منها أيضًا ما يُصحِّح أساليب الكلام التي لم تعُدْ تُستعمَل، أعني الكلمات التي عفا عليها الزمان، وتلك التي لم تعُد الأخلاق الحسنة تسمح باستعمالها، فقد اعتاد المؤلفون القدماء — الذين لم يكونوا يعرفون الرذيلة مُطلقًا — تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، دون اللَّفِّ والدوران المُستعمَل في القصور، وبعد ذلك ساد التَّرَف وعمَّتِ الرذيلة بدأ الناس ينظُرون إلى الأشياء التي عبَّر عنها القدماء دون بذاءة، على أنها بذيئة، ولم تكن هناك حاجة من أجل ذلك إلى تغيير الكتاب نفسه، ومع ذلك فقد جرَتِ العادة في القراءة العامة، مُراعاةً لضَعف نفوس العامَّة، على تسمية النكاح والاستِمناء بألفاظٍ غير مُلائمة، وهي الألفاظ نفسها الموجودة في الهامش. وأخيرًا، فمهما كان السبب الذي من أجله جرَت العادة على قراءة الكتُب وتفسيرها حسب التعليقات الهامشية، فإنه على الأقلِّ ليس كَون التفسير الصحيح هو بالضرورة ذلك الذي يسير وفقًا لهذه التعليقات. وبالإضافة إلى أن الأحبار أنفسهم في التلمود يبتعدون في كثيرٍ من الأحيان عن النصِّ الماسوريتي،٥٧ وكان لديهم نصوص أخرى يَرونها أفضل، كما سأُبَيِّن بعد قليل، فإنه يُوجَد في الهامش بعض التغييرات تبدو أقلَّ اتِّفاقًا مع الاستعمال اللُّغوي الجاري من النصِّ نفسه، فمثلًا يقول نصٌّ في سفر صموئيل الثاني (١٤: ٢٢): «إذا فعل الملك ما قال عبده.» وهو تركيب لغوي سليم تمامًا ومُتَّفق مع تركيب الآية ١٥ من الإصحاح نفسه، هذا على حين نجد في الهامش: «عبدك» وهو ما لا يتَّفِق مع الفعل الذي وُضع في صيغة ضمير الغائب. وبالمِثل يقول نصٌّ في الآية الأخيرة من الإصحاح ١٦ من السفر نفسه: «حسب (أي يُستشار) كلام الرب.» وفي الهامش كلمة أحد كفاعلٍ للفعل، وهي إضافة لا مُبرر لها؛ إذ إنَّ العُرف الشائع في اللغة جرى على استعمال الأفعال اللاشخصية في ضمير الغائب المُفرد المبني للمعلوم، كما يعلَم عُلماء اللغة جيدًا. وهكذا توجد تعليقات كثيرة لا يُمكن على أي نحوٍ تفضيلها على صيغة النص. أما حجَّة الفريسيين الثانية فيسهُل الردُّ عليها بعد الذي عرضناه، فقد قُلنا: إنَّ النسَّاخ قد نبَّهوا إلى الكلمات التي لم تعُد تُستعمَل بالإضافة إلى القراءات المشكوك فيها، ولا شكَّ أن كثيرًا من الكلمات في اللغة العبرية، كما في اللغات الأخرى، لم تعُد مُستعمَلة وأصبحت قديمة، وقد وُجِدت كلمات كهذه في التوراة نبَّه إليها كلها النسَّاخ المُتأخِّرون حتى تكون القراءة العامَّة وفقًا لعادة عصرِهم. فإذا كانت كلمة «نعر» قد دُوِّنت في كلِّ مكان، فذلك لأنها كانت من قبل مُشتركة بين الجِنسين (المذكر والمؤنث) وكان لها معنى الكلمة اللاتينية نفسها، وكذلك كانت عاصمة العبرانيين تُسمَّى قديمًا «أورشليم لا أورشلايم»، كذلك فإنه فيما يتعلَّق بالضمير هو، هي، فقد جرَت العادة على استبدال حرف الياء بحرف الواو (وهو تغيير شائع في العبرية) للدلالة على المؤنَّث، على حين لم يَعْتَدِ الناس في العهود الأقدم، تمييز المؤنث من المذكر في هذا الضمير إلَّا بحروف العِلَّة. وأخيرًا، فقد كانت الصِّيَغ الشاذَّة للأفعال تتغيَّر بدَورها من عصرٍ إلى عصر، وكان القدماء، تَوخِّيًا منهم للتأنُّق المُميِّز لعصرهم، يستعملون الحروف الزائدة: هاء، ألف، ميم، نون، تاء، ياء، واو. وأستطيع أن أُعطي أمثلةً كثيرة كهذه، ولكنِّي لا أودُّ أن أُضيع وقتَ القارئ بموضوعاتٍ ثقيلة. فإذا سألني سائل: من أين لي عِلم ذلك؟ أجبتُه قائلًا بأنِّي كثيرًا ما لحظتُ ذلك عند أقدم المؤلفين، أي في التوراة في حين لم يشأ المُحدثون اتِّباع هذه العادة، وهذا هو السبب الوحيد الذي تُوجَد من أجله في اللُّغات الأخرى، حتى اللغات المَيِّتة، كلماتٌ لم تعُدْ مُستعمَلة.
ولكن قد يُصرُّ أحد على أن يقول: ما دمتُ أُسلِّم بأن مُعظم التعليقات الهامشية قراءات مشكوك فيها، فلِمَ لا يُوجَد أكثر من قراءتَين للنصِّ الواحد؟ لِمَ لا تُوجَد أحيانًا ثلاث قراءات أو أكثر؟ كذلك قد يُعترَض عليَّ بأنَّ النصَّ في بعض الأحيان يُخالف بوضوح قواعد اللغة في حين تكون القراءة الموجودة في الهامش صحيحة، بحيث لا يمكن أبدًا الاعتقاد بأنَّ الناسخين قد توقَّفوا وتردَّدوا بين القراءتين، وهذا اعتراض يسهل الردُّ عليه، فردًّا على الحُجَّة الأولى أقول: إن بعض القراءات قد حُذفت واستُبقِيَ البعض الآخر، دون أن تُخبرنا مخطوطاتنا بكل ذلك، ففي التلمود نجِد صيغًا أهملها الماسوريُّون، وقد بلَغَ الفرق بين النصَّين في فقراتٍ كثيرة حدًّا من الوضوح جعل المُصحِّح لتوراة بومبرج،٥٨ الذي كان مُغرِقًا في الخُرافات، يُضطرُّ إلى أن يعترف في مُقدمته بأنه لا يعرف كيف يوفِّق بينها، فيقول: «إنَّ الإجابة الوحيدة التي يمكن إعطاؤها هنا هي التي أجبْنا بها من قبلُ وهي أنَّ من عادة التلمود مُناقَضة الماسوريِّين.» وإذن فلا أساسَ للتسليم بعدَم وجود أكثر من صياغَتَين للفقرة الواحدة، ومع ذلك، فإنِّي أُسلِّم مُقتنِعًا — وهذا هو رأيي الخاص — بأنه لم يُوجَد أبدًا أكثر من صياغتَين للنص الواحد؛ وذلك لسببين:
  • (١)

    لا يسمح مصدر تغييرات النص، كما أوضحْنا من قبل، بوجود أكثر من صياغتَين، لأنهما ينشآن في الغالِب من تَشابُه بعض الحروف، وإذن فقد كان الشكُّ ينصبُّ دائمًا على مسألة معرفة أي الحرفَين المُستعمَلَين دائمًا يجِب أن يُكتب: هل هو الباء أم الكاف، الياء أم الواو، الدال أم الراء … إلخ. وكثيرًا ما كان يحدُث أن يُعطي كلٌّ من الحرفَين معنًى مقبولًا. وفضلًا عن ذلك، فإن طول المقطع، أي كونه مُمتدًّا أو قصيرًا، يعتمد على هذه الحروف التي سمَّيناها حروف الوقف. وأخيرًا فليست كلُّ التعليقات قراءات مشكوكًا فيها، بل إن الدافِع على كثيرٍ منها، كما قُلنا هو اللياقة وشرْح لفظ قديم لم يعُد مُستعمَلًا.

  • (٢)
    والسبب الثاني لاعتقادي هذا هو أنَّ النسَّاخ لم يكن لديهم إلَّا عدد قليل من الأصول، وربما لم يكن لديهم أكثر من أصلَين أو ثلاثة. ولا تذكُر رسالة الكتَبة (الفصل السادس)٥٩ إلا شرحَين، ويُتوهَّم أنهما يرجِعان إلى عصر عزرا؛ لأنَّ الاعتقاد قد ساد بأنَّ عزرا هو كاتب هذه التعليقات. ومهما يكُن من شيءٍ فلو كانت هناك ثلاثة أصول لأمكَنَنا أن نتصوَّر بسهولةٍ اتِّفاق اثنين منها دائمًا على الفقرة نفسها، ويكون غريبًا حقًّا أن تُوجَد للفقرة نفسها ثلاثُ صياغات مختلفة في ثلاثة أصول، فأي قدَرٍ إذن ذلك الذي سبَّب هذا النقص في الأصول بعد عزرا؟ إنَّ المرء لن يعود يدهَش لذلك لو قرأ فقط الإصحاح الأول من سِفر المكابيِّين الأول أو الفصل الخامس من الكتاب الثاني عشر من «تاريخ اليهود القديم» ليوسف، بل إنه ليبدو مُعجزًا حقًّا أن يكون قد أمكن الاحتفاظ بهذا العدد القليل من النُّسَخ بعد كلِّ هذا الاضطهاد الطويل، وهو ما لا يُمكن أن يَشُكَّ فيه — على ما أعتقد — كلُّ من قرأ هذا التاريخ بقدْرٍ ولو ضئيل من الانتباه. هذه هي إذن الأسباب التي تجعلنا لا نجِدُ أكثر من قراءتَين في أي مكان، وبالتالي، فلا يُمكننا من هذا العدد القليل — أي القراءتَين — أن نستنتج أنَّ الفقرات التي تشرحها هذه التعليقات في التوراة قد كُتبت خطأ عن قصدٍ لتدُلَّ على سِرٍّ ما. أما الحجَّة الثانية القائلة بأنَّ النصَّ يُخطئ في بعض الأحيان إلى حدٍّ نستطيع معه التردُّد في الاعتقاد بأنه مُخالف للاستعمال الجاري في كلِّ العصور، وبالتالي فقد كانت المسألة، بسهولة، هي مسألة تصحيح للنص، لا وضع تعليق في الهامش، هذه الحجَّة لا أهتمُّ بها كثيرًا، فأنا لا أُصِرُّ على معرفة أي نوعٍ من الاحترام الديني أجبر النسَّاخ على عدم تصحيح النص. وربما قاموا بدافعٍ من النزاهة، حتى ينقلوا التوراة للخلَف كما هي بهذا العدد القليل من الأصول، وأرادوا أن يُصوِّروا التعارُض بين الأصول على أنه تنوُّع في الصيغة، وليس قراءاتٍ مشكوكًا فيها. والواقع أنني لم أُسمِّها قراءاتٍ مشكوكًا فيها إلَّا لأنِّي في أغلب الأحيان لا أعلم حقيقة أيهما أفضل. وبالإضافة إلى هذه القراءات المشكوك فيها نبَّهَ النُّسَّاخ (بتركهم مسافةً خالية في وسط الفقرة) إلى فقراتٍ كثيرة منقوصة يُحصيها الماسوريُّون بثمانٍ وعشرين فقرة منقوصة. ولا أدري إن كان هذا العدد في رأيهم يدلُّ بدَوره على سر، على أنَّ الفريسيين، على الأقل، يُراعون، بتقديسٍ ديني، مقدار هذه المسافة الخالية. ويُوجد مِثال في «التكوين» (إذ إنَّني أودُّ أن أُعطي مِثالًا واحدًا) (٤: ٨) يقول فيه النص: «وقال قايين لهابيل أخيه … فلمَّا كان في الصحراء قايين … إلخ.» وهنا لا نستطيع أن نعلم ماذا قال قايين لأخيه؛ فها هُنا جزء مفقود، وقد ذَكر النسَّاخ ثمانية وعشرين جزءًا قد فُقدوا من هذا النوع (بالإضافة إلى ما ذكرناه من قبل)، ومع ذلك، لا يبدو كثير من هذه الفقرات المذكورة منقوصة لو لم تكن هذه المسافة الخالية قد تُركت، ولكن حسبُنا ما قُلناه في هذا الموضوع.
١  (أخبار الأيام الثاني، ٣٢: ٣٢): «وبقية أخبار حزقيا وإحسانه مكتوبة في رؤيا أشعيا ابن آموصي النبيِّ وفي سِفر ملوك يهوذا وإسرائيل.»
وهي القصَّة التي تدور حول حِزقيا ملك يهوذا وملك آشور عندما أرسَلَ هذا الأخير جَيشًا للاستيلاء على أورشليم، ولكن بعد استشارة أشعيا الرب قرَّرَ حزقيا عدَم الاستسلام «وكان في تلك الليلة أنْ خرَجَ ملاك الربِّ وقتَلَ من جيش آشور مائةَ ألفٍ وخمسة وثمانين ألفًا، فلَمَّا بكَّروا صباحًا إذا هُم جميعًا أموات.» (الملوك الثاني، ١٨: ١٧–٣٧، ١٩: ١–٣٥) وهي القِصَّة نفسها الموجودة في أشعيا (٣٦، ٣٧).
٢   مثلًا نقرأ في سِفر الملوك الثاني (١٨: ٢٠): «قد قلتُ لكن ليس إلَّا كلام شفَتَين بضمير المُخاطب.» وقرأ في أشعيا (٣٦: ٥) «قد قُلتُ ليس سَورتكم واقتدراكم على الحرب إلَّا كلام شفَتَين.» مثل آخر: نقرأ في الآية ٢٢: «وإن قُلتُم لي.» في صِيغة الجمْع وفي نصِّ أشعيا في صِيغة المُفرَد. وفي نصِّ أشعيا لا نجِد هذه الكلمات التي في الآية ٣٢ من الإصحاح المذكور «أرض خُبزٍ وكروم، أرضُ زيتٍ وعسَلٍ وعِيشُوا ولا تموتوا.» هناك إذن صياغاتٌ مُختلِفة لا يَدري الإنسان أيها يختار.
٣  (الملوك الأول، ٣٩): «وبقية أخبار أحآب وجميع ما صنَعَ وبيت العاج الذي بُنِي وجميع المُدن التي بناها مكتوبة في سِفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل.»
يقصُّ الإصحاح الأخير (الخامس والعشرون) سِفر الملوك الثاني استيلاء نبوخذ نصر ملك بابل على أورشليم وهِيَ الرواية نفسها الموجودة في الإصحاح الأخير (الثاني والخمسين) من سِفر إرميا.
٤  يقصُّ سِفر صموئيل الثاني (الإصحاح السابق) ضِيق داود بِبَيتِهِ القديم ودَعوتِهِ ناتان ليَستشير الربَّ في بناء بيتٍ جديد، وهي الرواية نفسها في سِفر أخبار الأيام الأول (الإصحاح السابع عشر).
٥   مثلًا نقرأ في صموئيل الثاني (٧: ٦): «أني لم أسكُن بيتًا، بل كنتُ أسير في خباءٍ وفي مسكن.» ونقرأ في سِفر أخبار الأيام (١٧: ٥): «ولكنِّي كنتُ من خيمةٍ إلى خيمةٍ ومِن مظلَّةٍ إلى مظلَّة.» وذلك بتغيير بعض الكلمات، مَثل آخَر: نقرأ في الآية ١٠ من الإصحاح نفسه في صموئيل (الثاني): «وغرستُهُ» وفي أخبار الأيام الأول (الآية ٩): «وحطمته» وهناك اختلافات أخرى كثيرة أشَدُّ خطورة يمكن أن يُلاحِظ وجودَها بقراءةٍ واحدة مَن لم يَصِل إلى حدٍّ كبيرٍ من العَماء أو الغباء!
٦  ناثان Nathan نبيٌّ عاصر داود وارتبَطَ به يُقال إنَّهُ من أصلٍ كهنوتي يَبُوسي وإنه انضمَّ مع الغُزاة بعد الاستيلاء على أورشليم ولكن هذا احتمال ضعيف لأنَّ ناثان نبيُّ داود وداود نبيُّ الله الذي ارتَبَطَ به قلبًا وقالبًا، والأرجح أنَّ ناثان كان يهوديًّا Yahviste.
ويُعطينا سِفر صموئيل ثلاث صورٍ لناثان مع داود الأولى استشارة داود له بخصوص بناء مسكنٍ ليَهوه (صموئيل الثاني، ٧: ١–١٧)، والثانية عتاب ناثان لدواد بخصوص أوريا Urie وبتشابع Bethsabée (قتَلَ داود أُوريا وضاجَعَ زوجَتَهُ بتشابع وأَوْلَدَها سليمان)، والثالثة تأييده لتنصيب سُليمان خلفًا لداود (الملوك الأول، ١: ١١–٤٠) وقد كتب لسنج مسرحية ناثان الحكيم Nathan der Weiser وأخَذَه رمزًا للتَّسامُح الديني.
٧   لا يُشير هذا النصُّ إلَّا إلى وقتِ بَيع يوسف ولا يثبُتُ ذلك من السِّياق وحدَه بل أيضًا من عُمر يهوذا الذي بلَغَ يومئذٍ اثنتين وعشرين سنةً على أكثر تقديرٍ لو أمكن حِساب السِّنين من رواية الإصحاح السابق. ونجد بالفعل في الإصحاح ٢٩، الآية الأخيرة من التكوين أنَّ يهوذا وُلِد في السنة العاشرة بعد أن بدأ البطريق يَعقوب خدمة لابان، وَوُلِد يوسف في السنة الرابعة عشرة. ولَمَّا كان عُمر يوسف عند بيعه سبعةَ عشر عامًا كان عُمر يهوذا إحدى وعشرين سنةً لا أكثر، وبالتالي فإنَّ مَن يعتقدون أنَّ هذه الغَيبة الطويلة ليهوذا سابقة على بيع يوسف يُموِّهون على أنفسهم من يعتقدون قلقًا على قُدسِيَّة الكتاب أكثر مِمَّا يُظهرون إيمانهم بها (واضِح أن سبينوزا يُؤسِّس العقيدة على العقل).
٨  (التكوين، ٣٦: ٣١–٣٩) تذكر الآيات أسماء ملوك أدوم: بالِع، يوباب، حوشام، هدد، سملة، شاءول، حانان، هور. وبعد ذِكر الاسم تذكُر مدينته التي حكَمَها. وتَجِد النص نفسَه في أخبار الأيام الأول (١: ٤٣–٥٠).
٩  قصة يهوذا وثامار مذكورة في الإصحاح ٣٨ من سِفر التكوين. ثامار هي زوجة ابن يهوذا وطبقًا لبعض المصادر اليهودية Yahviste التي تتحدَّث عن مَنشأ سِبط يهوذا، كانت ثامار زوجة عير Eir وعندما تُوفِّي تزوَّجَها أونان Onan (طبقًا لقانون زَواج الأخ بزَوجةِ أخيه المُتوفَّى) ورفض أن يُنجِب منها فمات، وكان ليهوذا ابنٌ ثالثٌ خَشِيَ عليه من زَواجِهِ من ثامار حتى لا يُميتَهُ الربُّ فأبعد ثامار وأرسلها إلى أبيها، ولكنَّ ثامار انتقمَتْ لذلك، فبعد أن تُوفِّيَت زوجة يهوذا تنكَّرَت ثامار في زيِّ عاهِر وذهبَتْ إلى يهوذا فوقَعَ عليها وأنجَبَت تَوءمَين فاراص Pharès وهو من أجداد داود وزاراح. وقد ذُكِر يهوذا مع أُمِّه في نَسَب المسيح (متَّى، ١: ٢٣، لوقا، ٣: ٣٣).
١٠  (التكوين، ٤٧: ٨-٩): ٨: «فقال له فرعون: كم أيام سِني حياتك؟» ٩: «فقال له يعقوب: أيام سِني غُربتي مائةً وثلاثون سنة، قليلة ورديئة أيام سِني حياتي ولم تبلُغ أيام سِني حياة آبائي أيام غربتهم.»
١١  طبقًا لأنساب التوراة راحيل Rachel هي ابنة لابان Laban والزوجة المُفضَّلة ليعقوب (التكوين، ٢٩: ٦–٣٠) وهي أم يوسف وبنيامين (التكوين، ٢٠: ٢٢–٢٤، ٣٥: ١٦–١٨) وماتت بعد ولادته.
١٢  ليئة Lia هي الزوجة الأولى ليعقوب وأم رأوبين Ruben وشمعون Simeon ولاوي Levi ويهوذا Juda ويساكر Issachar وزبولون Zabulon ودينة Dina (التكوين: ٢٩-٣٠).
١٣  دينة Dina هي ابنة يعقوب وليئة اغتصبها شكيم (التكوين، ٣٤) وانتقمت عشيرة يعقوب لذلك بذَبْحِها عائلة شكيم عن آخِرها.
١٤   يرى البعض أنَّ رحلة يعقوب من العراق إلى بيت إبل Bethel قد استغرقَتْ بين ثماني وعشر سنوات ولكن هذا الرأي مع تقديري لابن عزرا Aben Ezra يدلُّ على الغباء فقد كان يعقوب في لهفةٍ من رؤية والِدَيه (المُسنَّين) بل في لهفةٍ من الوفاء بالنَّذْر (الذي وعدَ به عند هروبه من أخيه) (انظر: التكوين، ٢٨: ١٠، ٣١: ١٣، ٣٥: ١) فأسرَعَ بقدْر استطاعته (وقد ذكَّرَه الله أيضًا بالوفاء بنذرِه (التكوين، ٣١: ٣، ١٣) ووعده بمُساعدَتِه وإرجاعه إلى وطنه). فإذا فضَّل البعض مع ذلك إيجاد أسبابٍ لهذه الافتراضات فإني أوافِقُهم على ذلك، لقد دامَتْ رحلة يعقوب بين ثماني وعشر سنوات وإن شئنا أكثر من ذلك. وقد عارَضَه القَدَر أكثر مِمَّا عارَضَ أوليس Ulysee بالرغم من قصر المسافة التي كان عليه أن يَقضِيَها. ولكن على أقلِّ تقديرٍ لا يُمكِنُنا إنكار مَولد بنيامين Benjamin في السنة الأخيرة من هذه الرحلة أي، حسب فرضهم، في السنة الخامسة عشرة أو السادسة عشرة تقريبًا بعد ميلاد يوسف؛ لأن يعقوب ترك لابان بعد ميلاد يُوسف بسبع سنوات. إذن لا يُمكِنُنا أن نَعُدَّ منذ بلوغ يوسف عامه السابع عشر حتى وصول البطريق نفسه إلى مصر أكثَرَ من اثنتَين وعشرين سنة كما بَيَّنَّا في هذا الفصل. حينئذٍ كان عُمر بنيامين من ذلك الوقت عندما رحل إلى مصر على أكثر تقديرٍ ثلاثةً وعِشرين أو أربعةً وعشرين عامًا أي إنَّهُ وهو في زَهرة العُمر كان له أحفاد (قارن نص التكوين، ٤٦: ٢١، مع العدد، ٢٦: ٣٨–٤٠، ومع أخبار الأيام الأول، ٨ أو ما بعدها) فقد أنجب بالغ Bela بكر بنيامين ولَدَين أرد Ared ونعمان Naaman وهذا لا يقلُّ في مُناقضَتِهِ للعقل عن الاعتداء على دينة Dina وهي بنت السابعة وكغَيرها من الوقائع المشكوك فيها التي وجَدْناها في هذه القصة. يبدو إذن عندما يُحاول الأنبياء الخلاص من بعض المُشكلات فإنَّ مُشكلاتٍ أخرى تُقابِلهم لا يستطيعون منها خلاصًا.
(التكوين، ٢٨: ١٠): «وخرج يعقوب من بئر سبع إلى حاران.»
(التكوين، ٣١: ١٣): «أنا إله بيت إيل حيث مسحتَ النُّصب ونذرتَ لي نذرًا والآن قُم فاخرُج من هذه الأرض وارجِعْ إلى أرض مولدك.»
(التكوين، ٣٥: ١): «ثم قال الله ليعقوب قُم فاصعد إلى بيت إيل وأقِم هناك واصنع هناك مذبحًا لله الذي ظهَرَ لك عند هربِكَ من وجه عيسو أخيك.»
(التكوين، ٣١: ٣، ١٣): ٣: «قال الربُّ ليعقوب ارجِع إلى أرض آبائك وعشيرتك وأنا أكون معك.» ١٣: «أنا إله إيل …» (الآية الثانية السابقة).
(التكوين، ٤٦: ٢١): «وبنو ببنيامين بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وأيمي وروش ومفيم وحفيم وأرد.»
(العدد، ٢٦: ٣٨–٤٠): ٣٨: «أولئك بنو يوسف بعشائرهم، وبنو بنيامين بعشائرهم عشيرة البالعِيِّين لبالِع وعشيرة الإشبيلِيِّين لإشبيل وعشيرة الأحيرامِيِّين لأحرام.» ٣٩: «وعشيرة الشفوفامِيِّين لشفوفام وعشيرة الحوفامِيِّين لحوفام.» ٤٠: «وكان ابنا بالِع أرد ونعمان فعشيرة الأردِيِّين لأرد وعشيرة النعمانيِّين لنعمان.»
(أخبار الأيام الأول، ٨: ١–٥) ١: «وبنيامين ولَد بالِع بِكرُه والثاني أشبيل والثالث أحرح.» ٢: «الرابع نوحة والخامس رانا.» ٣: «وكان بنو بالع أدار وأبيهود.» ٤: «وأبيشوع ونعمان وأحوح.» ٥: «وجيرا وشفوفان وحورام» (الآيات من ذكر المُترجم).
١٥  شمعون Simeon طبقًا للتوراة ابن يعقوب وليئة واسمٌ لأحَدِ الأسباط الاثنَي عشَر (التكوين، ٢٩: ٣٣).
١٦  لاوي Lévi طبقًا للتوراة هو الابن الثالث ليعقوب وليئة (التكوين، ٢٩: ٣٢) وكان حادَّ الطبع انتقَمَ انتقامًا شديدًا مع أخيه لِمَا حدَث لأخته دينة (التكوين، ٣٤: ٢٥–٣١) وقد لام يعقوب وهو يَحتضِر الابنَين معًا ودعا على لاوي بحِرمانه من الأرض المُقدَّسة وبالتالي حرمان سِبطه، كما يُقال اسمه على مجموعة من القوانين الكهنوتية (السِّفر الثالث من الأسفار الخمسة).
١٧  (القضاة، ٢: ٦): «وصرف يشوع الشعب فانطلَقَ بنو إسرائيل كلُّ رجلٍ إلى مِيراثه ليمتلكوا الأرض … إلخ.»
١٨  (يشوع، ٢٤: ٢٩–٣٣) تقصُّ الآيات مَوت يشوع ودفنه ويبدأ سِفر القضاة (القضاة، ١: ١) في رواية الحوادث بعد موته.
١٩   أي ألفاظ أخرى وبترتيبٍ آخر غير ما هو موجود في سفر يشوع.
٢٠  يذكُر الإصحاح السادس عشر من سِفر الملوك الأول استدعاء شاءول لداود (١٦: ١٧–١٩) ١٧: «فقال شاءول لعبيده انظروا لي رجلًا يُحسِن الضرب وَأْتُوني به.» ١٨: «فأجاب أحد العُلماء وقال رأيتُ ابنًا ليس من بيت لحْم يُحسِن الضربَ وهو جبَّار ذو بأسٍ ورَجُل حربٍ حصيف الكلام حَسَن المنظر والربُّ معه.» ١٩: «فأنفذ شاءول رُسُلًا إلى يَسي وقال له ابعث إليَّ داود ابنك الذي مع الغنم …»
أما الإصحاحان السابع والثامن عشر فإنهما يذكُران سببًا آخر. (١٧: ١٥): ١٥: «وأما دواد فكان يذهَبُ ويرجِعُ من عند شاءول ليرعى غنَمَ أبيه في بيت لحم.» ٣١: «فسمع الكلام الذي تكلَّم به داود وتحدَّثوا به أمام شاءول فاستحضَرَه … إلخ.» ويدلُّ تكرار القصة نفسها في إصحاحَين مُتقارِبَين من السِّفر نفسه (الإصحاح ٢٤، والإصحاح ٢٥) على تجميع التوراة من نصوصٍ مُتفرِّقة دُون ترتيبٍ أو حذف.
أما جوليات Goliath من جنس الرفائيميِّين Réphaïm وهم سُكان كنعان القُدماء المشهورون بقامَتِهم الطويلة (التثنية، ٣: ١١) فقد قُتِل على يَدِ إلحانان Elhanan من بيت لحْم (صموئيل الثاني، ٢١: ٩) وقد يكون إلحانان هذا هو داود نفسه. ويُعتَبَر جوليات نموذجًا للوثَنيِّ الجدي على يهوه.
٢١  (الملوك الأول، ٦: ١): «وكان في السنة الأربعمائة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر في السنة الرابعة من مُلك سليمان على إسرائيل في شهر زيو وهو الشهر الثاني أنه بنى البيت للرب.»
٢٢  كوشان رشعتائيم Chusan Rasathaïm اضطهد إسرائيل واحتل أرضَها أيام القُضاة لمُدَّة ثماني سنوات بعد مَوت يشوع ولكن قاضي يهوذا عتنئيل Otheniel هزمه وحرَّر إسرائيل.
٢٣  عتنئيل بن قاناز Otheniel fils de Qénaz هو الأخ الأكبر لكالب Caleb وساهم في غزو أراضي عبرون Hébron مع عشيرة أخيه كما يذكُر سفر يشوع (يشوع، ١٥: ١٣–١٩) وكان على رأس القضاة، وقد انتصر على ملك أدوم Edom الذي استعبَدَ الإسرائيليِّين مُدَّة ثمانية أعوام (القضاة، ٣: ٧–١١).
٢٤   يعتقد الحبر لاوي بن جرشون Lévi ben Gerson وكثيرون غيره أنَّ هذه السنوات الأربعين المذكورة في الكتاب المُقدس التي تحرَّر فيها العبرانيون تبدأ من موت يشوع وتشمل أيضًا السنوات الثانية التي حكم فيها كوشان رشعتائيم Chusan Rasathaïm كما تشمل السنوات الثماني عشرة التالية مع السنوات الثمانين التي كان أهود Aod وشمجر Samfar فيها قُضاة وتشمل أيضًا سنوات العبودية في السنوات التي قضاها العبرانيون أحرارًا كما يشهد الكتاب. وكما أنَّ الكتاب يُعطي صراحة عدد سنين العبودية وعدد سنين الحُرية ويروى في الإصحاح الثاني، الآية ١٨، أنَّ في عصر القُضاة كانت أمور العبرانيين مُزدهرة دائمًا فإنَّنا نرى بوضوحٍ أن هذا الحبر، وهو صاحب العلم الغزير، كغيره من الأحبار الذين حاوَلوا على أثرِه حلَّ هذه المُشكلات، نراهُم قد صحَّحوا الكتاب أكثر مما شرَحوه، وهذا ما يفعله أيضًا من يعترِفون بأنَّ الكتاب، بافتراضِه المجموع الكُلِّي للسنين منذ الخروج من مصر عندما أرادوا أن يَعُدَّ فقط الفترات التي وُجِدت فيها الدولة اليهودية الشرعيَّة regulier، ولم يستطع أن يُدخل في حسابه — في رأي هؤلاء — سنوات الفوضى والعبودية فقد اعتبرَها سنوات شقاءٍ وفترات انتقال في الحكم. صحيح أن الكتاب لا يذكر أوقات الفَوضى، ولكنَّه لم يتعوَّد أن يُسقِط من تَواريخه سنوات العبودية التي يُعطينا عدَدَها كما يُعطينا عدد سنواتِ التحرُّر. ليست هذه الشروح إذن إلَّا أضغاث أحلام. ومن الواضِح للغاية أنَّ عزرا Esdras أراد في سِفر الملوك الأول إدخال السنواتِ التي مضَتْ منذ الخروج من مصر في حساب عدد السنين ولا يستطيع أن يشكَّ في ذلك عالِم بالكتاب. ولسْنا في حاجة إلى ذكر النص الحرفي لنرى أن نسَب داود في آخِر سفر راعوت Ruth وفي أخبار الأيام (الأول والإصحاح الثاني) لا يسمح بسهولةٍ بإعطاء مِثل هذا المجموع الكبير لأنَّ نحشون Nahasson كان رئيس سِبط يهوذا بعد الخروج من مصر بسنتَين (انظر: العدد، ٧: ١١-١٢) ومات في الصحراء، وكان ابنه سليمان — حسب نسَب داود — الثالث لداود، فإذا طرحْنا من مجموع ٤٨ سنة الأربع سنوات التي حكَمَ فيها سُليمان بالإضافة إلى السبعين عامًا التي عاشَها داود والأربعين سنة التي قضَوها في الصحراء نجِد أنَّ داود وُلِد سنة ٣٧٧ بعد عبور نهر الأردن وبالتالي يجِب أن يُنجِب أبوه وجدُّه الثاني وجدُّه الثالث مع أنَّ كلًّا منهم عاش تِسعين عامًا! لاوي بن جرسون Lévi ben Gerson (١٢٨٨–١٣٤٤) من أكبر عُلماء اليهود في إسبانيا في القرن الرابع عشر، كان عالمًا في الرياضة والفلك وله بعض المُخترَعات في أجهزة الإبصار وشارح لكثيرٍ من أسفار التوراة وأعمال ابن رُشد وكتابه الأساسي «ملحمة الرب» Milhamôt Adonai الموضوعات الفلسفية في العصر الوسيط، الله، خلق العالم، العقل الفعَّال، النفس … إلخ. أهود Aod بن جيرا البنيامين هو أحد قضاة بني إسرائيل كان أعْسرَ ولكنه استطاع أن يقتُل عجلون ملك مؤاب بعد أن قدَّم هدية له وهو مُخبِّئ سيفَه على فخذِه وطعنَهُ به بعد أن سلَّمَه الهدية. شمجر Samgar بن عنات هو أيضًا أحد القضاة الصغار (القضاة، ٣: ٣١) يُقال إنه قَتل ٦٤٠ فلسطينيًّا بإبرة! (وقام من بعده شمجر بن عنات فقتل من أهل فلسطين ستمائة رجل بمنساسِ البقر وخلَّص هو أيضًا إسرائيل). (القضاة، ٢: ٢٨): «فلمَّا أقام الربُّ عليهم قُضاة كان الربُّ مع القاضي فكان يُخلِّصهم من أيدي أعدائهم كلَّ أيام القاضي لأنَّ الربَّ رحِم أنينَهم من ظالميهم ومُضايقيهم.» فيما يتعلق بعزرا، انظر الهامش ٣٠، من الفصل الخامس.(الملوك الأول، ٦: ١): «وكان في السنة الأربعمائة والثمانين لخروج بني إسرافيل من أرض مصر في السنة الرابعة من مُلك سُليمان على إسرائيل في شهر زيو وهو الشهر الثاني أنه بنى بيتًا للرب.» (راعوث، ٤: ١٨–٢١): ١٨: «وهذه مواليد فارص، فارص ولد حصرون.» ١٩: «وحصرون ولد راما ورام ولد عميناداب.» ٢٠: «وعميناداب ولد غشون وغشون ولد سلمون.» ٢١: «وسلمون ولد بوعز وبوعز ولَد عوبيد وعوبيد ولد يسي ويسي ولد داود.» (أخبار الأيام الأول، ٢: ٣–١٥): ٣: «وبنو يهوذا عير وأونان وشيلة، وكان عير بِكر يهوذا شريرًا في عين الرب فأماته.» ٤: «وولدت له تامار كنَّته فارص …» ٥: «وابنا فارص حصرون وحامول.» … ٩: «وبنو حصرون الذين ولدوا له يرصمئيل ورام وكلوباي.» ١٠: «ورام ولد عميناداب وعميناداب ولد غشون رئيس بني يهوذا.» ١١: «وغشون ولد سلما وسلما ولد بوعز.» ١٢: «وبوعز ولد عوبيد وعوبيد ولد يسي.» ١٣: «ويسي ولد بكره ألياب والثاني أبيناداب» … «والسابع داود.» (العدد، ٧: ١١-١٢): ١١: «فقال الرب لموسى رئيس واحد في كل يوم يقرب قربانه لتدشين المذبح.» ١٢: «فكان الذي قرَّب قربانه في اليوم الأول غشون بن عميناداب من سبط يهوذا.» (تخريج الآيات من عمل المترجم).
٢٥  عجلون Eglon هو ملك مؤاب أخضع سبط بنيامين وأجبرهم على دفع الجزية وقتَلَه أهود Aod القاضي الصغير (القضاة، ٣: ١٥–٢٦).
٢٦  انظر تعليق سبينوزا السابق وتخريجات نصوصه.
٢٧  يابين Jabin هو ملك كنعان الذي حكم حاصور Hazor (القضاة، ٤، ١١) وسار في إسرائيل مدة عشرين عامًا وأهم اختراعاته العربات الحديدية (المزامير، ٤: ٢٣-٢٤).
٢٨  المدينيون Madianites قبائل بدو من أصل عربي كانت ترعى في شرق خليج العقبة وكانت قوافلهم تسير من جنوب كنعان إلى مصر (التكوين، ٣٧: ٢٨) وقد تزوج موسى ابنة كاهن مديني (الخروج، ٢: ١٥–٢١). وقد حاولت بعض هذه القبائل مُعارضة تقدُّم الإسرائيليين عندما وصلوا إلى سهول مؤاب بالسِّحر مرة وبالفساد مرة أخرى (العدد، ٢٢: ٧، ٢٥: ٦–١٨)، وفي عصر القضاة وصلوا إلى سهل إزرائيل Yizréel ولكن جدعون هزمهم.
٢٩  انظر الهامش ٣٣، من الفصل الأول.
٣٠  انظر الهامش ٢٨ من الفصل الثالث، والهامش ١١ من الفصل الأول.
٣١  تولع بن فوأة Thola fils de Phua أحد القضاة الصغار من قبيلة يساكر Issachar وظلَّ قاضيًا لمدة ثلاثة وعشرين عامًا (القضاة، ١٠: ١-٢).
٣٢  ياعير Jair هو ياعير الجلعاوي تولَّى القضاء في إسرائيل اثنين وعشرين عامًا وكان له ثلاثون ابنًا (القضاة، ١٠: ٣–٥) وهو غير يائير الذي يُسمَّى في الأسفار الخمسة ابن منسي Manasse! (العدد، ٣٢: ٤١، التثنية، ٣: ١٤) أو والد مردخاي البنيامين (استير، ٢: ٥) أو والد إلحانان (صموئيل الثاني، ٢١: ١٩، أخبار الأيام الأول، ٢٠: ٥).
٣٣  بنو عمون Ammonites قبائل سامية بينها وبين الإسرائيليين صِلة قرابة حسب التوراة وقد هَزموا الإسرائيليين في أثناء حُكم القضاة (القضاة، ١٠: ٨-٩) ولكن يفتاح Jephté خلَّص بلاد جلعاد (القضاة، ٢١) كما هزمها شاءول، ثم أرسل لهم داود حملتَين وهزمَهم (صموئيل الثاني، ١٠–١٢) وفي نهاية مملكة يهوذا كان عمون من بين الدويلات الصغيرة التي حاربت بابل (إرميا، ٢٧: ٣) وقد لعنَهم كثير من الأنبياء: عاموس (١: ١٣–١٥)، صفنيا (٢: ٨–١١)، إرميا (٤٩: ١–٦)، حزقيال (٢٥: ٣–٧).
٣٤  يفتاح Jephté قاضٍ من قضاة إسرائيل لمدة ستِّ سنوات، نشأ في جلعاد وطردَه إخوته من نزل أبيه لأنه كان ابنًا غيرَ شرعي ثُم أصبح رئيسًا لعصابة، ولكنَّ مواطنيه رجَوه تخليصهم من بني عمون فقبِل بشرط تنصيبِهِ رئيسًا، ولكي يطمئنَّ من النصر وعد الله بأن يُضحِّي له بأوَّل من يُقابلهم في الطريق بعد عودتهم، وكان ذلك الشخص ابنته الوحيدة! (انظر أمثال هذه الرواية في الملوك الثاني، ٣: ٢٧، ٢٣: ١٠، الأحبار، ١٨: ٢١).
٣٥  أبيصان Abesan أحد قُضاة بني إسرائيل (القضاة، ٢-١: ٨–١٠) من بيت لحم حكم جزءًا من إسرائيل واستمر حكمه سبع سنوات وكان له ثلاثون ولدًا وثلاثون بنتًا.
٣٦  أيلون الزابولوني Ahialon Zabulonite (في السبعينية Ailwn) من قبيلة زبلون وظلَّ قاضيًا في إسرائيل عشرة أعوام، ويُعتبر القاضي الحادي عشر.
٣٧  عبدون الفرعتوني Abdon Pharathonite هو أحد قضاة إسرائيل في القرن الثاني عشر قبل الميلاد وظلَّ في القضاة ثمانية أعوام في سبط أفائيم Ephaim (القضاة، ١٢، ١٣).
٣٨  انظر الهامش ٣٤، من الفصل الأول.
٣٩   يُمكننا الشكُّ في انتماء هذه السنين العشرين إلى سنوات الحرية أو إلى الأربعين سنةً السابقة عليها مباشرةً التي خضع فيها الشعب لنَير الفلسطينيين. أما رأيي الخاص فإني أُرجِّح — وهذا أيضًا أقرب إلى التصديق — تحرُّر العبرانيين بعد أن أهلك شمشمون أكبر عددٍ من الفلسطينيِّين ولذلك لم أُضِف العشرين سنة التي حكم فيها شمشمون إلى سنوات نَير الفلسطينيين إلَّا لأنَّ شمشمون وُلد منذ سيطرة الفلطسينيين على العبرانيين فضلًا عن أنَّ «رسالة السبت» تذكُر كتابًا مُعيَّنًا من أورشليم يُذكَر فيه أن شمشمون حكم الشعب أربعين سنة، ولكن الأمر لا يتعلَّق بهذه السنين وحدَها.
٤٠  انظر الهامش ١٠، من الفصل الأول.
٤١  (القضاة، ٢: ٧–١٠): ٧: «وعبد الشعب الربَّ كلَّ أيام يشوع وكلَّ أيام الشيوخ الذين امتدت أيامهم إلى ما بعد يشوع.» ٨: «وعاينوا كلَّ أعمال الربِّ العظيمة التي عمل لإسرائيل.» ٩: «ودفن في أرض ميراثه …» ١٠: «وكل ذلك الجيل انضموا أيضًا إلى آبائهم ونشأ من بعدهم جيل آخر لا يعرف الرب ولا صنع لإسرائيل.»
٤٢  (صموئيل، ٢٧: ٧): «وكان عدد الأيام التي سكن فيها داود في بلاد الفلسطينيين سنة وأربعة أشهر.»
٤٣  (صموئيل الأول، ٧: ١٠-١١): ١٠: «وكان أنه بينما صموئيل يصعد المحرقة أقبل الفلسطينيُّون لمُحاربة إسرائيل فأرعد الربُّ بصوتٍ عظيم في ذلك اليوم على الفلسطينيِّين وأزعجَهم فانهزموا من وجه إسرائيل.» ١١: «فخرج رجال إسرائيل من المصفاة وطاردوا الفلسطينيِّين وضربوهم إلى ما تحت بيت كار.»
(صموئيل الأول، ١٣: ٢٢-٢٣): ٢٢: «فلما حان وقت الحرب لم يُوجَد سيف ولا رُمح في أيدي جميع الشعب …» ٢٣: «وخرجت طلائع الفلسطينيين إلى معبر مكماش.»
ويقصد سبينوزا هنا أنَّ الشعائر والطقوس لم تُعطِ اليهود أية سعادة (انظر الهامش ١٥، من الفصل الثالث).
٤٤  يحتوي هذا الجزء من السِّفر على قصة النبي ميخا وقصة الحروب بين بني إسرائيل وبين بني بنيامين دون أي تحديد للسنين.
٤٥  (الملوك الثاني، ١: ١٧): «فمات بحسب كلام الرب الذي تكلَّم به إيليا وملك يورام أخوه مكانه في السنة الثالثة ليورام بن يوشافاط ملك يهوذا لأنه لم يكن له ابن، لتحقيق الشخصيتين، (انظر الهامش ٢٤، من الفصل الثاني).
٤٦  (الملوك الثاني، ٨: ١٦) وفي السنة الخامسة ليورام بن أحآب ملك إسرائيل ويوشافاط ملك يهوذا ملك يورام بن يوشافاط ملك يهوذا.
٤٧  عمري Amri هو سادس ملوك إسرائيل (٨٨٥–٨٧٤) مؤسِّس الأسرة الرابعة، نُصِّب ملكًا بعد أن قتل الملك زمري Zimri الملك أيله Ela، حاصر عمري مدينة ترصه Tirsa وبداخلها زمري الذي قام بحرقِها وهلك فيها (الملوك الأول، ١٦: ١٥–١٨) ثُم قام بعد ذلك ببناء عاصمة جديدة له وهي السامرة (سنة ٨٨٠) وامتدَّ سُلطانه على مؤاب وزوَّج ابنه أحآب Achiab   لإيزابيل Jézabel   بنت أتبعل Ithobaal ملك صيدا ولكنه تنازل عن بعض المُدن إلى بنهدد الأول Benhadad I ملك دمشق (الملوك الأول، ٢٠: ٣٤، ٢٢: ٣)، وأخيرًا، أنهى حوادث الحدود مع مملكة يهوذا، وكان ملكًا حاسمًا حتى لقد سُمِّيت مملكة إسرائيل «منزل عمري».
هناك ملكان باسم أحزيا Ochozias الأول، وهو ما يقصده سبينوزا ثامن ملوك إسرائيل (٨٥٣-٨٥٢) ابن أحآب وخليفته، حدث أن وقع من النافذة فأرسل رسُلًا لاستشارة الإله بعل-زبوب Baal-Zéboub وتنبَّأ لهم بأنَّ الملك لن يقوم من سقوطه مُطلقًا (الملوك الثاني، ١: ١–٨) والثاني هو سادس ملوك يهوذا (سنة ٨٤١) ابن يورام وعتاليا.
٤٨   وإلا فإنَّنا نُصحِّح كلمات الكتاب أكثر من شرحِنا لها.
٤٩  لا يقصد سبينوزا من ذكر أبولُّو إلَّا التشبيه أي القُدرة على كلِّ شيءٍ، وفي ترجمة أخرى يكتفي بالمعنى.
٥٠  هذه الإشارة التي يُعطيها سبينوزا عن طفولته تؤيِّد الفكرة القائمة التي يؤيِّدها بيل P. Bayle بأنَّ رسالة سبينوزا في اللاهوت والسياسة هي استمرار للهجوم Apologie الذي كتبَهُ بالإسبانية وقتَ انفصاله عن السلطات الدينية اليهودية؛ لأنَّ سبينوزا هنا يُوحي بأنه يُدافع عن نفسه، ومن الواضح أنَّ هذا الهجوم يحتوي على الأفكار الأولى التي أفاض فيها سبينوزا بعد ذلك في الرسالة.
٥١  تدلُّ هذه الفقرة على أنَّ اتجاه سبينوزا العقلي مع حدَّتِه وصرامته يَلين ويَلطُف في بعض الأحيان دون أن يُساوِم العقل.
٥٢  الشروح ترجمة Leçons التي تعني في الحقيقة التغييرات المُختلفة للنصِّ الواحد، فهي في الوقت نفسه شروح وإضافات وتغييرات وصِيَغ وقراءات، وفي بعض الأحيان الدروس المُستفادة من النصِّ والعِبرة منه، ولكنَّنا فضَّلنا لفظَ الشروح الذي قد يجمَع كلَّ هذه المعاني.
٥٣  الكباليُّون Cabalistes أو Kabbale من Kabalistes التي تعني في العبرية «مأثور» Tradition ومنذ القرن الثاني عشر تدلُّ الكلمة على تيَّار لاهوتي صُوفي يهودي نشأ كردِّ فعلٍ على التيار العقلي الذي يُمثِّله موسى بن ميمون وأسسه إسحاق الأعمى Issac l’Aveugle من مدينة نيم Nîmes في جنوب فرنسا وأشهر نصٍّ فيه يُسمَّى زهر Zohar. وتفسَّر القبالة التوراة تفسيرًا رمزيًّا وهي تعترِف بالمعنى اللفظي، ولكنها ترى أنَّ النصَّ يحتوي على معنًى رُوحي لا يعرفه إلَّا السالِكون ويعتمِد التفسير على المبادئ الثلاثة الآتية:
(١) الإبدال Substitution: إبدال كل حرف من حروف الأبجدية بحرفٍ آخر طبقًا لبعض القواعد.
(٢) المعادلة العددية Equivalence numérique أو Gématrie أي عدُّ القيمة العددية لكلِّ حرفٍ ولكلِّ كلمةٍ واستنتاج المعاني من الحساب النهائي. مثلًا تعادل أول كلمتَين في سفر التكوين القيمة العددية ١١١٦ التي نجِدها في هذه العبارة «خلق في أول السنة.» أي أن خلْق العالم قد تمَّ في أول السنة اليهودية.
(٣) إشارات الحروف الأولى l’indication des initiales أي إنَّ كلَّ حرفٍ من حروف الكلمات الأولى يكوِّن كلماتٍ ثانية والعكس صحيح أيضًا كلُّ حرفٍ من الكلمات الثانية تكوِّن الكلمة الأولى، مثلًا تكوين الحروف الثلاثة الأولى في كلمة آدم الحروف الأولى لآدم (الألف) وداود (الدال) والمسيح (الميم) أي إنَّ المسيح ابن آدم وداود!
وبالإضافة إلى هذه التأويلات الباطنية التي نجِد ما يُشابِهها عند الشِّيعة خاصَّة الإسماعيلية تؤمِن القبالة أيضًا بتناسخ الأرواح Métépsychose وبالتنجيم والسحر وقراءة الكف Chiromancie.
كان لا بُدَّ لسبينوزا من مُهاجمة هذه التأويلات الباطنية لأنها تربِط المعاني الرُّوحية في الكتاب بمظاهرها المادية في الكلمات والحروف والرسوم والزخارف التي يُزيِّن بها النُّسَّاخ كتاباتهم وذلك في جنون عبادة الحرف، وبالتالي رفَضَ سبينوزا أن يكون للترنيم أو للتغنِّي بالآيات أي قيمةٍ دينيَّةٍ كما يرفُض آثار القديسين Reliques التي تحتفظ بها الطوائف الدينية (بقايا من عظام ودم وشَعر وأظافر) أو الخبز hostie الذي يضعه الكاثوليك تحت اللِّسان بعدَ القُدَّاس رمزًا للتناوُل فكلُّ ذلك مظهر من مظاهر الوثنيَّة.
٥٤  (صموئيل الأول، ١٣: ١): «وكان شاءول ابن سنةٍ في مُلكه وملَك سنتَين على إسرائيل.»
٥٥   يُسمَّى كارياتيايم Cariathiarim أيضًا بعل يهوذا Bagal Juda وهذا ما جعل القمحي Kimhi وآخرين يفترضون أنَّ كلمات بعل يهوذا التي ترجَمَتُها شعب يهوذا، اسم المدينة. وهم مُخطئون لأنَّ كلمة بعل في صيغة الجمع، وإذا قرأنا نصَّ صموئيل هذا من نص الأخبار الأول رأيْنا أن داود لم يشرَع في الرحيل من بعل بل شرَع في الذهاب إليها، فلو أراد مؤلِّف سفر صموئيل أن يُشير إلى المكان الذي حمل فيه داود التابوت لقال بالعبرية وقام داود ورحل … إلخ، من بعل يهوذا وحمل من هناك تابوت الله.
(القمحي هو موسى بن يوسف القمحي Moses Ben Joseph Kimhi شارح ولغوي والأخ الأكبر لداود القمحي ومُعلِّمه، عاش مع أخيه ووالده في ناربون Narbonne ومات حوالي سنة ١١٩٠، وأهم أعماله الباقية هي شروحُه على الأمثال وعزرا ونحميا وأيوب وقواعد في اللغة العبرية.
٥٦   إن الذين شغلوا أنفسهم بشرْح هذا النصِّ صحَّحوه على الوجه الآتي: «وهرب إبراهيم وذهب إلى بطليموس بن عميهود ملك جشور ومكث هناك ثلاث سنين وناح داود على ابنه كلَّ الوقت الذي قضاه في جشور.» وهذا ما نُسمِّيه التفسير. فإذا أذِن لنا عرض الكتاب بتغييرات العبارات بإضافة شيءٍ أو حذفِه فإني أُصرِّح بأنه قد أذِن لنا تحريف الكتاب وبإعطائه كلَّ الأشكال التي نُريد وكأنَّه قطعة من الشمع.
٥٧  الماسوريون Massortès هم علماء اليهود الذين ثبَّتوا القراءة الأخيرة لنصوص التوراة، وهم الذين دوَّنوا نُطق الكلمات وما نُقل لهم عن طريق الشفاه من قراءات، وكانت هناك طرُق كثيرة: اثنان في بابل واثنان في فلسطين.
أما علماء مدارس طبرية فقد وضَعوا طريقةً جديدة في أواخر القرن الثامن والنصف الأول من القرن التاسع وذلك لإظهار كلِّ الأصوات المنطوقة، وقد قام كتل Kittel في شتوتجارت سنة ١٩٣٧ بطبع النصِّ العبري على أساس قراءة الماسوريين في هذا العصر وقد لعِبت أسرة ابن عاشر Ben Asher دورًا مُهمًّا في صياغة هذا النص باستعمال الوسائل الآتية:
(١) نقط حروف العلَّة les point-voyelles بدلًا من حروف العلَّة توضَع فوق الحروف الساكنة وقد بدأت هذه المحاولة منذ القرن السابع.
(٢) علامات الأصوات les accents للتفرقة بين الكلمات التي تُكتب بالطريقة نفسها، ولكن يختلِف معناها حسب النطق (مثلًا في اللاتينية Mària تعني المُحيطات Maria تعني مريم).
(٣) علامات القراءة (التجويد) Signes diacritique، signes de lecture التي تُشير إلى تضعيف بعض الحروف الساكنة أو بعض التغييرات في القراءة (مثل Qéré أي ما يجِب أن يُقرأ أو Ketib أي ما يجِب أن يُكتب وقد ذُكر حوالي ١٣٥٠ مرة في النص العبري) ولا يختلف النص الماسورتي عن النص الذي ترجمه القديس جيروم Saint Jerome فقد بدأت مُحاولات توحيد النصوص بعد هدْم المعبد سنة ٧١ وقد أعطتنا مخطوطات البحر الميِّت معلومات قيِّمةً في هذا الموضوع.
٥٨  توراة بومبرج Bomberg هي التوراة التي طبعها دانيال بومبرج Danial Bomberg الذي تُوفِّي في البندقية سنة ١٥٤٩ وكان من أشهر الناشِرين للكتُب اليهودية وتُعرَف التوراة التي نشرَها باسم Biblia Rabbinica.
٥٩  رسالة الكتَبة Traité des Scribes يبدو أنها إحدى الرسائل التي تتحدث عن الكتَبة عند اليهود، وهم الذين عكفوا على دراسة التوراة أو عن أعمالهم. وفي FM رسالة النُّسَّاخ Traité des copistes.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤