مقتل أحد المتمولين ظلمًا

وصاحب المعدن بونو رجل غني اسمهُ دون خوسيف سلسيدو يعني يوسف من مدينة سيويليا، وكان يعطي عشور الفضة إلى الملك مليونين وسبعمائة ألف غرش. وذكروا لنا أن هذا الرجل كان يخرج من هذا المعدن كل يوم ستة آلاف غرش، فحسدهُ بعض أعدائه وأقاموا عليه بهتانًا وشهدوا زورًا قائلين: إن هذا قد اتفق مع أناس بيض ويريد يصير حاكمًا في هذه البلدة. فكتبوا إلى الوزير عن ذلك، فقام الوزير وجاء إليه، إلى جبل يسمى معادن بونو، حيث كان سكن هذا الرجل المذكور ومسكه وأخذه معه إلى بلد ليما، وشنق من أصحاب هذا الرجل بعض أناس، وضبط أموالهم، كما ضبط هذا المعدن للملك، وضبط أيضًا الحجارة التي كانوا طالعوها من المعدن ليخرجوا فضتها، وكان وزنها عشرة آلاف قنطار. وحبسهُ الوزير في السجن وألزموا عليه القتل، فطلب من الوزير قائلًا: اعرضوا أمري إلى إسبانية للملك، فإن أمر بقتلي فاقتلوني، وإن أمر بإعتاقي فأعتقوني، وأنا أفي جميع ما قرَّيت به، وها أنا في حبسكم مضبوط. فلم يسمع الوزير والديوان لأقواله، بل سجلوا عليه القتل من طمعهم. وكانت الضيع والبلاد من الفقراء والرهبان والراهبات والأيتام والأرامل يستغيثون لله لأجل خلاصه؛ لأنه كان في كل عام يفرق من الحسنة ثمانين ألف غرش. وأمر الوزير القاسي القلب بخنقه نصف الليل، وبعد قتله أرسلوا معلمين ليذوبوا تلك الحجارة ويطالعوا منها الفضة، فلما ألقوها في النار ظهرت إشارة الله وتحولت تلك الفضة إلى رماد، وصار ذلك عجبًا عظيمًا للناظرين والسامعين. وأما المعدن الذي كان يخرج منه حجارة الفضة فطاف بالماء وغرق وعدموه، وصارت هذه أعجوبة ثانية. وأما الوزير الذي قتله ظلمًا فبعد خمسة عشر يومًا بينما هو داخل إلى مخدعه تراءى له ذلك المقتول ظلمًا كأنه واقفٌ على الباب، فلما نظرهُ اعتراهُ الخوف والرجفة ودخل مرتعدًا من ذلك المنظر؛ فسألته امرأته السبب، فحكى لها ما نظر ثم وقع في الفراش مريضًا، وبعد ستة أيام مات، وصارت هذه أيضًا أعجوبة ثالثة أمام الحاضرين والسامعين. والقاضي الذي سجل قتله انشلت بعد أيام قليلة يداه ورجلاه. وهذه صارت عجيبة رابعة؛ لأن هذا الرجل المقتول كان ذا خيرات وأنعام مثلما سبقنا في القول، وخيراته لا توصف، وكان أبًا للأيتام والأرامل، وشفوقًا على الفقراء والمساكين، ومفتقدًا الديورة بكل الصدقات والنذورة، وكان ينقد البنات الفقيرات ويزوجهن. ولم يزل طول عمره في عمل الخيرات حتى إنه في جمعة الآلام أرسل مع أخيه إلى بلد الكوسكو سبعين ألف غرش ليقسمها على الكنائس والفقراء.

ولما كان هذا الرجل في الحياة قبلما يُقتل بمدة قليلة أقبل رجل فقير ذو عيال كان قد رافقه في المركب لما جاء من إسبانية؛ فعرَّفه عن أقنومه وعرض عليه حال فقره وكثرة عياله، فلما علم أن هذا كان رفيقه تحنن عليه وزعق «دعا» وكيل ماله وأعطاهُ مفاتيح الخزنة، وقال له: خذ هذا الفقير إلى الخزينة واتركه يأخذ قدر ما يريد من بارات الفضة. فلما حصل ذلك المسكين في الخزينة أخذ اثنتي عشرة بارة،١ وكل بارة تسوى ألف وثلاثمائة غرش، وأخرجها خارج المخزن، وراح يستكثر بخير ذلك الغني، فسأل الغني وكيل ماله قائلًا: كم بارة فضة أخذ هذا الفقير. فقال له: اثنتي عشرة. فرجع وقال للفقير: يا مسكين لماذا لم تأخذ أزيد من هذا العدد؟ ثم إنه استكثر بخيره وانصرف. وله على هذا المثال عمل خيرات زائدة الوصف. وكان له أخ مختفٍ، فلمَّا جاء وزير آخر ليحكم في ذلك البلد عرض على الملك أمر الرجل المقتول ظلمًا، فصعب ذلك على الملك والديوان؛ لأنه كان له نجمٌ سعيد ينفع الفقراء والمساكين، وخزينة الملك. فخرج أمر من الملك بالإنعام على أخيه المختفي، وأن يعطيه الوزير خمسين ألف غرش من خزينة الملك وأمرهُ أن يرجع يفتح معدن أخيه.

فأمَّا أنا فما لحقت ذلك المقتول في أيام حياته، لكن تصاحبت مع أخيه الذي يسمى دون كسبار دو سلسيدو. وهذا كان يجاهد مع مائة نفر ليفرغوا الماء من المعدن. وقال لي ذات يوم: يا صاحب، لماذا تروح إلى إسبانية بالعجل، اصبر هذه السنة حتى ننظف المعدن وأجهزك من الفضة بالذي يقسم الله. لكن أنا ما قدرت بسبب الوزير صاحبي المعزول الذي كان راجعًا إلى إسبانية، وهذا صار السبب المانع.

١  ﭘﺎرة: كلمة فارسية بمعنى: القطع. ثم جاءت بمعنى الهدية. لعلَّه أراد البدرة من المال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤